هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في  أصول الدين وسيرة المعصومين
قسم سيرة المعصومين/ صحيفة الإمام الحسين عليه السلام/
 الجزء الأول: نور الإمام الحسين سر تمجيده والانتساب إليه

الباب الثالث
نور الإمام الحسين عليه السلام
في عالم الغيب والشهادة

وفي الباب الثالث  أنوار مصباح هدى ومجالس ذكر لسفينة نجاة :

سفينة نجاة

تحقق نور الإمام الحسين وآله الكرام في الوجود الطيب

فيها مجالس ذكر تبين نور الله الظاهر بالإمام الحسين وآله الكرام وإشراقهم به حتى تحققه في الوجود الطيب المقتبس منهم وظلام مَن تعصى على قبوله منهم:

وفي السفينة مجالس للذكر
نجمل معنى ما سبق ومعناها

بعد الذي عرفنا من معنى النور الإلهي في الوجود ومراتب تجليه ، وحقيقة نور وجودنا وتأثره بنور الإمام الحسين عليه السلام الذي يدلنا على مصدر نور الله ، لنبدأ بالاقتباس والتحلي بالنور الصادق الواقعي ويذهب ما يحيط بنا من ظلام وكل وَهم مسمى بأسماء النور دون حقيقته ، ولكي نسعى بجد لطلب النور والاقتراب منه والتحقق به بكل وجودنا .
ولهذا يشتد النور الإلهي فينا
فنرتفع لأعلى مراتب نوره في الوجود وجنته التي فيها رضاه ونعيمه الدائم ، وفي سعادة وفرح وسرور مع الحسين وأصحاب الحسين وجد الحسين وأبيه وأخيه وكل المنتسبين لنورهم على الحقيقة ، وعرفت هذا في البحوث السابقة ، وشرحته ببيان جميل الزيارة الجامعة التي نزور بها أهل البيت عليهم السلام ، والعبارات البليغة الجميلة التي مرت في البحوث السابقة والآتية قبس ساطع من أنوارها .
وبعد تلك المعرفة العلمية التي يؤيدها الدين والعقل والوجدان والتدبر بالفطرة ومعرفة النفس وحقيقة الإنسان ، وأعتقد كانت كافية لمعرفة وبيان نور الله والنبي وآله الأطهار صلى الله عليهم وسلم ، وحقيقة النور في الوجود ومراتبه وأنواعه وكيف يمكن الوصول إليه والترقي فيه ، ولو بصورة إجمالية .
وقد حان الآن الوقت للتعمق في بحث معرفة نسب الإمام الحسين آله الكرام الكوني في مراتب الوجود الأول لعالم الغيب في جميع مراتبه ، وفي عالم الشهادة ، وكيفية الانتساب لهم في ذلك العالم العلوي وهذا العالم مع ذكر الأدلة والبراهين القرآنية ومن ثم نؤيد البحث بالحديث الشريف .
كما تعرفنا ونتعرف على كيفية اتخاذ الإمام الحسين عليه السلام صراط مستقيم وسبب للارتفاع في أكمل مراتب رضى الله وملكوت نوره في العالم الأعلى الواسع ، والذي فيه كل نعيم الله بأحسن صورة وكمال وجمال وفي أتم خير وبركه ، وفي أكمل سعادة دائمة وعز ومجد وفخر خالد ، وذلك لكون من نوره عليه السلام نحصل على كل نور لآله الكرام وهداهم ، ونتنور بنور الإيمان بالله والإخلاص له في عبوديته حتى الرجوع لأسمه المنير تعالى ، والذي منه بدأ الوجود وإليه ينتهي .
فإن الله تعالى هو النور ومنه كل نور في الكون وجود وهدى ، ولذا جاء في بعض الأدعية الشريفة تعرفنا شأن نوره الكريم الذي أشرق به الوجود حتى ظهر في جميع مراتبه نوره ، وهذه فقرات منها : في دعاء كميل جاء :
وَبِنُورِ وَجْهِكَ الَّذي اَضاءَ لَهُ كُلُّ شيء ، يا نُورُ يا قُدُّوسُ ، يا اَوَّلَ الاَْوَّلِينَ وَيا آخِرَ الاْخِرينَ .
 فهو تعالى الأول والآخر والظاهر والباطن ومنه كل نور ولذا جاء في دعاء الجوشن الكبير :
يا نُورَ النُّورِ ، يا مُنَوِّرَ النُّورِ ، يا خالِقَ النُّورِ ، يا مُدَبِّرَ النُّورِ ، يا مُقَدِّرَ النُّورِ ، يا نُورَ كُلِّ نُور ، يا نُوراً قَبْلَ كُلِّ نُور ، يا نُوراً بَعْدَ كُلِّ نُور ، يا نُوراً فَوْقَ كُلِّ نُور ، يا نُوراً لَيْسَ كَمِثْلِهِ نُورٌ . الفقرة (48) .
كما أن للترقي في مراتب النور عند معرفة تحققه في الوجود في كل شيء نعيم أعلى أو في الشهادة أو هدى ، وبالخصوص لمراقي الملكوت الأعلى للروح المتحققة بهدى الله الحق وعبودية الخالصة في طاعة بما يحب ويرضى ، ولذا يقول الداعي العارف لحقائق عظمة الله وتجليه في الوجود كما في دعاء السحر :
اَللّـهُمَّ اِنّي اَسَأَلُكَ مِنْ نُورِكَ بِاَنْوَرِهِ ، وَكُلُّ نُورِكَ نَيِّرٌ ، اَللّـهُمَّ اِنّي اَسْاَلُكَ بِنُورِكَ كُلِّهِ .
فإنه من يعرف إن كل نعم التكوين وجود وهدى هي نور من الله لحقيقة الشيء المخلوق حتى يترقى في مراتب الوجود حيث يتكامل ، فلذا يسأل العارف من أفضل نوره ، ولما يعرف أن كل شيء في الوجود خير وبركة يطلب منه كله ، ثم لما يرى أنه لا يستغنى عن شيء من نور الله في الترقي في مراتب الكمال يطلب من نور الله كله ، ولهذا معنى راقي في معارف النور والتحقق به نسأل الله أن يهب لنا من نوره كله .
كما أن الحرمان عن نور الله تعالى وهداه الكوني والتشريعي هو بسبب الأنقطاع عن مصدر فيضه وكرمه في التحقق بهداه وعبوديته المتجلي معارفها من الانتساب للحسين وآله الطيبين الطاهرين ، و معنى الحرمان وحقيقته هو البقاء في الظلمات أو الخروج من النور للظلمات والمتاهة في ضلال أئمة الكفر وأتباعهم من أعداء آل محمد أعداء الحسين وآله الكرام صلى الله عليهم وسلم ، وهذا معناه النزول في العالم السفلي الذي يضيق بأهله ويقلب صورهم إلى صور قد تحسن عندها صور القردة والخنازير وفي برهوت نار الجحيم وظلام دامس وقرناء شيطان والعياذ بالله منها ومنهم .
ولذا كان يجب علنا معرف مصدر نور الله كما عرفت وما ستعرفه في سفينة النجاة هذه التي فيها مجالس لذكر نور الحسين وآله بنص نور القرآن المجيد ونور السنة المطهرة ، وتلخص هذه المعرفة والتي سنفصلها في سفينة الحسين هذه ، هذا الفقرات النورانية من الزيارة الجامعة : ( اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ يا اَهْلَ بَيْتِ ..
وَالْبابُ الْمُبْتَلى بِهِ النّاسُ ، مَنْ أَتاكُمْ نَجا ، وَمَنْ لَمْ يَأتِكُمْ هَلَكَ .
إِلَى اللهِ تَدْعُونَ ، وَعَلَيْهِ تَدُلُّونَ ، وَبِهِ تُؤْمِنُونَ ، وَلَهُ تُسَلِّمُونَ ، وَبِأمْرِهِ تَعْمَلُون َ، وَاِلى سَبيلِهِ تُرْشِدُون َ، وَبِقَوْلِهِ تَحْكُمُونَ .

سَعَدَ مَنْ والاكُمْ ، وَهَلَكَ مَنْ عاداكُمْ ، وَخابَ مَنْ جَحَدَكُمْ ، وَضَلَّ مَنْ فارَقَكُم ْ، وَفازَ مَنْ تَمَسَّكَ بِكُمْ ، وَأَمِنَ مَنْ لَجَاءَ إِلَيْكُمْ ، وَسَلِمَ مَنْ صَدَّقَكُمْ ، وَهُدِىَ مَنِ اعْتَصَمَ بِكُمْ . مَنِ اتَّبَعَكُمْ فَالْجَنَّةُ مَأواهُ ،
وَمَنْ خالَفَكُمْ فَالنّارُ مَثْواهُ ، وَمَنْ جَحَدَكُمْ كافِرٌ ، وَمَنْ حارَبَكُمْ مُشْرِكٌ ، وَمَنْ رَدَّ عَلَيْكُمْ في اَسْفَلِ دَرْك مِنَ الْجَحيمِ ، اَشْهَدُ أَنَّ هذا سابِقٌ لَكُمْ فيما مَضى ، وَجارٍ لَكُمْ فيما بَقِىَ .

وَاَنَّ اَرْواحَكُمْ وَنُورَكُمْ وَطينَتَكُمْ واحِدَةٌ .
طابَتْ وَطَهُرَتْ ، بَعْضُها مِنْ بَعْض.
خَلَقَكُمُ اللهُ أنوارا فَجَعَلَكُمْ بِعَرْشِهِ مُحْدِقينَ حَتّى مَنَّ عَلَيْنا بِكُمْ :

فَجَعَلَكُمْ في بُيُوت اَذِنَ اللهُ اَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فيهَا اسْمُه ُ.
وَجَعَلَ صَلَواتِنا عَلَيْكُمْ وَما خَصَّنا بِهِ مِنْ وِلايَتِكُمْ : طيباً لِخَلْقِنا ، وَطَهارَةً لاَِنْفُسِنا ، وَتَزْكِيَةً لَنا، وَكَفّارَةً لِذُنُوبِنا .

فَكُنّا عِنْدَهُ مُسَلِّمينَ بِفَضْلِكُمْ ، وَمَعْرُوفينَ بِتَصْديقِنا اِيّاكُمْ .فَبَلَغَ اللهُ بِكُمْ اَشْرَفَ مَحَلِّ الْمُكَرَّمينَ ، وَأعْلى مَنازِلِ الْمُقَرَّبينَ ، وَأَرْفَعَ دَرَجاتِ الْمُرْسَلينَ، حَيْثُ لا يَلْحَقُهُ لاحِقٌ، وَلا يَفُوقُهُ فائِقٌ ، وَلا يَسْبِقُهُ سابِقٌ ، وَلا يَطْمَعُ في إِدْراكِهِ طامِع ٌ ، حَتّى لا يَبْقى مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ، وَلا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ ، وَلا صِدّيقٌ وَلا شَهيدٌ ، وَلا عالِمٌ وَلا جاهِلٌ ، وَلا دَنِىٌّ وَلا فاضِلٌ ، وَلا مُؤْمِنٌ صالِحٌ ، وَلا فِاجِرٌ طالِحٌ ، وَلا جَبّارٌ عَنيدٌ ، وَلا شَيْطانٌ مَريدٌ ، وَلا خَلْقٌ فيما بَيْنَ ذلِكَ شَهيدٌ :

إلاّ عَرَّفَهُمْ جَلالَةَ أَمْرِكُمْ ، وَعِظَمَ خَطَرِكُمْ .
وَكِبَرَ شَأنِكُم
ْ وَتَمامَ نُورِكُمْ .

وَصِدْقَ مَقاعِدِكُمْ وَثَباتَ مَقامِكُمْ ، وَشَرَفَ مَحَلِّكُمْ وَمَنْزِلَتِكُمْ عِنْدَهُ ، وَكَرامَتَكُمْ عَلَيْهِ وَخاصَّتَكُمْ لَدَيْه ِ، وَقُرْبَ مَنْزِلَتِكُمْ مِنْهُ .بِاَبي اَنْتُمْ وَاُمّي وَاَهْلي وَمالي وَاُسْرَتي : اُشْهِدُ اللهَ وَاُشْهِدُكُمْ اَنّي مُؤْمِنٌ بِكُمْ وَبِما آمَنْتُمْ بِهِ ، كافِرٌ بَعَدُوِّكُمْ وَبِما كَفَرْتُمْ بِهِ، مُسْتَبْصِرٌ بِشَأنِكُمْ وَبِضَلالَةِ مَنْ خالَفَكُمْ ، مُوالٍ لَكُمْ وَلاَِوْلِيائِكُمْ ، مُبْغِضٌ لاَِعْدائِكُمْ وَمُعادٍ لَهُم ْ، سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ ، مُحَقِّقٌ لِما حَقَّقْتُمْ، مُبْطِلٌ لِما أبْطَلْتُم ْ، مُطيعٌ لَكُمْ ، عارِفٌ بِحَقِّكُم ْ، مُقِرٌّ بِفَضْلِكُمْ، مُحْتَمِلٌ لِعِلْمِكُمْ ..) قبس نور من الزيارة الجامعة ، مفاتيح الجنان.

 

إلى أعلى مقام في الصفحة نورك الله بنور الحسين وآله الكرام عليهم السلام


تفضل يا طيب إلى الفهرس العام رزقك الله ونورك بدين الإمام وخلصك من الظلام أو لفهرس مجلس آيات النور لهذا الموضوع



المجلس الأول

آيات النور تبيّن مراتب النور الإلهي للنبي وآله وشدة جذب نور الإمام الحسين للتحقق به

وفيه مقامات للذكر المبين نتحقق فيها بنور الإمام الحسين وآله إن شاء الله

الذكر الأول

بيان مراتب تجلي نور الله ببيان آيات النور لرجال البيوت المرفوعة بذكره وظلمات من لم يقتبس منهم نور الله

قال الله تعالى في آيات من سورة النور :

{ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ :

مَثَلُ نُورِهِ : كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ، الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ، الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ، يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لاَ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ، نُورٌ عَلَى نُورٍ ، يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ، وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ، وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)

فِي بُيُوتٍ : أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ، وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ، يُسَبِّحُ لَهُ : فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ : لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (37)

لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ( 38 ) .

وَالَّذِينَ كَفَرُوا :
أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ : يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا ، وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39)
أَوْ كَظُلُمَاتٍ : فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ ، مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ ، مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ؛ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ، إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا .
وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ } النور40 .

بيان كلي لمعنى آيات النور الكريمة :

هذه الآيات الكريمة من غرر الآيات في بيان نور الله تعالى وتجليه في الوجود وظهور مراتب خلقه في التكوين وهداه التكويني والتشريعي ، وذلك لكون النور في هذه الآيات الكريمة لم يخصص بنوع من النور الإلهي وظهوره ، وفيها باب واسع لمعرفة نوره تعالى في الوجود ومراتبه ، وكيف يمكن أن يشتد نور الله في المخلوقات وترتفع به لمحل الكرامة عنده ، أو يخفت فيظلم وجودها وتهبط لأظلم العوالم فيضيق وجودها ، وبالخصوص خلاصة الوجود الذي هو الإنسان .
والآيات الكريمة من باب المثل وتقريب المعقول بأمر محسوس ، لبيان صفاء نور الله الوجودي الذي هو النور الحقيقي وظهوره في مراتب الكون الواسع ، والذي يسع عالم الغيب من الجبروت والملكوت وعالم الشهادة الدنيوي وبالخصوص الإنسان فيه ، ومن ثم تمثيله بالنور المحسوس الذي يشع بشدة وقوة في مشكاة فيها مصبح تحيطه زجاجه تمنع أن تطفئه أي ريح من الخارج .
كما يمد المصباح ليبقى مشرق بالنور : زيت خالص في الصفاء ، يمثل قوة وجود النور الذاتي الذي لا يخالطه شيء يعكر صفو النور من الدخان الأسود أو الظلام ، والذي يمثل مدد الله ونوره للمصباح الوجودي الذي تحيطه زجاجة كأنها كوكب دري من كثرة النور وشدته فتنور كل العوالم وأفراد الوجود ، ومن خلال المصباح وما يحيطه من الزجاجة ، الذي هو يمثل نور نبينا الكريم والمصباح المنير وما يحيطه من الزجاجة آله الكرام آل الحسين ، والذي يكون سبطه الحسين هو أو ما يوجه الناس في مجالس ذكره لنورهم ، والذي يشرق نوره ويظهر لكل طالب لنور الله ونبيه وآل النبي صلى الله عليهم وسلم ، والذين يمدهم الله بنوره في كل آن حتى يشرقوا على كل طالب لنوره فيتحقق بهداهم فيقيم به العبودية لله مع الإخلاص واليقين بحقيقة الهدى ، ومتحقق بكل نور يمكن أن يستوعبه جده واجتهاده وبذله في سبيل تطبيق دين الله والتحقق بنوره والظهور به .
وذلك لأن هذا النور المتجلي لله في مراتب مختلفة كونية لابد له من حقيقية ووجود ومصاديق وأفراد يمكن أن ينطبق عليهم ، ولا يصدق إلا على الحقيقة الوجودية لنبي الرحمة وآله الكرام لأنه منهم في بيانه بخالص صفاء النور ، وهم منه من المدد الذي حصل عليه بإذن الله وما مكنه الله منه ، وهذا ما عرفته وسيتم بيانه هنا إن شاء الله ، وإن راجعت البحوث السابقة أو القبس أعلاه من الزيارة الجامعة تعرف معناه وتستغني عن الشرح .
ومعرفة النور الإلهي وتحققه في الوجود من المسائل التي قلما تتعرض لها الكتب باسم النور ، لأن معنى كلمة النور : يساوي معنى كلمة الوجود والهدى والإيمان والقرآن والنبي والإمام والصراط المستقيم ، فتستبدل في كل مكان بما يناسب أسم البحث للاسم المناسب ، وبالخصوص في كتب الكلام والحكمة يبدل بكلمة الوجود .
ولذا قل ما يتفكر الإنسان في النور ومعانية حتى عندما يعرج على آياته في القرآن المجيد التي تذكر النور ، فيفسروه بالإيمان والهدى أو الوجود والنعيم بدل أن يقال الإيمان والهدى والوجود وكل نعيم فيه هو نور .
كما إن الناس عند تذكر أسم النور يتبادر لذهنهم النور المحسوس المادي : إما لأنسهم بالمادة وعالم الشهادة والدنيا ، والأنس بالملموس والمحسوس ، فلذا قلما يتوجه ويلتفت لعالم النور ومعانية ومراتبه ومخلوقاته ، فترى الإنسان يغسل نفسه من أوساخ البدن وينظفه ، ولكنه لا يغسل روحه من الظلام وأوهام الضلال ليخلص وجوده في النور أو يسعى لتحصيله فيه فيشتد ويرتفع وجوده ، فيكون في أعلى مراتب النور ، طبعاً إلا من وفقه الله لأن يتصل بالحسين وآله ، فيذكره الحسين نور الله في كل آن ، فيكون له حقيقة الهدى والإيمان والطاعة والعبادة الخالصة لله من كل ظلام فيتصل بحقيقة النور فيتحقق به أو حتى قد يشرق به .
أو الإنسان مؤمن فهو وجود منير أو ساعي لتحصيل النور الشديد ، ولكن قلما يذكر أسم النور لكون الإنسان أقل ما يستخدم أسمه ويلتفت لوجوده الذي هو روحه وأقرب شيء له ، أو يخاف العجب والرياء فيكون عنده نكران للذات ، وللطرفين الإمام الحسين عليه السلام مصباح هدى وسفينة نجاة ، يلفت نظرهم لنوره ونور آله الكرام وبالخصوص سيد الكائنات ، الذي هو نور الله وهداه ويسلك بهم صراطه المستقيم النير لخالص عبودية الله ويرفعهم لأعلى ملكوت النور بإذن الله .

وصية للطيبين وأصحاب النور الحسيني الرباني :

يا أخي في الإيمان وسالك صراط الحسيني المستقيم : لكي تعرف ما نذكر من الشرح يجب أن تخرج نفسك في البدء قبل قراءة هذا المقال من المعنى الضيق للنور الحسي ، ومن معنى الكوة وبيوت الدنيا وحيطانها ومصابيحها وزجاجها وزيتها ، وترى نور أبدي خالد سرمدي يشرق فينور الوجود كله .
وتفكر بأن النور الإلهي المشرق في الوجود : هو نور السماوات والأرض ، وإن نور الله المشرق في الخلق والظاهر فيه هو نور يسع الوجود كله في جميع مراتبه من عالم الغيب وعالم الشهادة وجميع مراتب السماوات والأرض وما فيها من الكائنات ، ويشع ويشرق من مصدره الرباني وأسبابه التي جعلها سبحانه في الوجود ، كما يسع جميع الزمان والدهر كله من أول وجود الكون حتى في الجنة ونعيمها الخالد ، كما حين يشرق ينفذ في وجود كل قابل له ومستعد لنيل بركات فيضه وتجليه .
وبالنور الإلهي : يوجد ، ويشتد وجود الكائن ، ومن يحصل على نور الله يجعله وجود سعيد كامل نير ، بل ومنير مثله يشرق على من يتقبل منه ، و هو حقيقة الخلق أين ما وجد سواء الواسع الخير المنعم التام في النور ، وله مراتب في الشدة والتحقق والظهور ، ويتضاءل وجود النور لمن يتعصى على تقبله ، وبالخصوص في الوجود المنكمش المقبوض في سجن الطبيعة والمادة أو في حسرة التعصي عليه وعدم التوجه له ، فيكوى بنار الحرمان والنقصان المقارب للعدم ، بالخصوص لمن يحاربه ويمنع من ذكره ومعرفته .
فأخرج يا طيب ويا أيها المنور بالنور الإلهي للحسين وآله الحسين عليهم السلام من كل معنى خيالي وتصوري لمعنى النور وللمصباح والزجاجة والكوة والمشكاة والزيت فضلاً عن النور الحسي ، بل اخرج من معنى النور العقلي البحت بما هو معنى علمي فقط دون حقيقة .
وأدخل في نور روحي وجودي يكون متصل بنور الله عن طريق الحسين وآل الحسين عليهم السلام ، وبه تخف الروح عن عالم الحس والماديات ، ويكون النور الحسي والضياء وجذب الأرواح والنفوس والتأثير فيها أثر لذلك النور الكريم وشأن من شؤونه .
فيا طيب أدخل في معنى وجودي ملكوتي للنور ينفذ في الكائنات ويشتد به وجود الموجودات سواء إنسان أو غيره ، ونور يدخل في الفؤاد والقلب فيشتد به الوجود الإنساني والروح فيكون فيه نور رباني ، ويقوى نور الفطرة حتى يخلص في نور الله ، فتتنور وتطمئن وتسعد وتنال العز والمجد والفضيلة في الطاعة والعبودية لله تعالى ، وكله بفضل الانتساب وبالاتصال الروحي والوجودي بنور الحسين وآله وسيدهم نبي الرحمة ، وكله بفضل الله ومدده ، ولا تحصر نفسك في المعنى الحسي للنور والمصباح والزجاجة والزيت حتى تعرف ما نذكر ، ويمكنك أن تفهم الشروح الآتية بل والسابقة . وأرجوك لا تنسى هذه الوصية .


إلى أعلى مقام في الصفحة نورك الله بنور الحسين وآله الكرام عليهم السلام


تفضل يا طيب إلى الفهرس العام رزقك الله ونورك بدين الإمام وخلصك من الظلام أو لفهرس مجلس آيات النور لهذا الموضوع



الذكر الثاني

شرح ألفاظ آيات النور الكريمة وظهور مراتبه

معنى كلمة الـنـور :

قد عرفت معاني ومراتب النور في الوجود في المصباح السابق وهنا ، وإنه ليس المراد معناه المادي فقط ، بل النور : هو الوجود وتحققه فيه في كل مراتب الكون ومخلوقاته حقيقة وجود الأشياء من أشرفها حتى أضيقها وأخفتها في التحقق به حتى المسجون المنكمش فيها ، وحقيقته في الإنسان الروح واشتداد وجودها بالهدى والإيمان والأعمال الصالحة وما يقيم به العبودية لله من هداه وكل رضى الله وما يحيط به من نعيمه الذي يمتلكه وجوده وما أعد له من ثواب.
وهذه الآيات الكريمة تبين نور الله في السماوات والأرض ، وهو بيان للنور التكويني وهداه ، كما هو بيان للنور التشريعي وهداه ، وبيان لنور الإيمان وظهوره وتحققه ، وهو بيان كامل لكيفية إشراقه وكيف يشع ويُكتسب من أصحاب البيوت المرفوعة والشجرة الطيبة المكرمة عند الله ، والذين مجدهم وكرمهم الله سبحانه رب النور ، بالذكر في هذه الآيات الكريمة ، وعرّفنا سبحانه إنه منهم يشع نوره تعالى بما يمدهم برحمته ويحققهم بنوره الكامل التام ، كما يمد الزيت المصباح ليشع نوره .
كما أنه لا نــور : يكون عند غير نبينا الكريم وآله الطيبين الطاهرين ، ولا نور لأحد مهما كان ما لم يكن عنده نور مأخوذ منهم ، فضلاً من أن يكون نور الله يشرق من عند الشجرة الملعونة من أئمة الكفر وأتباعهم ، كما أن في التدبر في معنى نور الله تعرف إن نور الهدى والإيمان هو نور تكويني صافي تشتد به الروح ويرتفع به وجود الإنسان ، وليس هو معنى ولفظ لا حقيقة له ولا تأثير مهم يستفاد منهم .
بل النور : هو الحقيقة والغاية لوجود الكون وبالخصوص الإنسان ، وباكتسابه واشتداده يسعد ويُكرم الإنسان ، أو يشقى ويهان بظلمة وجوده عند الابتعاد عنه وبالخصوص عند المنع من ذكره وتحريم معرفته أو عدائه ومحاربته .
ففي الحقيقة النور الذي يراد بيانه هنا ، هو نور وجودي يتم تحصيله بكلام الله وتعاليمه ومعناه الحقيقي والعمل به وطاعته وإقامة خالص العبودية لله ، والتوجه إليه من حيث أراد أن يكتسب نوره .

معنى كلمة المشـكـاة وحقيقتها :

المشكاة : حفرة الكوة في جدران الغرف والبيوت في السابق ، وهي وغير مفتوحة للخارج ، وفيها يوضع المصباح والزجاجة وما يسمى بالقنديل والفانوس ، وهي تمثل الكون المخلوق كله أو قلب المؤمن أو روحه أو عقله ووجوده بما هو معناه العام ، وليس فيه ملاحظة للنور وعدمه ، فالمشكاة هي المكان للفانوس ، وهي مثل الوجود لنور الله وإشراقة في شيء موجود في الكون وكل شيء بحسبه.

معنى كلمة المصباح وحقيقته :

الـمصبـاح : هو السراج ، ولكل مكان في الكون ولكل مرتبة في الوجود لها مصباح يناسب حالها يعطيه نور وجوده ويشع عليه نور الله ، والإنسان له اختيار في تقبل نوره أو الامتناع منه بعد وجوده في نور الفطرة ، أو فقل المصباح هو النور الأول لتجلي نور الله وظهوره في الكون لجميع مراتبه وفي كل الوجود ومخلوقاته ، وكل وجود يظهر فيه مصباح يناسبه يمده الله بنوره الذي يتجلى من النور الأول أو المصباح الأول ، كما يمد الزيت للمصباح ليشع نوره ، وقد عرفت النور في مراتب الوجود .
وأما ظهور النور في الدنيا فله أمثلة مناسبة : فالنجوم مصباح وزينة السماء ، وهي التي تنير لأهل الأرض النور الحسي ، كما إن النبي الكريم سراج منير لإشعاع نور الله على البشر وهو وزينة الوجود كله قال الله تعالى :
{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ( 45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا } الأحزاب46 .
وقال تعالى : { فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ }فصلت12 .
فالمصباح : في آيات النور هو تمثيل لبيان وجود نفس النور الأول للإشعاع بعد خلق الله له ، وقد عرفت مكان إشعاعه كل شيء بحسبه من مراتب الوجود الكوني وهداه ، أو مصباح وسراج الناس كلهم في الوجود ، وهو نبي الرحمة وآله الكرام من أئمة الحق والهدى بعده ، وكالحسين الذي هو مصباح هدى كما إن كل آله الكرام مصابيح ، وهم كالنجوم لأهل الأرض يشعون نور الله ، أو المصباح عقل الإنسان المتفكر الذي يسعى لتحصيل هدى الله تعالى فيكون مصباح نور ، أو قلبه المتنور بالإيمان وهدى الله .
فكل شيء : مصباحه بحسبه ، فلكل الكون مصباح يناسبه ، ولكنه لا يخلوا عن الحقيقة الأولى لنور الله وظهوره الأولي وهو النور المحمدي وما يحيط به من زجاجة إشراقه وتعريفه ، حتى تقتبس باقي المصابيح والوجودات الكونية نورها منه فتكون حقيقة وجودية منورة أو حقيقة وجودة مشرقة قد تم نورها بفضل ما اكتسبت من النور بعد وجودها الأولي كما عرفت وسترى .

الزجاجة كأنها كوكب دري :

تشبيه الزجاجة بأن يشع النور منها ، وهذه مرتبة قوية لإشعاع النور الإلهي الذي يتجلى ويشرق بنور المصباح ، وهي التي تبين نور المصباح ومظهره الأول ، وهي لشدة النور الظاهر والمتجلي منها كالكوكب الدري من جهة ازدياد لمعان نور المصباح و شروقه ، وبتركيب الزجاجة على المصباح تزيد الشعلة بذلك نوراً ، وتنال سكوناً ، من غير اضطراب بتموج الهواء و ضرب الرياح أو فقل من غير ظلام يأتيها من خارج أو هوى فكر مخالف لأمر الله وما يحب من نوره ، ومن غير تعصي عليه أبدا ، بل كلها نور تام منه في الوجود والحقيقة ولكل أمر ظهرت به سير وسلوك وعلم وعمل خالص لم يلهها ملها عن ذكر الله والتذكير به والإخلاص له ، فلذا رفع الله رجالها فجعلهم أئمة حق وهدى .
ولذا تكون الزجاجة المحيطة بالنور المحمدي مشرقة بأخلص نور صافي تام في الكمال ، ولذا يتحقق بنورها كل من يقتبس منها ويقترب من معارفها ويدين بدينها الحق المحمدي الذي عرفه الحسين وآله الكرام ، ولذا كانت الزجاجة لآل محمد محيطة به مشرق بأشد إشراق ، وهي كانت وما زالت كالكوكب الدري في تلألؤ نورها و ثبات شروقها ، تفيدنا نور الله الحق الواقعي هدى ودين خالص من كل ضلال وظلام لأعدائهم ، وضلال من أنحرف عن نورهم وحاربهم أو منع من ذكرهم ومعرفتهم .
وهذا المهم في إشراق نور الله تعالى وظهوره في الوجود وتعززه على أن يطفئه شيء وإباءه عن تقبل الظلام في عين إشراقه وتجليه وظهور نوره ، فالنور يحتاج إلى مشع شديد ونفس المشع هو المحافظ على نور المصباح من أن يطفئه شيء في الكون أو يخالطه شيء من خارج فيعكر صفوه ، وهو يشرق على كل بني البشر ونور الفطرة الذي فيهم فيجعله يشتد ، فيكون المصباح كأنه الزجاجة يشع النور ويتجلى منها نور الله ، والزجاجة كأنها المصباح لأن نورها من نوره فتشع النور كالكوكب دري يشرق على الكل ، والكل يمتد وأخذ من نور الله تعالى الذي جعله يشرق من المصباح بل من الزجاجة المحيطة به ، والذين لم يلههم مله عن ذكر الله وتعريف هداه ودينه والإخلاص له فيكونون مشرقين بحقيقة نور هداه من غير أي ظلام بل لا يطفئ ويصل له كل طالب حق .

يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية و لا غربية يكاد زيتها يضيء و لو لم تمسسه نار :

وهذا بيان لمدد النور الإلهي الذي ينور المصباح ويجعله يشع من الزجاجة حتى يوم القيامة ، وفي كل زمان أو مكان قابل للتحقق بنورها الصافي ، وذلك عندما يتوجه للاقتباس منه ويطلبه بحد مخلص لله الدين والهدى الذي يشرقون به نور الهدى والأيمان واليقين ، وحتى يكون فيه نور العبودية المرضية لله ، فتتكون لطالبه وللمتحقق به حقيقة السعادة والنعيم والمجد والفخر الدائم في النور التام .

وصفاء الزيت :

بيان لأصله وصفاء منبعه وخلوصه من كل ما يعكر صفو النور الذاتي وطهارة وجوده وحقيقته ، وهذا بيان للخير ولبركته الواقعية في تنوير الوجود ، وهو خبر بعد خبر لنور مصباح الهدى وسفينة النجاة المحمدية التي يكون أول تمثل لها يواجه الناس الإمام الحسين ثم تتصل بآله ونبي الرحمة السراج المنير ، والله تعالى من ورائهم محيط بل قيوم ، وكل شيء قائم به فضلا من أن يكون ممد له بتوسط الموصل لأصل النور ، بل توفيق الله هو المحقق لطالبه به بإذنه ، فهو تعالى الممد الحقيقي والأولي والأصل لها ولكل مصباح وجود أخذ من المصباح الأول وزجاجته وبقي منير ، أو في أول وجود نوره وهداه الفطري ، أو المشتد في النور من غير تعصي على قبوله .

وفي الـمـثـل :

أي المصباح يشتعل آخذاً اشتعاله من شجرة مباركة زيتونه ، أي إنه يشتعل من دهن زيت مأخوذ منها ، والمراد بكون الشجرة لا شرقية و لا غربية ، أي أنها ليست نابتة في الجانب الشرقي ولا في الجانب الغربي حتى تقع الشمس عليها في أحد طرفي النهار ، وبفيء الظل عليها في الطرف الآخر فلا تنضج ثمرتها كلها بنحو واحد ، فلا يصفو الدهن المأخوذ منها فلا تجوّد الإضاءة ، بل هي ضاحية تأخذ من الشمس حظها طول النهار ، فيجود دهنها ويخلص في الصفاء والشفافية لكمال نضج ثمرتها .
و الدليل على هذا المعنى قوله تعالى : "يكاد زيتها يضيء و لو لم تمسسه نار" فإن ظاهر السياق أن المراد به صفاء الدهن و كمال استعداده للاشتعال و أن ذلك متفرع على الوصفين : لا شرقية ولا غربية.


إلى أعلى مقام في الصفحة نورك الله بنور الحسين وآله الكرام عليهم السلام


تفضل يا طيب إلى الفهرس العام رزقك الله ونورك بدين الإمام وخلصك من الظلام أو لفهرس مجلس آيات النور لهذا الموضوع



الذكر الثالث

المثل والممثل له في آيات النور الإلهي وظهور مراتبه بنور النبي وآله وبالخصوص نور الإمام الحسين الشديد الإشراق

فقد تحصل وعرفت مما مرّ حقيقة ومثل وإشارة :
أن الممثل له : هو نور الله المشرق في السماوات والأرض في جميع المراتب والوجود والهدى الكوني والتشريعي ، والذي يضيء ويصل لقلوب المؤمنين فيدخل فيها فيزيد نورها ، ويجعل نور الفطرة يشتد في روح الإنسان ويرتفع في مراتب النور ويرجع لمصدره كما بدأكم تعودون ، ولكن لكل شيء رتبته في تحصيل النور وعكسه وإشعاعه في الوجود ومراتبه لا يتجاوزه .
والمثل : هو المشبه به النور المُشرق من زجاجة تعكس نور المصباح الموقد من زيت جيد صافي ، وهو موضوع في مشكاة تجمع نوره وتعكسه للطالبين فقط ممن يطلب نور الله وهداه ، فإن نور المصباح مشرق من الزجاجة والمشكاة تجمعه وتعكسه على المستنيرين به ويشرق عليهم في نهاية القوة و الجودة والصفاء ، وهو خالص من كل ما يعكر صفوه الذاتي والخارجي .
والمثل والممثل له مجموع حقيقته : هو زيت أصل النور صافي في الذات وخالص في نوره الوجودي ، يعرف بنفسه ويضيء حتى لو لم يكن مصباح وزجاجة ولم يمسه ظهور الممكنات ، بل هو ظاهر بنفسه ومظهر لغيره وهو أصل الوجود ، والذي هو من نوره تعالى الذي يتنور به السماوات والأرض وكل موجود ، والله نور السماوات والأرض ومنه كل نور ومدده وتجليه وتحققه .
ولكن أبى الله إلا أن يجري الأمور بأسبابها ، فجعل مصدر لإشعاع نوره الخالص مصباح الوجود وسراجه المنير ، وهو نبي الرحمة ، ومنه يتجلى نوره في كل مراتب الوجود ، أو في مرتبة الوجود البشري ويتحصل إشراق نوره على الناس المؤمنين به ، وكذلك جعل الله سبب ووسيلة لنوره الذي يشرق من المصباح المحمدي وسراجه المنير ، وهو سبحانه الذي جعل نور المصباح يشرق بتوسط الزجاجة التي تضيء وتشرق بالنور الذي هو من نور المصباح الذي هو من نور الله .
فالله تعالى هو الذي جعل الزجاجة تشرق النور المحمدي بل نوره في الحقيقية وهو الذي يمده ، والزجاجة المحيطة بمصباح النبي الكريم هم آله الكرام واستمرار نور وجوده ، وهم بحق أوصياءه وخلفاءه الحقيقيين ورجال البيت المرفوع بذكر الله وتعليم هداه والإشراق بنوره ، لا المتسمين فقط وهم في واقعهم محاربين له محرومين منه ، بل آل محمد زجاجة المصباح الإلهي المخلوق المنير لكل شيء وهم أئمة الحق ونور الهدى .

وفي نور الله المشرق من الزجاجة المحيطة بالمصباح خصوصيتان :

أحدها : إن الزجاجة شديدة الإشراق على الناس حتى كأنها كوكب دري ونجوم السماء .
الثانية : إن الزجاجة في عين الإشراق الشديد تكون محافظة على نور المصباح من أن يعكر نوره شيء خارجي من ظلام أئمة الكفر وظلمهم وضلال أتباعهم ، كما هو المعروف من عمل زجاجة كل مصباح وفانوس وقنديل ، فزجاجتهم في عين إنها تبين وتظهر شدة نور المصباح فهي تحافظ عليه من أن يطفئه من الخارج شيء وأبا الله إلا أن يتم نوره ولا يتمكن أن يطفئه أحد .
كما لابد أن نعرف أمر مهم : هو إن النور المشع في كل مراتبه لابد أن يكون في كل مراتبه صافي الذات وخالص الوجود في النورانية والإشعاع ، لا غبار فيه ولا سواد دخان ولا ظلام ضلال ولا حتى مخلوط به ، بل لابد أن يكون مطهر وصافي وخالص وطيب ، وهذا النور لا يوجد إلا في ذات وحقيقة وجود نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين صلى الله عليهم وسلم ، وإن النبي وآله هم المطهرون من كل شك وشبه ، وهم أئمة الحق وهم النور الخالص .
وهذه الآيات الكريمة دليل للإمامة لأن الله تعالى أكمل إن محل المصباح في مشكاة البيوت المرفوعة للنبي وآله الطيبين الطاهرين ، وسيأتي تتمة بيان لآية البيوت المرفوع أو راجعها وتدبر فيها رجاءً لتعرف عظمة بيان الله سبحانه وتعالى ، وحقيقة ظهور نوره في الوجود ، وإتقانه لخلقه وجود وهدى حتى يرجع من لم يتعصى عليه لأعلى مراتب العز والمجد والسعادة والكرامة ، حتى يكون محيط بالنبي وآله لأنهم كلهم نور واحد ، ويكون معه ومنتسب له بل متحقق بنوره التام وله كل نعيم ، ولتعرف أن النبي وآله نور واحد راجع الباب الثالث من صحيفة ذكر الإمام عبادة ، أو أنتظر الجزء الثاني من صحيفة الإمام الحسين عليه السلام ، فضلا عما سيأتي فيه هذه الأبواب وما يكون فيها من أدلة الله وبراهين آيته الكريمة وكلامه المجيد .

وهكذا يضرب الله تعالى الأمثال :

ويبين سبحانه لنوره الذي هو نور السماوات والأرض وكيف يشرق على أتم كائن في الوجود ومنه ويتحقق به حتى يكون منير بإذنه ومدده تعالى ، فإن هذا نور على نور يأخذ مدده من نور الله ولكل شيء بحسبة وله مرتبته في الوجود والإشراق بنور الله .
فالنبي الكريم هو الذي يشع نور الله وكوكب الوجود ومصباحه ، وآله آل النور وأهل بيته المرفوع مثله في ظهور نور الله وتجليه في الوجود وعلى البشر وفي قلب الإنسان ، يكونون زجاجته وكوكبه الدري المشع ، وكلهم نور واحد له مراتب ظهور نور الله حتى يتجلى في روح المؤمن وقلبه فيشتد في النور ويرتفع في مراتبه ويكون معهم هنا في الدنيا قبل أن تستوفى روحه فتكون مع الصادقين الأبرار في أتم محل الكرامة والنور ولكل درجته ومنزلته .
وراجع ما ذكرنا في صحيفة ذكر الإمام علي عبادة الباب الثالث لتعرف أنهم نور واحد في كل مراتب الوجود فضلا عن كونهم نور وهدى واحد في الدنيا والآخرة ، وسيأتيك كثير من الذكر هنا .

كلام للإمام الحسين يعرفنا حقيقة النور :

وقد أختصر تعليمنا لهذا الشرح والبيان الإمام الحسين ببعض كلامه في دعاء عرفه إذ قال عليه السلام :

( ألهي تَرَدُّدي فِي الآثار يُوجِبُ بُعْدَ الْمَزار ِ، فَأجْمَعْني عَلَيْكَ بِخِدْمَة تُوصِلُني إلَيْكَ ، ـ الإمام يعرفنا الخدمة ويوضح الوصول إليه فيقول ـ :

كَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْكَ بِما هُوَ فى وُجُودِهِ مُفْتَقِرٌ إلَيْك َ.

 

أَيَكُونُ لِغَيْرِكَ مِنَ الظُّهُورِ ما لَيْسَ لَكَ ، حَتّى يَكُونَ هُوَ الْمُظْهِرَ لَكَ .
مَتى غِبْتَ حَتّى تَحْتاجَ إِلى دَليل يَدُلُّ عَليْك َ.
وَمَتى بَعُدْتَ حَتّى تَكُونَ الآثار هِيَ الَّتي تُوصِلُ إلَيْك .

عَمِيَتْ عَيْنٌ لا تَراكَ عَلَيْها رَقيباً ، وَخَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْد لَمْ تَجْعَلْ لَهُ مِنْ حُبِّكَ نَصيباً .

اِلهي أَمَرْتَ بِالرُّجُوعِ إلَى الآثار .
فَأَرْجِعْني إلَيْكَ بِكِسْوَةِ الأنوار ِ، وَهِدايَةِ الاِْسْتِبصارِ .
حَتّى اَرْجَعَ إلَيْكَ مِنْها كَما دَخَلْتُ إلَيْكَ مِنْها ) .

في المقطع الأول شرح الإمام الحسين ليعلمنا عليه السلام : إن الله هو نور السماوات والأرض ويكاد نوره الممثل بالزيت الذي يمد المصباح يضيء ولو لم تمسه نار وهو نور على نور ، وبه يعرف ظهور النور بالوجود وهو أصله ، فلا يغيب على أحد نوره وظهوره ، بل هو في الفطرة الصافية ما لم تدنس بالشرك وأشباهه من المعاصي ، ولذا كان كل شيء في الوجود من نور الله ، فيكون نفس نور الله في فطرة الإنسان يدله على الله ، وهو سبحانه لا يغيب عنه شيء وتحقق نوره في كل شيء فلو توجه لنفسه عرف أن الله وقدرته وكل صفات الكمال عنده سبحانه له منه في داخل وجوده نور ما ، فلا يحتاج لشيء يدله على الله .
وفي المقطع الثاني : شرح مراتب النور المخلوق لله ، فدخولنا بنور الفطرة في هذا العالم ونرجع لله بعد أن يشتد نورنا المكتسب من مصباح الله المشرق من زجاجتهم الصافية ، والذي يدل عليه أول مظهر له وهو الإمام الحسين ، وهذا ما يجب أن يكون عليه الإنسان .
ولكن لما كان تنزل لإنسان للدنيا وأحاطه ضلال أئمة الكفر والشيطان ووساوسه وشهوات النفس وكل ظلام لأتباع الضلال والظلام ، فلابد للإنسان من أن يرجع للنور التام ويتوسل بالله من أن يخلصه من كل ظلام محيط به ، فضلا عما يكون قد خالطه في بعض الأحيان من غفلته ، ولذا لابد للمؤمن العاقل أن يرجع للنور كما بدأ ودخل ، فيخرج للنور ولو أحاطه الظلام فعليه أن يسعى لأن يخلص من كل ظلام ويخرج لكل نور تام صافي خالص .
ولو بحثت بحق في مصدر النور في كل تعليم الكون ، آفاق وأنفس وكل آثار الوجود والفطرة ونور معارف اليقين في محل وجود المجد والفضيلة والدين والهدى ، لما وجدت نورها إلا عند النبي وآله وتعاليمهم ، وهذا ما عرفه الله في آيات النور ، بل نطلبه من الله في كل يوم في قراءة سورة الفاتحة بأن نسلك صراط المنعم عليهم المهتدون ، فنبقى في النور كما دخلنا نرجع إليه ، من خلال سلوك صراط المنعم عليهم من أهل نور الله وهداه .
ولذا قال عليه السلام معنى بكلمات جامعة ، أنه كما بدأ وجودنا من الله إليه نعود بالنور المقتبس منهم ، لأنه هذا هو محل الهدى والنور الإلهي المشرق منهم ، وهو هدى الاستبصار لكل طالب البصر في هدى الله ومحب لكل وجوده لأن يكتسي النور ويتحقق به في كل وجوده عبودية خالصة لله ، هدى وإيمان وعبودية وفق منهجه الصافي في النور الخالص لله بكل تعاليمه ومعارفه ومنهجه ، وهذا ما يجب أن يكون عليه الإنسان .
فإنه لا نور صافي وخالص من نور الله تعالى إلا أول ظهار من نور زجاجة المصباح المحمدي الذي يواجه الناس في كل مكان وهو نور الإمام الحسين وتعاليمه ومنهجه الكريم الموصل لكل نور آله الكرام الذي هو نور مصباح الله الممد له بالنور فيقتبسه المؤمن بل يتحقق به نور هدى وأيمان ويخلص لله به العبودية حتى يكون وجود نوراني تام معهم ومنهم يقتبس ويشرق ، بل في كل مجد يتصف به النور وفخر وعز ونعيم إلهي واقعي في كل مرتبه يكون فيها هنا أو في الملكوت.

شدة نور الإمام الحسين عليه السلام في آيات النور :

بعد أن عرفنا معرفة تامة في معنى تحقق نور الله في الوجود من مبدأه حتى منتهاه ، ومحل تحققه عند المؤمنين الذين اقتبسوا نور الله من محل إشراقه النبي وآله ، وبتوسط ما يدلهم أول نور مشرق مواجه للناس في كل مكان وزمان .
نرجع ونتدبر مرة أخرى في آيات النور ، وبالتدبر في حقيقة الكون لنرى نفس المظهر لنور الله من الحسين عليه السلام وبتجليه يشرق علينا ، ونرى بحق إن أجلى نور لله وزيت الوجود وظهوره في نور المصباح بالزجاجة منه ، وتراه وتعرفه بحق إنه هو نور الإمام الحسين عليه السلام ، وإليك يا طيب بيانه :
إذا تدبرنا في الزجاجة التي تشرق بنور المصباح الذي يمده الله تعالى الذي هو نور السماوات والأرض وكل شيء من ممد نوره يستفاد بتوسط المصباح والزجاجة المشرقة بنوره ، ترى للزجاجة المحيطة بالمصباح المحمدي من آله ظاهر موجه للخارج وباطن مقارب للمصباح وكلها عين النور وحقيقته وروحه.
فإن للزجاجة ظاهر مواجه للخارج منه ينتشر النور وباطن يواجه المصباح يكتسب نور الله منه ، والظاهر هو الذي به يشع النور الأولي على الناس ويبين لهم النور وينورهم ويصفي وجودهم من الظلام والضلال ، وهذا واضح وجلي في نور ذكر الإمام الحسين في مجالسه التي لا يخلو منها مكان وزمان يوجد فيه طيبون من أنصار الإمام الحسين عليه السلام ، والتي تبين إمامته ونور هداه وإمامة آله الكرام وخلافتهم للرسول الكريم ، وأنهم هم مصدر نوره الذي هو نور الله المشرق هدى ودين في الوجود حتى يحقق من ينتسب لهم ويكون معهم ومنهم في الهدى والدين مخلص به لرب العالمين متحقق بحقيقة النور الواقعي المشرق من الله بكل صفاء وخلوص حتى وصل له وتحقق به بصراط مستقيم وبسبيل حق ، ولم يكن غيره يوصل لهذا النور الإلهي الذي خصه الله تعالى بهذه الكرامة والشرف والمجد حتى تشرف به كل مؤمن وصار به طيب وكريم .
فلذا يعرف كل منصف عرف الحق أو طالب له بنور اليقين بكل أدلة الدين ، إنه أول ما يُلفت النظر ويوجه لنور هدى الله الحق الواقعي المشرق من مصدره ومحله المكرم في الوجود عند النبي وآله الكرام ، هو نور الإمام الحسين عليه السلام ومن مجالسه ومن إشعاعها يدخلون في النور الإلهي لآله كلهم .
ويحصل للمؤمن التوجه لمصدر النور الواقعي ويطلبه ويتحقق به بأقل تدبر بما حل بالدين وأهله ، وكيف جرت الأمور حتى ضحى الإمام الحسين بكل وجوده وأهله ، إذ يرى طالب الحق إن هذا التصرف من سيد شباب أهل الجنة سبط رسول الله الأكرم ، ولابد فيه رضى الله ويريد أن يبين له ما صارت إليه الأمور ، وكيف أنحرف الناس عن الهدى والواقعي وكيف أضلوهم أئمة الكفر وشهوات النفس وزينتها التي تمكنوا منها ، فيرى أنه لا دين ولا هدى إلا ما يعلمه الحسين ومن سلك سبيله ، فلا نور لله مشرق إلا منه ، فيأخذ نوره ويتحقق به عبودية خالصة لله بكل وجوده ويطلبه مع اليقين بأنه هو نور الله الحق بكل تعاليمه ومعارفه وهداه ومنهجه الحق الواضح الخالص من كل ضلال وظلام لأعداء آل محمد .
فلهذا يتوجه المؤمن وكل طيب يطلب الحق بالعقل والقلب والروح لنور الحسين فيدخل فيه أيمان وهدى ، ويكون كل يقينه ومنهجه وهداه ، فيكون أول شعاع نور داخل في وجود طالب الحق وينوره إيمان وهدى ، فيشتد فيه فيصفى نوره حتى يذهب كل ما يحيط به من ظلام وجودي وأو خارجي ، فيخلص لله العبودية ويتم نوره حتى يكون معه ومحيط به يحف بالحسين وآله مع النبي الكريم في أعلى مراتب الكرامة والمجد الإلهي والنعيم الكامل الدائم التام ، نور خالص بفضل الله وتوفيقه وحسن جزاءه لعباده المؤمنين المخلصين له الدين بدين الحسين وآله الكرام صلى الله عليهم وسلم .
فالحسين عليه السلام هو ظاهر الزجاجة لمصباح نور النبي الكريم وآله الطيبين الطاهرين الذين يستمدون من مصباح نور الله ، فهو عليه السلام الذي حافظ على نور المصباح النبوي الذي يشع على الأمة الإسلامية من كل هواء وريح ودخان أسود وظلام من أئمة الكفر وأتباعهم ، قد كانوا يحاولوا به أن يطفئوا نور الله ، كما هو الواجهة الأولى لإشعاع نور المصباح الشديد ، وهو الذي أشرق فشع نوره الكريم بشده حتى كان كوكب دري لإشراق نور الله على قلوب المؤمنين الحقيقيين لا المتسمين به ، وهو الذي يواجهنا بتجليه في كل مكان وزمان صافي وجلي مبين لكل نور مصباح جده نبي الرحمة من غير أي شبه أو شك أو حيرة في معرفة النور الواقعي والهدى والدين ، ولا حتى تخبط وقيل وقال في الشك في تمييزه من ضلال وظلام من حاربه وأئمتهم وكل من مهد لهم وسار على منهجهم في أي زمان كانوا .
وهذا المعنى هو حقيقة نور الإمام الحسين الوجودي وظهور إشعاعه في إقامة شعائره : فنوره أول ظهور جلي واضح يبين نور الله تعالى في جميع مراتب تجليه وهو الموصل له ، وهو الذي شع من زجاجة الوجود الحقيقية التي لا تقبل الانكسار ولا الكسر في المعنى والوجود الحقيقي ، لأنها خالدة عند الله في عالم الوجود الحقيقي ولا تحسب الذين قتلوا في سبيل الله أموات بل أحياء عند ربهم يرزقون والله متم نوره ولو كره الكافرون ، وتمام نوره تعالى لمن يعرف الحق ويتوجه له ويطلبه ويتحقق به ، وهذا هو أول ما يريه لكل مؤمن سبيل الحسين الواضح الجلي في كل مكان وزمان .
وهذا هو عالم الحقيقة والواقع الصادق الذي فيه بيان تجلي نور الله ومصدره ومصباحه وزجاجته الدرية في السماوات والأرض ، وعلى كل البشر وفي كل بقعة ومكان وزمان إلى يوم القيامة ، لأنه أهل النور هنا في هذا العالم هم أصحاب الحسين ومن سلك منهجه ، فتحقق بحقيقة النور هدى وعبودية خالصة لله ، وفي كل عالم يرتفعون له بعد عالم الشهادة ، ويكون نور الملكوت لهم لأن الله جعله لعباده المخلصين له الدين بدين الحسين وآله الذي هو نور مصباح الله المشرق في السماوات والأرض حتى يحقق وجودهم بعد اكتسابه منهم نور واقعي دائم ملازم لهم في نفس وجودهم ، ويكون كل ما يحيط بهم من محل الكرامة عنده سبحانه نور وكل نعيم مقيم أعده لهم في ذلك العالم نور يحيط بهم.
فكل من كان في عالم الملكوت من أهل النور هم أنصار الحسين عليه السلام حتى جده وأبيه وأخيه ومن حبهم وسلك منهجهم كان قد أحب فعل الحسين ، ولو قبل شهادته فضلا من بعد وجودها ، ونظرهم له في ذلك العالم الشريف الحق النير ونصرهم له شديد ، لأنهم ينظرون لعالم الدنيا دين وهدى ويرون الحق والنور الساطع من الحسين في كل قول له وهدى عرّفه بكل شيء من سلوكه وسيرته في بيان نور الله وهداه الحق ، بكل يقين وشهادة لنور الحق ، ومن غير ضلال ولا ظلام ولا شك ولا شبه أبدا وهم في عالم النور .
هذا فضلا من أن حتى الأنبياء السابقين قبل نبينا وصحبهم كان لهم أسوة بالحسين بل كان منهجهم منهجه لأن دين الله واحد ، وهم بشروا بنبي الرحمة وعرفوا أنه على الحق وكل من خالفه أو خالفهم ضلال وظلام ، ولهم برهوت الوجود وناره .
كما عرفت أن من نصر الحسين في عالم الشهادة والدنيا ممن كان في الوجود من المؤمنين بعده فعرف الحق منه وتنور بهداه ، وأنتصر له وسلك سبيله وأخلص به لله عبودية ودين فتحقق بنور الله ، وأرتفع في محل الكرامة عنده سبحانه ، بل في الدنيا كان له نور حقيقي ، وهكذا كل أنصاره فعلا لهم نور الله الواقعي دون من خالفهم وهم في الدنيا فضلا عن محل الكرامة في عالم الملكوت.
فلذا كانت المشكاة ومكان نور الله ومحل نور مصباحه وزجاجته المؤمنون الحقيقيون ، وبيوته وكوته قلوبهم الطاهرة التي تقبل النور الصافي الطاهر الخالص عن كل ما يحرفه ، ولا ظلام وضلال يسوده ، فتكون لهم عقول مؤمنة قد شع عليها معرفة الحق وأهل نور الله ، فتمكن إشراق نور الحسين هداه ومنهجه في كل وجودهم وكل ما يحيط بهم يجعلوه متنور بهذا النور الحق ، وبهذا يتم لهم النور بنور الإمام الحسين عليه السلام لأن أنصاره هم أنصار دين الله هم الذين يجعلون كل ما مكنهم الله منه في خدمة نشر تعاليمه والإخلاص بها لله ونشرها مشرقين بها دين ونور هدى لكل طالب لنور الله .
وذلك لمعرفتهم بأن الإمام الحسين عليه السلام هو نور الله الحق المشرق بكل تعاليم الله وهداه الصافي الخالص من كل ضلال وظلام ، وذلك لأن الإمام الحسين عليه السلام لم يُبق حجة لأحد بتجاهل معرفة مصدر النور ، ولا له عذر أن لم يتمكن من أن يميزه من ظلام أئمة الكفر وأتباعهم وضلالهم في أي زمان ومكان كانوا ، وبالخصوص الأوائل الذي حرفوا الناس عن نور الحسين وآله وقتلوه وكل من أظلم بمعاونة أئمة الكفر وكان على دينهم وفي بلاطهم يعلم الناس ضلالهم ومكرهم حتى حسبوه دين .
والوجود المنير ونعيمه الباقي للمؤمنين كله يتأثر بنور الإمام الحسين عليه السلام ، لكون من سنة الله إذا آمن الناس وتنوروا يكون لهم أثر وجودي في تنزل بركات الله ونوره فيهم ، حتى يكون بحق نورهم يسعى بين أيديهم يوم القيامة فيكون هو النور والنعيم الواقعي الباقي ، كما أن عذاب الله والطرد عن نور رحمته والدخول في الظلام لكل من لم ينتفع ويتوجه لمصدر نور الله ، أو حاول كسره أو أراد أن يطفئه لأن الله نوره لا يُطفئ ، إذ سبحانه أراد أن يتمه .

وخلاصة هذا المعنى :

عن الإمام الرضا ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

(( من أحب أن ينظر إلى أحب أهل الأرض إلى أهل السماء ، فلينظر إلى الحسين )) .

رواه الطبريان في الولاية والمناقب ، والسمعاني في الفضائل بأسانيدهم عن إسماعيل بن رجاء . بحار الأنوار 34 باب12 حديث 59.

تفسير آخر من المَثل الذي ضربه الله بنوره حتى أشرق من الإمام الحسين :

إن الله سبحانه وتعالى هو النور الحق ومدد لكل نور ، وإنه تعالى مثل لنوره الذي يكاد يضيء ولو لم تمسه نار بما مثل لله لما يمده من نوره ، بالزيت الصافي والمصباح المنير والزجاجة الدرية ، لتعليمنا وتعريفنا مصدر نوره وهداه ، وأين يمكننا الحصول على دينه وهداه ونتحقق بالنور الصادق الواقعي .
فلذا فكان في الآيات الكريمة من آيات النور وما يلحقها من آيات رجال البيوت المرفوعة بذكر الله هم نبينا وآله وهم المعلمين لهداه بكل وجودهم فلم يلههم مله عن تعليم ذكر الله والظهور بنوره ، ولذا كان أول الآيات هو التمثيل بالنور ومراتبه فنسير منه ونسلك بما أنعم الله علينا من معرفته ، ومعرفة كيف يكون تجلي نوره في السماوات والأرض في وجودهن وفي الهدى التكويني والتشريعي في كل مراتبه حتى يكتسبه المؤمنون به ويتحققوا به فيرتفعوا في أعلا مراتبه بمحل الكرامة عنده سبحانه .
فلذا يمكن تحصيل تمثيل آخر يدل على معرفة أخرى لمعنى حقيقي في محاولة إطفاء نور الله بحسبانهم قتل نور الحسين ، ومحاولة كسر الزجاجة لمصباح الله ونبي الرحمة ومصدر إشعاع النور المبين ، والذي يأبى عن الكسر والانكسار الحقيقي والانطفاء الواقعي بل يبقى مشرق ولا يكسر أبداً بإذن الله تعالى .
وفي معنى بقاء نور الله مشرق من الحسين كالكوكب الدري ولا يكن أن ينكسر أبدا معنيان :

المعنى الأول لكسر زجاجة نور الله بقتل الحسين :

بالنسبة لطالبي الحق والعدل والإنصاف والكرامة وبتعاليم الله ونوره ، هو لما قتل الحسين عليه السلام وكسرت الزجاجة الإلهية في الظاهر ، إن نور المصباح بان وظهر وتجلى وأشرق بشده حتى كان نور واحد بيّن بكل وضوح وجلي كأنه من غير زجاجة وتجلى نور آل الحسين الكرام كلهم بنور هدى واحد حق واقعي لله ، بل حتى عرف أعدائه أنه في محاولة كسر تحقق بأبعد صور عن الحق ضلالهم فاستنكروا أنفسهم فعلهم القبيح معه في محاولة إطفاء نور الله .
نعم ظهر نور الله من الحسين في ذلك اليوم المشهود كله بأشد إشراق له ، وبالخصوص نور سيد المرسلين جده الكريم مصباح الرحمة الذي هو نور رب العالمين المشرق وسراجه المنير على كل من قرب منه وتحمل نوره وكان له الاستعداد لتقبله ، فوصل الطيبون وكل منصف وطالب حق لنور الله كما أراد منهم ، لأنه كان نور مشرق بشده كأنه من غير واسطة مصباح ولا زجاجة ، لأنه نور الله واحد وهو الأصل فطويت له مراتب ظهور النور وبطن الظاهر حتى لا يرى من الحسين إلا دين الله الحق ونوره الواقعي ، فيرى كل نور الله كأنه من غير واسطة الحسين وجده وأبيه وآله الكرام ، فبهذا النور والهدى المشرق من الحسين وآله كان المؤمنون يتوجهون لله وأقاموا عبوديته وطاعته بإخلاص من غير أدنا ضلال وظلام .
وهذا معنى أشار له الحسين في كلماته السابقة راجعها ونصيغها بعبارة أخرى تعرفنا معناها : متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ، عميت عين لا تراك في كل شيء وبالخصوص في إيثار وتضحية أئمة الحق فتطلب نورك ودينك منهم وتعبدك بحق ويقين وتخلص لك يا ربي الهدى والعبودية والدين حتى ترتفع معهم في أتم محل الكرامة والنور ونعيم رضاك.
كما إن كل من كسر زجاجة نور الحسين في الظاهر على طول الزمان واعتدى عليه وحاول أن يطفئ نوره صار مظلم وجوده في عين إشعاع نور المصباح عليه بالمباشرة ، فإنه لعدم قابليتهم واستعدادهم لتحمل نوره أعشى أبصارهم ولم يطيقوه فعموا في الدنيا والآخرة ، فنالت وجودهم اللعنة وأحترق وجودهم بظلامهم وضلالهم وظُلمهم وقد قال الله تعالى :
{ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا } النساء55 .
ولحسدهم قتلوا الذي هو مشرق بنور الله من الكتاب والحكمة من آل محمد الذين هم امتداد لآل إبراهيم صلى الله عليهم وسلم ، ولم يستفيدوا منهم نور الله وهداه الذي أشرقوا به ، وبالخصوص في ذلك اليوم المشهود للإمام الحسين عليه السلام ، فكفتهم جهنم سعير واحترقوا بظلام فعلهم وأظلم وجودهم إلى الأبد ، وهذا حال كل من منع من ذكر الحسين وآله ومعرفتهم أو اعتدى عليهم .
كما وبقي نور الكتاب والحكمة يشرق على من يقترب من النور الواقعي الذي يشرق عليه من الحسين وآله الكرام ، والذي ميز له النور الواقعي من الضلال والظلام الذي كان قد ظهر من أعدائهم في كل آن وزمان ومكان .

المعنى الثاني لكسر زجاجة نور الله بقتل الحسين :

بالنسبة لأنصار الحسين على طول الزمان والمؤمنين به عقيدة ودين وتعليم لرب العالمين ، عند كسر زجاجة نور الله المشرقة بنور الإمام الحسين في الظاهر في يوم المصيبة العظمى في عاشوراء كربلاء ، انكسرت قلوبهم لذكر الإمام الحسين الذي هو الكوكب الدري لنور الله ، فشع عليهم نور المصباح الإلهي من أقرب مكان بكل تجليه فجذبهم وتحلوا به وتحقق بهم نوره ، فأخلص وجودهم لله في الطاعة والعبودية فتنور وجودهم وذهب كل ظلام لأئمة الكفر وأتباعهم يحيط بهم ، بل كل وسوسة لشيطان وهوى نفس وزينة دنيا غير محللة ولا طيبة ، فطابوا وتطهروا وتنورا بالحسين وآل الحسين عليه السلام ، وكل تعاليم الله عقيدة ومبدأ ودين .
وإما القلوب القاسية : التي لم تنكسر لمصاب الحسين فقد طغت وعتت عن نور المصباح وخرجت من النور للظلمات ، لأنهم أتبعوا وأطاعوا أئمة الطاغوت فأظلم وجودهم بالابتعاد عن مصدر النور ومصباحه ، وبقى لبعضهم مسميات تسموا بها باسم النور وتشبهوا به ولم يكن بهم شيء منه على الحقيقة ، وأمسوا حقيقية مظلمة في كل وجودهم تحرقهم ويظلم كل من يتبعهم ويتصل بهم وتبعدهم عن مصدر النور الحقيقي .


إلى أعلى مقام في الصفحة نورك الله بنور الحسين وآله الكرام عليهم السلام


تفضل يا طيب إلى الفهرس العام رزقك الله ونورك بدين الإمام وخلصك من الظلام أو لفهرس مجلس آيات النور لهذا الموضوع



الذكر الرابع

لابد من تخصيص نور الحسين بالذكر من بين جميع الأنوار الإلهية

قد بينا بعدة بيانات سبب تخصيص الكلام بنور الإمام الحسين عليه السلام بالذكر من بين جميع الأنوار الإلهية سواء العبادية من الصلاة والصوم والصلاة وكل ما يطاع به الله ويعبد ، والتي هي أنور توصل لرضا الله ونور كل من يتحقق بنورها على الحقيقة والواقع ، وبأنوارها يشتد نور فطرته ويسعد ويرتفع في مقامات النور الإلهي ، سواء ما كان في الباب السابق أو هنا من البيان .
كما وبان سبب تخصيص نور الإمام الحسين من بين نور جميع الأنوار لآله الكرام حتى نور سيد الأنوار والنور الأول الإلهي لجده الكريم ، والذي كان هو أصل كل نور مخلوق لله تعالى ومنه يشرق نور الله كله ، والذي كان خلاصة بيان السبب لذكر نور الإمام الحسين في الأول قبل آله وأبيه وجده وكل عبادة وطاعة لله تعالى ، وأما الشرح فهو :
إن نور الإمام الحسين عليه السلام : أجلى امتداد واستمرار لنور النبي الكريم يواجه الطالبين لنور الله تعالى ، ويميزه بوضوح تام من ظلام المتسمين بأسماء النور ، ونور الإمام الحسين عليه السلام هو الحجة البالغة لله الذي إذا لم يميز به الإنسان النور الحقيقي الواقعي من المتسمي بالنور لم يكن له عذر عند الله تعالى ، ولا تقبل له حجة في إتباع أئمة الكفر واتباعهم ولو تسمى بألف اسم من أسماء النور ولو أقام ألف دليل على ضلاله ، وذلك بعد ما بينه الحسين من الحق وضلال من خالفه في كل شيء حتى قتله وحاربه ، وظلام وضلال من حارب آله الكرام من قبل ، بل وهكذا من تبع سلفهم فمنعوا من معرفة الحق وذكره والتحقق بنوره ، والحسين بيّن بكل وجوده وأقواله التي أشرقت بنور الله زيف ضلالهم وظلامهم وكل من تبعهم فلا حجة له بل لا دين ولا طاعة له .

ولذا قال سيد المرسلين صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين :

( حسين مني وأنا من حسين ) .

أو ما قال صلى الله عليه وآله وسلم : عن حذيفة بن اليمان قال : رأيت النبي صلى الله عليه واله آخذا بيد الحسين بن علي عليهما السلام وهو يقول :

(( يا أيها الناس هذا الحسين ابن علي فاعرفوه فو الذي نفسي بيده إنه لفي الجنة ومحبيه في الجنة ، ومحبي محبيه في الجنة )).

البحار 34 باب12 حديث 6. وهل من قاتله بأي صورة يحبه ومن حرم ذكره عنده شيء من نوره الذي هو نور الله ورسوله وهداه ودينه الذي يطاع به .

وعن البراء بن عازب قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله حامل الحسين عليه السلام وهو يقول :

(( اللهم إني احبه فأحبه ))

البحار باب12 حديث 16 .

وقال الإمام الصادق : إن لذكر الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تنطفئ ـ لأنه بذكره يعرف كل طالب للحق ما حل بالإسلام وأهله ـ .

أو قالوا : الإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء .

وأقول : بأول نظره لنور الحسين المشرق ، يتوجه المنصف لخالص الدين ، ويتيقن بأن محل نور هدى الله عند آله الطيبين الطاهرين .

سيأتي ذكر لمناقب الإمام وفضائله بقول النبي في باب خاص في الأجزاء الآتية إن شاء الله ، فإنه وأن كان له صلى الله عليه وآله وسلم مثل هذه الأقوال لأبيه وأخيه بل سلمان من أهل البيت ، وعرفت قول الإمام الحسين في الباب السابق من أحبنا فهو منا ، فإن قول النبي الكريم في الحسين له خصوصية أخرى نعرفها من خلال معرفة ما أكد عليه نبي الرحمة في ذكره بمصابه كما سنذكر قسم منه وباب فيه في جزء آخر ، وكيف إنه يُقتل مظلوم والظالم والضال عدوه ومن سلك ضلاله ، حتى يُعرف بالظلم والضلال المبين من قتل الحسين ولو بشطر كلمة وفي أي زمان ومكان كان ، و بأي صورة سواء بالحرب له أو لمنهجه أو منع ذكره وحرّم معرفته .
ويعرف هذا كل طالب لنور الله وبأدنى التفات لسير تأريخ الدين وأئمته ، وما حل بالإسلام وأهله من الظالمين ولخلافة رسول الله غاصبين ، حتى لا تبقى شبهة لأحد وهو طالب لدين الله وهو منصف في طلب الحق ونور الله الواقعي الذي يُعرف بأئمة الحق وإن الهدى والدين الحق عند الحسين وآله ، وهم الذين دافعوا عنه وعرفوا نوره دون من خالفهم أيما كان أسمه وفي آي زمان كانت سلطته وحكومته حتى لو بعد النبي الكريم مباشرة .
وحب النبي المؤكد للحسين وما أمر الله به من مودتهم في آية القربى ، وما يذكر مما حل به من أئمة الضلال ، نعرف بحق أن نور الله في منهاج الحسين بكل يقين حتى ليشرق ويتحقق في قلب كل مؤمن ومنصف عقيدة ثابتة الذكر والمعرفة الحقة بنور الهدى والدين ، ولكل مؤمن بدين جد الحسين ويطلب الخالص الصافي من كل انحراف خارجي أو داخلي ذاتي .
وفي كل مرة نبين هذا المعنى بخصوصية نور الحسين عليه السلام بصورة تناسب البحث حتى يرسخ في النفوس ضرورة التوجه لنور الإمام الحسين وطلبه بجد ، حتى به نتمكن من معرفة نور الصلاة والحج والزكاة ونور القرآن ونور نبي الرحمة وآله الكرام وكل طاعة وعبودية توصل لنور الله ، وتمييزها من المتسميات بها والتي هي مصبوغة بالنور ظاهراً وهي ظلام الحقيقة وليس فيها نور صادق واقعي وإن حسب نور لأسمائها ، بل هي سراب يحسبه المظلم نور لعدم تحكيم العقل والوجدان والفطرة والإنصاف والعدل في البحث عن النور الحقيقي الواقعي من غيره ، والذي بينه بكل صورة جليه وواضحة إشراق نور الحسين عليه السلام وإن لم يقصر نور آله الكرام عنه في البيان .
وبعد هذه المعرفة هذا بيان أخر فيه خلاصة سبب تخصيص نور الإمام الحسين من جميع الأنوار الإلهية بالذكر . ونذكر قبله ما يمكن أن يقال في تفسير سورة النور :

معاني تفاسير آيات النور والأقوال فيها :

قد يقال : هذه الآيات الكريمة في سورة النور هي تمثيل لنور الله الكوني أو لنور الهدى ومراتب تجليه على قلوب المؤمنين ، فما دخل نور الحسين عليه السلام وتخصيصه بالبيان ؟ فإن الآيات الكريمة فسرت بعدة تفاسير كلها تشير إلى معنى واحد : بأنه الله هو النور ومنور السماوات والأرض ، وذكرت مصاديق كثيرة لبيان ظهور نور الله في الوجود منها :
أنه النور المتجلي بتمثيل آيات النور : إما هو هدى الله ، أو القرآن المجيد ، أو الإيمان ، أو نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ونوره مع العلماء من آل محمد ، أو علماء أمته ، والمؤمنون كلهم في قلبهم نور ، ويذكرون مراتب النور في قلب وجوف وصدر كل مؤمن ، وهكذا .
فمن أين جاء ذكر الحسين عليه السلام بالخصوص ؟ وحتى في روايات الشيعة الكرام فالحسين عليه السلام مع الكل من آله ، ولمَ يُفرد عنهم وكلهم نور واحد ، فلماذا تخص نوره من بين الأنوار ؟
فيقال له : قد عرفت إن الله تعالى يضرب أحسن الأمثال لبيان حقائق كثيرة ، وهذا المثل لبيان إشراق نوره وتجليه في الوجود وذكر فيه مراتب لظهور الحقائق الكونية وصفاء نورها ، فإن الله تعالى يمثل في هذه الآيات الكريمة لإشراق نوره وظهور السماوات والأرض ومراتب الظهور في الوجود الإنساني حتى يصل لكل فرد يتقبل النور ويخلص فيه .
وأهم بيان في آيات النور : هو ما يمثل له سبحانه لتعليمنا كيف أشرق مصدر نوره الأولي ومنهم المتجلون به في الأول ، وكيف يصل الإنسان لمصدر نور الله .
كما ذكر تعالى خصوصيات لنوره مهمة : وهي بيان صفاء نوره وشدته وخلوصه وعدم مخالطته لظلام من خارج ولا من داخل فيعكر صفوه ، وهو بيان لحجته البالغة على جميع البشر ، لكي يعرفوا نوره بدون أي خلط له بغيره من ظلام وضلال المتسمين بأسماء نورانية ولم يكن فيهم ولا لهم نور حقيقي .
والآيات الكريمة تمثيل لحقيقة معنى إشراق وتجلي نور الله الوجودي ، ولابد له من مصداق وأفراد كونية وبيان لحقيقة وواقع وجودية للنور ومراتبه ومصدره ، وليس النور لفظ لا مفهوم له ولا حقيقية ولا معنى ، بل لابد من أن نتوجه للتحقق بالنور الواقعي لله وبعد أن نعرف مصدره .
وبما يمثل الله لمراتب صدور نوره وتجليه في الوجود في الآيات الكريمة نعرف إن نور الله لا يمكن أن يصدر ويشرق من غير أئمة الحق محمد وآله الطيبين الطاهرين صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين ، وإن أفراد الوجود كلاً بحسب وجودهم يتنور بنور الله من مصدر نور الله الحقيقي كل حسب مرتبته في الوجود وشأنه وحاله واستعداده ، وبالخصوص بالهدى التشريعي الذي هو من أهم مراتب إشراق نور الله وبه يتنور وجود أتباعهم وكل مؤمن ، وبالإقتداء والتأسي والتعلم منه يتم اشتداد روحهم بنور الإيمان وبما يشرق من مصدره الوحيد الذي لا نور لأحد مخالف له أو متعصي على قبوله بالإمامة والولاية .
وبنفس الوقت بالخصوص الآيات بعدها يبين سبحانه أنه لا نور لمن لم يجعل الله له نور ، وهذا بيان جلي بأنه نور النبي وآله هو أول نور لله مخلوق ، ومنهم يشرق ويقتبس نوره ، ولا نور لغيرهم من أئمة الكفر وأتباعهم ، تدبر كل آيات النور ترى كيف تشتدد ظلمة لمن لم يتوجه لمصدر إشراق نور الله الصافي الذي لا انحراف له ولا تعكير فيه لا داخلي ولا خارجي ، فمن أين جاء النور لمن يحاربه ويقتله ويحاول أن يطفئه ولعبادته وطاعته المسماة بأسماء دينية وأعمال عبادية ولم يرضى بها الله لأنها مخالف لنوره الذي يشرق بتعليمه نبينا وآله الكرام الذين هم عنده نوره وعلمه وهداه وصراطه المستقيم .
ومما لا شك فيه ولا شبه أنه حسب آيات النور إن نور الله أول تجليه هو بنور نبينا الكريم وهو مصباح إشعاع النور سواء في مراتب الوجود إن آمنت بها وعرفتها وأقررت لها ، أو في مراتب الهدى التشريعي ونوره على البشر ومنه صلاة الله وسلامه عليه وعلى آله بان وأشرق كل نور لآله الكرام ، أو نور العبادة وما يمكن أن يطاع الله به من الأنوار المعاملاتية والخُلقية ومعرفة أسماء الله الحسنى وكيف التعبد بها لله وكل هدى وتعليم إلهي في جميع شؤون الحياة .
ولا أعتقد تقول : إنه لا يحتاج لنور النبي لمعرفة نور الله في كل معارفه وتعاليمه ، بل النور شيء فقط للتمثل ولا معنى ولا حقيقة له ولا واقع ، ولا يدخل القلب ويتنور الوجود الإنساني به ولا يرتفع به الإنسان في مراتب الوجود ، حتى يحتاج الإنسان أن يقتبس نور الله من النبي وآله بحسب مراتبه من المصباح والزجاجة والنور الصافي الغير مختلط بغيره ، ثم يكون النور في أتباعهم وشيعتهم والمقتدين بهم نور حقيقي صافي ، وإن المقتبسين نور الله منهم من الذين نورهم يسعى بين أيديهم يوم القيامة ، فتكون مظلم وفي ضلال لم تعرف نور الله أصلاً ولا مصدره ولم تتحقق بحقيقته .
فيكون عندك ضرب الله للمثل ترف فكري وتعميه لحقيقة البيان ولا مفهوم فيه لتوضيح مصدر نوره وكيفية الحصول عليه والعياذ بالله من هذا التفكر ، وعند هذا يكون عندك النور في صلاة وصيام أئمة الكفر وأتباعهم وعند من حاربهم وتحسب ظلامهم نور ، ونور النبي وآله وتعاليمهم ومعارفهم ظلام ، أو أن لله نور عند غيرهم ممن عاداهم وحاربهم وغصب حقهم ومنع الناس من التوجه لمصدر نور الله والاقتباس منه عن طريق مصباحهم الطاهر .
ثم إذا عرفت التمثيل لنور الله في المصباح المحمدي لا أقل في مرتبة الوجود الإنساني والهدى الرباني ، فلابد أن تبحث بجد وإخلاص عن الزجاجة المحيطة به الطاهرة ، بل يجب أن تتعرف على الزجاجة الطاهرة الكريمة الخالصة في الصفاء لبيان نور الله والتي هي كالكوكب الدري في شدة النور لبيان نور المصباح وإشعاع نوره الصافي الذي يأتيه مدد من نور الله الخالص الذي يكاد يتوقد فيمن يصله حتى ولو من غير شرح وبيان وإقامة دليل وبرهان ، ويكون نور لم يخالطه ظلام أئمة الكفر واتباعهم من الخارج ويميل به حسب أهوائهم ، وذلك لأنه حافظت عليه زجاجة الحسين في الأول وكل آله بعده أئمة حق وهدى ودين ونور حق بكل تعاليم الله ومعارفه الصادقة المرضية له التي يقبل التعبد بها.
فالحق الذي يقر له الوجدان وكل فطرة مؤمنة فيها قليل من النور وعقل سليم باحث بصدق عن النور الواقعي ، إنه لو تتبع الوجود كله وتدبر في أحوال كل كائناته جميعها لم يجد أحد يصدق عليه أنهم الزجاجة الطاهرة الزكية الصافية في نورها الذاتي الذي يشع على كل الوجود الإنساني وغيره ، والتي هي كالكوكب الدري والتي لم يخالطها ظلام من الخارج ، وهي المشعة لنور المصباح المحمدي الذي يستمد من نور الله ؛ إلا آل المصباح المحمدي الكرام وأهل بيته الطبيين الطاهرين ، فهم الزجاجة الدرية وأئمة الحق وأصحاب الصراط المستقيم ونور الهدى ، ومنهم شع نور الله واشرق وتنور الوجود الكوني وبالخصوص الإنساني ، وصار في الإنسان نور واقعي يشتد به نور فطرته وذاته الأولي .
فبنور النبي وآله الكرام يصل الإنسان لكل معرفة وطاعة فيها شيء من نور الله ، وعند ذلك يطهر وجوده من كل ظلام ويحصل له نور الإيمان الخالص ويصل بهم لكل تعاليم الله ومعارفه النورانية من غير خلط لها بظلام أو جعلها ظلام بطاعة أئمة الكفر والظلام وأتباعهم وأتباع أتباعهم ، جهلاً وتقليد للأباء والمجتمع الذي أفسده أئمة الكفر والشيطان على طول الزمان .
فلذا أكدنا القول : بأنه من لم يقترب من نور النبي وآله الكرام ولم يتنور بنورهم فليس له نور من الله تعالى ولا طاعة له ولا صلاة ولا صيام ولا غيرها من العبادات من دون النبي وآله حتى يكون له نورها ، وهذا تصدقه نفس آيات النور بعدها وهي آيات البيوت المرفوعة و الروايات الشريفة الكثيرة الآتية وكل آيات الإمامة وبحوثها .
وإذا عرفت إن أول نور لله تجلى وأشرق بنور جد الحسين وآله صلاة الله وسلامه عليهم : وكون أئمة الحق من آل النور المحمدي هم المصداق الوحيد لنور الله الذي يستمد من المصباح الإلهي الأول الذي يمده الله بالنور ليشع ويظهر نوره ويتجلى ويشرق من الزجاجة الدرية الصافية لآله الكرام بأحسن صورة خالصة من كل ضلال وظلام ، ويصل منه لكل نور لله في الوجود ويمكن أن يعرف تعاليم الله النورانية ويطاع ويخلص له في العبودية بها .
تعرف بما مر في البيانات السابقة للمصباح السابق في كثير من بحوثه وهنا إنه كان لعدة أمور لا بد من تخصيص ذكر نور الإمام الحسين من بين كل الأنوار الإلهية بالذكر وبالبيان والتدبر في إشراقه والاقتباس منه : والتي خلاصتها عدة خصائص للحسين عليه السلام :

خصال للإمام الحسين توجب ذكره وعقد مجالس نوره :

أولها :

عرفت إن مصباح نور الله الأولي هو نبي الرحمة وإن آله الكرام هم أصحاب نور الله الدري وزجاجة الهدى الشفافة حسب التفسير والبيان السابق وكل منصف يتدبر فيها ، ويأتيك بيانه في كثير من الأحاديث الشريفة التالية ، وإن النبي وآله الكرام بأمر الله قد طلبوا من كل المؤمنين التوجه لنور الإمام الحسين وذكره الدائم ، لأنه فيه قدوة وأسوة لكل طالب لدين الله في كل الأحوال والظروف ، وهو المعلم الذي يقر له كل مخلص يطلب نور الله بأنه نور بان به ظلم وظلام أئمة الكفر واتباعهم على طول الزمان بما لا مجال للشك في ضلالهم وظلامهم لشدة تماديهم في الغي حتى بعد مقتله والطوفان برأسه وآله أسرى في بلاد المسلمين ولا مستنكر يعار له أهمية من الحكام الظالمين والطغاة المتسلطين وهكذا سار معلمي ضلالهم في كل مسجد وسموا وعاظ دين ، ومن كان هذا دينه فأين نوره وهو يرضى بقتل الحسين ويأخذ دينه من أعدائه ، وستأتيك فصول كثيرة تبين لك هذه الحقيقة .
في التهذيب عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال :

( مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين عليه السلام ، فإن إتيانه يزيد في الرزق ، ويمد في العمر ، ويدفع مدافع السوء ، وإتيانه مفترض على كل مؤمن يقر له بالإمامة من الله ) .

التهذيب 6 : 42 | 86. الفقيه 2 : 348 | 1594. وسائل الشيعة ج14ص413ب37ح[ 19483 ] 8.
في كامل الزيارات عن ابن خارجة ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

كنا عنده فذكرنا الحسين بن علي عليه السلام وعلى قاتله لعنة الله فبكى أبو عبد الله عليه السلام وبكينا .

قال : ثم رفع رأسه فقال : ( قال الحسين بن علي عليه السلام : أنا قتيل العبرة لا يذكر مؤمن إلا بكى ... ) وذكر الحديث .

بحار الأنوار ج40ب34ص279ح5 عن كامل الزيارات ص 108.
كامل الزيارات بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

كان الحسين بن علي ذات يوم في حجر النبي صلى الله عليه وآله يلاعبه ويضاحكه .

فقالت عائشة : يا رسول الله ما أشد إعجابك بهذا الصبي ؟

فقال لها : ويلك وكيف لا احبه ولا اعجب .

وهو ثمرة فؤادي ، وقرة عيني ؟

أما إن أمتي ستقتله ، فمن زاره بعد وفاته كتب الله له حجة من حججي .

قالت : يا رسول الله حجة من حججك ؟

قال : نعم ، وحجتين من حججي .4

قالت : يا رسول الله حجتين من حججك ؟

قال : نعم ، وأربعة قال : فلم تزل تزاده ، ويزيد ويضعف حتى بلغ تسعين حجة من حجج رسول الله صلى الله عليه وآله بأعمارها .

كامل الزيارات ص 68 ، مثله في أمالي الشيخ الطوسي ص 62 بحار الأنوار ج40ب31ص260ح12.
عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

من سره أن يحيا حياتي ، ويموت ميتتي ، ويدخل جنة عدن منزلي ، ويمسك قضيبا غرسه ربي عز وجل ثم قال له : كن فكان ، فليتول علي بن أبي طالب وليأتم بالأوصياء من ولده ، فإنهم عترتي ، خلقوا من طينتي ، إلى الله أشكو أعداءهم من أمتي المنكرين لفضلهم ، القاطعين فيهم صلتي ، وأيم الله ليقتلن ابني بعدي الحسين لا أنالهم الله شفاعتي ) .

أمالي الصدوق المجلس 9 تحت الرقم 11 عنه بحار الأنوار ج40ب31ص257ح6 .
وستأتي أبواب من ذكر مصاب الحسين عند النبي وآله بل الأنبياء السابقين وأمر أهل البيت في البكاء عليه وذكر مصابه وزيارته ، والنبي في الحديث الأخير كما يذكر إمامة آله يذكر الحسين بالخصوص وينبه لذكره ، وذلك يعرفنا رسول الله وآله إن تذكر مصاب الحسين عليه السلام لمعرفة الدين وأهله وهذا ما يقوم به أنصاره لتعريف نور الله وبيان هداه في مجالس ذكره ، حتى يتعرفوا على معلمي العبادات والطاعات المقبولة لله لأنها وفق نور هدى الذي يصدق معها الإيمان والهدى ويتحقق نور العبودية في تطبيقها مخلصين بها الدين لله وحده كما يحب ويرضى ، ولهذا كان أثر ذكر الحسين مهم في تعريف نور العبادة وآله كلهم ، ولذا خصص بالذكر دونهم ، وإن كان كلهم نور واحد يدلون على معارف الله وهداه وكل ما يرضى به ويصل به لنعيمه التام الدائم .

الثانية :

إن نور الحسين عليه السلام هو أول ما يوجه المؤمنين وكل الناس لما ترى من ذكره المستمر على طول الزمان وفي كل البقاع ، وكثرة مجالسه التي هي شعار الصالحين وكل الطيبين ، ومنها يتعرف على نور الله المشرق من نور المصباح المحمدي وكل أنوار آله الممثل له بالزجاجة الدرية المشرقة بنور الله وهداه وكل تعاليمه معارفه الخالصة .

الثالثة :

ذكر الحسين عليه السلام نور يشع في القلب ويكسر قفل كل قلب تحجر بطلب الدنيا أو خنع لأئمة الكفر وأتباعهم ووسوسة الشيطان ، ويرى تقصيره أمام نور الإمام الحسين الذي شع في ذلك اليوم الذي أوجب على كل منصف أن يتأمل فيه ثم ينجذب له ويتحقق فيه ، وينصره بطلب مصدر نور الله الحقيقي بجد وعن يقين راسخ وبرهان قاطع ، فيتعرف عليه عند آله الكرام ويأخذ تعاليم الله ومعارف أنواره منهم ويخلص عمله لله في العبودية والطاعة في كل أحواله بهدى نورهم ، فيتحقق بالنور إن كان مجد في نجاة نفسه والتحقق في نور الهدى الإلهي الحق الذي يعرفه الحسين عليه السلام .

الرابعة :

نور الحسين أجلى نور لله تعالى في الإباء على الظلم والظلام ونوره ظهر صفاءه بكل صورة نظرت له بها ، وأولها بأنه موافق لنور الفطرة المحبة للمجد والكرامة الخير والفضيلة وخلوص الطاعة لله تعالى ، ونور الإمام الحسين عليه السلام أوضح نور مشع للعز والكرامة ، وبه يعرف الناس الخيرين والأفاضل الطالبين لله ولعدله وتعاليمه وكل ما يريد من عباده على نحو الخلوص الواضح الجلي ولا يحتاج لشرح وبيان ولا دليل وإقامة برهان ، ولا إثبات مطالب يضيع فيها الحق بين القيل والقال وكثرة المقال في شرح وجرح وبيان مفاسد أئمة الكفر وأعمالهم وأقوالهم المظلمة الظالمة المضلة .

خامسها : إنه سطع من الحسين عليه السلام نور قوي

 

أختصر الطريق لنور الله كله وبيّن وأظهر كل مصدر إشراق نور الله عند آله الكرام ومصدر نور الله الأولي ، ونوره كشف كل ظلام تغطى وتبرقع بأسماء النور ، وبدد كل ظلام يشبه بالنور ويحاول أن ينتسب له ويغش الناس ويخدعهم ويمكر بهم .

ولشدة سطوع نور الإمام الحسين عليه السلام وخلوصه الذاتي والخارجي من كل ما يعكر أو يشكك في صفاء نوره ، طلبه الطيبون وكل الأحرار وأذعن له كل من يحب أن يخلص بنور الله ويريد أن يفني ويبدد كل ظلام يحيط بوجوده ، وهذا النور الحسيني جاري على طول الزمان وفي كل مكان وعند كل خير وفاضل من بني الإنسان .
بل لا يوم كيوم أبا عبد الله الحسين أبان الحق وسبيل النور الخالص المميز من كل ظلام ، فنوره الحد الفاصل الذي فيه كل حجة لله تعالى ، فمن لم يبتعد عن ظلام أئمة الكفر الذين اعتدوا عليه وقتلوه وسبوا حريم الله ومصباح نوره واسروا تعاليمه وعرضوها على الناس بأنها خارجة عن الإسلام ، وغيروا ميزان القيم والمبادئ الحقة لدين الله ، فلا نور له بل هو تابع لظلام أئمة الكفر وأتباع أتباعهم ولم يعرف الله حق معرفته لأنه لم يعرف مصدر نوره ، وهذا جاري على جميع الناس في كل وقت ومكان ولا يقتصر على من عاصر ذلك اليوم العصيب الذي بكته ملائكة الأرض والسماء واهتز له عرش الرحمان وكل مؤمن على طول الزمان .
فالحسين عليه السلام هو الكوكب الدري وزجاجة نور الله المشرقة في بيوت كل المنصفين وطالبين نور الدين ، وهو أول نور يدل على الحق من نور النبي وآله وكل زجاجة المصباح المشرق بالنور الإلهي الخالص ، وهو الزجاجة التي من كسرها كسره الله وأبعده عن نوره وأظلم وجوده ، وهكذا كل من منع من معرفتها حرم كل نور لمعرفة نور هدى الله ودينه ولا عبادة صادقة له فضلا عن نورها والإخلاص فيها .
ومن أنكسر لنور الحسين عليه السلام وقرب منه وصل لمصباح الهدى وسفينة النجاة ، سواء إمام زمانه أو كل الأئمة أو سيد الكائنات أو لمصدر النور ومنور النور وكل معرفة وتعاليمه النيرة بنور الله ، ويحصل على الإخلاص لله فيخلص في النور .
وإن لم يكن هذا معنى نور الله وتجليه وتمثيله بالمصباح والزجاجة التي أول ظهور لها يواجهنا هو نور الإمام الحسين بعد هذا البيان ، فما ترى نور الله أرجوك وضحه ببيان وأقم ما عندك من البرهان حتى نعرفه ، ولا تحيل على غائب ومعاني غير مفهومه وتشطح في التأويل والتفسير ثم لا تضع نتيجة تبين مَثل وبيان وشرح لنور الله ومصدر انتشار نوره في الوجود في كل مراتبه ، بحيث يؤيده العقل والفطرة وتعاليم الدين وسنة سيد المرسلين وكل منصف يحب أن يطيع رب العالمين ويريد أن يتنور بنوره الحقيقي .


إلى أعلى مقام في الصفحة نورك الله بنور الحسين وآله الكرام عليهم السلام


تفضل يا طيب إلى الفهرس العام رزقك الله ونورك بدين الإمام وخلصك من الظلام أو لفهرس مجلس آيات النور لهذا الموضوع



الذكر الخامس

نور الإمام الحسين ساري في نور كل طاعة لله

ولا تقول : نور الله القرآن فقط أو مع نور الإيمان أو الهدى أو الإسلام ، أو نبينا محمد صلى الله عليه وآله ، من دون آله ، أو نور الإمام الحسين الذي هو المظهر الأول لتجلي نوره .
فإن نقول لك : إن هذا أول الكلام ، فإن هذه الأسماء من دون نور الكوكب الدري والزجاجة الصافية الساطعة لنور آل النبي الطيبين الطاهرين وما لهم من تعاليم النور الإلهية الخالصة ، لم تعرف تعاليم الله الحقيقية التي تشرق بالنور ، ولم تغني قراءة القرآن وتدبر آياته والصلاة والصوم وغيرها من الطاعات بنفسها أحد من الاختلاف ، وتشتت المسلمين مذاهب وطوائف بعضها يخطأ بعض ويتهمه حتى بالكفر .
وكل مسلم وكل إمام مذهب يدعي أنه عنده نور الله وحقيقة نور الصلاة ونور تعاليم القرآن كما عرفت ، وحتى أئمة الكفر من آل أبي سفيان يقولون هم مؤمنون بل هم خلفاء الله وأئمة المسلمين وكل منهم أمير المؤمنين ، ولكنهم لم يفقهوا من نور القرآن كله ولا آية واحدة ولم يأتي منهم أثر يبين صدقهم .
كما إن نفس آية البيوت المرفوعة وأدلة الإمامة تدفع كل من يتوسل لحصول نور الله من غير النبي الذي هو المصباح الإلهي وآله الكرام الذين هم امتداد نوره وزجاجته الصافية التي تمنع كل ضلال واختلاف داخلي وخارجي يعكر صفو نوره وكرامة وجوده ، والذي يشرق في قلب كل طالب دين الله ونوره الحق الصادق الواقعي لا المتسمي باسمه فقط .
ولما ذكرنا تقين وأعلم علم اليقين إنه إن أخذنا الوجود كله أو الناس فالنبي وآله الكرام في كل مرتبه هم نور الله الذي يتجلى ، ويشع على الناس بكل أشعة معارف نوره ويشرق عليهم بتعاليمه وفيض هداه وتجلي خيره وبركاته ، ونور ذكر الحسين هو الذي يواجهنا أول مرة وفي البداية ، وهو ظاهر نور الله وهو أول ما يبدي من زجاجته التي تشع نور المصباح الإلهي ، بل لشفافية الزجاجة الحسينية يرى إن المصباح هو الحسين في النظرة الأولى ـ حتى قال جده الكريم : إن الحسين مصباح هدى وسفينة نجاة ، وستأتيك أحاديث كثيرة تفسر الآيات الكريمة نتدبرها معاً ـ .
فبالنظرة الأولى لكل منصف يطلب نور الله فإنه أول ما يواجه من نور الله هو نور الحسين وبعده يرى نور الله في المصباح الإلهي وآله الكرام ويتعرف على كل نور العبادات من الصلاة والصوم والحج والخمس والزكاة والجهاد ويعمل الحلال ويأكل حلال ويتزوج بالحلال ويكن دمه ولحمه ، وكل شيء يملكه داخلي وخارجي حلال طيب طاهر منور من نور السراج المنير ، وبهذا يكون المؤمن ناصر الحسين والمتخذ له عقيد ودين ،وأنه قد أخلص في متابعة وطاعة البشير النذير هذا فضلا عن العبادات والطاعات التي هي هدى ونور مرضي التعبد به لله تعالى ، وذلك لكونه عرف نور نبي الرحمة حق المعرفة وبان له بشكل جلي إن آله مصابيح نور حوله وكلهم ثريا نور تشرق بنور الله في كل ما يطاع به ويعبد .
أو فقل زجاجة درية تنير الوجود بمعارف الله من غير فرق بينهم ، وكلهم نور واحد لا يمكن التمييز بينهم والتبعيض والتفريق لنورهم الذي هو نور الله وتجليه بكل ما يوصل الناس لكل كرامة وعز وطاعة وعبادة يريدها الله على الحقيقة ، ومن غير خلط بظلام وضلال لأئمة الكفر وأتباعهم ومن غير انخداع بهم وبمكرهم وما يشابه الدين وتعاليمه من غير حقيقة .
وبذكر نور الإمام الحسين ومجالسه حافظ الله على نور الفطرة الإنساني لكل من توجه له وطلبه وتحقق به ، وتنور بنور الله وأصبح عقله وقلبه وروحه وكل وجوده مصباح ، وله زجاجة تشع نور الله يحافظ عليها من الظلال والظلام والظلم والانحراف الذي يأتي من أئمة الكفر واتباعهم وبالخصوص بني أمية وكل من سلك منهجهم وساعدهم في تكوني دولتهم ومن سار على منهجهم على طول الزمان حتى ولو لم يتسمى باسمهم .
ومن أين جئت التفسير لنور الله تجد نور الإمام الحسين عندك يدلك بل يشع في وجودك نور مصباح الله ، فتراه مصدر إشراق نور الله من أئمة الحق ومصباح نوره بنحو واحد ونور فارد خالص وصافي لم يعكره ويخلطه من خارج نور الله شيء لم يريده الله ولم يجعل له نور .
بل نور الإمام الحسين عليه السلام الذي شع منه في ذلك اليوم المشهود بحكمة الله تعالى ، كان بنفسه نور قوي الإشراق ومشع يعرف صفائه وخلوصه الإلهي لكل من توجه له ويتعرف عليه ، لأنه نور كريم موافق لنور الفطرة والوجدان وفيه العز والمجد والكرامة والسعادة والكمال وكل خير وفضيلة وموصل لنور الله ، بل ليشتد وجود الذوات وحقيقة الإنسان وتتنور روحه بنوره ويطمئن قلبه بالحصول عليه حيث به عرف نفسه وربه وأخلص له .
كما إن نور الإمام الحسين عليه السلام على طول الزمان وفي كل مكان بقي على صفائه وخلوصه ببيان جلي وواضح لنور الله الذي يصدر من المصباح المحمدي ، ثم من الزجاجة الدرية لآله الكرام الطيبين الطاهرين ، ولم يعكره ولم يستطع أحد أن يخلطه بظلال وظلام من الخارج بالتشبه به وفق أهواء وريح الدنيا والشهوات والطغاة الطالبين للسلطة بغير حق من أئمة الكفر وأتباعهم وكل مفسد في الأرض ، الذين يسعون لأن يطفئوا نور الله ببغيهم وعتوهم وعصيانهم وبكل وجودهم المظلم وريح شهوات أتباعهم ، بل كان وما زال غير قابل للخلط والتلبس به مع الكون على الباطل ، لأنه سريع ما يبين كذب المتلبس به ويرتفع ظلامه وضلاله ويميزه كلام وسيرة وتضحية الحسين عليه السلام ، فيقال له إنك ليس من أنصار الحسين ولا فيك شيء من نوره .
وسيأتي يا طيب : في الباب الآتي بيان للنور العلمي ونزوله في مراتب وجونا وكيف نكتسبه ونتحقق به بحق من مصدر إشراقه ، وبنص آيات كريمة من كتاب الله وأحاديث شريفة عن الإمام الحسين وآله الكرام ، وبعده يأتي نور العبادات عملا ونور الأخلاق وكل ما يطاع به في جزء آخر فأنتظر من يأتي من المعارف حتى نسكن في نور الله إن شاء الله ، ونسأل الله أن يلهمنا معرفته ويفوقنا لبيانه إنه أرحم الراحمين ، وصلى الله على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين ..


إلى أعلى مقام في الصفحة نورك الله بنور الحسين وآله الكرام عليهم السلام


تفضل يا طيب إلى الفهرس العام رزقك الله ونورك بدين الإمام وخلصك من الظلام أو لفهرس مجلس آيات النور لهذا الموضوع



الذكر السادس

أحاديث شريفة تفسر آيات النور

آيات النور هي من الآيات الكريمة التي كثر التفصيل والشرح والبيان لها في التفاسير ، وبعضهم ألّف بها رسالة قد تُعد كتاب ، راجع تفسير مجمع البيان والتبيان والميزان وصدر المتألهين ، وغيرها من كتب التفاسير والحديث لتعرف بعض التفاصيل في بيانهم لمعناها ، وراجع كتاب بحار الأنوار ج4ص15ب3 لمعرفة الأحاديث الشريفة المفسرة لآيات النور والأقوال في تفسيرها وشروحها .
ونحن نختار بعض الأحاديث منها ، وكل الأحاديث المفسرة لآيات النور تعرف مرتبة مصاديقها ومعانيها وما فسرت به من الأفراد المحمولة عليها الألفاظ من خلال ما عرفت من معنى النور أعلاه ، فتعرف إنها تشرح تجلي نور الله وظهوره بالخلق الأول والسماوات والأرض وجميع مراتب هداه التكويني والتشريعي حتى يصل لقلب المؤمن ، فلذا ترى بعضها يخصص معنى ألفاظ الآيات بالنبي الكريم أو مع الإمام علي وآلهم الطيبين الطاهرين أو بالمؤمن والهدى والقرآن والإيمان وصدر المؤمن وجوفه .
وبيان الروايات : إما بحسب السائل وتفسيرها له ، أو موضع الشاهد الذي يريد أن يبينه الإمام أو المفسر من الصحابة للآية .
واعتقد بعد ما عرفت من معنى النور ومراتبه وكيف تجليه واستمداده من الله تعالى وأن الوجود لا يستغني عن مدده سبحانه في كل آن ، تعرف معنى ظهور نوره تعالى في مراتب الوجود في أشرف مخلوقاته حتى يصل لقلب المؤمن فيجعله وجود كله نور ويرجع لرب النور ، و عرفت المبتعدين عن النور والعياذ بالله ، وعرفت أثر موقف الإمام الحسين البيّن الذي يمُيز به كل إنسان كان عنده نور الله وعدمه من الأولين والآخرين ، ومعرفته التي تُعرف آله الكرام أئمة الحق ، وتعرف الأقوام والأمم المتنورين بنور الله وعاشوا كرماء أمجاد لمتابعتهم أئمة الحق ، أو بعدم معرفتهم فُعدم نورهم ومجدهم على طول التأريخ .
وهنا نذكر بعض الأحاديث ونبين لك كيف حملها وتأويلها على ما ذكرنا من البيان السابق ونسأل الله التوفيق .

الحديث الأول المفسر لآيات النور :

عن الصدوق في التوحيد عن العباس بن هلال قال : سألت الرضا عليه السلام عن قول الله عز وجل :
{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} فقال : هاد لأهل السماء وهاد لأهل الأرض . بحار الأنوار ج4ص15ب3ح1.
والحديث 2، 3 عن البرقي والطبرسي مثله في بيان إن نور الله حمل على معنى الهداية للسماوات والأرض من دون تفصيل ، وأنت بحمد الله عرفت إن الهداية تكوينية أو تشريعية فهي لله تعالى بتوسط مصدر نوره كما أن نفس الوجود نور لا يخالطه عدم فضلا عن هداية الله له التكوينية والتشريعية .
فعرفت إن الله أبى أن يجري الأمور إلا بأسبابها ، وإنه مثل توفي الإنسان المنسوب لملك الموت والرزق المنسوب لميكائيل والعلم المنسوب لجبرائيل ، باعتبارهم سبب أو بتوسطهم تحصل الأمور المناسبة لهم في حق الموجودات من الموت والرزق والعلم ، مع أن حق النسبة للعلم والموت والرزق لله لكونه أصل كل شي ومنه بدأ الوجود وما فيه وبقدرة الله وأمره عملهم ، وكذا الهداية فهي من الله ولكن لها أسبابها ليس لكل بني البشر وحي ، ومعروف إن نبينا الكريم وبعده آله الكرام أئمة النور وهم الهداة للبشر بأمر الله تعالى فهي ترجع لما بينا من تفسير الآية الكريمة أعلاه .
وكذا يكون نور الإمام الحسين هو الواجهة الجلية لهدى الله تعالى وهذه مجالس ذكره أكبر سبب لتعليم هداه ، بل به يميز المهتدون من أتباع أمة الكفر ولم تبقى حجة لمن يعادي الإمام الحسين في المبدأ والعقيدة والدين إلا أن يكون من أتباع أئمة الكفر وأتباع أتباعهم .

الحديث الثاني المفسر لآيات النور :

ذكر الصدوق في التوحيد ومعاني لأخبار بالإسناد عن الفضيل بن يسار قال : قلت لأبي عبد الله الصادق عليه السلام :
{ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض ِ} قال : كذلك الله عز وجل .
قال : قلت : {مَثَلُ نُورِهِ } قال لي : محمد صلى الله عليه وآله ، قلت : { كَمِشْكَاةٍ } قال : صدر محمد صلى الله عليه وآله ، قلت : { فِيهَا مِصْبَاحٌ } قال : فيه نور العلم يعني النبوة .
قلت : { الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ } قال : علم رسول الله صلى الله عليه وآله صدر (صار) إلى قلب علي عليه السلام ، قلت : { الزُّجَاجَةُ ـ كَأَنَّهَا ـ كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ } قال : لأي شيء تقرأ كأنها ؟ قلت : وكيف جعلت فداك ؟ قال : كأنه كوكب دري .
قلت : { يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لاَ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ } .
قال : ذاك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لا يهودي ولا نصراني قلت : { يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ } .
قال : يكاد العلم يخرج من فم العالم من آل محمد من قبل أن ينطق به ، قلت : { نُورٌ عَلَى نُورٍ } قال : الإمام على أثر الإمام .
بحار الأنوار ج4ص15ب3ح4.
وفي هذا الحديث الشريف فسر الإمام الرضا عليه السلام النور الرباني للمصباح الإلهي بعلم النبي والزجاجة هو انتقال النور الرباني من النبي للإمام علي عليه السلام وهو أول الأئمة ، وهكذا ينتقل العلم الرباني لكل الأئمة عليهم السلام ، فهم الزجاجة الدرية لعلم النبي الكريم ونور الله تعالى وهم إمام بعد إمام إلى يوم القيامة .
وعرفت دور الإمام الحسين عليه السلام في كونه أوسع بيان وناشر لنور الله تعالى ، وهو الذي أول ما يواجهنا ويوجهنا لاكتساب نور الله من النبي وآله الكرام كلهم ، بما لا مزيد عليه في الأنوار والأذكار السابقة فراجعها تعرف تطبيق التفسير على الرواية بإذن الله واتحادهم في المعنى والبيان .
وراجع التوحيد والبحار لمعرفة تفسير الرواية للصدوق رحمه الله .

الحديث الثالث المفسر لآيات النور :

ذكر الكليني في الكافي بالإسناد : عن أبي جعفر عليه السلام قال :

( إن الله وضع العلم الذي كان عنده عند الوصي ، وهو قول الله : {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } يقول : أنا هادي السماوات والأرض مثل العلم الذي أعطيته وهو نوري الذي يهتدي به مثل المشكاة فيها المصباح .
فالمشكاة قلب محمد صلى الله عليه واله ، والمصباح النور الذي فيه العلم .
وقوله : { الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ } يقول : إني أريد أن أقبضك فاجعل الذي عندك عند الوصي كما يجعل المصباح في الزجاجة .
{ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّي} فأعلمهم فضل الوصي .
{ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ } فأصل الشجرة المباركة إبراهيم صلى الله عليه ، وهو قول الله عز وجل : { رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ }هود73 ، وهو قول الله عز وجل : {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} آل عمران34.
{ لاَ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّة } يقول : لستم بيهود فتصلوا قبل المغرب ، ولا نصارى فتصلوا قبل المشرق ، وأنتم على ملة إبراهيم صلوات الله عليه ، وقد قال الله عز وجل : { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ } آل عمران67 .
وقوله عز وجل : { يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم} يقول : مثل أولادكم الذين يولدون منكم كمثل الزيت الذي يعصر من الزيتون ، { يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ } يقول : يكادون أن يتكلموا بالنبوة ولو لم ينزل عليهم ملك ) .
بحار الأنوار ج4ص19ب3ح7.
العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء ، والعلم الحق : هو أعلى مراتب الوجود الإنساني بل هو نور وجوده الحقيقي ويستحق به كلمة أنه مهتدي ومؤمن وعارف ، ولكن بشرط العمل به وظهوره في الجوارح البدنية ليعرف تحققه ورسوخه وإنه عقيدة ودين وطاعة لرب العالمين ، وبالعلم الإلهي الذي هو نور الله وتحققهم به كانوا النبي وآله مكرمين ونور الوجود كله .
ولذا فسر نور الله في هذه الرواية بالعلم ، فالمصباح هو نور النبي وعلمه ينقل للوصي فيكون الوصي هو المصباح والزجاجة بعده في التجلي بنور الله تعالى في قلوب أولياءه ويشرق نوره فيهم ، وهذه الروايات سارت في شجرة العلم والنبوة حتى نبي الله إبراهيم أبو الأنبياء الذي نبينا الكريم وآله من ذريته ، وستأتي الروايات في تقلب نور النبي في الأصلاب والأرحام الطاهرة فيكون في الرواية إشارة جلية لنور الخلقة والوجود فضلاً عن نور النبوة والإمامة في الهدى والتعليم المفهومي الذي بالعلم به يكون الإنسان مقتبس للنور .
ثم تبين الرواية إن توقد الزيت وعلم الإمام بعد النبي الكريم وأنهم يكادون لوجودهم الطاهر ولصفاء نورهم الذاتي أن يشرقوا بنور الله من غير تعليم ملك ، وهو بيان لشدة نور وجودهم الذي جعله الله يدخل في أتباعهم بمجرد الالتفات لهم ومعرفتهم عليهم السلام ، وهذا المعنى جلي في نور الإمام الحسين ومجالسه ، فبمجرد ذكر الحسين عليه السلام لإنسان يتمكن من تمييز نور الله وعلومه ومعارفه وهداه وأهله عند أئمة الحق من آله الكرام ، ويعرف أهل الضلال والظلام وكل أئمة الكفر واتباعهم على طول الزمان وفي كل مكان ، وبمجرد معرفة فرد أو قوم أنهم من أنصار الحسين ومن أهل المجد والكرامة والعز عند الله ورسوله وفي كل مراتب النعيم الإلهي هدى ودين وملك ذات وصفات وسيرة وسلوك وفي الملكوت معهم بل هنا منهم ، أو مخالف للحسين ومن أتباع أعداءه وإن لم يتسموا ببني أمية وأمثالهم ، فتعرف حاله في الهدى ونور العلم الإلهي فيه أو إنه من أهل الابتعاد عنه ولا حقيقة نور فيه .
وقد ذكر في البحار معنى تفسير البيضاوي وتفسير أبن عباس والطبرسي رحمه الله وغيره ، وتعرف تفسيرهم وقربه مما ذكرنا أو بُعده ، بالتوجه لمعنى لابد من مصدر إشعاع لنور الله ، وهذا خاص بأئمة الحق والهدى والنور والعلم الإلهي للنبي وآله الكرام ، وبدونهم لا نور لأحد مهما أدعى وفسر وبين وشرح ، فإن نور الله جعله يشرق من أئمة الحق والهدى والرحمة .

الحديث الرابع المفسر لآيات النور :

في الكافي بالإسناد عن صالح بن سهل الهمداني قال : قال أبو عبد الله عليه السلام في قول الله تعالى : { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ :
كَمِشْكَاة } فاطمة عليهما السلام ، { فِيهَا مِصْبَاحٌ } الحسن ، { الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ } الحسين ، { الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ }فاطمة كوكب دري بين نساء أهل الدنيا ، { يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ }إبراهيم عليه السلام ، { زَيْتُونِةٍ لاَ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ } لا يهودية ولا نصرانية ، { يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ } يكاد العلم ينفجر بها ، { وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُور ٍ} إمام منها بعد إمام ، { يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ}يهدي الله للائمة من يشاء {وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ} .
قلت : {أَوْ كَظُلُمَاتٍ ـ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ}قال : الأول وصاحبه ، { يَغْشَاهُ مَوْجٌ }الثالث ، { مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ } ظلمات الثاني ، { بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ }معاوية لعنه الله وفتن بني أمية ، { إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ }المؤمن في ظلمة فتنتهم { لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ، وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا } إماما من ولد فاطمة عليها السلام { فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}النور40 إمام يوم القيامة .
وقال في قوله : {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ }الحديد12 أئمة المؤمنين يوم القيامة تسعى بين يدي المؤمنين وبأيمانهم حتى ينزلوهم منازل أهل الجنة .
الكافي ج1ص195ح5 باب إن الأئمة عليهم السلام نور الله عز وجل .
أقول : هذا التفسير لقسم من آيات النور وغيرها حق ، لكونه مؤيد بالعقل والوجدان وبكل تعاليم الدين ، وهو حمل على أفضل مصداق حقيقي يمكن أن يبين معنى هذه الآيات وإن اختلفت الروايات في التعبير عن مصاديق ألفاظ الآيات الكريمة ، وذلك لكون النور هو واحد من الله تعالى ومصداق تجليه واحد هو نبينا وآله الكرام ، والمقتبسين نور الله الحق هم شيعتهم وأنصارهم وكل من يقترب من هداهم .
وذكر المصداق لألفاظ آيات النور بواحد من آهل البيت أو بعضهم في كل ألفاظ الآية دون ذكر غيره أو دون ذكرهم كلهم ، أو إن يذكر النبي إبراهيم جدهم البعيد في الزمان دون ذكر النبي والإمام علي عليه السلام ، هو بيان لهذا المعنى : أنه لا يمكن التفريق بينهم والتبعيض في معرفة نورهم ، ولا يكمل إيمان إنسان ولا معرفته بنور الله إذا لم يتوجه لنورهم ومعارفهم كلها ، كما إن الإنسان لا يمكن أن يقيم العبودية لله تعالى بدون الإتيان بجميع الأعمال العبادية .
فالإيمان بنور واحد ومعرفة إمام منهم يعرفك كل أهل البيت وسيدهم نبي الرحمة بل كل الأنبياء والمرسلين وأتباعهم وشيعتهم لأنهم منهم في النور ، وأنهم لهم نور الله الصافي الغير مخالط بظلم وظلام أعداهم وما حرم الله من زينة الحياة الدنيا ، ويوصلك لنورهم ومعارفهم الإلهية ، ولا يمكن التبعيض وقبول بعضهم دون بعض .
وهذا المعنى يصدق على ظلم وظلام أئمة الكفر وأتباعهم كذلك يكون واحد ، وذكر واحد من أئمة الكفر والسكوت عن ظلام الباقي وعدم ذكرهم لا يعني أنهم صاروا أصحاب نور ، وإنما تخصيص بعضهم بالذكر للمناسبة في البحث ، وإلا أئمة الكفر كلهم ظلمة واحدة أو قل عند ذكرهم كلهم ظلامات متراكمة بعضها فوق بعض .
فتخصيص الإمام الحسين بالكلام : هو لأن الكلام عن نور الإمام الحسين وبه نعرف نور الله كله عند آله وتعاليم الله ونور شيعته ، وبذكر أئمة الكفر في زمانه من بني أمية نعرف أئمة الكفر كلهم ، وإن كل من تابع وقبل بني أمية على طول الزمان فهو مثلهم مظلم مطرود ومحروم من نور الله سواء في ذلك الأولين والأخيرين حتى لو لم يتسمى باسمهم ، بل لمجرد عمله بعملهم في محاولة إبعاد الناس عن نور الله وهداه بأي صورة كانت ، ولو بترويج أغنية أو رقصة أو كلمة باطل أو كتمان حق أو قمار ولهو وكل ما حرم الله من المفاسد .
فإنه كل أفعال الباطل والضلال من أفعال أئمة الكفر ومكرهم وحيلهم وظلمهم وظلامهم الذي كانوا يدعون له ويمهدوا له وإن لم يعملوه في حياتهم ولكنهم باعوا دينهم بدنيا غيرهم ، وهم الذين مكنوهم من أفعالهم القبيحة من الظلم والفساد والابتعاد عن التوجه لدين الله ونور هداه والتحقق به من إشراق أئمة الحق .
فيا مؤمن لا تجمد عن روح المعنى وتقف على الألفاظ والمسميات بما هي ، بل لابد أن تعرف الدين والإسلام ومصاديق حقائقه ، فتعرف الحق والباطل ، فعندها يمكنك أن تعرف كلام الله وتفسره وتبينه وفق ما أراد الله تعالى ، وعندها تنتقل من عالم المادة والنور والظلام الحسي ، لمعرفة الوجود النوري والملكوتي لمن تبع الله وأطاعه في معرفة مصدر نوره عند أئمة الحق والهدى كلهم وتتعبد له وفق تعاليمهم التي أرادها الله على الحقيقة ، وكذلك ستعرف الظلام في وجود كل أئمة الكفر وأتباعهم أين ما كانوا وحلوا وفي أي زمان أصبحوا وأمسوا .
ولذا لو فسرت هذه الآيات الكريمة في كل معنى للنور والظلام لغير أئمة الحق والكفر ، يكون ممن ترك لب المعنى وروحه وذهب للقشر ، فإن الله تعالى قال : {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ( 71) وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} الإسراء72.
قال الله تعالى رب النور يوم ندعو كل أناس بإمامهم : ولم يقل يوم ندعو كل أناس بصلاتهم وصيامهم ، بل صلاة الإنسان وصيامه تابع دين إمامه وقدوته الذي علمه الصلاة والصيام وما ينوي فيها وقد عرفت هذا المعنى سابقاً ، ولو كان نور في شيء من العبادة فهو بنور الإمام الحق من آل محمد ويصدق عليه كل عبارات النور ، وهكذا تصدق كل عبارات الظلام على أعدائهم ومن حرم الناس من نورهم .

حديث الإمام الحسين عليه السلام ثمرة النور :

في تفسير فرات الكوفي عن محمد بن الفضيل بن يسار قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن قول الله عز وجل : {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} قال : التين : الحسن عليه السلام .
والزيتون : الحسين عليه السلام الحسين عليه السلام .
فقلت : وقوله : {وَطُورِ سِينِينَ} فقال : ليس هو طور سينين ، إنما هو طور سيناء ، ذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، قلت : قوله : {وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ}قال : ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله .
ثم سكت ساعة ، ثم قال : لم لا تستوفي مسألتك إلى آخر السورة ؟
قلت : بأبي وأمي قوله : {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } قال : ذلك أمير المؤمنين عليه السلام وشيعته كلهم { فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ }.
بحار الأنوار ج24ص107ب37ح16.
أقول : في هذه الرواية خص نور الإمام الحسين عليه السلام في هذه الآية بالزيتون وهو ثمرة زيت آيات النور في مثل الله تعالى في آيات النور ، وهو للتشبيه بعظمة مخلوق لله تعالى يقسم به ليبين سبحانه بعض الحقائق ، ولا أفضل من أهل البيت أن تؤول بهم الآيات إن كانت تبين عظمة الله تعالى في المجد والصلاح والخير والفضيلة والثواب الجزيل وقبول الأعمال فيكون الإنسان في أمن وأمان وله دين ونور يستقيه من ثمرة الحسين عليه السلام ، لأنهم أكرم مخلوقات الله تعالى ، فحمل لفظ الآيات في سورة التين على ظاهر اللفظ لشجر التين والزيتون والأماكن وإن كان لعامة الناس مفهوم ، ولكن حمل اللفظ على معنى نوراني ملكوتي به يعرف الدين وأهله هو المراد في بيان الله تعالى .
فلا يمكن أن يقال : إن صحاب شجر التين والزيتون هم الذين يعملون الصالحات بل الذين يعملون الصالحات ولهم أجر غير ممنون هم أصحاب آية المودة لقربى النبي الكريم وهم أئمة الحق من آله الكرام وهذه بشرى الله ، وتناسبها هذه السورة الكريمة .
كما عرفت وسيأتي إن أهل البيت كلهم نور واحد وإمام بعد إمام وإنما مراتبهم الوجودية وزمان إمامتهم يجعل بينهم رتب ، فإذا ذكر أحدهم فهو الهادي لدين الله وهو نور الله وعلم الله وصراطه المستقيم ، كما كلهم هداة إلى الله وصراطه المستقيم ونور الله ، ولكن إذا ذكروا مع سيد المرسلين فهو المقدم في نور الوجود وهو النور أو المصباح وهم الزجاجة الحافة به في إظهار نور الله ، وإلا فكلهم مصابيح هدى وسفن نجاة وكلهم نور الله وسفينة الحسين أسرع وأوسع لكوننا مأمورون في الكون فيها والتوجه منها إليهم ولكل نور الله تعالى .
وتأويل الآية بالحسين عليه السلام بأنه هو المقسم به بدل الزيتون ومعرفة المناسبة مع آية النور تعرف إنه عليه السلام هو المتوقد ذكره في قلوب المؤمنين وواجهة نور الله الذي يشرق على كل البشر في كل مكان وزمان ، وأسمه الكريم يذكرهم الحق وعدل الله ونور معارفه وكيفية طاعة كل أئمة الحق عليهم السلام ، حتى لا يشك أحد أنه من لم يقتبس من نور محمد وآله نور الله ليس لهم من نور ولو تسمى بألف اسم من أسماء النور .

تنور المؤمنين بنور الله بتوسط أئمة الحق :

ذكر الكليني في الكافي عن أبي خالد الكابلي قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل :
{فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا }التغابن8 .
فقال : ( يا أبا خالد : النور والله الأئمة من آل محمد صلى الله عليه وآله إلى يوم القيامة ، وهم والله نور الله الذي أنزل ، وهم والله نور الله في السماوات وفي الأرض .
والله يا أبا خالد : لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار ، وهم والله ينورون قلوب المؤمنين ، ويحجب الله عز وجل نورهم عمن يشاء فتضلهم ـ فتظلم ـ قلوبهم .
والله يا أبا خالد : لا يحبنا عبد ويتولانا حتى يطهر الله قلبه ولا يطهر الله قلب عبد حتى يسلم لنا ويكون سلما لنا ، فإذا كان سلما لنا سلمه الله من شديد الحساب وآمنه من فزع يوم القيامة الأكبر ) .
الكافي الجزء 1ص194 باب نور الأئمة ح1.
أقول للطيب بيان : تفسير هذه الآية الكريمة هو نفس معنى آيات النور التي عقدنا البحث فيها في هذا المجلس الحسيني ، فنور الله المنزل على النبي في تفسير الآية الكريمة شرح بما يمد الله من نور للنبي ليشرق به على كل البشر بكمال النور وتمامه ، وعرفت أن وجود النبي مستمر بآله الكرام وإن الحسين من النبي والنبي من الحسين وآله كلهم منهم بعضهم من بعض بل حتى شيعتهم معهم في الهدى والنور ، ولكن كل مؤمن مرتبه أمير المؤمنين بحق وتابع مقتبس منه ، والحسين هو أول دليل لنا لنور الحق ويؤكد معناه ويعرفنا عمق ضلال من خالفهم ولو تسموا بأسماء نورانية ليس لهم حقيقتها .
فما نزل على نبي الرحمة من نور الله وأمده ليشرق على البشر وينورهم لا يمكن أن يعرف ويتحصل إشراق نوره إلا من خلال أئمة الحق وبتوسط سبيلهم يتحقق الإنسان بنور الله ، سواء ذلك معارف القرآن أو نفس السيرة العملية للتحقق به والسير وفق هداه ، فلابد من التنور بنورهم وكل ما يصدر من إشراق بشرحهم وبيانهم وخُلقهم وعملهم وكل ما لهم تعاليم عبادية وخُلق وسيرة ، فكل نور نازل من الله لعبادة لابد أن يكون منهم ولا يعرف تحققه إلا فيهم وفي شيعتهم وأنصارهم ، كما إن واجهة الدليل لنورهم كله هو نور الإمام الحسين عليه السلام كما عرفت .
هذا ونسأل الله بحق الحسين وآله أن يجعلنا بكل وجودنا وصفاتنا وأفعالنا وحركاتنا وسكوننا وكل سيرة وتصرف لنا مقتدين ومتأسين بنور الحسين ودينه وهداه وكل ما يوصلنا له من نور آله وجده الكريم ، حتى يجعلنا الله في أتم مراتب النور والكمال عنده ، ويعطينا رضاه بأحسن ما يعطي عباده الصالحين ، ويجعلنا مع الحسين وآله ومنهم ومعهم في كل حال ومرتبة من مراتب الوجود ، ونحف بهم في محل الكرامة والمجد والنور والعز والنعيم عنده ، وكلنا نور , إنه رب النور ومنه بدأ النور وإليه يعود ولا نور في الوجود إلا منه إنه أرحم الراحمين، ورحم الله من قال آمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين .
 

الهي بالحسين وجده وأبيه وأمه وأخيه والمعصومين من بنيه اجعلني وكل ناشر لهداهم وقراءه ومطبقيه من الموالين والمحبين لهم بحق ومن أصحابهم وأنصارهم الطيبين الخيرين الطاهرين ومحققين بكل نور هدى ونعيم خصصتهم به إنك أرحم الراحمين
أخوكم في نور الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موقع موسوعة صحف الطيبين

إلى أعلى مقام لهذه الصفحة نورك الله بنور الإمام وآله الكرام


تفضل يا طيب إلى الفهرس العام خلصك الله  من أئمة الظلام