هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في  أصول الدين وسيرة المعصومين
قسم سيرة المعصومين/ صحيفة الإمام الحسين عليه السلام/
 الجزء الأول: نور الإمام الحسين سر تمجيده والانتساب إليه
سفينة نجاة
نور الله للعقلاء الذين يقيمون عبوديته بعلوم هدى أئمة الحق

وفي سفينة النجاة هذه مجلس ذكر لمن تعقل مصدر إشراق نور الله فأمن به ، وتعلمه من المنعم عليهم وسلك صراطهم المستقيم ، فحصل على مدد نور وجوده لكل مراتبه وبالخصوص أشرفها وجودا مرتبة عقله وقلبه فأخبت له بإيمان وأخلص به العبودية لله  حتى ظهر عليه فعلا فصار منير وجودا ومحيطا الآن وإلى يوم الدين ، ونجى من ظلام ضلال والمغضوب عليهم من الكفار والمشركين والمنافقين في نفسه ومحيطه ، فلا نار له مظلمة تقهر وجوده أو تضيق محيطه أبدا:

 

تذكرة : في معاني النور التكويني وهداه التشريعي :

إن الله تعالى هو النور وهو نور السماوات والأرض وما بينهما : وبتجلي نوره تكوّن كل شيء في الوجود في كل مراتبه ، وإن كل شيء قائم بأمره وهو سبحانه قيوم عليه بما يمده من نوره الذي يوصله لكماله اللائق به ، سواء في هداه التكويني وما به بقاءه أو في هداه التشريعي لمن كرمه الله تعالى بالعبودية الاختيارية ، وذلك كبني الإنسان والجن وما خلق الله في العوالم الأخرى أو ما قبل الإنسان ، ولله في خلقه شؤون وليس يقتصر ظهور نوره على أهل الأرض فضلا عن زماننا هذا أو ما قبله ، وقد عرفت إن النور هو الذي به حقيقة كل شيء ويشكل تكوين وجوده الحي بفضل الله ومدده الدائم له بما يناسبه .

وقد عرفت في مصباح نور هدى هذا الباب وفي صحيفة الإمام الحسين عليه السلام كلها ، معارف نورانية كريمة تحققنا بمعاني نور عالية ، وتعرفنا بأن النور هو المحقق للكون بما يتجلى به الله سبحانه وتعالى في الوجود سواء لخلق الكائنات في كل مراتبها أو لبقائها ومسيرها لتمام كمالها ولما تستحقه من المنزلة في الوجود وشدته ، وبالخصوص للوجود المؤمن المقبل عليه والمستقبل لنوره بإطاعته لهداه النور والمتجلي لكل شيء بحسبه من مصدر إشراقه الذي يمده الله ، وعرفنا إن للإنسان بعض الاختيار لتقبل النور أو الامتناع عنه بتعصيه عليه .

وعرفنا إن كل هدى الله وما يطاع به: هو نور يشد نور الوجود الطالب له ويعطيه مدده ، ويجعله منير إن طلبه مدد نوره من الله وتوجه لمصدر إشراقه فتحقق به ، وإن في الإنسان أمراً نورانياً في أعلى مراتب نفسه وفطرته هو الذي يدعوا الإنسان لطلب مدد نوره وهو نور العقل ، وللعقل يحصل ممدد النور فتتنور الروح كلها بآثاره، وإن مدد نور العقل هو نور العلم ويظهر بنور العمل وتطبيقه لنور الهدى الذي يؤمن به فيتجلى بالنور ويدوم له بقائه بفضل الله .

فإنه يا طيب يا متنور بنور الإيمان : إن الله وهب للإنسان العقل وكرمه بالعلم الذي يمكنه أن يميز به الحق من الباطل ، والهدى من الضلال ، فيتحقق بما به كماله من نور الإيمان و هداه الحق ، ويبتعد عما يحقق بظلام الضلال .

فالإنسان العاقل : بما يعرف من علم معارف العبودية وما يقام به طاعة الله من أولياء هدى النور ، والذين كرمهم الله بمعارف نور دينه وكتابه وسنة نبيه خاتم المرسلين ، يكون الإنسان حين تطبيقه خالصا لله بحق قد أتصل بالنور وتحقق بما أشرق عليه منه فيُجعل له سبحانه نور في مملكة وجوده وكل ما يحيط به .

وإن الله سبحانه وتعالى : أقام الحجة التامة على الإنسان بتعريف نوره من المنعم عليهم وأئمة الحق بما لا مجال لتجاهله إلا ممن عميت بصيرته وأظلم عقله ، فلم يستجيب لنداء نور فطرته التي تحب الكمال بحق من المنعم عليهم بهدى الله ، والذي يوافقه بنفسه في طهارة نورها ، والذي عرفت شيء من حقيقته هنا وفي الباب الأول ، من تقارن نور الفطرة مع نور المنعم عليهم بهدى الله ، ولذا يحب الإنسان بفطرته الطاهرة وبتفكره بعقله أن يقتدي بما يعلم من نور هدى أئمة الحق حتى يتحقق به ، ويتكامل فيترقى في مراتب النور بكل ما يسعه من الطاقة .

 وبقدر ما للمؤمن من الهمة والعزم : على إقامة عبودية الله وطاعته التي تكون بتطبيق نور هداه الحق ودينه القيم الذي تعلمه للإنسان بتوسط أئمة الحق يصل لمراتب الكمال عند الله ويشتد مدد نور الله له ، حتى ليكون بكل وجوده نور سعيد فرح مسرور بكرامة الله ورضاه فيكون بحق له المجد والعزة والشرف.

فإنه عرفت يا طيب في الباب الأول : إن وجود الإنسان الذي لم يدنس بزخارف الدنيا وخدعها، وبما أودع فيه من نور العقل والفطرة يكون طالب لنور الكمال الحق من عند أئمة الحق ، وعرفت إن الله تعالى لم يهمل عباده في تعريف محل نور هداه عند المنعم عليهم على طول الزمان وفي كل مكان ممكن أن يتصل به إنسان فيعرف معارفه القيمة ، والتي تحقق بنور الهدى حين الظهور بتطبيقها ، فيسير بصراط مستقيم لطاعة ربه في كل شأنه في هذه الدنيا وأحوالها ، وحتى ليكون متصل بنور الله بكل حال يشرق به أئمة الحق من نوره الذي أنزله عليهم فظهروا به بفضله ومنّه ومدده ، فيكون منهم ومعهم في النور متكون ومشرق .

ويا طيب : عرفت أنه لما ختم الله دينه بسيد المرسلين جعل له أوصياء حق وأئمة هدى يشرقون بنوره دينه القيم لكل من يحب أن يتكامل بنور عبوديته وطاعته ويصل لكل كمال ممكن له بصراط مستقيم ، ولم يهمل سبحانه عباده لكل مدعي لهداه ودينه حتى لو كان منافق ومحب للجاه وللمنصب وليس له نصيب بكرامة الله وتعليمه لنور دينه ولا مدده الخاص له من دون أئمة الحق .

فقد عرفت في الأبواب السابقة وهنا بصورة عامة وخاصة نور هدى الله ومحله وبالخصوص في مصباح هذا الباب وصراطه المستقيم الواجب السير عليه ، وعرفت كثير من الآيات الكريمة المُعرفة لأولياء الله وأئمة الحق المنعم عليهم بالإشراق بنور هداه بكل حال لهم وبالخصوص وفق آيات النور وما ذكرنا من الآيات السابقة وفي كل معارف هذه الصحيفة المباركة للحسين عليه السلام.

 

وقد عرفت يا طيب دور الإمام الحسين عليه السلام : الذي ضحى بكل ما يملك : أهله وماله ونفسه من أجل تعريف نور هدى الله عندهم ، فتحقق بالنور من سلك صراطهم المستقيم الذي أنعم الله به عليهم وكرمهم به ، حتى كان الحد الفصل بينهم ، وبين المغضوب وعليهم ممن عاند الحسين وآله ومن أعدائهم الضالين عنهم والمظلم وجودهم ووجود من تبعهم في كل زمان ومكان.

فإن أبا عبد الله الحسين عليه السلام : عرّف في نهضته إن الناس قد ضلوا عن الحق والهدى الصادق وبدأ الحكام في زمانه بل في زمان أبيه وأخيه يروجون ويمهدون الحكم لمن ليس أهل له مثلهم ، وهو ضال ومضل للناس بطغيانه على تعاليم رب العالمين ويستحوذ على أموال المسلمين ويصرفها على ملاذه المحرمة وعلى كل من يعينه في نشر ضلاله من ولاته وأتباعهم ، حتى كاد المنكر أن يكون معروف والمعروف منكر ، بل صار فلم يراعوا حرمة للحسين ولا لآله في سماع الحق منه ولا قبول نور الهدى منهم ، حتى تجمع ما يقارب الثلاثون ألف إنسان على محاولة طمس نور الله وإطفائه وهم يحسبون أنهم قادة المؤمنين ومعلميهم دين الله وهداه دون الحسين وآله في زمانه وزمانهم ، ولكن عرفت إن الله تعالى متم نوره ولو كره المشركون والمنافقون وكل ضلال أهل الأرض .

فبشهادة الإمام الحسين عليه السلام وآله عرفنا سبحانه إن نوره المشرق من الحسين وآله هو الهدى ، وإن في معارفهم حقائق ما يطاع به رب العالمين إلى يوم الدين ، وبه حقا نداء نور الفطرة والعقل الطالب لنور الكمال الواقعي منهم ، والرافض للطغيان وللضلال عند أعداء الحسين وآله مهما كان اسمهم .

وبهذا تحقق بالهدى من تبعه ورفض أعداءه فكان له وصل بنور الله وهدى دينه القيم كما عرفت سبيله في الآيات السابقة ، فسار لكمال سعادته بصراط مستقيم حتى ليكون المقتدي بالحسين وآله وسيرتهم وسلوكهم الذي ظهروا به عليهم السلام فأنارونا معرفة نور الله بكل إخلاص منيرا بكل أحواله.

وبعد إن عرفنا هذه المعرفة : بأن كمال الإنسان بمقدار تقبله لنور الله من مصدر إشعاعه الذي عرفه الله لنا بكل سبيل ممكن حتى ولو بشهادته أولياء دينه ، والذين عرّف سبحانه صدقهم بالظهور به وعدم توانيهم بتطبيقه حتى لو يلاقون المنون والموت في سبيله ، وبنص الآيات القرآنية كما مر في أنور مصباح الهدى .

 

 والآن يا طيب:حان الحديث عن معارف  نور الهدى العلمي: الواجب التحقق والظهور به ، وبما أقام علينا الله تعالى من الحجة في نور وجودنا المحب للكون في نور الهدى الحق ، وبالإضافة لما عرفنا ، فنذكر نور العقل الموجب لنور الإيمان بالله ، والطالب لنور علم الهدى الحق من المصطفين الأخيار الذين أختارهم الله تعالى للإشراق بنوره ، وكيف يحصل على ممد نوره العلمي.

 ثم في الجزء الآتي يأتي بابا آخرا : في النور العملي والظهور بالنور العلمي الذي عرفنا مصدره الحق هنا ، فنذكر الأحاديث التي تعرفنا نور الأذكار والأدعية والتعاليم العبادية والتحقق بها من معارف نور الصادقين ، ونور الأخلاق الحسنة والآداب الكريمة المحققة بالنور لمن يظهر بها في خلقه ومعاملاته عن إيمان بها ، ثم في أبواب متتالية نتعرف على الظلمات والخروج منها بتولي أولياء النور لنسكن في النور أبد دائما سرمدا بإذن الله ومدده وإذنه .

وإن كان كل شيء من معارف دين الله القيم : هو نور حين معرفته وتطبيقه ، وإن أي طاعة لله تعالى بهداه الحق هي عبودية له ومحققة بالنور لمن يطبقها عن إيمان بها ، وبشرط أن يكون صادق النية في طاعة الله من أئمة الحق والدعوة لدينه ، لا أن يمتثل بعض العبادات ليخدع الناس ويضلهم بتعريف الطغاة على دين الله وأئمة الحق وقتلتهم والمعاندين لهم ، بأنهم هم المصطفون لله وهم أولياء الله وأمراء المؤمنين وخلفاء رسول الله والقائمين بدينه ، فيحرف عباد الله عن تعاليمه وهداه المنير لوجود الفطرة والذي يمدها بالنور بمعارف طاعته لتتكامل وليتسع نور وجودها حتى تعانق نور الملكوت عند الله والبقاء به دائما فتخرج من كل ظلام لمحرم وضال عن نور الله ومدده الحق .

وهذه جمل نور لأدعية تنورنا معرفة كريمة : بأن تكوين الإنسان الوجودي نور وإنه يحتاج لمدد النور في عقله وقلبه من الإيمان بالله وبمدده من مصدر إشراقه حتى يبقى في النور ، كما ويجب الإيمان وطلب كل ما أوجب من تعاليم هداه الحق الذي يحقق بالنور لكل محيط الإنسان ، وحتى ليكون وجود المؤمن مظهرا مشرقا بالنور وبما فيه كل خير وصلاح ، وبه يُعرف نور نعيمه ومجده وعزه وشرفه وكرامته عند الله وفضله عليه بما يستحق من الكون في نور نفسه وبكل شيء له ، وبما يناسبه من نور الهدى ونعيم تحققه بعبودية لله النور فيكسب مدد نوره ويظهر فيه في كل شيء من تكوينه وتكوين ملكه الدائم في كل نور طيب:

 بسم الله الرحمن الرحيم :
 اللهم إني أسألك أن تصلي على محمد :
نبي رحمتك ، و كلمة نورك :
و أن تملأ :
 قلبي :
نور اليقين  .  و صدري : نور الإيمان .
 وفكري : نور الثبات  .  وعزمي : نور العلم .
 و قوتي : نور العمل  .  و لساني : نور الصدق .
 وديني : نور البصائر من عندك .

 وبصري : نور الضياء .  وسمعي : نور وعي الحكمة .
 ومودتي : نور الموالاة لمحمد وآله عليهم السلام حتى ألقاك ، وقد وفيت بعهدك وميثاقك ، فلتسعني رحمتك يا ولي يا حميد[1] .

واجعلني يا ربي : عندك وجيها بالنور التام الآن وفي أعلى عليين ، في أعلى مراتب النور الذي أعددته لأوليائك أئمة نور الهدى الحق ، والذي تحب أن تعبد به وترضاه وتشكره علما وإيمانا وعملا ونعيما ووجودا ومحيطا ، إنك أرحم الراحمين ، وصلى الله على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .

 

مجلس ذكر

بنور العقل نتولى نور الإيمان بالله ونتعلم هداه من مصدر إشراقه فنأخذ ممد نورنا

 

وفي المجلس ذكر لأحاديث نور الله المتجلي في تكوين نور العقل الطالب لنور الإيمان بولاية الله ومدده العلمي الذي خصه بهدى المنعم عليهم وأصحاب الصراط المستقيم وغير المغضوب عليهم ولا الضالين :

ففي المجلس هذا أنوار ذكر :

الأول : نور الله المتجلي في الوجود والخلق :

الثاني : تكوين نور العقل ومرتبته فينا وآثاره :

الثالث : نور الإيمان حقيقة نور العقل والفطرة فينا :

الرابع : نور العلم الحق ومدده لنورنا :

 

الذكر الأول

نور الله المتجلي في الوجود

إن الله هو النور في حقيقة وجوده ويتجلى بعظمته وعلمه وقدرته وحكمته في الكون بكل بهاء وسناء للنور التام ، حتى ليتحقق تكوين كل شيء في الوجود من نوره بأحسن صورة وغاية ، ويكفي ما عرفنا من آيات النور وما مر في أنوار هدى المصباح من معرفة إن الله هو نور السماوات والأرض ، وإن كل شيء من مدد نوره في كل شيء له تكويناً وبقاء وهدى حتى ليرجع بحسب شأنه في مراتب ملكوت النور الأعلى لمن يطلب النور الإلهي ويتحقق به ، و بهذا عرفنا إن الكل الكوني وكائناته هو تجلي وظهور لعظمة أسماءه الحسنى ، ومنه تعالى حقيقة النور لكل شيء وجودا خلقتا ونعيما ورزقا وهدى ، وطبعا ما لم يتعصى على طلب نوره فيظلم وجوده ويضيق عليه محيطه حتى يظلم في تكوينه وكل شيء له .

وإن الأحاديث في إن الله نور وإنه أول ما خلق الله نور نبينا وآله الكرام وكل شيء في الكون من نورهم ، يأتي في الأبواب الآتية وبالخصوص في الجزء الثالث ، ولكن هنا نذكر بعض الأحاديث ونختارها من أدعية تعرفنا بأنه سبحانه هو النور وكل شيء يظهر لتجلي أسمائه الحسنى في الوجود نور ، ثم نعرف نور وجود الفطرة وعقلها المتنور بالإيمان والعلم الذي يحقق شدتها في النور إن حصلت على مددها وطلبته بحق ، حين تتنور في عبودية الله والخضوع لنور الساطع حتى تكون نيرة ومنيرة أروحنا بإذن الله ومدده لنا .

فعن الإمام الحسين عليه السلام هذا فقرة من الدعاء المسمى بالجوشن الكبير المروي عن أبنه عنه عن أبيه عن جده صلى الله عليهم وسلم ، وقد هبط به جبرائيل عليه السلام وفيه ألف من الأسماء الحسنى وهذا قسم منها بنص النور:

 يا نور النور :  يا منور النور ، يا خالق النور ، يا مدبر النور ، يا مقدر النور .

 يا نور كل نور ، يا نورا قبل كل نور ، يا نورا بعد كل نور .

 يا نورا فوق كل نور ، يا نورا ليس كمثله نور[2] .

إنه تعالى هو نور النور : وإن كل شيء متحقق بالوجود ومتكون في التكوين هو نور من رب النور وهو الذي نوّره ، لأنه سبحانه هو الذي نوّر النور في التكوين وأوجد كائناته كلها خلقا وتدبيرا بقدر يستحقه شأن الكائن ، فهو سبحانه نور كل نور ومتنور وهو قبله ويمده في وجوده ولكل شيء له ويقبضه لساطع نوره ويبقى بعده ، فهو فوقه قيوم عليه ومدبر له وممده ومرجعه إليه ، فليس مثله سبحانه نور له قدرة الخلق والتكوين للوجود بدون مدده ونور منه وإذنه ، فهو نور ليس كمثله نور لشيء قد كونه عز وجل ولا إله إلا هو .

وبهذا نعرف إنه سبحانه : هو نور لا يحاط به علم ، وليس نور مادي ـ الذي هو شأن من شؤون النور وظهور له في الوجود ـ بل حتى الخلق الأول ليس نور مادي كما في عالم الأسماء الحسنى وخلقها المتكون في الجبروت والملكوت ، بل هو نور له شأن الوجود الكريم في الظهور والتجلي بكل بهاء وقدرة نافذة في إيجاد الأشياء بمظهرها متنورة ، وعن علم وحكمة وقضاء وقدر مناسب لتكوينها وهدايتها بما تستحقه ، فهو تعالى منور النور بكل معانية الحقيقية التي تساوق الوجود وعزته وكرامته في المجد والحسن والكمال الباهر ، فهو الذي له الأسماء الحسنى النورانية وتتجلى بكل نور ، فتظهر بنور الخلق للرحمة والرزق والنعيم وكل نور يهدي الوجود لكماله ولغايته بما يستحقه .

 وإنه حتى أسماء القهر والجلال فهي نور ولكنه نور قهار وقابض للنور ، فيكون مُضيق للوجود المتعصي حتى ليكون ظلمة تامة تحرق الوجود الضال عن التوجه لكسب نوره ، فيضيق بعض الموجدات التي لها شيء من منحة الاختيار ولأشاءه لكي تشكره وتطيعه ، وذلك حين تتعصى على طلب النور من مصدره أو تحاول أن تطفئ نوره المقدس المشرق من أئمة الحق والهدى وتعاليمهم النورانية التي لم يخالطها ظلام أئمة الكفر والنفاق ، والذين تنكروا لأنعم الله وبالخصوص نور الهداية الذي به سعادتهم والكون تحت حيطة مدد نور رب العالمين .

وهذه نصوص أخرى من أدعية تعرفنا معنى بعض ما مر ، يا طيب نتدبرها بنور الفطرة والهداية :

اللهم : إني أسألك باسمك الذي أطفأت به كل نور وهو حي خلقته .

 و أسألك باسمك الذي خلقت به عرشك الذي لا يعلم ما هو إلا أنت ..  و أسألك بنور وجهك العظيم ، و أسألك بنور اسمك الذي خلقت به نور حجابك النور ....

و أسألك باسمك الذي هو نور : من نور ، و نور مع نور ، و نور فوق كل نور ، و نور يضي‏ء به كل ظلمة ، و نور على كل نور ، و نور في نور ، يا الله يذهب     به الظلم .....

 سبحانك سبحانك أنت النور : التام البار الرحيم ، و المعيد الكبير المتعال ، بديع السماوات و الأرض و نورهن ، و قوامهن يا ذا الجلال و الإكرام ، يا حنان يا منان ، نور النور دائم قدوس ، الله القدوس القيوم حي لا يموت مدبر الأمور فرد وتر حق قديم [3]...

وبهذا الدعاء عرفنا نور القبض والبسط والقدرة التامة برحمته لما يخلق ، والفيض عليه بحنان كريم له المنة الدائمة لأنه مقدس تام قديم ومدبر بحق ، فيتجلى نوره لكل شيء بحسب شأنه ، وبما يستحق كل كائن أبدع تكوينه من نوره في السماوات والأرض وما بينهن القائم بجلال الإكرام منه ، وهذا المعنى أيضا تجده في الدعاء الآتي فتدبر :

 في دعاء يوشع بن نون الذي حبست له به الشمس و هو :

اللهم إني أسألك باسمك الطهر الطاهر المقدس المبارك ، المخزون المكنون المكتوب على : سرادق الحمد ، و سرادق المجد ، و سرادق القدرة , و سرادق السلطان ، و سرادق السرائر .

أدعوك يا رب بأن لك الحمد لا إله إلا أنت :النور : البار الرحمن الرحيم الصادق عالم الغيب والشهادة بديع السماوات والأرض ونورهن و قيامهن ذو الجلال و الإكرام ، حنان نور دائم قدوس حي لا يموت .[4]

فهذه أدعية كريمة وفيها معارف عظيمة : ترينا حتى اليقين مراتب النور وتنزله ، وشأنه الكريم في ظهوره في الوجود وتكوينه لمراتب الكائنات ، ويعرف المتدبر بها إنه تعالى نور رحمان رحيم وخالق لمراتب السرادق العلى للجبروت والملكوت عرش وكرسي ودرجاتها ، والسماوات والأرض وما بينها ، ومنورها بما به قيامها وكمالها ، حنان عليها دائم الفيض لها وهو حي لا يموت له الملك وله الحمد سبحانه المقدس وتعالى بكبريائه وجلاله .

 والأدعية والأحاديث كثيرة في هذا الموضوع المعرف لشأن نزول النور في مراتب الكون حتى عالم الشهادة ، وتكون الإنسان وحقيقته ، فضلا  من شرح النور المخلوق في مراتب الكون الأول وما بعده ، وقد عرفت في مدخل السفينة أدعية عن معاني النور فينا بكل شيء من وجودنا وما يحيطنا من نعيم الكون النوراني لكل شيء يحيط بالمؤمن المتنور بمدد الله تعالى له ، وسيأتي بحثا آخرا في الباب الآتي وما بعده ، ويا طيب تدبر أدعية النور وما ذكرنا من آياتها حتى يأتي تمام البيان للأحاديث المعرفة لمراتب النور وتنزله في الوجود .

 فنكتفي بهذا المقدار من معرفة النور في الكون حتى نبحث البحث الكامل في الجزء الثالث إن شاء الله ، وسنشرح بإذن الله بعض الشيء نور دعاء عرفه الذي تجلى بنوره الإمام الحسين عليه السلام وعرفنا به معرفة عظيمة بحقائق نور الله الساطع في الكون كله حتى نور جودنا في جميع مراتبه وما يجب علينا من شكر رب النور لنتزود من نور الكريم ، فإن أحببت راجع الدعاء وأنت مسلح بالإيمان بالمعرفة النورانية تعرف مراتب الخلق التي يذكرها الإمام الحسين عليها السلام ، وما يجب علينا طلبه من مدد نور الله من مصدر إشراقه .

وبهذه المعرفة النورانية نكتفي هنا بما نريد من الدخول في معرفة تحقق النور فينا وكيف يشتد وجودنا ويترقى في مراتب النور ، فنذكر نور العقل والفطرة بنور أحاديث الإمام الحسين عليه السلام في العقل والإيمان والعلم فتدبر ما يأتي سترى ما يسرك إن شاء الله فتركب في سفينة النجاة لشاطئ الهدى ونعيم الأبد الإلهي بما عرفنا الله من أولياء نوره الطيبين الطاهرين .

 فبما عرفنا : ندخل في بحث تحقق النور في عالم الشهادة وفي خلقة الإنسان بنور فطرة روحه ومرتبة العليا لنور عقله ، وعلمه وهداه الذي هو سبب مدده ليشتد في النور في روحه ومحيطه بكل فرح وسرور ، وبه يحصل على كمال وجوده في نفسه ، وللعاصي ظلمات والعياذ بالله .

ونسأل الله أن يحققنا بنوره الأبدي بكل نعيم مع النبي محمد وآله الطيبين الطاهرين صلى الله عليهم وسلم ، إنه أرحم الراحمين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .

 

الذكر الثاني

نور العقل في فطرة الإنسان ومدده

 

يا من تطيب بنور الإيمان :إن نور العقل هو قمة حقيقة الإنسان وبنور الإيمان يشتد وجوده ويرقى في مراتب النور ، وتُعرف حقيقته في الإنسان العاقل : بطلب أسباب النور من مصدره وهداه الحق ، فيتحقق به عبودية خالصة لله تعالى ، ومن غير أي ظلام لأئمة الضلال .

فإن الوجود الأولي للإنسان : هو نفس نور فطرته وروحه التي عرفت عنها شيء وسيأتي هنا وفي الجزء الثالث بحث في حقائقها ، فالإنسان هو نور وقابل للنمو والاشتداد والتكامل بحقيقة روحه وبالخصوص في مرتبته العليا التي هي أشد مراتب نور وجوده المسمى بمرتبة نور العقل ، وذلك إذ لم يدنس نور الفطرة بالغفلة عن مصدر النور وحقائق هداه ، أو يمنع من تحققها بالنور الحق مانع من ظلام أئمة الضلال وهوى الدنيا المحرمة وعدم الطاعة لهدى الله وارتكاب المحرمات وما نهى الله تعالى عنه فتظلم والعياذ بالله .

 

فيا طيب إنك إن كنت مؤمن فأنت حقيقة نورانية : وبالخصوص في أعلى حقيقتك أي أشد مراتب نور روحك أي نور مرتبة العقل في وجودك ، فإن آمنت بالله وسعيت لطب مدد نورك الذي يشتد به نور وجودك ، من تعلم الهدى العلمي ومن ثم الظهور به عملا وتطبيقا له ، تبقى في النور وتتنور بشدة النور حتى لتكون نير في نفسك ومنير لمحيطك هنا وفي الملأ الأعلى في الملكوت  بما تظهر به من نور الطاعة لله تعالى .

ولا تحسب نفسك يا أخي الكريم : إنك جسد مادي فقط وإن كانت المادة هي مرتبة من ظهور النور في الوجود ، ولكن لك مرتبة في النور لطيفة هي حقيقتك وهي التي تشكل وجود روحك ، وبها تكوين نفسك ونور فطرتك ، وإن بدنك خادم لها مفارق لها بعد أجل محدد من رب النور ، فكن منور بالإيمان وبإظهار كل آثاره المترتبة عليه من إقامة العبودية لله بكل حدودها ، فإنك أهلا لذلك ، وأعقل من أن توالي أئمة الظلام وضلالهم وشهوات زائلة ودنيا فانية .

 وهذا بيان ظهور نور الله في الوجود بنور معارف للإمام أبا عبد الله الحسين عليه السلام يعرفنا النور نزولا وصعودا بدا وعودا في الكون كله من رب النور وظهوره في الكائنات العليا والنازلة ، ومن نور أئمة الحق والشهداء ومن طلب نور الله منهم وتحقق به وفيه أبدا ، وبه يُعرفنا حقيقة النور في الوجود وتنزله وكيف يجب التحقق به ، فتدبره يا طيب حتى يأتي تفصيله في الأجزاء الآتية ، وهو نفسه ممهد لدخولنا في معرفة النور في الكون كله وفينا في جود عقولنا وروحنا وممدنا من نور العلم والهدى الإلهي الحق ، فإنه بعد هذا الحديث يأتي حديث نعرف به مدد نورنا من كلام الإمام الحسين عليه السلام كذلك ثم نذكر أحاديث أخرى تشرحه من آله الكرام :

 

أول الذكر : نور الوجود ومراتبه حتى تنزله فينا :

عن أحمد بن عبد الله الهاشمي عن الحسن بن علي بن محمد بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي عليه السلام :

قال الإمام الحسين عليه السلام :

 خطب أمير المؤمنين خطبة بليغة في مدح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال بعد حمد الله و الصلاة على نبيه :

لما أراد الله أن ينشئ المخلوقات و يبدع الموجودات أقام الخلائق في صورة واحدة قبل دحو الأرض و رفع السماوات ، ثم أفاض نورا من نور عزه فلمع قبسا من ضيائه و سطع .

ثم اجتمع في تلك الصورة و فيها صورة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

 فقال له تعالى : أنت المرتضى المختار .

 وفيك مستودع الأنوار .

من أجلك أضع البطحاء ، و أرفع السماء ، و أجري الماء ، و أجعل الثواب و العقاب ، و الجنة و النار .

 و أنصب أهل بيتك :

علما للهداية ، و أودع فيهم أسراري بحيث لا يغيب عنهم دقيق و لا جليل ، و لا يخفى عنهم خفي ، أجعلهم حجتي على خليقتي ، و أسكن قلوبهم أنوار عزتي ، و أطلعهم على معادن جواهر خزائني .

ثم أخذ الله تعالى عليهم الشهادة بالربوبية و الإقرار بالوحدانية ، و إن الإمامة فيهم و النور معهم .

ثم إن الله سبحانه : أخفى الخليقة في غيبه ، و غيبها في مكنون علمه ، و نصب العوالم ، و موج الماء ، و أثار الزبد ، و أهاج الدخان ، فطفا عرشه على الماء ، ثم أنشأ الملائكة من أنوار أبدعها ، و أنواع اخترعها ، ثم خلق المخلوقات فأكملها .

ثم قرن بتوحيده نبوة نبيه ، فشهدت له السماوات والأرض والملائكة ، والعرش والكرسي والشمس والقمر والنجوم وما في الأرض بالنبوة والفضيلة .

ثم خلق آدم وأبان للملائكة فضله ، وأراهم ما خصه به من سابق العلم ، فجعله محرابا وقبلة لهم فسجدوا له وعرفوا حقه .

ثم إن الله تعالى بين لآدم عليه السلام حقيقة ذلك النور ، ومكنون ذلك السر ، فأودعه شيئا وأوصاه ، وأعلمه أنه السر في المخلوقات .

ثم لم يزل ينتقل من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الزكية إلى أن وصل إلى عبد المطلب ، فألقاه إلى عبد الله ، ثم صانه الله عن الخثعمية حتى وصل إلى آمنة :

 فلما أظهره الله بواسطة نبينا صلى الله عليه وآله :

استدعى الفهوم : إلى القيام بحقوق ذلك السر اللطيف .

وندب العقول : إلى الإجابة لذلك المعنى المودع في الذر قبل النسل ، فمن وافقه قبس من لمحات ذلك النور ، اهتدى إلى السر وانتهى إلى العهد المودع في باطن الأمر و غامض العلم .

ومن غمرته الغفلة وشغلته المحنة ،عشى بصر قلبه عن إدراكه .

فلا يزال ذلك النور ينتقل فينا أهل البيت ، و يتشعشع في غرائزنا إلى أن يبلغ الكتاب أجله .
فنحن : أنوار الأرض والسماوات ، ومحض خالص الموجودات

 وسفن النجاة ، وفينا مكنون العلم ، وإلينا مصير الأمور ، وبمهدينا تنقطع الحجج ، فهو خاتم الأئمة ، ومنقذ الأمة ، ومنتهى النور ، وغامض السر.

فليهنأ من استمسك بعروتنا و حشر على محبتنا [5].

اللهم أنا أحب الحسين وآله كلهم فأهدني لنورهم وسيرني فيه لأعلى مراتبه المحمودة عندك بصراط مستقيم ولكل هدى منك ونعيم ، ولا يوجد في المسلمين أحد يمكنه أن يدعي أن نور الله فيه بحق كما ينير معارفها الحسين وآله الكرام بفضل الله تعالى عليهم ، ولو أدعى هذا أحد لكذبه الله في كتابه ورسوله في سيرته وسنته وتأريخ الدين وكل المسلمين فلا شاهد له ، لأنه الله رب النور عرفنا هذا النور في كتابه بما عرفت في مصباح هذا الباب من آيات الذكر الحكيم ونور الكتاب الإلهي التدويني، والذي يعرفنا النور التكويني في النبي وآله وشيعتهم المهتدون بهداهم من غير خلط لظلام أعدائهم وضلال أفكار معاندي أئمة الحق .

ويا طيب : بعد هذه المعرفة التي فيها شيء من التفصيل تنزل النور ومصدر إشراقه من الحسين وآله الكرام من جده الأكرم وأبيه وأخيه وله وأبناءه المعصومين ، حتى نؤمن به بما وهبنا الله من نور العقل الذي ندبه لكي يتنور منهم فيتحقق بالنور حين يحصل على مدد نوره بتطبيق هدى الله ، والذي خصهم سبحانه به علما وتعليما ودينا قويما خالصا لوجهه الأعز الأجل الأكرم ، وبهذه المعارف الكريمة نعرف مسير النور وصراطه المستقيم بحق ، وإن دين الله وهداه قويم لا يمكن وجود أحسن منه ولا أنور للوجود المتنور .

 

ثاني الذكر : تأييد العقل المؤمن بنور العلم :

فلنستأنس بمعارف النور حتى يتم لنا التسليم لما سنذكر من معارف تولي النور والاتصال به والسكن فيه ومعرفة أحواله في الملكوت قبل الدنيا وبعدها في الأجزاء الآتية ، ولكي نتيقن نور الوجود فينا ومدده من هدى الله بالإيمان والظهور بالنور العلمي والعملي في الأذكار والأبواب الآتية .

وقد عرفت يا مؤمن في الحديث أعلاه الذي كان عن الإمام الحسين عليه السلام : بأن العقل هو المندوب لطب نوره من مصدر إشراقه .

نذكر نور العقل فينا وكيف تحقق فطرتنا به وتشتد بنور الإيمان والهدى والعبادة التي كان سبيلها نبينا وآله صلى الله عليهم وسلم ، وبحديث آخر عن الإمام أبا عبد الله الحسين عليه السلام ، فنعرف أن للنور مرتبة علمية تعليما وتطبيقا وبه يُكتسب النور حين تطبيقه ، ولكن بشرط كما عرفت أن يكون من منير لهذا الهدى والتعليم ، وإلا يكون التعليم ليس بهدى بل ضلال ولا نور فيه ، بل ظلام وبُعد عن مصدر العبودية لله والعياذ بالله إذا لم نسلك له من صراط النور المستقيم للمنعم عليهم بالإشراق به ثم الظهور به إيمانا وعملا.

 

عن الإمام أبا عبد الله الحسين عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

 إن الله عز وجل خلق العقل: من نور مخزون مكنون في سابق علمه الذي لم يطلع عليه نبي مرسل ولا ملك مقرب ، فجعل :

العلم نفسه ، و الفهم روحه ، والزهد رأسه ، و الحياء عينيه ، و الحكمة لسانه ، و الرأفة همه ، و الرحمة قلبه .

ثم حشاه و قواه بعشرة أشياء : باليقين ، والإيمان ، والصدق ، والسكينة ، والإخلاص ، والرفق ، والعطية ، والقنوع ، والتسليم ، والشكر .

ثم قال عزّ وجلّ : أدبر فأدبر ، ثم قال له : أقبل فأقبل .

 ثم قال له : تكلم . فقال : الحمد لله الذي ليس له ضد ولا ند ، ولا شبيه ولا كفو ، ولا عديل ولا مثل ، الذي كل شي‏ء لعظمته خاضع ذليل .

فقال الرب تبارك و تعالى : وعزتي و جلالي ما خلقت خلقا أحسن منك ، و لا أطوع لي منك ، و لا أرفع منك ، و لا أشرف منك ، و لا أعز منك .

 بك أؤاخذ وبك أعطي ، وبك أوحد وبك أعبد ، وبك أدعى وبك أرتجى ، و بك أُبتغى و بك أُخاف وبك أُحذر ، وبك الثواب وبك العقاب .

فخر العقل عند ذلك ساجدا ، فكان في سجوده ألف عام .

فقال الرب تبارك وتعالى : ارفع رأسك ، وسل تعط واشفع تشفع .

فرفع العقل رأسه فقال : إلهي أسألك أن تشفعني فيمن خلقتني فيه .

فقال الله جل جلاله لملائكته : أشهدكم أني قد شفعته فيمن خلقته فيه[6] .

 صدق الله ورسوله وخلفاءه الكرام فيما عرفونا من حقائق وجودنا وما به كمالنا لمراقي رضا الله وعبوديته حتى نتحقق بالنور ، ويشتد وجودنا بما نقيم به إطاعة الله وعبودية الخالصة من كل ضلال وظلام ، وبهذا نعرف إن العاقل له مواصفات عبودية الله تعالى بما يحب ويرضى، فتكون مدده ليبقى نوره ويشتد  بنور العلم الحق ، وقد عرفت في الحديث الشريف محل وجوده وحقائقه ومواصفاته التي تظهر عند من وجد فيه ، وهذا ما قاله الإمام الحسين عليه السلام بالتفصيل الذي عرفته ، وإليك ما نقل عن مدد العلم الذي يشكل نفس وجود العقل فيما قال حفيد الإمام الحسين الإمام الصادق عليهم السلام  قال :

 دعامة الإنسان العقل ، ومن العقل : الفطنة و الفهم و الحفظ و العلم .

فإذا كان تأييد عقله من النور : كان عالما حافظا ذكيا فطنا فهما ، و بالعقل يكمل ، وهو دليله و مبصره و مفتاح أمره[7] .

فلابد لتكامل العقل في وجود الإنسان الذي يشكل قمة فطرته الطاهرة من مدد نوره وما يؤيد بقائه بالنور ،وهو الإيمان وإقامة العبودية لله تعالى بكل ما أراد من معارف الهدى الذي خص به نبينا وآله الأخيار ، والذين جعلهم يشرقون بتعليمه ذكرا خالصا لوجهه الكريم على طول الوجود وفي كل مرتبة بما يناسبها ، وإن العقل هو المندوب لطلب نور الله من مصدر إشراقه حتى يتم له التحقق بالنور ويستمر بقائه به ، وبما يحصل عليه من مدد النور حين التوجه لمصدر إشراق النور فيحصل على مدد نوره فيتحقق بنور العلم الإلهي لهداه الحق ودينه القيم ومعارفه الصادقة ، وتتم له عبوديته بما يحب ويرضى فيبقى في نور نعيم الأبدي الإلهي ، وكل كرامته لعبادة المخلصين من كل ظلام لأهل الضلال والمتعصين عليه ممن عاند أئمة النور وولاته .

 وبما عرفنا من تنزل نور الفطرة والعقل فينا : نعرف كيف رزقنا الله نعيم دائم في النور ، وهو موجب للإيمان بالله أولا ثم بأنه لابد أن يكون له سبحانه في الأرض من يشرق بنور هداه ومعلم له بحق ، فيأخذ مدد نور منه ويظهر به متحققا بمعارفه ومتجلي بها عبودية خالصة لله ، ومن غير شرك بظلام المعاندين له ولا ضلال المنحرفين عنه فضلا عمن حاول قتله أو قتله وكل من رضا بفعلهم الذي حاولوا إطفاء نور الله به .

 

ثالث الذكر : نور العقل وبعض آثاره وخصائصه :

فمن أمن بالله تعالى وطلب نوره : عندها يتحقق وجوه بالنور مما يصله من مدد النور لقمة وجوده الفطري ولعالي مراتب شأنه ، أي نور الإيمان والعلم الحق الإلهي فيشتد وجوده ويتنور العقل الذي يقيم به عبوديته الله وطاعته وفق هداه الحق ، فيترقى في مراتب النور ، ولا بد من التنبه لحقائق أخرى ملازمة للمتنورين بنور الإيمان والهدى العلمي الحق لمعارف الله فتكون عنده آثار الإيمان بالله وما يقيم به هداه ، فيكون فيه أمور مهمة كما جاءت في الحديث الشريف الآتي وما بعده وما سنذكره في أواخر بحوث هذه السفينة المنجية من الظلمات:

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ كَانَ أَبِي عليه السلام يَقُولُ :

إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَ فِي قَلْبِهِ نُورَانِ : نُورُ خِيفَةٍ ، وَ نُورُ رَجَاءٍ ، لَوْ وُزِنَ هَذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا ، وَ لَوْ وُزِنَ هَذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا[8] .

فمن كان له خوف ورجاء في طلب نور هدى الله سعى له بجد وطلبه من محل إشراقه وتحقق به بكل أمل ورجاء لقبول الله لعلمه وعمله ، وخوف من تقصيره أو عدم الإخلاص في طاعته سبحانه بهداه الحق ، ومن كان هذا حاله تحققت له مواصفات في نفس وجوده فتنور كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

خمس لا يجتمعن إلا في مؤمن حقا يوجب الله له بهن الجنة :

النور في القلب ، و الفقه في الإسلام ، و الورع في الدين ، و المودة في الناس ، و حسن السمت في الوجه .

فجنة وجود الشيء وبالخصوص الإنسان هو نور حقيقته ، وهو المعبر عنه في هذا الحديث وجوده في قلبه ، ومن تنور بالهدى والإيمان طلب أن يتفقه بهدى الإسلام بكل وجوده وورع عما حرم الله عليه ، وبهذا تحصل له المودة في الناس وحسن السمت في الوجه كما مر في الحديث أعلاه ، وإلا إذا لم يكن فيه تحقق نور معارف الله وتطبيقها عن أيمان بها ، فلا يرجوا أصابتها ولا يخاف أن تفوته طاعتها والكون في مددها ، فيكون إنسان متكبر عاصي لا يرجوا ما عند الله ولا يخافه ، فيطول أمله بطلب زينة الدنيا بأي صورة ، ويكون تحت ظلام شهواته المحرمة ، فيفقد حكمته ونور وجوده كما جاء عن الإمام موسى بن جعفر في حديث طويل يعرف به العقل وحقائقه حيث قال عليه السلام : ....

 

يَا هِشَامُ : إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى بَشَّرَ أَهْلَ الْعَقْل ِوَ الْفَهْمِ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ : فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ ....

يَا هِشَامُ : إِنَّ الْعَقْلَ مَعَ الْعِلْمِ، فَقَالَ : وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَ ما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ .

يَا هِشَامُ : ثُمَّ ذَمَّ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ، فَقَالَ : وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَ لَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَ لا يَهْتَدُونَ ، وَ قَالَ : وَ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَ نِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ ، وَ قَالَ : وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ أَ فَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَ لَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ ، وَ قَالَ : أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ......

يَا هِشَامُ : مَنْ سَلَّطَ ثَلَاثاً عَلَى ثَلَاثٍ فَكَأَنَّمَا أَعَانَ عَلَى هَدْمِ عَقْلِهِ : مَنْ أَظْلَمَ نُورُ تَفَكُّرِهِ بِطُولِ أَمَلِهِ ، وَ مَحَا طَرَائِفَ حِكْمَتِهِ بِفُضُولِ كَلَامِهِ ، وَ أَطْفَأَ نُورَ عِبْرَتِهِ بِشَهَوَاتِ نَفْسِهِ ، فَكَأَنَّمَا أَعَانَ هَوَاهُ عَلَى هَدْمِ عَقْلِهِ ، وَمَنْ هَدَمَ عَقْلَهُ أَفْسَدَ عَلَيْهِ دِينَهُ وَ دُنْيَاهُ .

يَا هِشَامُ : كَيْفَ يَزْكُو عِنْدَ اللَّهِ عَمَلُكَ ، وَ أَنْتَ قَدْ شَغَلْتَ قَلْبَكَ عَنْ أَمْرِ رَبِّكَ ، وَ أَطَعْتَ هَوَاكَ عَلَى غَلَبَةِ عَقْلِكَ .

يَا هِشَامُ : الصَّبْرُ عَلَى الْوَحْدَةِ عَلَامَةُ قُوَّةِ الْعَقْلِ ، فَمَنْ عَقَلَ عَنِ اللَّهِ اعْتَزَلَ أَهْلَ الدُّنْيَا وَ الرَّاغِبِينَ فِيهَا وَ رَغِبَ فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ ، وَ كَانَ اللَّهُ أُنْسَهُ فِي الْوَحْشَةِ ، وَ صَاحِبَهُ فِي الْوَحْدَةِ ، وَ غِنَاهُ فِي الْعَيْلَةِ ، وَ مُعِزَّهُ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَةٍ .

يَا هِشَامُ : نَصْبُ الْخَلقِّ لِطَاعَةِ اللَّهِ ، وَ لَا نَجَاةَ إِلَّا بِالطَّاعَةِ .

 وَ الطَّاعَةُ بِالْعِلْمِ ،وَ الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ ، وَ التَّعَلُّمُ بِالْعَقْلِ يُعْتَقَدُ .

 وَ لَا عِلْمَ إِلَّا مِنْ عَالِمٍ رَبَّانِيٍّ ،وَ مَعْرِفَةُ الْعِلْمِ بِالْعَقْلِ .

يَا هِشَامُ : قَلِيلُ الْعَمَلِ مِنَ الْعَالِمِ مَقْبُولٌ مُضَاعَفٌ ، وَ كَثِيرُ الْعَمَلِ مِنْ أَهْلِ الْهَوَى وَ الْجَهْلِ مَرْدُودٌ .

يَا هِشَامُ : إِنَّ الْعَاقِلَ رَضِيَ بِالدُّونِ مِنَ الدُّنْيَا مَعَ الْحِكْمَةِ ، وَ لَمْ يَرْضَ بِالدُّونِ مِنَ الْحِكْمَةِ مَعَ الدُّنْيَا ، فَلِذَلِكَ رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ .

يَا هِشَامُ : إِنَّ الْعُقَلَاءَ تَرَكُوا فُضُولَ الدُّنْيَا ، فَكَيْفَ الذُّنُوبَ ، وَ تَرْكُ الدُّنْيَا مِنَ الْفَضْلِ ، وَ تَرْكُ الذُّنُوبِ مِنَ الْفَرْضِ .

يَا هِشَامُ : إِنَّ الْعَاقِلَ نَظَرَ إِلَى الدُّنْيَا وَ إِلَى أَهْلِهَا فَعَلِمَ أَنَّهَا لَا تُنَالُ إِلَّا بِالْمَشَقَّةِ ، وَ نَظَرَ إِلَى الْآخِرَةِ فَعَلِمَ أَنَّهَا لَا تُنَالُ إِلَّا بِالْمَشَقَّةِ ، فَطَلَبَ بِالْمَشَقَّةِ أَبْقَاهُمَا .

يَا هِشَامُ : إِنَّ الْعُقَلَاءَ زَهِدُوا فِي الدُّنْيَا وَ رَغِبُوا فِي الْآخِرَةِ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ الدُّنْيَا طَالِبَةٌ مَطْلُوبَةٌ وَ الْآخِرَةَ طَالِبَةٌ وَ مَطْلُوبَةٌ ، فَمَنْ طَلَبَ الْآخِرَةَ طَلَبَتْهُ الدُّنْيَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مِنْهَا رِزْقَهُ ، وَ مَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا طَلَبَتْهُ الْآخِرَةُ فَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ فَيُفْسِدُ عَلَيْهِ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ .

يَا هِشَامُ : مَنْ أَرَادَ الْغِنَى بِلَا مَالٍ وَ رَاحَةَ الْقَلْبِ مِنَ الْحَسَدِ وَ السَّلَامَةَ فِي الدِّينِ فَلْيَتَضَرَّعْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِي مَسْأَلَتِهِ بِأَنْ يُكَمِّلَ عَقْلَهُ فَمَنْ عَقَلَ قَنِعَ بِمَا يَكْفِيهِ وَ مَنْ قَنِعَ بِمَا يَكْفِيهِ اسْتَغْنَى وَ مَنْ لَمْ يَقْنَعْ بِمَا يَكْفِيهِ لَمْ يُدْرِكِ الْغِنَى أَبَداً .

يَا هِشَامُ : إِنَّ اللَّهَ حَكَى عَنْ قَوْمٍ صَالِحِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَ هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ، حِينَ عَلِمُوا أَنَّ الْقُلُوبَ تَزِيغُ وَ تَعُودُ إِلَى عَمَاهَا وَ رَدَاهَا ، إِنَّهُ لَمْ يَخَفِ اللَّهَ مَنْ لَمْ يَعْقِلْ عَنِ اللَّهِ وَ مَنْ لَمْ يَعْقِلْ عَنِ اللَّهِ لَمْ يَعْقِدْ قَلْبَهُ عَلَى مَعْرِفَةٍ ثَابِتَةٍ يُبْصِرُهَا وَ يَجِدُ حَقِيقَتَهَا فِي قَلْبِهِ ، وَ لَا يَكُونُ أَحَدٌ كَذَلِكَ إِلَّا مَنْ كَانَ قَوْلُهُ لِفِعْلِهِ مُصَدِّقاً وَ سِرُّهُ لِعَلَانِيَتِهِ مُوَافِقاً ، لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ اسْمُهُ لَمْ يَدُلَّ عَلَى الْبَاطِنِ الْخَفِيِّ مِنَ الْعَقْلِ إِلَّا بِظَاهِرٍ مِنْهُ وَ نَاطِقٍ عَنْهُ .

يَا هِشَامُ : كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ : مَا عُبِدَ اللَّهُ بِشَيْ‏ءٍ أَفْضَلَ مِنَ الْعَقْلِ ، وَ مَا تَمَّ عَقْلُ امْرِئٍ حَتَّى يَكُونَ فِيهِ خِصَالٌ شَتَّى : الْكُفْرُ وَ الشَّرُّ مِنْهُ مَأْمُونَانِ ، وَ الرُّشْدُ وَ الْخَيْرُ مِنْهُ مَأْمُولَانِ ، وَ فَضْلُ مَالِهِ مَبْذُولٌ ، وَ فَضْلُ قَوْلِهِ مَكْفُوفٌ ، وَ نَصِيبُهُ مِنَ الدُّنْيَا الْقُوتُ ، لَا يَشْبَعُ مِنَ الْعِلْمِ دَهْرَهُ ، الذُّلُّ أَحَبُّ إِلَيْهِ مَعَ اللَّهِ مِنَ الْعِزِّ مَعَ غَيْرِهِ ، وَ التَّوَاضُعُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الشَّرَفِ ، يَسْتَكْثِرُ قَلِيلَ الْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِهِ ، وَ يَسْتَقِلُّ كَثِيرَ الْمَعْرُوفِ مِنْ نَفْسِهِ ، وَ يَرَى النَّاسَ كُلَّهُمْ خَيْراً مِنْهُ ، وَ أَنَّهُ شَرُّهُمْ فِي نَفْسِهِ ، وَ هُوَ تَمَامُ الْأَمْرِ .

يَا هِشَامُ : إِنَّ الْعَاقِلَ لَا يَكْذِبُ وَ إِنْ كَانَ فِيهِ هَوَاهُ .

يَا هِشَامُ : لَا دِينَ لِمَنْ لَا مُرُوَّةَ لَهُ ، وَ لَا مُرُوَّةَ لِمَنْ لَا عَقْلَ لَهُ ، وَ إِنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ قَدْراً الَّذِي لَا يَرَى الدُّنْيَا لِنَفْسِهِ خَطَراً ، أَمَا إِنَّ أَبْدَانَكُمْ لَيْسَ لَهَا ثَمَنٌ إِلَّا الْجَنَّةُ فَلَا تَبِيعُوهَا بِغَيْرِهَا[9] .

وهذا حديث طويل وكثير المعارف تجده في أصول الكافي ، وفيه تفاصيل عظيمة في معرفة قيم العقل وحقائق نوره ، كما يوجد غيره الكثير منقولة عن آهل بيت العصمة والطهارة تعرفنا نور العقل وحقائقه ، ولكن بما ذكرنا منه عرفنا شيء عن نور العقل ومدده بالعلم الحق المتوجه لنور هدى الله تعالى ، وإلا من لم يعقل عن الله دينه يطفئ نور فطرته وبالخصوص ما به كمال وجوده وترقيه ، فيذهب نور نعيمه الحقيقي ويكون في عذاب المعصية وحب المادة حتى يسجن فيها بكل وجوده ، أو يظلم ويضل فيحب أئمة الظلم والضلال والطغاة على الدين وينشر فكرهم بعلمه ويعمله ، ويحسب نفسه يطلب النور ويتحقق به في عين كونه ظلام لأنه لم يطلبه من مصدر إشراقه المصطفين الأخيار ، فيكون قد خسر نور وجوده وخرج من النور الفطري للظلمات بكامل روحه ومحيطه .

وإذا عرفت هذا يا طيب :عن نور العقل ونور حقيقته ومدده ، نذكر نور الإيمان وكيف التحقق به وكيف يشتد نوره فينا ، ثم نذكر نور العلم الذي يمده وأهمية وجوده للعقل حتى يشتد نوره بشكل كلي لسعة نور العلم ، ثم يأتي بابا آخرا في الجزء الآتي إن شاء الله ، نفصل فيه كيف يُطبق نور العلم عملا وآثاره النورانية التي تحيطنا بكل شيء من نعيم الله تعالى وملكه الأبدي ، فنخرج بالمرة من الظلمات التي تحيطنا من ظلم الكفار والظلمة والطغاة ووساوس النفس والشيطان ، وكل ما يحرف ويبعد عن التحقق بالنور من طلبه من مصدره من أئمة الحق وهداهم الذي كرمه الله به حتى نطيعه ونعبده به ، وبالتحلي بالهدى الحق والتخلي عن الظلام يكون المؤمن بحق نيرا ومنيرا مثل أئمته في كل مراتب وجوده الآتية ولكل إنسان مقدار نوره حسب عقله ومدده الذي يكتسب به النور .

وفي خبر ابن السكيت قال : فما الحجة على الخلق اليوم ؟

فقال الرضا عليه السلام : العقل تعرف به الصادق على الله فتصدقه ، و الكاذب على الله فتكذبه. فقال ابن السكيت : هذا هو و الله الجواب[10].

وهذا سبيل الله ونبيه وأئمة الحق يعرفونا الحديث الحسِن الذي تهفوا لمعارفه العقول ويوافق الضمير ويذعن له الوجدان الفطري النير ، ونعرف إن نور الله سبحانه وتعالى واحد في الفطرة ووجود الإنسان ومدده من أئمة النور علم وهدى حق وتطبيق عبودية خالصة من كل ظلام ، فإنه على كل عاقل أن يتبع الصادقين المصدقين من رب العالمين ، وهذه أدلتهم الكريمة ومنهاجهم القويم الذي هو عين معارف الدين الإلهي الحق ، وقد كتبنا في العلم ومعارفه وفضله في صحيفة الإمام الرضا عليه السلام ذكر شريف من أراد حقائق معارف العلم فليرجع لها ، والآن الكلام عن الإمام الحسين وهذا منهجه في تعريف نور الهدى لمدد العقل والروح في الإيمان والعلم والعمل وآثاره النورانية وتنزله وصعوده لأعلى مراتب النور ، فتابع يا طيب البحث عنه تعرف حقائق نور وجودك .

ونسأل الله أن يجعلنا عقلاء منتدبين بكل وجودنا لطلب نورنا من مصدر إشراقه ومتحققين به علما وعملا بكل عبودية خالصة لوجهه الكريم ، إنه أرحم الراحمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .

 

 

الذكر الثالث

نور الإيمان والولاية

 

بعد إن عرفنا إن العقل : الذي هو أرقى مراتب الفطرة وشؤونها في الظهور والتفكر والفهم لاكتساب نور الإيمان بالله تعالى ورسله وكتبه وهداه من مصدر إشراقه ، وبه يتم كمال الإنسان ويحصل له نور المعرفة حتى ليتحقق العاقل بعبودية الله تعالى ، فيحصل على نوره ويسير بصراط مستقيم لاقتباس كل ما يمكن له من نور هدى الله ونعيمه ، وحتى ليكون حقيقة وجوده ومدده وكماله النير كما عرفت بالأحاديث السابقة ، وراجع الحديث الأول في العقل عن الإمام الحسين وما بعده وما ذكرنا من شرحه والأحاديث بعده ، تعرف هدى قيم عنه عليه السلام ينيرنا معرفة حقيقتنا في النور ، وكيف وصل لنا وكيف يجب أن نتحقق به ونستمر في البقاء فيه خالدين منعمين أبدا .

 وقد عرفنا يا طيب ويا متنور بنور الإيمان الحق : إن الإنسان العاقل هو من يصدق الصادقين والمصدقين من رب العالمين ، فيتيقن إن نور هدى الله عندهم فيقتبس منهم ، فيتوجه لطلبه منهم ويتحقق به ، ولذا كان نور العقل الذي هو أعلى مراتب نور الفطرة ووجود الإنسان حجة عليه وبه يثاب إن تبع الصراط المستقيم والدين القويم من المشرقين بنوره فيتحقق به عبودية خالصة لله .

وإما إذا تبع خطوات الشيطان والطواغيت : الذين يخرجون من نور الفطرة للظلمات ، وبسبب طغيان شهوات النفس وزخارف الدنيا وزينتها وطلب الراحة العاجلة ولو بالحرام ومن أهل الضلال على العقل فيكسبه الغفلة عن التحقق بالنور الحق فيسير على طريقهم ، وبهذا يهوى كل من لم يسعى لمعرفة الصادقين في الإشراق بنور الهدى في الظلام ويفقد مدد نوره فيحترق بنار العدم والحرمان من نور الله ونعيمه الخالد .

ولذا كان العقل : يطلب نور الله من أهل النور ليتكامل حين يصله مدده منهم ، والذين فضلهم الله سبحانه وتعالى بالإشراق به كما عرفت في كل هذه الصحيفة المختصة بنور الإمام الحسين عليه السلام ، وبما يعرفه من نور الله بوجوده وبأحاديثه وسيرته وسلوكه وكل حال ظهر به ، وبالخصوص هذا الباب من سبيل النور ومسير نور الفطرة في أعلاه مرتبة في العقل ومدده النوراني بإتباع هدى الله من أهل النور والتحقق به طاعة وعبودية خالصة لله تعالى .

ويا أخي المؤمن : قد ذكرنا أحاديث عن الإمام الحسين عليه السلام وآله الكرام تعرفنا شأن العقل في طلب المعرفة ، وهذه معارف أخرى تعرفنا حقيقة مدد النور الإيماني للعقل ليبقى ويشتد في نوره فيصل لمعدن العظمة في طلب نور العلم والتحقق به عملا ، فيكون في عبودية خالصة لله ويحصل على أعلى مراتب الكمال عندما يحصل على رضاه سبحانه .

 فهذه أحاديث بها يعرفنا أبا عبد الحسين عليه السلام : سبيل الإيمان الحق وحقيقته عند من ينتدبه نور عقله للإيمان بالله وبكل ما أوجبه , وما يؤدي إليه من المعرفة لهدى الله وصراطه المستقيم ونور الله المشرق منهم حتى التحقق به ، لأنهم هم أئمة الحق والنور الإلهي ومن أطاع الله بنور هداهم تحقق به واقعا ، وصار جزء من وجوده حتى لينير كل ما يحيطه به دنيا وآخرة .

ثم يا طيب : بعد هذه المعرفة نذكر بعض الأحاديث المتعلقة بالعلم وحقيقة النورانية ثم تطبيقه كعبودية لله والظهور به ، حتى يكون الإنسان واقعا في صراط نورانيته و يستمر له مدد النور في الدنيا والآخرة ، ومن يغفل عن صراط النور وسبيله سواء معرفته عن إيمان مع العلم به أو عدم الظهور به وتطبيقه عملا ، فسوف يخسر وجوده ، فتابع يا أخي الكريم  أذكار هذا المجلس والمجالس التالية لنعرف كيف نحصل على مدد نور وجودنا فيتم لنا دائم أبدي في جنة الخلد الإلهي لأوليائه المخلصين بنوره والخارجين من كل ظلام بفضله ومنه وحنانه .

 

أول الذكر : الإمام الحسين يعرفنا أسس الإيمان :

والآن يا طيب هذا هو الإمام الحسين بن علي الشهيد عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

 الإيمان : قول مقول ، و عمل معمول ، و عرفان العقول[11] .

فالإيمان : هو حقيقة الفطرة ونورها العقلي وهو معرفته بالصادقين والحق من هدى الله وصراط نوره المستقيم لكل هدى الله ونعيمه ، ثم لابد أن يتحقق وتظهر آثاره باللسان قولا وفي سيرة الإنسان وسلوكه عملا ، فيكون في طاعة الله بكل معارفه ، ولذا نقل عن الإمام الحسين عبارات أخرى عن تعريف الإيمان ، وهي كلها تتضمن نفس معنى الحديث السابق من ضرورة المعرفة النورانية للعقل وحقيقة وجوده ونفسه وروحه وقلبه بكل إيمان والظهور بها قولا وعملا :

فعن الصدوق بسنده عن الحسين سبط رسول الله صلى الله عليه و آله و سيد الشهداء ، قال حدثني أبي الوصي علي بن أبي طالب عليهم السلام ، قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله :

الإيمان : عقد بالقلب، و نطق باللسان ، و عمل بالأركان[12] .

وعن الشيخ بسنده عن الإمام الحسين بن علي قال حدثني أبي أمير المؤمنين عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

الإيمان :

 إقرار باللسان ، و معرفة بالقلب ، و عمل بالأركان [13].

في الحديثين أعلاه عرّفنا الإمام الحسين عليه السلام : حسب حال السامع لتقبل المعرفة ولذا كان التقديم والتأخير في مراتب التحقق بنور الإيمان ، فإن نور المعرفة الذي به تتكون حقيقة الإنسان وروح فطرته ووجود نفسه وبها يتكامل بمدد النور العلمي بالقلب ، كما وعبر الحديث الأول عن المرتبة العالية للنفس بالعقل وهو الذي يكتسب نور الإيمان ، وهي عبارات كريمة تعرفنا بأنه لابد للمؤمن من نور العلم والمعرفة الحقة عن أيمان بها ، ثم الظهور بما توجبه معارف الدين بالقول باللسان للشهادة وغيرها من العبادات اللسانية التي هي المعبرة عن المكنون والإقرار به ، وكذا يجب الإتيان بباقي واجبات الدين كلها والعمل بها ، وبها يتكامل وجود النور ومدده للمؤمن فيشتد نوره بإطاعة الله فيكتسب بكل حال له مدد نوره ويحصل على كماله ونعيمه وسروره .

 

ثاني الذكر : نور الإيمان بمعرفة المشرقون بحقائقه :

وبعد هذه المعرفة لضرورة اكتساب نور الإيمان وأسسه ، يعرفنا الإمام الحسين عليه السلام إن سبيلها يكون منهم هو وآله الكرام جده وأبيه وأبنائه المعصومين ، وكل من تحقق بالإيمان بمعارفهم في عبودية الله وطاعته فتنور ، ولذا تواترت الأحاديث عنه عليه السلام في هذا المعنى ، وإليك قسم منها وتابع قسما آخر في باقي معارف صحيفته المباركة :

عن الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

ألزموا مودتنا أهل البيت ، فإنه من لقي الله وهو يحبنا دخل الجنة بشفاعتنا، والذي نفسي بيده لا ينتفع عبد بعمله

إلا بمعرفته بحقنا[14] .

ومن هذا الحديث الكريم نعرف كما عرفنا سابقا : إن معرفتهم هي التي تعرفنا نور الله ونور هداه وممده لنا حين تحققنا به والظهور به علما وعملا ، ولذا وجب الإيمان بهداهم كله تعلما وتعليما وظهورا بحقائقه ، فهم المشرقون بنور الله بكل حال لهم سواء تعليما أو سيرة وسلوكا لهم ، وبطلب معارف الله منهم التي حققهم الله تعالى بنورها وجعلهم يشرقون بها نورا خالصا ، نتحقق بالنور الإلهي حين نكتسبه منهم فيكون لنا ملكا عظيما معهم من نور الكتاب والحكمة وتطبيقه ، فيكوّن نور حقيقة وجودنا الدائم حتى نعيم الخلد التام الذي لا ينغصه ملك الدنيا .

 ولقد قال الله تعالى :{ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54)

 فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ   وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55) }النساء .

فإنه لا يوجد بيت في الإسلام فضلا عن كل الناس بيت مطهر ومرفوع بنور ذكر الله يشرق بهداه بكل حال له كما عرفت ، وعنده معارف الكتاب والحكمة إلا بيت نبينا وآله الكرام ، وهم الذين حسدهم الناس لما عندهم من اختصاص بكرامة الله دون غيرهم من الناس ، فلذا عاداهم من عاداهم وصد عن معرفة نورهم من صد وعاند ، ولكن فاز من آمن بنور معرفتهم ومعارفهم فحصل على ملك الله الخالد العظيم من نور الكتاب والحكمة كما في الآيات الكريمة السابقة ، فتحقق به حتى كان كل وجوده ، ولذا يشرح هذا المعنى الإمام أبا عبد الله الحسين عليه السلام بما سننقل من قوله .

فإنه من تحقق بالإيمان بالله دخل عرصةالإسلام ، وتحقق بنوره من الحكمة ، فصار له ناصراً ومشرقاً به لا يهجره ولا يؤذي من يشرق به ، وقد عرفت شيء عن هذه المعرفة في المصباح السابق ، وإليك يا طيب ما قال :

الإمام أبا عبد الله الحسين عليه السلام ، عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

إن الله خلق الإسلام فجعل له عرصة ، و جعل له نورا .
 و جعل له حصنا ، و جعل له ناصرا .
 فأما عرصته فالقرآن ، و أما نوره فالحكمة .
 و أما حصنه فالمعروف .
 و أما أنصاره فأنا و أهل بيتي و شيعتنا .

فأحبوا أهل بيتي وشيعتهم وانصروهم ، إنه لما أسري بي إلى السماء فنسبني جبرائيل لأهل السماء ، واستودع الله حبي وحب أهل بيتي وشيعتهم في قلوب الملائكة ، فهو عندهم وديعة إلى يوم القيامة .

فهبط بي الأرض ونسبني لأهل الأرض ،واستودع الله حبي وحب أهل بيتي وشيعتهم في قلوب أهل الأرض ، فمؤمنو أمتي يحفظون وديعتي في أهل بيتي إلى يوم القيامة.

 فلو أن رجلا من أمتي عبد الله تعالى عدة أيام الدنيا ، ثم لقي الله عز و جل مبغضا لأهل بيتي و شيعتهم ما قدح الله قلبه إلا على النفاق[15] .

صدق الله ورسوله وآله الكرام : وبالخصوص ما عرفنا الإمام أبا عبد الله الحسين عليه السلام حين ظهر بالمعروف علما وتعليما وأمر به كآله الكرام ، وبالخصوص حين ضحى بكل شيء نفسه وولده وأخوته وماله وعياله وأنصاره في يومه المشهود ، بالإضافة لما عرفنا من المعارف العلمية بنور الإيمان في العقل فيستقر في القلب الطيب والوجود الطاهر من ظلام وظلم أعدائهم ، فعلمنا بفضل معروفه عليه السلام كيف تطلب معارف نور الله تعالى منهم ، فهم ورثة الكتاب والمطهرون مثله والراسخون بعلمه والعاملون به فكانوا الساكنون في عرصته حتى أشرق نور الحكمة منهم فحسدهم الناس فخسروا أنفسهم .

 ولذا كان الحسين وآله وشيعتهم وديعة الله ونور حكمته ، ولهم ملك الله العظيم من النور والإشراق به ، ولهم ملك الإيمان العظيم والإشراق به دنيا وآخرة ، ولذا كان شيعتهم منهم مقتبسون ممد نور وجودهم ومشرقون به ، فمن أصابهم من نورهم كان معهم في ملك الجنة ، فأنظر هذه الحديث مما ينقل عن ناصر لهم ومعرف كرامتهم عند الله ومجدهم الكريم وفضل الله عليهم .

فعن أبي أيوب الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

 لما خلق الله عز وجل الجنة خلقها من نور العرش ، ثم أخذ من ذلك النور فقذفه ، فأصابني ثلث النور ، و أصاب فاطمة ثلث النور ، و أصاب عليا و أهل بيته ثلث النور .

 فمن أصابه من ذلك النور اهتدى إلى ولاية آل محمد ،و من لم يصبه من ذلك النور ضل عن ولاية آل محمد[16] .

أقول : ستأتي في الأبواب الآتية وبالخصوص الجزء الثالث معارف عن مراتب تنزل النور ، وهذه مرتبة ما بعد العرش حتى نزوله لعالم الشهادة ، فمن عرف نور أهل البيت النبوي الطاهر المرفوع بنور ذكر الله وتعريف نور هداه فسار على نور هداه ، وآمن بأنهم هم الصادقون في الإشراق به ، تحقق بالنور فصار عنده منه نكتة في القلب ، فإن تتبع نور الله منهم وطلبه بعد الإيمان بهداهم الإلهي وإشراقهم به فظهر به تطبيقا ، تحقق بالنور وصار له مدد لوجوده ولعقله فسكن قلبه الإيمان وكان كله نور وكل محيطه نعيم نور .

ونسأل الله : أن يدخلنا عرصة النور ونتحقق بحكمته فنوده ونحبه بعد الإيمان به حتى نطبقه كله بما يحب ويرضى سبحانه ، وحتى ليجعلنا مع النبي وآله الكرام في محل المجد والشرف والعز منعمين بكل نور خص به أولياءه الكرام عنده ، إنه أرحم الراحمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .

 

 

ثالث الذكر : نور الإيمان يشتد ويزداد في المؤمن:

يا طيب : حسب طلب العلم والتوجه له بجد والظهور به عن إيمان يشتد نور الإنسان المؤمن الذي يقيم عبودية لله تعالى وفقه ، وإن للإيمان مراتب ودرجات ويزداد بحسب همة العبد في الظهور في معارف الله الخالصة التي يتعلمها من المشرقين بها نبينا وآله الكرام ، ولنعرف هذا نذكر الأحاديث الآتية :

 فأنظر أولاً الحديث التالي عن حفيد الإمام الحسين والإمام السادس عليه السلام بعد رسول الله:

فعَنْ الإمام أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الإمام جعفر الصادق عليه السلام قَالَ :

إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْراً نَكَتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةً مِنْ نُورٍ ،وَ فَتَحَ مَسَامِعَ قَلْبِهِ ، وَ وَكَّلَ بِهِ مَلَكاً يُسَدِّدُهُ.

وَ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ سُوءاً نَكَتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةً سَوْدَاءَ .

وَ سَدَّ مَسَامِعَ قَلْبِهِ ،وَ وَكَّلَ بِهِ شَيْطَاناً يُضِلُّهُ .

ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ : فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ ، وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ[17] .

وهذه النكت من النور تزداد وتنموا بما يكتسب من معارف الحق ونور الهدى المشرق من الحسين وآله الكرام الذين كرمهم الله بمدده ليظهروا به لعباده ، وإن كل من عرفهم حصل له الفهم والنور للقلب فيكون عنده وديعة إيمان ، فيشد به نور وجوده حين يأخذ منه ، ولكل إنسان شأنه في مقدار نوره ، وبحسب جده واجتهاده في طلبه يقتبس النور ويتحقق به أو مع الظهور به ونشره ونصره يكون له نور شديد مشرق ويترقى في مراتب النور حتى ليحف بالنبي وآله صلى الله عليهم وسلم فيكون منهم ومعهم كما عرفنا في الانتساب لهم .

وقد عرفت يا طيب : في النور الخامس من مصباح الباب هذا عن الإمام الحسين بيان لتنزل مراتب النور ومسيره في صراطه المستقيم ، وعرفت هنا كيف نتحقق به وذكرنا آيات كريمة تعرفنا مسيره ، وهذا شرح لما عرفنا من حفيد الإمام الحسين عليه السلام الإمام محمد الباقر .

في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله :

وَ لِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ..... الآية ، قال :

 أما من يسجد من أهل السماوات طوعا فالملائكة يسجدون طوعا ، و من يسجد من أهل الأرض فمن ولد في الإسلام فهو يسجد له طوعا .

و أما من يسجد له كرها فمن جبر على الإسلام ، و أما من لم يسجد فظله يسجد له بالغداة و العشي .

و قوله : هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى‏ وَ الْبَصِيرُ .

 يعني :المؤمن و الكافر .

أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ .

  أما الظلمات فالكفر  ،

و أما النور فهو الإيمان .

 و قوله : أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها .

يقول : الكبير على قدر كبره ، و الصغير على قدر صغره .

قوله : اللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً .

يقول : أنزل الحق من السماء فاحتملته القلوب بأهوائها .

ذو اليقين على قدر يقينه .

 و ذو الشك على قدر شكه ، فاحتمل الهوى باطلا كثيرا و جفاء .

فالماء : هو الحق ، و الأودية : هي القلوب ، و السيل : هو الهوى ، و الزبد : هو الباطل ، و الحلية و المتاع : هو الحق .

قال الله : كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَ الْباطِلَ ، فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً ، وَ أَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ .

فالزبد : و خبث الحلية هو الباطل ، و المتاع و الحلية : هو الحق .

من أصاب الزبد و خبث الحلية في الدنيا لم ينتفع به ، و كذلك صاحب الباطل يوم القيامة لا ينتفع به .

و أما الحلية و المتاع فهو الحق ، من أصاب الحلية و المتاع في الدنيا انتفع به ، و كذلك صاحب الحق يوم القيامة ينفعه .

كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ ، قوله : زَبَداً رابِياً : أي مرتفعا . وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ ، يعني ما يخرج من الماء من الجواهر .

و هو مثل : أي يثبت الحق في قلوب المؤمنين ، وفي قلوب الكفار لا يثبت فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً يعني يبطل ،وَ أَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ .  و هذا مثل المؤمنين و المشركين فقال الله عز وجل :

كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى‏ ـ إلى قوله :وَبِئْسَ الْمِهادُ .

فالمؤمن : إذا سمع الحديث ثبت في قلبه رجاء ربه و آمن به ، و هو مثل الماء الذي يبقى في الأرض فينبت النبات . و الذي لا ينتفع به يكون مثل الزبد ، الذي تضربه الرياح فيبطل ، قوله : وَبِئْسَ الْمِهادُ ، قال : يتمهدون في النار .

قوله : أُولُوا الْأَلْبابِ أي أولو العقول[18] .

وبهذا يا طيب : عرفنا أن المؤمن من يعرف الحق فيصدق به ويغترف من نوره فيحصل على مدد روحه من علمه ومعارفه حتى ليكون عاقل ويسكن نور الإيمان قلبه فينتفع به ، ولم يصم عنه فيخسر نوره ويظلم وجوده ، وهكذا يضرب الله تعالى الأمثال ، فإن من كفر وتبع أئمة الكفر وشهوات النفس والشيطان وطلب الدنيا بأي صورة محرمة وسار بأهواء ضلاله صار بالإضافة لوجوده كل ما يحيطه مظلم يحرقه أبعدنا الله عنهم ، ونتابع البحث في معرفة النور لمن طلبه فتحقق به وكان وادي قلبه كبير لاقتباس النور فكان من أهل البيت ومعهم يود النور ويتحقق به ، وهذا حديث آخر يعرفنا معارف قيمة عن ود النور وطلبه والتحقق به بحق عن أبي الحسين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام :

  أَحْمَدُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي الْحَارِثِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بِهَذِهِ الْخُطْبَةِ فَقَالَ :

الْحَمْدُ لِلَّهِ أَحْمَدُهُ وَأَسْتَعِينُهُوَ أَسْتَغْفِرُهُ وَأَسْتَهْدِي هِوَ ، أُومِنُ بِهِ وَ أَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ ،وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ، دَلِيلًا عَلَيْهِ وَدَاعِياً إِلَيْهِ .

فَهَدَمَ أَرْكَانَ الْكُفْرِ ، وَ أَنَارَ مَصَابِيحَ الْإِيمَانِ .

مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ : يَكُنْ سَبِيلُ الرَّشَادِ سَبِيلَهُ ، وَنُورُ التَّقْوَى دَلِيلَهُ .

 وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ : يُخْطِئِ السَّدَادَ كُلَّهُ ، وَ لَنْ يَضُرَّ إِلَّا نَفْسَهُ.

 أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ ، وَصِيَّةَ مَنْ نَاصَحَ وَمَوْعِظَةَ مَنْ أَبْلَغَ وَاجْتَهَدَ . أَمَّا بَعْدُ :

فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ الْإِسْلَامَ صِرَاطاً مُنِيرَ الْأَعْلامِ مُشْرِقَ الْمَنَارِ .

 فِيهِ تَأْتَلِفُ الْقُلُوبُ وَ عَلَيْهِ تَآخَى الْإِخْوَانُ .

وَالَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ مِنْ ذَلِكَ ثَابِتٌ وُدُّهُ وَ قَدِيمٌ عَهْدُهُ ، مَعْرِفَةٌ مِنْ كُلٍّ لِكُلٍّ لِجَمِيعِ الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ

يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَ لَكُمْ وَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ[19] .

فإن معارف الإسلام عند أهل البيت عليهم السلام لأن الله جعلهم مشرقون بها بفضله عليهم وعلينا ، وقد خصهم بالإشراق به علما وعملا وبكل حالا لهم ليلاً ونهاراً وغدوا وآصالاً ، كما عرفت في آيات النور وغيرها وبهذا عرفنا سبحانه ضرورة ودهم وطلبه بآية المودة وطاعتهم بآيات الولاية وغيرهن ، بل وبالاتصال بنورهم ووصلهم بالصلاة عليهم وطلب المزيد لهم من الله بالصلاة عليهم صلى الله على نبينا محمد وآله ، فيأتينا نور رحمة الله وبركاته مضاعفة كما ستعرف في الجزء الآتي إن شاء الله .

ونسألك اللهم : أن تنير وجودنا إيماناً خالصاً لك بكل ما أشرق به مصباح نبيك ونود طلب نوره من آله كما تحب وترضى من أئمة نور الهدى الصادق فنسير بصراط مستقيم لكل نعيم كرمتهم به سبحانك رب النور ، وأوصلنا لأعلى منازل الشهداء والصادقين حتى لنحف بنبي النور وآله الطيبين الطاهرين ولنا كل كرامة وعز ومجد وشرف خصصت به أولياء دينك وأحباءك إنك ولي النور ، وأنت الله لا إله إلا أنت منك التوفيق وأنت أرحم الراحمين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .

 

 

 

 

 

 

الذكر الرابع

نور العلم الذي يتكامل به العبد ويشتد نوره

 

ولكي نعرف إن الإنسان متحقق بنور العقل وإن نور فطرته يتكامل من غير نقص ، فلابد أن نعرف فيه مواصفات العقل ، وقد ذكرت في كتاب الكافي وبحار الأنوار وغيرهما تفاصيل أكثر مما ذكرنا لمعارف العقل ، وسيأتي بعض ذكر لجنود العقل المنير وجنود ظلمات الجهل .

ولكن عرفت إن أس العقل هو الإيمان بالله وطلب نور هدى الله الحق من مصدر إشراقه ، والتحقق بعلمه ثم الظهور به بكل وجودنا حين تطبيقه ، فمن تحقق بنور هدى الله الحق وأقام عبوديته بما يحب ويرضى ، ذلك الوقت يشتد نور وجود العبد في نفس روحه ، ويترقى في مراتب العقلاء في كماله وعلمه وعمله وفرحه وسروره بما قسم الله له , و حسب شأنه من نور الكرامة .

وهذه أحاديث تعرفنا مدد نور الإنسان العاقل : أي المؤمن الصادق الذي يطلب علمه مع الود والطاعة من المشرقين بنور هدى الله ، وهم نبينا وآله الطيبين الطاهرين صلى الله عليهم وسلم وممن سلك صراطهم المستقيم ، وأيضا نبدأ بمعارف النور من كلام الإمام الحسين عليه السلام في تعريف العلم الذي هو أس الإيمان ومظهر نوره بتطبيقه ، ثم نذكر أحاديث شريفه بعده تشرح كلامه من آله الكرام :

 

أول الذكر : الإمام الحسين يعرفنا مستقى نور العلم:

عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ : لَقِيَ رَجُلٌ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عليه السلام بِالثَّعْلَبِيَّةِ وَهُوَ يُرِيدُ كَرْبَلَاءَ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ.

 فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ عليه السلام : مِنْ أَيِّ الْبِلَادِ أَنْتَ ؟

قَالَ : مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ .

قَالَ عليه السلام : أَمَا وَ اللَّهِ يَا أَخَا أَهْلِ الْكُوفَةِ ، لَوْ لَقِيتُكَ بِالْمَدِينَةِ لَأَرَيْتُكَ أَثَرَ جَبْرَائِيلَ عليه السلام مِنْ دَارِنَا ، وَ نُزُولِهِ بِالْوَحْيِ عَلَى جَدِّي .

يَا أَخَا أَهْلِ الْكُوفَةِ :أَ فَمُسْتَقَى النَّاسِ الْعِلْمَ مِنْ عِنْدِنَا .

فَعَلِمُوا وَجَهِلْنَا ، هَذَا مَا لا يَكُونُ[20] .

فقد عرفنا : إن حقيقتنا هي الروح ونورها المسمى بالفطرة وإن أعلى مرتبة منها هو العقل الذي يتزود بالعلم الحق ، فيتنور حين يظهره بالطاعة وإقامة عبودية الله به ، وإذا كانت عبودية الله بدينه القيم الحق النازل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وبهذا عرّفنا الإمام الحسين عليه السلام بأن مستقى هذا العلم الإلهي الذي يعبد به الله منهم ، ولا يعقل غيرهم يكون اهتدى وسيد شباب أهل الجنة كان قد ضل ، وإن رجل البيت المنير بذكر الله وتعريف نور هداه بكل حال له وكل زمان يكون مظلم وغيره قد تنور ، ولكن قد غشوا المسلمين حين فتحوا البلاد بجيش أعده رسول الله حين استولوا عليه يوم السقيفة ، وبه فتحوا البلاد وعرفوهم غير آل البيت مشرقون بنور الهدى ، فأضلوهم حتى حاولوا أن يطفئوا نور الله بقتل الحسين وآله ، ومنعوا الناس من الاتصال بهم ومعرفة نور هدى الله الحق منهم ، ولكن بعد جهاد الحسين وآله توجه لنور الله من الأخيار والطيبين الباحثين بجد عن نور رب العالمين الكثير من الطالبين للنور.

وقد عرفت : في مصباح الباب تعريف الله تعالى لنور العلم الذي يهدي لعبودية الله تعالى وذكره بكثير من الآيات القرآنية الكريمة ، كآيات النور والبيوت المرفوعة بذكر الله وآيات النور النازل مع النبي ليحقق كل من يؤمن به ويتصل به فيعمل صالحاً حتى يكون كل محيطه نور ويخرج من الظلمات ، حتى قد عرفنا سبحانه إن كلامه في كتابه نور بتعليم رسول الله وهو نور وأهله أهل الذكر نور والراسخون بعلم الكتاب ومعارفه والهداة لنوره من الحكمة وكل ما يُعرف به الله ويُعبد فهو نور ، ولذا كان واجب إطاعة أولي الأمر وودهم  ، كما و يجب أن نتجنب عن ظلمات أئمة الظلال وأتباعهم ممن عادى أهل البيت ، وهكذا سلكنا في أنور المصباح السابق حتى عرفنا إن كل ما يطاع به الله به من علم الهدى وتطبيقه هو نور ، بل عرفنا مسيره فينا وصراطه المستقيم لنا بداء وعودا من أئمة الحق آل محمد صلى الله عليهم وسلم .

 ولآن إليك يا طيب : أحاديث شريف في معرفة العلم الذي يجب الإيمان به ويُحقق بالنور تعلمه وتعليمه وتطبيقه والظهور به ، وسعة النور وشدته وفضله في أحياء المؤمنين بالنور وجودا ومحيطا ، وعندما يكون علم من أهل نور معارف الدين البحتة ، أو علم تقني وخدمي يصب في خدمة الوصول لنور علم هدى الله ودينه القيم ، فيكون نور ، وإلا فيكون ظلام إذ خدم أصحاب الضلال إي علم كان مسمى باسم الدين وتعاليم الإسلام أو علم خدمي وتقني يخدم الباطل فهو ظلام ومحقق بالظلام . ولذا جاء إن العلم نور إذا كان من أهل النور ويصب في النفس منهم ويظهر بها بما عرفوه ، وبه تتحقق عبودية الله تعالى وطاعته بحق ، وبهذا يكون له فضل كبير عند الله في تعلمه وتعليمه ونشره فضلا عن التحقق به وإقامته عملا بإتيان معارفه وتطبيقها عن إيمان بها .

 

 

ثاني الذكر : سعة نور العلم وفضله :

فقد عرفنا أعلاه وبكل تعاليم الله في كتابه في المصباح السابق وبعده إن كل هدى الله ونوره يشرق من النبي وآله الكرام أئمة الحق وولاة نور الله ، وهذه أحاديث شريفة تبين نور العلم وأهميته وسعة نوره المنتشر في وجود الإنسان ومحيطه الواسع ، والرافع له لمحل الكرامة عند الله حتى ليكون أعظم الناس منزله وبه ملكه العظيم في الدنيا والآخرة ، وكما عرفت إن من أوتي الحكمة فقد أوتي خيراً كثيرا ، أو إن علم الكتاب وحكمته هو الملك العظيم لأوليائه لأنه به معرفة الله والحصول على حقيقة نوره حين العلم والعمل به ، وهذا حديث شريف عن أم الإمام الحسين فاطمة الزهراء عن أبيها السراج المنير رسول الله صلى الله عليهم وسلم ، تعرفنا فضل العلم وسعة نوره المنتشر بتعليمه وتعلمه:

قال الإمام الحسن العسكري عليه السلام : حضرت امرأة عند الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام فقالت : إن لي والدة ضعيفة وقد لبس عليها في أمر صلاتها شي‏ء ، وقد بعثتني إليك أسألك .

فأجابتها فاطمة عليها السلام عن ذلك ثم ثنت ، فأجابت ، ثم ثلثت فأجابت‏ إلى أن عشرت فأجابت ، ثم خجلت من الكثرة ، فقالت : لا أشق عليك يا بنت رسول الله .

 قالت فاطمة عليها السلام : هاتي و سلي عما بدا لك ، أ رأيت من اكترى يوما يصعد إلى سطح بحمل ثقيل ، و كرائه مائة ألف دينار أ يثقل عليه ؟

فقالت : لا . فقالت عليه السلام :

اكتريت أنا لكل مسألة بأكثر من مل‏ء ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤا فأحرى أن لا يثقل عليَّ ، سمعت أبي رسول الله‏ صلى الله عليه وآله وسلم يقول :

 إن علماء شيعتنا يحشرون ، فيخلع عليهم من خلع الكرامات على قدر كثرة علومهم ، و جدهم في إرشاد عباد الله .

 حتى يخلع على الواحد منهم ألف ألف خلعة من نــور .

 ثم ينادي منادي ربنا عز وجل أيها الكافلون لأيتام آل محمد ،الناعشون لهم عند انقطاعهم عن آبائهم الذين هم أئمتهم ، هؤلاء تلامذتكم و الأيتام الذين كفلتموهم و نعشتموهم ، فاخلعوا عليهم [كما خلعتموهم‏] خلع العلوم في الدنيا ، فيخلعون على كل واحد من أولئك الأيتام على قدر ما أخذوا عنهم من العلوم ، حتى أن فيهم يعني في الأيتام لمن يخلع عليه مائة ألف خلعة و كذلك يخلع هؤلاء الأيتام على من تعلم منهم .

 ثم إن الله تعالى يقول : أعيدوا على هؤلاء العلماء الكافلين للأيتام حتى تتموا لهم خلعهم و تضعفوها ، فيتم لهم ما كان لهم قبل أن يخلعوا عليهم ، و يضاعف لهم ، و كذلك من بمرتبتهم ممن يخلع عليه على مرتبتهم .

 و قالت فاطمة عليها السلام : يا أمة الله إن سلكا من تلك الخلع لأفضل مما طلعت عليه الشمس ألف ألف مرة ، و ما فضل فإنه مشوب بالتنغيص و الكدر[21] .

ولذا كان فضل العلم المنور للإنسان معارف الإيمان وكل ما يطاع به الرحمان ، كثير وكبير في سعته جدا وخلع النور تحقق الوجود أو المحيط للعالم وللمعلم وللمتعلم وهي بالملايين للبعض فضلا عن الآلف من المدن والمقامات كما سترى ، لأن قدرة الله مطلقه ورزقه واسع وفضله عام يشمل كل من يتوجه له بحق ويجد في طلبه وتعليمه ، فيتحقق بالنور الدائم كل من يسعى لطلبه من مصدر إشراقه ، وكفي لهذه المعرفة التدبر في الحديث السابق ، وهذا حديث عن أبي الحسين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام يذكر فيه أهمية العلم وشرفه ومنزلته عند الله وآثاره الكريمة قال :

 تعلموا العلم : فإن تعلمه حسنة ، و مدارسته تسبيح ، و البحث عنه جهاد ، و تعليمه لمن لا يعلمه صدقة .

 و هو عند الله لأهله قربة ، لأنه معالم الحلال و الحرام ، و سالك بطالبه سبيل الجنة ، و هو أنيس في الوحشة ، و صاحب في الوحدة ، و سلاح على الأعداء ، و زين الأخلاء .

 يرفع الله به أقواما يجعلهم في الخير أئمة يقتدى بهم ، ترمق أعمالهم ، و تقتبس آثارهم ، و ترغب الملائكة في خلتهم ، يمسحونهم بأجنحتهم في صلاتهم.

 لأن العلم : حياة القلوب ، و نور الأبصار من العمى ، و قوة الأبدان من الضعف ، ينزل الله حامله منازل الأبرار ، و يمنحه مجالسة الأخيار في الدنيا و الآخرة .

بالعلم : يطاع الله و يعبد ، و بالعلم يعرف الله و يوحد ، بالعلم توصل الأرحام ، و به يعرف الحلال و الحرام .

و العلم : إمام العقل ، و العقل تابعه ، يلهمه الله السعداء ، و يحرمه الأشقياء[22] .

وبهذا نعرف إن نور الأبصار أي نور هدى يصل للعقل فيمده بالنور ، وقد عرفت إن حقيقة الإنسان روحه ، ويعبر عن أعلى مرتبه فيه بالعقل لأنه هو الكاسب لنور العلم ومُظهره على الجوارح إن تعقله فأمن به بفهم له وظهر به لكل مراتب الروح وجوارح البدن الذي تديره فيكون كل سلوكا وسيرة وقولا وعملا للإنسان نورا فيحقق كل محيطه بالنور فضلا عن وجوده وترقيه في مراتب النور ، كما قد يعبر عن روح الإنسان الفاهمة القلب لأنه أو متأثر بالعلم وعليه يظهر خفقانه أو آثار الخشية والمحبة وغيرها ، وكذا يعبر عن الهدى نور البصير أو البصر ، لأنه  فيه معنى رؤية الحق والتحقق به ، وبهذا يطاع الله ويقام عبوديته بذكره الحق حسب ما يحب ويرضى ، فيكون الإنسان قد أتصل بنوره وحصل على مدد نوره لروحه في أعلى مراتبها في العقل وظهر بآثار النور ، وبهذا يتحقق بنور الهدى الحق السعداء ، ويحرمه الأشقياء فيظلم وجود الإنسان .

وإن الحديث : يعرفنا في كل فقره منه إن أسها هو العلم الحق وله فضله عليها ، ولذا كان العلم تسبيح وتقديس وعبادة وصدقه وجهاد وطاعة وكل ما ذكر في فقراتها ، حتى كان الأئمة المشرقون بنور الله أئمة بالعلم ، و نور العلم يشرق منهم فيتحقق به من يطلبه منهم ومن تولاهم وودهم بحق صادق ، فراجع الحديث الشريف وعظمة العلم وشأنه في كل ما يطاع به الله تعالى تعرف :

عن الإمام الحسين عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام ، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول :

طلب العلم فريضة على كل مسلم ،

فاطلبوا العلم من مظانه، و اقتبسوه من أهله ،

فإن تعليمه لله حسنة ، و طلبه عبادة ، و المذاكرة فيه تسبيح ، و العمل به جهاد ، و تعليمه من لا يعلمه صدقة ، وبذله لأهله قربة إلى الله تعالى ،

لأنه : معالم الحلال و الحرام :

 و منار سبيل الجنة ، و المؤنس في الوحشة ، و الصاحب في الغربة و الوحدة ، و المحدث في الخلوة ، و الدليل على السراء و الضراء ، و السلاح على الأعداء ، و الزين عند الأخلاء ، يرفع الله به أقواما و يجعلهم في الخير قادة[23].

فالعلم الذي له هذه الموصفات الكريمة يجب أن يطلب من القادة وأهله حتى يكون منير هنا وفي الجنة للوجود ولكل محيط العبد المتحققبه ، فهو كل العبادات وما يطاع به الله وله الفضل عليها عملا ، لأنه لا عملا مقبولا بدون العلم الحق والهدى الواقعي المنير للوجود ، وبالعلم يكون العمل صالحا وله نورا .

و عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

من أعان طالب العلم فقد أحب الأنبياء و كان معهم ، و من أبغض طالب العلم فقد أبغض الأنبياء فجزاؤه جهنم .

و إن لطالب العلم شفاعة كشفاعة الأنبياء ، و له في جنة الفردوس ألف قصر من ذهب و في جنة الخلد مائة ألف مدينة من نور ، و في جنة المأوى ثمانون درجة من ياقوتة حمراء .

و له بكل درهم أنفقه في طلب العلم حورا بعدد النجوم و عدد الملائكة .

من صافح طالب العلم حرم الله جسده على النار ، و إن طالب العلم إذا مات غفر الله له و لمن حضر جنازته [24].

فضل العلم كثير وكبير فإن مدينة النور نورها واسع لا يحد بالوصف ، وبالخصوص في عالم الكرامة والمجد الإلهي لأوليائه الذين حب أن يكرمهم بفضله ، فإن التمثيل بالألف والأكثر هو لبيان سعة نور المؤمن وفضل العلم الذي عنده حين تعلمه وتعليمه ، ومثله جاء :

في مشكاة الأنوار جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال :

يا رسول الله إذا حضر جنازة و حضر مجلس عالم أيهما أحب إليك أن أشهد ؟

فقال صلى الله عليه وآله وسلم : إن كان للجنازة من يتبعها و يدفنها ، فإن حضور مجلس عالم أفضل من حضور ألف جنازة ، و من عيادة ألف مريض ، و من قيام ألف ليلة ، و من صيام ألف يوم ، و من ألف درهم يتصدق بها على المساكين ، و من ألف حجة سوى الفريضة ، و من ألف غزوة سوى الواجب تغزوها في سبيل الله بمالك و بنفسك .

و أين تقع هذه المشاهد من مشهد عالم .

أ ما علمت : أن الله يطاع بالعلم ، و يعبد بالعلم ، و خيرة الدنيا و الآخرة مع العلم ، و شر الدنيا و الآخرة مع الجهل .

أ لا أخبركم : عن أقوام ليسوا بأنبياء و لا شهداء ، يغبطهم الناس يوم القيامة بمنازلهم من الله عز و جل :

على منابر من نور .      قيل : من هم يا رسول الله .

قال : هم الذين يحببون عباد الله إلى الله ، و يحببون الله إلى عباده .

قلنا : هذا حببوا الله إلى عباده ، فكيف يحببون عباد الله إلى الله ؟

قال صلى الله عليه وآله وسلم : يأمرونهم بما يحب الله ، و ينهونهم عما يكره الله ، فإذا أطاعوهم ، أحبهم الله[25] .

فإن كل شيء للمؤمن المتعلم للعلم الحق نور ، لأنه أقام به عبودية الله سبحانه وتعالى ، فأمده الله بالنور الدائم ، وهذا ذكر يعرفنا إن العلم هو ما يطاع الله ويعبد ، يكون له ما عرفت من مدن النور ومنابر النور ويحقق الوجود المؤمن بالله وبكل ما أوجب من معارف النور من أئمة النور ، فتدبر الذكر الآتي لأنه روح العلم معه وهو نوره بعد الإيمان به وتعلمه من أهله .

 

ثالث الذكر : بنور العلم تقام عبودية الله ونتنور :

يا طيب : هذا أحاديث شريفة أخرى تعرفنا بأن العلم نور يدخل وجود الإنسان في أهم مراتب وجوده ، سواء عقله أو قلبه المتأثر به والمؤثر على كل جوارحه المظهر لمكنونه وحقيقته النورانية ، لأنه به تقام عبودية الله الخالصة لوجهه الكريم بما يحب ويرضى سبحانه ، فقد قال الإمام الصادق عليه السلام :

 العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء[26] .

وقال الصادق عليه السلام : ليس العلم بكثرة التعلم و إنما هو نور يقذفه الله تعالى في قلب من يريد الله أن يهديه .

و بهذا يُعلم أن العلم ليس هو مجرد استحضار المعلومات الخاصة ، و إن كانت هي العلم في العرف العامي ، و إنما هو النور المذكور الناشئ من ذلك العلم الموجب للبصيرة و الخشية لله تعالى كما تقدم تقريره[27].

وفي وصية الخضر لموسى عليهم السلام قال : يا موسى تعلم ما تعلم لتعمل به و لا تعلم لتحدث به ، فيكون عليك بوره ويكون على غيرك نوره [28].

وإن فضل العلم في القرآن المجيد وتعاليم الله سبحانه في كتابه وهدى نبيه ومعارف أله الكرام لكثير الذكر ، وهو نور يقذفه الله في قلب من يشاء أن يقيم عبوديته وطاعته بما يحب ويرضى ، وقد خصص في فضله وآداب طلبه الشهيد الثاني كتاب منية المريد ، وفي البحار خصص الجزء الأول والثاني في فضله ومعارفه ، ونذكر منه ما نقل المجلسي رحمه الله عن بعض المحققين :

يعرفنا كيف يعانق العلم العبادة حتى ليكون هو هي وهي هو ، وإن ذكر الله بحق وعبادته ، يكون عن علم بشأنه الكريم الذي لا يحاط به علم، فيخضع البدن لنور عظمته ويخشع القلب لنور فضله ويخشى اللب حرمانه:

اعلم : أن العلم و العبادة جوهران لأجلهما كان كلما ترى و تسمع من تصنيف المصنفين و تعليم المعلمين و وعظ الواعظين و نظر الناظرين .

بل لأجلهما أنزلت الكتب و أرسلت الرسل ، بل لأجلهما خلقت السماوات و الأرض و ما فيهما من الخلق ، و ناهيك لشرف العلم قول الله عز و جل : اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ وَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عِلْماً .

و لشرف العبادة قوله سبحانه : وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ فحق للعبد أن لا يشتغل إلا بهما و لا يتعب إلا لهما .

و أشرف الجوهرين العلم كما ورد فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم . و المراد بالعلم الدين أعني معرفة الله سبحانه و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر ، قال الله عز و جل : آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَ الْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ . و قال تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ الْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى‏ رَسُولِهِ وَ الْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَ مَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً.

و مرجع الإيمان إلى العلم و ذلك لأن الإيمان هو التصديق بالشيء على ما هو عليه ، و لامحالة هو مستلزم لتصور ذلك الشيء كذلك بحسب الطاقة ، و هما معنى العلم ، و الكفر ما يقابله و هو بمعنى الستر و الغطاء و مرجعه إلى الجهل ، و قد خص الإيمان في الشرع بالتصديق بهذه الخمسة و لو إجمالا فالعلم بها لا بد منه و إليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وآله وسلم :

 طلب العلم فريضة على كل مسلم و مسلمة .

 و لكن لكل إنسان بحسب طاقته و وسعه لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها.

فإن للعلم و الإيمان : درجات مترتبة في القوة و الضعف ، و الزيادة و النقصان ، بعضها فوق بعض ، كما دلت عليه الأخبار الكثيرة.

و ذلك لأن الإيمان : إنما يكون بقدر العلم الذي به حياة القلب ، وهو نور يحصل في القلب بسبب ارتفاع الحجاب بينه و بين الله جل جلاله : اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ ، أَوَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها ، و ليس العلم بكثرة التعلم إنما هو نور يقذفه الله في قلب من يريد أن يهديه.

و هذا النور : قابل للقوة و الضعف ، و الاشتداد و النقص ، كسائر الأنوار : وَ إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً   ، وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً .   كلما ارتفع حجاب ازداد نور ، فيقوى الإيمان ، و يتكامل إلى أن ينبسط نور فينشرح صدره و يطلع على حقائق الأشياء ، و تجلى له الغيوب و يعرف كل شي‏ء في موضعه فيظهر له[29] .

وإذا عرفنا : إن الإيمان يزداد حسب طلب مدده ويشتد حسب التوجه لمعارفه التي يعبد بها الله ، وبه يكون سعة نور الإنسان في نفسه ومحيطه ، نذكر بحث شريف ، يعرفنا فضل أئمة الحق وكل مؤمن يسعى لأن يحقق عباد الله تعالى بنور هداه الحق والإيمان بمعارفه التي يشرق بها الصادقون لنعرف شأن كبير لنا به حياتنا الكريمة في النور ومجدنا وشرفنا إن شاء الله .

 

رابع الذكر: نور الحياة الخالد للحسين وآله وأنصارهم:

كما إن العلم : نور الحياة وحقيقة وجود الشيء وبالخصوص الإنسان في نفسه وروحه ومحيطه في كل ملكه دنيا وآخرة ، فإن عدم العلم والجهل هو قطع مدد النور ويوصل للكفر فيكون الإنسان مظلم ، وهكذا كل من لم يجد في طلب هدى الله يكون مظلم عند الله وفي حقيقته ، كما إن الحياة للروح العاقلة تكون بنور العلم بالهدى الإلهي الحق الذي تقام به عبوديته وطاعته ، ولذا قال تعالى كما عرفت : { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} الأنعام122 ..

وهذه أحاديث شريفة : نعرف بها كيف يهب لنا الإمام الحسين وجده بتعليمه وجهاده نور الحياة ، في كل شيء له سواء في تعليم معارفهم أو تعلمها أو تطبيقها ، أو الإذعان لها ، وبالخصوص إظهار ودهم وحبهم علما وعملا ، وبها نعرف إن معارف الهدى الإلهي التي سنذكرها في الباب الآتي لابد أن يكون سبيلها من نور الحسين وآله الكرام حتى تكون محقق بالنور حين الظهور بها طاعة لله تعالى خالصة لوجهه الكريم ، لا كل ما يقال علم وهدى وليس له حقيقة النور بل مسمى باسم النور وله مظهره فقط دون حقيقته :

فعن السكوني عن أبي عبد الله عن آبائه عن علي عليهم السلام قال :

 إن على كل حق حقيقة ، وعلى كل صواب نورا .

فما وافق كتاب الله فخذوا به و ما خالف كتاب الله فدعوه [30].

ولمثل هذا العلم : الذي يستقى من أهل الذكر والراسخون بمحكم الكتاب ومتشابه ، والناطقون بالحق والصواب في كل حال لهم من تعريف دين الله القويم ، والمنيرين بمعارفه يكون كل حرف يُنطق أو يكتب أو يُعلم أو يُعمل به نور يوم القيامة لصاحبه المتعلم منهم والظاهر به كتابة أو تطبيقا .

فعن أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري رحمه الله قال :

عرضت على أبي محمد صاحب العسكر عليه السلام كتاب يوم وليلة ليونس . فقال لي : تصنيف من هذا ؟ فقلت : تصنيف يونس مولى آل يقطين .

 فقال أعطاه الله بكل حرف نورا يوم القيامة [31].

فإنه كتاب : فيه من معارف النور الحق عن الناطقين به عن صواب من آل الإمام الحسن العسكري الكرام ، فإن العلم الحق هو النور الذي يمد الوجود الروحي للإنسان بنور الإيمان ومعارفه التي تقام بها عبودية الله تعالى بكل تعاليمه.

 ولذا كان فضل العلم وتعليم الجاهل عظيم : فإن العلم الحق نور به تستمد الروح نورها ويظهر بجودها ومملكتها فتحيى بنور العلم الحق ، ومنه تعرف شأن الإمام الحسين وذكره ومجالسه التي ترينا الحق وبه تعرف سر تمجيده بذكر نوره في كل زمان ومكان ، والذي تنشر به معارف الله ودينه القيم في كل مجلس ذكر له وفي زيارته وفي إظهار وده ومعرفته عند كل الأخيار والطيبين ، فيكتسبوا منه نور حياتهم ومدد نور علوم عقلوهم وقلوبهم التي تهفوا لذكر الحسين وتصر على تمجيده ، فتقتبس من نور الله المشرق منه ومن آله الكرام بكل حال لهم  ، ونبدأ بحديث آخر شريف عن الإمام الحسين عليه السلام ، يُعرفنا فضل تعليم الجاهل ومن أضله الناس وأئمة الكفر فيخرجه لنور الله وهداه الحق :

قال الإمام الحسين بن علي عليه السلام لرجل :

أيهما أحب إليك : رجل يروم قتل مسكين قد ضعف تنقذه من يده .

 أو ناصب يريد إضلال مسكين مؤمن‏ من ضعفاء شيعتنا تفتح عليه ما يمتنع المسكين‏ به منه ويفحمه ويكسره بحجج الله تعالى ؟

قال : بل إنقاذ هذا المسكين المؤمن من يد هذا الناصب .

 إن الله تعالى يقول : وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً : أي‏ و من أحياها و أرشدها من كفر إلى إيمان ، فكأنما أحيا الناس جميعا من قبل أن يقتلهم بسيوف الحديد [32].

وهداية الإنسان للإيمان بالهدى الحق والدين القيم وإقامته هو نور وجود الإنسان وحقيقة تكوينه ، ولذا كان على من علم أن يعمل كما عرفت عن الإمام الحسين في الربط بين العلم والعمل في الذكر السابق لأسس الإيمان ، وإلا من لم يظهر علمه الحق وبالخصوص حين ظهور البدع يسلب منه نور الإيمان كما في عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي حَدِيثٍ قَالَ رُوِّينَا عَنِ الصَّادِقِينَ عليهم السلام أَنَّهُمْ قَالُوا : إِذَا ظَهَرَتِ الْبِدَعُ فَعَلَى الْعَالِمِ أَنْ يُظْهِرَ عِلْمَهُ

فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ سُلِبَ نُورَ الْإِيمَانِ  [33].

وعن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى : ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا . قال : لم يقتلها أو أنجاها من غرق ، أو حرق ، أو أعظم من ذلك كله يخرجها من ضلالة إلى هدى[34] .

وعن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام :

لحب الدنيا صمت الأسماع عن سماع الحكمة ، و عميت القلوب عن نور البصيرة[35] .

ولهذا بعد أن أصم حب الدنيا أسماع أهلها عن طلب الحكمة ونور معارف الله من أهلها ، وعميت حقيقة كثير من الناس فضلوا عن نور الله وصراطه المستقيم عند المنعم عليهم ، حتى قد حاربوا جد الحسين وأبيه وأخيه ، فعمي عن الهدى الحق أغلب الناس ولم يقم دين الله ، ولذا قيل إن الناس على دين ملوكهم لأنهم تبع للعلم الذي يجب على كل الملوك فضلا عن الناس التحقق به ، ولكن الناس كانوا بحق على دين ملوكهم لأنهم بيدهم سلطة الوعظ والتعريف ، فحرموهم معرفة الهدى الحق الذي ينير الوجود المؤمن ، ولذا بعد تحقق كثير من الناس بالظلام وتبع الناس المعاندين لآل محمد ، أقدم عليه السلام يهب الحياة لعباد الله فيعرفهم شأنه الكريم ونوره الواجب الاقتباس منه ، وهذا ما أوجبه عليه نور الهدى الحق الذي أقدمه للتضحية بكل شيء من أجل الظهور بنور الإيمان الساطع والواسع في يوم الملحمة الكبرى لتضحيته الكريمة بكل شيء من نفسه وآله وماله ، حتى أشرق منه بحق نور معرف لنور الإيمان بما لا مجال لإنكاره ، وهو الكاشف لأهل الظلام المعاندين لهم بما لا يسع أحد منصف قبول ضلالهم وظلامهم في قتله وسبي حريم رسول الله السراج المنير وآله الكرام ، ولهذا المعنى كان عليه أن يظهر علمه ولذا قال الإمام الحسين عليه السلام :

( إن هذه الدنيا :  قد تغيرت وتنكرت ، وأدبر معروفها ، فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء ، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل  . ألا ترون أن الحق لا يعمل به . وأن الباطل لا يُنتهى  عنه .  ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً .

 فإني لا أرى الموت إلا الحياة ، ولا الحياة مع الظالمين إلا برما .

 إن الناس : عبيد الدنيا ، والدين لعق على ألسنتهم .

يحوطونه ما درت معايشهم . فإذا محصوا بالبلاء  قل الديانون  )[36]

ولكن الناس كانوا قد صموا عن الحكمة وطلبها لحب الدنيا وما كان يعدهم الحكام من زخارفها وملكها ولو بالظلم والحرام وبغير حق ، فنسوا الله ونوره الواجب التحقق به لكي يبقى دائما لهم ، فأقدم هذا الجيش الجرار وهم يسمون أنفسهم مسلمين قد سلموا أنفسهم لأئمة الضلال والظلام زورا وبهتانا بدل التحقق بنور هدى الله ، فأقدموا بجمعهم على قتل المشرفون بنور هدى الله  ، وسترى ما لهم من العذاب الأليم لأنه من قتل نفس سوءا قتل بدني بغير حق أو أضلها بمنع نورها وما يجب أن يكون لها من دوام بقاءها بما تستحقه من الفرح والسرور ونور الجنة ، فكأنما قتل الناس جميعا وله عذاب دائم في نار مظلمة ، فيكف بمن قتل الإمام الحسين عليه السلام وآله أنظر الحديث الآتي :

عن أبي سعيد الخدري قال : وجد قتيل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : فخرج صلى الله عليه وآله وسلم مغضبا حتى رقى المنبر فحمد الله و أثنى عليه ، ثم قال :

 يقتل رجل من المسلمين لا يدرى من قتله ، و الذي نفسي بيده لو أن أهل السماوات و الأرض اجتمعوا على قتل مؤمن ، أو رضوا به ؛ لأدخلهم الله في النار ، و الذي نفسي بيده لا يجلد أحد أحدا ظلما ، إلا جلد غدا في نار جهنم مثله . و الذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أكبه الله على وجهه في نار جهنم [37].

فإنه لحب الدنيا حورب الحسين وآله ، وإن الحكام خدعوهم عن نور الله المشرق من الحسين وآله بفضله عليهم ومدده لهم ، فحاربوهم بكل سبيل سواء قتل بالسيوف أو المنع من ذكرهم وحرف الناس عنهم ، أو تبرير فعل أعدائهم فضلوا عن النور فسلب منهم روح الإيمان من العلم الحق ونوره المشرق من آله الكرام لأنهم رفضوهم ، وبقي الحسين وأنصاره في إيصال سبب نور الكرامة من الله لهم ولشيعتهم في يوم القيامة بل من الآن ، فإنه جاء عن أبي جبير عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

 يمثل لفاطمة رأس الحسين متشحطا بدمه ، فتصيح : وا ولداه ، وا ثمرة فؤاداه ، فتصيح الملائكة لصيحة فاطمة عليها السلام ، و ينادون أهل القيامة : قتل الله قاتل ولدك يا فاطمة .

قال فيقول الله عز و جل : أفعل به و لشيعته و أحبائه و أتباعه ، و إن فاطمة في ذلك اليوم على ناقة من نوق الجنة مدبجة الجبينين ، واضحة الخدين ، شهلاء العينين ، رأسها من الذهب المصفى ، و أعناقها من المسك و العنبر ، خطامها من الزبرجد الأخضر ، رحائلها مفضضة بالجوهر .

على الناقة هودج غشاوته من نور الله ، و حشوها من رحمة الله ،خطامها فرسخ من فراسخ الدنيا ، يحف بهودجها سبعون ألف ملك بالتسبيح و التمجيد و التهليل و التكبير و الثناء على رب العالمين .

ثم ينادي مناد من بطنان العرش : يا أهل القيامة غضوا أبصاركم ، فهذه فاطمة بنت محمد رسول الله تمر على الصراط .

 فتمر فاطمة عليه السلام ، و شيعتها على الصراط كالبرق الخاطف .

قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : و يلقى أعداؤها و أعداء ذريتها في جهنم[38] .

وقد عرفت تعريفها للعلم وفضل العلماء ونور معارفهم الحقة ، وهذا شأن من يقتبس نور الله منها ويسير على منهجها الذي عرفه الحسين بل الله ورسوله من قبل ، والذي هو منهج الله المنزل على رسوله ليعبد به سبحانه والذي خص به أبيها وزوجها وولدها وشيعتهم ممن تبعهم ، فإنه من صراطهم المستقيم يحصل عباد الله على مدد نورهم ، و بأي عمل أقاموا به من ود أهل النور أو الإقرار بطاعتهم أو تعلم نور هداهم أو الظهور به ، ولذا كان أنصار الحسين وزواره في مرقده الذين يقرون له بالطاعة في أعلى مراتب الكرامة عند الله ، سواء في الجنة كما عرفت ، أو يوم القيامة ، فعن العلا عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : لو يعلم الناس ما في زيارة الحسين من الفضل لماتوا شوقا وتقطعت أنفسهم عليه حسرات . قلت : وما فيه ؟

 قال : من أتاه تشوقا كتب الله له ألف حجة متقبلة ، وألف عمرة مبرورة ، وأجر ألف شهيد من شهداء بدر ، وأجر ألف صائم ، وثواب ألف صدقة مقبولة ، وثواب ألف نسمة أريد بها وجه الله ، ولم يزل محفوظا سنته من كل آفة أهونها الشيطان ، ووكل به ملك كريم يحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوق رأسه ومن تحت قدمه .  فان مات سنته حضرته ملائكة الرحمة يحضرون غسله وأكفانه والاستغفار  له ويشيعونه إلى قبره بالاستغفار له ، ويفسح له في قبره مد بصره ، ويؤمنه الله من ضغطة القبر ومن منكر ونكير أن يروعانه . ويفتح له باب إلى الجنة ، و يعطى كتابه بيمينه .

 ويعطى يوم القيامة نوراُ

 يضئ لنوره ما بين المشرق والمغرب .

وينادي مناد : هذا من زوار قبر الحسين بن علي شوقا إليه ، فلا يبقى أحد في القيامة إلا تمنى يومئذ أنه كان من زوار الحسين بن علي عليهما السلام[39].

وما  أعطي الحسين وآله هذه المنزلة ولمن عرف الله من سبيلهم بكل ما أحب من الهدى ، إلا لأنهم ظهروا بخالص معارف الله وما تقام به عبوديته بما يحب ويرضى ، وبعلم يعطي الخشية من الله والتوجه له من المؤمن بمنهج الحسين وآله الكرام ولذا جاء بالأثر عن الإمام الحسين بن علي عليهم السلام قال :

سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول : الملوك حكام على الناس ، و العلم حاكم عليهم ، و حسبك من العلم أن تخشى الله ، و حسبك من الجهل أن تعجب بعلمك[40].

وبعد إن عرفنا نور العلم بصورة عامة ، وكيف عرفنا الإمام الحسين العلم الحق وسبيله وشأنه ، حتى كان كل شيء ظهر به يوجهنا لمعرفة الله وخشيته وطلب نوره ، نذكر في الباب الآتي بعض أحاديث التي تنورنا وتعرفنا تفصيل النور وسعته في كل علم ومعرفة وتطبيق بحسب شأنه ، سواء نور الذكر والدعاء والصلاة والعبادة بصورة عامة ، أو نور الأخلاق والمعاملات ، وهو تفصيل لنور العلم والظهور به بتطبيقه لكل ظهور بحسب أهميته وشأنه يحققنا بالنور . ونسأل الله : أن يحققنا بالنور في كل وجودنا علما خالصا في هدى الحق الذي يحب أن يعبد به ويطاع بكل حدوده ، وكما ظهر به نبي الرحمة جد الحسين وآله الكرام صلى الله عليهم وسلم عملا وتطبيقا وسيرة وسلوكنا ونشرا وتبليغا ، إنه ارحم الراحم ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .



[1]الاحتجاج ج2ص494.

[2] البلد الأمين ص 406 دعاء الجوشن الكبير وأنظر مفاتيح الجنان .

[3] بحار الأنوار ج88ص174.عن جمال ‏الأسبوع ص251 الفصل الثامن والعشرون .

[4] المصباح‏ للكفعمي ص308 الفصل الحادي والثلاثون ،الدعاء الثاني والأربعون .

[5] بحار الأنوار ج74ص300ب 14ح6 .

[6] الخصال ج2ص427 باب إن الله تبارك و تعالى قوى العقل بعشر حديث4  ،والأمالي‏ للطوسي ص 541 مجلس19حديث 1164-3 . 

[7] علل‏ الشرائع ج1ص103ب91ح2.

[8] الكافي ج2ص71باب الخوف والرجاء حديث13 .

[9]الكافي ج1ص15ح12.

[10]  بحار الأنوار ج1ص105باب 3 - احتجاج الله تعالى على الناس بالعقل و أنه يحاسبهم على قدر عقولهم  ، حديث 1 ، عن الاحتجاج .

[11]الأمالي‏ للمفيد ص 275 ح2 .

[12]  الأمالي‏ للصدوق ص : 268ح15 .

[13]أمالي الطوسي ص449ح 1004-10 .

[14]الأمالي ‏للمفيد ص43 المجلس السادس الحديث 2 .

[15]الكافي ج2ص46باب نسبة الإسلام ح3. وبشارة المصطفى ص157.

[16]الخصال ج1ص187 ذكر النور الذي جعل ثلاثة أثلاث ح258 .

[17]الكافي ج1ص166باب الهداية أنها من الله عز وجل ح2 .

[18]بحار الأنوار ج9ص216باب 1 ، تفسير القمي : ص 338 - 340 .

[19]الكافي ج5ص371 باب خطب النكاح حديث 3 .

[20]الكافي ج1ص398باب أن مستقى العلم من بيت آل محمد عليهم السلام ح 2 .

[21]تفسير الإمام ‏العسكري ص216ح340 .

[22]الأمالي ‏للصدوق ص615 المجلس التسعون ح1.والخصال ج2ص522    في العلم تسع و عشرون خصلة حديث 12 .

[23]الأمالي‏ للطوسي ص569 مجلس 22 حديث  1176- 2 .

[24]إرشاد القلوب ج1 ص164ب 49 .

[25]بحار الأنوار ج79ص169 ب20ح5 .

[26]مصباح ‏الشريعة ص16 .

[27]منية  المريد  167  الخامس أن يكون عفيف النفس .

[28]بحار الأنوار ج1ص227ح18.

[29]بحار الأنوار ج67ص139ب52 اليقين و الصبر على الشدائد .

[30]المحاسن ج1ص226ب14ح150 .

[31]رجال ‏النجاشي ص447رقم 1208يونس بن عبد الرحمن .

[32]تفسير الإمام ‏العسكري ص 342ح231 .

[33]وسائل ‏الشيعة ج16ص271ب40ح21546 عن العيون.

[34]بحار الأنوار ج2ص21ب8ح60.

[35]غرر الحكم ص65 ح 858.

[36]التحف ص 245 ، بحار الأنوار ج78ص116ب20ح2.

[37]الأمالي‏ للمفيد 216ح3 .

[38]ثواب‏ الأعمال ص219 .

[39]كامل الزيارات ص 142 .  بحار الأنوار ج101ص18ب3ح1.

[40]الأمالي ‏للطوسي ص : 77 م 78ح 47 .

الهي بالحسين وجده وأبيه وأمه وأخيه والمعصومين من بنيه اجعلني وكل ناشر لهداهم وقراءه ومطبقيه من الموالين والمحبين لهم بحق ومن أصحابهم وأنصارهم الطيبين الخيرين الطاهرين ومحققين بكل نور هدى ونعيم خصصتهم به إنك أرحم الراحمين
أخوكم في نور الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موقع موسوعة صحف الطيبين

إلى أعلى مقام لهذه الصفحة نورك الله بنور الإمام وآله الكرام


تفضل يا طيب إلى الفهرس العام خلصك الله  من أئمة الظلام