هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في  أصول الدين وسيرة المعصومين
قسم سيرة المعصومين/ صحيفة الإمام الحسين عليه السلام/
 الجزء الأول: نور الإمام الحسين سر تمجيده والانتساب إليه

الباب الأول

تمجيد الإمام الحسين عليه السلام
شرف وعز وكرامة للمؤمنين للطيبين


الباب الأول لصحيفة الإمام الحسين عليه السلام في بحوثه أنوار لمصباح هدى ومجالس ذكر لسفينة نجاة :

ففي هذا الباب رسالة وبيان يهم كل المؤمنين الطيبين لمعرفة سر تمجيد الإمام الحسين ، وفي إي مكان تواجد الخيرين والموالين لأشرف الأنبياء والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين ، ويعرفنا سبب كون ذكر الحسين شرف للمسلمين وأسوة وقدوة للمؤمنين ودروس وعبر للطيبين .

وهو بيان رفيع الشأن لأنه يمهد لمعرفة كل البحوث الموجودة في صحيفة الإمام الحسين عليه السلام ، وشرح لطيف حَسِن يكون أساس لكل ما نذكره من مقال وموضوع في سيرة وأقوال وأحاديث الإمام الحسين عليه السلام ، وما يمكن أن نستفيد منها من الدروس والعبر والمواعظ التي تهدينا لتحصيل اليقين الموجب للتأسي والإقتداء بنوره عليه السلام ، وضرورة الاقتباس من نور معارفه وسيرته وهداه وأهداف ثورته وإقامة ذكره ومعارفه في مجالسه ، وذلك لأنه يبين مقام الإمامة واس وجودها ، وكيف عرف الإمام الحسين ضلال أعدائهم الظالمين .

ونجعل بحوث الباب : في أنوار تشرق من مصباح هدى  ، وبها نتعرف على شأن الإمامة وسر الله فيها لرفع الأمم لكل شرف ومجد وعز وفخر على طول التأريخ ، وبالخصوص في الإسلام بتوسط أئمة الحق والهدى من آل محمد صلى الله عليهم وسلم . ثم نتبعها إن شاء الله بمجالس ذكر في سفينة نجاة : نذكر فيها بعض الأسباب التي جرفت المسلمين في الظلمات اللجة لبحر ظلام أئمة الكفر وأتباعهم ، وكيف تّم نجاة المؤمنين بالإمام الحسين عليه السلام في كل الزمان وفي أي مكان كانوا. ونسأل الله أن يجعلها تشرق في قلوبنا نور الإيمان واليقين ، ويجعلنا نفهم المعنى العميق لحكمته رب العالمين في تمجيد وتجديد ذكرى الإمام الحسين عليه السلام عند المؤمنين الطيبين ، فهنا أنوار تشرق من مصباح هدى وبعدها مجالس ذكر لسفينة نجاة :

إلى أعلى مقام في الصفحة نورك الله بنور الحسين وآله الكرام عليهم السلام


تفضل يا طيب إلى الفهرس العام خلصك الله من دين أئمة الضلال والظلام


مصباح هدى

المجد يُعرف بأئمة الحق وأختص بآل الحسين

نبيا محمد وآله

صلى الله عليهم وسلم

 

الباب الأول لصحيفة الإمام الحسين عليه السلام :
في بحوثه أنوار لمصباح هدى ومجالس ذكر لسفينة نجاة :
مصباح هدى :

   المجد يُعرف بأئمة الحق وأختص بآل الحسين نبيا محمد وآله : وفيه أنوار :

النور الأول : تأريخ الأمم المشرق يُعرف بتأريخ أئمة الحق فيها .
النور  الثاني : تقارن نور أئمة الحق ونور الفطرة من سنن الله التشريعية .
النور الثالث  : قيم المجد ونور الفضيلة الإلهية في نظر المؤمنين وغيرهم : الإشراق الأول : قيم المجد والفضيلة وفق والوجدان والعقل الشريف .الإشراق لثاني : آيات كريمة في قيمة الأمم وأحوالهم في الفضيلة والكرامة والمجد .
النور الرابع : من سنن الله حفظ نور هداه التشريعي بأئمة الحق .
النور الخامس : المجد والحياة الكريمة التي تسعد البشر في الإسلام وتعاليمه .
النور السادس : أئمة المسلمين بعد خاتم المرسلين آله الطيبين الطاهرين .

 


 

أنوار مصباح الهدى :

إلى أعلى مقام في الصحفية نورك الله بنور الحسين وآله الكرام عليهم السلام


تفضل يا طيب إلى الفهرس العام خلصك الله من دين أئمة الضلال والظلام


النور الأول

تأريخ الأمم المشرق يُعرف بتأريخ أئمة الحق فيها

تأريخ الأمم والأقوام يُقدر ويُقوّم بسيرة وتأريخ أئمة الحق وسادتهم الحقيقيين ، والهداة لنعيم الصراط المستقيم الذي فيه تعاليم رب العالمين ومعرفته :

فبمقدار عظمة وشموخ هداة الأمم وأئمة الحق فيهم ، يُعرف سمو الأقوام وكرامتهم في حياتهم .

وبمقدار معرفتنا لشأن أئمة الحق والهداة لتعاليم رب العالمين وعزهم الحقيقي وشرفهم وكرامتهم عند الله وفي تأريخ المجتمعات والأمم ، نعرف شأن وشرف تلك الأمم وكرامة الأقوام التابعة لهم .

 وبمقدار إقتداء الشعوب بهؤلاء القادة الربانيين والسادة المهذبين على طول التأريخ ، نعرف أن تلك الأمم كان لها تأريخ نبيل مجيد وعز تليد حميد ، عاشت فيه ، ورفلت في منهل شموخه ، ونهلت من عذب معارفه القيمة السامية .

وذلك لكون وجود أئمة الحق : هو الذي يعطي قيمة للشعوب ويرفع شأن الأمم ، وهم الذين يوصلونهم لحقيقة الإنسانية والكمال في الأخلاق والتهذيب ، وهم الذين يقومونهم من الانحراف الذي يصيبهم عند تسلط الفاسقين والجائرين .

وهؤلاء القادة الربانيين : هم الذين غيروا مسير تلك الأمم من الانحطاط في مهاوي الفسق والفجور والظلم والعدوان والفساد في الاقتصاد والسياسة والاجتماع وكل صور الحياة ، إلى الحياة الكريمة الشريفة السعيدة التي فيها عز وكرامة لأهل تلك الأمم والأقوام ، ولكل من سار على نهجهم من كل المجتمعات والشعوب .

فبوجود هؤلاء القادة الكرام وأئمة الحق : وسادات الأمم يمكن معرفة وجود تأريخ كريم لتلك المجتمعات والشعوب التابعة لهم ، وأنهم عاشوا في سعادة حقيقية سلكوا فيها في مسير حياتهم ، وساروا عليها في صميم وجودهم وعقائدهم ، وإن تسلط عليهم حكام ظالمين وساسة فاسقين ، فحياة الأمم تُقيم وتُقدر بوجود باعث الإيمان والصلاح والهدى فيهم .

 فبتأريخ حياة أئمة الهدى في الشعوب والأمم بل والأفراد وسيرتهم معهم على طول التأريخ ؛ يعرف فوز ونجاح تلك الشعوب والمجتمعات والأفراد السائرين على نهجهم القويم ونعيم صراطهم المستقيم ، أو خسرانهم بتركهم لأئمة الحق والهدى والانغماس في ظلمات أئمة الكفر وضلالهم ومهاوي النفس .

وتأثير أئمة الحق والقادة الكرام لتغيير مسير الأمم والشعوب : نحو الصلاح وزرع الأخلاق الكريمة والقيم السامية فيهم ؛ قد يكون له تأثير كبير وعميق ويبقى في نفوسهم وأرواحهم وعقولهم زمان طويل ، ويعيشوه حياة وفكرة ودين في كل أدوار تأريخ حياتهم ، ويسترفدون منهم على الدوام عزهم ومجدهم سواء كانوا أفراد أو مجتمعات أو شعوب وقبائل وأقوام ، كما لا يحصر وجودهم وتأثيرهم بزمان معين ولا بقعة محددة .

كما قد لا تخبوا تعاليم أئمة الحق ونعيم الهدى والصلاح التي علموها ومعارفهم من أرواح تلك الشعوب والأمم والأقوام ، ولا يتزلزل اعتقادهم بتلك القيم السامية الشريفة وإن حكمهم الظالمون والمتجبرون والمفسدون .

ويشهد لما ذكرنا ويصدقه : إنك ترى كل المجتمعات وكل أفراد تلك الشعوب لا يمجدون إلا من كان مرشدهم لتعاليم الله تعالى ومعارفه ، ولا يمدحون إلا من كان معلمهم للأخلاق الفاضلة والقيم السامية الكريمة ، وتراهم يثنون في كل شعائرهم وكلامهم وسيرتهم وطريقتهم السليمة في حياتهم على أولئك الأشراف الكرام الذين ساروا بهم للهدى والصلاح ، وصححوا مسير حياتهم من الهمجية والجاهلية وشريعة الغاب إلى الحياة الفاضلة الشريفة التي يسودها العدل والإحسان ورضا الله ، وطلب القسط والإنصاف في المعاملة والعشرة والسير والسلوك في الحياة .

فلذا ترى مراقد أئمة الحق وآثارهم الكريمة : تزار ويتبرك بها المؤمنون ويجددوا عهد الله وطلب طاعته ومغفرته فيها ، ويقال لهم طبتم وطابت الأرض التي فيها دفنتم يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيما ، وإنا على العهد الله معكم وناصرين لسنتكم وتعاليمكم ، التي فيها المجد والخير والفضيلة ورضا الله تعالى .

وأما مراقد وآثار قصور أئمة الكفر الخربة : ينظر لها بإعجاب ثم يقال أين الطغاة الذين سكنوك ، فينقلب منها الناس الطيبون بلعن ذلك الظلم والجور الذي سخّروا به الناس لبنائها بالقسر والعدوان ، فتكون آثار أئمة الظلم وأتباعهم عبر ومواعظ تدعوا للتفكر فيها بعظمة الله وقدرته على إهلاك الكفر وأهله والجور والظلم والعدوان وأتباعه ، ولا يعتني المؤمنون بما كانت عليه قدرتهم وتجبرهم ومدة حكمهم ، ويسألون الله أن يبعدهم عن ظلامهم وظلمهم وكل معصية صدرت منهم .

 

 

إلى أعلى مقام في الصحفية نورك الله بنور الحسين وآله الكرام عليهم السلام


تفضل يا طيب إلى الفهرس العام خلصك الله من دين أئمة الضلال والظلام


النور  الثاني

تقارن نور أئمة الحق ونور الفطرة من سنن الله التشريعية

الوجود النوراني لأئمة الحق : والذين هم الأنبياء والمرسلين وأوصياءهم من سنن الله في الكون ، وهي سنة تشريعية كسنن الله وقوانينه الكونية الحاكمة على نظم وجود العالم المادي وهدايته لغايته وغرض وجوده ، والله تعالى الحكيم الخبير أحكم وأتقن هداه التشريعي بوجود أئمة الحق من الأنبياء وأوصياءهم بكل صورة ممكنة ، والهدى التشريعي قد يفوق الهدى الكوني وإن كان الهدى التشريعي من غير قسر ولا إجبار ولا إكراه .

وذلك لكون الله تعالى : زرع وأوجد في صميم وجود الإنسان نور الفطرة ، والذي هو حب الكمال المطلق والشوق للهدى الصحيح الصريح الذي يوصل للعدل والإحسان ، ولمكارم الأخلاق الفاضلة والتعاليم السامية الشريفة ، مع رفض وكراهة للظلم والجور والعدوان والفسق والفجور بكل أنواعه .

وما جعله الله سبحانه من سنن وقوانين هداه التشريعي مع ارتباطها بوجود أئمة الحق الصالحين وتعاليمهم ومعارفهم على طول التأريخ وفي كل زمان ، هو لبيان هذا الكمال المطلق الصحيح والصراط المستقيم السالم من الضلال المزروع في وجود بني البشر وأرواحهم الطيبة وعقولهم السليمة .

فإن حب الخير والكمال موجود في البشر : في عين وجدانهم وفطرتهم ، والتي يشعر بوجودها في قرار نفسه كل إنسان طيب ومنصف يحب الكرامة والشرف والعز والمجد ، ويتوجه له كل فرد بأقل النفات ولا يحتاج لدليل وبرهان ، أكثر من إشباع وتلبية طلب النفس الشريفة والروح العفيفة التي ترنوا وتشتاق للعز والجمال والسعادة والكمال بكل وجودها .

 فإذن أئمة الحق الربانيون : هم الذين يعلمون الناس ما يطلبوه بكل وجودهم ويشتاقون لمعرفته بفطرتهم وعقولهم السليمة وبوجدانهم الصاحي وضميرهم الحي .

فلذا لا ترى يفتر في قوم أو أمة حب الكمال وطلب الصلاح ، إلا وبعث الله تعالى فيهم من الذين أنعم عليهم وأعزهم بهداه نبي كريم ومرسل بيده السراج المنير الرباني ، وبه يرشد الناس للهدى ويدلهم لصراطه المستقيم ، ولذا طلب منا الله تعالى الاستعانة به في كل يوم في الصلاة لكي نصل لتعاليم وهدى المنعم عليهم من عباده الذين جعل دينه القويم وصراطه المستقيم بتعاليمهم وسيرتهم وسلوكهم وأحاديثهم ، ويعرفه ويصل له المؤمنون والطيبون ويصدقونهم فيما يدعون له بمجرد الالتفات لحديثهم وسيرتهم وتعاليمهم ، فيروهم أهل لأن يقتدي ويتأسى بهم ويتعلم منهم ، فلذا لا شيء في الوجود له عز وكرامة وشرف ، إلا وترى تعاليمه ومعارفه بيد المنعم عليهم وأئمة الحق من عباد الله المكرمون .

وهؤلاء القادة الكرام وأئمة الحق والهدى : المؤيدون بتسديد الله هم الذين يثيرون في الناس سبيل الفطرة ويرشدوهم لتعاليم الحق والهدى الصادق ، وهذه سنة الله وسبيله كان وما زال على طول التأريخ مع كل البشر ، ولله الحجة البالغة على كل فرد منهم من أول يوم وجودهم إلى يوم القيامة .

وبهذا السنة التكوينية والتشريعية لهداه المتقن المحكم الحسِن : جعل الله تعالى تلاقي نور تشريعته الذي يشرق من أئمة الحق مع نور الفطرة ، وبتعاليمهم وهداهم يتوجه الطيبون لنعيم الله وكرامته في إعطاء المجد والعز والكرامة والفضيلة للإنسان ، كما أن من أظلم نور فطرته وتدنست نفسه بالمعصية والطاعة لأئمة الكفر يهجر أئمة الحق ويعشى عن رؤية نورهم فيخسر المجد وينحط في الرذيلة ثم يكون في غضب الله والضلال المبين ، أبعدنا الله من التعصي على نور الله وهداه.

 

إلى أعلى مقام في الصحفية نورك الله بنور الحسين وآله الكرام عليهم السلام


تفضل يا طيب إلى الفهرس العام خلصك الله من دين أئمة الضلال والظلام


النور الثالث

قيم المجد ونور الفضيلة الإلهية في نظر المؤمنين وغيرهم

 بعد أن عرفنا شيء عن قيم المجد والفضيلة في سنة الله ووجودها في التكوين الكوني المتقن الذي يدل عليه كل شيء ، وبالخصوص التكوين الأولي لفطرة الإنسان الطاهر النظيف ، والتي لم يدنسها بالظلم والعدوان وضلال الهوى ولم ينصاع لوساوس الشيطان وزينة الحياة الدنيا ، وكيف أنها مقترنة بسنة إلهية كريمة أخرى هي أنه تعالى جعل معارف هداه ونور دينه عند أكرم خلقه وأشرفهم .

وذلك ليعلموها للناس كما سنها سبحانه وأنزلها وعلمها من غير انحراف عنها ، بل توصلهم لكل سبيل نعيم وخير وبركة في كل شيء من مجالات الحياة بكل أنواعها ، وبهدى تام على صراط مستقيم ، فضلا عن شكر المنعم تعالى وإقامة العبودية بإخلاص له وحده لا شريك له ، حتى ينال الإنسان رضى الله ويرفل في نعيمه الخالد الذي فيه أحسن الأجر ولا ينغصه شيء وفي محل الكرامة عنده للمؤمنين ، والذي خصه تعالى للمقتدين بنور هدى أئمة الحق ، دون غيرهم الذين خسروا أنفسهم وأضلوها عن حقيقة نعيمه وهداه ومعرفته وعبوديته الصادقة المخلصة له .

 نتعرف هنا على قيم المجد ونور الفضيلة ومقياس الكرامة والشرف والفخر عند الناس المؤمنون وغيرهم ، ثم نذكر آيات قرآنية كريمة تبين المقياس الحقيقي وفق تعريف الله تعالى لقيم المجد والفخر والفضيلة .

 

الإشراق الأول : قيم المجد والفضيلة وفق والوجدان والعقل الشريف :

في الحقيقة إن العمران هو للروح قبل البدن وإن الروح يجب أن يسكنها المجد والعز والمحبة ، والكبرياء في رفض الظلم والخنوع للذل ، ولو كان آلاف القصور وكان فيها الظلم وأهلها مقهورين في أنفسهم ومبادئهم للظلمة ومستسلمين للجور والفسق والفجور ومُستعمرون في فكرهم ودينهم وقلوبهم ، فهذه الأقوام تكون أقوام ذليلة عاشت حياة تعيسة ، وليس لها قيمة شريفة لا عند الله ولا عند الناس ولا في أنفسهم .

ولو كانت بيوت الناس والأمم خربة وقد عاشوا في فقر ، وكان عندهم همم عالية للمحبة والطهارة ورفض الظلم والجور والعدوان ، وعندهم عداء لأئمة الكفر ومبادئهم ، فهم يعيشون أعزاء عند الله وقيم العدل والإحسان والفضل والشرف والغيرة ، بل عند أنفسهم وعند كل الطيبين والمنصفين ورب العالمين.

فكيف إذا كان هؤلاء الذين لهم موصفات المحبة والعزة والفضيلة هم الذين يحكمون القصور ويحكمون أنفسهم ، ولم يجري المكر والحيلة والخداع والغش عليهم فيسلبهم حريتهم في الكلام والعلم والعمل ، وفي ممارسة شعائر الدين الحنيف وإقامة العبودية لله تعالى ، فهم في نور على نور وهم أعزاء في الظاهر والباطن ، وإن كان غلب على الناس هوى النفس وزينة الدنيا المادية فقاموا يقدسون الظواهر ويتركون الجواهر ، وعندهم الحياة مظلومين ولهم بعض النعيم الزائل مع المكر والحيلة والغش والخداع ، أكرم من الحياة الفاضلة مع المنصفين وأهل الحق والدين ، وبالخصوص مع الفقر .

ولذا بعض الناس قد يزورون آثار بابل أو أهرام الفراعنة أو مخلفات الروم وفارس وعاد وثمود ، وغيرهم مما يذكر بزينة الحياة الدنيا ، وكل ما موجود من آثار قديمة لأمم تدل على قدرتهم وتمكنهم في الصناعة والبناء ونوع من التقدم المادي والعسكري ، وفيها يعتبرون بل موقنون أنه كان النعيم وملك العظمة والمجد ومقر الفضيلة ، وإن عرفوا ما كان يسكنها من الظلم والعدوان ومكر أهلها وخداعهم لشعوبهم ، وقد يقتدون بهم فيرون أنه يجب أن تبنى القصور ويسخر الناس لبنائها بما يدل على القوة والثروة ، ولو بكل صورة يتم فيها ظلم الناس وغصب حقوقهم والعدوان عليهم وسرقة الشعوب وكرامتهم .

والمنصف من بني البشر يرى أتم العبرة في مخلفات الأمم السابقة وقصورها وآثارهم ، ويرى أنه كانت هنا أمة قد درست وظلم مضى ، ولا يجوز أن يتخذوا مؤسسيها قدوة وأسوة في تشكيل المجتمع والأسرة والفرد والاقتصاد والسياسة فضلا عن العلوم الاجتماعية والدينة ، لأنهم لم يتركوا كثير من الآثار التي تبين تطورهم في هذا المجال ، وإن حكام هذه الفترات كانت لهم أراء شخصية بحثته ، وإذا لم يكن فيها عدل وإنصاف وإحسان وبر ورفض للظلم والعدوان ، فهي تعاليم لم تكن موافقة لطلب الفطرة الطاهرة ولا دليل على أنهم أئمة حق يدعون لما زرعه الله تعالى في كيان الإنسان من حب الخير والفضيلة والمجد ، والعز الطيب الطاهر من الظلم والعدوان والغش والخداع والمكر والحيلة ، والخلاص من كل رذيلة وفسق وفجور ومعصية تكون فيها جناية في الخُلق والسيرة والمجتمع والدين وليس فيها رضا رب العالمين .

نعم أثار الأمم الغير متدينة وبقايا الحكومات والمدن ومقرها القديمة تزار للعظة وللعبرة بالتأريخ ولمعرفة لما عليه الأمم السابقة، وما هو مصير البشر وكيف لا يحميه مُلك ولا نعيم زائل ، وأنه عليه أن ينصف الناس ونفسه ويتوجه لرضى ربه ويشكر من مكنه منها ، وليعرف أن قياس مجدها الطاهر وتقييم عزها الكريم عند معرفة تأريخ أئمتهم وسيرتهم مع قادتهم وما أبقوا من تعاليهم ، وبها يعرف إن كانوا أئمة حق فأنهم كان يدعون لما يدعو له الله تعالى من حب الكمال والمجد والخير والفضيلة وكل ما فيه عدل وإحسان ، وإلا لا خير كان فيها ولا مجد واقعي يعرف لهم قد تحققوا فيه إلا بناء ظاهر يشير لبنائه بجهود المستضعفين من الأمم وسرقة ممتلكاتهم وغصب حقوقهم في الغالب ، ثم يدرس تأريخ الشعوب وأحوالهم مع قادتهم المؤمنين وغيرهم وأن الشعوب كانوا أنصار الظلمة أم مع الحق وأهله من أولياء الله والدعاة لدين الله تعالى ، وبهذا يعرف مجدهم وفخرهم وعزهم الحقيقي من عدمه ، وبهذا يتم التفكر ومعرفة الحق وأهله وما هو مصير الناس كان وما يجب أن يكون عليه .

وبهذا عرفنا أنه الحق في معرفة مقياس الكرامة والفضيلة والمجد للأمم والشعوب هو ليس في مجرد آثارهم المادية ، وعظمة بنائهم بأي حالة كان حكامها حتى لو كانوا معادين لأئمة الحق والهداة الإلهيين ومخالفين لهم ، بل إن كان قادة الأمم عدول وهم في إطاعة تعاليم رب العالمين ، والتي هي عند أشرف خلقه من أئمة الحق ، وأنهم قد كانوا أقاموا له العبودية بها في كل شيء من تطبيقها في مجالات الحياة فضلا عن العبادة الخاصة مثل الصلاة وغيرها ، ففي هذه الحالة يعرف لهم المجد والفضيلة والكرامة وإلا فلا .

وهذا هو مقياس الفضيلة والمجد ونور الكرامة الإلهية المغروس في الفطرة المقترنة بضرورة الطاعة لأئمة الحق والهدى ، وهو بنفسه يدل على وحدة الخالق والموجد سبحانه وتعالى للكون وللإنسان وفطرته ، وهو الهادي له بتعاليم موافق لما في نفسه الإنسان من حب القسط والعدل وكل جمال ، وأنه يجب أن يحب لبني نوعه كما يحب لنفسه ولكل ما يحيط به ، فضلا عن إقامة العبودية لله بكل تعاليمه ، وهي التي يحصل على كل معارفها وحدودها بتوسط أئمة الحق من الرسل الذين يهدون البشر لنور الله وهداه ، أو أوصيائهم الذين جعلهم محافظين عليه وناشرين له من غير أي انحراف وضلال عن طاعته وعبوديته وتعاليمه ومعارفه ، وبها يعرف محل الكرامة وحال الناس وفضلهم وخيرهم ، وذلك عند معرفتهم بحالهم مع أئمتهم وطاعتهم لهم أم لا .

 

الإشراق الثاني:آيات كريمة في قيمة الأمم وأحوالهم في الفضيلة  والمجد:

بعد أن عرفنا شيء عن سير الفضيلة ومحلها وكيف معرفة أهلها وما هو مقياسها ، نذكر بعض الآيات القرآنية الكريمة التي تحكي عن هذه التعاليم الفاضلة ، فنذكرها لتذكرنا أين حل نور الله وهداه عند وجود الإسلام وأهله ، فضلا عن محل الكرامة والمجد ونور الهدى في الأمم السابقة ، والقرآن الكريم فيه كثير من قصصهم نختار قسم منها فنذكر قوله تعالى :

{ وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُود (42) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44) فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45)

 أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ  (48)

 قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } الحج 51 .

الله تعالى يطالبنا بإطاعة ولي الأمر وإمام الحق ونبي الرحمة ، وعرفنا حال أقوام وأمم ضلت عن الهدى وظلمت نفسها وخسرت كرامتها ، وإن قسم منهم قد آمن ففاز بهدى الله وحصل على كل بركة نزلت منه سبحانه ، ونجى من عذابه وهوانه الذي أعده لأعداء دينه ومحاربي أئمة هداه ومخالفيهم في كل زمان ومكان ، وهذه آيات أخرى تدبرها تعرف محل هدى الله وكيف يكون :

{ وَلَوْلاَ أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا

 وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ }الزخرف 35 .

 وبهذا نعرف أنه ليس مجرد الملك بيان للعز ورضا الله والحصول على النعمة التامة الباقية ، بل لعله اختبار للعبد ليبين كيف يعمل بنعمة الله كما سترى في بحث مستقل هنا ، وهل يبقى ويفي لله بشكر نعمته وهداه وبما مكنه فيثبت على طاعته ، أو يفر من رحمته وعبوديته لمعصية فيخسر النعيم الباقي ويكون في حرمان وظلام ، وإلا إن أخلص العبودية بإطاعة أئمة الحق نجى وفاز بكل نعيم الله ورضاه ، وقال تعالى في هذا المعنى :

 { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2)

وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (3) وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ  (4) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون (5)

 أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ } الأنعام 6 .

وهذه آيات كريمة عرفتنا كيف الناس عصوا الله بنعمته ولم يلتفتوا لهداه وأعرضوا عن دينه وعبوديته فلم ينفعهم ما كسبوا ، ولكن النجاة لمن أطاع الحق وسار وفق هداه سبحانه على ثبات وفي كل حال ، وقال تعالى :

{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ (185) لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (186)

وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187) لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (188) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } آل عمران189.

ولهذا في زماننا يجب معرفة الحق والعدل وتعاليم الدين بكل صورة ممكنة وفي كل مجال من مجالات الحياة وبقدر الوسع والطاقة ، وبيانها وتبليغها والسعي لنشرها وترويجها بين الناس ، وهو الذي فيه رضى الله وإقامة العبودية له بكل صورها التي تشمل كل شيء من شؤون الإنسان في نفسه وفي مجتمعه ومع ربه ، وبهذا يحصل الإنسان على الكرامة والعزة في النفس وعدم عصيانها بإقامة الظلم والمساعدة عليه أو ترويج الفساد والعدوان والمعصية والجور ، فتتعصى على الكرامة الحقيقة والنور الإلهي والعزة الباقية والنعيم الخالد في رضى الله تعالى .

ولهذا لا يحسب الذين يجاملون اليهود والقوى المستكبرة كأمريكا وغيرها ويحصلون على بعض المناصب منهم ، أن لليهود والأمريكان وغيرهم من الخاضعين لهم أنّ لهم كرامة في الدنيا وهذا هو محل النعيم التام عندهم ، مع انهم في الواقع في أتم غضب الله وحرمان نور هداه ، بل لهم الهوان والفشل في الامتحان الإلهي إن قبلوهم بكل وجودهم مع القناعة بأن العزة عندهم والكرامة تتحقق على أيدهم فقط وبإطاعتهم ولو كانوا ظالمين ومتغطرسين .

وإن كان التعامل معهم لابد منه في بعض الظروف ، ولكن الحذر وعدم الانصياع لهم بكل ظلم وكيف ما يحلوا لهم من العدوان ، يجب أن يبقى في النفس بأعلى همة ، فإن اتقاء شرهم غير التسليم لهم والإيمان بأن العزة والكرامة عندهم ، وكفر بالله وخروج من الإيمان من يعتقد ولو ذرة واحدة أن الكرمة والعزة والنعيم الحقيقية هي ليس في الدين والهدى الإلهي وتعاليمه ومعارفه أو ليس عند أئمة الحق والهدى ، فضلا عن تصور شيء منها عند الظالمين وأئمة الكفر والضلال وأتباعهم .

 وانظر ما أشارت إليه عقيلة بني هاشم زينب بنت علي عليها السلام في خطبتها في الشام أمام طاغية زمانها يزيد ابن معاوية لعنه الله ، ومع تسلطه الظالم كان لها نفس متعالية بينت هوانه على الله وإنه في ظلمه لها كان ظالم لنفسه لأنه في أعظم معصية على الله تعالى ، وخسر بالفعل مجده وكل كرامة وفضل يحصل عليه إنسان ، فكان أرذل إنسان عرفه الوجود كآله ومن مكنه من السلطة والظلم لأئمة الحق والهدى ، وبهذا بينت حاله عند الله بل عند المؤمنين وكل المنصفين الذين يتوقون للعدل والإحسان وطلب رضى الرحمان ، إذ قالت عليها السلام له :

(( أظننت يا يزيد ، حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء ، فأصبحنا نساق كما يساق الإيماء ؛ أن بنا هواناً من الله ، وبك عليه كرامة ، وأن ذلك لعظم خطرك عنده ؛ فشمخت بأنفك ، ونظرت في عطفك ، جذلان مسرورا ، حيث رأيت الدنيا لك مستوثقة ؛ والأمور متسقة ، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا ، فمهلاً مهلا ، أنسيت قول الله تعالى :

 { وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ } آل عمران 178 .

لأنه الله يريد من يمكنه من نعمه أني يقيم العدل والإحسان والإنصاف وطلب رضى الله تعالى وإقامة العبودية له ، بل تمكين الناس منها ونشر معارفه وعلومه الحقة ، التي حافظ عليها بتوسط أئمة الحق وتمكين الناس من معرفتهم وأخذ معارف الله منهم .

 لا ظلمهم وقهرهم وكتم علومهم كما عرفت في الآيات السابقة وما عليه أئمة الظلم والجور في كل زمان ومكان كانوا ، والذين هم في أتم لعنة الله والبعد عن رحمته بل حلوا في غضبه لضلالهم التام ، وذلك لعدائهم لأئمة الحق ومن تبعهم من المؤمنين ودينهم وهداهم الذي خصهم الله به ، ولذا يطلب الله ممن يمكنه الله تعالى في الأرض وهو مؤمن أن يقيم دينه ، لا أن يعاديه فيخرج من الإيمان وتنطبق عليه الآيات السابقة ، بل المؤمن يتبع أئمة الحق كما قال تعالى :

{ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُور ِ} الحج41 .

وبهذا عرفنا إن الأمم التي يحكمها مَن مكنهم الله تعالى إن كانوا أقاموا دينه كما يُعلمه أئمة الحق ، فهذا هو العز والكرامة لهم ولشعوبهم قد تحققوا به ، وهذا المجد الحق الذي يجب أن يفتخر به من ينتسب لهم ، وإلا من لم يطع أئمة الحق وحرم من معارفهم ولم يسعى لمعرفتهم وذكرهم وتذكير الناس بهم ونشر دينهم الذي فيه كل رضى الله وموصل لكل نعيمه ، يكون قد خسر نفسه ومجده بل حرم نور الله وكان في أتم الظلمات والضلال والحرمان من رحمة الله ونعيمه .

بل له أشد العذاب والعياذ بالله من هجر الهدى والحق والعدل وأهله ، فضلا عن حرم الناس منه والمنع من معرفته ومعاداته وقتله بكل سيبل ، وأوله تحريم معرفة أئمة الحق ومقياس الكرامة والمجد وما هو مناط وملاك النور والهدى والحق والعدل الذي تؤيده الفطرة والدين وسنة رب العالمين ، والعقول السليمة للمنصفين والناس الطيبين ، وذلك عند الانصياع لهوى أئمة الكفر والضلال ونصر مكرهم وتمكينهم من الحكم ، أو حرف الناس عن الحق لتزيين الهوى أو شهوات النفس ووسوسة الشيطان وزينة الدنيا الزائلة  ، فيخسر المجد الحقيقي الباقي والفضيلة والعفة والطهارة التي في تعاليم الدين وهدى رب العالمين الذي يُعلمه أئمة الحق الذين اصطفاهم لدينه .

هذا ونسأل الله بحق وصدق أن يعرفنا أئمة الحق وهداه الواقعي عندهم ويبعدنا عن ضلال أعدائهم وكل مكر مكروه ، إنه ولي حميد ، ولذا قال الإمام علي عليه السلام أعرف الحق تعرف أهله ، ولذا يجب أن يبقى في بالنا مقياس الكرامة والنور والمجد والعز الحقيقي عند دراسة التأريخ لمعرفة رجال الحق فيه وأئمة الدين والهدى المطهرون الصادقون ، فنأخذ بمبادئهم وتعاليمهم ومعارفهم الإلهية ، ونرفض مبادئ الكفر وأئمته ونلعنهم ونتبرأ منهم ومن فعلهم وما صوروه علم من جهلهم ومكرهم ، و مهما تبهرج ودعا له الظلمة وزينه الشيطان وهوى النفس وكل مكر لأئمتهم ومن يدعوا لظلمهم وظلامهم .

هذا وبعد أن عرفنا مقياس الكرامة والمجد ، نتعرف على معرفة دينية وجدانية يؤيدها العقل السليم والفطرة الطاهرة الباحثة عن الحق وأهله ، فنتعرف في نور آخر على إتقان هدى الله ، وكيف حافظ على دينه وهداه ليوصل الإنسان لأفضل كرامة وعز ومجد وفضيلة بتوسط ما عرف أولياء دينه من هداه وعرفهم لنا بكتابة وسنته وفطرتنا ، فعلم هداه لنا سبحانه بصراطهم المستقيم وبكل سيرتهم وسلوكهم وعلمهم وعملهم وفي كل أحوالهم،وتدبر النور الآتي .

إلى أعلى مقام في الصحفية نورك الله بنور الحسين وآله الكرام عليهم السلام


تفضل يا طيب إلى الفهرس العام خلصك الله من دين أئمة الضلال والظلام


النور الرابع

من سنن الله حِفظ نور هداه التشريعي بأئمة الحق

 

الإشراق الأولى : كثير من معارف أئمة الحق  الإلهية جاري تطبيقها :

بعد إن عرفنا إن شرف الأمم والشعوب وعزهم وكرامتهم هو تبع لحياة أئمة الحق والهدى فيهم وإقتداءهم بهم والسير وفق منهجهم ، وإن سبب تقديس الأمم لقادتهم وسادتهم وأئمة الحق الذين أرشدوهم لهدى الله تعالى ، هو لموافقة تعاليمهم ومعارفهم لنعيم ما أوجد الله في فطرتهم من حبها واشتياقها للخير والكمال والعز والكرامة ورفضها للظلم والعدوان ، وإنه ليس في مطلق المادة وزينة الدنيا أو السلطة والظلم والعدوان بأي صورة كان.

وعرفنا إنه كان وما زال الحق والهدى والخير والكرامة والعز والمجد مع أئمة الحق والهداة للصراط المستقيم ، وتجده في أقوالهم وسيرتهم وتعاليمهم ، ونصل إليه بمتابعتهم والسير وفق منهجهم وسلوكهم وتصرفهم وأحاديثهم في كل أحوالهم ، لا في أقوال الظلمة وأهل العدوان وأنصار هوى الشيطان وأولياءه.

 وإن هذا يعرفه كل إنسان طيب وشريف : يلتفت لما زرعه الله في وجدانه وذاته المحبة للكمال والصلاح وطلب الحق والعدل والإحسان ، ويشهد له ويصدقه ضمير ووجدان وعقل كل إنسان سبر تأريخ الشعوب والأمم وسيرة أئمة الحق فيهم ومعهم ، وطريقتهم في تعليم شعوبهم وأقوامهم للحياة الطاهرة الطيبة الشريفة والعزيزة ، بل كان وما يزال يستفيد من سيرة وأقوال أئمة الحق ويتمتع بها كل المجتمعات والشعوب على طول التأريخ بشكل مباشر أو غير مباشر .

تدبر ما عليه الناس الطيبين اليوم في تكريم أئمة الحق : وطلب السير وفق منهجهم القويم والافتخار وبوجودهم وتعاليمهم فيهم ، تراهم أحياء بأرواحهم وتعاليمهم عندهم مع مضي زمان طويل على غياب وجودهم الجسماني من بينهم وارتحالهم لجوار الله تعالى .

والآن كثير من قوانين الحق والهدى والصلاح : الموجودة بين الناس هي من تعاليم ومعارف أئمة الحق قد خلفوها في مللهم وأقواهم ، وإن كان الناس وبالخصوص الحكومات زاهدين في أغلبها ، ومنحرفين عنهم عملاً وإن انتسبوا لهم باسم الدين ، ولم يطبقوا اليوم كل تعاليمهم الباقية بينهم بشكلها الصحيح .

وبهذه التعاليم والمعارف : التي جاءت من الله على يد المنعم عليهم من أئمة الحق التي زهد بها الناس والحكام وطبقوا بعضها وقسم منها ، كان صلاح أحوالهم ووجود بعض العدل والإحسان بينهم ، فكيف لو طبقوها كلها وساروا وفق هداها كله ؟

فإنهم لو طبقوا تعاليم الله وساروا وسلكوا سبيل الأنبياء وأئمة الحق والهدى ، لكانت البشرية كلها اليوم ترفل بنعيم الله والهدى والعدل والإحسان والعز والكرامة والخير والفضيلة .

 

لإشراق  الثاني : من سنن الله تجديد شريعته واقترانها بوجود أئمة الحق :

ومن سنن الله التشريعية المحكمة هي تجديد العهد مع الشرائع بيد أئمة الحق على طول الزمان ، فإن أنحرف الناس عن هدى الله التشريعي أو تركوه فإن الله لم يتركه بالمرة ، بل سبحانه كان قد حفظ وجود هداه التشريعي إما عند نبي أو وصي نبي وأتباعهم وإن كانوا قله وعدد محدود ، وإذا لم يبقى من شريعة الله السابقة تعاليم تُصلح البشر وتهديهم لله تعالى حسب متطلبات عصرهم ؛ يبعث الله نبياً مرسلاً بتعاليم جديدة ، ويبدل أغلب التعاليم الشريعة الباقية المحرفة عند الناس ، والتي كان الصحيح والسالم منها مناسب للأقوام والأوضاع السابقة بتعاليم جديدة تصلح للبشر وفق عصرهم وأحوالهم الجديدة ، ولذ يبعث الله رسولاً كريماً مع تعاليم جديدة وكتاب جديد على فترات متباعدة نسبياً ، كالفترات المتباعدة بين رسالاته المنزلة على أولي العزم من الأنبياء ، مع كون وجود هداه موجود عند إمام حق من الأنبياء أومن أوصياء الأنبياء .

فوجود تشريع الله الحق الذي يُصلح البشر ويهديهم الصراط المستقيم مع وجود إمام حق يدعوا له ويطبقه ، ويجب الرجوع له لتعلم تعاليم الله ومعارفه ودينه الحق منه ؛ هو من سنن الله الإلهية التشريعية المحكمة ، ولله الحجة البالغة في هداه التشريعي الذي هو غرض الوجود وخلاصة معرفة هدف التكوين وحُسن وجود الخلق .

وإذا في يوم مُحيت تعاليم الله بذهاب إمام الحق ذهب معه هدى الله التشريعي فيتم غرض الخلقة وينتهي الوجود التكويني الإنساني بذهاب تكاليف الله التي شرف بها خلقه ، فإن الله حكيم لا يكلف أحد إلا وله تعاليم يمكن أن يحصل عليها لو سعى لتحصيلها ، وعدم وجود الإمام الحق والهادي لصراط الله المستقيم هو معناه زوال هداه التشريعي ، وانتهاء الوجود بانتهاء هدى الله التشريعي والعبودية الحقة له تعالى ، وقد قال الله سبحانه :

{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55)
 وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}الذاريات56 .

فإن الله تعالى خلق الجن والإنس للعبادة ، وإذا حُرّفت تعاليم الله وغيرت وخلطت بغيرها ، فلا عبادة ولا طاعة لله تعالى ، ولذا قال سبحانه في الآية الآتية لابد من نذير لكل  أمّة عنده تعاليم الله الخالصة  ، وهو إمام ذلك الزمان سواء نبي أو وصي نبي عالم بكل ما يحتاجه البشر من تعاليم الله التي توصلهم لعبوديته :

قال الله تعالى : { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلاَ فِيهَا نَذِيرٌ }فاطر24 .

 وهذا القانون الإلهي والسنة الربانية جارية سواء في الأمم السابقة أو في الإسلام ، إذ لابد من عالم بتعاليم الله وهو الفاصل في معرفتها لكي لا يدعي كل إنسان إنه هو الإمام الحق وعنده تعاليم الله ، بل لابد من إمام حق من بين كل المختلفين والمدعين للأحقية وهم متعارضين ، الذين كل واحد منهم نافي لتعاليم الآخر ، بل لابد لكل الناس من إمام حق واحد له ، والباقي لابد أن يكونوا أتباع له ، وإلا فهم منحرفين عن الحق ضلال عن نور الدين بعيدين عن الصدق في دعواهم ، ولذا قال تعالى :

{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } الرعد7 .

فإن نبينا الكريم هو المنذر بشريعة جديدة وبعده لابد من هاد للعباد هو إمام حق وحده وباقي المؤمنون تبع له ومن حزبه ، وبه يُعصم المسلمين من الاختلاف والانحراف عن تعاليم الله الحقيقية وبه يصلون لما أراد سبحانه من تعاليمه ومعارفه التي يرضى أن يطاع ويعبد بها ، وهذه سنة الله وحجته البالغة على البشر فلذا قال الله تعالى :

{ قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } الأنعام149.

 فإن الله لا يجبر أحد على تطبيق تعاليمه بل في الآية السابقة لم ينزل آية سماوية دائمة بحيث تجبر الناس على الإيمان ، أو إن لم يؤمنوا يهلكهم أو يمرضهم ، أو تبقى فيهم خصوصية تؤذيهم حتى يؤمنوا بالله تعالى ، وهو قادر على إجبار الناس على عبوديته ، أو يرفع منهم الشهوة ويجعلهم مثل الملائكة مطيعين له على كل حال .

بل بهذه الخصوصيات في تكليف الله : ووجود تعاليمه عند أئمة الحق وعلى الإنسان العاقل المحب للخير والفضيلة أن يبحث عن تعاليم الله الحقة عند أئمة الحق والهدى ويطبقها بإخلاص ، ليصل لكل خير وفضيلة وكرامة وعز ومجد ؛ وهذه هي سنة التكليف وقانون التشريع وحسن وجود الخلق والإنسان المكلف فيه ، وجمال العلم والقدرة الإلهية في الوجود وبيان لعظمة الرب الحليم الرحيم .

فتقارن تعاليم الله بالهادي وإمام الحق في الوجود : سواء نبي أو وصي نبي من سنن الله التشريعية المحكمة التي تعرف ضرورتها عقلاً ووجداناً بمعرفة الله ومعرفة لابد من طاعته ، وضرورة معرفة تعاليمه منهم ووجوب تطبيقها للوصول لكل عز وكرامة وعدل ومجد ، وإلا تنحرف إذا لم تطعهم ، وتمام الكلام في الأنوار الآتية فتدبر .

فسنّة الله في الهداية التشريعية : هي جعلها بيد أئمة الحق من المرسلين والأنبياء وأوصياءهم ، وتجديد دينه وهداه كلما أنحرف الناس عن الحق وأصبحت تعاليم الله لا تفي بعصرهم وتجدد ظروفهم واستعدادهم لتلقي المعارف الربانية بمرسل لاحق للنبي السابق ، ويشهد لهذا تعدد الأديان وما حكاه الله تعالى في القرآن المجيد وراجع تأريخ الأنبياء والأمم .

وتابع البحث حتى أخر ذكر لسفينة النجاة بل كل ما كتبنا في صحيفة الإمام الحسين عليه السلام أو في موسوعة صحف الطيبين وبالخصوص ما ذكرنا في صحيفة ذكر الإمام علي عليه السلام عبادة ، تعرف حكمة الله اللطيف الخبير في تعاليم الإسلام وإيصالها لكل البشر بأحسن صورة ممكنة بتوسط أئمة الحق والهدى من آل محمد عليهم السلام ، وبالخصوص بالحسين عليه السلام الذي هو مصباح الهدى وسفينة النجاة الربانية في الوجود ، وأثره العظيم في إرجاع المجد والشرف للمسلمين وتنبيه كل البشر لما حل بتعاليم الدين ومعارفه ، وضرورة التوجه لما صدر من تعاليم الله تعالى منه ومن آله كلهم صلى الله عليهم وسلم .

إلى أعلى مقام في الصحفية نورك الله بنور الحسين وآله الكرام عليهم السلام


تفضل يا طيب إلى الفهرس العام خلصك الله من دين أئمة الضلال والظلام


 

النور الخامس

المجد والحياة الكريمة التي تسعد البشر في الإسلام وتعاليمه

عرفت أنه لا شرف ولا كرامة لأمة أو لقوم إلا أن يكونوا تابعين لدين الله وتعاليمه وسيرهم وفق منهج أئمة الحق والهدى من الأنبياء الكرام وأوصياءهم وخلفائهم الحقيقيين ، والذين أنعم الله عليهم بأن جعلهم هداة لدينه ولصراطه المستقيم ، وعرفت إنه كلما انحرف الناس عن الدين وتعاليم الله جدده بنبي كريم أنعم عليه بأن جعله إمام حق وبرسالة جديدة ، وبفضل وجوده وما أنزل عليه من تعاليمه يسري في الناس الهدى والصلاح والخير والفضيلة المناسبة لهم ولأحوالهم ولظروف زمانهم ، وبتطبيقها والسير وفقها يصل البشر لعبودية الله تعالى ورضاه الذي فيه كل خير وفضيلة وعزّ وكرامة وشرف ومجد وكمال وسعادة .

ومن المسلّم البيّن إن آخر تجديد لدين الله تعالى هو الإسلام :

وبالإسلام ختم الله تجديد دينه وبه نسخ كل التعاليم التي يدعيها أصحاب الأديان السابقة وما فيها من التحريف والانحراف عن الهدى والحق ، ولبيان هذا نستشهد بالقرآن المجيد فضلاً من معرفة هذا على نحو اليقين لكل مؤمن ومسلم ومنصف يتتبع تأريخ الأديان والأُمم .

فإنه تعالى قد بين في آيات كريمة إن أهل الكتاب اختلفوا في كتبهم وحرفوا دينهم من بعد ما جاءهم العلم ، قال الله تعالى :

{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمْ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } البقرة 213 .

وبين سبحانه إن الإسلام خاتم دينه وهداه التشريعي : وفيه آخِر التعاليم الإلهية والتي تكفي لإصلاح البشر إلى يوم القيامة فقال الله تعالى :

{ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40) 

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً  (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46) وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنْ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيرًا (47) وَلاَ تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً }الأحزاب48 .

ولم يأتي بعد نبينا المكرم : نبي آخر من الله تعالى عنده تعاليم صادقة تشهد بأن دينه من الله العليم الخبير بأحوال البشر ، وإنه مبشر بتعاليم الله وهداه ونذير لمن يعصيه بعقابه وأنه داعي بإذن الله وسراج منير بحق ، فضلاً من يأتي نبي يدعي عنده كتاب من الله تعالى منزل عليه فيه تعاليم الله ، وكل من أدعى ذلك بعد نبينا الكريم بان زيفه وباطل قوله ، وبدل أن يؤيده كلامه كان سبب للسخرية منه وبيان لكذبه .

ولذا كان الإسلام آخر الأديان وفيه كل تعاليم الله تعالى :  قال سبحانه :{ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ} آل عمران 85 .

فتحصل لنا : إنه لما كان الله تعالى لا يقبل غير الإسلام ديناً ، مع بيانه بأن الأديان السابقة حق ولكنها حرفت بيد أصحابها ، فهي لم تكن موصلة لعبودية الله تعالى كما يحب ويرضى ، كما أنها لم تفي بسعادة البشر وإيصالهم لنعيم هدى الله التشريعي في الزمان الآتي لأنه بعلمه تعالى أنزلها تفي لزمانهم فقط ، ولم يجعلها دائمة في كل تعاليمها ، وإن كان دين الله واحد غرضه توحيده وعبودية بما يحب ويرضى ويوصل بني البشر في كل مجال حياتهم للعدل والإحسان .

ولكن قد تتغير أحوال الإنسان وظروفه وطاقته لتحمل التعاليم الإلهية ، فلذا كان يجدد الله تعاليمه لهم بما يناسب تطورهم في الوجود ، ثم لما حان الزمان وعدم تحمل الإنسان لتعاليم أكمل إلى يوم القيامة أنزل الله تعالى تعاليمه الخالدة التي لا تتجدد برسول بعد نبينا الكريم ولا يحتاج البشر لأكمل منها ، وكانت تعاليم الإسلام هي الباقية الخالدة ويجب على كل إنسان معرفتها وتطبيقها والسير وفق رشدها وهداها إلى يوم القيامة ، لأنه تعالى بحكمته حافظ عليها بأئمة حق عرفهم للناس في كتابه وفي سنة نبيه الكريم بكل صورة ممكنة ، كما وجعلها تفي بغرض البشر وموصل لكل عبوديته بأحسن صورة يتحملها خلقه ، ويمكن أن يطبقها عباده عند معرفتها من أولياء دينه وأئمة الحق والهدى الصادقين المصدقين.

فالله سبحانه وتعالى بعد النبي الكريم لم يترك المسلمين يتخبطون وينحرفون عن دينهم من دون ولي مرشد وإمام حق ، مع أنه قد ختم التشريع وتجديد الدين ، وقد عرفت سابقاً تقارن تعاليم الله بإمام حق وهدى .

فإنه تعالى وإن ختم تعاليمه ومعارفه بالإسلام : ووضع كل معارفه في القرآن المجيد ، لكنه تعالى مع ذلك لم يخلي أرضه ودينه وهداه التشريعي من إمام حق يكون هو قدوة للمسلمين وأسوة بعد رسوله الكريم ، ويكون خليفة الله عليهم وإمام حق يقتدون بهداه ويسيرون على طريقه ليبقوا على عز الإسلام ومجد الله الذي كرم به بني البشر من غير ضلال وانحراف واختلاف .

بل لابد أن يكون الإمام الحق في الإسلام : هو المحافظ على تعاليم الله ، وهو الذي له شأن عظيم مناسب لشأن علو الإسلام على كل الأديان السابقة ، وبه يكون المحافظة على تعاليم الإسلام العميقة وهداه القويم الذي يصلح للبشر إلى يوم القيامة .

فلذا كان وما زال على طول تأريخ الإسلام إلى يوم القيامة بأنه لابد أن يكون أئمة الحق بعد نبينا الكريم مقاربين لنبينا الكريم في كل المواصفات .

بل لابد أن يكون إمام الحق بعد نبي الرحمة قد ربي بيده وعاش معه كل أدوار حياته من طفولته وشبابه حتى وفاته لا يفارقه ، وقد أتقن كل تعاليمه ومعارفه وقد بينه الله والنبي للمسلمين بكل صورة تجعلهم يعرفوه ولا يشكون بإمامته وولايته ، حتى يتمكن من القيام بمهمة حفظ تعاليم الله من الانحراف وبيانها من غير اختلاف عن حقيقتها بعد خاتم الأنبياء صلاة الله وسلامه عليه وعلى آله .

وهكذا تسلسل دور أئمة الحق في الإعداد كل إمام برعاية من كان قبله ومن صلبه حتى جعلهم الله ذرية بعضهم من بعض ، وكما تشهد له سنة التأريخ والتدبر في سنة الله في إعداد أولياء دينه وتهيئتهم ، وكما ذكر الله تعالى في كتابه المجيد كما سترى ، وذلك لكي يعرفهم الناس ولا يتخبط في معرفة إمام الحق ، ولا يضل عنه طالب دين الله بحق بمكر الظالمين والغاصبين لخلافة رب العالمين ، فضلا من ضرورة معرفة بكل سيرته وسلوكه الطاهر الحسِن ، ويجب أن يؤيده تعاليم الفطرة الطاهرة المحبة للعدل والإنصاف والطيب ، وذلك عند معرفة مواصفاته الشريفة وخصائصه الكريمة وأحواله الفاضلة ، ويجب أن يكون بحق مخلص في عبادة الله وبكل حركة له وفي كل تعاليمه ومعارفه وعلمه وعمله .

وذلك لأن إمام الحق : هو الذي يعتصم به الناس من الاختلاف والضلال عن دين الله تعالى وهداه ، وهو الذي يعلمهم معالم دينهم بعد نبيه الكريم ، ومسألة استمرار الإمامة بعد النبي الكريم وإن ختمت تعاليم الله مسألة ضرورية تبين اهتمام الله بدينه ورعايته لعبادة ولطفه بهم ، لكي يصلوا لكل خير وفضيلة وكرامة وعز بالإقتداء والإتباع لأئمة الحق والهداة للصراط المستقيم على طول الزمان ، وهذا قد عرفته في بحث سر تقارن تعاليم الله بوجود إمام الحق وضرورة ذلك التقارن والمعية بينهم في كل الأنوار السابقة .

ولذا أختار الله تعالى بعد النبي الكريم أخي النبي ووصيه وأبو ولده إمام للمسلمين وخليفة حق عليهم وأوجب عليهم طاعته راجع ما ذكرنا في صحيفة ذكر الإمام علي عليه السلام عبادة في موسوعة صحف الطيبين ، تعرف بحق المعرفة وبالدليل الكامل التام أنه كان بعد نبي الرحمة وخاتم المرسلين  آله الطيبين الطاهرين الذين هم آل محمد وعترته أهل بيته الكرام هم أئمة الحق وولاة دين الله صلى الله عليهم وسلم .

 وتعرفهم بكل دليل من كتاب الله المختص بالإمامة وسنته وبكل تأريخ الإسلام بأنهم ، هم أئمة الحق والهدى الواقعيين الذين يصدقهم الله ورسوله وكل سيرتهم وفعلهم وقولهم وتعاليمهم ، وهم أئمة الهدى وعز المسلمين ومعلمي تعاليم الله ودينه واقعا ، ومن غير ضلال ولا هوى ولا ظلم وكذب وخداع كما كان لأعدائهم ومن حرم الناس معرفتهم ومنع من التعلم منهم هدى الله ودينه.

 فتراهم بعين اليقين بأنهم هم موئل فخر الإسلام والمؤمنين ومجدهم وشرفهم وملاذهم بحق لكي يصلوا لعبودية الله ورضاه وكل دينه وهداه والعدل والإحسان ، وترى أنه مَن سلك منهاجهم يكون قد سلك سبيل الصراط المستقيم الرباني الذي هدى به عباده وأتقن به دينه على طول الزمان ، وعُصم به المؤمنين من الضلال والانحراف ، وابتعدوا به عن الظلم والطغيان وسلطان أئمة الكفر ، ومن ظلام الرضا بفعلهم وإن كانت لهم حكومة ظاهرية وجور ساري على البلاد .

ولكي تعرف بعض الشيء عن الإمامة وضرورتها بالإضافة لما عرفت في النور السابق نذكر بحث مختصر  فيها في النور الآتي نتدبره معا ، ونسأل الله أن يوفقنا لبيانه ويحاسبنا به أيمان حقيقي لنا إنه ولي حميد ، هو الرب الهادي لكل طالب معرفته ودينه بحق وبالدليل الواقعي والبرهان الصادق ، فيعرفه أئمة دينه الواقعيين إن صدق في طلبه لمعرفة الإيمان به بكل سبيل طاهر صادق من غير تقليد أعمى ، ولم يعمه مجرد تسلط الحكام على الملك النبوي وتسموا بأسماء لم يكن لهم بها حق كخليفة رسول الله ورسول الله لم يستخلفه ، أو التسمي بأمير المؤمنين ولم يثبت إخلاصه لله بدينه ولا الوفاء للنبي الكريم ولم يكن له علم بهداه الواقعي فضلا عن العمل به بكل حدوده ، وكان يفتي بهواه ويسمه دين وحرفهم عن الهدى الواقعي المراد لله وأضل الناس ممن أفتتن به وبكلامه ، لأنه الله تعالى هو الذي يختار أئمة هداه الذين اصطفاهم بعلمه ، لمعرفته الواقعية بكل حالهم وطاهرة وجودهم وإخلاصهم ، وتفانيهم في بيان تعاليم دينه وهداه وعبودية الصافية من كل هوى وضلال عن دينه القيم .

إلى أعلى مقام في الصحفية نورك الله بنور الحسين وآله الكرام عليهم السلام


تفضل يا طيب إلى الفهرس العام خلصك الله من دين أئمة الضلال والظلام


النور السادس

أئمة المسلمين بعد خاتم المرسلين آله الطيبين الطاهرين

مسألة معرفة وجود الإمامة في التكوين مسألة فطرية : وهي أنه كل إنسان يحب الكمال ويبحث عن الله رب العالمين وتعاليمه ، يعرف إنه لابد من وجود هداة حق اصطفاهم وأختارهم الله تعالى رب العالمين وهداهم فجعلهم يدلون على دينه ويبينوا تعاليمه بحق وواقعا ويشهد لصدقهم كل شيء ، وهم الأنبياء والمرسلين أو أوصياءهم وهم أئمة الحق في كل زمان وهم ولاة دين الله .

وهذه المسالة موافقة لسنة الله في الهداية التشريعية واهتمامه بالمحافظة على دينه وتعاليمه من الانحراف والضياع والاختلاف فيها ، ولكي لا يضل الناس عن الحق ، فلذا ينصب لهم إمام حق به يهتدي الناس لصراطه المستقيم ، وهذه المسألة تشتد ضرورتها بعد ختم إرسال الرسل وعدم إنزال تعاليم جديدة تصلح ما يفسده أئمة الكفر وأتباعهم على طول الزمان .

وفضلاً عن الفطرة وإقرار الوجدان لضرورة وجود الإمام الحق والهادي الصادق لتعاليم الله تعالى ، فإنه سبحانه بيّن الإمامة بكل صورة ممكنة في كتابه القرآن المجيد وفي سنة نبيه الكريم وسيرته وأحاديثه ، وقد كتبت كتب كثيرة في بيان الإمام الحق والهدى بعد خاتم المرسلين ، وذلك ككتاب إحقاق الحق والغدير والمراجعات وعبقات الأنوار وغيرها الكثير ، أو راجع كتاب الإمامة من موسوعة صحف الطيبين أو كتاب ذكر علي عبادة منها أو صحيفة الثقلين .

والآيات النازلة في بيان إمامة وشأن ومقام أهل البيت عليهم السلام عند الله وفي الوجود والهدى التشريعي كثيرة ، وذلك لكون مقام الإمامة والخلافة لرسول الله والوصاية على الدين يجب أن تكون بيد الطيبين الطاهرين ، وهي آيات تبين وتوضح لطالبي الحق واليقين مقامهم السامي وملاك إمامتهم وسبب اختيار الله لهم وشأنهم العظيم عند الله وهداه الذي لا يتم إلا بهم ، وتبين أن منصب الإمامة مقام خطير وحساس ودقيق فيه معرفة الله وتعاليمه الحقيقية على طول الزمان إلى يوم القيامة .

كما أن وجود الإمام الحق والهدى ليس للحكومة والقيادة فقط : بل لبيان تعاليم الله وهداه ونوره الذي يوصل العباد للسعادة الحقيقة ويبعدهم عن الانحراف والاختلاف في الدين وتعاليمه ، وإن كان ممارسة الحكومة على الأمة الإسلامية هو مقام سامي يكون بتنصيب الله تعالى لمن اصطفى من عباده المخلصين ، وهو أحد شؤون الإمامة والولاية للإمام الحق لا كل ملاك الإمامة .

 ولذا ترى الآيات كثرت في حق أهل البيت النبوي الطاهر تعرفنا شأنهم ونعيم الله عليهم وإنهم الهداة لصراطه المستقيم ، فهم الأبرار والمنعم عليهم المأمورون بالكون معهم والموت على دينهم وتعاليمهم ، ومقياس وأس الإيمان والعمل الصالح الذي لا يتم ولا يعرف إلا بمعرفتهم ، فلذا من الواجب علينا بكل وجودنا ودهم وإتباعهم وإطاعتهم والتعبد لله بدينهم وهداهم وحدهم من غير خلط لتعليمهم بضلال غيرهم ممن عاندهم وانحرف عنهم وعلم غير هداهم .

كما إن الأمة الإسلامية :يتربص بها كثير من الدوائر فضلاً عن انقلاب المسلمون على أعقابهم القهقري في الجهل بعد النبي وهجرهم لتعاليمه ، بل في حياة النبي الأكرم اتخذوا القرآن مهجورا ونزلت آية في انقلابهم بعده ، كما إن فتن الدنيا وزينتها وتغلب الهوى وحب التسلط والحكومة وفتنة الله واختباره ووجود الشيطان وجنوده والمنافقين والكفار والمشركين ، كلها أسباب مبينة لضرورة وجود إمام حق يعتصم به الناس من الانحراف ، ويعرف به هدى الله تعالى ونعيم تشريعه الذي يجعل كل طيب يحب الله ورسوله يبقى على دينه الحق وتعاليمه الصادقة من غير خلط في المعارف الإلهية ، ويجعله بحق يصل لذلك المجد والعز والكرامة والخير والفضيلة الإلهية التي أعدها الله لعباده في الدارين .

كما وقد حكى الله عن تسلط حكام ظالمين على رقاب المسلمين بعد النبي الكريم ، كما مثل بالشجرة الملعونة في القرآن ومن يمهد لهم الحكم ، ويوجدون لهم علماء ، بل علماء سوء هم يتبرعون من أجل حطام الدنيا يبينون تعاليم الله وفق هواهم وشهواتهم ومصالحهم الدنيوية ، ويستخدمون الرأي والقياس والاجتهاد وعبارات منمقة من أجل تبرير أعمال الحكام الظالمين ، وتعرف هذا بأقل مراجعة للتأريخ ، ويكفيك مراجعة الأجزاء الأربعة الأخيرة من كتاب الغدير للعلامة الأميني رحمه الله .

 كل هذا وغيره يستوجب رعاية بيان أمر الإمامة من الله ورسوله الأكرم ، ودوامها بعده لكي يبقى هدى الله ، ويستمر طاهر من كل ضلال وخالص من ظلم وظلام أئمة الكفر وأتباعهم ، ولذا كثرت الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة المبينة للإمامة والإمام وتعريفه للمؤمنين ، ولطالبي التدين الحقيقي لا عن تقليد ولا عن متابعة لكل من تسلط وحكم وأصبح يأمّ الأمة الإسلامية ، وأن لم يكن له شأن عند الله ورسوله ، ولا له رعاية في تربيته وتعاليمه حتى يستحق بها هذا المنصب العظيم .

وقد بين الله سبحانه إن لكل إنسان إمام :

إما إمام حق وهدى أو إمام كفر وضلال .

 فقال تعالى : { يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ

فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (71) وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً }الإسراء72.

  وهذه الآيات الكريمة تبين إن الإمامة مستمرة بعد النبي  الكريم : ولابد من إمام حق يقود الناس لهدى الله تعالى ، أو إمام يقابل الإمام الحق ، وهو إمام كفر وضلال يقودهم للعمى عن الحق في الدنيا والآخرة .

فالله تعالى يبين ضرورة وجود الإمام الحق في الإسلام ، ويوجه المسلمين لوجوده بينهم ، ويلفت نظرهم سبحانه لاستمرار أمر الإمامة والإمام الحق بعد النبي الكريم فقال عزّ وجلّ :

{ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَمًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76) قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} الفرقان 77 .

 وهذه الآيات الكريمة تبين إن الإمامة مستمرة بعد النبي الكريم وتشدّد في أمرها وبيان أهميتها ويعتبرها أهم دعاء في الوجود ، تدبرها تعرف أهميتها ، وإلا لم يأمر الله أن يدعوا المسلمين بها ويبين أهمية الدعاء بعد ذكرها بأفضل ما يمكن.

 والنبي الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم أولى بالدعاء بهذه الآيات الكريمة لتكون الأئمة من ذريته ويجعلها الله في آله لطيبين الطاهرين ، والله تعالى أكرم النبي الكريم بها كما جعل الإمامة في ذرية نبي الله إبراهيم عليه السلام بعد إن جعلها له ، فالله تعالى ينبهنا لها وإنه جعلها في ذرية النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلام ، وجعل في آله الطيبين الطاهرين نعيم الإمامة وأكرمه بكوثر الوجود في الدنيا والآخرة ، ولم يدعي الإمامة أحد غير نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين عليهم صلاة الله وسلامه أجمعين ، تدبر كل سيرة الصحابة والتابعين لم يدعي أحدهم إنه إمام حق معصوم غيرهم عليهم السلام ، فهي إذاً لأهل البيت عليهم السلام خالصة من دون الناس .

الله يساعدنا  لطلب التوفيق منه  لمعرفة الإمام الحق :

وهذه أفضل كرامة منه تعالى إن تبعناه ولم نكن في ديننا كله نسير على تقليد الأباء والمجتمع من دون دراية ودليل وبرهان على معرفة الإمام الحق ، فإن لكل إنسان إمام إن لم يكن هو إمام كما عرفت ، والله يساعدنا لمعرفة الإمام الحق لنكون تحت لوائه في الدنيا ونسير وفق تعاليمه التي فيها هدى الله وعزه ومجده وكرامته في الدارين .

فأمرنا سبحانه ـ ما أعظم شأنه وأعز سلطانه وما أرحمه وألطفه بنا ـ أن نطلب منه أن نعرف الهداة للصراط المستقيم من المنعم عليهم في الصلاة في كل يوم عشر مرات عند قرأت سورة الفاتحة ، إذ قال تعالى بعد الحمد والثناء عليه : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) ِصرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ }الفاتحة7 .

 وهذا تنبيه قوي وشديد من الله تعالى لم يكن أكثر منه أمر في تعاليم الإسلام والإرشاد له ، فطلب سبحانه من عباده التوجه له بالصلاة ، وهم في أرقى حالات العبودية له طلب منهم الخلاص من الضلال والفوز برضاه ونعيمه ، فأدبنا في أحسن حالات عبوديته أن نتوجه له بدين المنعم عليهم والذين خصهم بهداه ، حيث أمرنا تعالى في كل يوم عشر مرات أن نطلب منه معرفة الإمام الحق المنعم عليه بالهداية للصراط المستقيم ونتفكر في أمره وشأنه العظيم .

وإنكار وجود إمام حق منصوب من الله تعالى يهدي عباده وعالم بكل ما يحتاجه المسلمون جهل مطبق بتعاليم الإسلام ، وإنكار لأهم مستلزمات الفطرة والعرف والاجتماع والدين والسياسة والحكمة الإلهية والتدبير الرباني .

فطلبه الله في الصلاة الواجبة : وفي اشد حالات العبودية والطاعة له وفي كل يوم أن يعرفنا أئمة الحق والهدى الذين أنعم عليهم بالإمامة والذين يكون بمتابعتهم النجاة والعصمة من الضلال وغضبه ، يدل دلالة صريحة وبرهان محكم قوي على ضرورة وجود أئمة الحق والهدى ، وهم المنعم عليهم وهم كوثر الوجود وكل خير وفضيلة وعز وكرامة فيه متحققة بهم وبهم تعرف ويصل لملاكها فيتحلى بها الإنسان ، ومنهم تنبع الخيرات وتعرف تعاليم الله ونعيمه على الناس عند تحققهم بدينهم ، والذين هم بفضل الله عليهم بعد نبي الرحمة يهدون له كما علمهم الله تعالى ورسوله ورعاهم ومكنهم منه .

 ولا يعقل أن يكون المنعم عليهم من الأنبياء السابقين فقط : لأن تعاليمهم محرفة ولم يرضها الله دين بعد الإسلام ، فلابد أن يكون المنعم عليهم والهداة للصراط المستقيم من المسلمين وسادة البشر وأكرم خلق الله تعالى ، وهذا لا ينطبق إلا على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين ، وهم وحدهم يدعون ويشهد لهم الله ورسوله وسيرتهم وسلوكهم وعلمهم وتعاليمهم ، أنهم أئمة الحق والهداة للصراط المستقيم وهم صادقون مصدقون ، ولم يدعي غيرهم هذا وإن أدعى العصمة من الفكر والرأي والاجتهاد بدين الله يكذب ، فلذا لم يدعي دعواهم أحد من المسلمين لكي لا يكذب ويظهر بطلانه في قوله ، هذا.

والله تعالى وهو الذي عرفنا  إمام الحق بعد رسوله الكريم :

فقال تعالى : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)

وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ}المائدة56.

 وهذه من غرر الآيات الكريمة التي تبين إمام الحق وولي الله وأمير المؤمنين وسيدهم وهو المنعم عليه والهادي للصراط المستقيم بعد النبي الكريم ، وبينت الآية بعدها فوز أتباع وشيعة ولي الله الحق والسالكين لمنهجه القويم ، وهذه الآية باعتراف كل المسلمين إنها نزلت في الإمام علي بن أبي طالب وحزبه ، فهو الوحيد في المؤمنين الذي أعطى الزكاة في الركوع وبين الله فضله فيها ، وعرف كل البشر على طول الزمان إلى يوم القيامة ، وأن ولايته هي امتداد لولاية الله ورسوله بحق وصدق لعلمه تعالى بقدرته بالمحافظة على دينه مع الإخلاص له في بيان كل تعاليمه وهداه ، وليس بعد الفوز والفلاح للمقتدين به وأولياءه ، إلا الخسران والضلال لأعدائه والبغاة عليه من الناكثين والقاسطين والمارقين وكل المنكرين لإمامته في أي زمان ، فهذا بيان خاص للإمام وأنظر البيان العام .

بيان  الله تعالى لإمامة آل محمد عليهم السلام :

وهذا بيان منه تعالى أوسع لتعريف أئمة الحق إذ جعل الولاية والإمامة لآل النبي الكريم وقرباه المعصومين وأمر بطاعتهم وإتباعهم والإقتداء بهم في قوله تعالى : {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ} الشورى 23 .

وهذه أية كريمة فيها بشرى للمؤمنين حيث تعرفهم أئمة الحق ، وتبين أن بودهم الذي هو الحب الشديد المستوجب طاعتهم واتباعهم ، سيحصل المؤمنون على الحسنة المزادة وعلى غفران الذنوب وشكر الله لسعيهم ، فلا عمل صالح ولا إيمان حقيقي بدون العمل بهذه الآية الكريمة ، والعمل بها يوجب طاعة أولي الأمر من أهل البيت عليهم السلام وقربى النبي وآله ، وهذا معنى الإمامة والإمام الحق وأن الله حافظ على دينه بعترة نبينا الأكرم الطيبين الطاهرين صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين ، وكانت كل تعاليمه عندهم ومنهم يصل البشر لكل خير وسعادة وفضيلة ومجد وعز وكرامة ، وبتركهم لا غفران ذنوب ولا شكر لسعي ولا رضى الله بل غضبه للمبتعد عن معرفتهم بالولاية ولم يقبل إمامتهم لدينه تعالى .

بيان  الله تعالى لشأن أهل البيت النبوي الطاهر ولنعرف إمامتهم بحق :

بيّن الله تعالى في كثير من الآيات الكريمة إمامة آله محمد عليهم السلام ، وذلك كآية التطهير في قوله تعالى :

{ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } الأحزاب33 ، وهذه الآية الكريمة بيّنها حديث الكساء المشهور بل المتواتر في شأن أهل البيت النبوي الطاهر الذي يقر له ويعرفه كل المؤمنين .

 كما بيّن هذا الشأن الخاص للتطهير والتزكية بتحديد أهل البيت عليهم السلام من آل محمد وتعريفهم للمؤمنين سبحانه في آية المباهلة :

في قوله تعالى : {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} آل عمران 61 ، في ذلك اليوم المشهود لكي يباهل النصارى جاء النبي الكريم محمد بآله الأطهار علي الذي جعله الله نفس النبي وأبناءه الحسن والحسين ، وجعل ممثلة النساء أبنته أمّ الأئمة وسيدة النساء فاطمة الزهراء صلى الله عليهم ، وشهد الله لهم بعدم الكذب كما شهد لهم سبحانه وتعالى بالتطهير ومثلها لا توجد تزكية لغيرهم من المؤمنين مهما علا شأنه .

وهذه الشهادة والآيات الكريمة :كافية لمن ألقى السمع وهو شهيد لكي يعرف أئمة الحق إنهم آل محمد عليهم السلام بعده ، وأنهم هم المحافظون على تعاليم الله لكي لا يختلف الناس ويضلوا وينحرفوا عن الدين القويم .

كما وراجع سورة الدهر الإنسان النازلة في شأنهم وسورة الكوثر ، وآيات كثيرة تبين إمامتهم عليهم السلام بعد النبي الكريم ، ويكفيك من الأحاديث الشريفة حديث الثقلين وحديث السفينة وحديث السفينة وأحاديث وجوب حبهم عليهم السلام وحرمة بغضهم .

 وآيات الإمامة والمُعرف للنبي في آله وخلافتهم له وولايتهم على الناس كثيرة جدا ، وسيأتي بعض منها في هذه الصحيفة ، أو راجع كتب الإمامة كالغدير أو المراجعات أو كتاب عبقات الأنوار أو إحقاق الحق ، أو ما كتبناه في موسوعة صحف الطيبين في الإمامة وصحيفة الثقلين وصحيفة ذكر الإمام علي عبادة ، وصحيفة شرح الأسماء الحسنى ، فتعرف ضرورة الإمامة واهتمام الله ورسوله في بيانها وتعلميها وتعريفها للمسلمين في كل موقف ومشهد لرسول الله في سيرته وسلوكه مع آل بيته الأطهار ، وبالخصوص في ذكره والحديث عن ولي المؤمنين وأميرهم وإمامهم بعد نبينا الكريم الإمام علي بن أبي طالب ثم آله ، الحسن والحسين والذرية الطيبة الطاهرة من الإمام الحسين صلى الله عليهم وسلم.

نعم لابد من إمام حق يُدعى المؤمنون به يوم القيامة كما عرفت في آية يوم ندعو كل أناس بإمامهم ، ويكون هو الشاهد على الأمة في كل زمان إمام بعد إمام من آل النبي الكريم وذرية وعترته الطاهرة ، والنبي الكريم يكون هو الشاهد عليهم كلهم والله من ورائهم محيط ، أنظر قوله تعالى :

{وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاَء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89 ) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}النحل90.

 وهذه الآيات الكريم تأمرنا بالرجوع لإمام الحق من قربى النبي لأنه الشاهد في كل عصر على كل الناس ، والشاهد يوم القيامة هو الشاهد على الناس في الدنيا ، ولابد أن يكون إمام وولي على للمؤمنين وعلى غيرهم ، ويعرف المتقي المؤمن من غيره بإتباعه والإقتداء به وأخذ تعاليم الله منه ، وبشهادة الإمام الحق له يزكوا عند الله في ذلك اليوم الذي كرم الله به أولياءه ، وأهان أعدائه من أئمة الكفر وأتباعهم .

 وإذا عرفت نور الله في الوجود المشرق وصراطه المستقيم لإيصال عباده لحقيقة معرفته وعبودية وكمال نعيمه الدائم وهداه التام بأئمة الحق ، وبهدى متقن في سنن إلهية كونية وسنن ربانية في الهداية التشريعية في الوجود وتلازمهما في الفطرة وبتعاليم هداة من أئمة الحق على طول التأريخ حتى نبينا محمد وآله صلى الله عليهم وأله صلى الله عليهم سلم .

 وعرفنا كيف نقيم الأمم والمجتمعات والأفراد في ميزان المجد والفضيلة والهدى والنعيم الحقيقي ، ندخل في بحث سفينة النجاة الذي نذكر فيه ، كيف أنحرف الناس وانقلبوا بعد رسول الله عن تعاليمه ودينه ، وكيف بسفينة منهج الإمام بالإمام الحسين عليه السلام ودينه نجى المؤمنون من ظلمات أئمة الكفر وضلالهم .

ونعرف في سفينة الهدى هذه : إن المؤمنين الطيبين الشرفاء الحقيقيين والذين يحق لهم الفخر ولهم الفضيلة والعزة والمجد والتشريف الإلهي الصادق الواقعي ، هم الذين سلوك سبيل الإمام الحسين وركبوا سفينة هداه في كل زمان ومكان كانوا معه وبعده ، ونعرف في هذه السفينة كيف صار لهم قدوة وأسوة ومعلم هدى ودين ، وهو أول مُعرف لحقيقة الإمامة والولاية الإلهية له ولآله الكرام آله محمد صلى الله عليهم وسلم ولدين الله الحق ، وهو الموصل لهدى الله ونعميه ورضاه الصادق الواقعي التام .

 

 

إلى أعلى مقام في الصحفية نورك الله بنور الحسين وآله الكرام عليهم السلام


تفضل يا طيب إلى الفهرس العام خلصك الله من دين أئمة الضلال والظلام


 

 

 

سفينة نجاة

الإمام الحسين ارجع المجد للمسلمين وأنقذهم من ظلام أئمة الكفر فتمجيده  شرف وعز وكرامة للطيبين


تقديم :باب المجد الإلهي للمؤمنين يحققه الجلوس في سفينة نجاة الإمام الحسين.

   المجلس الأول : أسباب انحراف الناس عن أئمة الحق وتعاليم الله وتسلط أئمة الكفر.
الذكر الأول : أهم الأسباب التي جعلت الناس ينحرفون عن أئمة الحق .
الذكر الثاني : تسلط أئمة الكفر من بني أمية وعملهم لتحريف الدين .

   المجلس الثاني : الإمام الحسين مصلح مسير الدين وذكره مجد وشرف لكل الطيبين .
الذكر الأول : مسير الحسين عليه السلام لجهاد أئمة الكفر حتى الشهادة .
الذكر الثاني : الإمام الحسين مصلح مسير الدين وأرجع المجد للمسلمين .

   المجلس الثالث : صحيفة لحسين أنوار ذكر لكل الطيبين .
الذكر الأول : صحيفة الحسين دروس وعبر وحياة لكل المسلمين .
الذكر الثاني : صحيفة الحسين أنور هدى ومجالس ذكر وأسوة وقدوة وقصة دين .

إلى أعلى مقام في الصحفية نورك الله بنور الحسين وآله الكرام عليهم السلام


تفضل يا طيب إلى الفهرس العام خلصك الله من دين أئمة الضلال والظلام


تقديم

باب المجد الإلهي للمؤمنين يحققه الجلوس في سفينة نجاة الإمام الحسين

عرفنا في أنوار المصباح السابق : بعض الحقائق التاريخية والسنن الكونية والتشريعية الإلهية : من تقارن تعاليم الله تعالى مع أئمة الحق ، مع كونها موافقة لنور الفطرة المُحبة للكمال والعز والفخر والمشتاقة لكل ما ويصل للسعادة والمجد المتحقق بهدى الله ونعيمه الصادق ، وعرفنا كيف نقيم الأمم والأفراد والمجتمعات في ميزان الفضيلة والشرف والمجد الحقيقي الواقعي .

كما عرفت إن الإسلام آخر الأديان وإن الله تعالى لن يقبل ديناً غيره ، لأنه فيه كل تعاليم الله وهداه ، والذي بتطبيق تعاليمه يسعد البشر كلهم ويصلوا لكمالهم وعزهم وفخرهم وشرفهم ، ويتحققون بمجدهم الإنساني الكريم ولكل بشرى وخير وكرامة وعدل وإحسان ، كما إنه ينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي والظلم والفساد والعدوان .

وعرفنا إن الله تعالى لا يخلي دينه من حجة قائمة وإمام حق وهدى عنده معارفه وتعاليمه ، وإن أئمة الحق في الإسلام هم عترة النبي وآله وقرباه الذين بينهم الله في القرآن المجيد ونبينا الكريم في سنّته المطهرة ، وبالإقتداء بهم والسير وفق هداهم وتعاليمهم يُعرف المؤمنون وعملهم الصالح ومجد الأمم وفخرهم على طول الزمان ، وإن الناس إذا لم يكن تبع لأئمة الحق والهدى ، فهم تبع لأئمة الكفر والضلال والطغيان ، ويعيشون في الذل والظلم والعدوان والخسة والنذالة مع أئمة الكفر واتباعهم مهما كانوا وبأي تسموا وبأي صفة اتصفوا .

ولذا سنبين هنا تحقق مسألة في الإسلام يعرفها كل من تابع تأريخه : وهي أن أئمة الكفر والنفاق تسلطوا على المسلمين ، واشتبهت الأمور على المسلمين بعد النبي الكريم ، وانحرفوا عن أئمة الحق والهدى وأضاعوا مجدهم وعزهم وفخرهم بإتباع أئمة الكفر ، وتشتت أمرهم حتى قتلوا أئمة الحق وأقصوهم عن منصب الخلافة لرسول الله في الظاهر ، وإن كانت إمامتهم واقعاً محفوظة ومرضية لله تعالى ، وعرفت إن الله تعالى لم يجبر أحد على طاعته ، ولكنه عرّف سبحانه تعاليمه بتوسط أئمة الحق وعلى كل إنسان أن يعرف إمام زمانه الحق ومنه يأخذ تعاليم الله ويطيعه .

وبعد أن اشتبهت الأمور على المسلمين وانحرفوا عن أئمة الحق ، فالله الحكيم لم يترك عباده يتيهون في حيرة الضلالة بل أنقذهم بمنقذ من حيرة الجهالة ، وأعد وأقام إمام الحق والهدى وولي دينه الإمام الحسين بعد جده رسول الله وأبية علي بن أبي طالب وأخيه سبط رسول الله الحسن ، وجعله سبحانه سفينة نجاة تنجي المؤمنين على طول الزمان من ظلام أئمة الكفر .

ولذا سيكون البحث في هذه السفينة في مجالس فيها أذكار : تصب في بيان أسباب انحراف المسلمين عن أئمة الحق وغرق أغلبهم في ظلمات وضلال أئمة الكفر ، وكيف إن الله أنجى المؤمنين وطالبي الحق والأحرار والطيبين بالإمام الحسين عليه السلام ، وجعله سفينة نجاة توصل لنور الله وتعاليمه الذي يشرق منه ومن آله الكرام ، ويوصل المؤمنين والأحرار للمجد والخير والفضيلة والسعادة وخالصة عبوديته تعالى ورضاه سبحانه الذي فيه كل الكرامة والرفعة ، وبهذا نعرف سر تمجيد الإمام الحسين عليه السلام وإقامة مجالس ذكره ، وإنه شرف وعز وكرامة وفضيلة وبركة وخير وسعادة للمؤمنين ولكل الأحرار الطيبين على طول الزمان وفي كل مكان .

فهنا سفينة نجاة فيها مجالس للذكر :

 

 

إلى أعلى مقام في الصحفية نورك الله بنور الحسين وآله الكرام عليهم السلام


تفضل يا طيب إلى الفهرس العام خلصك الله من دين أئمة الضلال والظلام


المجلس الأول

أسباب انحراف الناس عن أئمة الحق وتعاليم الله

وتسلط أئمة الكفر والظلام والضلال

هنا في هذا المجلس ذِكران : الذِكر الأول : أهم الأسباب التي جعلت الناس ينحرفون عن أئمة الحق ، الذِكر الثاني : تسلط أئمة الكفر من بني أمية وعملهم لتحريف الدين :

 

الذكر الأول

أهم الأسباب التي جعلت الناس ينحرفون عن أئمة الحق

ولكي نعرف بحق ويقين أهم الأمور التي تحرف الناس عن الهدى وتعاليم الله وهجر أئمة الحق ، ومن ثم تسلط أئمة الكفر والنفاق والضلال على رقاب المسلمين ، راجع الآيات السابقة الأخيرة في النور السادس للمصباح السابق ، وتكملها الآيات الآتية التي تبيّن أنه يجب على كل البشر الإيمان والعمل بتعاليم الله والرجوع لأئمة الحق المحافظين عليها ، ولا يجوز لهم الانحراف عن الشهداء على تعاليم الله وعليهم من أئمة الحق والهدى من قربى وآل النبي الكريم الطاهرين صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين ، فأنظر تكملة الآيات السابقة قال الله تعالى :

{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلاَ تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلاَ تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ(92)

وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (93) وَلاَ تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94)

وَلاَ تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (95)

مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (96) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } النحل97 .

وهذه الآيات الكريمة  : بعد أن بينت في أولها كما عرفت في آخر النور السابق أئمة الحق ، فإنها تبين بعض أهم الأسباب التي تحرف الناس عن الدين وتعاليمه التي جعل الله أئمة الحق والهدى شهداء وحافظين لها ، وأهمها أمور :

الأمر الأول  : عدم الوفاء بعهد الله :

فإن الله تعالى أمرهم في تلك الآيات أن لا ينقضوا إيمانهم بعد أن أكدوها مع رسول الله ، وأن يحترموا كفالة الله لهم ، وأن لا ينقضوا ما غزلوه في جهادهم مع رسوله ويجعلوا إيمانهم دخلاً بينهم ويغصبون إمامة المسلمين وخلافة رسول الله من أئمة الحق .

ولا يحق لمسلم أو إي إنسان أن يَحرف الناس عن معرفة أئمة الهدى وتعاليمهم التي هي تعاليم الله الصادقة وهداه ، ولا يحق له بمجرد التسمي بالإسلام أن يستلم المناصب الإلهية لأئمة الحق ، ومن ثم يقوم هو وأتباعه الذين تسلطوا على رقاب المسلمين بقضم أموال المسلمين ، ويسيرون فيهم بالظلم والعدوان ويروجون الفساد والفجور ، بدل الإيمان والعدل والإحسان وتعاليم الله الرحمان الصادقة الواقعية التي ارتضاها سبحانه لعبادة لكي يوصلهم للمجد في الدارين وكل سعادة أعدها لبني البشر .

 

الأمر الثاني : اختبار الإنسان من السُنن الإلهية  :

وفي تلك الآيات الكريمة بيّن الله تعالى بالإضافة لوجود الإمامة ووجوب الوفاء لولي الأمر من آل محمد عليه السلام والسير وفق منهجه وتعاليمه التي هي تعاليم الله ، بيّن سبحانه سّنة اختبار الإنسان وامتحانه وابتلائه ، وسبب وجودها هو لكي يخلص ويستبين صدق دعوا الإنسان وبالخصوص المؤمن في إيمانه وعمله بتعاليم الإسلام ودينه الحنيف وإتباعه لأئمة الحق والهدى من عدمه .

وهذه سنة إلهية أخرى تشريعية محكمة : وهي إن الله تعالى يفتن الناس كلهم ويختبرهم حتى المؤمنين منهم ، فيدخلهم امتحان رباني بكل صورة تبين صدق إيمانهم وثباتهم وإخلاصهم لله في إطاعة لكل أوامره وفي أي حال كانوا ، ولم يفتتنوا بأئمة الكفر وما يدعون له من زينة الدنيا ويروجون له من شهوات النفس مما تكون على حساب تعاليم الدين وقيم الإنسان .

 

 وللاختبار الإلهي صور عديدة : من نقص الأموال والأنفس والثمرات ، أو الافتتان بأموال الدنيا وزينتها ، أو تبع لهوى نفس ووسوسة شيطان ، وكل ما هو خلاف العدل والإنصاف وبعيد عن الحق والهدى ، وقد يتسلط عليهم أئمة الكفر والنفاق والحكام الظالمين المنحرفين بدل أئمة الحق والهدى بعد النبي الكريم ، وذلك لكي يُعرف ويستبين لهم أمام الله حقيقة إيمانهم وصدق نيتهم ، ومَن مِن المسلمين يثبت مع أئمة الهدى والحق ويسلك منهجهم الذي فيه العدل والإحسان ويعمل بعملهم ويكون مثلهم في طاعة الله ، ومَن منهم ينحرف ويتبع أئمة الكفر والنفاق والجور والطغيان ويكون منهم ومعهم في ظلام وضلال .

 

وكم فرق بين أن يؤمن الإنسان بالله وبتعاليم دينه ويأخذها من أئمة الحق ويعمل وفق منهجهم بإيمان صادق واعتقاد راسخ ، وبين من يدعي الإيمان بتعاليم الله ولكنه يعمل بضدها ويكون من أئمة الكفر أو من أتباعهم ، ويتسمى باسم الإسلام ويعمل بكل ما يعجل بهدمه وتحريف تعاليمه عن وعي أو عن غير وعي .

 ولذا قامت سنة الله على الاختبار وتوعدهم بالسؤال عن صدقهم يوم القيامة ويبين لهم ما اختلفوا فيه وانحرافهم عن الحق وأئمته .

وذلك لأن الله تعالى يريد الإخلاص في العبادة له :ولا يرضى بالشرك ، ولا حتى بالشرك الخفي ، ولا بالتبعيض في اتباع أوامره ، ويريد سبحانه أن يطبق تشريعه وفق ما يريد ومن حيث يأمر ، وبأتباع من نصبه معلم لدينه وشارح لأحكامه وتعاليمه ، وعرفت إن المعرف للناس كيفية عبوديته بما يرضى ووفق ما أنزل على نبينا الصادق الأمين ، هم أئمة الحق من آل محمد الأطهار صلى الله عليهم وسلم ، والذين نزههم الله تعالى من الكذب والنفاق والغش والخداع وجميع الأمور الخبيثة ، وطهرهم وطيبهم وأمر بالصلاة عليهم مع رسوله الكريم وأنعم عليهم بالهداية للصراط المستقيم ، وقد عرفت بعض أدلة الإمامة وسيأتي بعض أخر .

 

ولذا قامت سنة الله تعالى في عباده على الاختبار و الامتحان و الغربلة والتصفية والابتلاء حتى يبقى المخلصون وحزب الله الفائزون مع وليه الكريم وإمامهم الحق ، وقد بين الله تعالى سنّة الاختبار في كثير من آيات القرآن الكريم واليك قسم منها :

قال تعالى : { أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ }العنكبوت 3 .

وقال سبحانه : { مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ }آل عمران 179 .

وقال عزّ وجلّ : {وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141)

أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} آل عمران 142 .

 

وقال الله العظيم : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ  (31) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } سورة محمد صلى الله عليه وآله وسلم 33 .

وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ } النساء 59 وعرفت ولي الأمر وحزبه الفائزون في المصباح السابق وإنه كان الإمام علي الذي له امتداد الولاية الإلهية والنبوية وإنها تسري منه لآله الكرام ، لملاك الإمامة الذي يتحقق بالطاهرين والطيبين الذين تفانوا في نصر الله ودينه وهم صادقين قد أختارهم الله أئمة حق لعلمه بخلاصهم في تعليم دينه بكل وجودهم .

ولكن راجع الآية السابقة تعرف أنه قد صدق الله وعده بأنهم لم يقاوموا المسير على الصراط المستقيم مع إمام الحق والمرتضى لله ولرسوله ، فقال في حقهم قبل وفاة النبي الكريم :

{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} آل عمران144 .

 

الأمر الثالث : سر انقلاب المسلمين وفشلهم في الاختبار الإلهي والابتلاء الرباني :

إنهم لا يتوبون من فشلهم في الامتحان الإلهي الذي يصيب المؤمنون والمسلمين وكل فرد من البشر في كثير من أدوار حياته ، إذ قال تعالى :

 { أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ }التوبة126 .

 

وقال سبحانه : { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ } سبأ 21 .

وقال عزّ وجلّ : {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ } الحج 11.

وقال الله العظيم : {  وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ } التوب101 .

ولكي تعرف نتيجة الاختبار والامتحان الرباني للمسلمين وفشل قسم كبير منهم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أنظر البحث التالي لتعرف شيء من تسلط أئمة الكفر عليهم وبعض يسير من أعمالهم .

وقد لخص حال المسلمين الإمام الحسين عليه السلام وبيّن ما حل بالإسلام في كثير من كلماته الشريفة وبسيرته ، وإليك خلاصة بيان في كلامه وتابع البحث لأخر سفينة النجاة بل لكل صحيفة الإمام الحسين عليه السلام ، لتعرف إن الحسين عليه السلام هو المنقذ من ظلام أئمة الكفر واتباعهم ، وهو سفينة النجاة ومصباح الهدى الذي يوصلنا لرضا الله وتعاليمه التي هي عند آله الكرام أئمة الحق نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين .

 

قال الإمام الحسين عليه السلام : في مسيره إلى كربلاء :

( إن هذه الدنيا : قد تغيرت وتنكرت ، وأدبر معروفها .

 فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء .

 وخسيس عيش كالمرعى الوبيل  .

 ألا ترون أن الحق لا يعمل به .

 وأن الباطل لا يُنتهى  عنه .

 ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً .

 فإني لا أرى الموت إلا الحياة .

 ولا الحياة مع الظالمين إلا برما .

 إن الناس : عبيد الدنيا .

 والدين لعق على ألسنتهم .

 يحوطونه ما درت معايشهم .

فإذا محصوا بالبلاء ،  قل الديانون  ) . 

التحف ص 245 ، بحار الأنوار ج78ص116ب20ح2.

 

 

إلى أعلى مقام في الصحفية نورك الله بنور الحسين وآله الكرام عليهم السلام


تفضل يا طيب إلى الفهرس العام خلصك الله من دين أئمة الضلال والظلام


الذكر الثاني

تسلط أئمة الكفر من بني أمية وعملهم لتحريف الدين

عرفت إن مجد الدنيا وأهلها وعزهم وفخرهم في الإسلام وتعاليمه المقارنة لأئمة الحق والهداة المصطفون المختارون لبيان تعاليم دين الله ، وإن الله تعالى لن يرضى بعدها من أحد دين ولا طاعة ولا تعاليم إلا أن تكون وفق تعاليم الإسلام التي أنزلها على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وحافظ عليها سبحانه بآل نبينا الكريم الطيبين الطاهرين وجعلهم أئمة الحق والهدى بعده .

وإن نبينا الكريم محمد وآله الطيبين الطاهرين : صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين فخر الوجود وسراجه المنير والذين أنعم عليهم رب العلمين ، فجعلهم أئمة الهدى والحق للصراط المستقيم الموصل لرضا الله وكل تعاليمه على طول الزمان إلى يوم القيامة .

ولكن عرفت سنة الله تعالى : هي إنه لا يقبل من الدين إلا الخالص الطيب ، ولا يرضى سبحانه من عبادةٍ إلا ما كان فيها من نية القربى والتوجه بها لوجهه الكريم ووفق ما أمر ومن حيث أراد أن يطاع ، بل حتى العبادة التوصلية التي لا يشترط فيها نية القربى لا تقبل ولا تسقط إلا أن تكون وفق تعاليم أئمة الحق والهدى ، وكل من خالف أئمة الحق في عمل عبادي بأي نوع كان فهو باطل ولم يسقط التكليف بإتيانه ، لكونه لم يؤتى وفق ما أراد الله بتعاليمه التي جعل علمها وتعاليمها عند أئمة الحق المنعم عليهم للهداية للصراط المستقيم ومنهج تشريع دينه القويم .

وفشل كثير من المسلمين بالامتحان الإلهي لأنهم لم يفوا بالعهد :

نعم كانت سنته الله الكريمة في الوجود ، بعد الهداية لتعاليمه ونصب معلميها وتعريفهم للناس وإقامة الحجة عليهم ، هي وجود أئمة الحق نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين ، هي تمحيص المؤمنين والمسلمين وكل البشر ليعرف المخلص المؤمن المعتقد بحق وصدق ، ممن يطلب المصالح والمنافع بمجرد تسميه بالإسلام وادعائه للإيمان ، ثم يغتر بالدنيا وزينتها ويطلب الجاه والمناصب والحكومة ، أو التملق للحكام لكي يصل لأغراضه الشخصية والمنافع الدنيوية ولو بمعصية الله وترك دينه ، وبإتباع الطغاة على أئمة الحق يكون معهم من الظالمين لمحاربة أئمة الهدى ، ومن ثم يقوم بنشر الضلال والفسق والفجور والمساعدة عليه والعمل به ليرضي الحكام الفاسقين الجائرين وأئمة الكفر الضالين .

وفعلاً بعد وفاة النبي الكريم صلاة الله وسلامه عليه لم يثبت على الإخلاص والطاعة لله تعالى في وجوب الوفاء بعهد الله لأئمة الحق والهدى إلا القليل ممن وفى لرعاية الحق الإلهي فيهم ، وبالخداع والحيلة والمكر تسلط على رقاب المسلمين الحكام الذين لا يفقهون من الدين إلا اسمه ومن تعاليمه إلا رسمها .

ثم ساق الله الأمر ليختبر عباده ويبتليهم ، وتحولت الأحوال في تهاون المسلمين لرعاية عهد الله في أئمة الحق حتى تسلط أعداء الدين على رقاب المسلمين بكل صورة وأحكموا قبضتهم على حكومة الناس الظاهرية في كل بلاد الإسلام الذي أراد أن يفتحها بأيديهم ، وذلك ليُعرف من يدخل الإسلام بالقوة هل يتعقل ويطلب دينه بالعلم والدليل والبرهان ، ولا ينخدع بكل من تسلط عليه أم لا .

 ولذا كان الناس يعرفون الخليفة والأمير وهو الحاكم الذي تسلط على رقاب المسلمين دون أن يعرف أئمة الحق والهدى من آل محمد صلى الله عليهم وسلم في كل بلاد الله ، وأصبح بعد زمن يسير من وفاة النبي الكريم الحكام على المسلمين من لم يفقه من الدين شيء ولم يُعرف بأنه عالم به وبتعاليمه ، مع أن قسم منهم هم الذين حاربوا الدين من أول يومه أشد محاربة وعادوه أعظم عداء.

نعم تسلط أئمة الكفر على رقاب المسلمين بعد وفاة نبي الرحمة بل شهادته ، وحصلت كثير من الأمور المؤسفة من الغدر ببيعة الغدير وعقد سقيفة بني ساعدة ، وحصول خطب جليل وأنباء يشيب فيها الصغير ويهرم فيها الكبير ويكدح فيها مؤمن حتى يلاقي ربه ، فتحكم أئمة الكفر والعصيان على المسلمين ، واتخذوا لهم زبانية وأعوان وأتباع ، ربوهم على الفسق والجور والظلم والعدوان ، لكي لا نطيل عليك نختصر البحث فنذكر قسم من حياة معاوية ويزيد ، وذكرنا قسم منها في صحيفة ذكر الإمام علي عليه السلام عبادة ، وراجع كتاب الغدير للأميني لتعرف التفصيل :

 

قسم من حياة إمام الكفر معاوية بن أبي سفيان لعنهم الله :

بعد زمن يسير وسنوات معدودة من وفاة نبي الرحمة تمهدت أمور وتهيأت أحوال ، حاكها من تسلط على رقاب المسلمين بعد النبي الكريم حتى أمسى بعد حين المتسلط على رقاب المسلمين ابن أبي سفيان أكبر أئمة الكفر والنفاق ، والذي حارب الإسلام ربع قرن ، وكان إمام الكفر الذي يقود الجيوش والأحزاب لقتال  المسلمين ، والذي كان أشد الناس عداوة لنبي الرحمة وسيد البشر محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وما أسلم إلا بعد أن انتصر عليه نبي الرحمة وعفا عنه ، فكان من عامة المسلمين بل من سادة المنافقين وأكبر طابور يعمل ضد الإسلام وتعاليمه من الداخل .

وفعلاً بعد فترة يسيرة من وفاة النبي الكريم أصبح إمام الكفر أبن كبير أئمة الكفر معاوية بن أبي سفيان الحاكم المطلق على المسلمين ، فأخذ يعلمهم خدع الضلال ومكر النفاق ، ويقودهم للفجور والفسق ، ويشجع الناس على عصيان رب العالمين وأئمة الحق المنصوبين من قبله خلفاء بعد الرسول الكريم ، والخروج على أمناء الله على دينه الذين أختارهم وأنعم عليهم بأن جعلهم الهداة لصراطه المستقيم الذي نطلب منه ونستعينه في كل يوم عشر مرات بالصلاة للوصول إليه بتوسطهم .

فأخذ إمام الكفر والنفاق والضلال :الذي تسلط على رقاب المسلمين بالحيلة والخداع والمكر ، بعد أن قتل آلاف من المسلمين بالغدر والخيانة بتوسط أبن مسرف وغيره ، والذين كان يرسلهم للقرى والمدن الإسلامية ليسلبهم ما يملكون بل يعتدي على كل قيمهم ، ويخوفهم سلطانه حتى يقروا له خوفاً وليأمنوا شره وغدره .

وفعلاً بعد حروب دامية مع أئمة الحق أصبح الحاكم المطلق على كل البلاد الإسلامية ، فأخذ يبدل تعاليم الدين الحنيف التي تُعلم العز والكرامة والشرف والغيرة فيحرفها ويدخل فيها ضلال لم ينزل الله به من سلطان ، وأوله أناس مجبرون على طاعته والله سلطه ولا يجوز مقاومته وخروج على تقدير الله وقضائه ، وبه حرف ما شاء من تعاليم الدين وهدى رب العالمين حتى معرفته بما يحب ويرضى ، ويعمل بجد ونشاط على طمس معالمه ،  فجعل على المسلمين حكام فاسقين فجرة .

فأبن آكلة الأكباد : بوقاحة لا مثيل لها يدعي زياد بن أبيه أخ له لكون أبيه أبو سفيان قد زنى بأمه سمية في الجاهلية ، ثم بوقاحة يجعله حاكم على أكبر قسم من البلاد الإسلامية وهي الكوفة العاصمة الشرقية للبلاد ، والتي تحكم العراق وإيران وقسم من تركمنستان وأفغانستان وباكستان ، وبعد فتره يضم له البصرة الحجاز ، وأخذا هو من جانب الشام وما والاها وأخيه من الزنا من جانب آخر يحرفون الدين ، ويريدون أن يطفئوا نوره المبين .

بل جعل أخيه من الزنا الآخر شانئ النبي الكريم وهو عمر بن العاص والذي هو من أكبر أعداء المسلمين ، حيث كان رسول طغاة قريش للنجاشي يحرضه على طرد المسلمين المهاجرين من الحبشة عنها ، والذي بان فسقه وفجوره للحكام السابقين فعزلوه عن كل منصب وحكومة ، فجعله حاكم على مصر وما والاها من بلاد المغرب في أفريقيا ، جزاء مكره وخداعه وتعليمه الخيانة والغدر بأئمة الحق أب وأخي الحسين عليهم السلام بل بعمه جعفر الطيار في الحبشة وجده رسول الله في مكة والمدينة من قبل .

كما جعل ابن طريد رسول الله مراون بن الحكم على المدينة معقل دين الله فأصبح أبن الطريد المرفوض من النبي الكريم حاكم على مدينة النبي ويعلمهم دين الجاهلية ، وهكذا تسلط معاوية وتمكن من الحكم بما مهد له الحكام السابقين وجعلوه والي لهم على الشام لكي لا يثور أبوه ضدهم ، فشروا أبو سفيان بجعل أبنه حاكم على أهم بلاد المسلمين وأعرفها لقريش لأنهم كانوا يتاجرون فيها في رحلة الصيف ، حتى ملكها وملك كل بلاد المسلمين بالحيلة والمكر والخداع ، وبما أعطوه من الشرعية في الحكومة وتنصيبه بمقام ليس له ولا من شأنه بل لمن يخلص لله بدينه ومعارفه التي يعلمها أئمة الحق والهدى ، ولكن تابع أبنه بعده .

 

حكومة إمام الكفر يزيد بن معاوية :

وبعد معاوية أصبح إمام الكفر الآخر أبنه يزيد الحاكم على رقاب المسلمين ، حيث بالجور والظلم والترهيب والترغيب والوعود والعيد ، هيئ معاوية أبنه حاكم على المسلمين وفرضه بالقوة فتسلط عليهم بعده .

ولكلي تعرف إمام الكفر والنفاق يزيد حفيد وأبن أئمة الكفر  ، نذكر لك بعض الكلمات التي تبين فسقه وفجوره ، وتجاهره وترويجه لكل ما حرم الله تعالى ، وخير من عرفه هو ما :

قال الإمام الحق الحسين عليه السلام  يعرف إمام الكفر يزيد :

( إنا أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ، ومحل الرحمة بنا فتح الله وبنا يختم .

 ويزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة.

 ومثلي لا يُبايع مثله )كتاب الفتوح لابن ج 3ص18.

 

وقال سعيد بن المسيب : في إمام الكفر يزيد حيث يسمي سني يزيد بن معاوية في أيام حكومته بسني الشؤم : في السنة الأولى : قتل الحسين بن علي وأهل بيت رسول الله ، وفي السنة الثانية : استبيح حرم رسول الله وانتهكت حرمة المدينة في وقعة الحرة التي قتل فيها أغلب الصحابة والتابعين ، وفي السنة الثالثة : سفكت الدماء في حرم الله وحرقت الكعبة .

 

ويكفيك قول عم يزيد من الزنا زياد فيه : حين كتب له معاوية بأخذ البيعة ليزيد ، فكتب له رسالة : فقال له : يا أمير المؤمنين إن كتابك ورد علي بكذا ـ يعني أخذ البيعة ليزيد ـ فما يقول الناس :

إذا دعوناهم إلى بيعة يزيد ، وهو يلعب بالكلاب والقرود ، ويلبس المصبغ ، ويدمن الشراب ، ويمشي على الدفوف .

 وبحضرتهم الحسين بن علي ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عمر ، ولكن تأمره ، ويتخلق بأخلاق هؤلاء حولا وحولين ، فعسينا أن نموه على الناس .

 فلما صار الرسول إلى معاوية وأدى إليه الرسالة قال : ويلي على ابن عبيد ! لقد بلغني أن الحادي حدا له أن الأمير بعدي زياد ، والله لأردنه إلى أمه سمية ، وإلى أبيه عبيد .

وفي مروج الذهب : ( وكان يزيد صاحب طرب وجوارح وكلاب وقرود وفهود ومنادمة على الشراب ... وغلب على أصحاب يزيد وعماله ما كان يفعله من الفسوق وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة واستعملت الملاهي واظهر الناس شرب الشراب ... ) مروج الذهب ج3 ص 77 .

 وفي تذكرة الخواص إن مما وجده في ديوان يزيد :

أشغلتني نغمة العيدان ـــ عن صوت الأذانِ

وتعوضت عن الحور ـــ خمـوراً في الدنانِ

تذكرة الخواص : 261 .

       في سير أعلام النبلاء : إنَّ يزيد سكر يوماً فقام يرقص فسقط على رأسه فانشق . ج4ص38 .

 

وبعد ثورة الإمام الحسين عليه السلام وتضحيته وفداءه الذي قام به لإصلاح ما فسد من أمور المسلمين ولفضح أعمال إمام الكفر يزيد ، ولكي ينبه الناس على ما حل بالإسلام وأهله حتى أستشهد عليه السلام في سبيل دينه ومبدأه واعتقاده هو وصحبه الكرام .

 ولكي يغطي يزيد قبيح أعمال بعث إلى أهل المدينة يسترضيهم ، ولكنهم بعد أن رجعوا وفيهم عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة الأنصاري ورجالا من أشراف أهل المدينة .

قال الطبري : ( فقدموا على يزيد بن معاوية فأكرمهم .

فلمَّا قدم أولئك النفر الوفد المدينة ، قاموا فيهم فأظهروا شتم يزيد وعتبه ، وقالوا : إنا قدمنا من عند رجل ليس له دين ، ويشرب الخمر ، ويعزف بالطنابير ، ويُضرب عنده القيان ، ويلعب بالكلاب ، ويسامر الخراب والفتيان ، وإنا نشهد انا قد خلعناه فتابعهم الناس ) .

 تاريخ الطبري ج4 ص 368 ، الكامل في التاريخ ج3 ص 307 ، البداية والنهاية ج8ص238 .

 

أقول : وهذا فعل يزيد مع أهل المدينة والتجاهر أمامهم بالفسق والفجور بعد مقتل الحسين عليه السلام وهو كما كان قبله ، فعارف كيف صار حال مملكته ودين الناس الذين يفتهم من ينصبه يزيد ويرضى بدينه وفسقه وفجوره ، وقد عرفه الإمام الحسين عليه السلام هذا ونبههم عليه لكي لا يستفحل الأمر ويخرج الناس من كل تعاليم الدين ، ولكنهم تهاونوا في نصره حتى نبههم استشهاده عليه السلام بما حل بدينهم ، فبعده توالت الثورات مقتدين بهدى إمام الحق أبو الأحرار ومفجر وعي كل الطيبين من الأنصار وغيرهم .

وراجع كل من كتب عن يزيد وبين أصله ونسبه وعمله ، تراه لم يذكر له دين بل بين فسقه وفجوره ، حتى أبن يزيد واسمه معاوية بعد وفاة يزيد بثلاث سنوات من ملكه وصار خليفة رفض هذا المنصب لأنه عرف كيف أبوه وجده كيف أضلوا الناس ، فتنكر فعله ورفض ملك أبيه وأنهى حكم بني سفيان لتكون بعده حكومة بني مروان وكلهم من بين أمية بعد عدة معارك ودماء لثوار ، وذلك بعد ثورة التوابين والمختار وابن الزبير وغيرهم ، الرافضين لملك بني أمية بعد أن ألهمهم الإمام الحسين الثورة ورفض إمام الكفر  بأي صورة ممكنة.

 

نعم يا أخ الإسلام والإيمان : بعد فترة قصيرة من وفاة النبي الكريم أصبح الدين وتعاليمه وحكومة المسلمين بيد أئمة الكفر الفاسقين والحكام الظالمين ، ولولا التطويل لبينت لك كل تفاصيل عمل الحكام الجائرين والسلاطين الفاجرين الذين تحكموا على رقاب المسلمين ، وأصبحوا ملوك عليهم من غير منافس لا يهمهم أمر الدين وما يحل به ، بل ينشرون الجور والفسق والفجور بدل تعاليم المجد والعز والكرامة والشرف والغيرة .

 بل كان أئمة الكفر والنفاق يسعون بكل وجودهم لهدم تعاليم الله  وحرف الناس عن معارفه ، فخدع بهم ناس كثيرين بل أصبح التجاهر بالفسق والفجور والعصيان شيمة الحكام الجائرين وكل المتنفذين في بلاد الإسلام ، فأخذوا يدنسون أرض الله الطاهرة بأعمالهم الشنيعة القبيحة ، وسرى منهم دني وخسيس عملهم وعصيانهم وفجورهم وفسقهم لعامة المسلمين ، وأصبحوا لا يهتمون بأمر الدين إلا من عصمه الله تعالى ووقاه ، وبصّره الحق وأهله وبقي على الولاء والطاعة لأئمة الحق والهدى والمطهرون المصطفون الأخيار من آل نبينا المختار محمد صلى الله عليه وآله وسلم .

ولكي لا أطيل عليك أحيل لكتب التأريخ لتقرأ ما حل بالمسلمين وكيف تسلط إمام الكفر والنافق وأبن إمام الكفر والنفاق وحفيده وآله على رقاب المسلمين ، وخير من كتب وبين هذا المطلب العلامة الأميني رحمة الله تعالى عليه في كتابه الغدير في الكتاب والسنة ، وبين قبيح أعمالهم ومخزي أفعالهم وبين فسقهم وفجورهم وما حل بالإسلام وأهله .

نعم راجع أجزاء كتاب الغدير وبالخصوص راجع :

الجزء العاشر : حيث يستمر رحمه الله في بيان الغلو في مناقب الخلفاء الثلاثة ثم يذكر أخبار عبد الله بن عمر وآرائه ونوادره وإحياءه لأمر أبيه ، ثم يبدأ بذكر المغالاة في فضائل معاوية بن أبي سفيان ويضعه في ميـزان القضـاء ويبين قسم كبير من مخازيه وقبيح إعماله في ترك المسنون وارتكاب المحارم ، وبيعة يزيد واستلحاقه ابن زياد ، وكثير غيرها التي يبين فيها جنايته على الإسلام ، وحربه مع الإمام علي عليه السلام ومكره وحيلته وخداعه للمسلمين ، وبيّن بطلان اجتهاده ويبين معنى الإجماع والقياس والاجتهاد وشروطه ويختم هذا الجزء بها .

وأما الجزء الحادي عشر : فيستمر رحمه الله في ذكر بحث معاوية في ميزان القضاء ، فيذكر تصرفه المخزي مع سبطي الرسول الأكرم وصحبهم الكرام وتتبعه لقتل شيعة أئمة الحق والهدى عليهم السلام ، ويذكر قسم مما وضعه وعاض السلاطين وأعوان الظلمة في مدح معاوية الموضوعة بالنقد والتحليل فيزيفها ويبين كذبها وعدم صحتها .

هذا وسترى كتاب الغدير موسوعة عظيمة : في إثبات ولاية وإمامة الإمام علي عليه السلام وآله آل النبي الكريم وعصمتهم بنص كلام الله القرآن المجيد والسنّة النبوية الطاهرة وسيرة الإمام علي وآله عليهم السلام ، كما وينفي خلافة من حكم المسلمين وتسلط عليهم وبين بطلان تعاليمهم وغصبهم للخلافة ، بل بطلان ما قيل فيهم من المناقب والفضائل ، وإنهم كانوا يعملون خلاف تعاليم الله .

وبعد الذي عرفت فلنأتي لذكر الحسين عليه السلام في إصلاحه مسير الدين وكشفه لظلم أئمة الكفر وضلالهم على طول الزمان .

 

 

 

 

 

 

إلى أعلى مقام في الصحفية نورك الله بنور الحسين وآله الكرام عليهم السلام


تفضل يا طيب إلى الفهرس العام خلصك الله من دين أئمة الضلال والظلام


 

 

المجلس الثاني

الإمام الحسين عليه السلام مصلح مسير الدين و ذكره مجد وشرف وقدوة  لكل الطيبين

وفيه مواطن للذكر :

الذكر الأول

مسير الإمام الحسين عليه السلام لجهاد أئمة الكفر حتى الشهادة

إنّ إمام الحقّ ومصباح الهدى وسفينة النجاة الحسين ابن علي عليه السلام سبط الرسول الأعظم : بعد إن استفحل الأمر وتسلط أئمة الكفر كان يعمل ما يسعه من أجل إقامة دين الله تعالى بكل جهد وعزيمة ممكنة ، وكان عليه السلام قد رفض البيعة ليزيد ونبه معاوية على شنيع فعله بأخذه البيعة لأبنه يزيد الفاسق الفاجر ، ولكن أئمة الكفر فعلوا فعلهم ، ولم يلتفتوا لهدى تعليم إمام الحق الحسين عليه السلام .

وبعد إن ذهب إمام الكفر معاوية للمنتقم الجبار ، ولما أستلم إمامة الكفر والنفاق وتسلط أبنه يزيد بعده ، رفض الإمام الحسين عليه السلام البيعة له وكان يتحين الفرصة ليتمكن من إقامة الإصلاح في أمة جده وشيعة أبيه ، ويعمل ما يسعه ليرجع الكرامة والعز والفخر والشرف والمجد للمسلمين بعد أن تسلط عليهم أئمة الكفر ، وذلك لغفلة عن الحق حانت للمسلمين بعد وفاة الرسول الكريم ، ولخيانة قسم كبير منهم عهد الله ورسوله ، وغرهم الحكم وسلطان وزينة الدنيا والشيطان وهوى النفس وشهواتها ، فضيعوا الهدى الذي جعله الله بيد أئمة الحق .

 فالإمام أعد عدته عليه السلام ليعيد المجد للمسلمين : وذلك لما جاءت وفود يزيد بعد وفاة الطاغية أبيه تطلب البيعة من إمام الحق وممن كان في مدينة الرسول الكريم ، رفض الإمام الهمام عليه السلام كالسابق ، وبين حرمة البيعة ليزيد كما كانت لأبيه ، وأنهم أئمة كفر ، والحسين وآله الكرام أئمة حق ، فمثله الذي رضع من ثدي الإيمان وربي في حجر الإسلام ، لا يمكن أن يقر ويبايع لإمام الكفر يزيد ابن آل أئمة الكفر في الجاهلية والإسلام .

فأين الحسين : الذي جده محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأبيه وصي الرسول علي بن أبي طالب وأخيه إمام الحق بعد أبيه الحسن وأمه فاطمة الزهراء سيدة النساء وجدته خديجة بنت خويلد أول مسلمة ، والذين هم فخر الوجود وعز الكون ، وأس الفضيلة والكرامة والهدى والدين ، وناشري راية العدل والإحسان ، وكل خير وبركة ونعيم لرب العالمين في الوجود لهم ومنهم ، وهم الشجرة الطيبة ونور الهدى وأئمة الحق وأس الإيمان والدليل على عبادة الرحمان .

من يزيد : الذي جده أبو سفيان وأبيه معاوية ، وأمه مرجانه وجدته هند آكلة الأكباد وهم رمز الفجور والفسوق والعصيان والكفر والنفاق في الجاهلية والإسلام ، ومروجي الظلام والظلم والضلال والعدوان ، وهم الشجرة الملعونة في الوجود بنص القرآن ، وهم أئمة الكفر والنفاق قاتلهم الله .

فلذا سار إمام الحق والهدى عليه السلام بثقله وآله آل الرسول الكريم : من المدينة إلى مكة معلن رفضه للظلم والجور والفسق والفجور الذي يسير به إمام الكفر الحاكم الجديد يزيد بعد أبيه معاوية ، ونبه عليه السلام الناس لما حل بالإسلام وأهله برفض البيعة لإمام الكفر والضلال والظلام الجديد .

وتنبه بعض الناس : لما حل بالإسلام وأهله برفض الحسين عليه السلام البيعة لإمام الكفر ، فخاطبوا إمام الحق الحسين بن علي بين أبي طالب السبط الثاني لرسول الله وحفيده المطهر أحد أصحاب الكساء وآية المباهلة والتطهير وكوثر الوجود المنعم عليه بالهداية للصراط المستقيم بأمر رب العالمين ، يستحثوه للتعجيل للقدوم إليهم لينصروه حتى يقيم حقه ويرجع لهم مجد الإسلام الذي هو مجد جده رسول الله وعزة الدين والكرامة الإلهية للمؤمنين .

فسار عليه السلام بثقل رسول الله وأهل بيته وصحبه الكرام من مكة المكرمة ليحفظ حرمتها ولينصر دين الله ويبعث فيه روح الحياة ، إلى الكوفة وهي مدينة كبيرة كانت عاصمة ملك أبيه علي بن أبي طالب ، ولكنه توقف لمنع الظالمين له من المسير في كربلاء .

نعم قد سار عليه السلام من المدينة المنورة لمكة حتى استقر في كربلاء ، وهو عازم على التضحية والفداء من أجل نصر هدى الله ونشر دينه ومعارفه بكل ثقله النفيس ثقل رسول الله وآله الكرام ، بعد أن كاد يخنق الإسلام في مهده معاوية وأبنه وأتباعهم والممهدين لهم الحكم ، ولكي يمنع ما سيصب الإسلام من إمام الكفر والحاكم الجديد الطاغية يزيد السكير الفاجر الفاسق .

فقام إمام الهدى والحق : أبا عبد الله الحسين عليه السلام بما عليه من الواجب بنصر دين الله ، وإعداد العدة للجهاد في سبيل إرجاع الحق لأهله ، والسير بالمسلمين على الصراط المستقيم وللهدى القويم لرب العالمين .

 

ولكن للأسف خانه الناس : وتركوا إمام الحق

وخدعهم أعوان أئمة الكفر والضلال ، فكانت واقعة كربلاء واستشهاد الإمام الحسين وآله وصحبه الكرام ، ومسير ثقل رسول الله وأهل بيته وأحفاده أسرى إلى الشام ، وهذا ظاهر القصة ووقائع الأحداث التي جرت حتى اليوم العاشر من المحرم سنة 61 للهجرة النبوية.

ذلك اليوم : الذي يندى له جبين الإنسانية ويعز ذكره على المؤمنين ، وهو اليوم الذي أستشهد فيه أبا عبد الله الحسين عليه السلام وتحكمت دولة بني أمية حتى حين في الظاهر ، وتزلزلت ومحيت من الوجود إلى الأبد في واقع الأمر وفي شرع الله وهداه التكويني والتشريعي ، وعند كل الطيبين والمؤمنين المنصفين على طول التأريخ ، فهذا بعض البيان لسيرة الإمام الحسين وثورته حتى يأتيك التفصيل في الأجزاء الباقية إن شاء الله ، وإليك بعض آخر في البحوث الآتية .

 

 

 

إلى أعلى مقام في الصحفية نورك الله بنور الحسين وآله الكرام عليهم السلام


تفضل يا طيب إلى الفهرس العام خلصك الله من دين أئمة الضلال والظلام


الذكر الثاني

الإمام الحسين مصلح مسير الدين وأرجع المجد للمسلمين

 

ظاهر الأمر : استشهاد إمام الحق والهدى أبو عبد الله الإمام الحسين عليه السلام ، وانتقل إلى جوار ربه الكريم في الملكوت الأعلى وحصل على كل نعيم مقيم ، ونزل عند جده سيد المرسلين وأبيه أمير المؤمنين وأمه سيدة نساء العالمين ، وهو وأخوه سيدا شباب أهل الجنة ومعه شيعته وأنصاره على طول الزمان .

 وبقي إمام الكفر يزيد بن معاوية بن أبي سفيان وأعوان يحكمون فتره ثم حلوا الجحيم مع من سلطه وأعانه وكل من تبعه ورضي بعمله .

 ولكن هنا واقع للأمر آخر : وهو أنه كانت ثورة الإمام الحسين عليه السلام وتعاليمه وسيرته في الدنيا ، تسير في كل بقاع الأرض وعلى طول الزمان تلقف الطيبين وتطهرهم من مكر الظالمين وخدع الضالين ، وتبعث الروح في الدين وتمنح الحياة في الدنيا لكل المؤمنين ، وكانت تنبيه للغافلين ، وإيقاظ كل من بقي في وجودهم ذرة من الإيمان لواقع ما حل بالإسلام من تسلط أئمة الكفر والنفاق والضلال ، وإنه يجب مقاومة أئمة الكفر على طول الزمان ورفض تعاليمهم ، ووجوب العمل بتعاليم الإسلام القويم وهداه والرجوع للتعلم من أئمة الحق ، وإن كان هناك حكام ظالمين طغاة .

 فكانت سيرة سيد الشهداء أبو عبد الله وثورته وأقواله : عمود للدين وحياة دائمة للإسلام وتعاليمه إلى آخر الدهر ، وكانت وما زالت تزلزل عروش الطغاة والظالمين في كل زمان ، وقدوة للجهاد والنضال وطلب العز والكرامة عند كل الأحرار والطيبين ، فكان لا عز لمسلم ولا كرامة ولا خير ولا فضيلة في حياة ، إلا أن تكون لها قدوة بأحاديث وسيرة وثورة سيد الشهداء أبا عبد الله الحسين بن علي عليهم السلام ، ومنه يستقى الإخلاص والفداء والتضحية ، حتى يتحقق الإنسان بجد بكل هدى الله ودينه ونشره وتعلمه والعلم والعمل به ، حتى يصل الإنسان بحق لرضى الله ونعيمه التام .

 

تطبيق تعاليم الإمام الحسين عليه السلام واجب على الطيبين :

كما أنه تطبيق وتعلم معارف الإمام الحسين عليه السلام ، ومعالم سيرته وثورته والسعي لتحصيل غاياتها وأهدافها في كل الأحوال والظروف واجب وفرض على كل المؤمنين والمسلمين وكل الخيرين الفاضلين ، سواء في حالة الحكومات المؤمنة حيث يجب تطبيقها والسعي الجدي لتحصيل أهدافها ، وهذا فخرهم ومجدهم وعزهم الذي سعوا لتحصيله وأوصلهم للكرامة والفضيلة ، أو في زمان أئمة الكفر والظالمين لتحصيل الهمة لجهادهم وتعلم الفداء لمقاومتهم والسعي لإزالة ظلمهم وجورهم .

وهكذا أخذت تعاليم الإمام الحسين عليه السلام : وسيرته وتنموا وتسموا في نفوس المؤمنين ، وأصبحت طاقة وحرارة في قلوب الطيبين تحرق كل ظلم وجور ، وتعطي لكل حر ومؤمن العز والكرامة والشرف .

فالحسين عليه السلام بسيرته وأقواله وثورته : كان وما يزال قدوة وأسوة وإمام حق وهدى وعبرة وعظة ، قد حقق هدفه على طول الزمان ، وإن كان في الظاهر شهيد مقتول مسلوب في أرض كربلاء .

 

إقامة مجالس ذكر الحسين عليه السلام من أهم شعائر الدين :

كما وإن إقامة مجالس ذكر الإمام الحسين عليه السلام صارت من أهم شعائر الدين ، إذ الحسين بن علي عليه السلام : بإقدامه وتضحيته وسيرته وأحاديثه الشريفة وكل ذكرى له وموقف من مواقفه وكل وجوده الكريم ، نبراس ومقياس للعدل والإحسان ، وداعي مقيم لتعاليم الحق وهدى الرحمان بكل وجوده الذي جعله نور لكل طالب لمعرفة رب العالمين وحقيقة الإخلاص له ، ولكل طالب حثيث لتطبيق تعاليم رب العالمين ومعارف دينه الحقيقي الصادق ، والذي فيه كل مجد وعز وشرف لكل مؤمن وطيب يحب الكرامة والخير والفضيلة.

 ولما يعرف المؤمن إقدام الإمام الحسين وتضحية لتنبيهه لحقيقة الإيمان ، وكيف يصل لرضا الرحمان مخلص له النفس بنور تام لا ضلال وظلام فيها ، يسعى له بكل وجوده ويتوق للتحقق بهداه ودينه ومنهجه مخلص لله بكل تصرف له ، بل يتذكره ويذكر به المؤمن بكل وجوده وبكل مكان ليقتبس من نوره وهداه بل لينشره ويشرق به ، وليصل لكل معارف الله التي فيها رضاه ونعيمه الدائم .

فيقوم المؤمن العارف بالإمام الحسين بحق المعرفة بتعريف سيرته وثورة ونشر أهدافها وترويج معارفها ، ولذا كان وما زال ذكر الإمام الحسين وإقامة مجالس الحديث عن خصائصه في دينه وفي نفسه وفي آله ، يسلب راحة كل طاغية على طول الزمان ، وتنبه كل من يريد شر بالإسلام وتعاليمه ، فيرى ويفكر ألف مرة قبل إقدامه على هدم الدين ومعارفه ، بأن أتباع وشيعة أبا عبد الله الحسين عليه السلام له بالمرصاد سيزلزلون عرشه ويسلبون راحته مهما تجبر وطغى .

كما إن مجالس الحسين عليه السلام : في دولة أهل الحق وأتباعها نبراس يديمها وعز يبين فخرها ومسيرها الفاضل الذي ينبع من الخير والكرامة ويصب فيهما ، ويهدي الأمم وقادتهم لسبيل الحق والشرف والمجد ، وإنهم يتواصون بالإيمان والصبر لتطبيق أهداف الحسين عليه السلام في إصلاح أمورهم ، والسير بالمؤمنين وفق تعاليم رب العالمين بالعدل والإحسان ، والابتعاد عن الفجور والفسوق والظلم والطغيان .

 

بالإمام الحسين عُرف مجد المسلمين وشرفهم وذل أعداء الدين :

 إن إمام الحق الحسين عليه السلام استشهد في ثورته ، ولكن بسيرته وأهداف نهضته عُرفت الأمم الكريمة والمجتمعات الفاضلة التي تابعته على الحق والهدى في الظاهر والباطن ، أو في الباطن ولو حكمهم فترة حكام جائرين وظالمين ، كما عُرفت الأمم والمجتمعات والأفراد الذين خنعوا لأئمة الكفر وقبلوهم أئمة لهم وحسّنوا فعلهم وساروا في ركب أهل الفجور والفسوق والعصيان في الظاهر والباطن ، وإن ادعوا الإيمان ومارسوا بعض شعائره في الظاهر .

فبالإمام الحسين عليه السلام : عرف كل دارس لمعنى الكرامة والمجد والفضيلة في التأريخ وفي أي زمان لآخر الدهر ، ملاك نجاح الأمم والمجتمعات وفوزها عند الله وفي الواقع ، وإن الأفراد والأقوام والمجتمعات خرجوا بإتباع الحسين وثورته وأهدافه وسيرته وأحاديثه عزيزة كريمة شريفة ، وماجدين كرام عند الله تعالى وفي أنفسهم وعند كل المنصفين ، وبمن تابعه وسلك صراطه المستقيم ونهجه القويم عُرف الأفراد الأفاضل وأصحاب الهمم العالية والعزائم المقدسة .

كما إنه من خالف منهج الإمام الحسين ودينه وهداه وما دعا له من العدل والإصلاح ، عُرف بأنه من أئمة الكفر أو من أتباعهم الذين خسروا كل كرامة وفضيلة ، وكانوا أذلاء عند الله وفي الواقع وعند أنفسهم وفي التاريخ ، وإن كانوا حاكمين ولحطام الدنيا مالكين ، وفي الدولة متحكمين وعلى الناس مسيطرين ، وذلك عندما يعرفون بأنهم كانوا مخالفين لنهج الإمام الحسين ولدينه وهداه ، ولكل ما طلبه بتضحيته وفدائه وعلمه من تحقق العدل والإيمان الخالص من كل ضلال عن دين الله تعالى .

وبسيرة الحسين عليه السلام وجهاده : تجرأ المؤمنون وغيرهم ممن يريد العز والكرامة والفضيلة ورضى الله تعالى ؛ وعرفوا إنه يحق لهم التضحية بالنفس والأهل والمال إذا استوجب الأمر من أجل مقاومة الظلم والجور والعدوان وطلب العدل والإيمان والإحسان ورضا الرحمان ، لا كما يقول أتباع الحكام الفاسقين الجائرين والخانعين للظلم والساجدين لأئمة الكفر ، إن الحسين قتل لأنه أخطأ في قيامه بهذا النفر القليل أو إنه لا يجوز الخروج على حكومة الحكام الجائرين الفاسقين .

 

   الإمام الحسين سقى الدين الحياة فأثمر رجوع المسلمين إليه  :

لقد أقر وأعترف كل الأحرار في الدنيا وكل الشرفاء ، وكل من عرف الحسين عليه السلام وجهاده وسيرته وتأريخ الإسلام والأمم والأقوام ، إنه لولا الحسين علية السلام وتضحيته وفدائه وأحاديثه الشريفة ، وما بينه من أهداف ثورته وغرضه في تضحيته بكل غالي ونفيس من أجل الإسلام وإعلاء كلمة الله ، لكان لم يخضر للإسلام عود ولم يقم له عمود ولا عرفت تعاليم الإسلام الحقيقية ، ولدنس الانحراف معارف الدين الحنيف ، ولقلبت موازين العدل والكرامة والخير والفضيلة بإتباع أئمة الكفر والظلال من شيعة آل أبي سفيان وأتباعهم والتحقق بمكرهم وخداعهم ودينهم ، وبمذهب من مهّد لهم الحكم وشجعهم الخروج على أئمة الحق ومن سار على منهجهم على طول الزمان .

 ولكان الدين فقط الذي عرفه الطغاة وأئمة الكفر والفسق والفجور وأعوانهم ، ولما تقين الناس هناك دين غيره ، والذي هو الحق والهدى الإلهي الصادق لذي عرفه الله لنا بسبيل الإمام الحسين وآله ، والذي هو دين جده الذي أنزله الله تعالى عليه ليهدي عباده لرضاه وكل سعادة ونعيم ، وذلك عندما يتعبدون له وفق منهج الإمام الحسين عليه السلام والذي هو نهج الله وسنته في تثبيت هداه وتعريفه للمؤمنين بحق ليتم العلم والعمل به .

 فإنه لولا الإمام الحسين عليه السلام : وإقدامه وتضحيته وفداءه بالنفس والأهل والمال لما عرف الحق واتبعاه ، ولضاع جهاد جده رسول الله وأبيه الإمام علي بن أبي طالب وأخيه الإمام الحسن صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين ،  بل لضاعت معارف الحق وعبودية الله وطاعته الصادقة وفق ما أنزلها على نبي الرحمة جد الحسين وفخر الوجود ، ولتحكّم انحراف المسلمين عن تعاليم رب العالمين كالأديان السابقة ولم يبقى منه إلا رسمه وأسمه ، ولعزل الدين من حياة الناس ولكان في الكتب على الرفوف ومنزوي يخاف يواجه الناس بهداه ومعناه الحقيقي ، ولكان التشريع على طول التأريخ يخدم الطغاة ويمهد للخنوع لأئمة الكفر والضلال وحكمهم ، ويُحسن فعلهم ويعتبرهم واقع لا يجوز الخروج عليه ، ولم يبقى من يسمع ويلتفت للحق وأهله .

ولكن هيهات فإنّ الله أبى إلا أن يتمّ نوره وحجته البالغة

فجعل الله لنا الإمام الحسين عليه السلام مصباح هدى وسفينة نجاة ،يعرّفنا على طول الزمان الحق وأهله ، والدين وأهداف معارفه وقيم تعاليمه وسمو مبادئه.

وكان الإمام الحسين عليه السلام في كل منهجه وثورته : نسخه مكتوبة بدمه الطاهر الشريف لننقلها ونقوم بتطبيقها في مسير الامتحان والاختبار الإلهي لكي ننجح في الحياة ، ونفوز في معرفة الحق وأهله من آل النبي الكريم ، ونوقن بأن الوصول لمعرفة الله وتعاليمه لابد أن تكون منهم عليهم السلام لأنهم الصراط المستقيم وأصحاب الهدى والنعيم والدين القويم .

وعرّفنا بنهج الإمام الحسين عليه السلام ومسيره بالحياة كيف نعرف أئمة الكفر والظلال وأتباعهم وكل خداعهم وحيلهم وفسقهم وفجورهم ، وكيف نتخذ منهجه درع لنواجه به هوى النفس وزينة الحياة الدنيا الغير محلل والتي خلاف العدل والإحسان وكل تعاليم الدين ، ونتوق للحلال الطيب منها .

فكان منهج الإمام الحسين أوضح منهج بيّن لمعرفة ما تريده الفطرة السليمة التي لم تُظلم في مهاوي بحار ظلام أئمة الكفر وضلالهم ، بل كان عليه السلام ينير الطريق ويشرح لنا الصراط المستقيم الإلهي بكل أبعاده وهداه الرباني بجميع تعاليمه ، فلذا أخذ الناس بالإقتداء بالحسين عليه السلام يجاهدون أنفسهم وأئمة الكفر وهوى النفس ووسوسة الشيطان وزينة الحياة الدنيا .

 وبهداه تعلم الطيبون

كيف يهجروا دولة أئمة الكفر الدنيوية بكل صورة ومنافعها ومصالحها حتى ينقضوا حكمهم وتولي دولتهم ، وأخذ المسلمون الحقيقيون الطيبون يثيبون للهدى ويرجعون ليلتفوا حول أئمة الحق من آل محمد والحسين صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين ، بعد أن عرفوا الحق بتضحية الإمام الحسين وإقدامه ، وبه عرفنا إن الناس أنحرف بعد النبي فقتلوا أولاد الأنبياء وأئمة الحق كالأمم السابقة الذين يقتلون الأنبياء ولا يرعون حرمة لله ولدينه ولأئمة هداه ، وخرجوا عن التحقق بحقيقة دين الله لضلال أئمة الكفر وأفكارهم ومن يلعق قصعهم ويفتي بما يثبت سلطانهم .

فبالإمام الحسين عليه السلام : رجع الناس عن غيهم وتبعوا الحق عند آل البيت عليهم السلام ، فتعلموا معارف الله وهداه الحق من أبن الحسين علي بن الحسين وباقر علم آل محمد والصادق والكاظم والرضا والجواد والهادي والعسكري حتى إمام الزمان والحجة الإلهية الباقية ، وبه الله سيملأ الأرض قسطا وعدلا ودين ، ويحقق عبوديته بتمام نوره المشرق منه هدى لكل الطيبين ، وهذا تمام هدى الله بآل الحسين وذريته الذين هم ذرية الرسول الكرام وآله الطاهرين صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين ، وإن كان في هذا الزمان بمجالس ذكر الإمام الحسين يعرف الحق وأهله وتعاليم الله وبها تنتشر في كل مكان وزمان ، ففي زمان ولي الله وظهوره بأمر الله بهذه المجالس وبما يمكنه الله من المعجزات الباهرات التي ينشر بها دينه ، وبكل صورة ممكنة نصر بالحرب أو إقناع بالدليل الذي يشرق به للطيبين ، ويعرفهم ضرورة الإخلاص بالدين والهدى لرب العالمين وعبودية وحده لا شريك له .

فبفضل جهاد الإمام الحسين عليه السلام وإقدامه :طفق الدين ينموا ويسموا في قلوب المؤمنين في كل بقاع الأرض ، ودبت الحياة تسري في نفوس الخيرين الفاضلين وكل الطيبين في كل زمان ، سواء بصورة مباشرة في متابعة دين أئمة الحق ، أو من قبسات تعاليمهم وهداهم الذي سرى عند كل البشر بصورة غير مباشرة .

فإنه لكون الإمام الحسين عليه السلام معلم الحق والعدل والهدى تبعه الناس ، وإن لم يقروا له ولآله عليهم السلام بصورة ظاهره ، إما للعناد أو خوف الحكام الظالمين ، فأخذت تسري فيهم تعاليم الحق حتى تكاد تغلب كل ما حرف عندهم بكل صورة ولو بصورة غير مباشرة .

 

بالإمام الحسين تحقق هدى الله التشريعي وحسن معنى الوجود :

نعم أثمرت وبثت الحياة في الوجود سيرة الإمام الحسين عليه السلام وأقواله وثورته وتضحيته ،  ونشرت العز  والمجد والدين والكرامة والهدى والشرف لكل طيب ومحب للخير والفضيلة في الدنيا والآخرة ، ولكل من يريد أن يتحقق بهدى الله الواقعي ، ولكل من عاش على بقاع الأرض على طول الزمان بصورة مباشرة أو بالاقتباس منه عن بعد .

وبمعرفة الإمام الحسين ودينه ونهضته وتضحيته وفدائه ، حسِن الوجود ووصل لغرضه بأتباع الإمام الحسين والسائرين على نهجه الذي هو نهج الله ورسوله وآله الكرام كلهم ، بعد أن كاد يُظلم ويخبوا نور الدين بمكر وبضلال أئمة الكفر وأتباعهم ، ولم يبقى من يعير أهمية لمن ينير الوجود بمعارف الله وهداه ، ولكان الهدى خامل والدين منزوي وحياة العز والكرامة والطاعة الحقيقية لله عند أفراد لا يعرفون إلا بشق الأنفس أو لأنتهي غرض الخلقة بفقدهم كلهم .

ولكن بالإمام الحسين عليه السلام ونهضته تغيرت الموازين وتحقق الهدى التشريعي في نفوس المؤمنين ، وأستمر بفضل نهضته المباركة في أرواح الطيبين ، وكان وما زال الإمام الحسين عليه السلام مصباح هدى وسفينة نجاة لكل مؤمن وطيب ومحب للخير والفضيلة والكرامة والدين والهدى الحق الصادق .

فتحقق عندنا معنى : إن الحسين عليه السلام من النبي وجوداً وديناً ، والنبي من الحسين بقاءً واستمراراً ، والكل بفضل رب العالمين وهداه .

 وهذا سر تمجيد الإمام الحسين عليه السلام : فهو تمجيد وذكر لهدى الله ودينه وتعاليمه ، ولكل ما يوصل لطاعته ورضاه وعزه وكرامته ، وللتحقق بكل دينه وهداه وعبوديته بإخلاص له سبحانه لا ضلال فيه ، وللسعادة في الدارين وجزيل ثواب الله الحسن الدائم .

وبهذا تم بيان حكمة رب العالمين في شهادة الإمام الحسين عليه السلام : وهو أشرف مخلوق له في زمانه ، وسيد شباب أهل الجنة في الآخرة ، وهو وآله أكرم مخلوقات في الوجود وأحسنها وأطيبها وأشرفها .

وبهذا عرفنا إنه لابد لنا من إقامة مجالس الحسين وذكره في كل حين : فإنه الآية الكبرى المذكرة برب العالمين وتعاليمه ، وموجبة مجالس ذكره لنشر دينه ومعارفه وطاعته التي هي امتداد بل حقيقة دين الله وهداه ،  وبها يتم معرفته وعبوديته بدينه القيم بما يحب ويرضى ، ويحصل المتعبد لله بدين الحسين على كل نعيم الله وجزيل ثوابه الحسِن الدائم النعيم في أعلى مراتب الكمال .

وهذا تعريفي مع اعترافي بتقصيري : لسيدي الإمام الحسين عليه السلام ، ومولاي وإمامي وقدوتي ، وأسوة لي ونهج حياة ودين ، وأسأل الله أن يصدقني النية في تعلمي وعملي وفق نهج ودين الإمام الحسين ، وصلى الله على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، ورحم الله من قال آمين.

 

 

 

 

إلى أعلى مقام في الصحفية نورك الله بنور الحسين وآله الكرام عليهم السلام


تفضل يا طيب إلى الفهرس العام خلصك الله من دين أئمة الضلال والظلام


 

 

 

المجلس الثالث

صحيفة الإمام الحسين عليه السلام

أنوار ذكر تنفع المؤمنين وتعلمهم الدين

وهنا مواطن للذكر :

 

الذكر الأول

دروس وعبر وحياة في صحيفة الإمام الحسين لكل المسلمين

 

صحيفة الإمام الحسين دستور دين للنجاح في الامتحان الإلهي :

الكتاب الماثل بين يديك أسمه صحيفة الإمام الحسين عليه السلام وهو أحد كتب موسوعة صحف الطيبين ، والتي نبين فيها كل ما يسعنا من معارف الله تعالى في عقائد أصول الدين وسيرة الأئمة المعصومين عليهم السلام .

فما عرفته في هذا التمهيد الخاطف من سيرة الإمام الحسين عليه السلام وأهداف ثورته التي هي أهداف الهدى التشريعي لله تعالى ، فهو نفسه هدف الخلقة والتكوين ، بأن يكون لله تعالى عباد مؤمنين مخلصين أتم الإخلاص وفق تعاليمه ومعرفته الحقيقية من غير انحراف ، قد نجحوا في الاختبار والامتحان الإلهي والابتلاء الرباني ، ويعبدوه ويطيعوه سبحانه كما يريد ولو قلة بهم يحصل معنى الوجود ويحسن كونه ويصل لغايته وغرض وجوده .

 وبالإمام الحسين عليه السلام وأتباعه على طول الزمان أستمر الإيمان وعرف الحق والهدى ، وحزب الله الفائزون والناجحون سواء أفراد أو أقوام أو أمم أو مجتمعات ، وهذا تعرفه بأقل تدبر في حياة الأنبياء الربانيين وأوصياءه في الأمم السابقة ، فتعرف سنة الوجود الإلهية في المجد والفضيلة والفوز والفلاح ، وإنها الآن بكل ملاكها متحقق بثورة الإمام الحسين وبما يعقد لها من مجالس ذكر تُعرف المؤمنين هدى الدين وضرورة الإخلاص في إعلاء كلمة الله بكل غالي ونفيس ، وتذكرهم بحرمة الخضوع للظالمين .

 فأي وجود أكمل وأجمل وأقدس من الحسين عليه السلام يكون له فضل ونعمة علينا ؟!! لا أحد من البشر إلا أن يكون جد الحسين الذي هو نبي الرحمة والهدى ، وأبيه وأخيه صلاة الله وسلامه عليهم ، وهم الذين بنوا وجود الإمام الحسين وتربيته لحين شهادته وثورته ، والله تعالى خالقهم وبحكمته أوجدهم وهداهم وعلمهم وأنعم علينا بهم ، فلله المنة والشكر لما جعلنا من أتباع الإمام الحسين وآله أئمة الحق وهدانا بهم لدينة ولكرامة الحياة والعبودية وبأتم دين صرنا له مخلصين .

وشرح سيرة الحسين عليه السلام وأحاديثه الشريفة في هذه الصحيفة ، سيكون بإذن الله بيان لمقام الحسين وثورته وضرورة الإقتداء به ، وهذا بنفسه يكون بيان لتعاليم رسول الله من خلال مصداق كبير لمواقف تلميذه وسبطه إمام الحق الحسين بن علي صلى الله عليهم وسلم ، والتي تبين جدية الله تعالى في سبيل وجوب طاعته والإيمان بتعاليمه وضرورة نشرها والعمل بها ولو بالتضحية بأشرف خلقه وأكرم عباده .

 وهذه معنى عميق وكبير وشرح واسع لبيان : إن العز والمجد والكرامة هو نصر دين الله تعالى بنصر الإمام الحسين عليه السلام ، وعند عقد مجالسه والتي يقام فيها ذكره ونتعلم أهداف ثورته ومعارف دينه ، وإن نصره هو نصر لكل أئمة الحق والسير على هداهم ، وهو بيان لمجد الشعوب والأمم والأقوام وسعادتها وفخرها الذي أراده لها في الدنيا والآخرة إن كانت مقتدية بهم ، وإنها كانت عزيزة وكريمة غير خاضعة للظلم والطغيان والفسق والفجور والعصيان الذي أساسه أئمة الكفر وأتباعهم .

فهذه سيرة الإمام الحسين عليه السلام : وثورة وأحاديثه في صحيفته التي سنرى فيها عبر ودروس وموعظة عظيمة لكل معتبر ومتعلم ودارس في الوجود وفي أي زمان ، لبيان عظمة الأمم والشعوب في التأريخ ، وبالخصوص بعد وجود الإسلام ومن ثم بعد نهضة الحسين عليه السلام ، ومعنى كون الأمم عاشت سعيدة في حضارة وتقدم ورقي في عالم المعارف والطاعة الربانية ، وإنها كانت تتمتع بنعيم هدى الله الحق ، وأن عباد الله ساروا كأفراد لتلك المجتمعات على الصراط المستقيم مع أئمة الحق وتطبيق إيماني وعملي لمنهجهم القويم .

ولذا بمعرفة أئمة الحق وهداهم عرفنا قيمة ومقدار رقي الأمم والأقوام :  بل والمجتمعات والأفراد حين نعرف إنه كان سبيلهم مع أئمة الحق والهدى وعلى منهجهم مضوا ، وإنهم كانوا يقتبسون من نورهم حياة وعز وكرامة وشرف وهدى ونعيم رباني في سيرتهم وسلوكهم وكل حياتهم .

أو أنهم كانوا خانعين لأئمة الكفر والضلال في أيام زمانهم ودنياهم المظلمة وساكتين على الفسق والفجور والظلم والعصيان ، فحرموا أنفسهم حقيقة العبودية الله ومعرفته والتعبد له بدينه الحق ، والذي هو يشرق به الإمام الحسين ويعرفنا آله الكرام ودينهم الذي هو دين الله الواحد الأحد من غير ضلال وجهل وظلام لأعداء الحق وأهله.

صحيفة الإمام الحسين خلاصة لبيان هدى الله وأئمة الحق :

ما عرفناه في هذا التمهيد شيء يسير عن ثورة الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب حفيد نبينا الكريم وخامس أئمة الحق أصحاب الكساء وكوثر الهدى ، وعرفنا بعض ما بناه عليه السلام وأسسه وما نبه له في ثورته المباركة وسيرته التي نشرت العدل والإحسان بصورة عامة ، ولم نذكر كثير من الأدلة والبراهين من سيرته وأحاديثه الشريفة ، بل كله كان يعتمد على معرفة حق الإمامة في الوجود على طول الزمان وكونها أساس هدى الله وبها يتم غرض التكوين والهدى التشريعي .

ومن هذا عرفنا إن الإمام الحسين عليه السلام الذي هجره المسلمون في زمانه ومن قبل حاربوا أباه وأخاه ، إنهم قد انحرفوا عن تعاليم الدين وهدى رب العالمين ، ومنها عرفنا إن حياة الإمام الحسين عليه السلام منهج حياته وأن في سيرته وثورته دروس وعبر لكل المؤمنين والطيبين ومحبي الخير والفضيلة .

وبشهادة الإمام الحسين عليه السلام وإقدامه وتضحيته رجع الناس للدين وثابوا لكي يسعوا أن يكونوا مؤمنين ، ويبتعدوا عن ظلام أئمة الكفر وأتباعهم ،  وأخذوا منه يقتبسون منهاج الحياة ويسيرون لطلب الهدى الحق لرب العالمين من آله الكرام ، فكان عليه السلام في طول الزمان يبعث الهمة والعزم في نفوسهم عند تذكره وتذكر كل ما حل بالدين حتى شهادته ، وبعقد مجالس ذكره تقام فيهم روح الجد وحياة الإخلاص والسعي للإقتداء به لتحصيل العز والكرامة والفضيلة الإسلامية وتعاليم رب العالمين ولو بتقديم الغالي والنفيس .

وفي فصول صحيفة الإمام الحسين عليه السلام سنتدبر: لنعرف إنه إمام حق بعد جده وأبية وأخيه عليهم الصلاة والسلام ، ذاكرين النص على إمامته بعد إن عرفت شيء عن الإمام العامة لكل أهل البيت عليهم السلام بعد النبي الكريم ، بل في كل الصحيفة هذه تتيقن أن الإمام الحسين وآله هم الولاة للدين وأئمة هدى الله الحقيقيين الصادقين الذين أختارهم الله على علم على العالمين ، وستعرف إنه وإن كان لكل إمام من آله الكرام وأولاده المعصومين دوره في بناء الحياة والمجد للإسلام وأهله ، ولكن سترى تأثير ثورة الحسين وسيرته وتضحيته وفداه كبير جداً ، لأنه كان فيه خلاصة تضحية وفداء وجهاد رسول الله وكل آله الطيبين الطاهرين عليهم الصلاة والسلام .

وستوقن بإذن الله أن سيرة الحسين وثورته وإقدامه : كان ثمرة جهاد رسول الله وخُلق من أخلاقه العظيمة في الإباء ، وإنها جمعت كل ثقل رسول الله النفيس الذي خلفه في الأمة الإسلامية وقدمه لعز الدين وبث روح الكرامة فيه في يوم واحد ، فكانت بيان عظيم وقويم لقمة التضحية وأعلى مراتب الفداء والإيثار لأهل البيت عليهم السلام من أجل دين الله ، وأكبر تجسيد عملي لرفضهم للكفر والنفاق والتحريف لتعاليم الدين ، وشرح وتفسير وافي لمعنى وجوب المحافظة على الدين وتعاليمه والسعي الجدي لتطبيق هدى الله تعالى بكل صورة ممكنة .

وتعرف بحق إنه لولا ثورة الحسين عليه السلام وصبره في طلب رضا الله وتضحيته وإقدامه لإحياء دينه ، لكادت تخبو وتنمحي بتوسط أئمة الكفر والنفاق كل تعاليم الله ولم يبقى من الإسلام إلا اسمه ومن الدين إلا رسمه ، بل لكان شيمة الناس الخنوع والخضوع والطاعة لأئمة الكفر والنفاق والفجور والعصيان ، وشاع ذل المعصية لله تعالى والضلال عن هداه وتعاليمه ، ولشاع بين الناس الفخر بالفسق والظلم وتطبيقه والعمل به ، ولحُرفت كل تعاليم الدين ولرجع الناس لجاهلية جهلاء تحكمها شريعة الغاب ، ولما عرف الحق وأهل ولكان الإيمان بالله والتمسك به في خبر كان لا يعرف له معنى واقعي وصادق .

وستطلع إن شاء الله في ثورة الإمام الحسين عليه السلام : على سعيه المجد لنشر تعاليم الله وتبليغ معارفه بكل وجوده ، وبكل حركاته وسكناته وأقواله وأفعاله وسيرته ، وتعرف بحق إنه لولا الحسين عليه السلام لكان المعروف منكر والمنكر معروف .

ولكان أئمة الضلال أئمة هدى ، وأئمة الهدى أئمة ضلال ، ولأنقلب أمر الدين ومعنى آية أهدنا الصراط المستقيم  ، فكان أبو سفيان وأبنه معاوية ويزيد بدل معرفتهم أئمة كفر ونفاق ، ولعرفوا وغر بهم قوم وتبعهم آخرون بأنهم أئمة حق وهدى ودين ، كما عليه اليوم أتباع أبن تيمية والمعروف مذهبهم بمذهب الوهابية .

وهذا المذهب الذي جدده بعد أن رفضه المسلمون ولم يقبلوه في مهده ، ولكن أعانه أئمة الكفر والضلال ، وزج بهم الاستعمار الحديث في قلب الأمة الإسلام ، ونشر مذهبهم بكل جهده حتى جعله في أغنى مكان وأعز بلاد الإسلام ، ومكنه بكل وسائل الإعلام ودعم الحكام ، وتهافت لنصره الخانعين له والقابلين به ولي عليهم طمعا بالمادة حتى صيّروا كلمته لا تنكسر عندهم وقبلوه بكل ضلاله  ، ولو كانت حرب لله ولرسوله ولدينه ولو بقتل ومنع ذكر أئمة الحق وتحريم معرفة دينهم ، وابتلت بهم الأمة الإسلامية في عصر الأستخراب كما بليت في العصر الأول وغيره براعي كيزيد وآل أبي سفيان من قبل أئمة كفر ونفاق ، فنشر ضلالهم بكل وسيلة ممكنة في الحجاز وبعض مدن البلاد الإسلامية.

ولكن تصدى لهم أنصار الحسين عليه السلام وأتباعه فأبطلوا مذهبهم وزيفوا دعاواهم ، وناقشوهم بكل صورة على الانترنيت وفي كل المجالات ، فلم تقم لهم قائمة تذكر لنفوذ دينهم ونشره في مجال أوسع ، بل حتى رفضهم مجتمعهم وكل من عرفهم وتحقق له إن مستند دينهم النفاق وأصله أئمة الكفر والضلال ، وهم أنصار له مكنهم الاستعمار ودعم دينهم أهل الكفر والنفاق المتسلطين والذي أتى بهم حكام ظالمين وله خانعين . 

 

 

إلى أعلى مقام في الصحفية نورك الله بنور الحسين وآله الكرام عليهم السلام


تفضل يا طيب إلى الفهرس العام خلصك الله من دين أئمة الضلال والظلام


الذكر الثاني

صحيفة الإمام الحسين مصباح هدى وسفينة نجاة

فيها وأسوة وقدوة وقصة دين لكل الطيبين

 

صحيفة الإمام الحسين أنوار لمصباح هدى ومجالس ذكر لسفينة نجاة  :

ما عرفنا في هذا الباب هو أساس بحثنا في صحيفة  الإمام الحسين بن علي عليه السلام وملاك البحث فيها ، ونبينه في أبواب كريمة تحدثنا عن نوره وهداه وسيرته وسلوكه وكل ما يتعلق بنشر نوره وهداه ، وهي تبدأ من قبل يوم ولادته ولا تنتهي بشهادته ، بل تستمر إن شاء الله لبيان ما يتيسر لنا من معرفته عليه السلام وكيفية الوصول لهدى سيرته وشرح أحاديثه الشريفة ، وطلب الثواب من الله في ذكر مناقبه وفضائله وشمائله ، وكل ما يوصلنا لنوره وهداه والقرب منه عليه السلام حتى نكون مخلصين لله تعالى بكل دينه ومعارفه .

ففي هذه الصحيفة المسماة بصحيفة الإمام الحسين عليه السلام :

أنوار لمصباح هدى :

ومصباح الهدى بأنواره المشرقة هو القسم الأول من كل باب ، نذكر فيه معارف عامة وكلية تشرق أنوار هدى من تعاليم ومعارف الإمام الحسين وآل الحسين عليهم السلام مناسبة لبحوث كل باب ، وفيها نبين حقائق دينية نقتبسها من سيرة الإمام الحسين ومعارف آله المرتبطة بحقيقة ما دعا إليه من الدين وضحى له بوجوده وكل شيء يملكه من أجل تعريفه للمؤمنين ، وإن كان من دون تخصيصها بسيرة الإمام الحسين وأحاديثه الشريفة ، ولذا سنجعل دليلها الوجدان والفطرة الطاهرة والسنة النبوية والقرآن المجيد كلام الله رب العالمين ، فنتعلم من نوره ديننا ومعارف وأهداف ثورة الإمام الحسين عليه السلام .

 فالبحث في أنور مصباح الهدى يكون عام في معارف الهدى لديننا ، وإن كان مناسب لسيرة الإمام الحسين وأقواله في كل باب , وذلك ليكون فيها شرح كلي يبين أغراض وأهداف الأبواب المعقودة في هذه الصحيفة التي هي بيان لشيء من سيرة الإمام الحسين وأحاديثه الشريفة ونهضته وبيان لفضله ومكارمه عليه السلام بصورة عامة .

ولذا قد يشمل الذكر في المصباح كل آله الكرام نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين ، فضلاً عن المعارف والعلوم العامة للدين الحنيف ، ولكن بما يناسب كل باب وله علاقة بنهضة الإمام الحسين وثروته وحياته وتعاليم بيناها بكل علم وعمل وسيرة وسلوك له في حياته الكريمة ، وبالخصوص البحوث المعقودة في الجزء الأول والثاني من صحيفة المباركة .

وسفينة نجاة فيها مجالس ذكر :

وهذا القسم الثاني من كل باب في صحيفة الإمام الحسين عليه السلام ، إذ يكون في السفينة مواطن نعقد فيها مجالس نذكر فيها شي من سيرة الإمام الحسين عليه السلام الخاصة ، وأمور متعلقة بثورته وأهدافه وشرح لأحاديثه وإقدامه بقدر الوسع والطاقة ، ومنها نعرف إن الحسين أسوة وقدوة وهدى لكل الطيبين والأحرار الخيرين .

وأسال الله أن يوفقني لبيان بعض حق سيد ومولاي وإمام الحسين عليه السلام الذي جاورته أكثر من نصف عمري ، بل كله حييت معه وبه فكرة ودين ، وأن يسامحني فيما قصرت من البيان أو عدم تمكني من أداء البحوث الموجودة في هذه الصحيفة حقها ، بل وفي غيرها من موسوعة صحف الطيبين التي كتبتها .

فبإذن الله ستجد في أبواب هذا الصحيفة المباركة : التي تحكي عن سيرة الحسين عليه السلام في كل باب من أبوابها مواقف ومجالس ومواعظ ودروس تهدي وتعلم للواجب من السير وفق هدى الحسين عليه السلام وتعاليمه التي هي تعاليم الله تعالى ، وسنحاول بإذن الله بقدر الإمكان أن نحصل على رسالة كل موضوع وتعاليمه وهداه من نفس الموضوع والأحاديث المنطوية تحته ، لكي يكون المطالع الكريم على بصيرة وفهم مسبق لما سيقرأه في هذا الموضوع .

وبالبحث المقدم لكل باب ستجد الحسين عليه السلام لك قدوة وأسوة وعنده رسالة وهدى ، يبلغه لك بسيرته وثورته وتضحيته وإيثاره عليه السلام ، وتجد نور الحسين وآله يسري منها إليك عند المطالعة بتمعن وتدبر في كل مرحلة من مراحل حياته الشريفة ، والاعتبار والتعلم من كل الخطوات التي تقدم بها للدفاع عن الدين ورفضه للباطل والضلال .

فهي عناوين لأنوار مصباح هدى ومجالس ذكر في سفن نجاة وأبواب عز وكرامة ومجد : تبين مراحل من أدوار حياة وتاريخ خامس أهل الطهر الإلهي ،  وسادات البشر وأئمة الحق والهدى ، وتحكي عن تعاليمه التي هي تعاليم الله التي بينها في القول والعمل والسيرة .

 

صحيفة الإمام الحسين لأنصاره في كل مكان وزمان :

ولما كان لا تجد مدينة فيها طيبين وأرواح طاهرة إلا وتجد فيها مجالس للإمام الحسين عليه السلام ، يتعلمون منه نور الهدى وحياة الدين ومعارف الحق ويطلبون رضا الله ، فأسأل الله تعال أن تكون هذه الصحيفة نافعة لهم ، ويستفاد منها المخلصون لمعرفة شيء عن الإمام الحسين عليه السلام ، وارجوا منهم أن يرشدوني لما غفلت عنه أو قصرت فيه من بيان شأنه الكريم .

فإن صحيفة الإمام الحسين عليه السلام لكل قوم طيبين : وغرضها بيان معارف وتعاليم الإمام ، ولكي يكون بحق وعن يقين وإيمان قدوة وأسوة وهدى لكل المؤمنين الطيبين ، ولكل من يحب الكرامة والإباء والعز من أجل دينه وهداه ، وقبلة ينهل منها العلم الحق الموصل لرضى الله وبه يتوجه إليه كل من عنده ضمير حي ينبض بالخير والإحسان ويحب الله ورسوله وآله ، وكل من له وجدان حر من الظلم والعدوان والفسق والفجور ، ومعرفة صادقة إن حياة الإمام الحسين عليه السلام لم تكن لناس معينين أو أمة مخصوصة وذلك .

 

الإمام الحسين قدوة وأسوة لكل الأحرار والطيبين :

 الإمام الحسين عليه السلام كان له في أحاديثه وسيرته وثورته هدف سامي ومبادئ شريفة ، ولها غرض عالي ومقام منيف عند الله , وفيها كان هداه ورضاه ودينه وعزه وكرامته ، وهذا أهم أصل يؤخذ لمعرفة القدوة والأسوة ليسلك سلوكه ويمضي الأحرار الطيبين وفق رشده وهداه ويتيقنون ضرورة إتباعه ، وهذا ما تجده واضح بين في كل وجود الإمام الحسين عليه السلام وسلوكه وأحاديثه ، وأنه قد شرحه في ثورته وفي تضحيته بأحسن بيان وأفضل أسلوب ، فهو عليه السلام أصفى منهل عذب يروي من يريد الخير والفضيلة والمجد والكرامة والعز والدين ورضا الله تعالى ، وبيانه :

إن الله تعالى قد طهر الإمام الحسين عليه السلام : في ذاته وصفاته وأفعاله مع آله الكرام في آية التطهير ، وعصمه من الكذب بآية المباهلة ، وأمر بإتباعه عن ود وحب بآية المودة ، والصلاة عليه مع جده خاتم النبيين وآله الكرام بل والتسليم لهم تسليم مطلق في آية الصلاة عليهم وآيات ولايتهم والتي تبين إمامتهم وملاكها ، وهو الكوثر وإمام الحق والمنعم عليه والبر الصادق المأمورون بالكون معه .

فبكل هذا وما ستعرف عن مجده وشرفه ونوره وهداه ، جعله الله تعالى سيد آل محمد عليهم السلام في زمانه ، فهو كان إمام الحق والهدى والخير والفضيلة والكرامة ، وكانت سيرته وأقواله وكل أعماله وهداه ، إيمان مرضي لله ومقبول ممن سلك سبيله وركب سفينته لمعرفة الله ودينه فينجوا بعد أن يهديه الإمام الحسين بنوره ويشرق عليه بتعاليم الله الخالصة من ضلال أئمة الكفر وأتباعهم ، ولهذا كان ومازال واجب الإقتداء به والتحلي بمجده وشرفه وطلبه والتحقق به بقدر الإمكان والوسع والطاقة ، لأنه عليه السلام كان صاحب صراط الله المستقيم والهادي لنعيمه ، وكل من كان ضده وخلافه فهو إمام كفر وضلال وخزي وذل في نفسه ومجتمعه وإن تبعه الظالمون لأنهم يعرفون مكره وضلاله بصورة مباشرة أو ساكتين عنها ، عند الله تعالى وعند كل طيب وحر وحي بالفضيلة والكرامة .

ثم إن الحسين  عليه السلام : اثبت بهمته العالية وعزمه المقدام الذي حفظ الإسلام وتعاليمه من الانحراف صدقه وبين صالح نيته مع الله تعالى وجديته في دعوته من أجل العدل والإحسان ، وزلزل الظلم والكفر والطغيان على طول التأريخ ، ولم يعطي شرعية لظالم وإمام كفر مهما كان من القوة والمنعة والسلطة بشكل عملي ، وبإيمان راسخ وعقيدة صادق ومبادئ حقه وهدف سامي .

 ولذا أصبح عليه السلام

أسوة وقدوة لجميع المؤمنين المخلصين والطيبين الذين لهم نية خالصة مع الله ويطلبون طاعته ، وعند الأحرار والثوار نهج قيم ومبدأ حق يدعوهم بكل وجودهم للجد والسعي الحثيث لإقامة العدل والإنصاف ورفض الجور والفجور والطغيان في إي مكان وزمان كانوا .

فالأسوة والقدوة : هو من كان طيب طاهر

وعنده مقام رفيع وعالي ، وله هدف في سيرته شريف وفاضل في ميزان العدالة الإلهية ، ولأقواله غاية سامية ومرضية عند الله ، ولا يكون القدوة والأسوة كل طالب منصب وقيادة قوم مهما كان / وإن كان يسمي نفسه ثائر ومصلح إن لم يكن سبيله سبيل الحسين عليه السلام ، وإن كان مثله فالحسين قدوة له وأسوة ، فإنه إذا لم يكن له أهداف الحسين وغايته ففي الحقيقة هو ساعي في سبيل المصالح والأهداف الوهمية والشخصية والاعتقادات الباطلة ، ففي هذا الزمان قدوة بعض الناس رقاص ومغني ومائع في أقواله وأفعاله يتقلب مع المصالح وريح الهوى والشهوات ، بل هناك من يقتدي بظالم ومستعمر وطاغية وغاصب ومنافق وكافر ومشرك .

وهذا الكتاب المسمى ( بصحيفة الحسين عليه السلام ) ستجد فيه أحاديث بقول جد الحسين رسول الله الكريم وبقول أبي الحسين وأمه وأخيه أنه قدوة وأسوة لهم صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين ، بل كان قدوة وأسوة للأنبياء السابقين عليهم السلام .

كما إنه عليه السلام : قدوة وأسوة لمن جاء بعده من المؤمنين والثائرين ، وأسوة حسنة لكل مصاب في سبيل دينه ، أو في ماله أو في نفسه في سبيل الله ، فلا يرى مصيبته مصاب أمام مصاب الحسين ورسول الله وآله الكرام ، فبتذكر الحسين عليه السلام وإقدامه وتضحيته في سبيل الله ، يتبدل الحزن والأسى الدائم فخر بالتضحية والإقدام ، ويرجوا من الله ما لا يرجوه إي إنسان حتى لو ملك الدنيا وما فيها ظلماً وغصبا .

فلذا كل من يطلب العز والمجد : والفضيلة والكرامة والهدى الرباني والتعاليم الإلهية ، لا يسعه أن يتغافل عما تحمله الحسين من الفداء والإباء من أجل سبيل الله فيقتدي به ، ويتحمل كل أذى ومشقة من أجل نشر العدل والهدى ودين الله والعمل به والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والسعي المجد لتطبيق شرائع الله مهما كانت الظروف وفي كل الأحوال .

ولا تضحية تصعب على مؤمن بعد تضحية الإمام الحسين : ولا فداء لإنسان بعد الحسين عليه السلام وآله ، يعز على طيب من أجل طلب العلو والرفعة للإيمان بالله وتعليمه ومعارفه ونشرها وتبليغها والعمل بها .

 

     

 صحيفة الإمام الحسين قصة دين خالدة تمنح حياة وتوجب معرفتها :

فهذه صحيفة الحسين نـتشرف بمطالعتها لنعرف أحسن قصص الدين الإسلامي الحنيف : وهي قصص إسلامية إيمانية كقصص الأنبياء في الأمم السابقة التي حكاها الله بكلامه المجيد الذي يعجز البشر عن الإتيان بمثله ، وهذه القصص وإن كانت بأسلوب البشر وكلامه ، لكنها لكون موضوعها الذي تحكي عنه هو سيرة وثورة سيد الشهداء أبا عبد الله الحسين عليه السلام ، سترى فيها من الهدى والموعظة ما لا تجده في قصص الأنبياء ، بل سيأتي بحث إن الحسين عليه السلام كان قدوة وأسوة للأنبياء والمرسلين قبل أن يوجد في الدنيا ، وذلك إذ حكى الله لهم وجوده وتضحيته وثورته ليصبرهم ويسليهم ويحثهم على التضحية والجهاد في سبيل تبليغ دينه القويم .

فبين يديك في صحيفة الحسين سيرة وقصة حياة إسلامية : هي من أحسن ما قص البشر في التاريخ والوجود في سيبل إعلاء كلمة الله ، وإظهار دينه وإصلاح ما فسد من مبادئه على يد الطغاة .

وهذه عناوين فيها مواضيع تبين أدوار ومراحل من تأريخ سيد الشهداء وأبو الأحرار ومعلم العقيدة والمقاومة والجهاد ، وهذه فصول العز والكرامة ، وهذه أبواب الشرف تعلمنا الحياة الحقيقية التي يشمخ فيها المؤمن عالياً في الدنيا والآخرة ، ويحصل على رضا الله وثوابه الجزيل .

فتدبر أبواب هذه الصحيفة صحيفة الإمام الحسين عليه السلام بتأني وأجعلها دستور حياة ، وصراط دين ، وقدوة إقدام وجهاد ، وأسوة تضحية وإيثار وفداء ، وضعها في فكرك وقلبك في كل شدة ومصيبة لتعلمك الصبر والتفاني في سبيل الأهداف الشريفة ، وتمسك بها كعقيدة ودين لتعلمك الإصرار والعزم على السير في صراط آل محمد وسلوك سبيلهم في مقاومة الظلم والطغيان والكفر والفسق والفجور ، والسعي المجد لتطبيق تعاليم دين الله وهداه وطاعته وحب الوصول لرضاه وفي كل الأحوال والظروف .

وأقطع بالدليل المحكم والبرهان القاطع : إن في صحيفة الإمام الحسين عليه السلام فاجعة الوجود ودرسه الخالد وعِظته العظمى وعبرته الكبرى ، لخصها عليه السلام ليعطي المؤمنين والأحرار الحياة الأبدية الخالدة وتمنحه النعيم المقيم ، فتسقيهم رضا الله وتوردهم نعيمه ، وتعلمهم الصراط القويم ، وكيف السبيل للذب عن الدين ، والإقدام بكل فخر وعز في تعلم معالمه وحدوده الحقيقة والعمل بها في كل آن ومكان .

فبين يديك الإسلام وتعاليمه : بصورة عمليه وسيرة محكية بجهاد سيد الشهداء وآله وأصحابه الأطهار وبالخصوص أيام مصابهم ، وأعرف قدر وقيمة السنّة والشريعة والدين المحمدي الذي أوجده الله بالوحي والقرآن على نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، لكي يضحي الله تعالى بأشرف خلقه وأفضل موجود في زمانه ، وأكرم إنسان عنده وأرفعهم منزلة لديه ، ليبقي هداه ومعرفته الحق صادقة وخالصة من كل ضلال ، ويحافظ على دينه القيم الذي به عبوديته الخالصة وسعادة البشر ونعيمهم .

فجعله سبحانه من شعائر الدين بأمر سيد المرسلين وتذكيره كما سترى ، وهو منوط بما يذكر من معارف تذكر المؤمنين الدين في  مجالس ذكر الحسين علية السلام والتدبر والفكر في معارفه ، وينشرها ويبلغها لكل أهل الدنيا على طول الزمان هذا الذكر السامي في مجالس عزاء الإمام الحسين عليه السلام وفي أي مكان حل به له أنصار ، وهذا هو الذي هيئه الله لعباده وجمعهم له يتأسون به ويذكرون كل مؤمن هداه وكل ضال ضلاله .

فإن الله بالحسين أبقى دينه : وتعاليمه ونشرها وحافظ عليها وخلدها خالصة ناصعة صافية من الانحراف ، وحفظها من الضياع حين كتبها ودونها في صفحة الوجود بدمه الطاهر الشريف ،  وأعرف يا طيب في أبواب هذه الصحيفة ومواضيعها أين حل الدين ومن هم أهله لتتبعهم في كل خطاك في الحياة ، وتأخذ معالم ومعارف دين الله منهم ، وتنفر من أعداء الله ورسوله وآله الأطهار .

 فتنبذ دين أبو سفيان وابنه معاوية وسبطه يزيد وأتباعهم وكل من مهد حكمهم ويدور في فلكهم من المنحرفين والظالمين ووعاظ السلاطين في الزمان الماضي والحاضر ، وتصر على مخالفة  الشجرة الملعونة في القرآن التي اجتثت من فوق الأرض فمالها من قرار في القول والعمل والسيرة والأخلاق .

 وسر بعز وفخر على صراط الله المستقيم :للذين أنعم الله عليهم بالهدى له ، وبهم حافظ على القرآن المجيد وطيّبهم وطهرهم مثله ، وألتف حول شجرتهم الطيبة الطاهرة وكن من ورقها ، وارتفع في علم المعنى الحقيقي وعالم الملكوت الأعلى وسماء الرحمة الإلهية في كل أمورك وتعاليم دينك ، وكن منهم في ذاتك وصفاتك وسيرتك وأعمالك وحديثك وفي كل حياتك ، لتكون من شيعة واتباع محمد وآله صل الله عليهم وسلم الأبرار المقربين ، وتحشر معهم في أعلا عليين في العلم والعمل والذات ، وتصبح معهم في المبدأ والمنتهى والدنيا والآخرة سعيد منعم عليه برضا الله وإحسانه وعزه .

ورحم الله من قال آمين .

 

اللهم بالحسين وجده وأبيه وأمه وأخيه والمعصومين من بنيه اجعلني مع الحسين وآله الطاهرين وأصحابه الطيبين
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موقع موسوعة صحف الطيبين
كتب في 1\محرم الحرام \1424

 

إلى أعلى مقام في الصحفية نورك الله بنور الحسين وآله الكرام عليهم السلام


تفضل يا طيب إلى الفهرس العام خلصك الله من دين أئمة الضلال والظلام