رسالة الحقوق للإمام

زين العابدين علي بن الحسين

عليه السلام

المحتويات

رسالة الحقوق للإمام 1

زين العابدين علي بن الحسين. 1

اعلم رحمك الله : 3

فأما حق الله الأكبر : 5

و أما حق نفسك عليك : 5

ثم حقوق الأفعال : 9

ثم حقوق الأئمة : 12

ثم حقوق الرعية : 14

عناوين مفيدة : 36

 

 


 

 

يا طيبين : تجد أفضل الحكم وأعلى كلمات الأخلاق ، وأحسن أسلوب وأكرم منطق ومفهوم ، و بليغا متقنا لتعريف الآداب ، في رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين عليه السلام ، وقد ذكرناها في صحيفة الطيبين بدل الأبرار والمقربين من موسوعة الطيبين ، ومعها كثير من التعاليم الإنسانية وصفات المؤمنين وما يجب أو يستحب عليهم في الآداب والأخلاق والعبودية ، وتجدها في كثير من المصادر ونقلناها من كتاب تحف ‏العقول ، ولم يرقم الحقوق ، فرقمناه بعد كل حق ، وأسأل الله التوفيق لي ولكم ، فذكر رحمه الله :

 

رسالة ( الإمام زين العابدين علي بن الحسين ) المعروفة برسالة الحقوق :


 

 

اعلم رحمك الله :

 أن لله عليك حقوقا : محيطة بك ، في كل : حركة تحركتها ، أو سكنة سكنتها ، أو منزلة نزلتها ، أو جارحة قلبتها ، و آلة تصرفت بها ، بعضها أكبر من بعض .

 و أكبر حقوق الله عليك : ما أوجبه لنفسه تبارك و تعالى من حقه الذي هو أصل الحقوق ، و منه تفرع .

 ثم أوجبه عليك : لنفسك من قرنك إلى قدمك على اختلاف جوارحك ، فجعل :

لبصرك : عليك حقا .

و لسمعك : عليك حقا .

و للسانك : عليك حقا .

و ليدك : عليك حقا .

و لرجلك : عليك حقا .

و لبطنك : عليك حقا .

و لفرجك : عليك حقا .

فهذه : الجوارح السبع ، التي بها تكون الأفعال .

 

ثم جعل عز و جل لأفعالك عليك حقوقا : فجعل لصلاتك عليك حقا ، و لصومك عليك حقا ، و لصدقتك عليك حقا ، و لهديك عليك حقا ، و لأفعالك عليك حقا .


 

 

 ثم تخرج الحقوق : منك إلى غيرك ، من ذوي الحقوق الواجبة عليك :

 وأوجبها عليك : حقوق أئمتك ، ثم حقوق رعيتك ، ثم حقوق رحمك :

 فهذه حقوق يتشعب منها حقوق :

فحقوق أئمتك ثلاثة : أوجبها عليك حق سائسك بالسلطان ، ثم سائسك بالعلم ، ثم حق سائسك بالملك ، و كل سائس إمام .

 و حقوق رعيتك ثلاثة : أوجبها عليك حق رعيتك بالسلطان ، ثم حق رعيتك بالعلم ؛ فإن الجاهل رعية العالم ، و حق رعيتك بالملك من الأزواج و ما ملكت من الأيمان .

و حقوق رحمك  : كثيرة متصلة ، بقدر اتصال الرحم في القرابة :

فأوجبها عليك :

 حق أمك : ثم حق أبيك ، ثم حق ولدك ، ثم حق أخيك ، ثم الأقرب فالأقرب و الأول فالأول .

ثم حق : مولاك المنعم عليك ، ثم حق مولاك الجارية نعمتك عليه .

ثم حق : ذي المعروف لديك ، ثم حق مؤذنك بالصلاة ، ثم حق إمامك في صلاتك ، ثم حق جليسك ، ثم حق جارك ، ثم حق صاحبك .

ثم حق : شريكك ، ثم حق مالك ، ثم حق غريمك الذي تطالبه ، ثم حق غريمك الذي يطالبك ، ثم حق خليطك ، ثم حق خصمك المدعي عليك ، ثم حق خصمك الذي تدعي عليه .

ثم حق : مستشيرك ، ثم حق المشير عليك ، ثم حق مستنصحك ، ثم حق الناصح لك .

ثم حق : من هو أكبر منك ، ثم حق من هو أصغر ، منك ثم حق سائلك ، ثم حق من سألته .

ثم حق : من جرى لك على يديه مساءة بقول أو فعل أو مسرة بذلك بقول أو فعل عن تعمد منه أو غير تعمد منه .

ثم حق : أهل ملتك عامة ، ثم حق أهل الذمة .

 

 ثم الحقوق الجارية : بقدر علل الأحوال و تصرف الأسباب .

 فطوبى : لمن أعانه الله على قضاء ما أوجب عليه من حقوقه ،ووفقه وسدده :

 

فأما حق الله الأكبر :

فإنك تعبده لا تشرك به شيئا ، فإذا فعلت ذلك بإخلاص ؛ جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا و الآخرة ، و يحفظ لك ما تحب منها (1).

 

و أما حق نفسك عليك :

  فأن تستوفيها : في طاعة الله ، فتؤدي إلى (2):

لسانك حقه ، و إلى سمعك حقه ، و إلى بصرك حقه ، و إلى يدك حقها ، و إلى رجلك حقها ، و إلى بطنك حقه ، و إلى فرجك حقه .

 و تستعين : بالله على ذلك .

 

و أما حق اللسان :

 فإكرامه : عن الخنا ، و تعويده على الخير ، و حمله على الأدب ، و إجمامه إلا لموضع الحاجة  و المنفعة للدين و الدنيا ، و إعفاؤه عن الفضول الشنعة القليلة الفائدة ؛ التي لا يؤمن ضررها مع قلة عائدتها ، و يعد شاهد العقل و الدليل عليه ، و تزين العاقل بعقله حسن سيرته في لسانه ، و لا قوة إلا بالله العلي العظيم (3).

 

و أما حق السمع :

فتنزيهه : عن أن تجعله طريقا إلى قلبك ؛ إلا لفوهة كريمة تحدث في قلبك خيرا ، أو تكسب خلقا كريما ، فإنه باب الكلام إلى القلب يؤدي إليه ضروب المعاني على ما فيها من خير أو شر ، و لا قوة إلا بالله (4).

 

و أما حق بصرك :

فغضه : عما لا يحل لك ، و ترك ابتذاله ، إلا لموضع عبرة تستقبل بها بصرا ، أو تستفيد بها علما ، فإن البصر باب الاعتبار (5).

 

و أما حق رجليك :

 فأن لا تمشي بهما : إلى ما لا يحل لك ، و لا تجعلهما مطيتك في الطريق المستخفة بأهلها فيها ؛ فإنها حاملتك و سالكة بك مسلك الدين ، و السبق لك ، و لا قوة إلا بالله (6) .

 

و أما حق يدك :

 فأن لا تبسطها : إلى ما لا يحل لك ، فتنال بما تبسطها إليه من الله العقوبة في الأجل ، و من الناس بلسان اللائمة في العاجل .

و لا تقبضها : مما افترض الله عليها ، و لكن توقرها بقبضها عن كثير مما يحل لها ، و بسطها إلى كثير مما ليس عليها ، فإذا هي قد عقلت و شرفت في العاجل ، وجب لها حسن الثواب في الآجل (7) .

 

و أما حق بطنك :

فأن لا تجعله : وعاء لقليل من الحرام و لا لكثير ، و أن تقتصد له في الحلال ، و لا تخرجه من حد التقوية إلى حد التهوين و ذهاب المروة ، و ضبطه إذا هم بالجوع و الظمأ .

 فإن الشبع : المنتهي بصاحبه ، إلى التخم : مكسلة ، و مثبطة و مقطعة عن كل بر و كرم .

و إن الري : المنتهي بصاحبه ، إلى السكر : مسخفة ، و مجهلة ، و مذهبة للمروة (8) .

 

و أما حق فرجك :

 فحفظه : مما لا يحل لك ، و الاستعانة عليه بغض البصر ، فإنه من أعون الأعوان ، و كثرة ذكر الموت ، و التهدد لنفسك بالله ، و التخويف لها به ، و بالله العصمة و التأييد ، و لا حول و لا قوة إلا به (9) .


 

 

ثم حقوق الأفعال :

فأما حق الصلاة :

فأن تعلم : أنها وفادة إلى الله ، و أنك قائم بها بين يدي الله ؛ فإذا علمت ذلك ؛ كنت خليقا أن تقوم فيها .

مقام : الذليل الراغب ، الراهب الخائف ، الراجي المسكين ، المتضرع ، المعظم .

من قام بين يديه : بالسكون و الإطراق ، و خشوع الأطراف و لين الجناح ، و حسن المناجاة له في نفسه ، و الطلب إليه في فكاك رقبتك ، التي أحاطت بها خطيئتك ، و استهلكتها ذنوبك ، و لا قوة إلا بالله (10).

 

و أما حق الصوم :

فأن تعلم : أنه حجاب ، ضربه الله على : لسانك ، و سمعك ، و بصرك ، و فرجك ، و بطنك ليسترك به من النار.

و هكذا جاء في الحديث : الصوم جنة من النار .

فإن سكنت : أطرافك في حجبتها ؛ رجوت أن تكون محجوبا ، و إن أنت تركتها تضطرب في حجابها و ترفع جنبات الحجاب فتطلع إلى ما ليس لها ، بالنظرة الداعية للشهوة و القوة الخارجة عن حد التقية لله ؛ لم تأمن أن تخرق الحجاب و تخرج منه ، و لا قوة إلا بالله (11).

 

و أما حق الصدقة :

 فأن تعلم : أنها ذخرك عند ربك ، و وديعتك التي لا تحتاج إلى إشهاد .

 فإذا علمت ذلك : كنت بما استودعته سرا ، أوثق بما استودعته علانية ، و كنت جديرا أن تكون أسررت إليه أمرا أعلنته ، و كان الأمر بينك و بينه فيها سرا على كل حال ، و لم تستظهر عليه فيما استودعته منها بإشهاد الأسماع و الأبصار عليه بها ، كأنها أوثق في نفسك ، لا كأنك لا تثق به في تأدية وديعتك إليك ، ثم لم تمتن بها على أحد ؛ لأنها لك ، فإذا امتننت بها لم تأمن أن تكون بها مثل تهجين حالك منها إلى من مننت بها عليه ؛ لأن في ذلك دليلا على أنك لم ترد نفسك بها ، و لو أردت نفسك بها لم تمتن بها على أحد ، و لا قوة إلا بالله (12).

 

و أما حق الهدي :

 فأن تخلص بها : الإرادة إلى ربك ، و التعرض لرحمته ، و قبوله ، و لا تريد عيون الناظرين دونه ، فإذا كنت كذلك لم تكن متكلفا و لا متصنعا ، و كنت إنما تقصد إلى الله .

و اعلم : أن الله يراد باليسير ، و لا يراد بالعسير ، كما أراد بخلقه التيسير ، و لم يرد بهم التعسير ، و كذلك التذلل أولى بك من التدهقن ؛ لأن الكلفة و المئونة في المتدهقنين .

 فأما التذلل : و التمسكن ، فلا كلفة فيهما و لا مئونة عليهما ؛ لأنهما الخلقة ، و هما موجودان في الطبيعة ، و لا قوة إلا بالله (13).


 

 

ثم حقوق الأئمة :

فأما حق سائسك بالسلطان :

 فأن تعلم : أنك جعلت له فتنة ، و أنه مبتلى فيك بما جعله الله له عليك من السلطان ، و أن تخلص له في النصيحة ، و أن لا تماحكه و قد بسطت يده عليك ؛ فتكون سبب هلاك نفسك و هلاكه ، و تذلل و تلطف لإعطائه من الرضا ما يكفه عنك ، و لا يضر بدينك ، و تستعين عليه في ذلك بالله .

 و لا تعازه : و لا تعانده ؛ فإنك إن فعلت ذلك عققته ، و عققت نفسك فعرضتها لمكروهه ، و عرضته للهلكة فيك ، و كنت خليقا أن تكون معينا له على نفسك ، و شريكا له فيما أتى إليك ، و لا قوة إلا بالله (14).

 

و أما حق سائسك بالعلم :

فالتعظيم له : و التوقير لمجلسه ، و حسن الاستماع إليه ، و الإقبال عليه .

 و المعونة له : على نفسك فيما لا غنى بك عنه من العلم : بأن تفرغ له عقلك ، و تحضره فهمك ، و تزكي له قلبك ، و تجلي له بصرك ، بترك اللذات ، و نقص الشهوات .

 و أن تعلم : أنك فيما ألقى إليك رسوله إلى من لقيك من أهل الجهل ، فلزمك حسن التأدية عنه إليهم ، و لا تخنه في تأدية رسالته ، و القيام بها عنه إذا تقلدتها ، و لا حول و لا قوة إلا بالله (15).

 

و أما حق سائسك بالملك :

فنحو : من سائسك بالسلطان ، إلا أن هذا يملك ما لا يملكه ذاك ، تلزمك طاعته فيما دق و جل منك ، إلا أن تخرجك من وجوب حق الله ، و يحول بينك و بين حقه،  و حقوق الخلق ، فإذا قضيته رجعت إلى حقه فتشاغلت به ، و لا قوة إلا بالله (16).


 

ثم حقوق الرعية :

فأما حقوق رعيتك بالسلطان :

فأن تعلم : أنك إنما استرعيتهم بفضل قوتك عليهم ، فإنه إنما أحلهم محل الرعية لك ضعفهم و ذلهم ، فما أولى من كفاكه ضعفه و ذله حتى صيره لك رعية ، و صير حكمك عليه ، نافذا لا يمتنع منك بعزة و لا قوة ، و لا يستنصر فيما تعاظمه منك ، إلا بالله بالرحمة و الحياطة والأناة وما أولاك.

إذا عرفت : ما أعطاك الله ، من فضل هذه العزة و القوة التي قهرت بها .

 أن تكون لله : شاكرا ، و من شكر الله أعطاه فيما أنعم عليه ، و لا قوة إلا بالله (17).

 

و أما حق رعيتك بالعلم  :

 فأن تعلم : أن الله قد جعلك لهم فيما آتاك من العلم ، و ولاك من خزانة الحكمة ، فإن أحسنت فيما ولاك الله من ذلك ، و قمت به لهم مقام الخازن الشفيق الناصح لمولاه في عبيده ، الصابر المحتسب الذي إذا رأى ذا حاجة أخرج له من الأموال التي في يديه .

كنت : راشدا ، و كنت لذلك آملا معتقدا ، و إلا كنت له خائنا ، و لخلقه ظالما ، و لسلبه و عزه متعرضا (18).

 

 و أما حق رعيتك بملك النكاح :

 فأن تعلم : أن الله جعلها ، سكنا و مستراحا ، و أنسا و واقية .

و كذلك  : كل واحد منكما ، يجب أن يحمد الله على صاحبه .

 و يعلم : أن ذلك نعمة منه عليه ، و وجب أن يحسن صحبة نعمة الله و يكرمها ، و يرفق بها .

و إن كان : حقك عليها أغلظ و طاعتك بها ألزم ، فيما أحببت و كرهت ما لم تكن معصية .

فإن لها : حق الرحمة و المؤانسة ، و موضع السكون إليها قضاء اللذة التي لا بد من قضائها ، وذلك عظيم ، ولا قوة إلا بالله (19).

 

و أما حق رعيتك بملك اليمين :

 فأن تعلم : أنه خلق ربك و لحمك و دمك ، و أنك تملكه لا أنت صنعته دون الله ، و لا خلقت له  سمعا و لا بصرا ن و لا أجريت له رزقا .

و لكن الله : كفاك ذلك ، ثم سخره لك و ائتمنك عليه و استودعك إياه ، لتحفظه فيه و تسير فيه بسيرته .

فتطعمه : مما تأكل ، و تلبسه مما تلبس ، و لا تكلفه ما لا يطيق ، فإن كرهته خرجت إلى الله منه ، واستبدلت به ، و لم تعذب خلق الله ، و لا قوة إلا بالله (20).

ـ فهذه (20) حقا وإليكم (30) أخرى ـ:

 

و أما حق الرحم :

فحق أمك : فأن تعلم أنها حملتك حيث لا يحمل أحد أحدا ، و أطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحد أحدا .

و أنها وقتك : بسمعها و بصرها و يدها و رجلها و شعرها و بشرها و جميع جوارحها ، مستبشرة بذلك فرحة موابلة محتملة لما فيه مكروهها ، و ألمها و ثقلها و غمها حتى دفعتها عنك يد القدرة .

و أخرجتك : إلى الأرض ، فرضيت أن تشبع و تجوع هي ، و تكسوك و تعرى ، و ترويك و تظمأ ، و تظلك و تضحى ، و تنعمك ببؤسها ، و تلذذك بالنوم بأرقها .

و كان : بطنها لك وعاء ، و حجرها لك حواء ، و ثديها لك سقاء ، و نفسها لك وقاء ، تباشر حر الدنيا و بردها لك و دونك .

فتشكرها : على قدر ذلك ، و لا تقدر عليه ، إلا بعون الله و توفيقه (21).

 

و أما حق أبيك :

فتعلم : أنه أصلك ، و أنك فرعه ، و أنك لولاه لم تكن .

فمهما : رأيت في نفسك مما يعجبك .

فاعلم : أن أباك ، أصل النعمة عليك فيه ، و احمد الله و اشكره على قدر ذلك ، و لا قوة إلا بالله (22).

 

و أما حق ولدك :

 فتعلم : أنه منك ، و مضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره و شره .

و أنك مسئول عما وليته : من حسن الأدب ، و الدلالة على ربه ، و المعونة له على طاعته فيك و في نفسه ، فمثاب على ذلك و معاقب .

فاعمل : في أمره : عمل المتزين بحسن أثره عليه   في عاجل الدنيا ، المعذر إلى ربه فيما بينك و بينه ، بحسن القيام عليه ، و الأخذ له منه ، و لا قوة إلا بالله (23).

 

و أما حق أخيك :

 فتعلم : أنه يدك التي تبسطها ، و ظهرك الذي تلتجئ إليه ، و عزك الذي تعتمد عليه ، و قوتك التي تصول بها .

فلا تتخذه : سلاحا على معصية الله ، و لا عدة للظلم بحق الله ، و لا تدع نصرته على نفسه و معونته على عدوه ، و الحول بينه و بين شياطينه ، و تأدية النصيحة إليه ، و الإقبال عليه في الله ، فإن انقاد لربه و أحسن الإجابة له ، و إلا فليكن الله آثر عندك و أكرم عليك منه (24).

 

و أما حق المنعم عليك بالولاء :

 فأن تعلم : أنه أنفق فيك ماله ، و أخرجك من ذل الرق و وحشته إلى عز الحرية و أنسها ، و أطلقك من أسر الملكة ، و فك عنك حلق العبودية ، و أوجدك رائحة العز ، و أخرجك من سجن القهر ، و دفع عنك العسر ، و بسط لك لسان الإنصاف ، و أباحك الدنيا كلها .

فملكك : نفسك ، و حل أسرك ، و فرغك لعبادة ربك ، و احتمل بذلك التقصير في ماله .

فتعلم : أنه أولى الخلق بك بعد أولى رحمك في حياتك و موتك ، و أحق الخلق بنصرك و معونتك ، و مكانفتك في ذات الله ، فلا تؤثر عليه نفسك ما احتاج إليك (25).

 

و أما حق مولاك الجارية عليه نعمتك  :

 فأن تعلم : أن الله جعلك حامية عليه و واقية ، و ناصرا و معقلا ، و جعله لك وسيلة و سببا بينك و بينه .

فبالحري : أن يحجبك عن النار ، فيكون في ذلك ثواب منه في الآجل ، و يحكم لك بميراثه في العاجل ، إذا لم يكن له رحم مكافأة لما أنفقته من مالك عليه ، و قمت به من حقه بعد إنفاق مالك .

فإن لم تقم : بحقه ، خيف عليك  أن لا يطيب لك ميراثه ، و لا قوة إلا بالله (26).

 

و أما حق ذي المعروف عليك :

فأن تشكره : و تذكر معروفه ، و تنشر له المقالة الحسنة ، و تخلص له الدعاء فيما بينك و بين الله سبحانه .

فإنك : إذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرا و علانية ، ثم إن أمكن مكافأته بالفعل كافأته ، و إلا كنت مرصدا له موطنا نفسك عليها (27).

 

و أما حق المؤذن :

فأن تعلم : أنه مذكرك بربك ، و داعيك إلى حظك ، و أفضل أعوانك على قضاء الفريضة التي افترضها الله عليك .

فتشكره : على ذلك شكرك للمحسن إليك ، و إن كنت في بيتك مهتما لذلك لم تكن لله في أمره متهما .

و علمت : أنه نعمة من الله عليك لا شك فيها ، فأحسن صحبة نعمة الله بحمد الله عليها على كل حال ، و لا قوة إلا بالله (28).

 

و أما حق إمامك في صلاتك :

فأن تعلم : أنه قد تقلد السفارة فيما بينك و بين الله ، و الوفادة إلى ربك ، و تكلم عنك و لم تتكلم عنه ، و دعا لك و لم تدع له ، و طلب فيك و لم تطلب فيه ، و كفاك هم المقام بين يدي الله و المساءلة له فيك ، و لم تكفه ذلك .

 فإن كان : في شيء من ذلك تقصير ، كان به دونك ، و إن كان آثما لم تكن شريكه فيه ، و لم يكن له عليك فضل .

فوقى نفسك : بنفسه ، و وقى صلاتك بصلاته ، فتشكر له على ذلك ، و لا حول و لا قوة إلا بالله (29).

 

و أما حق الجليس :

 فأن تلين له : كنفك ، و تطيب له جانبك ، و تنصفه في مجاراة اللفظ ، و لا تغرق في نزع اللحظ إذا لحظت ، و تقصد في اللفظ إلى إفهامه إذا لفظت .

 و إن كنت : الجليس إليه ، كنت في القيام عنه بالخيار .

و إن كان : الجالس إليك ، كان بالخيار ، و لا تقوم إلا بإذنه ، و لا قوة إلا بالله (30).

 

و أما حق الجار :

فحفظه : غائبا ، و كرامته شاهدا ، و نصرته و معونته في الحالين جميعا ، لا تتبع له عورة ، و لا تبحث له عن سوءة لتعرفها،  فإن عرفتها منه عن غير إرادة منك ، و لا تكلف كنت لما علمت حصنا حصينا ، و سترا ستيرا ، لو بحثت الأسنة عنه ضميرا لم تتصل إليه لانطوائه عليه ، لا تستمع عليه من حيث لا يعلم ، لا تسلمه عند شديدة .

و لا تحسده : عند نعمة .

 تقيل : عثرته ، و تغفر زلته ، و لا تدخر حلمك عنه إذا جهل عليك ، و لا تخرج أن تكون سلما له ترد عنه لسان الشتيمة ، و تبطل فيه كيد حامل النصيحة ، و تعاشره معاشرة كريمة ، و لا حول و لا قوة إلا بالله (31).

 

و أما حق الصاحب :

 فأن تصحبه : بالفضل ما وجدت إليه سبيلا ، و إلا فلا أقل من الإنصاف ، و أن تكرمه كما يكرمك ، و تحفظه كما يحفظك ، و لا يسبقك فيما بينك و بينه إلى مكرمة ، فإن سبقك كافأته .

و لا تقصر به : عما يستحق من المودة ، تلزم نفسك نصيحته و حياطته ، و معاضدته على طاعة ربه ، و معونته على نفسه فيما لا يهم به من معصية ربه ، ثم تكون عليه رحمة و لا تكون عليه عذابا ، و لا قوة إلا بالله (32).

 

و أما حق الشريك :

فإن غاب : كفيته ، و إن حضر ساويته ، و لا تعزم على حكمك دون حكمه ، و لا تعمل برأيك دون مناظرته .

و تحفظ : عليه ماله ، و تنفي عنه خيانته ، فيما عز أو هان ، فإنه بلغنا أن يد الله على الشريكين ما لم يتخاونا ، و لا قوة إلا بالله (33).

 

و أما حق المال :

فأن لا تأخذه : إلا من حله ، و لا تنفقه إلا في حله ، و لا تحرفه عن مواضعه ، و لا تصرفه عن حقائقه ، و لا تجعله إذا كان من الله إلا إليه ، و سببا إلى الله .

و لا تؤثر به :  على نفسك من لعله لا يحمدك ، و بالحري أن لا يحسن خلافته في تركتك ، و لا يعمل فيه بطاعة ربك ، فتكون معينا له على ذلك . أو بما أحدث في مالك أحسن نظرا لنفسه ، فيعمل بطاعة ربه ، فيذهب بالغنيمة ، و تبوء بالإثم و الحسرة و الندامة مع التبعة ، و لا قوة إلا بالله (34).

 

و أما حق الغريم الطالب لك :

 فإن كنت موسرا : أوفيته و كفيته و أغنيته ، و لم تردده و تمطله ، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : مطل الغني ظلم .

 و إن كنت معسرا : أرضيته بحسن القول ، و طلبت إليه طلبا جميلا ، و رددته عن نفسك ردا لطيفا ، و لم تجمع عليه ذهاب ماله و سوء معاملته ، فإن ذلك لؤم ، و لا قوة إلا بالله (35).

 

و أما حق الخليط :

 فأن لا تغره : و لا تغشه ، و لا تكذبه ، و لا تغفله ، و لا تخدعه ، و لا تعمل في انتقاضه ، عمل العدو الذي لا يبقى على صاحبه ، و إن اطمأن إليك استقصيت له على نفسك .

 و علمت : أن غبن المسترسل ربا ، و لا قوة إلا بالله (36).

 

و أما حق الخصم المدعي عليك :

 فإن كان ما يدعي عليك حقا : لم تنفسخ في حجته ، و لم تعمل في إبطال دعوته ، و كنت خصم نفسك له ، و الحاكم عليها ، و الشاهد له بحقه دون شهادة الشهود ، فإن ذلك حق الله عليك .

 و إن كان ما يدعيه باطلا : رفقت به ، و روعته ، و ناشدته بدينه ، و كسرت حدته عنك بذكر الله ، و ألقيت حشو الكلام و لغطه الذي لا يرد عنك عادية عدوك ، بل تبوء بإثمه ، و به يشحذ عليك سيف عداوته ، لأن لفظة السوء تبعث الشر ، و الخير مقمعة للشر ، و لا قوة إلا بالله (37).

 

و أما حق الخصم المدعى عليه :

فإن كان : ما تدعيه حقا ، أجملت في مقاولته بمخرج الدعوى ، فإن للدعوى غلظة في سمع المدعى عليه ، و قصدت قصد حجتك بالرفق ، و أمهل المهلة ، و أبين البيان ، و ألطف اللطف ، و لم تتشاغل عن حجتك بمنازعته بالقيل و القال ، فتذهب عنك حجتك ، و لا يكون لك في ذلك درك ، و لا قوة إلا بالله (38).

 

و أما حق المستشير :

 فإن حضرك له : وجه رأي ، جهدت له في النصيحة ، و أشرت عليه بما تعلم أنك لو كنت مكانه عملت به ، و ذلك ليكن منك في رحمة و لين ، فإن اللين يؤنس الوحشة ، و إن الغلظ يوحش موضع الأنس .

و إن لم يحضرك له : رأي ، و عرفت له من تثق برأيه ، و ترضى به لنفسك دللته عليه ، و أرشدته إليه .

فكنت : لم تأله خيرا ، و لم تدخره نصحا ، و لا حول و لا قوة إلا بالله (39).

 

و أما حق المشير عليك :

 فلا تتهمه : فيما لا يوافقك عليه من رأيه إذا أشار عليك ، فإنما هي الآراء و تصرف الناس فيها و اختلافهم ، فكن عليه في رأيه بالخيار إذا اتهمت رأيه .

فأما تهمته : فلا تجوز لك ، إذا كان عندك ممن يستحق المشاورة ، و لا تدع شكره على ما بدا لك من إشخاص رأيه ، و حسن وجه مشورته .

فإذا وافقك : حمدت الله ، و قبلت ذلك ، من أخيك بالشكر و الإرصاد بالمكافأة في مثلها ، إن فزع إليك ، و لا قوة إلا بالله (40).

 

و أما حق المستنصح :

 فإن حقه : أن تؤدي إليه النصيحة على الحق الذي ترى له ، أنه يحمل و تخرج المخرج الذي يلين على مسامعه ، و تكلمه من الكلام بما يطيقه عقله .

فإن لكل عقل  : طبقة من الكلام يعرفه و يجتنبه ، و ليكن مذهبك الرحمة ، و لا قوة إلا بالله (41).

 

و أما حق الناصح :

 فأن تلين له : جناحك ، ثم تشرئب له قلبك ، و تفتح له سمعك حتى تفهم عنه نصيحته ، ثم تنظر فيها .

فإن كان : وفق فيها للصواب ، حمدت الله على ذلك ، و قبلت منه ، و عرفت له نصيحته .

 و إن لم يكن : وفق لها فيها رحمته ، و لم تتهمه .

 و علمت : أنه لم يألك نصحا ، إلا أنه أخطأ ، إلا أن يكون عندك مستحقا للتهمة ، فلا تعبأ بشي‏ء من أمره على كل حال ، و لا قوة إلا بالله (42).

 

و أما حق الكبير :

فإن حقه : توقير سنه ، و إجلال إسلامه إذا كان من أهل الفضل في الإسلام ، بتقديمه فيه ، و ترك مقابلته عند الخصام ، و لا تسبقه إلى طريق ، و لا تؤمه في طريق ، و لا تستجهله .

و إن جهل عليك : تحملت ، و أكرمته بحق إسلامه مع سنه ، فإنما حق السن بقدر الإسلام ، و لا قوة إلا بالله (43).

 

و أما حق الصغير :

فرحمته : و تثقيفه ، و تعليمه ، و العفو عنه ، و الستر عليه ، و الرفق به ، و المعونة له ، و الستر على جرائر حداثته .

فإنه : سبب للتوبة و المداراة له .

 و ترك : مماحكته ، فإن ذلك أدنى لرشده (44).

 

و أما حق السائل :

 فإعطاؤه : إذا تيقنت صدقه ، و قدرت على سد حاجته ، و الدعاء له فيما نزل به ، و المعاونة له على طلبته .

و إن شككت في صدقه : و سبقت إليه التهمة له ، و لم تعزم على ذلك ، لم تأمن أن يكون من كيد الشيطان أراد أن يصدك عن حظك ، و يحول بينك و بين التقرب إلى ربك ، فتركته بستره ، و رددته ردا جميلا .

و إن غلبت : نفسك في أمره و أعطيته على ما عرض في نفسك منه ، فإن ذلك من عزم الأمور (45).

 

و أما حق المسئول :

فحقه : إن أعطى قبل منه ما أعطى ؛ بالشكر له ، و المعرفة لفضله ، و طلب وجه العذر في منعه ، و أحسن به الظن .

 و اعلم : أنه إن منع فما له منع ، و أن ليس التثريب في ماله ، و إن كان ظالما ، فإن الإنسان لظلوم كفار (46).

 

و أما حق من سرك الله به و على يديه :

 فإن كان تعمدها لك : حمدت الله أولاً ، ثم شكرته على ذلك بقدره في موضع الجزاء ، و كافأته على فضل الابتداء ، و أرصدت له المكافأة .

و إن لم يكن تعمدها : حمدت الله و شكرته ، و علمت أنه منه توحدك بها ، و أحببت هذا إذ كان سببا من أسباب نعم الله عليك ، و ترجو له بعد ذلك خيرا ، فإن أسباب النعم بركة حيث ما كانت ، و إن كان لم يتعمد ، و لا قوة إلا بالله (47).

 

و أما حق من ساءك القضاء على يديه بقول أو فعل :

فإن كان تعمدها : كان العفو أولى بك ، لما فيه له من القمع ، و حسن الأدب مع كثير أمثاله من الخلق .

فإن الله يقول : { وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ {41} إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ {42} وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } الشورى43 .

 و قال عز و جل : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ } النحل126 ، هذا في العمد (48).

 فإن لم يكن عمدا : لم تظلمه بتعمد الانتصار منه ، فتكون قد كافأته في تعمد على خطأ ، و رفقت به ، و رددته بألطف ما تقدر عليه ، و لا قوة إلا بالله .


 

 

و أما حق أهل ملتك عامة :

 فإضمار السلامة : و نشر جناح الرحمة ، و الرفق بمسيئهم ، و تألفهم و استصلاحهم ، و شكر محسنهم إلى نفسه و إليك ، فإن إحسانه إلى نفسه إحسانه إليك ، إذا كف عنك أذاه و كفاك مئونته ، و حبس عنك نفسه .

 فعمهم : جميعا بدعوتك ، و انصرهم جميعا بنصرتك ، و أنزلتهم جميعا منك منازلهم كبيرهم ، بمنزلة الوالد ، و صغيرهم بمنزلة الولد ، و أوسطهم بمنزلة الأخ ، فمن أتاك تعاهدته بلطف ورحمة ، وصل أخاك بما يجب للأخ على أخيه (49).

 

و أما حق أهل الذمة :

فالحكم فيهم : أن تقبل منهم ما قبل الله ، و تفي بما جعل الله لهم من ذمته و عهده ، و تكلهم إليه فيما طلبوا من أنفسهم ، و أجبروا عليه ، و تحكم فيهم بما حكم الله به على نفسك ، فيما جرى بينك و بينهم من معاملة .

و ليكن : بينك و بين ظلمهم من رعاية ذمة الله ، و الوفاء بعهده و عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حائل .

فإنه بلغنا أنه قال : من ظلم معاهدا كنت خصمه ، فاتق الله ، و لا حول و لا قوة إلا بالله (50).


 

 

 

فهذه خمسون حقا :

محيطا بك : لا تخرج منها في حال من الأحوال ، يجب عليك رعايتها ، و العمل في تأديتها ، و الاستعانة بالله جل ثناؤه على ذلك ، و لا حول و لا قوة إلا بالله ، و الحمد لله رب العالمين .

تحف العقول ص255 ، الخصال ج2ص565 ، نقله المحدث النوريّ رحمه اللّه في المستدرك ج 2 ص 274 عن التحف، و قال عن السيّد عليّ بن طاووس في فلاح السائل، و روينا بإسنادنا في كتاب الرسائل عن محمّد بن يعقوب الكليني بإسناده إلى مولانا زين العابدين عليه السلام .

 

يا طيب : هذه كانت أهم الحقوق التي يجب على الإنسان أن يلتزم بها ، ولا يحق للطيب أن يفرط بها ويضيعها إن كان حقا يحب الله وهداه ودينه القيم ، فقد عرفنا كل خير وصلاح وهدى نور يجعلنا في محل الكرامة والخير والفضيلة والخلق والخُلق الحسن والآداب الكريمة ، وبها يكون الإنسان فاضلا كريما شريفا في نفسه وفي قومه وعند الله ، وبهجرها يكون قد ضيع حق لله أو لنفسه أو لعلمه أو لعمله أو لأهله أو لقومه ، فيكون مقصرا ليس في محل الكرامة ، بل يضع من نفسه بقدر تفريطه ، ويلام عليه ويطالب به ، بل قد يكون لئيم في واقعه والعياذ بالله .

 

 

والطيب : يقرأ ويتعلم ويعلم ، ليعمل وليتصف بها ، ليكون في نفسه عزيز النفس كريم الطبع شريف الحقيقة والأصل ، فيطيب وجوده بكل خير ، وفضيلة متجلية منه ، ويكون بارا حقا ، بل من المقربين عند الله ، وأسأل الله أن يمكننا وإياكم منها بحق نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين صلى الله عليهم وسلم ، وإنه أرحم الراحمين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .


 

 

حديث المجازات والحقوق يوم القيامة :

وعن ثوير بن أبي فاختة قال : سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليه السلام يحدث في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: حدثني أبي ( الحسين بن علي عليه السلام ) أنه سمع أباه علي بن أبي طالب عليه السلام يحدث الناس قال :

إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ : بَعَثَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى النَّاسَ مِنْ حُفَرِهِمْ عُزْلًا بُهْماً جُرْداً مُرْداً فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ ، يَسُوقُهُمُ النُّورُ وَ تَجْمَعُهُمُ الظُّلْمَةُ ، حَتَّى يَقِفُوا عَلَى عَقَبَةِ الْمَحْشَرِ ، فَيَرْكَبُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً ، وَ يَزْدَحِمُونَ دُونَهَا ، فَيُمْنَعُونَ مِنَ الْمُضِيِّ ، فَتَشْتَدُّ أَنْفَاسُهُمْ ، وَ يَكْثُرُ عَرَقُهُمْ ، وَ تَضِيقُ بِهِمْ أُمُورُهُمْ ، وَ يَشْتَدُّ ضَجِيجُهُمْ ، وَ تَرْتَفِعُ أَصْوَاتُهُمْ ، قَالَ : وَ هُوَ أَوَّلُ هَوْلٍ مِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ :

قَالَ : فَيُشْرِفُ الْجَبَّارُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ فِي ظِلَالٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، فَيَأْمُرُ مَلَكاً مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَيُنَادِي فِيهِمْ ، يَا مَعْشَرَ الْخَلَائِقِ : أَنْصِتُوا وَ اسْتَمِعُوا مُنَادِيَ الْجَبَّارِ .

 قَالَ : فَيَسْمَعُ آخِرُهُمْ كَمَا يَسْمَعُ أَوَّلُهُمْ ، قَالَ : فَتَنْكَسِرُ أَصْوَاتُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ وَ تَخْشَعُ أَبْصَارُهُمْ ، وَ تَضْطَرِبُ فَرَائِصُهُمْ وَ تَفْزَعُ قُلُوبُهُمْ ، وَ يَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ إِلَى نَاحِيَةِ الصَّوْتِ مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ .

 قَالَ : فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ : الْكَافِرُ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ .

قَالَ : فَيُشْرِفُ الْجَبَّارُ عَزَّ وَ جَلَّ الْحَكَمُ الْعَدْلُ عَلَيْهِمْ ، فَيَقُولُ : أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا الْحَكَمُ الْعَدْلُ الَّذِي لَا يَجُورُ الْيَوْمَ ، أَحْكُمُ بَيْنَكُمْ بِعَدْلِي وَ قِسْطِي ، لَا يُظْلَمُ الْيَوْمَ عِنْدِي أَحَدٌ الْيَوْمَ ، آخُذُ لِلضَّعِيفِ مِنَ الْقَوِيِّ بِحَقِّهِ ، وَ لِصَاحِبِ الْمَظْلِمَةِ بِالْمَظْلِمَةِ بِالْقِصَاصِ مِنَ الْحَسَنَاتِ وَ السَّيِّئَاتِ ، وَ أُثِيبُ عَلَى الْهِبَاتِ .

 وَ لَا يَجُوزُ هَذِهِ الْعَقَبَةَ الْيَوْمَ : عِنْدِي ظَالِمٌ وَ لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ ، إِلَّا مَظْلِمَةً يَهَبُهَا صَاحِبُهَا ، وَ أُثِيبُهُ عَلَيْهَا ، وَ آخُذُ لَهُ بِهَا عِنْدَ الْحِسَابِ .

 فَتَلَازَمُوا : أَيُّهَا الْخَلَائِقُ ، وَ اطْلُبُوا مَظَالِمَكُمْ عِنْدَ مَنْ ظَلَمَكُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا ، وَ أَنَا شَاهِدٌ لَكُمْ عَلَيْهِمْ ، وَ كَفَى بِي شَهِيداً .

قَالَ : فَيَتَعَارَفُونَ وَ يَتَلَازَمُونَ ، فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ لَهُ عِنْدَ أَحَدٍ مَظْلِمَةٌ أَوْ حَقٌّ إِلَّا لَزِمَهُ بِهَا .

 قَالَ : فَيَمْكُثُونَ مَا شَاءَ اللَّهُ ، فَيَشْتَدُّ حَالُهُمْ ، وَ يَكْثُرُ عَرَقُهُمْ وَ يَشْتَدُّ غَمُّهُمْ وَ تَرْتَفِعُ أَصْوَاتُهُمْ بِضَجِيجٍ شَدِيدٍ ، فَيَتَمَنَّوْنَ الْمَخْلَصَ مِنْهُ بِتَرْكِ مَظَالِمِهِمْ لِأَهْلِهَا .

قَالَ : وَ يَطَّلِعُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَى جَهْدِهِمْ ، فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى ، يُسْمِعُ آخِرَهُمْ كَمَا يُسْمِعُ أَوَّلَهُمْ : يَا مَعْشَرَ الْخَلَائِقِ أَنْصِتُوا لِدَاعِي اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى ، وَ اسْمَعُوا إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى يَقُولُ لَكُمْ‏ :

أَنَا الْوَهَّابُ إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ تَوَاهَبُوا ، فَتَوَاهَبُوا ، وَ إِنْ لَمْ تَوَاهَبُوا أَخَذْتُ لَكُمْ بِمَظَالِمِكُمْ .

قَالَ : فَيَفْرَحُونَ بِذَلِكَ لِشِدَّةِ جَهْدِهِمْ وَ ضِيقِ مَسْلَكِهِمْ وَ تَزَاحُمِهِمْ .

قَالَ : فَيَهَبُ بَعْضُهُمْ مَظَالِمَهُمْ رَجَاءَ أَنْ يَتَخَلَّصُوا مِمَّا هُمْ فِيهِ ، وَ يَبْقَى بَعْضُهُمْ ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ مَظَالِمُنَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ نَهَبَهَا .

قَالَ : فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ تِلْقَاءِ الْعَرْشِ أَيْنَ رِضْوَانُ خَازِنُ الْجِنَانِ ، جِنَانِ الْفِرْدَوْسِ .

 قَالَ : فَيَأْمُرُهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ يُطْلِعَ مِنَ الْفِرْدَوْسِ قَصْراً مِنْ فِضَّةٍ بِمَا فِيهِ مِنَ الْأَبْنِيَةِ وَ الْخَدَمِ .

قَالَ : فَيُطْلِعُهُ عَلَيْهِمْ فِي حِفَافَةِ الْقَصْرِ الْوَصَائِفُ وَ الْخَدَمُ .

قَالَ : فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى يَا مَعْشَرَ الْخَلَائِقِ ارْفَعُوا رُءُوسَكُمْ فَانْظُرُوا إِلَى هَذَا الْقَصْرِ .

قَالَ : فَيَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ فَكُلُّهُمْ يَتَمَنَّاهُ .

قَالَ فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى : يَا مَعْشَرَ الْخَلَائِقِ هَذَا لِكُلِّ مَنْ عَفَا عَنْ مُؤْمِنٍ ، قَالَ : فَيَعْفُونَ كُلُّهُمْ إِلَّا الْقَلِيلَ .

قَالَ : فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ : لَا يَجُوزُ إِلَى جَنَّتِيَ الْيَوْمَ ظَالِمٌ ، وَ لَا يَجُوزُ إِلَى نَارِيَ الْيَوْمَ ظَالِمٌ وَ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ حَتَّى يَأْخُذَهَا مِنْهُ عِنْدَ الْحِسَابِ ، أَيُّهَا الْخَلَائِقُ اسْتَعِدُّوا لِلْحِسَابِ .

قَالَ : ثُمَّ يُخَلَّى سَبِيلُهُمْ فَيَنْطَلِقُونَ إِلَى الْعَقَبَةِ يَكْرُدُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى الْعَرْصَةِ ، وَ الْجَبَّارُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى عَلَى الْعَرْشِ ، قَدْ نُشِرَتِ الدَّوَاوِينُ ، وَ نُصِبَتِ الْمَوَازِينُ ، وَ أُحْضِرَ النَّبِيُّونَ وَ الشُّهَدَاءُ ، وَ هُمُ الْأَئِمَّةُ يَشْهَدُ كُلُّ إِمَامٍ عَلَى أَهْلِ عَالَمِهِ ، بِأَنَّهُ قَدْ قَامَ فِيهِمْ بِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، وَ دَعَاهُمْ إِلَى سَبِيلِ اللَّهِ .

قَالَ : فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ الْمُؤْمِنِ عِنْدَ الرَّجُلِ الْكَافِرِ مَظْلِمَةٌ ، أَيَّ شَيْ‏ءٍ يَأْخُذُ مِنَ الْكَافِرِ وَ هُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ؟

قَالَ : فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام : يُطْرَحُ عَنِ الْمُسْلِمِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ بِقَدْرِ مَا لَهُ عَلَى الْكَافِرِ ، فَيُعَذَّبُ الْكَافِرُ بِهَا مَعَ عَذَابِهِ بِكُفْرِهِ ، عَذَاباً بِقَدْرِ مَا لِلْمُسْلِمِ قِبَلَهُ مِنْ مَظْلِمَةٍ.

 قَالَ : فَقَالَ لَهُ الْقُرَشِيُّ : فَإِذَا كَانَتِ الْمَظْلِمَةُ لِلْمُسْلِمِ عِنْدَ مُسْلِمٍ كَيْفَ ، تُؤْخَذُ مَظْلِمَتُهُ مِنَ الْمُسْلِمِ ؟

قَالَ : يُؤْخَذُ لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ مِنْ حَسَنَاتِهِ بِقَدْرِ حَقِّ الْمَظْلُومِ ، فَتُزَادُ عَلَى حَسَنَاتِ الْمَظْلُومِ ؟

قَالَ : فَقَالَ لَهُ الْقُرَشِيُّ : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلظَّالِمِ حَسَنَاتٌ ؟

قَالَ : إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلظَّالِمِ حَسَنَاتٌ ، فَإِنَّ لِلْمَظْلُومِ سَيِّئَاتٍ يُؤْخَذُ مِنْ سَيِّئَاتِ الْمَظْلُومِ فَتُزَادُ عَلَى سَيِّئَاتِ الظَّالِمِ  .

الكافي ج8ص104ح79 .

 

يا طيب : على فرض إن الله يحبنا ، و يعفو عن المؤمن فيعوضه الله حسنات كما عرفت ، ولكن نحن الظالمون بالغيبة أو بالحسد والنميمة والسخرية والخداع والمكر وغيرها والعياذ بالله منها ، وأستغفر الله من شيء منها إن فعلناه ، وأسأله أن يوفقنا للخروج منها في الدنيا قبل الآخرة ، فإن هناك الموقف صعب وبالخصوص الوقوف مع الظالمين والعصاة في حر القيامة وحرمان الوقوف في صف الأبرار والطيبين فضلا عن المقربين ، فإذا لم نتب قد خسرنا الحسنات والكون من المحسنين الطيبين التوابين الشاكرين المستغفرين ، واكتسبنا سيئات و تنزلنا في المرتبة حتى نقف مع الأشرار في شر موقف عند الله والعياذ بالله من ذلك الموقف الصعب ولعله يطول سنوات قد تصل بالآلاف لا يعلمها إلا الله محرومون من نعيم معد للمؤمنين في مواقف القيامة، وأسأله بحق محمد وآل محمد صلى الله عليهم وسلم أن لا يجعلنا أن نقف فيه ظالمين لأنفسنا وغيرنا ، وهذه أحاديث أخرى مناسبة تحذرنا وتنبهنا لعدم التوجه حتى بالفكر للأعمال الطالحة الخبيثة :


 

 

عناوين مفيدة :

صحيفة الإمام زين العابدين

علي بن الحسين عليه السلام

تأليف وتحقيق وإعداد

خادم علوم آل محمد عليهم السلام

الشيخ حسن حردان الأنباري

موقع موسوعة صحف الطيبين

فلحضرتكم صحيفة الإمام عليه السلام مع قابلية الاختيار والاقتباس منها والنسخ واللصق في المواقع الاجتماعية

www.alanbare.com/4

صحيفة الإمام كتاب جيد للمطالعة والقراءة على الموبايل والحاسب

www.alanbare.com/4/4.pdf

ولحضرتكم يا طيب الصحيفة السجادية

مع مئتي صلاة على النبي مقتبس منها ويتقدمها تجليل وتسبيح وذكر الله

سبحانه وبعدها دعاء مناسب له

www.alanbare.com/4/s

الصحيفة السجادية مع الصلوات كتاب جيد للمطالعة على الحاسب والمبايل

www.alanbare.com/4/s.pdf

صحيفة رسالة الحقوق :

www.alanbare.com/4/hg

رسالة الكترونية

www.alanbare.com/4/hg.pdf