أبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون
مقال نشر في سنة سقوط الطاغية هدام سنة 1424 هجري إذ بعد سقوطه بأسبوع كانت ذكرى أربعين الإمام الحسين عليه السلام في هذه السنة
بسم الله رب الشهداء والصديقين :
أرادوا أن يطفئوا نور الله بكل وجودهم ومكرهم
وخداعهم وبكل أعمالهم وسيرتهم وسلوكهم وبكل تصرف لهم ، فمنعوا مراسم شعائر ذكر
الإمام أبا عبد الله الحسين وآله عليهم السلام ، وكل ما يشرق في مجالس ذكره من
تعريف نور هدى الله والتي فيها تحصل حقائق نور الإيمان والإخلاص والفداء في سبيل
معرفة الله وتطبيق تكاليف دينه الغراء التي شرفنا بها ، وبحقيقة دينه القيم وكل
تعاليمه الصادقة بحق ومن أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليهم وآله وسلم ، وكانت
المدة ما يقارب الخمسة وعشرون سنة ، ولكن آبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره
الكافرون .
فإن الحزب البائد وكل مظلم سار في ركاب قيادة المظلم المتصادم مع نور الحسين وأتباعه في العراق ، فإنهم بكل سبيل حاولوا أن يمنعوا من ذكر الإمام أبا عبد الله الحسين ومعرفة مجده وفضله ، حتى المسير له للإقرار بولاية الدينية وقيادته النورانية ، أو بإقامة مجالس ذكره وبالخصوص إعلان الرفض التام لكل ضلال وظلم وظلام اعتدى على الحسين وآله في كل مسير التاريخ ، وذلك لأنه كان ذكر الحسين يصرخ في وجههم ويبين حقيقة ظلمهم وضلالهم وظلامهم ، ولذا نشروا كل فكر معاند ومحارب لنشر نور هدى الله من الحسين ومن آله الكرام الطاهرين .
فإنه حتى لكاد أن يصيب المؤمنين اليأس من إقامة دين الله وشعائره وتعريف نور الإمام أبا عبد الله الحسين عليه السلام بما يرضي الله تعالى ، ونشر هداه الحق الذي أشرق من الإمام أبا عبد الله الحسين وآله الكرام بكل وجودهم ، وحتى لقد عرفهم الله في آيات البيوت المرفوعة رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ، ولا غيرها من ملاهي الدنيا ، فإنهم كان لهم تعريف هدى الله بكل وجودهم علم وعمل وسيرة وسلوك ، وقول وفعل يهدي لحق ويعرف الدين الصادق ويطالب بإقامة العدل والإحسان .
وبعد التي والتي وكاد الزمان أن يطول وقضي منه ربع قرن ، جاء نصر الله تعالى بما لم يحسبه لا المؤمنون ولا الكافرون ولا المشركون ولا الظُلام من حزب الضال المتصادم مع نور الحسين ، أو غيرهم ممن أقصاه من منصبه وجاء لنهب العراق وملكه ، فإنهم يعلمون أو لا يعلمون فإنهم مكنوا المؤمنون من نشر نور الإمام الحسين عليه السلام بأعلى إشراق له ممكن أن يظهر به عليه السلام من بعد يوم شهادة العظمى ، والتي أستحق بها أن يكون سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة .
ويكون معه في الفضيلة والشرف كل من سار على صراطه المستقيم مقتدي بمبادئه ومتحقق بنور هداه الحق الصادق ، والمصلح لشأن الإنسان في قرار نفسه فيمنحه العزة والكرامة في كل تصرف له يرضي به الله وبه يقيم له العباد العبودية ، ويقيم تعاليمه في مجتمعه وأسرته وجيرانه ودولته وكل ما يحيطه ، فإنه دين الله تعالى الذي يعم الحياة كلها في معارف آل البيت النبوي الطاهر الحسين وآله ، والكرام عند الله والمؤمنين والملائكة وكل الطيبين والأحرار والمنصفين في طلب العز والكرامة والمجد والشرف والإباء على الضيم .
وهاك يا طيب يا متنور بنور الحسين نسمع هذه القصص في سنن التأريخ الديني ، وفي حكمة الله في قانونه الرباني الذي شاء أن يجعل صبر أولياءه مناط لإمامتهم وملك لولايتهم النورانية كما قال تعالى : { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} السجدة24 ، وبكل تحمل من الشدائد من أعداء الدين والمنع فإنهم يعرفون ويقيمون حجة الله على كل العباد ، وبهم يُعرف عظمته ودينه حتى لا يبقى إنسان يمكنه أن يقول أني لم اعرف الصراط المستقيم للهدى الحق أو يقول عمي عليَّ سبيل النور الرباني وحقيقته ومصدر إشراقه من أولياء الله الصادقون المصطفون الأخيار ، والذين أختارهم الله تعالى على علم على العالمين ، فهذه القصص الدينية بنص سنن كلام الله المجيد يعرفنا حال من يريد أن يطفئ نور الله المشرق من ولاة دينه وأئمة الحق نبي الرحمة وآله الحسين وأبيه وأخيه وبنيه ومن يتولاه هداهم دين يعبد به الله .
فإنه قال تعالى :
{سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ} الأنعام148 .
ولكن لله الحجة البالغة عليهم إذ قال سبحانه وهو الصادق : {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} الأنعام149 .
وحجة دين الله الحق التي يقيمها بأئمة حق يختارهم لأنه هو الذي يختار أشرف خلقه لهداية عباده كما قال تعالى :
{ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } القصص68.
نعم وقد أختار لنا الله من قبل أهل البيت النبوي الطاهر الحسين وآله آل محمد وعترته الكرام كما قال سبحانه : { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } الأحزاب33.
فهم المطهرون من كل فكر لا يرضي الله تعالى حتى أنه كانوا الهداة بعد إنذار نبينا محمد لدين الله ، وهم كانوا شهداء حق لدين الله يعرفوه بكل وجودهم حين قال تعالى :
{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} الرعد7 .
فإن آل النبي المطهرون هم الهادة للحق بعد النبي ، وهم معرفي دينه الصادق وشهود العدالة الربانية في إتقان هداه سبحانه بالطيبين الطاهرين الذين أختارهم كما قال تعالى :
{ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ } هود17 .
وقد قال رسول الله في حق الحسين وأبيه وأخيه إنهم مني وآنا منهم في كثير من المواقف والأحاديث وحتى ليحفظ ويعرف بحق كل شيعة آل محمد قول النبي الكريم رسول الله في سبطه الكريم : حسين مني وأنا من حسين ، راجع ما ذكرنا في الباب الثاني من صحيفة الإمام الحسين وصحيفة ذكر علي عبادة من موسوعة صحف الطيبين .
فآل النبي الكريم وأهل البيت الطاهرين : هم من النبي وجود ودين ، وهو منهم بقاء لهداه الحق مشرق منهم وهم الصادقون إلى يوم الدين من غير ظلام يخالط معارف دينهم لأعدائهم ، وهكذا منهم كل من تولى دينهم بحق واقتدى بهم للسير بصراط المستقيم لهدى الله وعبوديته بحق .
نعم في هذه السنة 1424 وفي أيام الذكر المتجدد للإمام الحسين بذكرى شهادته ، يُعرف الله جل شأنه بحكمة لا مثيل لها دينه الحق عند الحسين وآله الكرام شاء المشركون والكفار أم أبوا ، وذلك بما يقيمه أنصار الحسين عليهم السلام في كل سنة من مراسم ذكراه التي تتجدد في شهر محرم وصفر ، وبالخصوص في العاشر من المحرم والعشرون من صفر ، أي بعد أربعين يوم من شهادة الإمام أبا عبد الله الحسين في سنة 61 للهجرة حين قارع الطغاة على الدين ، وعرفنا ضلال المتصدين للحكم فحاول إصلاح ما فسد من تعاليم الدين وما حرفه الظالمين ، وبكل وجوده عرف الهدى حتى الشهادة ، وبها عرفنا هو بل حكمة الله إخلاصه وتضحيته وفداءه من أجل أن يشرق بنور هدى الله ويعرفنا دينه القيم ، وبكل وجوده وبكل غالي ونفيس قدمه من أجل إعلاء دين الله ورفع كلمته عالية يراها كل منصف بتجدد ذكراه عند المنصفين والمؤمنين .
ولذا كان يقيمون أنصار الحسين ومواليه وشيعته في كل سنة ذكراه ليجددوا العهد مع العدل والهدى الإلهي وسنن الدين القيم وتعاليم الله الصادقة ، وليبقى صراط الله المستقيم في بالهم ومصدر إشراق هدى الله يقين في فكرهم ، به يُعرفون نور دين الله الحق عند الحسين وآله لأنفسه ولأهلهم ولكل طيب في الدنيا يطلب دين الله الواقعي من آل الهدى الصادقين والمتفانين بتعريفه .
فإن سيرة الحسين وآله المشرقة بالهدى الرباني شهد لها الله ، وذكر سبحانه بأنه في كل شيء من تصرفهم وسلوكهم فيه حقيقة تعريف دينه القيم ، وذلك لأنهم لم يلههم ملهى عن تعريف دينه لا في تجارة ولا في بيع ولا في أي مر يشغلهم عن تعليم معارفه ، كما قال الله تعالى :
{ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لاَ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}النور35.
هذا النور الذي يهدي به الله عباد المخلصين الذين يطلبوه بحق هو عند الحسين وآله الطاهرين كما قال بعد هذه الآية الكريمة ـ
{ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36)
رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (37)
لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } النور38.
وقد جزى الله الحسين وآله وشيعتهم المقام المحمود وجنة الخلد ، وجعله سيد شباب أهل الجنة ، وهكذا أنصاره يحفون معه في أي زمان ومكان كانوا ، وهذا فضل الله في تجدد ذكراه في كل سنة بل حتى كان عند المؤمنين والطيبين : كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء .
وأما مَن عاداه وحرف الناس عن نور هدى الحسين وآله فقال الله بعد تلك الآيات في حقهم :
{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39)أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} النور40 .
فليخسئوا أعداء الحسين ونهجه الحر ودينه القيم نتركهم .
نعم نور الله عند النبي وآله الطيبين الطاهرين الحسين وآله : رجال النور المرفوع ذكرهم الخالص لله تعالى ، لأنه يُعرفنا دين الله بكل وجودهم وتصرفهم وبكل قول وعلم وعمل لهم ، وهذا ما قام به أبو الأحرار ورمز الثوار أبا عبد الله الحسين وآله عليهم السلام ، وأدوا واجبهم الديني في مقارعة الظلم والضلال وتعريف دين الله الحق حتى الشهادة ، وهذا ما كان يحيه أنصار الحسين في كل سنة لتعريف كل الطيبين أن دين الله الحق عند الحسين وآله الكرام ، وأن الباطل والضلال والظلام عند أعداءهم ومن لم يقتدي بدينهم .
ولكن عرفت أن أوغاد من الحزب البائد المتصادم مع نور الله في العراق الجريح ، إنهم حاول أن يطفئوا بكل سبيل هذا النور المشرق من الحسين وأنصاره في كل زمان ومكان ، وبالخصوص في إحياء ذكرى ثورته التي تعرفنا وتميز يبن أهل النور والظلام ، وأهل الهدى والضلال ، حتى كاد أن ييأس المؤمنون من إقامة شعائر ثورته وإن لم يتوانوا بشتى السبل أن يعلنوا نور فدائه وتضحيته ، وذلك ليوجهوا الأحرار في الدنيا لمحل نور هدى الله عند الحسين وآله ، وأن الكافرون والمشركون بمنع ذكرى الحسين حسبوا أنه تم لهم ما أرادوا من كتم الحقيقة والهدى الواقعي لله عند الحسين وآله ، ولكن كان الله تعالى لهم بالمرصاد وهو متم نوره ولول كره الكافرون .
فإن هذا من قبل حكاه الله في كلامه المجيد بالتدبر بسننه الدينية لتعريف دينه الكريم وأولياء هداه الصادقون :
إن الكافرين والمشركين كانوا : { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) .
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } الصف9 .
فالله أخذ على نفسه أن يتم نوره ولو كره الكفار والمشركون ، فإنه حتى المؤمنون مع ما كان من جهادهم وصبرهم وتضحيتهم في التحقق بنور الإمام الحسين بالسر وتناقل قصص الكرامة والمجد له وتعريف نور هداه ، كان مع هذا كله قد أعيتهم الحيلة وسُدت أمامهم في العراق الجريح السبل لنشر نور الله المشرق بفداء الحسين وسيرته وما علمه في كل حياته ، وكادوا أن يحسبوا باءت جهودهم بالفشل كلما حاولوا إحياء ذكرى الحسين ، فيمنعها الطغاة على نور هدى الله الحق المشرق من الحسين في ذكراه ، ولكن جاء نصر الله من حيث لم يحتسبوا كما قال الله تعالى :
{هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ ِلأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنْ اللَّهِ فَأَتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ}الحشر2.
فإن قصور صدام وحزبه كانت خاص بهم ، وممنوع منها المؤمنون بل ممنوعون من كل خيرات العراق الجريح ، وكانوا بأشد حالة من التحريم الاقتصادي والضيق المادي وفي أدنا مستوى معاشي مع وجود النفط ونهرين عظيمين لأرض السواد والخيرات ، ويرتع حزب صدام وحدهم بخيرات العراق دون المؤمنين ، وقد عرفت كيف خرب الله بيوتهم بأيديهم وبأيدي كفار مثلهم بل ومؤمنين لم ينصروهم ، وكان الله يُصبر المؤمنين حتى جاء نصره كما قال تعالى يحكي سنن الدين وتأريخ الهدى الإلهي في السابق والذي ينطبق على ما نحن فيه :
{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى
يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ
أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} البقرة214.
وقال تعالى يعلمهم ويصبرهم : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ
مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ
مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}البقرة214 .
وفعلا جاء نصر الله وبالوقت المناسب جاء مشركون طامعون بالعراق الحبيب وثروته الغراء ، فأزالوا الكفار من حكام العراق المتصادمون مع نور هدى الله المشرق من الحسين في الوقت المناسب ، فأزالوه في أوائل شهر صفر سنة 1424 هجري ، فكان لأنصار الحسين الزمان الكافي لأن يتهيئوا لأن يقيموا شعائر الله في العشرين من صفر يوم ذكر الأربعين من شهادة الحسين ، وهي المناسبة التي رجع فيها أهل البيت من أسر الطغاة والكفار في سنة شهادة الحسين سنة 61 للهجرة .
فتهيئ المؤمنون بكل وجودهم ليعرفوا الدنيا كلها نور الهدى المشرق من الحسين وآله الكرام ، فأخذ أنصار الإمام الحسين في كل أنحاء العراق المظلوم يعدون العدة لأنه يعرفوا الإمام أبا عبد الله الحسين وإباءه على الضيم وطلبه لإصلاح ما فسد في دين أمة جده رسول الله ، وتعريف الحق من نور دين الله الصادق الواقعي الذي جاء به نبي الرحمة ، فقام بثورته التي عرفت الحق وأهله بأحد من السيف ، بالدم السائل بكربلاء ظلما على يد العتاة والطغاة على الحق والهدى في ذلك الزمان وفي كل زمان .
وبهذه المناسبة الحارة والمؤلمة التي يندى له جبين الإنسانية والتي فيها آلاف المراسلين والإذاعات المتواجدة في العراق لتغطية أخبار حرب العراق الظلوم ، بل حرب المشركين مع الكفار ، فأخذ كل المراسلين والفضائيات والإذاعات والتلفاز والصحف وشبكات الانترنيت والباتلاك وكل المواقع الموالية والمعادية ، تدري أو لا تدري تعرف نور الإمام الحسين عليه السلام وتجدد ذكراه من أنصاره ، والذي في تعريفه حقيقة محل دين الله وهداه الصادق الواقعي ، وذلك عندما ينقلون ما يحيه أنصار الحسين وشيعته الذين يغلبون على سكان العراق الجريح ، وفي الذكرى السنوية لهذه المناسبة الشريفة أربعين الإمام الحسين عليه السلام .
وبهذا يا منصف يا مؤمن بقدرته الله وكيف يقيم الحجة على كل عباده في تعريف دينه الحق ، تقر وتتيقن بأنه الله العليم الحكيم والقادر المتعال ، بكل سبيل يُعرف دينه الحق بالنصر الظاهري ، أو بنشر حوادث مظلومية أولياءه وكيف أنحرف عنهم الناس حتى قتلوهم ، وتعدوا على المجد والشرف والإباء والإصلاح والعدل الذي جاء به المصلحون ، والمخلصون لتعريف دين الحق ونور هداه لعباده الطيبين في كل مكان وما حاولوا لتطبقه فيهم في زمانهم .
فإنه قد يعمى الإنسان فيحارب الحق ويعتدي على الهدى ، كما حاولو صلب المسيح أو قتل يحيى وأهدي رأسه لبغي من بغايا بني إسرائيل .
ولكن الله عرفهم للناس بأجلى نور مشرق منهم نور دينه ، فعرّفنا سبحانه بشهادتهم ومحاولة قتلهم أو في قتلهم إخلاصهم وتفانيهم في نشر دين الله وهداه الحق حتى الشهادة ، وأنهم المخلصون في دينه ولم يثنيهم شيء عن الإشراق بنور الله وتعريف الهدى الواقعي ، ولم ينحرفوا في الشدائد والصعاب ، فيخونوا كما خان أصحاب الظلام صدام وحزبه وهجروا صاحبهم ولم يدافعوا عنه وسلموه بكل وداعه لخصمه لعدم إيمانهم به .
ولكن أنصار الحسين المخلصين كانوا في كل زمان يحاولون بكل جهدهم يعرفون الحق ، ولكن يمنعهم عتوا الطغاة وأنصار الكفر والباطل وما أكثرهم في الدنيا حتى قال الله تعالى وقليل من عبادي الشكور ويجتمعوا عليهم بالنار والحديد ، فتسيل من المؤمنين الدماء المظلومة وتزهق الأرواح الشريف لتعريف نور الله المشرق من الحسين في كل ذكرى له ، وفي كل سنة كانت من سني عهد الطغاة ، فإن الحسين كان وما زال حرارة إيمان تنبض في قلوب المؤمنين تشدهم للصبر والتحمل للمصائب العظام حتى ينشروا نور الله ، ولو طغى كل أهل الدنيا من غير المؤمنين من أنصار الحسين عليه السلام .
فإن صدام وكل ظلام لأوليائه من قبل تنفد وأنكشف وفضح بيد المشركين أو بيد الموالين للحسين أو بيد غيرهم ، فإن أنصار الحسين بإقامة ذكر الإمام الحسين عليه السلام في هذه السنة من أربعين الإمام الحسين وما أدوا من إقامة شعائر الله فقاموا بواجبهم ، وإن الإذاعات والفضائيات والتلفاز المتواجد بالعرق والانترنيت وشبكاته ومواقع أخباره والصحف وكل شيء ، ينقل نور الحسين المشرق من أولياءه وما يقومون من تعريف الحق ودين الله الواقعي عند الحسين وآله الكرام آل البيت الطاهر الأخيار المصطفون الكرام عند الله وكل الطيبين عند تجديدهم لذكرى شهادته أو ذكرى الأربعين منها ، وبهذا أقام الله حجة البالغة على كل خلق وأتم نوره ولو كره الكافرون.
وبهذا كأنه الله سبحانه يعرفنا بأنه في هذه الأيام الشريف المناسبة لإعادة الرأس الشريف للحسين الذي حمله أعداء الله للشام بعد قتله وحملوه من غير مستنكر لهم في كل البلاد ، وبعنوان خارجي على دين جده محمد ظلما وعدوانا وطغيانا واستهزاء بالدين وأهله ، في هذا اليوم عشرون صفر بعد أربعون يوم من شهادته أعاده آل الحسين لجسده الشريف فدفن معه في هذا اليوم ، وبقي يشرق نور يعرف الحق وهدى الله الواقعي على طول الزمان وفي كل مكان حين يقيم أنصاره هذا الذكر المؤلم والواقعة الأليمة .
وهكذا حتى أعداءه والكارهون لذكره يعرفوه للناس الحسين ومبادئ الحق في ثورة يدرون أو لا يدرون حين ينقلون للعالم بكل وسائل الاتصالات عندهم ما يقوم به أنصار الحسين من إحياء ذكراه بهذه المناسبة بعد الحرب وبعد لم تقم حكومة رسمية للعراق وهم بقوا ليعرفوا من جرحهم الظلم والطغيان ما سيقومون به لإعادة حقهم وتعريف نور شرفهم ومجدهم مقتدين بالحسين عليه السلام .
وبهذا بانت حكمة الله بهذه الأحداث الصعبة والمؤملة في العراق وما يصادفها من مناسبة إقامة مراسم ذكرى الحسين في الأربعين من شهادته ، ليعرف الله دينه الحق عند الحسين عليه السلام ، وحتى يقوم المنصفون منهم وكل من يطلب المجد الواقعي الصادق والشرف والكرامة لأن يسأل لنفسه :
لماذا ثار الإمام الحسين عليه السلام ؟
هل حل أمر عظيم بالدين لا يستحق معه الإنسان الحياة الدنيوية ، وإنه قد حرفوا الناس عن دين ، وصار المنكر معروف والمعروف منكر ، فكان الواجب تقديم النفس والتضحية بالأخوة والأولاد والأصحاب والأهل كلهم ، من أجل إقامة الإصلاح في الأمة بتقديم الغالي والنفيس حتى الشهادة ؟
من حرف الناس حتى وصل لأمر بالمسلمين حتى جعلهم يفتخرون باسم الدين بقتل أولاد الأنبياء والشرفاء والنبلاء حتى قتلوا سيد شباب أهل الجنة وسبط نبي الرحمة وآله بغير رحمة ؟
لماذا يقيم الموالون للحسين بإقامة مجالس عزاءه وذكره بهذه الحرارة ؟
أيريدون أن يعرفوا الحق وأهله ونور الله عند الحسين وآله الكرام ؟
أيردون أن يقروا لله ولرسوله أن الحق مع الحسين وأنهم سائرون على منهجه الشريف ؟
أيردون أن يتقربوا لله بنصر الحق وكشف ظلام الضالين المغضوب عليهم الذين اعتدوا على الحسين ، ورفض كل من مكنهم منه ؟
أم يخنع ويلوي رأسه لكي لا يمس بسوء أعدائه الضالين والطغاة بما يغيضهم ، فليسكت وينام على الكفر والضلال ، ولا يكشف سوء سريرتهم ودينهم وكل فعل عملوا وعلموه من أجل تثبت حكمهم والعيش الذليل عند الله في أيام سلطانهم ، ولو بقتل الدين ومحاولة إطفاء نور الله بكل وجودهم حتى أضلوا الناس عن الحق وأهله على طول الزمان عند أتباعهم ؟
أم الإنسان الطيب والفاضل الشريف والماجد : يرفض كل باطل وينهض كالحسين وأنصاره فينشر الحق ، ويثور على الظلم ويتحقق بمبادئ الحسين عليه السلام ، ولا يقبل الظلم والكفر والشرك وكل ضلال كأمر واقع ، فيدين بحق بدين الحسين وآله الذين طهرهم الله وأمر بمودتهم ووجوب الإقتداء بهم أخذ دينه الحق منهم ؟
حقا ما يقولن أولياء الحسين في مجالس ذكره هل ينقلون كلامه الشريف والطيب ، ما هو كلامه ما قال في ثورته ؟
ولتعرف ما قال عليه السلام إليك مقال ذكرناه من قبل حياة للقدس من الحسين عليه السلام في مقال قد كتبته من قبل ، بل حياة للعراق من الحسين عليه السلام .
وفي هذا الرابط بعض الأقوال عن الإمام أبا عبد الله الحسين عليه السلام ، والباقي راجعها في صحيفة نور الإمام الحسين سر تمجيده والانتساب إليه من موسوعة صحف الطيبين .
هذا وأنا خادم علوم آل محمد الشيخ حسن جليل حردان كلي أمل في هذه الأيام الشريفة أن يُعرف المنصفون وأنصار الحسين محل دين الله عند الحسين وآله ، فإنها حكمة الله في العراق وأهله ليقيم حجته البالغة على كل البشر .
فإنه لا يهم عند الله ملك الدنيا التي بكل نفطها وطغاتها لا تساوي عنده جناح بعوضه ، بل يريد الدين ومعرفة الحق والإيمان به حتى في أشد الظروف والملابسات .
ولا يعني تسلط الظالم أنه مؤيد من الله ، بل ليعرفنا أنه من تحمل الظلم كان كالحسين موالي له ناشر لنور الله في كل حال ويثبت عند الله إخلاصه في كل الظروف فنال نعيم الخلد جنة عرضها السماوات والأرض ويكون في نعيم دائم وله رضى الله الأكبر ، ويكون كالمسيح لم ينثني عن دينه ولو أعطوا أكبر جائزة لمن يعثر عليه ليصلب حتى رفعه الله ، وكيحيى لم يداهن في شعائره وقيامه بالواجب من نشر دين الله وقول كلمة الحق التي فيها رضى الله تعالى ولو قطع إربا إربا وهكذا فعل بالحسين وأنصارهم الطغاة على طول الزمان.
وهكذا كان مثل أولياء هدى الله الحسين وآله والأنبياء الصابرون في جنب الله ، كل الثوار والأحرار الذين ساروا على نهجهم من أجل نشر دين الله المشرق من أئمة الحق والهدى في كل زمان ومكان ، وتعريف ما محل بهداه عند المصطفين الأخيار دون غيرهم .
وهذا بلاء الله واختباره يفوز به المؤمنون في كل حال ، ويخسر به الكفرة والمشركون في أي حال لهم ، وما الدنيا في الآخرة إلا قليل لا تقاس ، وعند ذلك تعرف لمن الفلج والفوز والفلاح ثكلتك أمك يا ابن مرجانه ويا بن العوجه .
بسم الله الرحمن الرحيم
{ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا }النصر3.
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حرادن الأنباري
موقع موسوعة صحف الطيبين