بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
نرحب بكم يا طيب في

موسوعة صحف الطيبين

في أصول الدين وسيرة المعصومين



التحكم بالصفحة + = -

❀✺✸☼❋❉❈❊

تكبير النص وتصغيره


النص المفضل

لون النص والصفحة
حجم النص

____ لون النص ____

أحمر | أزرق | أخضر | أصفر |
أسود | أبيض | برتقالي | رمادي |

____ لون الخلفية ____




صحيفة الإمام موسى الكاظم

عليه السلام

وشرح معنى القاب الإمام مفصلا موسى الكاظم الحجة وحديث العقل

هذه صحيفة : ولي الله المعصوم التاسع والإمام السابع باب الحوائج أبو الحسن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، وفيها أغلب ما تحب معرفته عن ولادته و أسمه ونسبه وفضائله ومناقبه وإمامته ومعارفه وتعاليمه وحكمه ومواعظه وأخلاقه وآدابه وسيرته وسلوكه مع أهل زمانه حتى شهادته عليه السلام

تأليف : خادم علوم آل محمد عليهم السلام الشيخ حسن جليل الأنباري

صحيفة الإمام الكاظم عليه السلام

صحيفة الإمام موسى الكاظم عليه السلام
قِرَاءةُ و تَنْزِيلُ الصَّحِيفَةُ

كتاب الكتروني بي دي اف pdf

تفضل نزل الكتاب يا طيب
وهو جيد جدا للمطالعة
↓ أو نختار التصفح والأقتباس هنا ↓ نقرأ ونحدد ما نحتاج وننسخه ونلصقه في الواتساب أو...
كما يمكن تغيير لون الخلفية والنص ليلي أو نهاري أو غيره من لوحة التحكم

يا طيب من الفهرس تذهب للموضوع
نقرأ ونحدد ما نحتاج وننسخه ونلصقه في الواتساب أو...
كما يمكن تغيير لون الخلفية والنص ليلي أو نهاري أو غيره من لوحة التحكم
صحيفة الإمام الكاظم عليه السلام
وشرح أبوذية الحجة والكاظم وموسى

فهرس المحتويات

شرح أبوذية الحجة صفحة 8

شهر ذي الحجة : صفحة 9

مختصر من حياة الإمام :11

أسمه الشريف ونسبه المجيد :11

كنى الإمام علية السلام :11

ألقابه الكريمة عليه السلام :12

أسم أم الإمام وكراماتها :12

نقش خاتمه :12

صفته عليه السلام :13

يوم ولادته ومكانها :13

مدة عمر الإمام عليه السلام :13

تحقيق يوم مولد الإمام 20 ذي الحجة:16

أحاديث ولادة الإمام بالأبواء :26

أحاديث تولد الإمام بالأبواء :27

أهم رواية تولد الإمام بالأبواء :27

تولد بالأبواء حين الرجوع من الحج :31

تولد الإمام بالأبواء مع ذكر السنة :33

الكليني في الكافي :33

الشيخ المفيد رحمه في المقنعة :34

المفيد رحمه الله في الإرشاد :34

وَ كَانَ مَوْلِدُهُ : بِالْأَبْوَاءِ سَنَةَ 128 ثَمَانٍ وَ عِشْرِينَ وَ مِائَةٍ للهجرة .35

الشيخ الطوسي في التهذيب :36

كشف الغمة :39

من قال بتولده في ذي الحجة :41

من قال في سبعة صفر :44

تأريخ رواة تولد الإمام والنتيجة:49

والنتيجة مختصرة :51

الكتب التي تذكر الأبواء ولم تذكر التأريخ :51

القرن الثاني :52

القرن الثالث :52

القرن الرابع :53

القرن الخامس:54

دلائل الإمامة للطبري شهر الولادة :55

القرن السادس ذكروا يوم الولادة:57

نتيجة الأقوال :58

تأييد وتأكيد الولادة بذي الحجة63

تمام الحج بزيارة النبي وآله63

فضل زيارة النبي وآله توجب وجود الإمام بالمدينة :65

تمام الحج بزيارة النبي وآله :69

وجوب زيارة الإمام بعد الحج :73

تمام الحج لقاء الإمام :76

الإمام يستحسن الزيارة :81

باب الابتداء بمكة و الختم بالمدينة :83

معرفة الدين من الإمام لا غير :88

يجب لقاء الإمام :92

كلمة أخيرة :98

إمامنا موسى الكاظم و ولي الله الحجة101

معنى الكاظم وآله حجة الله :101

ولكم يا طيبين الدليل والبرهان والحجة108

تبطل من قال 7 صفر ومجهول الرواية108

معنى الحجة الدليل والبرهان :108

شرح أبوذية الكاظم. 111

شرح الأبوذية :111

سلام الله و صلاته على سيدي و إمامي مولاي موسى الكاظم. 111

الكاظم اسم لقب الإمام :112

سبب التسمية بالكاظم :112

قصة حلم الإمام وكظم الغيظ :115

يا طيب الغاشم إن جهل عليك أصبر و أحلم و لغيظك كن الكاظم. 120

معاني الكاظم الغيظ :120

معنى غيظ :121

معن الغاشم :121

معنى الجهل :122

بحوث في معنى كاظم الغيظ:126

تقديم :126

آيات وقصص قرآنية في كظم الغيظ :128

كظم الصديقة والأمير للغيظ. 132

شعر كظم الغيظ لطيف :136

فضل وثواب كظم الغيظ :138

أحاديث فضل كظم الغيظ :143

ذم الظالم والخلق السيئ :149

تسلم وتسمو وتنبل وتؤجر والمؤمنون وكل الأحرار وأنا الكاضم. 164

بالمودة والتقدير والعقل و ملعون ظالمك و حقير الأخلاقه ردية164

معنى الكاظم الك أضم :164

معنى وجداني الك أضم :164

معنى قرآني وروائي لك أضم :168

قصص جميلة في الضم :170

الأبوذية المختصرة والمشروحة :175

شرح أبوذية موسى. 176

شرح الأبوذية :176

علم هدى الرب وبين حدود العقل إمامنا ابن جعفر موسى. 177

معنى موسى واشتقاقه :177

مختصر حياة الإمام :179

مختصر معارف وعلوم عن الإمام :180

بعض رواياته عن آبائه :187

قصص الإمام مع طاغية زمانه واحتجاجه :189

القاء الأول بين هارون والعباسي والإمام :189

وصف آخر للقاء :195

أسئلة هارون وأجوبة الإمام :196

قصة سجن الإمام وشهادته :203

الإمام في سجن البصرة :203

الإمام في سجن بغداد وعبادته :206

شهادة الإمام والنداء عليه ودفنه :207

شعر في شهادة الإمام :209

وَنوّر الطيبين بالآداب والدعاء والعبودية كنبي الله موسى. 213

معنى موسى واشتقاق اسمه :213

قصة حياة نبي الله موسى:216

ومن أقتدى به توجه لله تعالى ونظف ذنوبه كحلق موسى. 226

وخلص من آثامه ومن وطغيانه ومن الهارونية والفرعونية226

معنى موسى والحلق الحقيقي والديني :226

موسى آله حادة للحلق :226

الحلق بأدب الدين :227

معنى آثامه :230

معنى الطغيان وقصصه :231

هارون الطغيان :232

هارون العدل هارون الطغيان :234

طغيان قوم موسى على هارون :237

آيات في طغيان قوم موسى:240

آيات في طغيان فرعون :242

الأبوذية موسى مختصرة ومشروحة :247

وصية الإمام الكاظم لهشام في العقل. 248

تقديم :248

نص الوصية :250

شرح بعض كلمات الحديث:277

روابط مفيدة :287

☜✍☞
↓ تفضل لمعاني قيمة في ↓

شرح أبوذية الحجة

أبوذية الحجة

رحم الله الشيخ حسن الأنباري إذ قال :

السلام على المولود في 20 ذي الحجة

إمامنا موسى الكاظم و ولي الله الحجة

ولكم يا طيبين الدليل والبرهان والحجة

تبطل من قال 7 صفر ومجهول الرواية

شرح الأبوذية :

السلام على المولود في 20 ذي الحجة

شهر ذي الحجة :

الحجة : ذو الحِجَّةِ: شهرُ الحَجِ‏؛ سُمِّيَ بذلك‏ للحَجّ‏ فيه ، وهو الشهر الثاني عشر من كل السنة وآخر أشهرها و الْحَجُ‏القصد، و رجل‏ مَحْجُوجٌ‏: مقصود، والحَجُ‏ : قَصْدُ التَّوَجُّه إِلى البَيْت بالأَعمالِ المشروعةِ فَرْضاً و سُنَّةً ، تقول: حَجَجْتُ‏ البَيتَ‏ أَحُجُّه‏ حَجّاً، ، فأنا حَاجٌ‏ إِذا قصَدْتَه ، وجمع الحاجِّ الحَجِيجُ‏ الحُجَّاجُ‏ ، وامرأة حاجّة ونِسْوَةٌ حَوَاجُ‏ بيتِ اللّه ، فحُجَ‏ البيتُ لأَنّهم يأْتُونَه‏ كلَّ سنَةٍ أَي يَقْصِدُونَه و يَزُورُونَه و يَكْثِرُون الاختلافَ إِليه لقَصْد مَكَّةَ للنُّسُكِ.

وتولد الإمام الكاظم عليه السلام : في 20 ذي الحجة في منطقة مدينة الأبواء وهي على بعد مسير 5 خمس مراحل أياما من مكة إلى المدينة وهي في وسط الطريق بينهما ، وذلك حين رجوع الإمام الصادق عليه السلام من حجه لبيت الله في سنة 128 للهجرة ، هو أقرب للواقع وللتصديق والحقيقة ، من القول بولادة الإمام الكاظم عليه السلام في 7 صفر من نفس السنة ، كما ستراه بالدليل البين والبرهان الواضح ، في الشرح الآتي ....

و الحَجُ ‏: هو القصد مع عمل مخصوص و حركة ، و هي المناسك، و هذا المعنى الخاصّ هو الحقيقة الشرعيّة كالصلوة والزكاة فلا يطلق الحاجّ على مطلق من يقصد هذا العمل، بل إذا بلغ الى حدّ المناسك و عمل بها سالكا لقضائها:

قال الله تعالى :

{ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ (197) } البقرة.

{ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) } التوبة.

{ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) } الحج.

{ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ (197) } البقرة .

{ وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97) } آل عمران.

فهذه الآيات : و غيرها ، تدلّ على أنّ الحجّ عبارة عن قضاء المناسك لا القصد المطلق ، وكلها في ذي الحجة والعيد الأضحى في عشرة ذي الحجة .

و أمّا الْحِجَّةُ بمعنى السنة: فانّ الزمان يمرّ بالإنسان و يقدم يوما فيوما و شهرا فشهرا و سنة فسنة، و السنة حدّ معيّن و مقدار محدود من امتداد الزمان، و بتجدّدها يتجدّد التأثير و الحوادث، و هذا نوع من الحركة و العمل.

مختصر من حياة الإمام :

أسمه الشريف ونسبه المجيد :

موسى : بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم الصلاة والسلام . وهو سيد بني هاشم وآل محمد صلاة الله وسلامه في زمانه ، وحجة الله على أهل الدنيا ، والإمام وخليفة جده رسول الله السابع والمعصوم التاسع ، بعد آبائه الكرام الأمجاد الطيبين الطاهرين المصطفين الأخيار .

كنى الإمام علية السلام :

كُنْيَتُهُ : أبو الحسن ، ، وأبو الحسن الماضي ، أبو الحسن الأول ، وأبو إبراهيم ، وأبو علي ، وقيل أبو إسماعيل ، وبهذه الأسماء جاء على لسان أصحابه عليه السلام والرواة عنه في كتب الحديث والتاريخ .

ألقابه الكريمة عليه السلام :

الكاظم : نعت به حتى غلب على اسمه عليه السلام وهو أشهر ألقابه .

ويعرف : بالعبد الصالح ، والنفس الزكية ، وزين المجتهدين ، والوفي ، والصابر ، والأمين ، والصالح ، والزاهر .

أسم أم الإمام وكراماتها :

وأمّة أمّ ولد يقال لها : حميدة البربرية ، ويقال لها : حميدة المصفاة .

وذكر أيضاً : أمه عليه السلام حميدة المصفاة ابنة صاعد البربري .

ويقال : إنها أندلسية ، أم ولد تكنى لؤلؤة .

وذكر في الكافي : عن أبيه الصادق عليه السلام قال : حميدة مصفاة من الأدناس كسبيكة الذهب ، ما زالت الأملاك تحرسها حتى أديت إلي كرامة من الله لي وللحجة من بعدي .

نقش خاتمه :

كان نقش خاتم أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام : حبسي الله .

ولآخر : الملك لله وحده .

صفته عليه السلام :

و كان عليه السلام : أزهر إلا في الغيظ لحرارة مزاجه ربع تمام خضر حالك كث اللحية.

يوم ولادته ومكانها :

ولد أبو الحسن موسى عليه السلام : بالأبواء ، ما يقارب يوم 20 ذي الحجة على التحقيق ، وقيل يوم الأحد 7 سبعة صفر .

سنة 128 ثمان وعشرين ومائة وهو المشهور . وقال بعضهم : ولد سنة 129 تسع وعشرين ومائة .

و الأبواء : مكان ولادته عليه السلام ، هو منزل بين مكّة والمدينة ، قرية من أعمال القرع من المدينة ، بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وثلاثون ميلاً ، ، وبها قبر جدته آمنة بنت وهب أم النبي صلى الله عليه وآله .

مدة عمر الإمام عليه السلام :

ولد عليه السلام : سنة 128 في 20 ذي الحجة ، أو 7 صفر بالأبواء .

استشهد عليه السلام : في عام 183 في يوم 25 رجب ، سمه هارون في سجن أبن شاهك .

كان عمره الشريف : 55 سنة .

وعاش مع أبيه : 20 سنة .

فقام بأمر الإمامة : سنة 148 .

وعاش بعد أبه جعفر الصادق عليه السلام : 35 سنة ، وهي كانت مدّة إمامته عليه السلام .

وكانت في أيّام إمامته : بقيّة ملك المنصور أبي جعفر ، ثمّ ملك ابنه المهديّ عشر سنين وشهراً ، ثمّ ملك ابنه الهادي موسى بن محمد سنة وشهراً ، ثمّ ملك هارون بن محمد المقلّب بالرشيد ، واستشهد صلوات الله عليه ، بعد مضيّ خمس عشرة سنة من ملكه مسموماً في حبس السنديّ بن شاهك ، وسمه برطب بأمر هارون ، ودفن بمدينة السلام في المقبرة المعروفة بمقابر قريش .

شهادته عليه السلام وسببها :

وكان سبب وفاته عليه السلام : أن طاغية زمانه هارون حمله من المدينة لعشر ليال بقين من شوال سنة 179 تسع وسبعين ومائة .

وقد قدم : هارون الخليفة العباسي ، المدينة من عمرة شهر رمضان ، ثم شخص هارون إلى الحج وحمله معه ، ثم انصرف على طريق البصرة فحبسه عند عيسى بن جعفر ، ثم أشخصه إلى بغداد ، فحبسه عند السندي بن شاهك ، فتوفي عليه السلام في حبسه في يوم خمس بقين من رجب ، وقيل أيضاً لخمس خلون من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة ، ودفن ببغداد بالجانب الغربي في المقبرة المعروفة بمقابر قريش من باب التين ، فصارت باب الحوائج .

واليوم مرقده الطاهر : عليه قبة تناطح السحاب ويقصده المؤمنون للزيارة والدعاء ، وهو في منطقة عامرة تسمى بالكاظمية ، شمال عاصمة العراق بغداء وهي احد قصباتها الملاصقة لها ليس بينهم إلا نهر دجلة وعليه عدة جسور تربط بينهما .

تحقيق يوم مولد الإمام 20 ذي الحجة:

يا طيب : ذكروا عدة أحاديث في تولد الإمام موسى الكاظم عليه السلام في الأبواء في حين رجوع والده الإمام جعفر الصادق عليه السلام من الحج سنة 128 للهجرة ، ومعه كثير من الأصحاب يرافقون الإمام ، ولما وصل الإمام الصادق للأبواء وهو وأصحابه ومواليه وخدمه وهم على مائدة غذاء الظهر ، جاءه من طرف خيام الحريم من يخبره بأن حميدة المصفاة جاءتها حالة الولادة ، فقام وبعد فترة وجيزة رجع عليه السلام ، وأخبر أصحابه أن الله رزقه بولد خير أهل الدنيا ، وإنه إمامهم بعده ، وهذا مسلم في كل أحاديث الإمامية ورواه أقدم المؤلفين كالكليني والمفيد والطوسي وغيرهم من أول مؤلفي ومحققي وفقهاء الشيعة ، ولم ينقل غيرها .

و يا طيب : هذه الواقعة السعيدة كانت لميلاد الإمام يتوقع أنها كانت في يوم 20 ذي الحجة ، وليست في 7 صفر كما ذكر البعض ، والسبب .

والسبب : أن الحجاج يوم 13 ثلاثة عشر ذي الحجة تتم أعمالهم فينهون أعمال الحج ، وبعدها يبقون في مكة المكرمة بالقيام بالطواف المستحب أو عمرة مستحبة في يوم أو يومين أو سبوع ، والنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بعد حجة الوداع بقي يوما واحدا في مكة المكرمة ، وفي 15 ذي الحجة رجع للمدينة المنور فكان يوم 18 الثامن عشر ذي الحجة في الجحفة وقام فيها خطبة غدير خم ، والجحفة على بعد 4 أيام من مكة وأقرب لمكة من الأبواء يوما واحدا ، ولا يبقى بعد الحج وتمامه في يوم 13 عشر ذي الحجة في مكة إلا من يعجبه أن يجاور أو يحب يسكن أياما أكثر أو عنده أعمال معنية تخصه .

وبالخصوص : أئمة أهل البيت عليهم السلام ، لم يكن لهم سكن خاص في مكة المكرمة ولا مناسب لهم البقاء بها كثيرا بعد الحج ، لأنه معهم كثير من المسافرين من أهل بيتهم وأصحابهم ، وإن الناس يفيضون معهم من المدينة المنورة ويرجعون معهم ، وبالخصوص الموالين ، وتأخر الإمام في مكة لما يقارب الشهرين 50 يوما من بعد الحج بالإضافة لأيام قبل الحج وأعماله الكثيرة الحركة والأعمال الشاقة نسبيا في السفر ولعله تكون 10 أيام وأكثر قبل أيام الحج ، ومع أيام السفر للحج من المدينة المنورة فضلا عن غيرهم ، فتكون 70 يوما أو أي ما يقار الشهرين والنصف حتى يكون يوم 7 صفر ليولد الإمام بالأبواء في وسط الطريق بين مكة والمدينة ، فهذا أمر هذا يدعو لمشقة السفر وموجب لأذية من يحبهم ولأهلهم ولمن جاء معهم ، وبالخصوص من ترك أعزته في المدينة المنورة ممن لم يحج معهم ، ولابد من رجوعهم لرعايتهم والقيام بأمورهم ، فلابد للإمام من تعجيل الرجوع لمكة المكرمة لتسهيل أمر من يرافقه ولا يشق عليهم ، فيكون القول برجوعه من مكة بعد يومين من تمام الحج هو الأقرب والمناسب ، فيكون مولد الإمام الكاظم في الأبواء يوم 20 ذي الحجة سنة 128 للهجرة.

والأمر الآخر : إن أغلب الحجاج إن لم نقل كلهم بعد زيارة بيت الله الحرام وتتم أعمالهم في مكة المكرمة ، يذهبون إلى المدينة المنورة وبالخصوص أغلب الموالين بل كل المسلمين من يأتي للحج من مدن بعيدة ، وذلك لزيارة مرقد النبي الأكرم والتسليم والصلاة عليه ، وبالخصوص الموالين حيث يزورون أئمة البقيع عليهم السلام مع سيد المرسلين ، ونفس شخص الإمام في زمانهم زمانهم ، ولابد من وجود الإمام في المدينة المنورة ليأتي من يستفسر عن أمور دينه ومعارف هداه في العقائد والأخلاق والأحكام وكل تعاليم الإسلام منه ، وهذا أمر مهم يدعو الإمام للرجوع إلى المدينة المنورة بعد مراسم أيام الحج بأيام قليلة ، وليتمكن من القيام بأمورهم والجواب عن أسألتهم ، وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة تؤكد ضرورة وجود الإمام في المدينة المنورة ، ورجوعه إلى المدينة المنورة بعد تمام حجه بأيام قلائل ولا يتأخر بمكة المكرمة ما يقارب 50 يوما حتى 7 صفر.

والأمر الثالث : كانت المدينة وحوزتها الدينية العلمية من زمن النبي صلى الله عليه وآله ، وآل البيت كلهم عليهم السلام بعده ، ولم يفارقوها إلا لضرورة ، ولم تكن مكة المكرمة فيها حوزة علمية دينية ولا فقهاء يعرفون ، بل كان من يريد تدريس الدين وفقهه وأحكامه يأتي إلى المدينة المنور لتواجد الفقهاء فيها وبالخصوص الأئمة من أهل البيت عليهم السلام ، ولابد للإمام من حضوره بينهم ولا يتركهم لكل من يعلم بفكره ويفتي بقياسه ، وبالخصوص هو في زمان تكون المذاهب ، ولا يقوم بأهم مهام الدين وفي أفضل أوقات التبليغ .

ويا طيب : كل ما عرفته يدعونا بل يؤكد أن الإمام الصادق بعد أن تم مراسم الحج ، وبعد يومين رجع إلى المدينة المنورة مع صحبه وأهل بيته ومواليه والشيعة ممن حج معه والتحق به .

وحينها الأبواء : وهي محطة سفر بين مكة المكرمة والمدينة المنور ، وتقريبا بالضبط في وسط الطريق بين المدينتين المقدستين ، و تقع على بعد 5 خمسة مراحل من مكة المكرمة وهي بعد الجحفة التي فيها غدير خم بمرحلة يوم سفر ، فيصل الجحفة بعد 4 أربعة أيام من خروجه من مكة المكرمة ، و يصل الأبواء الحاج القاصد للمدينة بعد 5 خمسة أيام من يوم خروجه من مكة المكرمة .

والآن يا طيب : 13 عشر ذي الحجة تتم أعمال الحج ، فلو بقي الإمام 2 يومين بعد الحج في مكة وخرج في اليوم الثالث ، فيكون خروجه يوم 16 ستة عشر ذي الحجة من مكة المكرمة لما عرفت من الأسباب التي تدعو الإمام لضرورة لخروج من مكة المكرمة للمدينة المنورة ، 16، 17 ، 18 ، 19 ، 20 ذي الحجة فهذه 5 خمسة أيام تامة في الطريق حتى يصلوا الأبواء في يوم 20 ذي الحجة.

فيكون الإمام الصادق عليه السلام : في يوم 20 ذي الحجة في الأبواء ، وهو يوم ميلاد الإمام الكاظم عليه السلام ، أي بعد 7 سبعة أيام من بعد إتمام أعمال الحج ، بعد يوم 13 ثلاثة عشر في مكة بقي يوم 14 ، و15 ، ويوم 16 ستة عشر خرج ، و5 أيام طريق يكون يوم 20 في الأبواء ، والأبواء التي تبعد 5 خمسة أيام عن مكة في طريق الذاهب للمدينة .

وهذا أقرب الأقوال :

من قول : أنه في 7 صفر ولد الإمام الكاظم عليه السلام ، أي بعد 50 يوما من انقضاء أيام الحج ، أي ما يقارب بعد 45 يوما أي شهر ونصف بقي الإمام الصادق في مكة بعد الحج ، و 5 أيام في الطريق حتى يصل الأبواء.

وبعبارة أخرى : بعد انقضاء الحج في ويوم 13 ذي الحجة ، بقي في مكة المكرمة 17 سبعة عشر يوما حتى يتم ذي الحجة ، وشهر محرم كله 30 يوما ، ثم 2 صفر خرج من مكة المكرمة ، ثم 5 أيام في الطريق ، حتى يكون يوم 7 سبعة صفر يوم ولادة الإمام الكاظم عليه السلام في الأبواء ، ولأبواء في نصف الطريق بين مكة والمدينة وبعد 5 أيام من مكة في طريق الذاهب للمدينة .

تحقيق محل تولد الإمام في الأبواء

ويا طيب : قد فصلنا القول في أسماء المناطق بين مكة والمدينة ومقدار المسافة بينها في موسوعة صحف الطيبين في صحيفة الإمام الحسين عليه السلام في جزء خروجه من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة ثم إلى كربلاء بتفصيل تام ، فذكرنا أسماء المناطق ومقدارها بالأميال والفراسخ وبالكيلومتر وبالمتر ، من أحب يراجعها ، كما ذكر تفصيلا مختصر في شرح أبوذية الغدير لمعرفة محل الجحفة وموقع غدير خم، ومنه هذا المختصر لنتصور ولادة الإمام الكاظم في الأبواء في طريق الحج:

يا طيب إن : الفرسخ = 3 ثلاثة أميال .

والميل = 4000 أربعة آلاف ذراع .

الميل = 1.82 متر أي ألف وثمانمائة وعشرون مترا .

فالفرسخ = 5.5 كيلو مترا .

وعلى القول الأصح متوسط المرحلة : 8 فراسخ في 3 أميال تساوي 24 ميلا. وعلى التقدير المتوسط الأصح 44 كيلومترا وعليه نعتمد لمقاربته المسافة الآن ، ولتحقيق البحث نذكر المسافة والمراحل حسب ما ذكرت في الكتب القديمة والحديثة ، فتابع البحث.

قال في المسالك والممالك [1]: طريق الجادّ من المدينة إلى مكّة :

من المدينة : إلى الشجرة وهي ميقات أهل المدينة ، 6 ستة أميال .

يا طيب : تكون المسافة :10920 مترا ، أي 10 عشرة كيلومترات ، و920 تسعمائة وعشرون مترا ، أي ما يقارب 11 الأحد عشر كيلو متر ، فيكون هنا محل لصلاة الظهر وللإحرام بالنسبة للحاج والقاصد لمكة المكرمة .ثم إلى ملَل : فيها آبار ، 12 اثنا عشر ميلاً .

يا طيب : تكون المسافة : 21840 مترا ، أي 21 واحد وعشرون كيلومترا ، و840 ثمانمائة وأربعون مترا .

ثم إلى السّيالَة : فيها آبار ، 19 تسعة عشر ميلاً .

يا طيب : تكون المسافة :34580 مترا ، أي 34 أربعة وثلاثون كيلومترا ، 580 ونصف تقريبا أي وخمسمائة وثمانون مترا .

ثم إلى الرُّويثة : فيها برك 34 أربعة وثلاثون ميلاً .

يا طيب : تكون المسافة : 51880 مترا ، أي 51 واحد وخمسون كيلو مترا ، و 880 ثمانمائة وثمانون مترا .

ثم إلى السُّقيا : فيها نهر جار وبستان ، ستة وثلاثون ميلاً .

يا طيب : تكون المسافة : 65520 مترا ، أي 65 خمسة وستون كيلومتر و 520 خمسمائة وعشرون مترا .

ثم إلى الأبواء : فيها آبار ، سبعة وعشرون ميلاً .

يا طيب : تكون المسافة : 49140 مترا ، أي ما يقارب الخمسون كيلومترا ، 49 كيلومتر ، و 140 مترا .

ثم إلى الجُحفة : وهي من تهامة ، وفيها آبار ، سبعة وعشرون ميلاً .

يا طيب : تكون المسافة : 49140 مترا ، أي ما يقارب الخمسون كيلومترا ، 49 كيلومتر ، و 140 مترا .

ثم إلى قُديد : فيها آبار ، سبعة وعشرون ميلاً . يا طيب : تكون المسافة : 49140 مترا ، أي ما يقارب الخمسون كيلومترا ، 49 كيلومتر ، و 140 مترا .

ثم إلى عسفان : فيها آبار ، أربعة وعشرون ميلاً .

يا طيب : تكون المسافة : 43680 مترا ، أي 43 ثلاثة وأربعون كيلومترا و 680 مترا . وعسفان : على بعد مرحلتين من مكة .

ثم إلى بطن مر : فيها عين وبركة ، ثلاثة وثلاثون ميلاً .

يا طيب : تكون المسافة : 60060 مترا ، أي 60 ستون كيلومترا ، و 60 مترا .

[1] المسالك والممالك ابن خرداذبه الصفحة 30

ثم إلى مكة : ستة عشر ميلاً[2] .

يا طيب : تكون المسافة : 29120 مترا ، أي 29 كيلومترا و 120 مترا .

ويا طيب : عرفت بأن الميل كان 1820 مترا ، ولو جمعنا المراحل :

10920 متر من المدينة إلى الشجر .

21840 متر من الشجرة إلى ملل . هذه المرحلتين تعدان مرحلة واحدة .

34580 متر من ملل إلى السيالة . يساوي 67340

51880 متر من السيالة إلى الرويثة . يساوي 119220

65520 متر من الرويثة إلى السقيا . 184740

49140 متر من السقيا إلى الأبواء . 233880 من المدينة للأبواء .

49140 متر من الأبواء إلى الجحفة . 283020 من المدينة للجحفة

49140 متر من الجحفة إلى قديد . 332160

43680 متر من قديد إلى عسفان . 375840

60060 من عسفان إلى بطن مر . 435900

29120 من بطن مر إلى مكة المكرمة . 465020

465020 متر المجموع أي 465 كيلومترا و20 عشرون مترا .

ويا طيب : عرفت أن المراحل 10 عشرة بين مدينة المنورة ومكة الكرمة ، والأبواء على بعد من المدينة 5 خمسة مراحل سير ، ومن مكة المكرمة للأبواء 5 خمسة مراحل سيرا على الأقدام أي خمسة أيام .

لأنه من المدينة المنورة للأبواء : 233880 متر

ومن مكة المكرمة إلى الأبواء: 231140 متر

المجموع: 465020 مترا وهي المسافة بين مكة والمدينة ، 465 كيلوو20.

ويا طيب : إن المسافة المقدرة الآن على الطرق الحديثة المعبدة المبلطة والتي عدلت فيها الطرق واستوت ولا يجبر المسافر على الصعود والنزول و الالتفاف حول الجبال والهضاب ، تبعد المدينة المنورة عن مكة المكرمة 430 كم شمالاً .

والمدينة المنورة : المدينة وترتفع عن سطح البحر 625 متراً تقريباً .

وأمام مكة المكرمة :يبلغ ارتفاعها عن سطح البحر ما بين 250مترًا إلى 350متر ، وأما أعلى قمة جبالها فيبلغ 800 متر فوق سطح البحر .

وأسأل الله تعالى : أن كون قد وفقت لبيان أقرب الأقوال لميلاد ولي الله وحجة الإمام أبو الحسن موسى الكاظم عليه السلام في 20 ذي الحجة .

[2] المسالك والممالك ابن خرداذبه الصفحة 30 .

أحاديث ولادة الإمام بالأبواء :

يا طيب : عرفت محل الأبواء وهي وسط الطريق بين مكة المكرمة والمدينة المنورة ، وهي التي تولد فيها الإمام الكاظم عليه السلام بنص كل الأقوال والرواة والعلماء والفقهاء القدماء من الشيعة .

وتعني ولادته عليه السلام بالأبواء : أنه حين رجوع والد الإمام موسى الكاظم أي الإمام جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام ، من الحج في سنة 128 للهجرة ، ونزل الأبواء فولده له الإمام الكاظم عليه السلام ، ولمعرفة هذه الأقوال والأحاديث والروايات نذكر :

أولا : الأحاديث التي تحكي قصة ولادته بالأبواء .

ثاني : أقوال العلماء في تولده بالأبواء .

وحينها : نعرف لابد أن يكون مولده في 20 ذي الحجة لما عرفة من ضرورة رجوع الإمام للمدينة ، ولا يصح على القول 7 صفر ، أن يبقى الإمام الصادق عليه اسلم 50 خمسين يوما خارج المدينة ، بل لو أضيف مدة الحج والسفر له لكانت ما يقارب 70 السبعون يوما ، ومعه كثير من أهل بيته وأصحابه وخدمه وحشمه ، ومن غيرهم من الناس من الموالين والمرافقين له في حجه لبيت الله ، وقد تركوا سكنهم وأهلهم ، ولا حاجة لهم بالبقاء في مكة بعد قضاء الحج، والذين لا يتقدموه في شيء ولا يصدرون إلا معه وبعده ،حرمة له ومعرفة لشأنه الكريم ، وحقه في الإمامة والولاية ، وحرمة رسول الله وأنه حجة الله عليهم ، فيشق عليهم عناء السفر بدون مبرر ولا حاجة ماسة ، فضلا عن ضرورة وجود للإفتاء والتعليم بالمدينة .

أحاديث تولد الإمام بالأبواء :

يا طيب : إليكم من قال تولده بالأبواء ولم يعين تأريخ الولادة ولا حتى الشهر ، وننقل عباراتهم ، وهي كتب تأريخ الأئمة المفصلة لها ، ومهتمة بذكر التأريخ لكل الأئمة إلا حين يصلون للإمام الكاظم عليه السلام ، لم يذكروا تأريخ شهر ولادته فضلا عن يوم الولادة وإن ذكروا السنة :

أهم رواية تولد الإمام بالأبواء :

في المحاسن وبصائر الدرجات والكافي ودلائل الإمام كلا بسنده ، عن الوشاء : عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

كُنْتُ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام :

فِي السَّنَةِ : الَّتِي وُلِدَ فِيهَا ابْنُهُ مُوسَى .

فَلَمَّا نَزَلْنَا الْأَبْوَاءَ :

وَضَعَ لَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : الْغَدَاءَ ، وَ لِأَصْحَابِهِ وَ أَكْثَرَهُ وَ أَطَابَهُ ، فَبَيْنَا نَحْنُ نَتَغَدَّى .

إِذْ أَتَاهُ رَسُولُ حَمِيدَةَ : أَنَّ الطَّلْقَ قَدْ ضَرَبَنِي .

وَقَدْ أَمَرَتْنِي : أَنْ لَا أَسْبِقَكَ بِابْنِكَ .

هَذَا فَقَامَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : فَرِحاً مَسْرُوراً ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ عَادَ إِلَيْنَا حَاسِراً عَنْ ذِرَاعَيْهِ ، ضَاحِكاً سِنُّهُ .

فَقُلْنَا : أَضْحَكُ اللَّهُ سِنَّكَ ، وَ أَقَرَّ عَيْنَيْكَ ، مَا صَنَعَتْ حَمِيدَةُ ؟

فَقَالَ عليه السلام : وَهَبَ اللَّهُ لِي غُلَاماً .

وَ هُوَ : خَيْرُ مَنْ بَرَأَ اللَّهُ فِي خَلْقِهِ .

و لقد أخبرتني حميدة : ظنت أني لا أعرفه ، و لقد كنت أعلم به منها

فقلت : و ما أخبرتك به حميدة عنه ؟

فقال عليه السلام : ذكرت أنه لما سقط من بطنها ، سقط واضعا يده على الأرض ، رافعا رأسه إلى السماء .

فأخبرتها : أن تلك أمارة رسول الله صلى الله عليه وآله ، و أمارة الوصي من بعده .

فقلت : و ما هذا من علامة رسول الله ، و علامة الوصي من بعده ؟

فقال عليه السلام : يا أبا محمد ، إنه لما أن كانت الليلة التي علقت فيها بابني ، هذا المولود ، أتاني آت فسقاني كما سقاهم ، و أمرني بمثل الذي أمرهم به ، فقمت بعلم الله مسرورا ، بمعرفتي ما يهب الله‏ لي ، فجامعت فعلقت .

بِابْنِي : هَذَا الْمَوْلُودِ .

فَدُونَكُمْ : فَهُوَ وَ اللَّهِ صَاحِبُكُمْ مِنْ بَعْدِي .

إن نطفة الإمام : مما أخبرتك ، فإنه إذا سكنت النطفة في الرحم أربعة أشهر ، و أنشأ فيه الروح ، بعث الله تبارك و تعالى إليه ملكا ، يقال له : حيوان يكتب في عضده الأيمن ، { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) } الأنعام .

فإذا وقع من بطن أمه : وقع واضعا يديه على الأرض ، رافعا رأسه إلى السماء ، فلما وضع يده على الأرض ، فإن مناديا يناديه من بطنان العرش ، من قبل رب العزة ، من الأفق الأعلى ، باسمه و اسم أبيه .

يا فلان بن فلان : اثبت مليا ، لعظيم خلقتك ، أنت صفوتي من خلقي ، و موضع سري ، و عيبة علمي ، و أميني على وحيي ، و خليفتي في أرضي ، و لمن تولاك أوجبت رحمتي ، و منحت جناني ، و أحللت جواري .

ثم و عزتي : لأصلين من عاداك أشد عذابي ، و إن أوسعت عليهم في الدنيا من سعة رزقي .

قال : فإذا انقضى صوت المنادي ، أجابه هو و هو واضع يده على الأرض ، رافعا رأسه إلى السماء .

و يقول ‏: { شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) } آل عمران.

فإذا قال ذلك : أعطاه الله العلم الأول ، و العلم الآخر ، و استحق زيارة الروح في ليلة القدر .

قلت : و الروح ليس هو جبرئيل ؟

قال عليه السلام : لا الروح خلق أعظم من جبرئيل ، إن جبرئيل من الملائكة ، و إن الروح خلق أعظم من الملائكة ، أ ليس يقول الله تبارك و تعالى : {‏ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) ‏ } القدر .

المحاسن ج2ص314ح32 .

وذكر الصفار في بصائر الدرجات :

قال حدثنا أحمد بن الحسين عن المختار بن زياد عن أبي جعفر محمد بن مسلم‏ عن أبيه عن أبي بصير قال :

كنت مع أبي عبد الله عليه السلام : في السنة التي ولد فيها ابنه موسى ، فلما نزلنا الأبواء ، وضع لنا .... وأكمل كالحديث السابق ..

بصائر الدرجات في فضائل آل محمد صلى الله عليهم ج1ص440 ح4 .

ذكر الكليني في الكافي :

عن علي بن محمد ، عن عبد الله بن إسحاق العلوي ، عن محمد بن زيد الرزامي‏ ، عن محمد بن سليمان الديلمي ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال :

حججنا مع أبي عبد الله عليه السلام : فِي السَّنَةِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا ابْنُهُ مُوسَى عليه السلام .

فَلَمَّا نَزَلْنَا الْأَبْوَاءَ : وضع لنا الغداء ... ومثل حديث السابق .

الكافي ج1ص385حديث 1 باب مواليد الأئمة عليهم السلام .

تولد بالأبواء حين الرجوع من الحج :

عن علي بن حديد : عن منصور بن يونس ، و داود بن رزين :

عن منهال القصاب قال :

خَرَجْتُ مِنْ مَكَّةَ : وَ أُرِيدُ الْمَدِينَةَ .

فَمَرَرْتُ بِالْأَبْوَاءِ :

وَ قَدْ وُلِدَ : لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام مُوسَى عليه السلام .

فسبقته إلى المدينة : و دخل بعدي بيوم ، فأطعم الناس ثلاثا .

فكنت آكل : فيمن يأكل ، فما آكل شيئا إلى الغد .

حتى أعود : فأكل .

فمكثت بذلك : ثلاثا أطعم ، حتى ارتفق ، ثم لا أطعم شيئا إلى الغد.

المحاسن ج2ص418ب24 ح187 . ارتفق- اتكأ على مرفق يده أو على المخدة و امتلأ .

يا طيب : تدبر هذه الرواية ، وفيها تصريح السرعة في الجوع للمدينة ، فهذا الراوي حب الرجوع للمدينة مع أنه مع الإمام الصادق عليه السلام يطعم أصحابه ومواليه في الأبواء وفي عند ميلاد أبنه الكاظم عليه السلام يخرج وحده لعمل عنده في المدينة وحتما خرج مسرع .

والإمام عليه السلام : مع حشمه وخده وأصحابه وزوجته وطفله المولد جديدا ، يسافر بسرعة ويلحق بالمدينة بعد يوم من وصول منهال القصاب الراوي ، مما يدل على أنه على كل الظروف يستعجل الرجوع عليه السلام للقيام بمهامه .

وهذا يدلنا أيضا : على سرعة الخروج من مكة المكرمة للمدينة بعد انقضاء الحج ، مما يدعونا للتصديق بقوة بأن ولادة الإمام وبأقرب يوم ممكن بعد تمام الحج ، وهو يوم 20 ذو الحجة المبارك ، ولا يمكن دفعه لبعد 50 يوما أخرى حتى 7 صفر .

تولد الإمام بالأبواء مع ذكر السنة :

الكليني في الكافي :

بَابُ مَوْلِدِ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ :‏

وُلِدَ أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى عليه السلام : بِالْأَبْوَاءِ .

سَنَةَ : 128 ثَمَانٍ وَ عِشْرِينَ وَ مِائَةٍ .

وَ قَالَ بَعْضُهُمْ : تِسْعٍ وَ عِشْرِينَ وَ مِائَةٍ .

و قبض عليه السلام : لست خلون من رجب من سنة ثلاث و ثمانين و مائة .

و هو ابن : أربع أو خمس و خمسين سنة .

و قبض عليه السلام : ببغداد في حبس السندي بن شاهك ، و كان هارون حمله من المدينة لعشر ليال بقين من شوال سنة تسع و سبعين و مائة ، و قد قدم هارون المدينة منصرفه من عمرة شهر رمضان ، ثم شخص هارون إلى الحج ، و حمله معه ، ثم انصرف على طريق البصرة ، فحبسه عند عيسى بن جعفر ، ثم أشخصه إلى بغداد فحبسه عند السندي بن شاهك ، فتوفي في حبسه ، و دفن ببغداد في مقبرة قريش ، و أمه أم ولد يقال لها حميدة.

الكافي ج1ص476 .

الشيخ المفيد رحمه في المقنعة :

قال :

موسى‏ : بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف .

الإمام الكاظم : و العبد الصالح ، إمام المؤمنين.

كنيته : أبو الحسن ، و يكنى بأبي إبراهيم ، و يكنى أيضا بأبي علي.

ولد بالأبواء : سنة 128 ثمان و عشرين و مائة للهجرة .

و قبض عليه السلام : قتيلا بالسم ببغداد في حبس السندي بن شاهك‏ ، لست بقين من رجب سنة ثلاث و ثمانين و مائة ، و كان سنه يومئذ خمسا و خمسين سنة.

و أمه : أم ولد ، يقال لها : حميدة البربرية .

و قبره : بباب التبن من مدينة السلام‏ ، في المقبرة المعروفة بمقابر قريش‏ .

المقنعة ص476 ب23 باب نسب أبي الحسن موسى بن جعفر و تاريخ مولده و وفاته و موضع قبره‏ .

يا طيب : المفيد لم يذكر الشهر وإن صرح بالسنة كما في الكافي ، وكذا في الإرشاد .

المفيد رحمه الله في الإرشاد :

قال رحمه الله : باب تاريخ الإمام موسى بن جعفر عليه السلام :

باب ذكر الإمام القائم : بعد أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السالم من ولده ، و تاريخ مولده ، و دلائل إمامته ، و مبلغ سنه و مدة خلافته ، و وقت وفاته ، و سببها ، و موضع قبره ، و عدد أولاده ، و مختصر من أخباره .

فصل تاريخ ولادة الإمام الكاظم عليه السلام و وفاته و ما يخصه‏ :

و كان الإمام : كما قدمناه بعد أبي عبد الله ابنه أبا الحسن موسى بن جعفر.

العبد الصالح : لاجتماع خلال الفضل فيه و الكمال ، و لنص أبيه بالإمامة عليه ، و إشارته بها إليه.

وَ كَانَ مَوْلِدُهُ : بِالْأَبْوَاءِ سَنَةَ 128 ثَمَانٍ وَ عِشْرِينَ وَ مِائَةٍ للهجرة .

و قبض عليه السلام : ببغداد ، في حبس السندي بن شاهك ، لست خلون من رجب سنة ثلاث و ثمانين و مائة ، و له يومئذ خمس و خمسون سنة.

و أمه : أم ولد ، يقال لها : حميدة البربرية.

و كانت : مدة خلافته و مقامه في الإمامة بعد أبيه 35 خمسا و ثلاثين سنة.

و كان يكنى : أبا إبراهيم ، و أبا الحسن ، و أبا علي ، و يعرف بالعبد الصالح ، و ينعت أيضا بالكاظم .

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ج2ص215 .

يا طيب : المفيد رحمه الله مع أنه عقد بابا في تولد الإمام ومحله وفصل ذكره ، ولكنه لم يذكر الشهر فضلا عن اليوم وإن ذكر السنة ، ومثلهم الشيخ الطوسي رحمه الله :

الشيخ الطوسي في التهذيب :

باب نسب أبي الحسن موسى عليه السلام و تاريخ مولده و وفاته و موضع قبره‏ :

هو موسى : بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم الصلاة والسلام .

الكاظم : الإمام ، العبد الصالح ، إمام المؤمنين .

كنيته : أبو الحسن ، و يكنى أبا إبراهيم ، و يكنى أيضا أبا علي .

وُلِدَ بِالْأَبْوَاءِ : سَنَةَ 128 ثَمَانٍ وَ عِشْرِينَ وَ مِائَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ .

و قبض : قتيلا بالسم ببغداد ، في حبس السندي بن شاهك لعنه الله .

لست : بقين من رجب ، سنة ثلاث و ثمانين و مائة من الهجرة .

و كان سنه يومئذ : خمسا و خمسين سنة .

و أمه : أم ولد ، يقال لها : حميدة البربرية رضي الله عنها .

و قبره : ببغداد من مدينة السلام ، في المقبرة المعروفة بمقابر قريش .

تهذيب الأحكام ج6ص81ب29 .

يا طيب : وإن ذكر الطوسي رحمه في عنوان الباب ، وقال تأريخ مولده ، فذكر السنة فقط ولم يذكر الشهر والسنة .

وقال باب فضل زيارته :

عن بن علي الوشاء عن الرضا عليه السلام قال : سألته عن زيارة قبر أبي الحسن عليه السلام ، هل هي مثل زيارة قبر الحسين عليه السلام ؟

قَالَ : نَعَمْ.

وعن الحسن بن‏ محمد القمي قال : قال لي الرضا عليه السلام :

‏ مَنْ زَارَ: قَبْرَ أَبِي بِبَغْدَادَ ، كَانَ كَمَنْ زَارَ قَبْرَ رَسُولِ اللَّهِ ، وَ قَبْرَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه ، إِلَّا أَنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ وَ لِأَمِيرِ- الْمُؤْمِنِينَ ، فَضْلَهُمَا.

عن ابن سنان قال: قلت للرضا عليه السلام : ما لمن زار أباك ؟

قَالَ : الْجَنَّةُ ، فَزُرْهُ .

و عن الحسين بن بشار الواسطي قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام : ما لمن زار قبر أبيك ؟

قَالَ : زُرْهُ .

فقلت : أي شي‏ء فيه من الفضل ؟

قَالَ عيه السلام : فِيهِ مِنَ الْفَضْلِ كَفَضْلِ مَنْ زَارَ قَبْرَ وَالِدِهِ، يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ.

قلت : فإني خفت و لم يمكني أن أدخل داخلا .

قَالَ : سَلِّمْ مِنْ وَرَاءِ الْجِسْرِ .

و عن زكريا بن آدم القمي عن الرضا عليه السلام قال :

إِنَّ اللَّهَ : نَجَّى بَغْدَادَ ، بِمَكَانِ قُبُورِ الْحُسَيْنِيَّيْنِ فِيهَا.

تهذيب الأحكام ج6ص81ب30 ح 158 _ 1 إلى 162ـ5 .

وقال باب زيارته عليه السلام :

وعن الإمام أبي الحسن عليه السلام قال : تقول ببغداد :

السَّلَامُ عَلَيْكَ‏ : يَا وَلِيَّ اللَّهِ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا حُجَّةَ اللَّهِ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا نُورَ اللَّهِ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مَنْ بَدَا لِلَّهِ فِي شَأْنِهِ ، أَتَيْتُكَ عَارِفاً بِحَقِّكَ ، مُعَادِياً لِأَعْدَائِكَ ، فَاشْفَعْ لِي عِنْدَ رَبِّكَ .

و ادع الله : و اسأل حاجتك . و سلم بهذا على أبي جعفر عليه السلام .

وعن علي بن حسان قال : سئل الرضا عليه السلام عن إتيان قبر أبي الحسن عليه السلام قال :

صَلُّوا : فِي الْمَسَاجِدِ حَوْلَهُ .

تهذيب الأحكام ج‏6ص82ب31 ح163- 1 ، 164 -2 .

كشف الغمة :

قال الأربلي : ذكر الإمام السابع أبي الحسن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال كمال الدين أثابه الله‏

هو الإمام الكبير القدر : العظيم الشأن ، الكثير التهجد ، الجاد في الاجتهاد ، و المشهود له بالكرامات ، المشهور بالعبادة ، المواظب على الطاعات ، يبيت الليل ساجدا و قائما ، و يقطع النهار متصدقا و صائما . و لفرط حلمه : و تجاوزه عن المعتدين عليه ، دعي كاظما ، كان يجازي المسي‏ء بإحسانه إليه ، و يقابل الجاني عليه بعفوه عنه ، و لكثرة عباداته كان يسمى بالعبد الصالح ، و يعرف في العراق بباب الحوائج إلى الله ، لنجح المتوسلين إلى الله تعالى به كراماته تحار منها العقول ، و تقضي بأن له عند الله قدم صدق و لا يزول.

أما ولادته‏ : فبالأبواء : سنة 128 ثمان و عشرين و مائة من الهجرة ، و قيل تسع و عشرين و مائة.

و أما نسبه أبا و أما : فأبوه : جعفر الصادق بن محمد الباقر ، و قد تقدم القول فيه و أمه أم ولد يسمى حميدة البربرية و قيل غير ذلك.

و أما اسمه‏ : فموسى : و كنيته : أبو الحسن ، و قيل أبو إسماعيل ، و كان له ألقاب متعددة : الكاظم و هو أشهرها و الصابر و الصالح و الأمين.

كشف الغمة في معرفة الأئمة ج2ص212.

يا طيب : هذا من أحد الكتب التي تفصل حياة الأئمة كلهم كالإرشاد ، لم يعين يوم ولادته ولا الشهر ، ولكن حدد مكانها بالأبواء ، وهي كما عرفت وسط الطريق بين مكة والمدينة .

والأربلي توفي رحمه الله في آخر القرن السابع 692 ويقريب من القرن الثامن ولكنه لم ذكر يوم التولد ولا الشهر ، وأشرنا له هنا لتعرف أن بعضهم مع أنه متأخر ومختص في تأريخ الأئمة ، لكن لا يذكر ما لم يجده وكونه متأخر فلا نذكره بعد حتى القرن السابع ، ونكتفي من المتقدمين للقرن السادس الذين ذكروا اليوم .

من قال بتولده في ذي الحجة :

يا طيب : تولد الإمام في ذي الحجة مروي عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام ، خلاف غيره ممن ذكر صفر لم يسنده لأحد فضلا من أن يسنده لإمام ، وذا هذا القول يرجح ولادته في ذي الحجة ، بل قد يحصرها فيها ، ويكون في صفر يوم محتمل تذكر فيه فضائله في مجلس ذكر المناقب والسيرة والسلوك والتعاليم دون الاحتفال وذكر المدائح .

قال الطبري في دلائل الإمامة :

أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام :

معرفة ولادته ‏:

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الثَّانِي عَلَيْهِ السَّلَامُ :

وُلِدَ بِالْأَبْوَاءِ : بَيْنَ مَكَّةَ وَ الْمَدِينَةِ .

فِي شَهْرِ : ذِي الْحِجَّةِ .

سَنَةَ : 127 مِائَةٍ وَ سَبْعَةٍ وَ عِشْرِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ .

ثم ذكر :

وقال رحمه الله : روى أحمد بن محمد ، عن المختار بن زياد ، عن محمد بن سليمان‏ ، عن أبيه، عن أبي بصير، قال :

كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ :

فِي السَّنَةِ الَّتِي‏ وُلِدَ فِيهَا مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ بِالْأَبْوَاءِ

فبينا نحن نأكل معه إذ أتاه الرسول:

إن حميدة : قد أخذها الطلق .

فقام : فرحا مسرورا و مضى، فلم يلبث أن عاد إلينا حاسرا عن ذراعيه، ضاحكا مستبشرا .

فقلنا : أضحك الله سنك، و أقر عينك، ما صنعت حميدة ؟

فَقَالَ : وَهَبَ اللَّهُ لِي غُلَاماً ، وَ هُوَ خَيْرُ أَهْلِ زَمَانِهِ .

وَ لَقَدْ خَبَّرَتْنِي أُمُّهُ عَنْهُ : بِمَا كُنْتُ أَعْلَمُ بِهِ مِنْهَا. .....

دلائل الإمامة ص 303 ، ح258/ 1 .

وذكر الحديث : كما مر في المحاسن وغيره ... وعن راويين .

ثم قال :

رجع الحديث‏ :

فأقام : مع أبيه تسع عشرة سنة .

و عاش : بعد أبيه أيام إمامته خمسا و ثلاثين سنة ، فيها بقية ملك المنصور ، ثم ملك ابنه محمد المهدي عشر سنين و شهر و أيام ، ثم ملك‏ ابن المهدي موسى المعروف بالهادي سنة و خمس و عشرون يوما ، ثم ملك هارون المعروف بالرشيد ثلاث و عشرون سنة و شهران و تسعة و عشرون يوما.

و بعد ما مضى : خمس عشرة سنة من ملك الرشيد ، استشهد ولي الله في رجب سنة مائة و أربعة و ثمانين من الهجرة ، و صار إلى كرامة الله عز و جل .

و قد كمل عمره : أربعا و خمسين سنة ، و يروى: سبعا و خمسين سنة.

و كان سبب وفاته : أن يحيى بن خالد سمه في رطب و ريحان ، أرسل بهما إليه مسمومين بأمر الرشيد ، و لما سم وجه الرشيد إليه بشهود حتى يشهدون عليه بخروجه عن أملاكه ، فلما دخلوا قال : يا فلان بن‏ فلان، سقيت السم في يومي هذا، و في غد يصفار بدني و يحمار، و بعد غد يسود و أموت .

فانصرف الشهود : من عنده، فكان كما قال عليه السلام.

و تولى أمره : ابنه علي الرضا عليه السلام، و دفن ببغداد بمقابر قريش، في بقعة كان قبل وفاته ابتاعها لنفسه‏ .

دلائل الإمامة ص 303ح258/ 1 .

يا طيب : هذا من الحجج والبرهان على ولادة الإمام في ذي الحجة ، لأنه يرويه عن الإمام العسكري ، وترجيح 20 لما عرفت أنه أقرب الأوقات الممكنة ، وليس قول مرسل لم يسند لأحد ولا لكتاب وراوي كالآتي .

من قال في سبعة صفر :

يا طيب : سترى هذه الأقوال لم تنسب لراوي وهي أقول مرسله بأنه ولد في 7 صفر ، ولذا تكون حجتها ضعيفة حين يخالفها الواقع والتأريخ وضرورات الحياة والدين ، وأول من قال بهذا أقول الفتال النيسابوري ثم تبعه من جاء بعده وأخذ منه كما في أعلام الدين والمناقب وغيرها ، فتدبر :

الفتال النيسابوري في روضة الواعظين :

و كانت : مدة خلافته و مقامه في الإمامة بعد أبيه عليه السلام ، خمسا و ثلاثين سنة.

و كان مولده : بالأبواء ، موضع بين مكة و المدينة ـ

يوم الأحد : لسبع ليال خلون من صفر ، سنة ثمان و عشرين و مائة .

و وفاته : ببغداد يوم الجمعة لست بقين من رجب ، و قيل لخمس خلون من رجب سنة ثلاث و ثمانين و مائة .

و له يومئذ : خمس و خمسون سنة. و قيل أربع و خمسون سنة ، و أمه أم ولد يقال لها حميدة البربرية

روضة الواعظين و بصيرة المتعظين ج1ص221 .

يا طيب : هذا أول من قال يوم الولادة مرسلا وتبعه الآخرين ، وهو أقدم من قال بالولادة في صفر ، ثم بعده :

الطبرسي في إعلام الورى :

قال رحمه الله : الباب السادس في ذكر الإمام العالم أبي الحسن موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام :‏

و هو ستة فصول‏ : الفصل الأول في ذكر تاريخ مولده و مبلغ سنه و وقت وفاته‏ .

وُلِدَ عليه السلام : بِالْأَبْوَاءِ ، مَنْزِلٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَ الْمَدِينَةِ ، لِسَبْعٍ خَلَوْنَ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَ عِشْرِينَ وَ مِائَةٍ .

و قبض : ببغداد ، في حبس السندي بن شاهك ، لخمس بقين من رجب سنة ثلاث و ثمانين و مائة ، و له يومئذ خمس و خمسون سنة .

و أمه : أم ولد ، يقال لها : حميدة المصفاة .

و كنيته : أبو الحسن ، و هو أبو الحسن الأول ، و أبو إبراهيم، و أبو علي .

و يعرف : بالعبد الصالح ، و الكاظم .

و كانت مدة إمامته : خمسا و ثلاثين سنة.

و قام بالأمر : و له عشرون سنة .

و كانت في أيام إمامته : بقية ملك المنصور أبي جعفر ، ثم ملك ابنه المهدي عشر سنين و شهرا ، ثم ملك ابنه الهادي موسى بن محمد سنة و شهرا ، ثم ملك هارون بن محمد الملقب بالرشيد .

و استشهد : بعد مضي خمس عشرة سنة من ملكه مسموما ، في حبس السندي بن شاهك ، و دفن بمدينة السلام في المقبرة المعروفة بمقابر قريش .

إعلام الورى بأعلام الهدى ص294ب6 .

قال ابن شهر آشوب في المناقب :

فصل في أحواله و تواريخه عليه السلام :

الإمام : موسى بن جعفر الكاظم الإمام العالم .

كنيته : أبو الحسن الأول ، و أبو الحسن الماضي ، وأبو إبراهيم ، وأبو علي.

و يعرف : بالعبد الصالح ، و النفس الزكية ، و زين المجتهدين ، و الوفي ، و الصابر ، و الأمين، و الزاهر .

و سمي بذلك : لأنه زهر بأخلاقه الشريفة ، و كرمه المضي التام.

و سمي الكاظم : لما كظمه من الغيظ و غض بصره عما فعله الظالمون به حتى مضى قتيلا في حبسهم ، و الكاظم الممتلي خوفا و حزنا ، و منه كظم قربته إذا شد رأسها و الكاظمة البئر الضيقة و السقاية المملوة.

و قال الربيع بن عبد الرحمن : كان و الله من المتوسمين فيعلم من يقف عليه بعد موته و يكظم غيظه عليهم ، و لا يبدي لهم ما يعرفه منهم ، فلذلك سمي الكاظم.

و كان عليه السلام : أزهر ، إلا في الغيظ لحرارة مزاجه ، ربع تمام ، خضر حالك ، كث اللحية.

و كان أفقه : أهل زمانه ، و أحفظهم لكتاب الله ، و أحسنهم صوتا ، بالقرآن فكان إذا قرأ يحزن و بكى و بكى السامعون لتلاوته.

و كان عليه السلام : أجل الناس شأنا ، و أعلاهم في الدين مكانا ، و أسخاهم بنانا ، و أفصحهم لسانا ، و أشجعهم جنانا ، قد خص بشرف الولاية ، و حاز إرث النبوة ، و بوئ محل الخلافة سليل النبوة و عقيد الخلافة.

أمه : حميدة المصفاة ابنة صاعد البربري .

و يقال : أنها أندلسية أم ولد ، تكنى لؤلؤة.

ولد عليه السلام : بالأبواء ، موضع بين مكة و المدينة يوم الأحد.

لسبع خلون من صفر : سنة ثمان و عشرين و مائة.

و كان في سني إمامته : بقية ملك المنصور ، ثم ملك المهدي عشر سنين و شهرا و أياما ، ثم ملك الهادي سنة و خمسة عشر يوما ، ثم ملك الرشيد ثلاثا و عشرين سنة و شهرين و سبعة عشر يوما.

و بعد مضي : خمس عشرة سنة من ملك الرشيد ، استشهد مسموما في حبس الرشيد ، على يدي السندي بن شاهك ، يوم الجمعة لست بقين من رجب ، و قيل لخمس خلون من رجب ، سنة ثلاث و ثمانين و مائة ، و قيل سنة ست و ثمانين.

و كان مقامه : مع أبيه عشرين سنة ، و يقال : تسع عشرة سنة .

و بعد أبيه : أيام إمامته خمس و ثلاثون سنة .

و قام بالأمر : و له عشرون سنة ، و دفن ببغداد بالجانب الغربي في المقبرة المعروفة بمقابر قريش من باب التين ، فصارت باب الحوائج .

و عاش : أربعا و خمسين سنة .

مناقب آل أبي طالب ج‏4ص324 .

يا طيب : عرفت أنه قول مرسل ، وكن ذكر أنه بالأبواء وأنها في طريق الحج ، وعرفت ما يأتي على هذا القول من بقاء الإمام 50 يوما خارج المدينة بعد الحج لا لضرورة تبقيه فيه مكة المكرمة ، مع ما يلوذ به كثير من الحشم والأصحاب والأهل والموالين ، لأنهم يؤكدون أن الإمام ولد في الأبواء في طريق الرجوع مع الحج ، ويصعب تصديقه لما نعرف من ظروف الإمام الصادق عليه السلام وأسباب كثيرة تدعو لسرعة رجوعة ، والكتب الثلاثة هي متأخر عن جميع الكتب الكاتبة في سيرة الأئمة حتى عن دلائل الإمامة الذاكر لتولده في ذي الحجة والذي يؤيده الدليل والبرهان وحجته قوية .

تأريخ رواة تولد الإمام والنتيجة:

يا طيب : في هذا البحث نقدم أقدم وأهم اسماء الكتب والمصادر التي ذكرت حديث ولادة الإمام موسى الكاظم عليه السلام ، فنقدم من لم يذكر يوم وتأريخ الولادة ولكن ذكر ، حديث تولده في الأبواء مطلقا بدون تعيين تأريخ كما عرفت في الروايات ، لنعرف أن تعيين التأريخ بالخصوص بالشهر فضلا عن اليوم لم يكن معروف إلى القرن السادس ، وإنما أو تعيين للشهر كان في القرن الرابع أو أول القرن الخامس ، وهو تعيين شهر ذي الحجة للولادة وهو مروي عن الإمام العسكري عليه السلام ويؤده ضرورة رجوع الإمام عليه السلام بأول وقت ممكن .

، وبعده بما يقارب : 50 سنة في أوائل القرن السادس عين أول المؤلفين ولادته بـ سبعة ذي الحجة ، وبقول مرسل لا سند له وذكره على عجالة بلا تحقيق ولا ذكر سند ولا حتى ذكر قائل له قبله ولا إشارة لكتاب ، ثم رووا عنه كذلك مرسل مثله بل نقلا لقوله من جاء من بعده من المؤلفين كالطبرسي في إعلام الورى وابن شهر آشوب في المناقب، ولمعرفة هذا المعنى نذكر الكتب ومؤلفيها حسب التسسل التأريخي : يا طيب :

في القرن الثاني : ولد الإمام الكاظم في سنة 128 للهجرة .

وأول كتاب : ذكر تولده بالأبواء

في القرن الثالث للهجرة : هو المحاسن للبرقي في القرن الثالث ، وكذا الصفار في بصائر الدرجات ، ولم يذكروا سنة التولد فقط ذكروه تولد بالأبواء .

وفي القرن الرابع : الكليني رحمه الله في الكافي ، وذكر سنة ولادته 128 للهجرة ولم يذكر الشهر واليوم ، وكذا مثله المفيد والطوسي رحمهم الله .

وفي القرن الخامس : وسطه ذكر تولده في ذي الحجة عن الإمام العسكري ، في كتاب دلائل الإمامة للطبري .

وفي القرن السادس : ذكروا تولده في صفر ، أولهم الفتال النسابوري في روضة الواعظين ، ثم الطبرسي في إعلام الدين ، يم ابن شهر آشوب في مناقب آل أبي طالب عليهم السلام ، ثم أخذ منهم الناس وهجر القول في الحجة ، إما لندت كتاب دلال الإمام ، أو لأنه لم يعين اليوم كما عينه الفتال في المواعظ .

والنتيجة مختصرة :

يا طيب : نرجح قول ذي الحجة لما عرفت من أحوال الإمام الصادق عليه السلام ، وضروريات تواجده في المدينة المنورة ، ثم أن مسند تولده في ذي الحجة للإمام العسكري ، ولتقدمه في التأريخ وقدم المؤلف ، وأما القول في صفر فهو مرسل ، متأخر بالتأريخ ، والباقين بعده أخذوا منه فيعتبر قول واحد .

وأما الأوائل : مثل البرقي والصفار لم يذكروا أي تأريخ ، وأول من ذكر السنة الكليني ثم تبعه المفيد ، ثم الطبر في دلائل الإمام أول من ذكر ذي الحجة ، ثم الفتال النيسابور ذكر صفر وتبعه من تبعه .

وعلى كل الأحوال : يجب أن لا يفوت الاحتفال بمولد الإمام الكاظم عليه السلام في عشرين من ذي الحجة لما ما عرفة من الحجة بالبرهان والأدلة ، على أن ذي الحجة أقوى وأولى كما سترى .

الكتب التي تذكر الأبواء ولم تذكر التأريخ :

يا طيب : لكي نتصور التأريخ والقرون ، وكل قرن مائة سنة ، وإن الإمام ولد في 128 أي في القرن الثاني ، والبرقي والصفار في القرن الثالث ، والكليني القرن الرابع ، والطبري القرن الخامس قال في ذي الحجة وكذا الطوسي في قرنه لكنه لم يذكر تأريخ الشهر واليوم ، ثم القرن السادس أولهم الفتال النيسابوري ذكروا صفر ويومه وهو متأخر ، ولكنه مرسل حتى لم يسند لشخص أو كتاب فضلا عن إمام أو محدث .

القرن الثاني :

كانت ولادة الإمام بالاتفاق في سنة 128 للهجرة أول قبلها أو بعدها بسنه .

القرن الثالث :

الكتاب الأول المحاسن للبرقي :

يا طيب : أول كتاب ذكر تولد الإمام في الأبواء هو كتاب المحاسن للبرقي رحمه الله .

والمؤلف هو : أحمد بن محمد بن خالد المعروف بالبرقي .

تاريخ وفاة المؤلف : سنة 274 ه أو 280 للهجرة .

المحقق : المحدث، جلال الدين .

الموضوع: موضوعات عقائد فقه أخلاق وأخرى ..

الناشر : دار الكتب الإسلامية .

مكان الطبع: قم‏ ، تاريخ الطبع: 1371 ه‏ ، الطبعة: الثانية.

الكتاب الثاني بصائر الدرجات :

يا طيب : وثاني كتاب من أقدم كتب الشيعة ، وهو :

اسم الكتاب : بصائر الدرجات في فضائل آل محمّد صلّى الله عليهم‏.

المؤلف : محمد بن حسن‏ الصفار رحمه الله

تاريخ وفاة المؤلف: 290 للهجرة .‏

المحقق : كوچه باغي، محسن بن عباس علي‏.

الموضوع: المناقب‏ .

الناشر: مكتبة آية الله المرعشي النجفي‏ رحمه الله .

مكان الطبع : إيران قم‏ .

تاريخ الطبع: 1404 ه‏ الطبعة: الثانية .

القرن الرابع :

الكافي للكليني :

اسم الكتاب : الكافي .

المؤلف : محمد بن يعقوب بن إسحاق‏ الكليني .

تاريخ وفاة المؤلف : 329 ه‏

محقق: علي أكبر غفاري ومحمد آخوندي.

الموضوع: الكتب الأربعة .

الناشر: دار الكتب الإسلامية .

مكان الطبع: طهران‏ ، تاريخ الطبع: 1407 ه‏ الطبعة: الرابعة .

القرن الخامس:

المقنعة للفيد :

اسم الكتاب : المقنع :

المؤلف : محمد بن محمد المفيد رحمه الله .

تاريخ وفاة المؤلف : 413 ه‏

الموضوع : الفقه‏

الناشر : مؤتمر ألفية الشيخ المفيد رحمة الله عليه‏

مكان الطبع: قم‏ ، تاريخ الطبع: 1413 ه‏ ، الطبعة: الأولى‏ .

الإرشاد للمفيد :

اسم الكتاب: الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد .

المؤلف : محمد بن محمد المفيد .

تاريخ وفاة المؤلف : 413 ه‏

محقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام‏ .

الموضوع : التاريخ‏ .

الناشر : مؤتمر الشيخ المفيد ، مكان الطبع: قم‏ ، تاريخ الطبع: 1413 ه‏

الطبعة: الأولى‏ .

دلائل الإمامة للطبري شهر الولادة :

اسم الكتاب : دلائل الإمامة طبعة حديثة :

المؤلف : محمد بن جرير بن رستم‏ الطبري الآملي .

تاريخ وفاة المؤلف: أخر القرن الرابع ، أو أول القرن الخامس .

محقق : قسم الدراسات الإسلامية مؤسسة البعثة .

الموضوع: الكلام‏ .

الناشر: البعثة مكان الطبع: إيران؛ قم‏ .

تاريخ الطبع: 1413 ه، الطبعة: الأولى‏.

ملاحظة : لأنه لم يعين تأريخ وفاته ، ولكنه قال في كتابه في دلائل عن الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام ، الحديث 24 قال : و أخبرني أخي رضي اللّه عنه، قال : حدّثني أبو الحسن أحمد بن علي المعروف بابن البغدادي و مولده بسوراء، في يوم الجمعة لخمس بقين من جمادى الأولى سنة 375 خمس و تسعين و ثلاثمائة للهجرة .

و خرج الشيخ الطهراني : من هذا إلى الاستنتاج بأن صاحب الدلائل كان معاصرا للشيخ الطوسي المتوفّى سنة (460 ه) و للشيخ النجاشي المتوفّى سنة (450 ه) ، و هو ما يبدو من مجمل القرائن التي ذكرها، و يبدو لنا أيضا بأنّه كان مقدّما على الشيخ الطوسي و النجاشي قليلا مع معاصرته لهما، ثم ذكر ما يؤيد كلامه .

فقال : يروي الشيخ الطوسي عن ثقة الإسلام الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني بواسطتين‏ ، و كذا الشيخ النجاشي‏ .

أمّا صاحب الدلائل : فيروي عنه في أحد طرقه إليه بواسطة واحدة .

التهذيب للشيخ الطوسي :

اسم الكتاب : تهذيب الأحكام .

المؤلف : محمد بن الحسن‏ الطوسي .

تاريخ وفاة المؤلف : 460 ه‏

محقق : حسن الموسوي‏ الخرسان .

الموضوع: الكتب الأربعة .

الناشر: دار الكتب الإسلاميه‏

مكان الطبع: طهران‏ ، تاريخ الطبع: 1407 ه‏، الطبعة: الرابعة .

يا طيب : فابن جرير الطبري صاحب كتاب دلائل الإمامة متولد في القرن الرابع ، وإن أبعدنا فنقول في أول القرن الخامس ، وهو القائل بتولد الإمام في ذي الحجة بسنده ، والشيخ الطوسي بعده وإن كان ذكر السنة ولم يذكر التأريخ .

القرن السادس ذكروا يوم الولادة:

روضة الواعظين للنيسابوري :

اسم الكتاب : روضة الواعظين وبصيرة المتعظين .

المؤلف : محمد بن أحمد فتال النيشابوري .

تاريخ وفاة المؤلف: 508 ه‏ .

الموضوع: موضوعات متنوعة .

الناشر: منشورات الرضي‏ .

مكان الطبع : إيران؛ قم‏ ، تاريخ الطبع: 1417 ه‏ ،الطبعة: الأولى‏.

إعلام الورى للطبرسي :

اسم الكتاب : إعلام الورى بأعلام الهدى .

المؤلف: الفضل بن الحسن‏ الطبرسي.

تاريخ وفاة المؤلف : 548 ه‏

الموضوع: التاريخ‏

الناشر: الإسلامية

مكان الطبع: طهران‏ ، تاريخ الطبع: 1390 ه‏ ، الطبعة: الثالثة.

المناقب لابن شهر آشوب :

اسم الكتاب: مناقب آل أبي طالب عليهم السلام .

المؤلف : محمد بن علي‏ ابن شهرآشوب المازندراني رحمه الله .

تاريخ وفاة المؤلف : 588 للهجرة .

الموضوع : المناقب‏ .

الناشر: علامة ، مكان الطبع: قم‏ .

تاريخ الطبع: 1421 ه‏ ، الطبعة: الأولى‏ .

نتيجة الأقوال :

يا طيب : هذه أهم الكتب المتقدمة عند الطائفة الحق من شيعة أمير المؤمنين وكبار كتابهم الأوائل حتى القرن السادس ، وهم أهم من كتب في الحديث والتأريخ ومناقب الأئمة وسيرتهم وسلوكهم ، وهم المعتمدون في تأريخ المعصومين عليهم السلام .

والأوائل : مثل البرقي والصفار لم يذكروا تأريخ تولد بل فقط تولد بالأبواء بعد الرجوع من الحج ، وكذا تبعهم الكليني رحمه الله والشيخ المفيد والشيخ الطوسي رحمهم الله حتى القرن الخامس ، ومع عقدهم بابا ذكرناه في تولد الإمام الكاظم ومحل ولادته واسم أمه ، وذكروا أخباره إلا أنم لم ذكروا شهر التولد فضلا عن يوم التولد .

وفي وسط القرن الخامس : ذكر الطبري في دلائل الإمام تولد الإمام في ذي الحجة ، ومروي عن الإمام الحسن العسكري .

ثم في القرن السادس : أول من ذكر تولده في 7 صفر فعين الشهر واليوم هو الفتال النيسابوري ، وتبعه الطبرسي في إعلام الورى ، وابن شهر آشوب في مناقب آل أبي طالب عليه السلام ، فذكروا التأريخ مثله .

يا طيب : وخبر ولادة الإمام في ذي الحجة هو أقرب وأصدق لما عرفت من ضرورة وجود الإمام في المدينة ورجوعه له لكي لا يشق على أهله وبالخصوص هي حامل ولابد أن يكون خروجه مبكر في 16 ذي الحجة بعد ثلاثة أيام من حجة فيصل 20 ذي الحجة الأبواء وفيها كان تولد الإمام الكاظم عليه السلام .

، وكذا لو بقي الإمام الصادق : شهر ونصف 45 يوما ثم يخرج مكة المكرمة وبعدها ورائه 10 أيام طريق في خامسها يصل الأبواء لتكون الولادة في 7 صفر ، فإنه يشق على كل من معه من الاصحاب ممن جاء من أقاصي البلاد من الموالين وخدمه وحشمه ، وكل من يحترم آل محمد عليهم السلام من أهل المدينة ممن كانوا لا يخرجون للحج ولا يرجعون إلا معه بل كانوا من يرون المعصومين في الطريق لا يتقدموهم ويسرون خلفهم لحفظ حرمة الإمامة من الموالين وغيرهم لحرمة لرسول لله من المخالفين ولتجاهروا بالتدين أمام صحبهم .

وإبطاء الإمام الصادق عليه السلام : وهو حجة الله ومعلم الآداب والأخلاق والرفق والإحسان والبر ، لغير ضرورة تذكر ولا روايات تحكى عنه أن له مواقف في مكة بعد الحج ، يقرب بل يؤكد تأكيد مؤكد أنه رجع بأقرب وقت للمدينة ، وكذا تؤيده روايات أعلاه أنه ممن كان مستعجل جدا رواية منهال القصاب ، حتى ترك الإمام في الأبواء وهو محتاج لضيافة وذهب للمدينة ، يعرفنا بقوة أن الإمام رجع بأسرع ما يمكن للمدينة وأقرب وقت له في الأبواء 20 ذي الحجة .

ويا طيب : يدل على سرعة رجوع الإمام للمدينة ، هو أن الإمام مع أنه كانت زوجته في حالة ولادة ونفاس ، وأبنه وأعز الخلق عليه عمره يوم واحد ، لم ينتظر بالأبواء أياما ولا في غيره من الأماكن ، بل تحرك بسرعة مع أهله وحشمه وخدمه وأصحابه للمدينة ، حتى وصل هذا الجمع المبارك بعد يوم واحد ، من سفر الراوي المستعجل الذي روى كيف كان الإمام يطعم تبركا بالولادة كل أهل المدينة ثلاثة أيام ، وكان يأكل حتى يشبع بل يرفق ويتكي من كثرة الأكل حتى اليوم التالي .

ويا طيب : بالإضافة لما عرفت أن الأئمة كانوا في تأريخ سفرهم وما يذكر عنهم كانوا بعد قضاء مهامهم يرجعون للمدينة ، ولا يبقون خارجها إلا للضرورة ، لما هم عليه من رعاية أمور أولياءهم ومن يأتي يتعلم منهم .

وبالإضافة لهذا كله : توجد لدينا روايات كثيرة عن الإمام الصادق عليه السلام ، يوكد فيها زيارة الإمام الحسين عليه السلام ، ويذكر فضل يساوي ألاف الحجج والعمرة لمن يزوره ، ويوصي شيعته بالزيارة بكثرة ويعدهم والجلوس معهم في أعلى المقامات في القيامة والجنة ويكونون شفعاءه .

ومع كل هذا يوصي الإمام الصادق : في الروايات أن لا يبقوا في كربلاء بعد قضاء الزيارة ، بل يأمرهم بالرجوع بعد الزيارة مباشرة ، حتى في بعض الروايات أن لا يباتوا بعد زيارتهم ، لكي يحتفظوا بحرمة الإمام ولا يتخذوه سكن ومكسب ، ومحل أنس وسمر ، فيضيع أجرهم لعدم الالتفات للمقام المقدس للإمام .

وهذا كله يا طيب : يؤكد سرعة رجوع الإمام للمدينة ، كرسول الله في حجة الوداع لم يبقى بعد الحج إلا يوما واحدا ، فكانت بيعة الغدير في يوم 18 ذي الحجة ، وقلنا هو بقي يومين وخرج في اليوم الثالث ، أي ويوم السادس عشر بعد الحج الذي يتم في يوم 13 عشر ذي الحجة ، و5 أيام الطريق يكون يوم 20 عشرون في الأبواء وهو يوم ولادة الإمام الكاظم عليه السلام .

وبهذا يا طيب : يجب أن لا يفوت يوم 20 ذي الحجة وإقامة ذكر تولد الإمام الكاظم عليه السلام فيه ، كما يبقى 7 صفر للذكر مع مجالس جده الإمام الحسين بدون أن يقام حفل يخدش حرمة الحزن على المصاب الجليل الذي ذكره يدمي العيون بدل الدموع ، وإن آل محمد وأسرته وعياله في مثل هذه الأيام سبعة صفر عند طاغية زمانهم في الشام أسرى ، كما أن في مثل هذا اليوم ذكرى وفاة سيد شباب أهل الجنة أخ الحسين الإمام الحسن السبط المجتبى عليه السلام .

فضلا عن قول: الولادة في صفر مرجوحة ، بما هو أقوى منها في ذي الحجة .

وبهذا كله : أوصي أخوتي الطيبين وكل المؤمنين ، أن يتذكروا ولادة الإمام الكاظم عليه السلام في 20 ذي الحجة ويؤكدون إقامة احتفال ذكره بكل ما أوتوا من قوله لأنه في وسط أيام الاحتفال من عيد الأضحى وعيد الله الأكبر الغدير الأغر أكبر أعياد الله ، وبعد 20 عشرين ذي الحجة يوم ولادة الإمام الكاظم عليه ، ويوم 24 يوم المباهلة وهي أكبر فضائل أهل البيت عليهم السلام ، و25 نزول هل أتى ، وفيه التصدق بالخاتم ويوم المبيت ، وهي كلها أيام أعياد حقيقة وفرح وسرور لآل محمد ، ويجب على المؤمن أن يفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم ، لا أن يجعل يوم فرحهم حزن ويوم حزنهم فرح .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته : وأسأل الله لكم التوفيق والبركة والصحة والعافية والأمن والأمان ، وأسألكم الدعاء والزيارة ، خادم علوم آل محمد عليهم السلام صاحب موسوعة صحف الطيبين الشيخ حسن جليل حردان الأنباري .

تأييد وتأكيد الولادة بذي الحجة

تمام الحج بزيارة النبي وآله

تأييد الروايات لولادة الإمام في ذي الحجة:

يا طيب : سترى في هذه الأحاديث الكريمة ، أن المؤمن الحقيقي الحاج بيت الله تعالى في مكة المكرمة ، وجاء من بلاد بعيده ، لا يسعه أن يترك زيارة رسول الله والأئمة من آله عليهم السلام ، مهما كان الأمر إلا أن يصد ويمنعه مانع قوي ، وإلا لما سترى من الثواب الجزيل لزيارتهم ، ولما فيه من الفوائد الجمة الكثيرة من ضرورة عرض الدين عليهم والتعلم منهم في حياتهم ، والتي لا يستطيع أن يفرط بها مؤمن حقا مهما كانت ظروفه .

فمن يصل مكة المكرمة : لما سترى من الأحاديث التي ترغب في زيارة النبي الأكرم وآله عليهم السلام ، خصوصا في حياتهم بل وحتى بعد مماتهم ، ليرى معالم رسول الله وآله وحصون الهدى وباب الله الذي يؤتى منه ، ستراه يعجل بعد تمام الحج للزيارة .

والإمام عليه السلام : هو الآمر والمعلم لهذه المراسم والحاث عليها ، هو أولى بأن لا يفرط بلقاء شيعته والمؤمنين في المدينة ، والقيام بدوره في تبليغ معارف الله ، ومعرفة أخبارهم وشؤونهم ، ويعلمهم ما يجب عليهم من معارف الدين وضرورات الحياة والزمان وما يجب عليهم عمله ، وإن بقي في مكة المكرمة عشرة أيام فضلا عن 45 يوما لم يبقى عنده إلا أهلها وقليل جدا من الزوار ، وأغلبهم إن لم نقل كلهم قصدوا المدينة أو ديارهم ، ويكون قد شق على نفسه وصحبه وأهل المدينة الذين يرجعون لأهلهم ، وبالخصوص مواليه الذي لا يخرجون إلا معه عليه السلام.

وبهذا : نعرف أن الإمام الصادق عليه السلام وآباءه كان حضورهم في المدينة مباشرة بعد الحج من أهم الأمور التي يعتنون بها .

وبهذا نعرف : أن الإمام سارع للمدينة بعد الحج كما مر في رواية ولادة الإمام الكاظم عليه السلام في الأبواء ، وما تؤكده هذه الروايات من ضرورة قدوم الشيعة لزيارته وجده والتعلم منه ، فنعرف قوة رواية تولد الإمام الكاظم في الأبواء في يوم 20 ذي الحجة كما مر تفصيله وهذه الروايات تؤكده وتؤيده ، وتبطل كل رواية مرسلة تؤجله إلى 7 صفر بعد زمن طويل من الحجة ، لأنه معارض لغرض الدين وعناية الإمام برعيته والروايات المفصلة لهذا المعنى .

فضل زيارة النبي وآله توجب وجود الإمام بالمدينة :

يا طيب : هذه الروايات تعرفنا الاستحباب المؤكد لزيارة النبي الأكرم وآله بعد الحج ، ومنها نعرف ضرورة وجود الإمام الصادق وآباءه في المدينة بعد الحج مباشرة ، للقاء شيعته وتعليمهم ، والإجابة على أسألتهم وتعريفهم دينهم ، حين يأتون لزيارة جده ، وتؤكد ولادة الإمام الكاظم عليه السلام بعد 10 عشرة أيام من الحج في 20 ذي الحجة ، ولا تفريط في الزمان لما يقارب الشهرين حتى يصل الإمام الصادق المدينة ، ويكون الحاج وزوار النبي قد رجعوا لبلادهم ، وبالخصوص قد أتموا الحج والزيارة وكل المناسك ، فتدبر .

عن ابن أبي نجران قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام :

جعلت فداك‏ : ما لمن زار رسول الله صلى الله عليه و آله متعمدا ؟

فقال : له ‏الجنة .

الكافي ج9ص243ب213ح8089/ 1.

يا طيب : من يكمل حجة ، لا يفوت الجنة بزيارة رسول الله ولا يجفيه ، بل يسارع لزيارة ، ويلقى الإمام أيضا .

وعن فضيل بن يسار قال : إن زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه و آله ، و زيارة قبور الشهداء ، و زيارة قبر الحسين عليه السلام‏ .

تعدل حجة : مع رسول الله صلى الله عليه و آله.

الكافي ج9ص243ب213ح8090/ 2.

الحاج المؤمن : عانى الكثير من جمع الزاد والراحلة والسفر من بعيد البلاد ليحج ، فلا يفوت فضل حجة بعد حجة ، بالإضافة للفوائد والثواب الآتي ، بل يسارع عارف الحق لزيارة النبي ولقاء الإمام ، وإن الإمام لا يفرط في شيعته ، وتعلميهم ولقائهم ، فيكون أول الناس بعد الحج في المدينة .

فعن السدوسي‏ : عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال :

قال رسول الله صلى الله عليه و آله :

من أتاني زائرا : كنت شفيعه يوم القيامة .

الكافي ج9ص244ب213ح8091/ 3.

المؤمن الحق : لا يفرط بالشفاعة ، بل يسارع بعد الحج للمدينة لزيارة النبي ولقاء عترة الطاهرة والأئمة المعصومين من آله ، ليشفعوا له بتعلم معارف الدين ، ليسير على الحق وينال الشفاعة في الآخرة ، والإمام يلقاه على الرحب والسعة ، فيعلمه ويرعاه بلطفه .

وعن المعلى‏ أبي‏ شهاب، قال: قال الحسين‏ عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه و آله : يا أبتاه‏ ، ما لمن‏ زارك‏ ؟

فقال رسول الله صلى الله عليه و آله :

يا بني‏ : من زارني حيا أو ميتا، أو زار أباك، أو زار أخاك، أو زارك‏ .

كان حقا : علي أن أزوره‏ يوم القيامة، و أخلصه من ذنوبه .

الكافي ج9ص244ب213ح8092/ 4.

يا طيب : صحيح أن الحج يهدم الذنوب ويغفرها ، ولكن للمؤمن حقا ، الذي في قلبه حب النبي وآله ويسير على الصراط المستقيم ، يتبع المنعم عليهم بهدى الله الذي يسأله المؤمن من الله في كل يوم بالصلاة ، ثم لا أحد يدخل الجنة إلا بشفاعة النبي الأكرم ، ولا يشفع إلا لمن أرتضى دينه ، وأهتدى لحق الدين وعرفه من آله لا من مخالفيهم ، فالمؤمن لابد أن يزورهم ، لينال شفاعته ويعمل ليخلص من جهل الذنوب ، ويدخل في حقائق المعرفة ، ولابد من حضور الإمام بعد الحج في المدينة ليعلمه .

عن أبي حجر الأسلمي : عن أبي عبد الله عليه السلام‏ قال :

قال رسول الله صلى الله عليه و آله :

من أتى‏ : مكة حاجا، و لم يزرني إلى المدينة .

جفوته : يوم القيامة .

و من أتاني‏ : زائرا ، وجبت له شفاعتي ، و من‏ وجبت له شفاعتي ، وجبت له الجنة .

و من مات : في أحد الحرمين: مكة و المدينة ، لم يعرض ، و لم يحاسب‏ .

و من‏ مات : مهاجرا إلى الله عز و جل ، حشر يوم القيامة مع أصحاب بدر .

الكافي ج9ص245ب213ح8093/ 5.

يا طيب : هذا الحديث لا تقوم بعده قائمة لتارك زيارة رسول الله ، لأنه مجفو منه ، ومن جفاه رسول الله ولم يعتني به ويتركه وشأنه ولم يشفعه ، لا كرامة وشأن له عند الله تعالى .

وبهذا : نعرف ضرورة زيارة النبي حتى كأنها تخرج من الاستحباب المؤكد للوجوب عقائدا وتدخل في أصول الدين من الاعتراف بعظمة الله وحبه لأوليائه وحب رسول ، والنبوة والإمامة والمعاد ، وهي عين العدل زر رسول يزرك ويخلصك من ذنوبك ويشفع لك .

ولهذا المؤمن العارف بالحق : يسارع لزيارة رسول الله بعد حجه ، ويلقى الإمام من آله ويسلم عليه ويتعلم ويعرف منه كل أمور دينه وما أشكل عليه ، وحينها الإمام أيضا لا يفرط بهم ويتركهم بدون راعي في المدينة ، بل يسارع للقائهم وهو الرؤوف العطوف الرحيم بشيعته ، وبهذا نعرف أن الإمام كان في الأبواء في ذي الحجة بعد خمسة أيام من أيام الحج توجه للمدينة ، وبعد خمسة أيام مسير حتى الأبواء ولد الإمام الكاظم عليه السلام ، فيكون يوم 20 ذي الحجة ولادته عليه السلام ، ولا تراخي لشهرين بعد الحج وتفريط بالتبليغ ، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، ويكفي للمؤمن واحد منها ، ليعرف أن الإمام الصادق عليه السلام سارع للمدينة ، وتولد الإمام الكاظم في 20 ذي الحجة.

تمام الحج بزيارة النبي وآله :

يا طيب : هذا الحديث يؤكد أن المؤمن بعد الحج يجب أن يختمه بزيارة المعصومين عليهم السلام ، وبالخصوص إن المعصوم حي ، فالمؤمن الذي يزور النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وآله ، ويتحرى زيارة فاطمة الزهراء عليها السلام عنده ، وزيارة الشهداء ، وبالخصوص الأئمة المعصومين في المدينة المنورة مثل الإمام الحسن المجتبى ، والإمام علي بن الحسين زين العابدين ، والإمام محمد بن علي الباقر صلى الله عليهم وسلم .

فلابد أن يقصد الحاج المؤمن : المدينة المنورة بعد حجه ويختم حجه بزيارة المعصومين كما جاءت التعاليم بهذا ، وشاع بل تأكد وتيقن لكل موالي فضل الزيارة لهم حتى لا يمكن لمؤمن أن ينكر فضله وضرورة ، وبالخصوص الإمام الحي الإمام الصادق عليه السلام في زمانه الكريم ، ولابد أن يكون في المدينة المنورة ليلتقي بشيعته ومواليه ، لكي يعرضوا عليه ما يستوجبه الإمام من النصر والحقوق ، وما يعلمهم من معالم دينهم وهداهم الحق ، ويعتصموا به من الشبهات وما أشكل عليهم من معارفه ، فلابد الحجاج بعد حجهم أن يختموه بزيارته بعد زيارة آباءه عليهم الصلاة والسلام ، ومن هذه الأحاديث الموجب لزيارة المعصومين عليهم السلام .

ما ذكر الصدوق : بسنده عن إسماعيل بن مهران : عن جعفر بن محمد عليه السلام قال:

إِذَا حَجَّ أَحَدُكُمْ : فَلْيَخْتِمْ حَجَّهُ .

بِزِيَارَتِنَا : لِأَنَّ ذَلِكَ‏ مِنْ‏ تَمَامِ‏ الْحَجّ ِ.

عيون أخبار الرضا عليه السلام ج2ص262ب66ح254ح28 . علل الشرائع ج2ص459ب221ح1 . وكذا ذكره عنه في وسائل الشيعة وبحار الأنوار وتفسير الصافي وغيره .

يا طيب وهذه الثقافة : الشيعية عن الأئمة من زمن النبي الأكرم وتناقل الأئمة لها بعده ، كما جاءت عن الإمام علي والإمام الحسين والإمام زين العابدين والباقر والصادق حتى من جاء بعده من ولده المعصومين راسخة معروفة عند الشيعة الموالين ، ويتناقلونها عن الإمامة صاغر عن كابر ، أنظر الحديث الآتي

ذكر الصدوق : بسنده عن الحسن بن علي الوشاء قال سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يقول‏ :

إِنَّ لِكُلِّ إِمَامٍ : عَهْداً فِي عُنُقِ أَوْلِيَائِهِ وَ شِيعَتِهِ .

وَ إِنَّ مِنْ تَمَامِ : الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَ حُسْنِ الْأَدَاءِ ، زِيَارَةَ قُبُورِهِمْ .

فَمَنْ زَارَهُمْ : رَغْبَةً فِي زِيَارَتِهِمْ ، وَ تَصْدِيقاً بِمَا رَغِبُوا فِيهِ ، كَانَ‏ أَئِمَّتُهُمْ شُفَعَاءَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

علل الشرائع ج2ص459ب221ح3 باب العلة التي من أجلها وجبت زيارة النبي و الأئمة صلى الله عليهم وسلم بعد الحج‏ .

يا طيب : مر الحديث عن الكافي بأسلوب ذكرناه ، وهذا عن الصدوق فيه زيارة وتفصيل وذكر أمور لم تذكر في ذلك الحديث ، كما لم يذكر أمور وفضائل زيارة أهل البيت عليهم السلام مرت في ذلك الحديث ، فنذكره هنا لنؤكد تأكيد الأئمة من زمن النبي وأبناءه المعصومين عليهم الصلاة والسلام كلهم على ضرورة زيارتهم مما نعرف به ضرورة زيارة الأئمة عليهم السلام ، وبالخصوص زيارة لحي في حياته لنعرف رجوع الإمام كما في نص حديث ولادة الإمام الكاظم عليه السلام مسرعا للمدينة حتى ولد عليه السلام في طريق الحج في ذي الحجة ومما يقارب أفضل وقت هو 20 ذي الحجة كان حقيقة ، ويفند حديث تأخر ولادته لصفر ، فتدبر .

وقال الصدوق رحمه الله : بسنده عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي حُجْرٍ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصادق عليه السلام قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم :

‏ مَنْ أَتَى مَكَّةَ حَاجّاً : وَ لَمْ يَزُرْنِي إِلَى الْمَدِينَةِ ، جَفَانِي.

وَ مَنْ جَفَانِي : جَفَوْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .

وَ مَنْ جَاءَنِي : زَائِراً ، وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي.

وَ مَنْ وَجَبَتْ : لَهُ شَفَاعَتِي ، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ.

علل الشرائع للصدوق ج2ص459ب221ح7 باب العلة التي من أجلها وجبت زيارة النبي ص و الأئمة ع بعد الحج‏ . قال مصنف الكتاب : العلة في زيارة النبي : إن من حج و لم يزره فقد جفاه ، و زيارة الأئمة تجري مجرى زيارته بما قد روي عن الصادق عليه السلام .

يا طيب : الموالي والمؤمن لا يفرط في زيارة الأئمة وبالخصوص في أول عصرها كان الحجاج والقوافل للموالين متحدة ملتزمة بتعاليم الأئمة مختارين في حجهم ، فلا يفرطوا في زيارة الأموات منهم ، والأنس بالأحياء من المعصومين عليهم السلام والصلاة والتعلم منهم ، وهذا ما جعل الإمام الصادق عجل بالرجوع للمدينة المنورة .

وجوب زيارة الإمام بعد الحج :

يا طيب : هذه الأحاديث تؤكد وتؤيد إن الإمام بعد الحج ومناسكه يرجع للمدينة ، ولا يفرط بالزمان ، ليلتقي شيعته في المدينة المنورة ويعلمهم معارف دينهم ويتعرف عليهم ويعرف أخبارهم ويعرفهم ما يجب عليهم ، وبهذا نعرف أن الإمام بعد مناسك الحج في خمسة عشر ذي الحجة رجع للمدينة وبعد خمسة أيام مسير حتى مدينة ومنطقة الأبواء في طريق رجوعه ولد الإمام ، فيوكد ولادة الإمام الكاظم أبنه الكريم عليه السلام في يوم 20 ذي الحجة ، وليس في 7 سبعة صفر ، فتدبر .

ويا طيب : تعرف من هذه الأحاديث والسابقة ، تخرج مسألة زيارة الإمام بعد الحج من المستحب المؤكد إلى الوجوب ، وبالخصوص من يطلب المعرفة والدين الحق من آل محمد عليهم السلام المعصومين دون غيرهم ، ولذا عقد في الكافي بابا بعنوان بَابُ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى النَّاسِ بَعْدَ مَا يَقْضُونَ مَنَاسِكَهُمْ أَنْ يَأْتُوا الْإِمَامَ فَيَسْأَلُونَهُ عَنْ‏ مَعَالِمِ دِينِهِمْ و يُعْلِمُونَهُ‏ وَلَايَتَهُمْ و مَوَدَّتَهُمْ لَهُ‏ ، وبه نعرف أنه ما جاء في الروايات يؤكد هذا المعنى :

في الكافي : عن علي بن إبراهيم : عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ر، عن ابن أذينة ، عن الفضيل‏:

عن أبي جعفر عليه السلام قال‏ : نظر إلى الناس يطوفون حول الكعبة.

فقال : هكَذَا كَانُوا يَطُوفُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ .

إِنَّمَا أُمِرُوا : أَنْ يَطُوفُوا بِهَا، ثُمَّ يَنْفِرُوا إِلَيْنَا .

فَيُعْلِمُونَا : و لَايَتَهُمْ وَ مَوَدَّتَهُمْ .

و يَعْرِضُوا : عَلَيْنَا نُصْرَتَهُمْ .

ثُمَّ قَرَأَ هذِهِ الْآيَةَ : { فَاجْعَلْ‏ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ‏ تَهْوِي إِلَيْهِمْ‏ (37) }إبراهيم .

الكافي ج2ص307ب96ح1026/ 1.

وفي الوافي : هكذا يطوفون : يعني من دون معرفة لهم بالمقصود الأصلي من الأمر بالإتيان إلى الكعبة والطواف .

فإنّ إبراهيم : على نبيّنا و آله و عليه السلام ، حين بنى الكعبة و جعل لذرّيّته عندها مسكناً .

قال: { رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ (37) }إبراهيم .

فاستجاب اللَّه : دعاءه، و أمر الناس بالإتيان إلى الحجّ من كلّ فجّ ليتحبّبوا إلى ذرّيّته ، و يعرضوا عليهم نصرتهم و ولايتهم .

ليصير ذلك : سبباً لنجاتهم ، و وسيلة إلى رفع درجاتهم ، و ذريعة إلى تعرّف أحكام دينهم ، و تقوية إيمانهم و يقينهم ، و عرض النصرة ، أن يقولوا لهم : هل لكم من حاجة في نصرتنا لكم في أمر من الامور .

والرواية في عيون الأخبار ج2ص262ح30 بسنده عن عليّ بن إبراهيم ...، عن ابن اذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، إلى قوله : يعرضوا علينا نصرتهم» مع اختلاف يسير.

وفي علل الشرائع ص406ح8 بسند آخر ، إلى قوله : فيعلمونا و لايتهم ، مع اختلاف يسير . وفي من لا يحضره الفقيه ج2ص558ح3139 .

تفسير العيّاشي ج2 ص234ح43 عن فضيل بن يسار ، عن أبي جعفر عليه السلام ، وفي الوافي ج2ص115ح 575.وفي مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول ج‏4ص285ح1 .

وقال المولى المازندراني رحمه الله :

قوله : فقال عليه السلام : هكذا كانوا يطوفون في الجاهلية ، التشبيه إما باعتبار وقوع الخلل في طوافهم ، أو لعدم رجوعهم إلى إمام مفترض الطاعة .

قوله : إنما أمروا أن يطوفوا بها ، ثم ينفروا إلينا ، يعنى أمروا بالطواف و النفر كليهما ، فالنفر واجب مثل الطواف ، بل أولى لأنه الغرض منه .

قوله : { فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ (37) } إبراهيم .

ضمير إليهم : راجع إلى ذرية ابراهيم عليهم السلام ، و أفضلهم النبي صلى الله عليه وآله و الائمة عليهم السلام .

و الافئدة : جمع الفؤاد و هو القلب ، و من : للابتداء ، و المعنى : أجعل افئدة الناس تهوى و تسرع إليهم شوقا للقائهم ، و قصدا لزيارتهم و إظهارا لمودتهم ، و قد أجاب اللّه تعالى دعاء ابراهيم عليه السلام ، و أوجب النفر إلى مكة للطواف ، و قصد زيارة أفاضل أولاده الطاهرين .

فمن طاف : و لم‏ يزرهم فقد خان اللّه تعالى و خالف أمره.

شرح الكافي للمازندراني ج6ص381ح2.

تمام الحج لقاء الإمام :

وعن جابر : عن أبي جعفر عليه السلام قال :

تمام الحج ، لقاء الإمام‏ .

الكافي ج9ص246ب214ح8095/ 2. علل الشرائع، ص 459، ح 2؛ و عيون الأخبار، ج 2، ص 262، ح 29.

يا طيب : إن الحج الذي يغفر الذنوب ويرفع الدرجة ويسقط من الذمة ، تمامه بمعرفة الإمام المعصوم من آل محمد صلى الله عليهم وسلم ، ولقائه ، وزيارته والتعلم منه ، فضلا عن الاعتراف به وإقرار بإمامته .

وبهذا نعرف : أن الإمام يرجع للمدينة ، ليكون في زمان أكثر مع شيعته ، وبالخصوص في مكة المكرمة مشغولين بمناسك الحج ، وبعد الحج يذهبون للمدينة لزيارة النبي لما عرفت من فضل الزيارة ، فيكون لقاء الإمام والأنس به والمعرفة منه ونصره والإقرار بولاته ، في المدينة المنورة ، وبه نعرف رجوع الإمام وتولد ولده الكاظم عليه السلام في 20 ذي الحجة في الأبواء ، لا في زمان بعيد.

وفي مرآة العقول ج18ص 258 ، ظاهره لقاؤه عليه السلام : حيا، و يحتمل شموله للزيارة بعد الموت أيضا. و في هامش المطبوع : و ذلك لأن إبراهيم عليه السلام حين بني الكعبة و جعل لذريته عندها مسكنا ، قال: { ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم } إبراهيم .

فاستجاب الله : دعاؤه، و أمر الناس بالإتيان إلى الحج من كل فج عميق لتحببوا إلى ذريته . ويا طيب لكون زيارة النبي مستحبة فيكون القاء في المدينة .

يا طيب : وهذا الحديث يدل على أن الإمام لقى شيعته في المدينة ، بعد أن زاروا رسول الله ، وعلمهم معرفه تثبتهم على الهدى الحق والفرح والاطمئنان به وبالسراط المستقيم الذي هم عليه :

وعن عدة من أصحابنا : عن سهل بن زياد، عن علي بن سليمان، عن زياد القندي، عن عبد الله بن سنان، عن ذريح المحاربي قال:

قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إن الله أمرني في كتابه بأمر، فأحب‏ أن‏ أعمله .

قال: و ما ذاك ؟ .

قلت‏ : قول الله عز و جل : {لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ (29) } الحج . قال عليه السلام :

{ ليقضوا تفثهم } ، لقاء الإمام .

و { ليوفوا نذورهم } ، تلك المناسك .

قال عبد الله بن سنان ، فأتيت أبا عبد الله عليه السلام ، فقلت : جعلت فداك ، قول الله عز و جل : { ثم ليقضوا تفثهم و ليوفوا نذورهم } ؟

قال : أخذ الشارب ، و قص الأظفار ، و ما أشبه ذلك .

قال : قلت : جعلت فداك، إن ذريح‏ المحاربي حدثني عنك .

بأنك قلت له : { لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ }:

لقاء الإمام .

{ و ليوفوا نذورهم } : تلك المناسك ؟

فقال : صدق ذريح ، و صدقت .

إن للقرآن : ظاهرا و باطنا .

و من يحتمل‏ : ما يحتمل ذريح ؟

الكافي ج9ص247ب214ح8097/ 4. معاني الأخبار ص340ح 10، الفقيه ج2ص485، ح 3036 .

قال الراغب : أصل التفث : وسخ الظفر و غير ذلك مما شابه أن يزال عن البدن ، ثم قال: { ليقضوا تفثهم }، أي يزيلوا وسخهم . و قال ابن الأثير : التفث: هو ما يفعله المحرم بالحج إذا حل كقص الشارب و الأظفار .

يا طيب : هذا المعنى الظاهري ، وأما المعنى الباطني والتأويل فهو كما قال في الوافي بما معناه : هذا الحديث مما يختص بحال حياة الإمام ، و وجهة الاشتراك بين التفسير و التأويل :

فالمراد بالتفث أو قضائه : تطهير البدن و القلب و الروح من الأوساخ الظاهرة و الباطنة ، فيدخل فيه المعنيان معا .

فإن أحدهما الظاهري : تطهير من الاوساخ الظاهرة ، إذ الغسل و حلق الشعر و قص الأظفار تطهير للبدن من الأوساخ الظاهرة .

و الآخر الباطني والتأويل هو : التطهير من الجهل و العمى والضلال عن الهدى بلقاء الإمام ، فلقاء الإمام تطهير للقلب من الأدران و الأوساخ الباطنة التي هي الجهل و الضلال و الصفات الرديئة و الأخلاق الدنية.

ولقاء الإمام الصادق عليه السلام : في المدينة يستلزم وجوده فيها ، كما تبين هذا المعنى الأحاديث الآتي التي تعرفنا أن ظاهرها والفقهاء الشارحين للأحاديث يعرفون أن لقاء الإمام يتم بالمدينة لأنه محل سكنهم ، وبالخصوص بعد الحج ، وإن كان لا مانع لقائه في مكة المكرمة أيام الحج أو في الطريق ، ولكن الزمان المناسب للإلقاء التحية والسلام والنصر والإقرار بالإمامة والتعلم ، هو بعد الفراغ من المناسك والحج والزيارة ، وهو في المدينة المنورة ، ولمعرفة هذا المعنى نتدبر الموضوع الآتي ، بعد هذا الحديث الذي يؤكد الحديث السابق ويعضده :

في الكافي : عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن علي بن أسباط، عن داود بن النعمان ، عن أبي عبيدة قال ‏: سمعت أبا جعفر عليه السلام ، و رأى الناس بمكة و ما يعملون .

قال : فقال‏ عليه السلام : فِعَالٌ‏ كَفِعَالِ الْجَاهِلِيَّةِ .

أَمَا و اللَّهِ : مَا أُمِرُوا بِهذَا .

و مَا أُمِرُوا :

إِلَّا أَنْ يَقْضُوا تَفَثَهُمْ‏ ، وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ‏ .

فَيَمُرُّوا بِنَا :

فَيُخْبِرُونَا : بِوَلَايَتِهِمْ .

و يَعْرِضُوا : عَلَيْنَا ، نُصْرَتَهُمْ .

الكافي ج2ص307ب96ح1027/ 2. والحديث : تفسير الآية في قوله تعالى : { ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) } الحج . وذكره في الوافي ج2ص116ح 576.

الإمام يستحسن الزيارة :

و عن يحيى بن يسار قال:

حججنا : فمررنا بأبي عبد الله عليه السلام فقال:

حاج بيت الله : و زوار قبر نبيه صلى الله عليه و آله، و شيعة آل محمد؛ هنيئا لكم .

الكافي ج9ص246ب214ح8096/ 3. علل الشرائع، ص 459، ح 2؛ و عيون الأخبار، ج 2، ص 262، ح 29، ب

يا طيب : الحديث أعلاه عن الإمام الصادق عليه السلام ، ولقاء الحجاج في المدينة المنورة ، فلابد أن يكون قد سارع مثل شيعته في الرجوع للمدينة ، وحينها يؤكد أن ولادة الإمام الكاظم عليه السلام في 20 ذي الحجة .

وقال المولى المازندراني رحمه الله :

قوله :قال فقال : فعال كفعال الجاهلية اما و اللّه ما امروا بهذا ، إن كان التشبيه باعتبار اشتمال أفعالهم على النقص و الخلل ، كان قوله : ما امروا بهذا ، محمولا على ظاهره ، و إن كان : باعتبار عدم رجوعهم إلى إمام مفترض الطاعة : كان المراد من هذا القول ما امروا بهذا وحده ، بل أمروا بالرجوع إلينا أيضا .

و ما أمروا بهذا : قصدا و بالذات ، إنما أمروا به للرجوع إلينا.

قوله : و ما امروا الا أن يقضوا تفثهم : أي الا أن يزيلوا وسخهم بقص الشارب و الاظفار و نتف الابط و الاستحداد عند الاحلال ، قال صاحب النهاية : التفث هو ما يفعله المحرم بالحج اذا حل كقص الشارب و الاظفار و نتف الابط و حلق العانة و قيل هو اذهاب الشعث و الدرن و الوسخ مطلقا.

روى أبو بصير عن أبى عبد اللّه عليه السلام : في قوله جل شأنه‏ : { ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ } .

قال : هو ما يكون من الرجل من إحرامه ، فإذا دخل مكة فتكلم بكلام طيب ، كان ذلك كفارة لذلك الّذي كان منه .

شرح الكافي للمولى صالح المازندراني ج6ص381 .

باب الابتداء بمكة و الختم بالمدينة :

يا طيب : هذا العنوان أعلاه عقده الصدوق وكثير من العلماء ، بأنه يستحب زيارة النبي والأئمة في المدينة بعد الحج ، وهو معنى الابتداء بمكة والختم بالمدينة ، وإن كان ممكن ومستحب زيارة الأئمة قبل الحجة ، ولكن الزيارة بعده أفضل ، وإن من تمام الحج زيارة مراقد الأئمة عليهم السلام ، للإقرار لهم بالولاية والإمامة ، والتعلم منهم ، ولذا لا يعقل أن يأمر الأئمة بهذا ولم يعجلوا القدوم للمدينة بعد الحج ، ويفوتوا فرصة التبليغ التي لا تعوض ، ويحتاجهم المؤمنون الملتزمون بكلامهم وتعاليمهم .

وهذا يدل : على أن الإمام الصادق عليه السلام رجع للمدينة مستعجلا ، يلاقي شيعته المسلمين من المؤمنين ، بعد عناء الحج وأعماله في مكة ، لهم الفرصة في المدينة بعد زيارة النبي بلقائه والتعلم منه .

وهذا يدل : على أن الإمام الكاظم عليه السلام ولد في الأبواء بعد أيام من الحجة ليس ببعيدة ، بالأشهر بل بالأيام ، وهو 20 ذو الحجة ، وليس 7 صفر كما ذكر مرسلا .

ومن الأحاديث : الحاثة على ضرورة زيارة الإمام والتعلم منه ما :

عن سدير : عن أبي جعفر عليه السلام قال :

ابدؤوا : بمكة.

و اختموا : بنا .

كافي ج9ص249باب 215فضل الرجوع إلى المدينة ح 8098/ 1. من لا يحضره الفقيه ج2ص558ح3138 . يدل على استحباب تأخير الزيارة عن الحج و لعله مخصوص بمن لا ينتهى طريقهم الى المدينة كاهل العراق، كما يأتي في حديث صفوان.

حديث : أشبه بالصريح بل نص لا يفهم منه إلا أن اللقاء بالإمام وآل محمد المعصومين عليهم الصلاة والسلام في المدينة ، وليس بمكة ، وهو معنى :

وأختموا بنا : بالإضافة لما عرفت من أن تمام الحج زيارة النبي الأكرم وآله ، فلابد أن يكون اللقاء بهم بالمدينة ، وأصرح من هذا ، الحديث الآتي :

عن أحمد بن أبي عبد الله : عن أبيه‏ قال:

سألت أبا جعفر عليه السلام : أبدأ بالمدينة، أو بمكة ؟

قال: ابدأ بمكة .

و اختم بالمدينة : فإنه أفضل .

الكافي ج9ص249ب214ح8099/ 2.

ولذا ذكروا : يدل على استحباب تأخير الزيارة عن الحج ، فالختم بالمدينة ، وجود الإمام فيها يكون ضروري لتبليغ الدين ومعارف الهدى والاطلاع على أخبار شيعته وتعليمهم ، ومثله في :

من لا يحضره الفقيه ج2ص558ح3140. المراد أبو جعفر الثاني الجواد عليه السلام ، لما رواه الكليني ج4ص550 عن علي بن محمد، عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عنه عليه السلام فالسائل هو البرقي.

ويا طيب : هذا في حال الاختيار ، وإما من يجبر بقافلة تمر بالمدينة أولا ولا خيار له كما عليه الآن ، وأولا يمر بالمدينة ففرضه أن يزور النبي الأكرم صلى الله عليه وآله ، ويتم به حجة يكمل وبالخصوص في غيبة الإمام ، وحتى في ذلك العصر للمجبور على المرور بالمدينة أولا لا يفوت الزيارة ، ويمكن أن يلقا الإمام في مكة المكرمة ويستفسر منه ، وهذا لليس للغالب في ذلك الزمان ، بل كانوا سابقا يحجون ثم يختمون بزيارة النبي وآله في الأكثر الأغلب للقوافل ، كما يمكن تتبعه في قصص الأحاديث وأحوالها حين لقائهم بالأئمة عليهم السلام ، كما في حديث ولادة الإمام الكاظم عليه السلام مثلا .

و عن هشام بن الحكم قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام فقلت له :

ما العلة : التي من أجلها كلف الله العباد الحج والطواف بالبيت ؟

فقال عليه السلام : إن الله تعالى خلق الخلق لا لعلة ، إلا أنه شاء ففعل ، فخلقهم إلى وقت مؤجل ، و أمرهم و نهاهم ما يكون من أمر الطاعة في الدين ، و مصلحتهم من أمر دنياهم .

فجعل فيه : الاجتماع من المشرق و المغرب‏ ، ليتعارفوا ، و ليتربح كل قوم من التجارات من بلد إلى بلد ، و لينتفع بذلك المكاري و الجمال .

و لتعرف آثار رسول الله : و تعرف أخباره‏ ، و يذكر و لا ينسى .

و لو كان : كل قوم إنما يتكلون ، على بلادهم و ما فيها هلكوا ، و خربت البلاد ، و سقط الجلب و الأرباح .

و عميت الأخبار : و لم يقفوا على ذلك ، فذلك علة الحج .

علل الشرائع ج‏2ص405ح6.

وهنا : عميت الأخبار ، أي أخبار الدين ومعارفة ، وما يحتاج تعلمه من مسائله ، يوجب وجود الإمام في المدينة للتعلم منه .

وهذا يدل : على أن الإمام الصادق عليه السلام رجع للمدينة بعد تمام مناسك الحجة مباشرة ، أي بعد خمسة أيام أي يوم 15 خمسة عشر ذي الحجة ، وبعد مسير 5 خمسة أيام حتى وصل الأبواء ، فولد له ولده الإمام الكاظم عليه السلام ، كما في نص الحديث أي يوم 20 ذي الحجة .

ولا يمكن : بعد ما عرفت من الأحاديث من تأجيل سفره إلى بعد شهرين من الحج أبدا ، لما عرفت من الأحاديث ، فرواية ولادة الإمام في صفر فضلا عن كونها مرسلة وضعيفة معارضة بروايات تعلمنا حتى اليقين ، أن الإمام الصادق والده عليه السلام في رجوعه من مكة بعد مناسكها ولد له الإمام في 20 ذي الحجة وهو القدر المتيقن من تمام المراسم وزمان المسير حتى الأبواء .

ولذا على الشيعة : والمؤمنين وبالخصوص المراجع الكرام أن يحثوا المؤمنين الموالين على إقامة مراسم احتفال تولد الإمام الكاظم عليه السلام في 20 ذي الحجة ، ولا يجعلوه في 7 سبعة صفر لرواية مرسلة لا سند له ولا دليل يؤيدها ولا برهان يعضدها ، بل الحق والدليل والبرهان والواقع والأحاديث والعقل والوجدان يخالفها ، فضلا عن أيام محرم وصفر يوم عزاء واحد لا يقطع بحفل مفبرك يتوخاه من لم يحب إقامة مراسم شعائر الله وبيان هدف نهضة الحسين عليه السلام ولا يعتني بنشر وتعريف ثورته ، ولا يقيم وزنا لتضحيته وفداءه ، ويعتبره يوم عابر ، ولم يعير أذنا صاغية واعية لما عليه آل محمد عليهم السلام من الأسر والسبي في أصعب الظروف والأحوال ، ويسار بهم بين البلدان يستعرضهم الناس كأنهم كفرة خارجين عن الدين .

والحمد لله رب العالمين : و الصلاة على نبي الرحمة محمد وآله الطيبين الطاهرين ، والسلام على من أتبع الهدى وأقام الحق ونصره وبينه ونشره .

معرفة الدين من الإمام لا غير :

يا طيب : الحديث الآتي وإن كان في مكة المكرمة ، ولكن يؤكد ضرورة إتيان الإمام والتعلم منه لا من غيره ، وقد عرفت بعد الحج ، يرى الإمام ضرورة لقاءه ، وعرفنا أن الناس يزورون قبر النبي الأكرم ، والإمام يسارع ليلقاهم هناك ، وإنه يكون في المدينة المنورة في فسحة من أعمال الحج ، ويتفرغ في بيته للقاء الشيعة وفي مسجد النبي الأكرم كما عرفت ، فيتعلم منه المسلمون لو لم يجدوا غيره ، ونذكر هذا الحديث لنعرف ضرورة لقاء الإمام ونؤكده ، وقد عرفت أنه في :

في الكافي : عن علي بن إبراهيم ، بسنده ذكره عن سدير قال :

سمعت أبا جعفر عليه السلام : و هو داخل و أنا خارج ، و أخذ بيدي ، ثم استقبل البيت .

فقال عليه السلام : يَا سَدِيرُ ، إِنَّمَا أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَأْتُوا هذِهِ الْأَحْجَارَ، فَيَطُوفُوا بِهَا .

ثُمَّ يَأْتُونَا : فَيُعْلِمُونَا وَلَايَتَهُمْ لَنَا .

و هُوَ قَوْلُ اللَّهِ : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82) }طه .

ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِهِ : إِلى‏ صَدْرِهِ ، إِلى‏ و لَايَتِنَا .

ثُمَّ قَالَ عليه السلام : يَا سَدِيرُ، ، أفَأُرِيكَ‏ الصَّادِّينَ عَنْ دِينِ اللَّهِ ؟

ثُمَّ نَظَرَ : إِلى‏ أَبِي حَنِيفَةَ وَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فِي ذلِكَ الزَّمَانِ ، و هُمْ حَلَقٌ فِي الْمَسْجِدِ .

فَقَالَ عليه السلام : هؤُلَاءِ الصَّادُّونَ عَنْ دِينِ اللَّهِ ، بِلَا هُدًى مِنَ اللَّهِ ، و لَاكِتَابٍ مُبِينٍ .

إِنَّ هؤُلَاءِ الْأَخَابِثَ : لَوْ جَلَسُوا فِي بُيُوتِهِمْ .

فَجَالَ النَّاسُ : فَلَمْ يَجِدُوا أَحَداً يُخْبِرُهُمْ عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ و تَعَالى ، و عَنْ رَسُولِهِ‏ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ .

حَتّى‏ يَأْتُونَا : فَنُخْبِرَهُمْ عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ و تَعَالى ، و عَنْ رَسُولِهِ‏ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ .

الكافي ج2ص309ب96ح1028/ 3. راجع المحاسن ص 142 كتاب الصفوة ح 35 ؛ و بصائر الدرجات ص 78ح6؛ و تفسير فرات ص 180 ذيل ح 233، و ص 257، ح 350؛ و ص 258، ح 352، وعن أبي جعفر عليه السلام ، و تفسير القمّي ج2ص61، في كلّها من قوله : { وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ } إلى قوله: إلى و لايتنا ، مع اختلاف يسير ، وذكره في الوافي ج2ص116 ح 578 ، في بحار الأنوار ج47ص364ح 81.

وقال المجلسي وقوله : و هو داخل : أي في المسجد الحرام ، و أنا خارج : أي منه .

كان التعبير : بهذه العبارة للتنبيه على أن في أمر الحكيم العليم ، بإتيان هذه الأحجار ، لا بد من سر عظيم و حكمة جليلة .

هي إتيان الإمام : و عرض الولاية عليهم .

فظاهره : الأحجار ، و باطنه : موالاة الأئمة الأبرار .

وقوله عليه السلام : الصادين عن دين الله ، أي المانعين الناس عنه.

إلى أبي حنيفة : من فقهاء المخالفين‏ ، وأحد أئمة المذاهب الأربعة ، و سفيان الثوري : من صوفيتهم ، ، و الحلق : جمع حلقة بالفتح و هم الجماعات، يستدير كل جماعة منهم كحلقة الباب و غيرها .

بلا هدى من الله : تأكيد .

و الهداية : بالوحي ، أو الإلهام ، أو السماع من أئمة الهدى .

و الأخابيث : جمع أخبث‏ .

لو جلسوا : لو للتمني . و قوله : فنخبرهم ، منصوب أو للشرط و جزاؤه محذوف أي لكان خيرا لهم .

و يدل : على أن الصوفية الذين كانوا في أعصار الأئمة عليهم السلام ، كانوا معارضين لهم ، صادين عنهم و عن دين الله ، وهم كأئمة المذاهب المخالفة ، بل كانوا في ذلك الزمان أئمة مذاهب مخالفة .

مرآة العقول ج4ص289 .

يا طيب : إن الحاج بعد حجه ، وبالخصوص في ذلك الزمان كانوا يأتون مسرعين لمكة المكرمة أولا ، لنهم يخافون الفوت والتأخير ، ويتهيؤون للحج بعد استراح مناسبة حتى يقيموا مناسكه بصورة صحيحة ، فيكون القدوم الأول لهم من العراق واليمن ومصر والشام وغيرها لمكة المكرمة ، ثم يزورون النبي الأكرم وآله في المدينة ، ثم بعد قضاء مناسك الحج لا يقصر من يأتي هذه المسافة الطويلة في زيارة النبي ولقاء الأئمة المعصومين من آله حيهم وميتهم والسلام عليهم ، وبالخصوص الموالين لأهل البيت عليهم السلام ، يتعلمون منهم ، والإمام أولى بهم أن يكون في استقبالهم في حرم جده ومسجده وفي بيته في المدينة المنورة ، فلا يفرط هذه الغنيمة من إرشاد محبيه ومواليه وتعليمهم والقاء بهم وتفهيمهم دينهم ، فيكون في فرصة بعد مناسك الحج يرجع للمدينة المنورة ولا يكون إلا في شهر ذي الحجة شهر ولادة الإمام موسى الكاظم عليه السلام كما في حدي ولادته عليه السلام ، ولا يعقل أن يأخر رجوعه شهرين إلى شهر صفر .

يجب لقاء الإمام :

يا طيب : يجب لقاء الإمام وكفى دليلا على رجوع الإمام الصادق للمدينة بعد مناسك الحج مباشرة ويكون في ذي الحجة لا غير .

قال الفيض في الوافي في شرح قوله تعالى : { وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ‏ عن الشرك‏ وَ آمَنَ‏ بما يجب الإِيمان به‏ وَ عَمِلَ صالِحاً

ثُمَّ اهْتَدى‏ } إلى ولاية اهل البيت عليهم السلام.

عن القمّي : عن الباقر عليه السلام في هذه الآية قال : الا ترى كيف أشترط ، و لم تنفعه التوبة و الايمان العمل الصالح ، حتّى اهتدى .

و اللَّه : لو جهد أن يعمل ما قبل منه ، حتّى يهتدي .

قيل إلى مَن : جعلني اللَّه فداك .

قال : إلينا .

و في المجالس : عن النبي صلّى اللَّه عليه و آله انّه قال لعليّ عليه السلام في حديث : و لقد ضلّ من ضلّ عنك ، و لن يهتدي الى اللَّه من لم يهتد اليك و إلى ولايتك ، و هو قول ربّي عزّ و جلّ‏ : { وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ ... الآية } يعني الى ولايتك.

و في المجمع و العيّاشي عن الباقر عليه السلام قال‏ : { ثُمَّ اهْتَدى‏ } .

إلى ولايتنا أهل البيت : فو اللَّه لو انّ رجلًا عبد اللَّه عمره ما بين الركن و المقام ، ثمّ مات و لم يجيء بولايتنا ، لأكبّه اللَّه في النار على وجهه .

و في المناقب : عن السجّاد عليه السلام في هذه الآية : { ثُمَّ اهْتَدى‏ }.

قال : إلينا أهل البيت.

و في المحاسن عن الصادق عليه السلام‏ : { ثُمَّ اهْتَدى‏ } .

قال عليه السلام : إلى ولايتنا.

و في الكافي عن الباقر عليه السلام قال : و هو مستقبل البيت انّما امر النّاس ان يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها ثم يأتونا فيعلمونا ولايتهم‏ لنا ، و هو قول اللَّه تعالى‏:

{ وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى} .

ثمّ أومى بيده : إلى صدره ، إلى ولايتنا.

و في العيّاشي عن الصادق عليه السلام قال : لهذه الآية تفسير ، يدلّ ذلك التفسير على انّ اللَّه لا يقبل من أحد عملًا الّا من لقاه بالوفاء منه بذلك التفسير ، و ما اشترط فيه على المؤمنين.

و في الكافي عنه عليه السّلام قال : انّكم لا تكونون صالحين حتّى تعرفوا ، و لا تعرفوا حتّى تصدّقوا ، و لا تصدقوا حتّى تسلموا .

أبواباً اربعة : حتّى لا يصلح اوّلها الّا بآخرها ، ضلّ أصحاب الثلاثة ، و تاهوا تيهاً عظيماً .

إنّ اللَّه تعالى : لا يقبل الّا العمل الصالح ، و لا يقبل اللَّه الّا الوفاء بالشروط و العهود ، فمن وفى اللَّه تعالى بشرطه ، و أستعمل ما وصف في عهده ، نال ما عنده ، و استكمل وعده .

إنّ اللَّه تعالى : أخبر العباد بطرق الهدى و شرع لهم فيها المنار ، و أخبرهم كيف يسلكون .

فقال‏ : { إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى‏ } .

و قال‏ : { إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ‏} ، فَمَن اتّقى‏ اللَّه فيما أمره ، لقى اللَّه مؤمناً بما جاء به محمد صلّى اللَّه عليه و آله .

هيهات هيهات : فات قوم و ماتوا قبل ان يهتدوا ، و ظنّوا انّهم آمنوا ، و أشركوا من حيث لا يعلمون .

إنّه من أتى : البيوت من أبوابها أهتدى .

و من أخذ : في غيرها ، سلك طريق الرّدى .

وصل اللَّه : طاعة ولّى أمره بطاعة رسوله ، و طاعة رسوله بطاعته .

فمن ترك : طاعة ولاة الأمر لم يطع اللَّه و لا رسوله ، و هو الإقرار بما نزل من عند اللَّه تعالى‏.

أقول : أشار بالأبواب الاربعة : إلى التوبة عن الشرك ، و الإِيمان بالوحدانية ، و العمل الصالح ، و الاهتداء إلى الحجج عليهم السلام ، كما يتبيّن فيما بعد و.

أصحاب الثلاثة : إشارة إلى من لم يهتد إلى الحجج ، و الشروط و العهود كناية عن الأمور الاربعة المذكورة ، إذ هي شروط للمغفرة و عهود .

و قوله: فمن اتّقى اللَّه ، أي من الشرك في أمره‏.

تفسير الصافي ج3ص314 .

وفي تفسير البرهان : عن ثعلبة بن ميمون : عن ميسر عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: إن أبانا إبراهيم عليه السلام كان مما أشترط على ربه أن قال : { فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ‏ } .

و في رواية أخرى عنه عليه السلام قال : كنا في الفسطاط عند أبي جعفر عليه السلام ، نحوا من خمسين رجلا ، قال عليه السلام : فجلس بعد سكوت كان منا طويلا .

فقال : ما لكم لا تنطقون، لعلكم ترون أني نبي ؟ لا و الله ما أنا كذلك .

و لكن في قرابة : من رسول الله صلى الله عليه و آله قريبة ، و ولادة ، من وصلها وصله الله ، و من أحبها أحبه الله ، و من أكرمها أكرمه الله .

أ تدرون : أي البقاع أفضل عند الله منزلة ؟

فلم يتكلم أحد : فكان هو الراد على نفسه ، فقال : تلك مكة الحرام ، التي رضيها لنفسه حرما ، و جعل بيته فيها .

ثم قال : أ تدرون أي البقاع أفضل من مكة ؟ فلم يتكلم أحد ، فكان هو الراد على نفسه .

فقال : ما بين الحجر الأسود إلى باب الكعبة ، ذلك حطيم إبراهيم عليه السلام ، نفسه الذي كان يذود فيه غنمه و يصلي فيه .

فو الله : لو أن عبدا صف قدميه في ذلك المكان ، قام النهار مصليا حتى يجنه الليل ، و قام الليل مصليا حتى يجنه النهار ، ثم لم يعرف لنا حقا أهل البيت و حرمنا حقنا ، لم يقبل الله منه شيئا أبدا .

إن أبانا إبراهيم صلوات الله عليه : كان فيما اشترط على ربه ,

أن قال :

{ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ‏ } .

أما إنه لم يقل : الناس كلهم .

أنتم أولئك : رحمكم الله و نظراؤكم .

فإنما مثلكم في الناس : مثل الشعرة البيضاء في الثور الأسود، أو الشعرة السوداء في الثور الأبيض .

و ينبغي للناس : أن يحجوا هذا البيت .

و أن يعظموه : لتعظيم الله إياه .

و أن يلقونا :

أينما كنا

نحن الأدلاء على الله .

البرهان في تفسير القرآن ج3 ص316ح5775/12 و5776/ 13 . الأحاديث عن تفسير العيّاشي ج1ص 233ح 40 و 41.

نعم الحاج : والشيعة يجب أن يلقون الإمام والأدلاء على الله ، ويزورهم أحياء وأموات ويتعلموا من سيرتهم وسلوكهم ومعارفهم كلها ، ويحيوا ذكرهم في أهم مناسبات وأيام الله من مواليدهم ووفياتهم ، وبهذا نعرف أن الإمام الصادق عليه السلام لقى شيعته في أيام الحج وفي المدينة المنورة بعده ، وعلم الموالين ، ولا يفرط بهم أبدا ، ويتركهم وهم عند جده وأبيه وعمه عليهم الصلاة والسلام ، ولا يسارع معهم بعد أن قضوا حجه وتوجه لهم ، فيكون مسارع في ذي الحجة رجوعه بعد الحج ومناسكه وجمع أسباب ولوازم رحيله ، بعد يوم 15 ذي الحجة ، وبعد خمسة أيام يوم 20 ذي الحجة في الأبواء فولد الإمام الكاظم عليه السلام ، والذي اتفقت الشيعية على ولادته في الأبواء عند رجوع الإمام الصادق عليه السلام من الحج .

كلمة أخيرة :

يا طيب : عرفت أن الحاج بعد مناسكه ، كما سمعت من الحجاج ، أنهم بعد المناسك يحبون الرجوع لبلادهم ، وهي حالة تكون عند أغلب الحجاج ، فمن لم يزور المدينة يعجل لزيارته ليتم حجة ويزور النبي الأكرم وآثاره وآله الطيبين الطاهرين وبالخصوص من المؤمنين ، بعد ما عرفت من الأحاديث الكثيرة التي عرفها الأئمة كلهم ، على ضرورة بل وجوب زيارة المعصومين حيهم وميتهم عليهم الصلاة السلام .

فلذا الحاج بعد المناسك : يسارع لزيارة المدينة المنورة ، والإمام الحي أولى بأن يلقى مواليه ويستقبلهم ويكرمهم ، ويعرف أخبارهم ويعلمهم ، وأي مؤمن حقيقي الآن حج فرضا لم يزر النبي الأكرم وآله في المدينة المنورة حتى لأصعب الظروف منعته وله عذر شرعي ، ولكن مع ذلك تكون في قلبه غصه لا تهدأ حتى يزورهم ويعتبر نفسه مقصر في أهم فروض الحج والولاية .

فكيف : والإمام حي يستقبلهم ويعلمهم ويعرفهم هدى الله سبحانه وتعالى ، ويجب عليهم زيارته والسلام عليه وعرض الدين والنصرة عليه ، ويتعلم منه ما أشكل عليهم ، والأحاديث كثيرة في هذا المعنى ، ولم نذكر إلا اليسير القليل النزر منها .

وإذا كان : لابد من لقاء الإمام لأنه الدليل على الله كما في أخر الحديث الأخير ، فلابد من زيارته ومعرفة هداه .

وهذا ما يوجب : أن يكون الإمام الصادق عليه السلام ، قد عجل الرجوع للمدينة المنورة بعد قضاء مناسك الحج بخمسة أيام أي خرج يوم 15 ذي الحجة ، ومرور خمسة أيام حتى وصل الأبواء ، فيكون في يوم عشرين فيها .

ويكون يوم 20 ذي الحجة : هو يوم ولادة الإمام الكاظم عليه السلام ، ولا يمكن أن يبقى الإمام شهرين في مكة بعد الحج ويفرط بشيعته ، حتى يولد الإمام الكاظم في الأبواء في 7 صفر .

وقد عرفنا : أن رواية ولادة الإمام الكاظم عليه السلام في ذي الحجة ، مسندة للإمام عليه السلام ، والرواية أقدم بمائة سنة على رواية صفر .

فلذا يكون : مقصرا في حق الإمام الكاظم عليه السلام ، من لم يقم ذكر الاحتفال بمولده في ذي الحجة ، ويجب أن يتفق على يوم يكرم فيه الإمام ويذكر فضائله ومناقبه وسيرته وتعاليمه ويعرفها المؤمنون بأكبر حفل لكل العالم ، ينشر معارفة ، وتقام أكبر مناسبة موصولة بالغدير وتختم عنده ، ثم بعده تختم الأيام بإقامة الحزن في محرم وصفر كاملة بدون قطعها بحفل تولد ، وبالخصوص آل محمد عليهم السلام في طريق مسيرهم إلى الشام بل في 7 صفر بل هم عند طاغية الزمان مأسورين في أشد الظروف وأصعب الأحوال .

على أن أول : من أحيا مناسبة صفر وشهر مواليد أئمة في محرم وصفر هو شاه إيران البهلوي بإشارة من الاستعمار ووزيره البهائي ، ليقطع حزن وعزاء الشيعة في شهري محرم وصفر ، والذي كان يقض مضاجعه ويؤرق منامه ، لما يذكر من ضرورة التأسي بالإمام الحسين عليه السلام وآله صلى الله عليهم وسلم ، ورفض الظلم والقيام في وجه الطغاة والانتفاض على المحرفين عن الدين القويم .

فمن يحب النبي وآله وسننه وشعائره حقا : يجب أن يقيم الاحتفال بمولد الإمام الكاظم عليه السلام في شهر ذي الحجة وفي 20 عشرين ذي الحجة ، حتى نستعد بعده لذكر الحسين وآله صلى الله عليهم وسلم .

إمامنا موسى الكاظم و ولي الله الحجة

معنى الكاظم وآله حجة الله :

الْحُجَّةُ : هي البرهان القاطع للجاج والدليل الصادق في الحجاج فنبي الرحمة وآله وجودهم عين الحجة فضلا قولهم وحكمهم وهداهم بل هم حجة لله على البشر والله تعالى يحاج به ، و حَاجَّهُ غلبه بالحُجَّة ، حاججت فلانا فحججته ، أي غلبته بالحجّة ، و ذلك الظفر عند الخصومة ، وحجة الله : الدليل لمعرفة عظمة الله تعالى وبرهانه لتعليم هداه ، ولله الحجة البالغة على جميع خلقه ، وهم الثقلين كتابه القرآن المجيد ، ونبي الرحمة وآله الطيبين الطاهرين .

وقال الله تعالى : { قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149) } الأنعام .

وإنما خلق الله : الخلق ليختبرهم ، ويتميز من يؤمن ممن لم يؤمن ، وأرسل الأنبياء وجعل القرآن الكريم وآله حجة الله على خلقه ، فضلا عن دليل العقل ، فقال تعالى :

{ وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164) رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ

لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165) }النساء .

وقال الله سبحانه : بأن النبي الأكرم وآله الطيبين الطاهرين هم :

حجة الله : {

فَمَنْ حَآجَّكَ

فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ

فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) } آل عمران .

فجعل الله أخر حجه : بعد بيان كلامه في قصة عيسى عليه السلام ، على من يؤمن بقول رسول الله ، هم النبي وآله يحتج بهم على صدق هداه ، ومن لم يؤمن يعدوه بالابتهال واللعن إذا لم يصدقهم فيهلك الله تعالى أعداءه وأعداء آل محمد كما في قصة المباهلة الآتي ذكرها في يوم 24 ذي الحجة .

فآل البيت : هم حجج الله يحتج بهم على خلقه ، فضلا عن أنهم لديهم حجة الخصام ودليل عباد الله وهم الله وبرهانه ، وأنه لم يتركهم يضلوا بعد نبيه الأكرم .

فالإمام حجة الله : لأنه يكشف عن أوامر اللّه تعالى و نواهيه ، في القرآن العظيم و كلمات الرسول الأعظم ، و الأئمّة المعصومين عليهم السلام بما فيها من العلوم و المعارف و مناهج الأحكام و الاعتقادات و جميع المفاهيم الّتي ترتبط بالحياة الإنسانيّة ، و قد نصّ على ذلك الله كما عرفت ، وكما قال الرسول الكريم صلّى اللّه عليه و آله حيث قال: إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي لن تضلّوا ما إن تمسّكتم بهما ، و قد حذّرنا المعصومون عليهم السلام عن أن ننصب رجلا دون الحجّة فنصدّقه في كلّ ما قال.

ولمعرف أنهم حجج الله تدبر الأحاديث الآتية :

قال رسول الله صلى الله عليه و آله :

اللهم : إنك أمرتني بحب علي، فأحب من يحبه‏ ، و أبغض من أبغضه .

اللهم : إنك أمرتني أن أواخي عليا ، فآخيته ، فنعم الأخ وجدته .

اللهم : إنك جعلته وزيري، فنعم الوزير وجدته .

اللهم : إنك جعلته الهادي معي في طينتي ، فنعم الهادي و المتبع .

اللهم : إنك جعلته القائد و الداعي إلى الجنة من صدقه و اتبع أمره .

اللَّهُمَّ : أَنْتَ جَعَلْتَهُ حُجَّةً عَلَى مَنْ عَصَاهُ وَ خَالَفَ أَمْرَهُ .

اللهم : إني قد بلغت ما أمرتني به في علي و بنيه .

اللهم : إني لم أقل في علي إلا ما أمرتني به .

اللهم : فمن صدقني فيما قلت في علي و اتبعني عليه‏ ، فهو مني .

اللهم : و من كذب بما قلت في علي و ترك أمري فيه، فليس هو مني.

الأصول الستة عشر ص217ح13 .

وقال الإمام الصادق عليه السلام :

يَحْتَجُ‏ عَلَيْهِمْ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، بأن قال:

و الله : إن منا لرسول الله صلى الله عليه و آله، و إن منا حمزة سيد الشهداء، و إن منا الإمام المفترض الطاعة ، من أنكره مات إن شاء يهوديا ، و إن شاء نصرانيا. ثم قال: و الله ما ترك الله الأرض قط منذ قبض الله آدم إلا و فيها من يهتدى به إلى الله .

وَهُوَ حُجَّةُ اللَّهِ إِلَى الْعِبَادِ : مَنْ تَرَكَهُ هَلَكَ ، وَ مَنْ لَزِمَهُ نَجَا حَقّاً عَلَى اللَّهِ .

الأصول الستة عشر ص 266ح381/ 54.

وعن جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول :

إنه‏ لا يستكمل عبد الإيمان : حتى يعرف أنه يجري لآخرهم ما جرى لأولهم .

وَ هُمْ فِي الْحُجَّةِ : و الطاعة و الحلال و الحرام سواء ، و لكن لمحمد و علي فضلهم.

الأصول الستة عشر ص 79ح283 .

وعن عبد الله بن أبي يعفور قال : قال لي أبو عبد الله عليه اسلام يا ابن أبي يعفور : إن الله تبارك و تعالى : واحد متوحد بالوحدانية ، متفرد بأمره ، فخلق خلقا ففردهم لذلك الأمر ، فنحن هم يا ابن أبي يعفور .

فَنَحْنُ حُجَجُ‏ اللَّهِ‏ فِي عِبَادِهِ : و شهداؤه في خلقه ، و أمناؤه و خزانه على علمه ، و الداعون إلى سبيله و القائمون بذلك ، فمن أطاعنا فقد أطاع الله.

بصائر الدرجات ج1ص61ب3 ح 4 .

عن أبي خالد القماط عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له : يا ابن رسول الله ما منزلتكم من ربكم ؟

قال عليه السلام :

حُجَّتُهُ عَلَى خَلْقِهِ : وَ بَابُهُ الَّذِي يُؤْتَى مِنْهُ ، وَ أُمَنَاؤُهُ عَلَى سِرِّهِ ، وَ تَرَاجِمَةُ وَحْيِهِ.

بصائر الدرجات ج‏1ص62ح9 .

و روى أيوب بن نوح عن الحسن بن فضال قال :

سمعت‏ علي بن جعفر يقول‏: كنت عند أخي مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليه السلام.

وَ كَانَ وَ اللَّهِ حُجَّةً : بَعْدَ أَبِي ( جعفر الصادق ) إِذْ طَلَعَ ابْنُهُ عَلِيٌّ .

فقال لي : يا علي هذا صاحبك ، و هو مني بمنزلتي من أبي ، فثبتك الله على دينه .

فبكيت فقلت في نفسي : نعى و الله نفسه .

فقال : يا علي لا بد من أن تمضي مقادير الله في ، و لي برسول الله أسوة و بأمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين ، و كان هذا قبل أن يحمله هارون الرشيد في المرة الثانية بثلاثة أيام‏ .... تمام الخبر

مسائل علي بن جعفر و مستدركاتها ص348 ح856 .

يا طيب : ما عرفت من الأحاديث تبين أن الأئمة المعصومين هم حجج الله ودليل آياته وبرهانه على عباده ، ولكن بعضهم يقلب الحجة أو يغتصبها ، وينسبها لنفسه فيعرف نفسه بما لم يجعل الله له من سلطان ، ولمعرفة هذا المعنى تدبر الحديث الآتي :

عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس قال : سمعت سلمان الفارسي قال‏ : لما أن قبض النبي صلى الله عليه وله و صنع الناس ما صنعوا ( من أمر السقيفة ) جاءهم أبو بكر و عمر و أبو عبيدة بن الجراح‏ ، فخاصموا الأنصار .

فخصموهم ْ : بِحُجَّةِ عَلِيٍّ عليه السلام .

فقالوا : يا معاشر الأنصار قريش أحق بالأمر منكم ، لأن رسول الله من قريش ، و المهاجرون خير منكم لأن الله بدأ بهم في كتابه و فضلهم ، و قد قال رسول الله : الأئمة من قريش .

قال سلمان : فأتيت عليا عليه السلام ، و هو يغسل رسول الله ، و قد كان رسول الله أوصى عليا أن لا يلي غسله‏ .......

قال أمير المؤمنين عليه السلام : أخبرني رسول الله ، و قال : يبايع الناس أبا بكر في ظلة بني ساعدة .

بَعْدَ تَخَاصُمِهِمْ بِحَقِّنَا وَ حُجَّتِنَا .

كتاب سليم بن قيس الهلالي ج2ص577ح4 .

ويا طيب : الأحاديث في هذا المعنى لا يسعها هذا المختصر ، وتمام البيان في بحوث الإمام الأصل الرابع للدين .

وبهذا نعرف : الإمام هو حجة الله ، بنفسه وقوله وحكمه ومواعظه وسيرته وسلوكه ، وهم ميزان الأعمال وأمناء الرحمان والدليل على عظمته والبرهان ، جعلنا الله وإياكم من المتمسكين بولايتهم والسائرين على صراطهم المستقيم لكل هدى ونعيم في الدنيا والآخرة .

ولكم يا طيبين الدليل والبرهان والحجة

تبطل من قال 7 صفر ومجهول الرواية

معنى الحجة الدليل والبرهان :

الْحُجَّةُ : بالضّمِّ البرهانُ و الدّليلُ ، وما يَقْتَضي صحّةَ النّقيضينِ و المَعْذِرةُ ، وفي الشرح السابق عرف حقيقة أن مولد الإمام في 20 ذي الحجة أقرب للواقع للروايات في زمن ذي الحجة والرجوع و كما مر بالشرح والبيان المفصل .

و الحَجُ‏: كَثْرَةُ الاخْتلاف و التَّرَدُّدِ، و قد حَجَ‏ بنو فُلان فُلاناً، إِذا أَطالُوا الاختلافَ إِليه ، و في التّهذيب: و تقولُ : حَجَجْتُ‏ فُلاناً، إِذا أَتَيْتَه مَرّةً بعد مرّةٍ.

و الحَجُ‏: الغَلَبَةُ بالحُجَّةِ، يقال: حَجَّهُ‏ يَحُجَّه‏ حَجّاً، إِذا غَلَبَه على‏ حُجَّتِهِ‏. والجمع حُجَجٌ‏، وحَاجَّهُ غلبه بالحُجَّة حاججت فلانا فحججته ، أي غلبته بالحجّة ، و ذلك الظفر عند الخصومة ، و الُجَجٍ والحج الأصل الواحد و هو القصد الملازم للحركة و العمل ، و الحجّة : ما يقصد به في مقام البحث و إثبات الدعوى و الإتيان للغلبة على الطرف . و المحجّة هي الطريقة الواضحة المستقيمة ظاهريّة أو معنويّة، يقصد إليها و بها و يسلك فيها للوصول الى المطلوب.

و أمّا المُحَاجَّةُ : فصيغتها مفاعلة و تدلّ على الدوام و الاستمرار، و قولنا حَاجَجْتُ‏ تدلّ على استمرار القصد مع الحركة و العمل في مقابل الطرف المقابل، و هذا المعنى هو الاحتجاج و البحث و إدامة المذاكرة.

وقال الله تعالى : { وَ تِلْكَ‏ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى‏ قَوْمِهِ } ، { قُلْ أَ تُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ وَ هُوَ رَبُّنا }.أي تديمون البحث و تستمرّون في مقام الاحتجاج و الإتيان بالحجّة، مع أنّه تعالى مربّينا، و فتق أمورنا و رتقها و تدبيرها و نظمها بيده التي فوق الأيدي، و أيّ حجّة تكون فوق هذه الحجّة.

{ قُلْ فَلِلَّهِ‏ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ } كيف لا تكون كذلك، و هو أنشأكم، ثمّ سوّاكم، ثمّ خلق لكم ما في الأرض من النعم و الآلاء العامّة، ثمّ هداكم بإرسال الرسل و الكتب، ثمّ يكمّل إحسانه و فضله العامّ على من يشاء، و هو قادر على ما يشاء بما يشاء كيف يشاء، فكيف لا تكون له حجّة بالغة على الخلق، و هذه هي حقيقة الحجّة الّتي بها يفحم المدّعي المخالف في إثبات الحقّ و إبطال الباطل.

و التَّحَاجُ‏: التَّخاصُمُ.

ويا طيب : في البحوث السابقة عرفنا بالحجة العقلية والواقعية وما يملي له التأريخ ، أن مولد الإمام الكاظم عليه السلام في يوم 20 ذي الحجة أقرب للواقع بل هو الصادق والأحق بالمتابعة والاحتفال به ، ودليله معه وبرهانه يصدقه كل من يعرف حال الأئمة وأمرهم بالزيارة والرجوع منها مبكرا لكي لا يلتهي العباد بأمور دنياهم عنده ، فيقل التوجه لحرمته وما يناسب طلب العلم منه .

وتحياتي لكم وأسألكم الدعاء والزيارة وبارك الله فيكم وشكر سعيكم وتقبل أعمالكم .



☜✍☞
↓ تفضل لمعاني قيمة في ↓

شرح أبوذية الكاظم

عليه السلام

رحم الله الشيخ حسن الأنباري إذ قال :

سلام الله على إمامنا موسى الكاظم

إن جهل عليك لغيظك كن الكاظم

تنبل وتؤجر وكل طيب وأنا الكاظم

بمودة وتقدير وملعون الأخلاقه ردية

شرح الأبوذية :

سلام الله و صلاته على سيدي
و إمامي مولاي موسى الكاظم

الكاظم اسم لقب الإمام :

الكاظم : الْكَاظِمُ‏ اسم لقب للإمام السابع والمعصوم التاسع مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ عليه السلام ، كاظِم : اسم والجمع كاظمون و كُظّام و كُظَّم ، المؤنث كاظمة والجمع كاظمات و كُظَّم ، و كاظِم : اسم فاعل من كظَمَ والمفعول مَكْظوم وكظيم ، والكَاظِمُ : كظَم الرجُلُ على غيظِه كتَمه وحبَسه وأمسك على ما في نفسه من ممن غاظه وجهل عليه إما على صَفْح أو غيظ مكتوم ، و سيأتي تفصيل بيان معنى الكظم وفضل وثواب الكاظمين الغيظ وما يقاربه في المعنى .

سبب التسمية بالكاظم :

وَ سُمِّيَ : الْإِمَامُ مُوسَى بْنُ جَعْفَر الْكَاظِمُ عليه السلام ، لِمَا كَظَمَهُ مِنَ الْغَيْظِ ، وَغَضَّ بَصَرَهُ عما فعله الظالمون به ، حتى مضى قتيلا في حبسهم وَ هو ممتلئ حزنا وغما وغصه من التعدي على حرمته وحقه ، بل وممن جهل حقه من الإسماعيلية ومحاجته بجهل في حق إمامته وحرف الناس عنه ، بل ومن أتباع السلطان وكثير ممن عاصره .

و قال الربيع بن عبد الرحمن: كان الكاظم و الله من المتوسمين ، فيعلم من يقف عليه و يكظم غيظه عليهم و لا يبدي لهم ما يعرفه منهم ، فلذلك سمي الْكَاظِمَ .

و كان عليه السلام : أجل الناس شأنا ، و أعلاهم في الدين مكانا ، و أسخاهم بنانا ، و أفصحهم لسانا و أشجعهم جنانا ، قد خص بشرف الولاية ، و حاز إرث النبوة ، و بوئ محل الخلافة ، سليل النبوة ، و عقيد الخلافة .

و كان عليه السلام : أفقه أهل زمانه ، و أحفظهم لكتاب الله ، و أحسنهم صوتا بالقرآن ، فكان إذا قرأ يحزن و بكى و بكى السامعون لتلاوته.

وسمي بلقب الكاظم عليه السلام في كثير من الأحاديث منها :

عن الإمام الصادق عليه السلام في حديث معرفة الأئمة : ... ثم ابنه محمد بن علي باقر علم الأولين و الآخرين من النبيين و المرسلين ، ثم جعفر بن محمد لسان الله الصادق .

ثُمَّ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ الْكَاظِمُ غَيْظَهُ‏ صَبْراً فِي اللَّهِ تَعَالَى ، ثم علي بن موسى الرضا الراضي بسر الله تعالى ...

مصباح الشريعة ص65ب2 .

وفي دعاء التوسل : يَا أَبَا الْحَسَنِ يَا مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ أَيُّهَا الْكَاظِمُ‏ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ يا حجة الله على خلقه يا سيدنا و مولانا إنا توجهنا و استشفعنا و توسلنا بك إلى الله و قدمناك بين يدي حاجاتنا يا وجيها عند الله اشفع لنا عند الله

بحار الأنوار ج‏99ص248ب 10 .

وجاء في كثير من الأحاديث : لقب الإمام موسى بن جعفر بالكاظم عليه السلام ، سواء في سندها أو السؤال منه أو في زيارته ، وهو أشهر لقب له عليه السلام ، والإمام هو أول من يفعل ما يوصي به ، وجاء : عن الحسن بن الجهم :

عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الكاظم عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ : التواضع أن تعطي الناس ما تحب أن تعطاه ، و في حديث آخر قال : قلت : ما حد التواضع الذي إذا فعله العبد، كان متواضعا ؟

فقال الإمام الكاظم عليه السلام : التواضع درجات ، منها أن يعرف المرء قدر نفسه ، فينزلها منزلتها بقلب سليم ، لا يحب أن يأتي إلى‏ أحد إلا مثل ما يؤتى‏ إليه ، و إن رأى‏ سيئة درأها بالحسنة .

كَاظِمُ الْغَيْظِ : عَافٍ عَنِ النَّاسِ ، وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ .

الكافي ج‏3ص321ب59ح1875/ 13.

قصة حلم الإمام وكظم الغيظ :

وروى الشريف : أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى العلويّ ، عن جدّه بإسناده قال : إنّ رجلاً من ولد عمر بن الخطّاب كان بالمدينة يؤذي أبا الحسن موسى عليه السلام ويشتم عليّاً عليه السلام .

فقال له بعض حاشيته : دعنا نقتل هذا الرجل ، فنهاهم عن أشدّ النهي .

وسأل عن العمري فقيل : إنّه يزرع بناحية من نواحي المدينة .

فركب إليه : فوجده في مزرعة له دخل المزرعة بحماره .

فصاح به العمري : لا توطئ زرعنا .

فتوطّأه أبو الحسن عليه السلام : بالحمار حتى وصل إليه ، فنزل وجلس عنده ، وباسطه وضاحكه ، وقال له : كم غرمت في زرعك هذا ؟ .

فقال : مائة دينار .

قال : وكم ترجو أن تصيب ؟

قال : لست أعلم الغيب .

قال : إنّما قلت لك : كم ترجو .

فقال : أرجوا أن يجيئني فيه مائتا دينار .

قال : فأخرج له أبو الحسن عليه السلام صرّة فيها ثلاثمائة دينار .

وقال : هذا زرعك على حاله ، والله يرزقك فيه ما ترجو .

فقام العمري : فقبّل رأسه ، وسأله أن يصفح عن فارطه .

فتبسّم : أبو الحسن موسى عليه السلام وانصرف .

ثمّ راح إلى المسجد : فوجد العمري جالساً ، فلمّا نظر إليه .

قال العمري : الله أعلم حيث يجعل رسالاته .

قال : فوثب إليه أصحابه ، فقالوا له : ما قصّتك ؟

فقد كنت تقول : غير هذا !!

قال : فقال لهم : قد سمعتم ما قلت الآن ، وجعل يدعو لأَبي الحسن عليه السلام ، فخاصموه وخاصمهم .

فلمّا رجع : أبو الحسن عليه السلام إلى داره .

قال : لمن سألوه قتل العمرىّ ، أيّما كان خيراً ما أردت أو ما أردتم ؟ .

إرشاد المفيد ج2ص233 ، المناقب لابن شهر آشوب ج4ص319

وذكرت الرواة : أنّه عليه السلام كان يصل بالمائتي دينار إلى ثلاثمائة دينار ، وكانت صرار موسى عليه السلام مثلاً .

إعلام الورى 6ج2ص27ب 6ف4 . سير أعلام النبلاَء ج6ص271 .

فضل زيارة الإمام الكاظم وآله عليهم السلام وضرورة طاعتهم وحب مواليهم :

عن عبد الرحمن بن مسلم قال: دخلت الإمام على الكاظم‏ عليه السلام :

فقلت له : أيما أفضل زيارة الحسين بن علي أو أمير المؤمنين أو فلان و فلان و سميت الأئمة واحدا واحدا ؟

فقال لي : يا عبد الرحمن ، من زار أولنا فقد زار آخرنا ، و من زار آخرنا فقد زار أولنا ، و من تولى أولنا فقد تولى آخرنا ، و من تولى آخرنا فقد تولى‏ أولنا .

و من قضى : حاجة لأحد من أوليائنا ، فكأنما قضاها لأجمعنا .

يا عبد الرحمن : أحبنا ، و أحب من يحبنا ، و أحب فينا ، و أحبب لنا ، و تولنا ، و تول من يتولانا ، و أبغض من يبغضنا .

ألا و إن الراد علينا : كالراد على رسول الله جدنا ، و من رد على رسول الله ، فقد رد على الله .

ألا يا عبد الرحمن : ومن أبغضنا فقد أبغض محمدا ، ومن أبغض محمدا فقد أبغض الله ، ومن أبغض الله عز و جل ، كان حقا على الله أن يصليه النار وما له من نصير .

كامل الزيارات ص335ب108ح13 .

يا طيب : نكتفي بهذا المختصر ونتعرف على معنى الكاظم و سبب ما يوجب الكظم ومعناه وفضله في شرح الشطر التالي وفي التكملة مفصلا ، فتدبر وتابع مشكورا .

و قال الإمام الرضا عليه السلام في رثاء والده ونفسه :

و قبر بغداد لنفس زكية __ تضمنه ا الرحمن بالغرفات‏

و قبر بطوس يا لها من مصيبة __ ألحت على الأحشاء بالزفرات

قال الشاعر أبو الحسن المعاذ رحمه الله :

زر ببغداد موسى بن جعفر __ إن موسى مديحه ليس ينكر

هو باب إلى المهيمن تقضى __ منه حاجاتنا و تحبى و تجبر

هو حصني و عدتي و غياثي‏ __ و ملاذي و موئلي يوم أحشر

صائم القيظ كاظم‏ الغيظ في __ الله‏ مصفى به الكبائر تغفر

كم مريض وافى إليه فعافاه‏ __ و أعمى أتاه صح و أبصر

مناقب آل أبي طالب عليهم السلام لابن شهرآشوب ج4ص329 .

يا طيب الغاشم إن جهل عليك أصبر و أحلم و لغيظك كن الكاظم

معاني الكاظم الغيظ :

الكاظم : كن أنت لكَاظِمُ والممسك لغيظك والمتجرع للغصة من جهل وتحرش وتعدي الغاشم والظالم أو المساوي وحتى الأدنى فضلا عن المستعلي والعالي الجائر والباغي المتجبر المتكبر ، لأنه كظم الغيظ وتجرع الخصة أدب رفيع وخلق كريم .

وكظَمَ : يَكظِم كَظْمًا كُظُوم ، فهو كاظِم ، و كَظَمَ : أغلق الشيء أو سده أو ملأه أو سكت على كلام ، وكظامة : حبل يشد به أنف الجمل ، وكل شيء ممتلئ يمنع من خروج مكنونه فهو كاظم ، و كاظم لغيظه مالك لنفسه عند الغضب مما أزعجه ونفر منه وكرهه أو أحزنه وغمه وكربه .

والكظم : مخرج النفس من الحلق ، أخذ بكظمه أي بحلقه وكاد يخنقه ، وفي علوم النفس : إبعاد الأمور غير السارَّة عن الذاكرة أو إرسالها إلى اللاّشعور ، وتناسي وتجاهل جهل الجاهل والمتجاهل وحماقته وسفه وظلمه .

و المكظوم : المغموم الذي قد اغتمّ ، و لا يجد ما يفرج غمه وهمه ، فقد كظم‏ غيظه أي أخفاه وكتمه ولم يظهر غصته .

معنى غيظ :

غيظ : الغيْظُ : الغَضب بالخصوص الشديد ، وهو ما يغيظ ويغلي في القلب لوصول مكروه إلى‏ المُغْتَاظِ مما يحرك بشدة للانتقام أو التجري على من غاظه ، فإن كان يستطيع إمضاءه ، وكظمه يسمى حلما ، وإن كان عاجز عنه وكظمه ساكتا سمي صبرا وإن تناساه سمي عفوا ، وإن كافئ بالحسنى من غاظه سمي إحسانا ... و غِظتُ‏ فلاناً أَغِيظه‏ غَيْظاً و قد غاظه‏ فاغتاظ و غَيَّظَه‏ فتَغَيَّظ و هو مَغِيظ .

معن الغاشم :

الْغَشْمُ ‏:الظُّلْم على غير الطريق المعهودة ، و هو الغَصْبُ والتعسف وأخذ ما يقدر عليه ظلما مع الحيلة والمكر والترويع والتخويف أو حتى بدونها ، غشمهم‏ يغشمهم‏ غشما. وللذكر والأنثى‏ غاشِمٌ‏ و غَشَّامٌ‏ و غَشُومٌ ، فهو الذي يركب رأسه ولا يثنيه شيء من خلق وأدب وعرف ودين عما يريد ويهوى ، ومن يخبط الناس ويخمطهم و يأخذ ويعمل ويتكلم كل ما قدر عليه‏ بدون حق أو مع التعدي والبغي والتجبر .

معنى الجهل :

الجَهْل‏ : عدم العلم ونقيضه ، وبالجهل تعتقد الاعتقادات الباطلة ، وتعمل الأعمال الطالحة ، ويستخف الهدى ويعصى به الرب ، ويتجرأ به على الحقوق ، وبسبب الجهل بعاقبة الظلم يتغشم الجاني غيره ويأخذ من حقه ، ويجهل على غيره‏ سفها ، ويؤذي العباد و يتغشمهم ويغصب حقهم ويعتدي عليهم.

و قد جَهِلَه :‏ فلان‏ جَهْلًا و جَهَالَة ، و جَهِلَ‏ عليه تعدى حقه ومروءته ، و تَجَاهَلَ‏ : أَظهر الجَهْل‏ و أَرَى من نفسه الجَهْل‏ و ما ليس به ، و اسْتَجْهَلَه‏ : عَدَّه جاهِلًا و اسْتَخَفَّه أَيضا ً. و التَّجْهِيل‏: أَن تنسبه إِلى الجَهْل‏ . والجَهَالَة : أَن تفعل فعلًا بغير العِلْم بالصلاح والحكمة والأدب .

قوله تعالى‏ : { إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17)} النساء الْجَهْلُ ‏: خلاف العلم .

وقالوا : أجمعت الصحابة والعقلاء وأهل الحق على أن كل ما عصي الله به فهو جَهَالَةٌ ، و كل من عصى الله فهو جَاهِلٌ‏ .

و قيل‏ الْجَهَالَةُ : اختيار اللذة الفانية على اللذة الباقية .

وَ فِي الْخَبَرِ : مَنِ‏ اسْتَجْهَلَ‏ مُؤْمِناً فَعَلَيْهِ إِثْمُهُ ، أي من حمله على شيء ليس من خلقه ، فيغضبه ، فإنما إثمه على من أحرجه إلى ذلك .

في حديث الإِفْك ‏: و لكن‏ اجْتَهَلَتْه‏ الحَمِيَّة . أَي حَمَلَتْه الأَنَفَة و الغَضَب على الجَهْل وعمل أعمال أهل الجاهلية .

و قولهم : كان ذلك في‏ الجاهِلِيَّة الجَهْلاء ، هو توكيد للأَول ، في الحديث ‏: إِنك امرؤ فيك‏ جَاهِلِيَّة . و هي الحال التي كانت عليها العرب قبل الإِسلام من الجَهْل بالله سبحانه و رسوله و شرائع الدين و المُفاخَرَة بالأَنساب و الكِبْر و التَّجَبُّر و غير ذلك ممن لا يُهْتَدَى لخلق الدين وآداب الإسلام .

وإنّ الجهل : يلازم الاضطراب وعدم الاستقرار وطلب وعمل مالا يصح من الفعل الطالح والخبث والسيء والشر ، كما أنّ العلم و اليقين يلازمان الطمأنينة والوقار والهدوء والعمل الصالح وفعل الخيرات والحكمة ، كما أن الشطارة والجربزة والمخادعة والمكر من الجهل لأنها في النار ومن الأخلاق السيئة ومن الجهل بجزائها وعقابها عند الله تعالى.

وقال الله تعالى : { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا

وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) }الفرقان ، أي الجاهلون بمقام المؤمنين وشأنهم الكريم وحقهم وهداهم وصلاحهم وهداهم .

وقال سبحانه : {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)}لأعراف.

أي أهل الجهل : الّذين لا يعرفون العرف والآداب وحسن الخلق ، فلا تكن جاهل مثلهم ولا تتصرف مثل تصرفهم فتكون منهم وتخرج عن الحكمة والهدى وآداب الصالحين.

وقال الله عز وجل : { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ( 72)

لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (73) }الأحزاب .

والأمانة : هي الولاية لأمير المؤمنين وآله الطيبين الطاهرين عليهم السلام ، ومن لم يقبلها منافق أو كافر أو مشرك .

وقال عالم الغيب والشهادة : { يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا (32)

وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ

وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى

وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ

إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) } الأحزاب .

والحمد لله : كل نساء النبي لم يتبرجن تبرج الجاهلية وقرن في بيوتهن إلا واحدة لم تقبل الأمانة ولا الولاية ولا ما أمر الله ورسوله بأن يكن مع الطاهرين الطيبين آل محمد عليهم السلام ، وهكذا كل الجاهلين للحق من الأوائل ممن ظلم وغشم حق آل البيت وولايتهم عليهم السلام فهو من الجاهلين لعقاب الله لمن يعتدي على النبي وآله صلى الله عليهم وسلم ويغصب حقهم ، وهكذا من الجاهلين أتباعهم ممن يجهل على شيعة أمير المؤمنين ويستخف بهم ويريد بهم سوء ويغيظهم ويعتدي على حقوقهم ، ويتربص بهم الدوائر إما حسدا أو حقدا على ما عندهم من الهدى الحق والجاه الكريم بفضل الله ونعمه عليهم ، وبهذا أمرنا بكظم الغيظ عنهم ، كما كظم غيظه أمير المؤمنين وآله الطيبين الطاهرين ، ولمعرفة هذا في التكملة نذكر بعض من كلمات أهل البيت عليهم السلام وأحوالهم ، في كظم الغيظ والتغاظي والتجاهل عن جهل الجاهلين .

وقبل التكلم : عن كظم الغيظ نذكر بعض الحديث في حسن تحمل سفه الجاهلين على عباد الله الطيبين :

ومن الحقوق للجار : وَ لَا تَدَّخِرْ حِلْمَكَ عَنْهُ إِذَا جَهِلَ‏ عَلَيْكَ‏ ، وَ لَا تَخْرُجْ أَنْ تَكُونَ سِلْماً لَهُ تَرُدُّ عَنْهُ لِسَانَ الشَّتِيمَةِ ،... وفي حق الكبير : وَ لَا تَسْتَجْهِلْهُ ، وَ إِنْ جَهِلَ‏ عَلَيْكَ‏ تَحَمَّلْتَ ، و أكرمته بحق إسلامه مع سنه ، فإنما حق السن بقدر الإسلام...

تحف العقول ص266

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يَا عَلِيُّ ثَلَاثَةٌ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ ، أَنْ تَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ ، وَ تَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ ، وَ تَحْلُمَ عَمَّنْ جَهِلَ‏ عَلَيْكَ‏...

مكارم الأخلاق ص435ف3 .

قوال الإمام الصادق عليه السلام : ثلاث من مكارم الدنيا و الآخرة ، تعفو عمن ظلمك ، و تصل من قطعك ، وَ تَحْلُمُ إِذَا جُهِلَ‏ عَلَيْكَ‏.

الكافي ج2ص107ح3 .

يا طيب : الآيات والأحاديث والبحوث المفصلة لكظم الغيظ في التكملة تجدها إن شاء الله فتابع مشكورا .

بحوث في معنى كاظم الغيظ:

تقديم :

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكظم الغيظ :

يا طيب : ما ذكر من ضرورة كظم الغيظ وأهميته ، لا ينافي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولا ينافي حتى الجهاد فضلا عن بيان الحق في الوقت المناسب ، فإن من شروط الأمر بالمعروفأولا العلم والمعرفة بالمعروف والمنكر ، وثانيا أن يكون الأمر وبالمعروف والنهي عن المنكر مؤثرا ولو تأثير بسيط ، والثالث : أن لا يوجب مفسدة وضرر على الآمر والناهي أو على غيره ، و إن لا يزيد العداوة أو يؤدي إلى اللجاج والمعاندة وعمل ما لا يحسن فعله ، ويخرجه من الكتمان للمجاهرة ، أو من الاحترام بعض الشيء إلى الظهور بالمخالفة ، فلا يحسن ، ويحسن لو كان رادعا ولا ضرر فيه .

كما أن بيان الحق : واجب ، ولكن بعض الأحيان يوجب ضرر شديد على الناصح ، أو يزيد من تعنت من تنصح ويدعوه لما فيسد أكثر مما كان للجاجة وللخباثة التي فيه ، أو لبيان قدرته على التمادي وهضم الحق ، فهنا لا يحسن ، وإن أثر بلا ضرر يحسن .

وكظم الغيظ : هو أمر بمعروف ونهي عن منكر وبيان للحق في خلقه ولكن ببيان آخر ، ويكون في موارد عدم جواز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بصورته المعتادة ، من كون بيان الحق لا يؤثر ويدعوا لما يفسد أكثر مما يصلح أو يوجب الضرر أكثر .

ولكظم الغيظ : ميزات عرفتها كبيان الخلق الكريم والنبل والشهامة وآداب الدين ، وكما عرفت في قصة الإمام الكاظم عليه السلام مع العمري ، وللأئمة قصص كثيرة مثل هذا تجدها في صحفهم ، وسيأتي بعض كلمات فاطمة الزهراء والإمام علي عليهم السلام ، فيها بيان حقهم في الوقت المناسب فسكتوا وقتا ثم بينوا حين يرون وقت لصلاح البيان وتأثيره ، وكما تأتي قصة للإمام علي بن الحسين عليه السلام ، كما و ستعرف أن الغيظ سببه قد يكون حق أو باطل ، وكذا بثه قد يكون بحق أو باطل ، فتدبر.

توكيد معنى كظم الغيظ وتحمل سفه الجاهلين :

كاظم : ممتلئ غمّا و غيظا في قرارة نفسه بسبب غاشم معتدي عليه ، وكاتم و ممسك كربه وغمه ومتحمل لجهالة خصمه ، و حابس على ما في نفسه من الغصة والحزن لما أصابه من كلام معانده ومخالفه ، أو مكروب محزون ممن غصبه حقه أو تعدي ممن سفه عليه ، ولا يبدي ولا يظهر كاظم الغيظ ما في نفسه لما يراه من عدم الصلاح في بيانه ، وإن السكوت أفضل وأحكم وأوزن وأقر ، فيكظم ما في نفسه بجهد أليم .

وليتضح حسن كظم الغيظ نذكر تفسير بعض آيات وشرح روايات :

آيات وقصص قرآنية في كظم الغيظ :

الكَظِيمُ : الكاظِمُ ويكون بمعنى مكظوم ، وقال الله تعالى في يعقوب عليه السلام :

{ وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ

وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) } يوسف .

نبي الله يعقوب عليه السلام : كاظم غيظه ، وكان شديد الإخفاء لما يشعر به من حُزن ، وكظيم : صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من كظَمَ ، و كظَمَ على ، وهو كذلك صفة ثابتة للمفعول من كظَمَ كظَمَ على ما بداخله من الهم والغصة ، فهو حزين مغتمّ .

ومثله قوله تعالى : { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا

وَهُوَ كَظِيمٌ (58) } النحل ، مملوء غيظًا وغمًّا .

ومثله قوله تعالى : { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا

وَهُوَ كَظِيمٌ (17)}الزخرف.

وبهذا تعرف يا طيب : إن كظم الغيظ حسن ، ولكنه قد يكون التغيظ بحق كما في يعقوب عليه السلام ، ومرة تغيظ بعصبية وجهل كغيظ المبشر بالأنثى وهي حسنة من الله له ، وكظمه حسن وغيظه سيء ، ومثله من لم يقبل هدى الله وبراهين التوحيد وأدلة الإيمان بالله تعالى ، فغيظه باطل وكظمه حسن ، وتدبر بالقصص الآيات الآتية .

وقال الشيخ الطوسي رحمه الله : قال الله عز وجل للنبي صلى اللَّه عليه و آله‏ :

{ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ } الذي حكم عليك بالصبر، و أمهلهم إلى وقت آجالهم‏ .

{ وَ لا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ } يعني و لا تكن في استعجال عقابهم مثل يونس حين طلب من اللَّه تقديم عقاب قومه و إهلاكهم، و لا تخرج من بين ظهراني قومك قبل ان يأذن اللَّه لك في ذلك كما فعل يونس‏ .

{ إِذْ نادى‏ وَ هُوَ مَكْظُومٌ } : قال ابن عباس و مجاهد: معناه مغموم ، كأن الغم قد حبسه عن الانبساط في أمره، و المكظوم المحبوس عن التصرف في الأمور، و منه كظمت رأس القربة إذا شددت رأسها، و كظم‏ غيظه إذا حبسه بقطعه عما يدعو اليه .

و الذي نادى به‏ : { لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } فجعله اللَّه من الصالحين، بما بين لعباده من صلاحه .

التبيان في تفسير القرآن ج10ص91 .

فكظمه وغيظه : حسن لأن غيظه على نفسه بعدما عرف أنه كان عليه أن لا يترك قومه ، فلذا توجه لله وبثه همه وشكواه له وسبحه وأعترف له بما كان فيه ومنه .

ومنه قوله‏ تعالى : { إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11) } الأحزاب .

نزلت الآيات : في المسلمين في غزوة الخندق ، حيث بعضهم ظنوا في أنفسهم ولم يبدوه ، وبعضهم أبدوا خوفهم وظهر نفاقهم بأن الله والرسول أوعدهم الغرور وما لا يكون فيه النصر ، ولكن كفى الله المؤمنين القتال بعلي أبن أبي طالب بقتله عمرو بن ود .

وبلوغ القلوب الحناجر : أي في الوقت الذي تنتزع فيه القلوب من أمكنتها و هي الصدور، فكظمت به الحناجر ، فلم تستطيع ان تلفظها و لم تعد الى أماكنها ، و الحناجر جمع حنجرة و هي الحلقوم ، وإنما خصت الحناجر بذلك لان الفزع ينتفخ منه سحره ، أي رئته ، فيرتفع القلب من مكانه لشدة انتفاخه حتى يبلغ الحنجرة . هؤلاء قد اطبقوا أفواههم على ما في قلوبهم لشدة الخوف ، ولا يكن من المؤمن الحق مثل أمير المؤمنين عليه السلام ومن مثله كانوا مستبشرين بوعد الله ورسوله بالنصر ولم يتزلزلوا .

كظم الصديقة والأمير للغيظ

قصص وأحاديث : في كضم أهل البيت عليهم السلام لغصصهم أو بثها في حينها: قالت الصديقة فاطمة الزهراء في الخطبة الفدكية :

وفي حديث خطبة فاطمة الزهراء عليها السلام : تصف أبيها وبعلها وجهادهم للمشركين والكفار ، وتصف خيانة من أسلم ولم يؤمن وغصبه لحقها وبعلها بعد شهادة أبيها صلى الله عليه وآله :

آخذا بكظمهم : يهشم الأصنام و ينكث الهام‏ .....

وكلما: حشوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا ونجم قرن‏ للضلال وفغرت فاغرة من المشركين ، قذف بأخيه : في لهواتها فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه و يخمد لهبه ا بحده مكدودا في ذات الله قريبا من رسول الله سيدا في أولياء الله ، و أنتم في الهنية وادعون آمنون .

حتى إذا اختار الله لنبيه : دار أنبيائه ، ظهرت خلة النفاق، وسمل‏ جلباب الدين .

و نطق : كاظم‏ الغاوين ، و نبغ خامل الآفلين ....

وقالت فاطمة الزهراء عليها السلام في آخر الخطبة : ألا و قد قلت : الذي قلت على معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم ، و خور القناة و ضعف اليقين.

ولكنه : فيضة النفس ، و نفثة الغيظ ، و بثة الصدر ، و معذرة الحجة .

فدونكموها : فاحتقبوها مدبرة الظهر، ناقبة الخف باقية العار، موسومة بشنار الأبد، موصولة بنار اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ.....

بلاغات النساءص23. ، السقيفة و فدك ص144.

فالمنافقين : ومن غصب حق آل محمد عليهم السلام كان كاظم غيظه وعداوته لآل البيت حتى شهادة النبي الأكرم فمكر وتأمر وغصب حقهم وهو غاشم طاغية معتدي أثيم ، فكتمانه وكظمه وإظهاره سيء ، كما هي عليه السلام بينت ما تكظم من الغيظ عليهم لما غصبوا حقها لضرورة الدفاع عن الولاية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنه به عرفت حقها على طول السنين لكل مؤمن ومنصف وحر أبي يحب النبي وآله الطيبين الطاهرين ويعرف حقهم بالولاية والإمامة والخلافة .

و قال الإمام علي عليه السلام : عند دفن فاطمة عليها السلام : كالمناجي بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله عند قبره : السلام عليك يا رسول الله عني ، و عن ابنتك النازلة في جوارك ، و السريعة اللحاق بك .

قل : يا رسول الله عن صفيتك صبري ، و رق عنها تجلدي‏ ، إلا أن لي في التأسي لي بعظيم فرقتك و فادح مصيبتك‏ موضع تعز ، فلقد وسدتك في ملحودة قبرك و فاضت بين نحري و صدري نفسك ، ف إنا لله و إنا إليه راجعون‏ .

فلقد استرجعت ‏: الوديعة و أخذت الرهينة ، أما حزني : فسرمد ، و أما ليلي فمسهد ، إلى أن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم .

و ستنبئك ابنتك :

فأحفها السؤال‏ .

و استخبرها الحال ، هذا .

و لم يطل العهد : و لم يخلق الذكر ، و السلام عليكما ، سلام مودع لا قال و لا سئم‏ ، فإن أنصرف فلا عن ملالة ، و إن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين.

كشف الغمة ج1ص504 .

فاستخبرها الحال : عندها غصص مكظومة ستبين لك ما جرى عليها من الظلم وغصب الحق والاعتداء ، كما بين شيء مما يكظم من الغيظ وما يتجرع من الغصص لما جرى ، ويضاف له فقده للنبي الأكرم والصديقة صلى الله عليهم ، فكظمه وبثه حسن.

وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام في خطبة له : ....

فنظرت : فإذا ليس معي رافد ، و لا ذاب ، و لا مساعد ، إلا أهل بيتي ، فظننت بهم على الموت و الهلاك ، و لو كان بهم حمزة أو أخي جعفر ، ما بايعت كرها .

فَأَغْضَيْتُ : عَلَى الْقَذَى .

وَ تَجَرَّعْتُ الشَّجَى .

وَ صَبَرْتُ : مِنْ كَظْمِ الْغَيْظِ :

عَلَى أَمَرَّ مِنَ الْعَلْقَمِ .

وَآلَمَ لِلْقُلُوبِ‏ مِنْ حَزِّ الشِّفَارِ .

المسترشد ص417 مناشدته مع الخوارج .

وقال الإمام علي عليه السلام : يعبر عما كظمه من الغيظ وكيف يتجرع الغصص في رسالة لأخيه عقيل : لا تحسبن : ابن أمك ، و لو أسلمه الناس متخشعا و لا متضرعا ، و لا مقرا للضيم واهنا ، و لا سلس الزمام للقائد ، و لا وطيء الظهر للراكب المقتعد ، إني لكما قال أخو بني سليم‏ :

فإن تسأليني كيف أنت فإنني‏ __ صبور على ريب الزمان صليب‏

يعز علي أن ترى بي كآبة __ فيشمت عاد أو يساء حبيبٌ‏

الغارات ج2ص299.

ويا طيب : كتمانه ما كتم بين صعوبته وآثاره عليه ولم يكن مؤثر أن ينهى باليد والسيف ، لأنه الإسلام حديث ويتفرق المسلمون فضلا عن قلة الناصر ، ولكنه لما كان له ناصر قام بالأمر وحارب الناكثين والقاسطين والمارقين ، في الجمل وصفين والنهروان ، ولو تقرأ الخطبة الشقشقية ، وفيها ذكر بعض ما في نفسه من حسرات الغيظ مما كان كاظما له وساكتا عليه ، ولما سكت لسؤال أحد الحضور ، سأله بن عباس الإكمال فقال هيهات شقشقة هدرت ثم قرت أي كظم ما بقي ، وفي خطبة العقيلة زينب عليها السلام في الكوفة والشام، بل خطب الإمام الحسن والحسين عليهم السلام ، تجد كثير من البث لما كظموا عليه أو لغصص تجرعوها ممن خانهم وغدر بهم وخذلهم .

شعر كظم الغيظ لطيف :

ما قال القاضي أبي بكر بن أبي قريعة رحمه الله تعالى‏ :

يا من يسائل دائبا __ عن كل معضلة سخيفة

لا تكشفن مغطى‏ __ فلربما كشفت جيفة

و لرب مستور بدا __ كالطبل من تحت القطيفة

إن الجواب لحاضر __ لكنني أخفيه‏ خيفة

لو لا اعتداد رعية __ ألغى سياستها الخليفة

و سيوف أعداء بها __ هاماتنا أبدا نقيفة

لنشرت من أسرار __ آل محمد جملا طريفة

تغنيكم عما رواه‏ __ مالك و أبو حنيفة

و أريكم أن الحسين‏ __ أصيب في يوم السقيفة

و لأي حال لحدت‏ __ بالليل فاطمة الشريفة

و لما حمت شيخيكم‏ __ عن وطي حجرتها المنيفة

كشف الغمة ج1ص504 .

ويا طيب : إن عرفنا هذا المعنى لكظم الغيظ ومتى يحسن بثه ، وسببه وبعض فضله ، وبالخصوص من الغاشم والظالم الذي يجهل حق الطيبين وبالخصوص أئمة الدين ، وكيف بثوا وعالجوا ما يوجب الغيظ بالتي هي أحسنة ، نذكر بعض فضله وثوابه فتدبر .

فضل وثواب كظم الغيظ :

يا طيب : إن الله ورسوله مدحوا كظم الغيظ وما يقاربه في المعنى ، في آيات ورايات كثيرة ، ومن الآيات :

قوله تعالى‏ : {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَ الضَّرَّاءِ

وَ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ

وَ الْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) } آل عمران، أي الكافين عن إمضائه‏ والممسكين له والحابسين غيظهم المتجرعينه ويأتي معناه.

وفي قوله تعالى : { وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ

وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)} الشورى .

فيكظمون غيظهم : عن طيب خاطر ومع العفو والإحسان إن استطاعوا .

وفي الحديث : من كظم غيظا أعطاه الله أجر شهيد .

وَ فِي وَصْفِ الْمُؤْمِنِ : كَظَّامٌ‏ بَسَّامٌ في وجوه الناس من إخوانه المؤمنين .

وَ فِي الْخَبَرِ: لَهُ التَّوْبَةُ مَا لَمْ يُؤْخَذُ بِكَظَمِهِ ، أي عند خروج نفسه و انقطاع نفسه.

ومن أجمل ما قال الله في كظم الغيظ : وكيفية المعاملة مع الناس بالقول الحسن والتخلق لأخلاق الإسلامية من كظم الغيظ ، ودفع الشر والضر بالتي هي أحسن من المعاملة والتصرف ، وبما يقلب العداوة والشحناء والتباغض إلى المودة والعطف والمحبة .

هو قوله تعالى : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ

ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)

وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36) } فصلت .

والآيات : وإن لم تذكر لفظ كظم الغيظ لكنها تحكي معناه وحقيقته ، بل تبين كيف يجب أن نتصرف لنقلب التباغظ إلى المودة والغضب والقهر إلى عطف ولطافة روح ونبل وشهامة ، وسنذكر في التكملة آيات أخرى في هذا المعنى فتدبرها .

وذكر المجلسي رحمه الله : بابا في الحلم والعفو وكظم الغيظ ، وذكر الآيات الآتية التالية ، ثم ذكر أحاديث كثيرة نذكر قسما منها ، ومن أحب المزيد يراجعها في البحار .

آيات كظم الغيظ وما في معناه ، قال الله تعالى :

{ فَاعْفُوا وَ اصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ‏ (109) } البقرة .

{ وَ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَ الْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ‏ (134) } آل عمران .

{ إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً (149) } النساء .

{ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ‏ (17)} المائدة .

{ خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ‏ (199) } الأعراف .

{ وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ (86) } الرعد.

{ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ‏ (7)} الحجر .

{ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ‏ (99)} المؤمنون .

{ وَ لْيَعْفُوا وَ لْيَصْفَحُوا أَ لا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏ (23) } النور .

{ وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (65) } الفرقان .

{ وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ (65) } القصص .

{ وَ لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (35) وَ ما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَ ما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ‏ (36) } السجدة .

{ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ (39) وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)

وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) } الشورى .

{ فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَ قُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ‏ (90) } الزخرف .

{ قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ‏ (14) } الجاثية .

{ وَ إِنْ تَعْفُوا وَ تَصْفَحُوا وَ تَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏ (15) } التغابن .

{ وَ اصْبِرْ عَلى‏ ما يَقُولُونَ وَ اهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا (11) } المزمل .

وقال تفسير : { فَاعْفُوا وَ اصْفَحُوا } قيل العفو ترك عقوبة الذنب ، و الصفح ترك تثريبه‏ والوم عليه ..‏

وفي مجمع البيان ذكر :

أن جارية لعلي بن الحسين عليه السلام : جعلت تسكب عليه الماء ليتهيأ للصلاة.

فسقط الإبريق : من يدها ، فشجه ، فرفع رأسه إليها ، فقالت له‏ الجارية :

إن الله يقول‏ : { وَ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ } فقال لها : كَظَمْتُ غَيْظِي .

قالت : { وَ الْعافِينَ عَنِ النَّاسِ‏ } ، قَالَ : عَفَا اللَّهُ عَنْكِ .

قَالَتْ‏ : { وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ‏ } قَالَ : فَاذْهَبِي فَأَنْتِ حُرَّةٌ لِوَجْهِ اللَّهِ.

مجمع البيان ج 2 ص 505.

و عن الإمام علي بن الحسين عليه السلام قال : إذا كان يوم القيامة جمع الله تبارك و تعالى الأولين و الآخرين في صعيد واحد .

ثم ينادي مناد : أين أهل الفضل ؟

قال عليه السلام : فيقوم عنق من الناس ، فتلقاهم الملائكة .

فيقولون : و ما كان فضلكم ؟

فيقولون : كُنَّا نَصِلُ مَنْ قَطَعَنَا ، وَ نُعْطِي مَنْ حَرَمَنَا ، وَ نَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَنَا .

قَالَ فَيُقَالُ لَهُمْ : صَدَقْتُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ .

و قال المجلسي اعلم : أن هذه الخصال فضيلة و أية فضيلة و مكرمة و أية مكرمة لا يدرك كنه شرفها و فضلها ، إذ العامل بها يثبت بها لنفسه الفضيلة ، و يرفع بها عن صاحبه الرذيلة ، و يغلب على صاحبه بقوة قلبه يكسر بها عدو نفسه و نفس عدوه ، و إلى هذا أشير في القرآن المجيد بقوله سبحانه:

{ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ‏ } يعني السيئة { فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ‏ } ، ثم أشير إلى فضلها العالي و شرفها الرفيع بقوله عز و جل: { وَ ما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَ ما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ‏ } يعني من الإيمان و المعرفة ، رزقنا الله الوصول إليها و جعلنا من أهلها.

قال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : ثلاث من لم تكن فيه فليس مني ، و لا من الله عز و جل . قيل : يا رسول الله و ما هن ؟

قال صلى الله عليه وآله : حلم يرد به جهل الجاهل ، و حسن خلق يعيش به في الناس ، و ورع يحجزه عن معاصي الله عز و جل‏ .

بحار الأنوار ج68ص397ب93 ، الحديث 1و2و46 .

أحاديث فضل كظم الغيظ :

قال الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام :

من كظم‏ غيظا : و هو يقدر على إمضائه ، حشا الله قلبه أمنا و إيمانا يوم القيامة.

وقال عليه السلام : و من ملك نفسه إذا رغب و إذا رهب و إذا غضب ، حرم الله جسده على النار.

تفسير القمي ج2ص277سورة الشورى آية 37.

وقال رسول الله في خطبته : أ لا أخبركم بخير خلائق الدنيا و الآخرة .

الْعَفْوِ عَمَّنْ ظَلَمَكَ ، وَ تَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ .

وَ الْإِحْسَانُ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ ، وَ إِعْطَاءُ مَنْ حَرَمَكَ‏ .

الكافي ج 2 ص 107.

وقال الإمام الصادق عليه السلام :

كَظْمُ الْغَيْظِ : عن العدو في دولاتهم تقية ، حزم لمن أخذ بها ، و تحرز من التعرض للبلاء في الدنيا.

المحاسن ج1ص259ب32ح312 .

وقال الإمام الصادق عليه السلام : مَا مِنْ قَطْرَةٍ أَحَبَّ إِلَى الله من قطرة دمع في سواد الليل يقطرها العبد مخافة من الله لا يريد بها غيره.

و ما من جرعة : يتجرعها عبد ، أحب إلى الله من .

جُرْعَةِ غَيْظٍ : يَتَجَرَّعُهَا عَبْدٌ ، يرددها في قلبه ، إما بصبر و إما بحلم .

المحاسن ج1ص292ب47ح450 .

يا طيب : جرعة الغيظ إن تجرعها وهو قادر على إمضائها ولكنها أمهل وتريث سميت حلم ، فإن تناسى الغصة ومحى الغيظ سمي عفو ، وإن لم يستطع إمضائها فكظم غيظه سميت صبر .

و عن الإمام علي بن الحسين عليهما السلام قال: ما أحب أن لي بذل نفسي حمر النعم، و ما تجرعت من جرعة أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ جُرْعَةِ غَيْظٍ لا أكلم فيها صاحبها.

الأصول الستة عشر ص314 .

وقال الإمام الباقر عليه السلام : .. و ما من جرعة أحب إلى الله من جُرْعَةِ غَيْظٍ ، أَوْ جُرْعَةٍ يَرُدُّ بِهَا الْعَبْدُ مُصِيبَتَهُ .

الزهد ص76ب13ح204 .

وقال الإمام الصادق عليه السلام : نِعْمَ الْجُرْعَةُ الْغَيْظُ لِمَنْ صَبَرَ عَلَيْهَا.

فإن عظيم الأجر : لمع عظيم البلاء ، و ما أحب الله قوما إلا ابتلاهم.

المؤمن ص24ب1ح36 .

وقال الإمام الصادق عليه السلام : ثلاث من كن فيه زوجه الله من الحور العين كيف شاء ، كَظْمُ‏ الْغَيْظِ ، و الصبر على السيوف لله ، و رجل أشرف على مال حرام فتركه لله.

المحاسن ج1ص6ب3ح15 .

وعن الإمام الكاظم أبي الحسن الأول عليه السلام قال :

اصْبِرْ : عَلَى أَعْدَاءِ النِّعَمِ .

فإنك : لن تكافئ من عصى الله فيك ، بأفضل من أن تطيع الله فيه‏ .

وقال الإمام الصادق عليه السلام :

كَظْمُ الْغَيْظِ : عَنِ الْعَدُوِّ فِي دَوْلَاتِهِمْ تَقِيَّةً ، حزم‏ لمن أخذ به ، و تحرز من التعرض للبلاء في الدنيا ، و معاندة الأعداء في دولاتهم و مماظتهم‏ في غير تقية ، ترك أمر الله .

فجاملوا الناس‏ : يسمن ذلك لكم عندهم ، و لا تعادوهم فتحملوهم على رقابكم فتذلوا.

وقال الإمام الصادق عليه السلام :

مَا مِنْ عَبْدٍ كَظَمَ غَيْظاً : إلا زاده الله عز و جل عزا في الدنيا و الآخرة .

و قد قال الله عز و جل : { وَ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَ الْعافِينَ عَنِ النَّاسِ‏ وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ‏(128) } آل عمران ، و أثابه الله مكان غيظه ذلك .

وقال عليه السلام : مَنْ كَظَمَ غَيْظاً و لو شاء أن يمضيه أمضاه ، أملأ الله قلبه يوم القيامة رضاه .

وقال الإمام الباقر عليه السلام : مَنْ كَظَمَ غَيْظاً وَ هُوَ يَقْدِرُ عَلَى إِمْضَائِهِ حشا الله قلبه أمنا و إيمانا يوم القيامة.

وعن زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال لي‏ :

يا زيد: اصبر على أعداء النعم ، فإنك لن تكافئ من عصى الله فيك بأفضل من أن تطيع الله فيه .

يا زيد : إن الله اصطفى الإسلام و اختاره ، فأحسنوا صحبته بالسخاء و حسن الخلق .

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من أحب السبيل إلى الله عز و جل جرعتان ، جُرْعَةُ غَيْظٍ تَرُدُّهَا بِحِلْمٍ ، وَ جُرْعَةُ مُصِيبَةٍ تَرُدُّهَا بِصَبْرٍ.

الكافي ج2ص110ح3_9 .

قال الإمام علي بن الحسين عليه السلام : إِنَّهُ لَيُعْجِبُنِي الرَّجُلُ أَنْ يُدْرِكَهُ حِلْمُهُ عِنْدَ غَضَبِهِ.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله :‏ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْحَيِيَّ الْحَلِيمَ الْعَفِيفَ الْمُتَعَفِّفَ.

قال الإمام الصادق عليه السلام : إذا وقع بين رجلين منازعة ، نزل ملكان :

فيقولان : لِلسَّفِيهِ مِنْهُمَا ، قلت وقلت‏ ، وأنت أهل لما قلت ، ستجزى بما قلت .

و يقولان : لِلْحَلِيمِ ‏مِنْهُمَا صبرت و حلمت ، سيغفر الله لك ، إن أتممت ذلك .

قال : فإن رَدَّ الْحَلِيمُ عَلَيْهِ ارْتَفَعَ الْمَلَكَانِ.

الكافي ج2ص112ح3، 8 ،9 .

وعن الإمام الصادق عليه السلام قال : ثلاث من كن فيه ، استكمل خصال الإيمان ، من صبر على الظلم ، وَ كَظَمَ‏ غَيْظَهُ وَ احْتَسَبَ ، و عفا ، كان ممن يدخله الله الجنة و شفع في مثل ربيعة و مضر .

بحار الأنوار ج64ص304ب14ح69 .

وعن عبد الله بن طلحة قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول :

إن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال :

يا رسول الله : إن لي أهلا قد كنت أصلهم و هم يؤذونني‏ ، و قد أردت رفضهم .

فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ : إِذَنْ يَرْفُضُكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً .

قَالَ : وَ كَيْفَ أَصْنَعُ ؟

قَالَ صلى الله عليه وآله : تُعْطِي مَنْ حَرَمَكَ ، وَ تَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ ، وَ تَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ ، فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَكَ ظَهِيراً .

قال عبد الله بن طلحة فقلت لأبي عبد الله عليه السلام : ما الظهير ؟

قال : العون .

الزهد ص36ب5ح95 .

وقال الإمام علي عليه السلام : الْمُتَّقِي : مَيْتَةٌ شَهْوَتُهُ ، مكظوم غيظه ، في الرخاء شكور ، و في المكاره صبور.

وقال : الصَّبْرُ صَبْرَانِ : صَبْرٌ في البلاء حسن جميل، و أحسن منه الصبر عن المحارم.

عيون الحكم و المواعظ لليثي ص60ح1522 ؛ 1524.

ذم الظالم والخلق السيئ :

وهما شرح لألفاظ شطري الأبوذية الأخيرين :

يا طيب : إن أهم ما يدعو للمشاحنة والفرقة والتنابذ والعداء وهيجان سورة الغضب وشدته وفوران حدته ويوجب الغيظ ، هو الخلق السيء والظلم والغشم والبذاء ، فهي مما تسبب غيظ العباد وحزنهم والغصة عندهم ، فيوجب الصبر عليهم وكظم الغيظ ، والفرق بين الطرفين الصابر الكاظم لغيظه ، والمعتدي الظالم بين السماء والأرض ، بل الجنة بدرجاتها والنار بدركاتها ، بل بين رضا الله وغضبه ، وبعد ما عرفنا شيء عن كظم الغيظ والحلم والعفو وحسنه ، نذكر سوء وخبث الظلم والأخلاق الرديئة والسيئة .

وأما الظالم فملعون بنص قول الله تعالى :

{ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) } هود .

{ وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ

وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ

أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25) } الرعد .

{ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ

فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا (57)

وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (58) } الأحزاب .

{ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22)

أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) } محمد .

وفي تفسير الإمام العسكري عليه السلم في بيان المتقين :

و يعاشر عباد الله : بما لا يثلم دينه ، و لا يقدح في عرضه، و بما يسلم معه دينه و دنياه ، فهو باستعمال التقية يوفر نفسه على طاعة مولاه ، و يصون عرضه الذي فرض الله عليه صيانته ، و يحفظ على نفسه أمواله التي قد جعلها الله له قياما ، و لدينه و عرضه و بدنه قواما .

وَ لَعَنَ‏ : الْمَغْضُوبَ عَلَيْهِمُ ، الْآخِذِينَ مِنَ الْخِصَالِ بِأَرْذَلِهَا ، وَ مِنَ الْخِلَالِ بِأَسْخَطِهَا ، لدفعهم الحقوق عن أهلها و تسليمهم الولايات إلى غير مستحقها .

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إني لعنت سبعة لعنهم‏ الله و كل نبي مجاب قبلي . فقيل : و من هم ؟ فقال : الزائد في كتاب الله ، و المكذب بقدر الله ، و المخالف لسنتي ، و المستحل من عترتي ما حرم الله ، و المتسلط بالجبرية ليعز من أذل الله ، و يذل من أعز الله ، و المستأثر على المسلمين بفيئهم مستحلا له‏.

الخصال ج2ص349ح24 .

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله :

من نظر إلى مؤمن : نظرة ليخيفه بها ، أخافه الله عز و جل يوم لا ظل إلا ظله‏ .

وقال الإمام الصادق عليه السلام :

من روع‏ مؤمنا : بسلطان ليصيبه منه مكروه فلم يصبه فهو في النار ، و من روع‏ مؤمنا بسلطان ليصيبه منه مكروه فأصابه فهو مع فرعون و آل فرعون في النار.

وقال الإمام الصادق عليه السلام : من أعان على مؤمن بشطر كلمة ، لقي الله عز و جل يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمتي‏ .

الكافي ج‏2ص368ح1_3 .

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله :‏ أ لا أنبئكم بشراركم ؟

قالوا : بلى يا رسول الله.

قال : المشاؤون بالنميمة ، المفرقون بين الأحبة ، الباغون للبرآء المعايب‏ .

الكافي ج‏2ص369ح1

عن الإمام الباقر عليه السلام قال:

أفضل العبادة : عفة بطن و فرج ، و ما شي‏ء أحب إلى الله من أن يسأل .

و إن أسرع الشر : عقوبة البغي ، و إن أسرع الخير ثوابا البر .

و كفى بالمرء : عيبا ، أن يبصر من الناس ما يعمى عنه عن نفسه ، أو ينهى الناس عما لا يستطيع التحول عنه ، و أن يؤذي‏ جليسه بما لا يعنيه.

المحاسن ج1ص292ب47ح447 .

وعن سماعة قال الإمام الصادق عليه السلام : لا ينفك المؤمن من خصال أربع : من جار يؤذيه‏، و شيطان يغويه ، و منافق يقفو أثره ، و مؤمن يحسده .

قلت : جعلت فداك مؤمن يحسده ؟

قال : يا سماعة ، أما إنه أشدهم عليه . قلت : و كيف ذاك ؟

قال عليه السلام : لأنه يقول فيه القول ، فيصدق عليه .

الأمالي للصدوق ص492م74ح9 .

عن المفضل بن عمر قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : ‏ إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين الصدود لأوليائي ، فيقوم قوم ليس على وجوههم لحم . قال فيقال :

هؤلاء : الذين آذوا المؤمنين ، و نصبوا لهم ، و عاندوهم ، و عنفوهم ، في دينهم ، قال : ثم يؤمر بهم إلى جهنم .

قال أبو عبد الله عليه السلام : كانوا و الله لا يقولون بقولهم ، و لكنهم حبسوا حقوقهم ، و أذاعوا عليهم سرهم .

ثواب الأعمال و عقاب الأعمال ص257 .

قال الإمام الصادق عليه السلام : يقول قال الله عز و جل‏ :

ليأذن : بحرب مني ، من أذل عبدي المؤمن ، و ليأمن غضبي من أكرم عبدي المؤمن.

وقال عليه السلام : ما من مؤمن يخذل مؤمنا أخاه ، و هو يقدر على نصرته ، إلا خذله الله في الدنيا و الآخرة.

ثواب الأعمال و عقاب الأعمال ص238 .

قال الإمام الصادق عليه السلام :‏ إن الله عز و جل خلق المؤمنين من نور عظمته و جلال كرامته ، فمن طعن عليهم أو رد عليهم قولهم ، فقد رد الله في عرشه ، و ليس من الله في شي‏ء ، إنما هو شرك الشيطان.

وقال الإمام الصادق عليه السلام : ما من إنسان يطعن في عين مؤمن إلا مات بشر ميتة ، و كان يتمنى أن يرجع إلى خير.

وقال الإمام الصادق عليه السلام :‏ أيما مؤمن كان بينه و بين مؤمن حجاب ، ضرب الله بينه و بين الجنة سبعين ألف سور ، مسيرة ألف عام ما بين السور إلى السور.

وقال الإمام الصادق عليه السلام :

من حبس حق المؤمن : أقامه الله يوم القيامة خمسمائة عام على رجليه حتى يسيل من عرقه أودية ، و ينادي مناد من عند الله هذا الظالم الذي حبس عن المؤمن حقه ، فيوبخ‏ أربعين يوما ثم يؤمر به إلى النار.

وقال الإمام الصادق عليه السلام : أيما مؤمن حبس مؤمنا عن ماله و هو محتاج إليه ، لم يذق و الله من طعام الجنة ، و لا يشرب من الرحيق المختوم.

وعن أبي يعفور : قال الإمام الصادق عليه السلام :

من بهت مؤمنا : أو مؤمنة مما ليس فيهما ، بعثه الله يوم القيامة في طينة خبال حتى يخرج مما قال ، قلت : و ما طينة خبال ؟ قال : صديد يخرج من فروج الزناة.

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : سباب المؤمن فسوق ، و قتاله كفر ، و أكل لحمه معصية الله.

وقال الإمام الصادق عليه السلام :

من روى عن مؤمن رواية : يريد بها شينه ، و هدم مروءته ، ليسقط من أعين الناس ، أخرجه الله عز و جل من ولايته إلى ولاية الشيطان .

وقال الإمام الصادق عليه السلام :‏ من كان له دار و احتاج مؤمن إلى أن يسكنها ، فمنعه إياها ، قال الله عز و جل : ملائكتي ، عبدي بخل على عبدي بسكنى الدنيا ، و عزتي لا يسكن جناني أبدا.

وعن أبي بردة قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله ، ثم انصرف مسرعا حتى وضع يده على باب المسجد ، ثم نادى بأعلى صوته :

يا معشر الناس : من آمن بلسانه و لم يخلص إلى قلبه ، لا تتبعوا عورات المؤمنين ، فإنه من تتبع عورات المؤمنين تتبع الله عورته ، و من تتبع الله عورته فضحه و لو في جوف بيته.

وقال الإمام الصادق عليه السلام : إن قوما أذنبوا ذنوبا كثيرة فأشفقوا منها و خافوا خوفا شديدا ، و جاء آخرون فقالوا : ذنوبكم علينا ، فأنزل الله عليهم العذاب .

ثم قال تبارك و تعالى : خافوني ، و اجترأتم.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا ظهر العلم ، و احترز العمل .

و ائتلفت الألسن : و اختلفت القلوب ، و تقاطعت الأرحام .

هنالك‏ : لعنهم الله ، فأصمهم و أعمى‏ أبصارهم‏ .

ثواب الأعمال و عقاب الأعمال ص238 -241.

وقال الإمام الصادق عليه السلام : لا تحقروا مؤمنا فقيرا ، فإنه من حقر مؤمنا فقيرا و استخف به ، حقره الله تعالى ، و لم يزل ماقتا له حتى يرجع عن تحقيره أو يتوب .

وقال عليه السلام : و من استذل مؤمنا و حقره لقلة ذات يده و لفقره ، شهره الله يوم القيامة على رءوس الخلائق.

وقال الإمام الباقر عليه السلام :

من اغتيب عنده : أخوه المؤمن فنصره و أعانه ، نصره الله و أعانه في الدنيا و الآخرة ، و من اغتيب عنده : أخوه المؤمن فلم ينصره و لم يعنه و لم يدفع عنه و هو يقدر على نصرته و عونه ، إلا حقره الله في الدنيا و الآخرة.

ثواب الأعمال و عقاب الأعمال ص250.

أحاديث في قبح سوء الخلق والسفه والبذاء :

قال الإمام الصادق عليه السلام :

إن سوء الخلق : ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل‏ .

قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

أبى الله عز و جل : لصاحب الخلق السيئ بالتوبة .

قيل : و كيف ذاك يا رسول الله ؟

قال صلى الله عليه وآله : لأنه إذا تاب من ذنب ، وقع في ذنب أعظم منه.

وقال الإمام الصادق عليه السلام :

إن سوء الخلق ليفسد الإيمان ، كما يفسد الخل العسل.

قال الإمام الصادق عليه السلام : من ساء خلقه عذب نفسه.

الكافي ج2ص321ب129ح1_4 .

قال الإمام الصادق عليه السلام :

إن السفه : خلق لئيم ، يستطيل على من هو دونه‏ ، و يخضع لمن هو فوقه.

قال الإمام الصادق عليه السلام :

من كافأ السفيه : بالسفه ، فقد رضي بما أتى إليه ، حيث احتذى مثاله‏ .

يا طيب : هذا عين حسن كظم الغيظ وأنظر الحديث الآتي بل كلها :

وقال الإمام موسى الكاظم عليه السلام : في رجلين يتسابان .

فقال : البادي منهما أظلم ، و وزره و وزر صاحبه عليه ، ما لم يتعد المظلوم‏ .

وقال الإمام الصادق عليه السلام : إن أبغض خلق الله ، عبد اتقى الناس لسانه .

الكافي ج2ص322ب130ح1_4 .

و قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

‏ إن الله : حرم الجنة على كل فحاش بذي‏ء قليل الحياء ، لا يبالي ما قال و لا ما قيل له‏ ، فإنك إن فتشته لم تجده إلا لغية ، أو شرك شيطان‏ .

فقيل يا رسول الله : و في الناس شرك شيطان ؟

فقال رسول الله : أ ما تقرأ قول الله عز و جل :

{ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ (64) } الإسراء.

قال : و سأل رجل فقيها ، هل في الناس من لا يبالي ما قيل له ؟

قال : من تعرض للناس يشتمهم ، و هو يعلم أنهم لا يتركونه ، فذلك الذي لا يبالي ما قال و لا ما قيل فيه .

وقال الإمام الباقر عليه السلام :

إن الله : يبغض الفاحش المتفحش ، إن الفحش لو كان مثالا لكان مثال سوء .

وقال رسول الله صل الله عليه وآله :‏

إن من شر عباد الله‏ : من تكره مجالسته لفحشه.

الكافي ج2ص324ب131ح3 ، 6 ، 8 .

قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

شر الناس : عند الله يوم القيامة ، الذين يكرمون اتقاء شرهم.

قال الإمام الصادق عليه السلام :

من خاف : الناس لسانه ، فهو في النار.

الكافي ج2ص326ب132ح2، 3 .

قال رسول الله صلى الله عليه وآله :‏ إن أعجل الشر عقوبة البغي.

قال الإمام الصادق عليه السلام : يقول إبليس لجنوده : ألقوا بينهم الحسد و البغي ، فإنهما يعدلان عند الله الشرك‏ .

قال عن مسمع أبي سيار : أن أبا عبد الله عليه السلام كتب إليه في كتاب :

انظر : أن لا تكلمن بكلمة بغي أبدا ، و إن أعجبتك نفسك و عشيرتك.

الكافي ج2ص326ب133ح1، 2، 3 .

عن أبي حمزة : قال الإمام الصادق عليه السلام :

الْمُؤْمِنُ : مَنْ آمَنَ جَارُهُ بَوَائِقَهُ .

قُلْتُ : وَ مَا بَوَائِقُهُ ؟

قَالَ : ظُلْمُهُ وَ غَشْمُهُ‏.

الكافي ج2ص668ح12 .

قال الإمام الكاظم عليه السلام :

لترجعن : نفوس ذهبت ، و ليقتص يوم يقوم . و من عذب يقتص بعذابه .

و من أغيظ : أغاظ بغيظه .

و من قتل اقتص بقتله ، و يرد لهم أعداؤهم معهم حتى يأخذوا بثأرهم ، ثم يعمرون بعدهم ثلاثين شهرا، ثم يموتون في ليلة واحدة قد أدركوا ثأرهم، وشفوا أنفسهم ، و يصير عدوهم إلى أشد النار عذابا ، ثم يوقفون بين يدي الجبار عز وجل فيؤخذ لهم بحقوقهم .

مختصر البصائر ص118ب1ح95/41، الحديث يعرف حال الظالمين في الرجعة وكيف يقتص المظلومين من الظالمين .

يا يطب : كان هذا شرح الأبوذية لأغلب الفاظها ، وأهمها كظم الغيظ وسببه وما يقاربه في المعنى ، وأسأل الله أن يكفينا وإياكم شر كل من يريد بنا سوء ويغيظنا بغشم وظلم ويبعده عنا ، وخير ما نختم به الأدعية الآتية :

أدعية لدفع شر الغاشم والظالم :

أَصْبَحْتُ اللَّهُمَّ : مُعْتَصِماً بِذِمَامِكَ الْمَنِيعِ الَّذِي لَا يُطَاوَلُ وَ لَا يُحَاوَلُ .

مِنْ‏ كُلِ‏ غَاشِمٍ‏ : وَ طَارِقٍ ، مِنْ سَائِرِ مَنْ خَلَقْتَ وَ مَا خَلَقْتَ مِنْ خَلْقِكَ الصَّامِتِ وَ النَّاطِقِ ، فِي جُنَّةٍ مِنْ كُلِّ مَخُوفٍ بِلِبَاسٍ سَابِغَةٍ ، وَلَاءِ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكَ .

مُحْتَجِباً : مِنْ كُلِّ قَاصِدٍ لِي بِأَذِيَّةٍ بِجِدَارٍ حَصِينٍ ، الْإِخْلَاصِ فِي الِاعْتِرَافِ بِحَقِّهِمْ ، وَ التَّمَسُّكِ بِحَبْلِهِمْ ، مُوقِناً أَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ وَ مَعَهُمْ وَ فِيهِمْ وَ بِهِمْ ، وَ أُوَالِي مَنْ وَالَوْا وَ أُجَانِبُ مَنْ جَانَبُوا . فَأَعِذْنِي اللَّهُمَّ بِهِمْ : مِنْ شَرِّ كُلِّ مَا أَتَّقِيهِ ، يَا عَظِيمُ حَجَزْتُ الْأَعَادِيَ عَنِّي بِبَدِيعِ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ ، إِنَّا جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ‏.

بحار الأنوار ج‏83 ص 148ب 43ح31 عن مصباح المتهجد وكذا مفاتيح الجنان .

و كان من دعاء الإمام السجاد عليه السلام إذا اعتدي عليه أو رأى من الظالمين ما لا يحب :

(1) يَا مَنْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَنْبَاءُ الْمُتَظَلِّمِينَ (2) وَ يَا مَنْ لَا يَحْتَاجُ فِي قَصَصِهِمْ إِلَى شَهَادَاتِ الشَّاهِدِينَ. (3) وَ يَا مَنْ قَرُبَتْ نُصْرَتُهُ مِنَ الْمَظْلُومِينَ (4) وَ يَا مَنْ بَعُدَ عَوْنُهُ عَنِ الظَّالِمِينَ (5) قَدْ عَلِمْتَ، يَا إِلَهِي، مَا نَالَنِي مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ مِمَّا حَظَرْتَ وَ انْتَهَكَهُ مِنِّي مِمَّا حَجَزْتَ عَلَيْهِ، بَطَراً فِي نِعْمَتِكَ عِنْدَهُ، وَ اغْتِرَاراً بِنَكِيرِكَ عَلَيْهِ.

(6) اللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ خُذْ ظَالِمِي وَ عَدُوِّي عَنْ ظُلْمِي بِقُوَّتِكَ، وَ افْلُلْ حَدَّهُ عَنِّي بِقُدْرَتِكَ، وَ اجْعَلْ لَهُ شُغْلًا فِيمَا يَلِيهِ، وَ عَجْزاً عَمَّا يُنَاوِيهِ‏

(7) اللَّهُمَّ وَ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ لَا تُسَوِّغْ لَهُ ظُلْمِي، وَ أَحْسِنْ عَلَيْهِ عَوْنِي، وَ اعْصِمْنِي مِنْ مِثْلِ‏ أَفْعَالِهِ‏، وَ لَا تَجْعَلْنِي فِي مِثْلِ حَالِهِ (8) اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ وَ أَعْدِنِي عَلَيْهِ عَدْوَى حَاضِرَةً، تَكُونُ مِنْ غَيْظِي بِهِ شِفَاءً، وَ مِنْ حَنَقِي عَلَيْهِ وَفَاءً.

(9) اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ عَوِّضْنِي مِنْ ظُلْمِهِ لِي عَفْوَكَ، وَ أَبْدِلْنِي بِسُوءِ صَنِيعِهِ بِي رَحْمَتَكَ، فَكُلُّ مَكْرُوهٍ جَلَلٌ دُونَ سَخَطِكَ، وَ كُلُّ مَرْزِئَةٍ سَوَاءٌ مَعَ مَوْجِدَتِكَ. (10) اللَّهُمَّ فَكَمَا كَرَّهْتَ إِلَيَّ أَنْ أُظْلَمَ فَقِنِي مِنْ أَنْ أَظْلِمَ.

(11) اللَّهُمَّ لَا أَشْكُو إِلَى أَحَدٍ سِوَاكَ، وَ لَا أَسْتَعِينُ بِحَاكِمٍ غَيْرِكَ، حَاشَاكَ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ صِلْ دُعَائِي بِالْإِجَابَةِ، وَ اقْرِنْ شِكَايَتِي بِالتَّغْيِيرِ.

(12) اللَّهُمَّ لَا تَفْتِنِّي بِالْقُنُوطِ مِنْ إِنْصَافِكَ، وَ لَا تَفْتِنْهُ بِالْأَمْنِ مِنْ إِنْكَارِكَ، فَيُصِرَّ عَلَى ظُلْمِي، وَ يُحَاضِرَنِي بِحَقِّي، وَ عَرِّفْهُ عَمَّا قَلِيلٍ مَا أَوْعَدْتَ الظَّالِمِينَ، وَ عَرِّفْنِي مَا وَعَدْتَ مِنْ إِجَابَةِ الْمُضْطَرِّينَ.

(13) اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ وَفِّقْنِي لِقَبُولِ مَا قَضَيْتَ لِي وَ عَلَيَّ وَ رَضِّنِي بِمَا أَخَذْتَ لِي وَ مِنِّي، وَ اهْدِنِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ، وَ اسْتَعْمِلْنِي بِمَا هُوَ أَسْلَمُ.

(14) اللَّهُمَّ وَ إِنْ كَانَتِ الْخِيَرَةُ لِي عِنْدَكَ فِي تَأْخِيرِ الْأَخْذِ لِي وَ تَرْكِ الِانْتِقَامِ مِمَّنْ ظَلَمَنِي إِلَى يَوْمِ الْفَصْلِ وَ مَجْمَعِ الْخَصْمِ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ أَيِّدْنِي مِنْكَ بِنِيَّةٍ صَادِقَةٍ وَ صَبْرٍ دَائِمٍ (15) وَ أَعِذْنِي مِنْ سُوءِ الرَّغْبَةِ وَ هَلَعِ أَهْلِ الْحِرْصِ، وَ صَوِّرْ فِي قَلْبِي مِثَالَ مَا ادَّخَرْتَ لِي مِنْ ثَوَابِكَ، وَ أَعْدَدْتَ لِخَصْمِي مِنْ جَزَائِكَ وَ عِقَابِكَ، وَ اجْعَلْ ذَلِكَ سَبَباً لِقَنَاعَتِي بِمَا قَضَيْتَ، وَ ثِقَتِي بِمَا تَخَيَّرْتَ (16) آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، إِنَّكَ‏ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ‏، وَ أَنْتَ‏ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ.

تسلم وتسمو وتنبل وتؤجر والمؤمنون وكل الأحرار وأنا الكاضم
بالمودة والتقدير والعقل و ملعون ظالمك و حقير الأخلاقه ردية

معنى الكاظم الك أضم :

معنى وجداني الك أضم :

الكاظم : الكاضم ، الك اضم ، وإلى جانبك أنضم وأصير معك إن كظمت غيظك ، وأنا الك أقدر وأحفظ لك جميل خلقك النبيل وحسن تصرفك الكريم لآنك مؤدب وذو تصرف كريم ، واحترامي لك بما يوجب المودة عندي و عرفان العقل والتأدب بآداب الدين ، وأقر لك بأنك حفظت شيم الأخلاق الإسلامية بكظمك للغيظ وتحمل جهل من يغيظ ، ولم تتصرف تصرف الجاهلين وأهل النزق السافلين والحمقى وأصحاب السفاهة والسافلين ، وكذلك عند كل الطيبين والأحرار يعترفون لك بالخلق الحسن والآداب الكريمة والسيرة النبيلة ، وإنك لم تفحش في خطاب الغائظ ولا تعديت في جواب السافل ولم تتسافل لدركته ، ولم تنزل لمهالك الحمقى وتصرف الغاشمين الظلمة ، ولم تعتريك‏ الحدة و الطيش بجواب نزق المستعجل الطائش والمهذار المتخبث والبذيء السيء الظلوم والطاغي المتجبر ، ولم تكن من المتشاتمين والمتفاحشين .

بل كظمك غيظك: وقفت موقف الحليم الرزين العاقل الرصين والذي لا يعتريه خرق وخنق وحنق و لا طيش ولا سفاهة ، بل ظهرت بمظهر صلب الإيمان وذو عفو وإحسان ، وصبور عند المكاره ، وقور عند الهزائز والشدائد ، ولم تعصي الله كخصمك البليد .

وبهذا يقر لك به : كل طيب النفس أبي الروح يحب الخير وتشمئز نفسه من مكروه الصفات وقبيح الأعمال وخبائث الأفعال ، وكلهم ينضمون لك ويضموك لصداقتهم ولمن يحترموهم ، مع حسن التقدير والاعتراف بالخلق الكريم ، ويضموك إليهم لما عرف من حسن السيرة والسلوك وجميل الصفات وكمال الخصال فيك ، فيشكرون موقفك الكريم أمام الجاهل الغاشم المتعدي والمغيظ المغضب لك ، بكظمك غيظك ولما ظهرت بالحلم .

الضَّمُ ‏: ضَمُّكَ‏ الشيءَ إلى الشيء ، ضَمَمْتُهُ‏ ضَمّاً: جمعته جمعا. و تَضَامَ‏ القوم إذا انْضَمَ‏ بعضهم إلى بعض . ضَمَمْتُ‏ هذا إلى هذا، فأَنا ضامٌ‏ ،و ضامَمْتُ‏ الرجلَ: أقمت معه في أَمر واحد مُنْضَمّاً إليه . و الضُّمَضِمُ‏: الغَضْبانُ ، فيغضبون لك .

فكل مؤمن : وطيب وحر وأبي وذو شيم سامية وأخلاق عالية يضم لنفسه ويرفق لروح ويصدق لصحبته من يكون له أخلاق سامية وأكرمها كظم الغيظ وتجرع الغصة والصبر الحلم ، فيطلبهم وحين يعرفهم ويجدهم تصافح روحه روحهم ويكون معهم على من يعتدي عليهم بقلبه وإن استطاع بيده أو بلسانه ، فيفوز كاظم الغيظ بالصحبة الطيبة والتقدير الحسن وينجو من مهالك اللسان وغدر الزمان وما يتحامله بعض بني الإنسان .

ويا طيب : لو كان إنسان يتصرف على من يجهل عليه ويغضبه بالانتقام والرد بسرعة على من يسفه عليه ، لتكون بين الطرفين مشادة قد لا تنتهي وحقد وغصة لا تنسى ، وكل منهم يفكر بالانتقام والمكر والحيلة لما يشفي غيظه ، وتتحول حياة الناس إلى هرج ومرج وينسى الطيب والخير والعمل الصالح ، ولتصرف بعض الجاهلين قامت حروب وصارت مواقف أدت إلى منازعات لا تنتهي بزمن قصير ، وتشغل الناس عما يجب عليه لما يوجب التشفي والأخذ بالثأر وإن كان من الممكن التغاضي عنه وكظم الغيظ فيه .

وحينها إن لم يوجد كظم الغيظ : والحلم والعفو والصبر ، و لا يبين في أهل الدنيا الطيب من الخبيث ولا الحكيم من الجاهل ، ولا المؤمن المؤدب الصالح ذو الخلق الحسن والآداب الكريمة ، من ضعيف الإيمان أو معدومه والخبيث ذو الخلق السيء والآداب اللئيمة ، ولذا أمر الله بكظم الغيظ ليبين معنى الوقار والطمأنينة وحسن السمت وقوة الإيمان وهدوء البال ، وبه يهون أمر الغيظ لأنه بعين الله تعالى ، وهو ناصر المظلوم ويأخذ له بحقه عاجلا أو آجلا وإن أمهل فلا يهمل حق ، ولا يجوز عنده تعالى ظالم بمظلمة أبدا ، ولذا يطلب الله تعالى أن يوكل الأمر إليه ، ويفوض إليه ، ويحتسب عنده ، ليأخذ لهم حقهم ، ويجازيهم بجزاء حسن وثواب جزيل ، وينتقم من المعتدي ولو بعد حين .

ومن ثم بكظم الغيظ : يسد وقطع الهرج والتقاتل وفساد البلاد والعباد ، فإنه لو قام كل تصرف مشين بمقابل له مثله ، لزاد العناد وظهور شدة للفساد ليبين كلا قدرته على الفحش أو الظلم والغشم ، وكانوا جميعا سواسية ، ولا يوجد اعتراف بقدرة الله وما سيجازي به ، وتكون أحوال العباد كلها سفيه ولا تعقل في تصرفهم ، وكم من حروب ومصائب وبلاوي وعداوات ومشاحنات ، بغصص دائمة وأحزان مؤلمة بسبب الغضب وعدم كتمان الغيظ وكظمه ، وعدم إيكال الأمر إلى الله تعالى ، ولا حتى إيكاله إلى التفاوض والتعقل والتناصف بين العباد .

معنى قرآني وروائي لك أضم :

ويا طيب : بالإضافة لما عرفت من الدليل العقلي والعرفي والوجداني ، فإن السبب الحقيقي لمن يكظم غيظه عمن تجاهل عليه ، يكون محبوب للأحرار والطيبين وبالخصوص المؤمنين ، هو لأنه الله تعالى يحب الكاظمين الغيظ وهو خلق كريم والمؤمنون أخوة ينفرون من المعتدي وينصرون المظلوم ، وبهذا أدبنا الله تعالى إذ قال :

{ وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ

فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ (12) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) } الحجرات .

فالقتال : يشمل معناه الحرب بين المؤمنين بالسلاح ، أو في التفحش والمناوشة بالكلام أو ظلم وغصب حق معين ، فالمظلوم محبوب منصور مؤيد من الله والمؤمنين ، والباغي ممقوت مكروه من المؤمنين وكل الطيبين ، وهذا نراه في أنفسنا في الأفلام أيضا حيث يحبب بطل الفلم دائما لأنه يخرجوه خير ويحب الخير فيحبون نهاية سعيدة له ، أو مكروه لأنه ظالم فينتظرون أن تدور عليه الدوائر حتى ينتهي الفلم .

وقال النبي الأكرم صل الله عليه وآله : المؤمنون‏ إخوة ، تتكافأ دماؤهم ، يسعى بذمتهم أدناهم ، و هم يد على من سواهم .

تفسير القمي ج1ص173 .

فالظالم : يخرج من الإيمان وإن بقي مسلم ، ومن ثبتوا على الإيمان يدهم للمظلوم .

و قال الإمام الصادق عليه السلام : المؤمنون‏ إخوة بنو أب و أم ، فإذا ضرب على رجل منهم عرق ، سهر الآخرون.

المؤمن ص38ب3ح84 .

فمن يُظلم ويكظم غيظه : تحبه الناس وتنتصر له ، بل وتوسع الإمام علي عليه السلام في أمر الرعية وأمر بالرفق بهم وإنصافهم وأخذ الحق لهم حتى جعلهم كلهم أخوة إذ قال لمالك : الرعية .. صنفان :

إما أخ‏ : لك‏ في الدين .

و إما نظير : لك في الخلق .

وعن الإمام الصادق عليه السلام : لا يحضرن أحدكم رجلا يضربه سلطان جائر ظلما و عدوانا و لا مقتولا و لا مظلوما إذا لم ينصره ، لأن نصرة المؤمن على المؤمن فريضة واجبة إذا هو حضره ، و العافية أوسع ما لم يلزمك الحجة الظاهرة .

بحار الأنوار ج‏72ص17ب33ح2 .

وهذا الحب والكره : أمر قلبي كلا بحسبه ، ولهذا يضم للقلب ويحب ويترقق له لمن يظهر بالخلق الحسن وكظم غيظه ولم يعتدي بمثل من جهل عليه وظلمه وغشمه ، وبالخصوص لمن ترك الشر والشرك ويحب الخير والصلاح وتحلى به.

قصص جميلة في الضم :

ومن أجمل : مسائل الضم ، قصص المؤاخاة بين المؤمنين وبالخصوص بين النبي الأكرم والإمام علي لأنهما نور واحد ، وإن شاء الله نذكرها في يوم المؤاخاة ، وإن الضم بالرفقة ونصادق لمن كان له خلق كريم ، والناس تتشابه صفاتهم ، ولكم بعض هذه الأحاديث في معنى الضم :

عن علي بن موسى بن جعفر : عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :‏ إن الله :

أخرجني : و رجلا معي ، من طهر إلى طهر من صلب آدم حتى خرجنا من صلب أبينا ، فسبقته بفضل هذه على هذه ، وَ ضَمَ‏ بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَ الْوُسْطَى ، وَ هُوَ النُّبُوَّةُ .

فقيل له : و من هو يا رسول الله ؟

فقال : عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.

مسائل علي بن جعفر ص 319ح799 .

و قال الإمام الباقر عليه السلام : لما حضر علي بن الحسين الوفاة :

ضَمَّنِي‏ : إِلَى صَدْرِهِ .

ثم قال : يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة ، و بما ذكر :

أن أباه أوصاه به قال : يا بني إياك و ظلم من لا يجد عليك ناصرا إلا الله.

وفي حديث آخر : يَا بُنَيَّ اصْبِرْ عَلَى الْحَقِّ وَ إِنْ كَانَ مُرّاً.

الكافي ج2ص331ح5 وص91ح13 .

وقال الإمام الباقر : إِنَّ الْقَلْبَ يَنْقَلِبُ مِنْ لَدُنْ مَوْضِعِهِ إِلَى حَنْجَرَتِهِ مَا لَمْ يُصِبِ الْحَقَّ ، فَإِذَا أَصَابَ الْحَقَّ قَرَّ .

ثُمَّ ضَمَ‏ أَصَابِعَهُ وَ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ : { فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ

وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء

كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ (الأنعام125) } .

المحاسن ج1ص202ب3ح 41 .

فالمؤمنون : تنشرح صدورهم بالخلق الحسن والأدب الطيب بمثل كظم الغيظ فيروه وقور وهي من آداب الإسلام وتعالميه ، والمغضب الحقود يضيق صدره ويصعد قلبه من الغصة لحلقة ويؤخذ بكظمه لفكر العداوة والانتقام ولا يرتاح باله ولا تطمئن نفسه ، فتراه عديم الاستقرار وقلق دائما .

وفي حديث الهام قال للنبي الأكرم : يا رسول الله أحب أن تعلمني من هذا القرآن، الذي أنزل عليك وتشرح لي سنتك و شرائعك، لأصلي بصلاتك.

فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: يَا أَبَا الْحَسَنِ، ضُمَّهُ‏ إِلَيْكَ‏ وَ عَلِّمْهُ.

قال أمير المؤمنين عليه السلام: فعلمته فاتحة الكتاب ، و المعوذتين ، و قل هو الله أحد ، و آية الكرسي ، و آيات من آل عمران و الأنعام و الأعراف، و الأنفال، و ثلاثين سورة من الآيات المفصلات...

الروضة ص223 .

فالمؤمنون : يترافقون وينضم بعضهم لبعض بهدى الدين وتعاليمه علما وعملا .

وعن الإمام الصادق عليه السلام قال‏ :

إن جبير الخابور : كان صاحب بيت مال معاوية ، و كانت له أم عجوز بالكوفة كبيرة ، فقال لمعاوية : إن لي أما بالكوفة عجوزا اشتقت إليها ، فأذن لي حتى آتيها فأقضي من حقها ما يجب علي ، فقال معاوية : ما تصنع بالكوفة ، فإن فيها رجلا ساحرا كاهنا ، يقال له علي بن‏ أبي طالب و ما آمن أن يفتنك .

فقال جبير : ما لي و لعلي ، إنما آتي أمي فأزورها و أقضي حقها ، فأذن له .

فقدم جبير : إلى عين التمر ، و معه مال فدفن بعضه في عين التمر .

و قد كان لعلي عليه السلام : مناظر ، فأخذوا جبيرا بظاهر الكوفة ، و أتوا به عليا ، فلما نظر إليه .

قال له : يا جبير الخابور ، أما إنك كنز من كنوز الله ، زعم لك معاوية أني كاهن ساحر. قال : إي و الله ، قال ذلك معاوية .

ثم قال عليه السلام : و معك مال قد دفنت بعضه في عين التمر .

قال : صدقت يا أمير المؤمنين لقد كان ذلِكَ .

قَالَ عَلِيٌّ عليه السلام : يَا حَسَنُ

ضُمَّهُ‏ إِلَيْكَ‏ : فَأَنْزَلَهُ وَ أَحْسَنَ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ دَعَاهُ .

ثم قال عليه السلام لأصحابه : إن هذا يكون في جبل الأهواز في أربعة آلاف مدججين في السلاح ، فيكونون معه حتى يقوم قائمنا أهل البيت‏ فيقاتل معه‏ .

الخرائج و الجرائح ج1ص185.

فهكذا : يضم ذي الخلق الطيب الرحيم بأمه وبالمؤمنين ، ويرقى لأن يكون من أصحاب أمير المؤمنين وآله ويكر مع الحجة عليه السلام ، ويعرف له الفضل .

وفي حديث : من آمن على يد الإمام الصادق عليه السلام قال له : اجْعَلْنِي مِنْ تَلَامِذَتِكَ ، أي ممّن تفيدهم علم الدِّين . فقال أبو عبد الله عليه السلام: يَا هِشَامَ بْنَ الْحَكَمِ، خُذْهُ إِلَيْكَ وَعَلِّمْهُ ؛ أي ضمّه‏ إليك‏ . فعلمه هشام ؛ وكان‏ معلم أهل الشام وأهل مصر الإيمان.

الشافي في شرح الكافي ج2ص36 .

الأبوذية المختصرة والمشروحة :

رحم الله الشيخ حسن الأنباري إذ قال :

سلام الله على إمامنا موسى الكاظم

إن جهل عليك لغيظك كن الكاظم

تنبل وتؤجر وكل طيب وأنا الكاظم

بمودة وتقدير وملعون الأخلاقه ردية

رحم الله الشيخ حسن الأنباري إذ قال :

سلام الله و صلاته على سيدي و إمامي ومولاي موسى الكاظم

يا طيب الغاشم إن جهل عليك أصبر وأحلم ولغيظك كن الكاظم

تسلم و تسمو و تنبل وتؤجر والمؤمنون وكل الأحرار وأنا الكاظم

بالمودة و التقدير و العقل و ملعون ظالمك و حقير الأخلاقه رديه



☜✍☞
↓ تفضل لمعاني قيمة في ↓

شرح أبوذية موسى

أبوذية موسى عليه السلام

رحم الله الشيخ حسن الأنباري إذ قال :

بين حدود العقل ابن جعفر موسى

و نورنا بعبودية الله كنبي الله موسى

ونظيف المقتدي به كحلق موسى

وخلص من طغيان آثامه الفرعونية

شرح الأبوذية :

علم هدى الرب وبين حدود العقل إمامنا ابن جعفر موسى

معنى موسى واشتقاقه :

موسى : اسم الإمام السابع والمعصوم التاسع حجة الله وولي أمره في عباده سيدنا ومولانا أبو الحسن الأول الكاظم : موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين أخ الحسن بن علي بن أبي طالب زوج فاطمة الزهراء بنت محمد بن عبد الله سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم .

وعن سلمان الفارسي رحمه الله قال النبي في خطبة له : .... الأوصياء : و الخلفاء بعدي ، أئمة أبرار ، عدد أسباط يعقوب و حواري عيسى .

قلت : فسمهم لي يا رسول الله ؟

قال : أولهم علي بن أبي طالب ، و بعده سبطاي ، و بعدهما علي زين العابدين ، و بعده محمد بن علي باقر علم النبيين، و الصادق جعفر بن محمد .

وَ ابْنُهُ الْكَاظِمُ : سَمِيُ‏ مُوسَى‏ بْنِ عِمْرَانَ .

و الذي يقتل : بأرض الغربة ابنه علي ، ثم ابنه محمد ، و الصادقان علي و الحسن ، و الحجة القائم المنتظر في غيبته ، فإنهم عترتي من دمي ، و لحمي علمهم علمي ، و حكمهم حكمي ، من آذاني فيهم فلا أناله الله شفاعتي .

كفاية الأثر ص42.

وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ‏ ما من أهل بيت : فيهم من اسمه اسم نبي ، إلا بعث الله إليهم ملكا يسددهم .

و إن من الأئمة بعدي : من اسمه اسمي .

وَ مَنْ هُوَ : سَمِيُ‏ مُوسَى‏ بْنِ عِمْرَانَ .

و إن الأئمة بعدي : كعدد نقباء بني إسرائيل ، أعطاهم الله علمي و فهمي ، فمن خالفهم فقد خالفني ، و من ردهم‏ و أنكرهم ، فقد ردني و أنكرني ، و من أحبني في الله فهو من الفائزين يوم القيامة.

كفاية الأثر ص154 .

والإمام موسى عليه السلام : سمي نبي الله المرسل وثالث أولي العزم موسى بن عمران عليه السلام ، وسمي باسمه لأنه تشابهت أحوالهم بابتلائهم بطاغية زمانهم وتجرعهم للغصص ، وكثرت المحاجات بين الطرفين ، وأحوال وقصص واحتجاجات الإمام موسى الكاظم مع فرعون زمانه هارون البليد كثيرة جدا ، والفرق إن هارون العباسي كان مقرا بالإمامة والولاية للإمام موسى بن جعفر عليه السلام إلا أنه للملك كان عدائه معه وهو من باب جحدوا بها واستقنتها أنفسهم ، وفرعون مصر آخر عمره آمن حين لا تصح التوبة ، وفي قصصهم العبر والمواعظ الكثيرة ، وستأتي بعض أحوالهما بعد البحث الآتي.

مختصر حياة الإمام :

قال أبو محمد الحسن بن علي الثاني الهادي العسكري عليه السلام :

ولد بالأبواء بين مكة و المدينة : في شهر ذي الحجة سنة 127 مائة و سبعة و عشرين من الهجرة ، فأقام مع أبيه : 19 تسع عشرة سنة .

و عاش بعد أبيه أيام إمامته : 35 خمس و ثلاثين سنة .

فيها : بقية ملك المنصور ، ثم ملك ابنه محمد المهدي عشر سنين و شهر و أيام ، ثم ملك ابن المهدي موسى المعروف بالهادي سنة و خمس و عشرين يوما ، ثم ملك هارون المعروف بالرشيد ثلاث و عشرين سنة و شهرين و تسعة و عشرين يوما ، و بعد ما مضى 15 خمس عشرة سنة من ملك الرشيد .

استشهد ولي الله : في رجب 184سنة مائة و أربعة و ثمانين من الهجرة ، و صار إلى كرامة الله عز و جل .

و قد كمل عمره : 54 أربعا و خمسين سنة ، و يروى 57 سبعا و خمسين سنة .

و كان سبب وفاته : أن يحيى بن خالد سمه في رطب وريحان، أرسل بهما إليه مسمومين بأمر الرشيد .

و لما سم : وجه إليه بشهود حتى يشهدون عليه بخروجه عن أملاكه .

فلما دخلوا قال : يا فلان يا فلان سقيت السم في يومي هذا ، و في غد يصفر بدني و يحمر، و بعد غد يسود و أموت، فانصرف الشهود من عنده ـ فكان كما قال .

و تولى أمره ابنه علي الرضا علي الرضا عليه السلم : و دفن ببغداد بمقابر قريش ، في بقعة كان قبل وفاته ابتاعها لنفسه ، و كانت وفاته في حبس المسيب ـ و هو المسجد الذي بباب الكوفة الذي فيه السدرة .

دلائل الإمامة لمحمد بن جرير الطبري ص 147 .

مختصر معارف وعلوم عن الإمام :

يا طيب : المعارف الإلهية المنتشرة عن الإمام الكاظم موسى بن جعفر كثيرة جدا ، ويكفي أنه في كتاب مسائل علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر أكثر ثمانمائة وأربعة وستون مسألة ، وسيأتي في التكملة آخر البحث حديث العقل وهو من غرر الأحاديث في المعارف الإيمانية وما يجب أن يكون عليه العقلاء المتألهين والعارفين الكاملين ، وهذا مختصر في بعض الأحاديث عنه عليه السلام :

قال الإمام موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم الصلاة السلام :

إذا مات المؤمن : بكت عليه :

الملائكة : وبقاع الأرض التي كان يعبد الله عليها

وأبواب السماء : التي كان يصعد فيها بأعماله.

وثلم : في الإسلام ثلمة ، لا يسدها شيء .

لأن المؤمنين : الفقهاء ، حصون الإسلام ، كحصن سور المدينة لها .

الكافي1ص26ب7ح3.

وعن الإمام أبي الحسن موسى ابن جعفر عليه السلام قال :

محادثة العالم : على المزابل .

خير : من محادثة الجاهل ، على الزرابي .

الكافي1ص31ب8ح2.

بيان : الزرابي : جمع زربى وهي ما بسط واتكئ عليه .

وعن عثمان بن عيسى قال : سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن القياس ؟

فقال عليه السلام : مالكم والقياس .

إن الله تعالى : لا يسأل ، كيف أحل وكيف حرم .

الكافي1ص47ب18ح16.

وعن محمد بن حكيم قال : كتب أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام إلى أبي : إن الله : أعلا وأجل وأعظم : من أن يبلغ كنه صفته .

فصفوه : بما وصف به نفسه ، وكفوا عما سوى ذلك .

الكافي1ص78ب10ح6.

وعن علي بن سويد : عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام :

في قول الله عز وجل : { أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) } الزمر .

قال : جنب الله ، أمير المؤمنين عليه السلام .

وكذلك : ما كان بعده من الأوصياء بالمكان الرفيع، إلى أن ينتهي الأمر إلى أخرهم.

الكافي1ص113ب23ح9.

وذكر اليعقوبي في تأريخه : قال الحسن بن أسد : سمعت موسى بن جعفر يقول :

ما أهان الدنيا : قوم قط ، إلا هنأهم الله إياها وبارك لهم فيها .

وما أعزها : قوم قط ، إلا نغصهم الله إياها .

وقال عليه السلام : إن قوما يصحبون السلطان ، يتخذهم المؤمنون كهوفا .

فهم : الآمنون يوم القيامة ، إن كنت لأرى فلانا منهم .

بيان : فلان : المراد علي بن يقطين وزير الرشيد ، كان من الشيعة المخلصين .

وذكر : عنده بعض الجبابرة ، فقال عليه السلام : أما والله ، لئن عز بالظلم في الدنيا ، ليذلن بالعدل ، في الآخرة .

وقيل لموسى بن جعفر عليه السلام ، وهو في الحبس :

لو كتبت : إلى فلان ، يكلم فيك الرشيد ؟

فقال : حدثني أبي عن آبائه عليهم السلام ، أن الله عز وجل أوحى إلى داود :

يا داود : إنه ما اعتصم عبد من عبادي ، بأحد من خلقي دوني ، عرفت ذلك منه ، إلا وقطعت عنه أسباب السماء ، وأسخت الأرض من تحته .

وقال موسى بن جعفر عليه السلام :

حدثني أبي : أن موسى بن عمران .

قال : يا رب ، أي عبادك شر ؟

قال : الذي يتهمني .

قال : يا رب ، وفي عبادك من يتهمك ؟

قال : نعم ! الذي يستجيرني ، ثم لا يرضى بقضائي .

تاريخ اليعقوبي ج2ص414 .

ذكر في الخصال :

عن الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام قال :

الناس ثلاثة : عربي ومولى وعلج .

فأما العرب : فنحن .

وأما المولى : فمن والانا .

وأما العلج : فمن تبرأ منا وناصبنا .

الخصال 115ص ح116 .

وقال عليه السلام : ثلاثة يستظلون بظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله :

رجل : زوج أخاه المسلم ، أو خدمه ، أو كتم له سرا .

الخصال ص 141ج162.

وعن أبي الحسن الأول عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

أربع يفسدن القلب : وينبتن النفاق في القلب ، كما ينبت الماء الشجر .

استماع : اللهو ، والبذاء ، وإتيان باب السلطان ، وطلب الصيد .

الخصال ص227ح63.

وقال أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام

خمس من السنن في الرأس وخمس في الجسد :

فأما التي في الرأس :

فالسواك : وأخذ الشارب ، وفرق الشعر ، والمضمضة ، والاستنشاق .

وأما التي في الجسد :

فالختان : وحلق العانة ، ونتف الإبطين ، وتقليم الأظفار ، والاستنجاء .

الخصال ص271ح11 .

وعن أبي الحسن عليه السلام قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاثة :

الآكل : زاده وحده ، والراكب في الفلاة وحده ، والنائم فيبيت وحده .

الخصال ص93 ح38 .

وعن أبي الحسن الأول ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

الدنيا : سجن المؤمن ، والقبر حصنه ، والجنة مأواه .

والدنيا : جنة الكافر ، والقبر سجنه ، والنار مأواه .

الخصال ص 108 ح74 .

وعن أبي الحسن الأول عليه السلام قال : أربعة من الوسواس : أكل الطين ، وفت الطين ، وتقليم الأظفار بالأسنان ، وأكل اللحية .

الخصال ص221ح46.

وقال أبو الحسن الأول عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

لا وليمة إلا في خمس : في عرس او خرس أو عذار ، أو وكار ، أو ركاز .

فأما العرس : فالتزويج .

والخرس : النفاس بالولد .

والعذار : الختان .

والوكار : الرجل يشتري الدار .

والركاز : الذي يقدم من مكة .

الخصال ص 313 ح91 .

وعن أبي الحسن الأول عليه السلام قال :

ثلاثة يجلين البصر :

النظر إلى الخضرة ، والنظر إلى الماء الجاري ، والنظر إلى الوجه الحسن .

الخصال ص 92 ح35 .

بعض رواياته عن آبائه :

وما نقله الإمام عن آبائه الطيبين الطاهرين عليهم الصلاة والسلام :

ذكر في الخصال : أخبرنا يزيد بن الحسن قال :

حدثني موسى بن جعفر : عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه ، علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي ، عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

إن الله عز وجل : خلق العقل من نور مخزون مكنون في سابق علمه ، الذي لم يطلع عليه نبي مرسل ولا ملك مقرب .

فجعل : العلم نفسه ، والفهم روحه ، والزهد رأسه ، والحياء عينيه ، والحكمة لسانه ، والرأفة همه ، والرحمة قلبه .

ثم حشاه وقواه بعشرة أشياء : باليقين ، والإيمان ، والصدق ، والسكينة ، والإخلاص ، والرفق ، والعطية ، والقنوع ، والتسليم ، والشكر .

ثم قال عز وجل : أدبر فأدبر ، ثم قال له : أقبل فأقبل ، ثم قال له : تكلم .

فقال : الحمد لله الذي ليس له ضد ولا ند ولا شبيه ولا كفو ولا عديل ولا مثل ، الذي كل شيء لعظمته خاضع ذليل .

فقال الرب تبارك وتعالى : وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا ، أحسن منك ، ولا أطوع لي منك ، ولا أرفع منك ، ولا أشرف منك ، ولا أعز منك .

بك : أؤاخذ ، وبك أعطي ، وبك أوحد ، وبك اعبد ، وبك ادعى ، وبك ارتجى ، وبك ابتغى ، وبك أخاف ، وبك أحذر ، وبك الثواب ، وبك العقاب .

فخر العقل عند ذلك : ساجدا ، فكان في سجوده ألف عام فقال الرب تبارك وتعالى : ارفع رأسك وسل تعط ، واشفع تشفع .

فرفع العقل رأسه فقال : إلهي أسألك أن تشفعني فيمن خلقتني فيه .

فقال الله جل جلاله لملائكته : أشهدكم أني قد شفعته فيمن خلقته فيه .

الخصال ص427 ح4 .

قصص الإمام مع طاغية زمانه واحتجاجه :

القاء الأول بين هارون والعباسي والإمام :

ذكر الصدوق بسنده : عن سفيان بن نزار قال : كنت يوما على رأس المأمون ، فقال : أ تدرون من علمني التشيع ؟

فقال القوم جميعا : لا و الله ما نعلم .

قال : علمنيه الرشيد .

قيل له : و كيف ذلك ، و الرشيد كان يقتل أهل هذا البيت ؟

قال : كان يقتلهم على الملك ، لأن الملك عقيم‏ ، و لقد حججت معه سنة ، فلما صار إلى المدينة تقدم إلى حجابه ، و قال : لا يدخلن علي رجل من أهل المدينة و مكة من أهل المهاجرين و الأنصار و بني هاشم و سائر بطون قريش ، إلا نسب نفسه ، و كان الرجل إذا دخل عليه .

قال : أنا فلان بن فلان حتى ينتهي إلى جده من هاشمي أو قرشي أو مهاجري أو أنصاري .

فيصله : من المال بخمسة آلاف دينار و ما دونها إلى مائتي دينار ، على قدر شرفه و هجرة آبائه .

فأنا : ذات يوم واقف ، إذ دخل الفضل بن الربيع .

فقال‏ : يا أمير المؤمنين على الباب رجل يزعم‏ ، أنه موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب .

فأقبل علينا الرشيد : و نحن قيام على رأسه ، و الأمين و المؤتمن و سائر القواد ، فقال : احفظوا على أنفسكم ، ثم قال لآذنه : ائذن له ، و لا ينزل إلا على بساطي .

فإنا كذلك‏ : إذ دخل شيخ مسخد ( عليه آثار الزهد والهيبة ) قد أنهكته‏ العبادة ، كأنه شن بال ، قد كلم‏ من السجود وجهه و أنفه .

فلما رأى الرشيد : رمى بنفسه عن حمار كان راكبه ، فصاح الرشيد لا و الله إلا على بساطي ، فمنعه الحجاب من الترجل‏ ، و نظرنا إليه بأجمعنا بالإجلال و الإعظام ، فما زال يسير على حماره حتى صار إلى البساط و الحجاب، و القواد محدقون‏، به فنزل .

فقام إليه الرشيد : و استقبله إلى آخر البساط ، فقبل وجهه و عينيه‏ ، و أخذ بيده حتى صيره في صدر المجلس ، و أجلسه معه فيه ، و جعل يحدثه و يقبل بوجهه عليه ، و يسأله عن أحواله .

ثم قال له : يا أبا الحسن ما عليك من العيال ؟

فقال عليه السلام : يزيدون على الخمسمائة .

قال : أولاد كلهم ؟

قال : لا أكثرهم موالي و حشم ، أما الولد فلي نيف‏ و ثلاثون ، و الذكران منهم كذا ، و النسوان منهم كذا .

قال : فلم لا تزوج النسوان من بني عمومتهن و أكفائهن ؟

قال : اليد تقصر عن‏ ذلك .

قال : فما حال الضيعة ؟

قال : تعطي في وقت و تمنع في آخر .

قال : فهل عليك دين ؟ قال : نعم . قال : كم ؟ قال : نحو عشرة آلاف ‏دينار .

فقال‏ له الرشيد : يا ابن عم أنا أعطيك من المال ما تزوج الذكران و النسوان ، و تقضي الدين و تعمر الضياع .

فقال له : وصلتك رحم يا ابن عم ، و شكر الله لك هذه النية الجميلة ، و الرحم ماسة ، و القرابة واشجة ، و النسب واحد ، و العباس عم النبي و صنو أبيه ، و عم علي بن أبي طالب و صنو أبيه ، و ما أبعدك الله من أن تفعل ذلك ، و قد بسط يدك و أكرم عنصرك ، و أعلى محتدك‏ .

فقال : أفعل ذلك يا أبا الحسن‏ و كرامة .

فقال : يا أمير المؤمنين ، إن الله عز و جل قد فرض على ولاة عهده ، أن ينعشوا فقراء الأمة ، و يقضوا عن الغارمين ، و يؤدوا عن المثقل‏ ، و يكسوا العاري ، و يحسنوا إلى العاني‏ ، فأنت أولى من يفعل ذلك .

فقال : أفعل يا أبا الحسن ، ثم قام فقام الرشيد لقيامه ، و قبل عينيه و وجهه ، ثم أقبل علي و على الأمين و المؤتمن ، فقال : يا عبد الله و يا محمد و يا إبراهيم .امشوا بين‏ يدي : عمكم و سيدكم ، خذوا بركابه ، و سووا عليه ثيابه ، و شيعوه إلى منزله .

فأقبل علي‏ : أبو الحسن موسى بن جعفر سرا بيني و بينه ، فبشرني بالخلافة .

فقال لي : إذا ملكت هذا الأمر ، فأحسن إلى ولدي ، ثم انصرفنا .

و كنت : أجرى‏ ولد أبي عليه ، فلما خلا المجلس ، قلت ي: ا أمير المؤمنين من هذا الرجل الذي قد أعظمته و أجللته ، و قمت من مجلسك إليه ، فاستقبلته و أقعدته في صدر المجلس و جلست دونه ، ثم أمرتنا بأخذ الركاب له .

قال : هذا إمام الناس و حجة الله على خلقه ، و خليفته على‏ عباده .

فقلت : يا أمير المؤمنين أ و ليست هذه الصفات كلها لك و فيك ؟

فقال : أنا إمام الجماعة في الظاهر و الغلبة و القهر ، وموسى بن جعفر إمام حق .

و الله يا بني : إنه لأحق بمقام رسول الله مني ، و من الخلق جميعا .

و و الله : لو نازعتني هذا الأمر لأخذت‏ الذي‏ فيه عيناك‏ ، فإن الملك عقيم .

فلما أراد : الرحيل من المدينة إلى مكة ، أمر بصرة سوداء فيها مائتا دينار .

ثم أقبل : على الفضل بن الربيع ، فقال له : اذهب بهذه إلى موسى بن جعفر ، و قل له يقول لك أمير المؤمنين ، نحن في ضيقة ، و سيأتيك برنا بعد الوقت‏ .

فقمت : في صدره‏، فقلت : يا أمير المؤمنين تعطي أبناء المهاجرين و الأنصار و سائر قريش و بني هاشم ومن لا تعرف‏ حسبه ونسبه، خمسة آلاف دينار إلى ما دونها .

و تعطي : موسى بن جعفر ، و قد أعظمته و أجللته ، مائتي دينار ، أخس عطية أعطيتها أحدا من الناس .

فقال : اسكت لا أم لك ، فإني لو أعطيت هذا ما ضمنته‏ له ، ما كنت أمنته‏ أن يضرب‏ وجهي غدا بمائة ألف سيف من شيعته و مواليه .

و فقر هذا : و أهل بيته ، أسلم لي و لكم من بسط أيديهم و أعينهم .

فلما نظر إلى ذلك : مخارق المغني‏ (من ندماء هارون ) ، دخله في ذلك غيظ .

فقام إلى الرشيد فقال : يا أمير المؤمنين قد دخلت المدينة ، و أكثر أهلها يطلبون مني شيئا ، و إن خرجت و لم أقسم فيهم شيئا لم يتبين‏ لهم تفضل أمير المؤمنين علي و منزلتي عنده .

فأمر له : بعشرة آلاف دينار ، فقال : يا أمير المؤمنين هذا لأهل المدينة ، و علي دين أحتاج أن أقضيه ، فأمر له بعشرة آلاف دينار أخرى .

فقال له : يا أمير المؤمنين بناتي أريد أن أزوجهن و أنا محتاج إلى جهازهن ، فأمر له بعشرة آلاف‏ دينار أخرى ، فقال له : يا أمير المؤمنين لا بد من غلة تعطينيها ترد علي و على عيالي و بناتي و أزواجهن القوت ، فأمر له بأقطاع‏ ما تبلغ غلته في السنة عشرة آلاف‏ دينار ، و أمر أن يعجل ذلك عليه‏ من ساعته ، ثم قام مخارق من فوره .

و قصد موسى بن جعفر عليه السلام و قال له : قد وقفت على ما عاملك به هذا الملعون ، و ما أمر لك به ، و قد احتلت‏ عليه لك ، و أخذت منه صلات‏ ثلاثين ألف دينار ، و أقطاعا يغل في السنة عشرة آلاف‏ دينار ، و لا و الله يا سيدي ما أحتاج إلى شيء من ذلك ، ما أخذته إلا لك .

و أنا أشهد لك : بهذه الأقطاع ، و قد حملت المال إليك .

فقال عليه السلام : بارك الله لك في مالك‏ ، و أحسن جزاك ، ما كنت لآخذ منه درهما واحدا ، و لا من هذه الأقطاع شيئا ، و قد قبلت صلتك و برك ، فانصرف راشدا ، و لا تراجعني في ذلك ، فقبل يده و انصرف‏ .

عيون أخبار الرضا عليه السلام ج1ص88ب8ح11 .

وصف آخر للقاء :

وذكر الصدوق بسنده : عن الريان بن شبيب قال :

سمعت المأمون يقول‏ : ما زلت أحب أهل البيت ، و أظهر للرشيد بغضهم تقربا إليه‏ ، فلما حج الرشيد كنت و محمد و القاسم‏ معه .

فلما كان بالمدينة : استأذن عليه الناس ، و كان آخر من أذن له موسى بن جعفر عليه السلام ، فدخل .

فلما نظر إليه‏ الرشيد : تحرك و مد بصره و عنقه إليه ، حتى دخل البيت الذي كان فيه ، فلما قرب جثى‏ الرشيد على ركبتيه و عانقه ، ثم أقبل عليه .

فقال له : كيف أنت يا أبا الحسن و كيف عيالك و عيال أبيك ، كيف أنتم ما حالكم ، فما زال يسأله هذا ، و أبو الحسن يقول خير خير .

فلما قام : أراد الرشيد أن ينهض فأقسم عليه أبو الحسن فأقعده‏ و عانقه و سلم عليه و ودعه .

قال المأمون : و كنت أجرى ولد أبي عليه، فلما خرج أبو الحسن موسى بن جعفر.

قلت لأبي : يا أمير المؤمنين لقد رأيتك عملت بهذا الرجل شيئا ما رأيتك فعلته بأحد من أبناء المهاجرين و الأنصار و لا ببني هاشم ، فمن هذا الرجل ؟

فقال : يا بني ، هذا وارث علم النبيين ، هذا موسى بن جعفر بن محمد ، إن أردت العلم الصحيح فعند هذا .

قال المأمون : فحينئذ انغرس في قلبي محبتهم.

عيون أخبار الرضا عليه السلام ج1ص90ب8ح12 .

أسئلة هارون وأجوبة الإمام :

وعن الصدوق بسنده : عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام أنه قال : لما دخلت على الرشيد سلمت عليه فرد علي السلام .

ثم قال : يا موسى بن جعفر خليفتين يجبى‏ إليهما الخراج ؟

فقلت : يا أمير المؤمنين أعيذك بالله‏ أن تبوء بإثمي و إثمك‏ ، و تقبل الباطل من أعدائنا علينا ، فقد علمت أنه قد كذب علينا منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله بما علم ذلك‏ عندك ، فإن رأيت بقرابتك من رسول الله أن تأذن لي أحدثك بحديث .

أخبرني به : أبي عن آبائه عن جده رسول الله ؟ فقال : قد أذنت لك .

فقلت : أخبرني أبي عن آبائه عن جده رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال :

إن الرحم : إذا مست الرحم تحركت و اضطربت ، فناولني يدك جعلني الله فداك ؟

فقال : ادن فدنوت منه ، فأخذ بيدي ثم جذبني إلى نفسه ، و عانقني طويلا ، ثم تركني .

و قال : اجلس يا موسى فليس عليك بأس ، فنظرت إليه فإذا إنه قد دمعت ، عيناه فرجعت إلى نفسي . فقال : صدقت و صدق جدك ، لقد تحرك دمي و اضطربت عروقي ، حتى غلبت علي الرقة و فاضت عيناي ، و أنا أريد أن أسألك عن أشياء تتلجلج‏ في صدري منذ حين ، لم أسأل عنها أحدا ، فإن أنت أجبتني عنها خليت عنك ، و لم أقبل قول أحد فيك، و قد بلغني أنك لم تكذب قط ، فأصدقني عما أسألك مما في قلبي .

فقلت : ما كان علمه عندي ، فإني‏ مخبرك إن أنت أمنتني ؟

فقال‏ لك الأمان إن صدقتني ، و تركت التقية التي تعرفون بها معشر بني فاطمة .

فقلت : اسأل يا أمير المؤمنين عما شئت‏ .

قال : أخبرني لم فضلتم علينا ، و نحن‏ وأنتم في شجرة واحدة ، و بنو عبد المطلب ، و نحن و أنتم واحد ، إنا بنو العباس و أنتم ولد أبي طالب ، و هما عما رسول الله و قرابتهما منه سواء .

فقلت : نحن أقرب .

قال : و كيف ذلك ؟

قلت : لأن عبد الله و أبا طالب لأب وأم ، وأبوكم العباس ليس هو من أم عبد الله و لا من أم أبي طالب ؟

قال : فلم ادعيتم أنكم ورثتم النبي ، و العم يحجب ابن العم ، و قبض رسول الله و قد توفي أبو طالب قبله ، و العباس عمه حي .

فقلت له : إن رأى أمير المؤمنين أن يعفيني‏ من هذه المسألة ، و يسألني عن كل باب سواه يريده .

فقال : لا أو تجيب‏ ، فقلت : فآمني .

فقال : قد آمنتك قبل الكلام .

فقلت : إن في قول علي بن أبي طالب عليه السلام :

أنه ليس : مع ولد الصلب ذكرا كان أو أنثى لأحد سهم ، إلا للأبوين و الزوج و الزوجة ، و لم يثبت للعم مع ولد الصلب ميراث ، و لم ينطق به الكتاب ، إلا أن تيما وعديا وبني أمية ، قالوا : العم والد ، رأيا منهم بلا حقيقة و لا أثر عن الرسول .

و من قال بقول علي عليه السلام : من العلماء فقضاياهم خلاف قضايا هؤلاء ، هذا نوح بن دراج يقول في هذه المسألة بقول علي عليه السلام ، و قد حكم به ، و قد ولاه أمير المؤمنين‏ ( قوله له تقية منه ومدارة ) المصرين الكوفة و البصرة ، و قد قضى‏ به ، فأنهي‏ إلى أمير المؤمنين فأمر بإحضاره ، و إحضار من يقول بخلاف قوله منهم سفيان الثوري و إبراهيم المدني و الفضيل بن عياض ، فشهدوا أنه قول علي عليه السلام في هذه المسألة ، فقال لهم : فيما أبلغني بعض‏ العلماء من أهل الحجاز فلم لا تفتون به و قد قضى به نوح بن دراج ، فقالوا : جسر نوح و جبنا ، و قد أمضى‏ أمير المؤمنين عليه السلام قضية .

يقول قدماء العامة عن النبي أنه قال : علي أقضاكم ، و كذلك قال عمر بن الخطاب علي أقضانا ، و هو اسم جامع لأن جميع ما مدح به النبي أصحابه من القراءة و الفرائض و العلم داخل في القضاء .

قال : زدني يا موسى ؟

قلت : المجالس بالأمانات و خاصة مجلسك ؟ فقال : لا بأس عليك .

فقلت : إن النبي لم يورث من لم يهاجر، و لا أثبت له ولاية حتى يهاجر .

فقال : ما حجتك فيه ؟

فقلت : قول الله تعالى‏ : { وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ (72)} الأنفال ، و إن عمي العباس لم يهاجر .

فقال لي : أسألك يا موسى هل أفتيت بذلك أحدا من أعدائنا ، أم أخبرت أحدا من الفقهاء في هذه المسألة بشيء ؟

فقلت : اللهم لا ، و ما سألني عنها إلا أمير المؤمنين .

ثم قال : لم جوزتم للعامة و الخاصة أن ينسبوكم إلى رسول الله ، و يقولون لكم : يا بني رسول الله ، و أنتم بنو علي ، و إنما ينسب المرء إلى أبيه ، و فاطمة إنما هي وعاء و النبي جدكم من قبل أمكم ؟

فقلت : يا أمير المؤمنين لو أن النبي ص نشر ، فخطب إليك كريمتك ، هل كنت تجيبه ؟

فقال : سبحان الله و لم لا أجيبه‏ ، بل أفتخر على العرب و العجم و قريش بذلك‏ .

فقلت له : لكنه صلى الله عليه وآله لا يخطب إلي و لا أزوجه‏ ؟

فقال : و لم ؟

فقلت : لأنه صلى الله عليه وآله ولدني و لم يلدك .

فقال : أحسنت يا موسى .

ثم قال : كيف قلتم إنا ذرية النبي ، و النبي لم يعقب و إنما العقب للذكر لا للأنثى ، و أنتم ولد البنت‏ ، و لا يكون لها عقب ؟

فقلت : أسألك‏ يا أمير المؤمنين بحق القرابة و القبر و من فيه ، إلا ما أعفيتني‏ عن هذه المسألة .

فقال : لا ، أو تخبرني بحجتكم فيه يا ولد علي ، و أنت يا موسى يعسوبهم‏ و إمام زمانهم ، كذا أنهي إلي ، و لست أعفيك في كل ما أسألك عنه ، حتى تأتيني فيه بحجة من كتاب الله تعالى ، و أنتم تدعون معشر ولد علي ، أنه لا يسقط عنكم منه بشيء ألف و لا واو إلا و تأويله عندكم ، و احتججتم بقوله عز و جل‏ : { مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ (38) } الأنعام ، و قد استغنيتم عن رأي العلماء و قياسهم .

فقلت : تأذن لي في الجواب ؟ قال : هات .

قلت‏ : أعوذ بالله من الشيطان { الرجيم‏ بسم الله الرحمن الرحيم ... وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (الأنعام84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ (85)‏ } الأنعام ، من أبو عيسى يا أمير المؤمنين ؟

فقال : ليس لعيسى أب .

فقلت : إنما ألحقناه بذراري‏ الأنبياء عليهم السلام من طريق مريم عليها السلام ، و كذلك ألحقنا بذراري النبي صلى الله عليه وآله من قبل أمنا فاطمة عليه السلام .

آ أزيدك : يا أمير المؤمنين ؟ قال : هات .

قلت : قول الله عز و جل‏ : { فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)‏ } آل عمران ، و لم يدع أحد أنه أدخل‏ النبي تحت الكساء عند المباهلة للنصارى ، إلا علي بن أبي طالب و فاطمة و الحسن و الحسين .

فكان تأويل قوله تعالى‏: { َبْنَاءنَا } الحسن و الحسين ، { وَنِسَاءنَا } فاطمة ، و { وَأَنفُسَنَا } علي بن أبي طالب .

على أن العلماء : قد أجمعوا ، على أن جبرئيل قال : يوم أحد ، يا محمد إن هذه لهي المواساة من علي . قال : لأنه مني و أنا منه ، فقال جبرئيل : و أنا منكما يا رسول الله ، ثم قال : لا سيف إلا ذو الفقار و لا فتى إلا علي ، فكان كما مدح الله تعالى به خليله ، إذ يقول‏ : { قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) ‏ } الأنبياء ، إنا معشر بني عمك نفتخر بقول جبرئيل إنه منا .

فقال : أحسنت يا موسى، أرفع إلينا حوائجك.

فقلت له : أول حاجة أن تأذن لابن عمك أن يرجع إلى حرم جده و إلى عياله .

فقال : ننظر إن شاء الله تعالى ، فروي أنه أنزله عند السندي بن شاهك فزعم أنه توفي عنده و الله أعلم .

عيون أخبار الرضا عليه السلام ج‏1ص84ب7ح9 .

قصة سجن الإمام وشهادته :

الإمام في سجن البصرة :

عن أبو العباس أحمد النوفلي قال : سمعت أبي يقول‏ :

لما قبض الرشيد : على موسى بن جعفر عليه السلام ، قبض عليه و هو عند رأس النبي صلى الله عليه وآله ، قائما يصلي ، فقطع عليه صلاته ، و حمل و هو يبكي .

و يقول : أشكو إليك يا رسول الله ما ألقى ، و أقبل الناس من كل جانب يبكون و يصيحون‏، فلما حمل إلى بين يدي‏ الرشيد شتمه و جفاه .

فلما جن عليه الليل : أمر بقبتين فهيئا له ، فحمل موسى بن جعفر عليه السلام إلى أحدهما في خفاء ، و دفعه إلى حسان السروي‏ ، و أمره بأن يصير به في قبة إلى البصرة ، فيسلم إلى عيسى بن جعفر بن أبي جعفر و هو أميرها .

و وجه قبة أخرى : علانية نهارا إلى الكوفة ، معها جماعة ، ليعمي على الناس أمر موسى بن جعفر عليه السلام ، فقدم حسان البصرة قبل التروية بيوم فدفعه إلى عيسى بن جعفر بن أبي جعفر ، نهارا علانية حتى عرف ذلك و شاع خبره

فحبسه عيسى : في بيت من بيوت المجلس الذي كان يجلس فيه ، و أقفل عليه ، و شغله العبد عنه ، فكان لا يفتح عنه‏ الباب إلا في حالتين ، حالة يخرج فيها إلى الطهور ، و حالة يدخل‏ فيها الطعام .

قال أبي : فقال لي الفيض بن أبي صالح : و كان نصرانيا ثم أظهر الإسلام ، و كان زنديقا ، و كان يكتب لعيسى بن جعفر ، و كان بي‏ خاصا .

فقال : يا أبا عبد الله ، لقد سمع‏ هذا الرجل الصالح ، في أيامه هذه ، في هذه الدار التي هو فيها من ضروب الفواحش و المناكير ما أعلم ، و لا أشك أنه لم يخطر بباله .

قال أبي : و سعى بي في تلك الأيام إلى عيسى بن جعفر بن أبي جعفر ، علي بن يعقوب بن عون بن العباس بن ربيعة في رقعة دفعها إليه أحمد بن أسيد حاجب عيسى .

قال : و كان علي بن يعقوب من مشايخ بني هاشم ، و كان أكبرهم سنا ، و كان مع كبر سنه يشرب الشراب ، و يدعو أحمد بن‏ أسيد إلى منزله فيحتفل‏ له و يأتيه بالمغنين و المغنيات ، يطمع في أن يذكره لعيسى ، فكان في رقعته التي رفعها إليه ، إنك تقدم علينا محمد بن سليمان في إذنك‏ و إكرامك ، و تخصه‏ بالمسك ، و فينا من هو أسن منه و هو يدين بطاعة موسى بن جعفر المحبوس عندك .

قال‏ أبي فإني : لقائل‏ ( قيلولة الظهيرة ) في يوم قائظ ، إذ حركت حلقة الباب علي ، فقلت : ما هذا ، قال لي الغلام : قعنب بن يحيى على الباب ، يقول : لا بد من لقائك الساعة ، فقلت : ما جاء إلا لأمر ، أئذنوا له ، فدخل فخبرني عن الفيض بن أبي صالح بهذه القصة و الرقعة .

قال : و قد كان قال لي الفيض : بعد ما أخبرني لا تخبر أبا عبد الله فتحزنه‏ ، فإن الرافع عند الأمير لم يجد فيه مساغا .

و قد قلت للأمير : أ في نفسك من هذا شيء ، حتى أخبر أبا عبد الله فيأتيك و يحلف على كذبه .

فقال : لا تخبره فتغمه ، فإنه ابن عمه ، إنما حمله على هذا الحسد له .

فقلت له : يا أيها الأمير ، أنت تعلم أنك لا تخلو بأحد خلوتك به ، فهل حملك على أحد قط ؟ قال : معاذ الله . قلت : فلو كان له مذهب يخالف فيه الناس ، لأحب أن يحملك عليه . قال : أجل و معرفتي به أكثر .

قال أبي : فدعوت بدابتي ، و ركبت إلى الفيض من ساعتي فصرت إليه و معي قعنب في الظهيرة ، فاستأذنت إليه ، فأرسل‏ إلي ، و قال : جعلت فداك قد جلست مجلسا أرفع قدرك عنه ، و إذا هو جالس على شرابه ، فأرسلت إليه و الله لا بد من لقائك ، فخرج إلي في قميص رقيق و إزار مورد ، فأخبرته بما بلغني .

فقال لقعنب : لا جزيت‏ خيرا ، أ لم أتقدم إليك أن لا تخبر أبا عبد الله فتغمه .

ثم قال لي : لا بأس ، فليس في قلب الأمير من ذلك شيء .

قال : فما مضت بعد ذلك إلا أيام يسيرة حتى حمل موسى بن جعفر عليه السلام سرا إلى بغداد .

و حبس : ثم أطلق .

ثم حبس : ثم سلم إلى السندي بن شاهك ، فحبسه و ضيق عليه .

ثم بعث إليه الرشيد : بسم في رطب ، و أمره أن يقدمه إليه ، و يحتم عليه في تناوله منه ، ففعل فمات صلوات الله عليه .

عيون أخبار الرضا عليه السلام ج‏1ص85ب7ح10 .

الإمام في سجن بغداد وعبادته :

وعن الثوباني قال : كانت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام ، بضع‏ عشرة سنة كل يوم سجدة بعد انقضاض‏ الشمس إلى وقت الزوال .

فكان هارون : ربما صعد سطحا يشرف منه على الحبس الذي حبس فيه أبو الحسن عليه السلام ، فكان يرى أبا الحسن ساجدا .

فقال للربيع : يا ربيع ما ذاك الثوب الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع .

فقال يا أمير المؤمنين : ما ذاك بثوب ، و إنما هو موسى بن جعفر ، له كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال .

قال الربيع : فقال لي هارون : أما إن هذا من رهبان بني هاشم .

قلت : فما لك قد ضيقت عليه في الحبس ؟

قال : هيهات لا بد من ذلك .

عيون أخبار الرضا عليه السلام ج1ص95ب7ح14 .

شهادة الإمام والنداء عليه ودفنه :

و عن الحسن بن عبد الله الصيرفي عن أبيه قال :

توفي موسى بن جعفر عليه السلام : في يد السندي بن شاهك ، فحمل على نعش ، و نودي عليه هذا إمام الرافضة فاعرفوه .

فلما أتي به : مجلس الشُرطة ، أقام أربعة نفر .

فنادوا : ألا من أراد أن يرى الخبيث بن الخبيث‏ ، فليخرج .

و خرج : سليمان بن أبي جعفر الجعفري عن قصره إلى الشط ، فسمع الصياح و الضوضاء .

فقال : لغلمانه و لولده ، ما هذا ؟

قالوا : السندي بن شاهك ، ينادي على موسى بن جعفر على نعشه .

فقال لولده و غلمانه : يوشك أن يفعل هذا به في الجانب الغربي ، فإذا عبر به فانزلوا مع غلمانكم فخذوه من أيديهم ، فإن مانعوكم فاضربوهم و خرقوا ما عليهم من السواد ، فلما عبروا به نزلوا إليهم فأخذوه من أيديهم و ضربوهم و خرقوا عليهم من سوادهم .

و وضعوه : في مفرق أربعة طرق .

و أقام‏ المنادين ينادى : ألا و من أراد أن يرى الطيب بن الطيب موسى بن جعفر عليه السلام ، فليخرج .

و حضر الخلق : و غسل و حنط بحنوط فاخر ، و كفنه بكفن فيه حبرة استعملت له بألفين‏ و خمسمائة دينار ، عليها القرآن كله ، و احتفى و مشى في جنازته متسلبا مشقوق الجيب إلى مقابر قريش .

فدفنه عليه السلام : هناك ، و كتب‏ بخبره إلى الرشيد .

فكتب الرشيد : إلى سليمان بن أبي جعفر ، وصلتك رحم يا عم ، و أحسن الله جزاك ، و الله ما فعل السندي بن شاهك لعنه الله تعالى ما فعله عن أمرنا.

عيون أخبار الرضا عليه السلام ج1ص100ب7ح5 .

فسلام الله وصلاته : على سيدي ومولاي الإمام أبو الحسن موسى بن جعفر الكاظم ورحمة الله وبركاته ، وأسأله الله أن يعلمنا هداه وآله ، ويجعلنا مخلصين له الدين بتعاليمهم ، ويجعلنا معهم في الدنيا والآخرة ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .

ويا طيب : توجد أحاديث أخرى في خبر تفاصيل سجنه واحتجاجه عليه السلام مع طاغية زمانه ، كما سيأتي حديث العقل وحقائقه النورانية وجنود في آخر الكراس ، نكتفي بهذا المختصر ، ونشرع في شرح الأشطر الأخرى للأبوذية .

شعر في شهادة الإمام :

رحم الله القاضي‏ إذ قال :

و هارونكم أردى بغير جريرة _ نجوم تقى مثل النجوم الكواكب‏

و مأمونكم سم الرضا بعد بيعة _ فأدت له شم الجبال الرواسب‏

أ تقتل يا ابن الشفيع المطاع‏ _ و يا ابن المصابيح و ابن الغرر

و يا ابن الشريعة و ابن الكتاب‏ _ و يا ابن الرواية و ابن الأثر

مناسب ليست بمجهولة _ ببدو البلاد و لا بالحضر

مهذبة من جميع الجهات‏ _ و من كل شائبة أو كدر

ربيع اليتامى و الأرامل كلهم‏ _ مداريس للقرآن في كل سحرة

مصابيح أعلام نجوم هداية _ مراجيح أحلام لقوا كل كربة

و أعلام دين المصطفى و ولاته‏ _ و أصحاب قرآن و حج و عمرة

أ آل رسول الله صبرا على الذي‏ _ أضيم به فالصبر أوثق عروة

عن ابن سنان‏ قلت للرضا عليه السلام : ما لمن زار أباك ؟

قال : له الجنة ، فزره.

وعن زكريا بن آدم عن الرضا : أن الله نجا بغداد بمكان قبر أبي الحسن.

و قال عليه السلام :

وَ قَبْرُ بَغْدَادَ لِنَفْسٍ زَكِيَّةٍ _ تَضَمَّنَهَا الرَّحْمَنُ بِالْغُرُفَاتِ‏

وَ قَبْرٌ بِطُوسٍ يَا لَهَا مِنْ مُصِيبَةٍ _ أَلَحَّتْ عَلَى الْأَحْشَاءِ بِالزَّفَرَاتِ.

ورحم الله أبو الحسن المعاذ إذ قال :

زر بغداد موسى بن جعفر _ قبر موسى مديحه ليس ينكر

هو باب إلى المهيمن تقضى‏ _ منه حاجاتنا و تحبى و تجبر

هو حصني و عدتي و غياثي‏ _ و ملاذي و موئلي يوم أحشر

صائم القيظ كاظم الغيظ في الله‏ _ مصفى به الكبائر تغفر

كم مريض وافى إليه فعافاه‏ _ و أعمى أتاه صح و أبصر-

ورحم الله الناشيئ إذ قال :

ببغداد و إن ملئت قصورا _ قبور أغشت الآفاق نورا

ضريح السابع المعصوم موسى‏ _ إمام يحتوي مجدا و خيرا

بأكناف المقابر من قريش _ له جدث غدا بهجا نضيرا

و قبر محمد في ظهر موسى _ يغشى نور بهجته الحضورا

هما بحران من علم و حلم‏ _ تجاوز في نفاستها البحورا

إذا غارت جواهر كل بحر _ فجوهرها ينزه أن يغورا

يلوح على السواحل من بغاة _ تحصل كفه الدر الخطيرا

مناقب آل أبي طالب عليهم السلام لابن شهرآشوب ج4ص330 .

*****

وَنوّر الطيبين بالآداب والدعاء والعبودية كنبي الله موسى

معنى موسى واشتقاق اسمه :

مُوسَى‏ : و مُوسَى‏ بنُ عِمْرَانَ‏ بنِ قاهِث ، من وَلَدِ لاوِي بنِ يَعْقُوب، كَلِيمُ اللَّه و رَسُولُه عليه السلام ، نبي الله المرسل من أولي العزم الخمسة وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم وسلم ، وأكثر نبي ذكر أسمه في القرآن الكريم ، وذكرت له قصص كثيرة مع قومه وخلافهم له وما جرعوه من الغصص ، فضلا عن طاغية زمانه .

وفي الرواية ‏: مُوسَى سُمِّيَ بِذَلِكَ ، لِأَنَّهُ الْتُقِطَ مِنْ بَيْنِ الْمَاءِ وَ الشَّجَرِ. و الماء بلغة القبط اسمه : مور ، و الشجر: سا ، فركبا و جعلا اسما لموسى عليه السلام لأدنى ملابسة.

وذكر : إن مُوسَى‏ عليه السلام ولد بمصر زمن فرعون ملك العمالقة، ومَاتَ فِي التِّيهِ ، و كان عمره مائتين و أربعين سنة، و قيل مائة و عشرين، و كانت بينه و بين إبراهيم عليه السلام خمسمائة عام ، و بينه و بين آدم عليه السلام ثلاثة آلاف و سبعمائة و ثمان عشرة سنة و بين وفاته و بين الهجرة ألفان و ثلاثمائة و سبع و أربعون سنة ، و فتح يوشع وصيه المدينة بعده ، و كان يوشع ابن أخت موسى و النبي في قومه بعده ، لأن أخوه هارون توفي قبله .

ويا طيب : عرفنا بعض من تعاليم الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام ، وسيأتي حديث كريم في تعريف العقل وحقيقته النوارنية وفضل آدابه وأنه به يعبد الله ، ويصطفى العقلاء ، وبه نعرف كرامة الإمام الكاظم عليه السلام وعلو درجة وقيمة معارفه العظيمة الكريمة التي تنورنا بكل ما يوصلنا لرضا الله ونعيمه ، ونذكر هنا قسم من شأن نبي الله المرسل موسى بن عمران عليه السلام وهداه مختصرا:

آيات في فضل نبي الله موسى والتوراة :

قال الله تعالى: { وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53) }البقرة .

{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5) } إبراهيم .

{ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا (51)

وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (مريم52)

وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا (53) } مريم .

{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاء وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ (48) }الأنبياء .

عن أبي عبد الله عليه السلام قال : أوحى الله إلى موسى بن عمران عليه السلام ، أ تدري يا موسى لم انتجبتك من خلقي و اصطفيتك لكلامي ؟

فقال : لا يا رب .

فأوحى الله إليه : إني اطلعت إلى الأرض فلم أجد عليها أشد تواضعا لي منك ، فخر موسى ساجدا و عفر خديه في التراب تذللا منه لربه عز وجل .

فأوحى الله إليه : ارفع رأسك يا موسى ، و أمر يدك في موضع سجودك ، و امسح بها وجهك و ما نالته من بدنك‏ ، فإنه أمان من كل سقم و داء و آفة و عاهة .

بحار الأنوار ج13ص7ح1 .

و قال رسول الله صلى الله عليه وآله :‏ إن موسى‏ بن عمران سأل ربه ، و رفع يديه فقال يا رب أ بعيد أنت فأناديك أم قريب فأناجيك- فأوحى الله تعالى إليه يا موسى‏ أنا جليس من ذكرني.

صحيفة الإمام الرضا عليه السلام ص48 ح31 .

ويا طيب : الأحاديث والقصص عن علو قدرة كثيرة نكتفي بهذا ، وتجدها في كتب قصص الأنبياء .

قصة حياة نبي الله موسى:

ويا طيب : بعد أن عرفنا بعض من معارف نبي الله المرسل موسى بن عمران عليه السلام ، نذكر بعض ما يبين تأريخ حياته الكريمة ، ويراجع لمعرفة تمامها في كتب قصص الأنبياء عليهم السلام ، وتأتي آيات عن طغيان حاكم زمانه فرعون وطغيان بعض قومه عليه بعد نجاتهم في شرح ما تبقى من الأبوذية ، وأما الأحاديث فهي :

قال الصدوق رحمه الله بسنده : عن محمد الحلبي ، عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال :

إن يوسف بن يعقوب عليه السلام : حين حضرته الوفاة جمع آل يعقوب و هم ثمانون رجلا فقال إن هؤلاء القبط سيظهرون‏ عليكم و يسومونكم سوء العذاب ، و إنما ينجيكم الله من أيديهم برجل من ولد لاوى بن يعقوب اسمه موسى بن عمران ، غلام طوال (طويل ) جعد آدم ، فجعل الرجل من بني إسرائيل يسمي ابنه عمران ، و يسمي عمران ابنه موسى.

وعن أبي بصير عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال :

ما خرج موسى عليه السلام : حتى خرج قبله خمسون كذابا من بني إسرائيل ، كلهم يدعي أنه موسى بن عمران ، فبلغ فرعون أنهم يرجفون به و يطلبون هذا الغلام.

و قال له كهنته و سحرته : إن هلاك دينك و قومك على يدي هذا الغلام الذي يولد العام من بني إسرائيل ، فوضع القوابل على النساء .

و قال : لا يولد العام ولد إلا ذبح ، و وضع على أم موسى قابلة ، فلما رأى ذلك بنو إسرائيل ، قالوا : إذا ذبح الغلمان و استحيي النساء هلكنا، فلم نبق .

فتعالوا : لا نقرب النساء .

فقال عمران أبو موسى عليه السلام : بل باشروهن ، فإن أمر الله واقع و لو كره المشركون ، اللهم من حرمه فإني لا أحرمه ، و من تركه فإني لا أتركه ، و وقع على أم موسى‏ ، فحملت فوضع على أم موسى قابلة تحرسها ، فإذا قامت قامت ، و إذا قعدت قعدت ، فلما حملته أمه وقعت عليها المحبة ، و كذلك حجج الله على خلقه .

فقالت لها القابلة : ما لك يا بنية تصفرين و تذوبين ؟

قالت : لا تلوميني ، فإني إذا ولدت أخذ ولدي فذبح .

قالت : لا تحزني ، فإني سوف أكتم عليك ، فلم تصدقها ، فلما أن ولدت التفتت إليها و هي مقبلة ، فقالت : ما شاء الله ، فقالت لها : أ لم أقل إني سوف أكتم عليك ، ثم حملته فأدخلته المخدع‏ و أصلحت أمره ، ثم خرجت إلى الحرس ، فقالت : انصرفوا ، و كانوا على الباب ، فإنما خرج دم منقطع ، فانصرفوا .

فأرضعته : فلما خافت عليه الصوت ، أوحى الله إليها أن اعملي التابوت ، ثم اجعليه فيه ، ثم أخرجيه ليلا فاطرحيه في نيل مصر ، فوضعته في التابوت ثم دفعته في اليم فجعل يرجع إليها و جعلت تدفعه في الغمر ، و إن الريح ضربته فانطلقت به .

فلما رأته : قد ذهب به الماء ، همت أن تصيح ، فربط الله على قلبها .

قال : و كانت المرأة الصالحة امرأة فرعون ، و هي من بني إسرائيل .

قالت لفرعون : إنها أيام الربيع ، فأخرجني و اضرب لي قبة على شط النيل حتى أتنزه هذه الأيام ، فضربت لها قبة على شط النيل ، إذ أقبل التابوت يريدها .

فقالت : هل ترون ما أرى على الماء ؟

قالوا : إي و الله يا سيدتنا ، إنا لنرى شيئا ، فلما دنا منها ثارت إلى الماء فتناولته بيدها ، و كاد الماء يغمرها حتى تصايحوا عليها فجذبته و أخرجته من الماء ، فأخذته فوضعته في حجرها ، فإذا هو غلام أجمل الناس و أسترهم .

فوقعت عليه : منها محبة ، فوضعته في حجرها .

و قالت : هذا ابني .

فقالوا : إي و الله يا سيدتنا ، و الله ما لك ولد و لا للملك ، فاتخذي هذا ولدا .

فقامت إلى فرعون و قالت : إني أصبت غلاما طيبا حلوا نتخذه ولدا فيكون قرة عين لي و لك فلا تقتله .

قال : و من أين هذا الغلام ؟

قالت : و الله ما أدري ، إلا أن الماء جاء به فلم تزل به حتى رضي .

فلما سمع الناس : أن الملك قد تبنى ابنا ، لم يبق أحد من رءوس من كان مع فرعون إلا بعث إليه امرأته لتكون له ظئرا أو تحضنه ، فأبى أن يأخذ من امرأة منهن ثديا .

قالت امرأة فرعون : اطلبوا لابني ظئرا و لا تحقروا أحدا ، فجعل لا يقبل من امرأة منهن .

فقالت أم موسى‏ : لأخته قصيه‏، انظري أ ترين له أثرا ، فانطلقت حتى أتت باب الملك ، فقالت : قد بلغني أنكم تطلبون ظئرا و هاهنا امرأة صالحة تأخذ ولدكم و تكفله لكم .

فقالت : أدخلوها ، فلما دخلت .

قالت لها امرأة فرعون : ممن أنت ؟

قالت : من بني إسرائيل .

قالت : اذهبي يا بنية فليس لنا فيك حاجة ، فقلن لها النساء انظري عافاك الله يقبل أو لا يقبل .

فقالت امرأة فرعون : أ رأيتم لو قبل هل يرضى فرعون أن يكون الغلام من بني إسرائيل ، والمرأة من بني إسرائيل يعني الظئر ، فلا يرضى ، قلن فانظري يقبل أو لا يقبل .

قالت امرأة فرعون : فاذهبي فادعيها ، فجاءت إلى أمها و قالت : إن امرأة الملك تدعوك ، فدخلت عليها .

فدفع إليها موسى عليه السلام : فوضعته في حجرها ، ثم ألقمته ثديها ، فازدحم اللبن في حلقه ، فلما رأت امرأة فرعون أن ابنها قد قبل .

قامت إلى فرعون فقالت : إني قد أصبت لابني ظئرا و قد قبل منها .

فقال : ممن هي ؟ قالت : من بني إسرائيل . قال فرعون : هذا مما لا يكون أبدا ، الغلام من بني إسرائيل ، و الظئر من بني إسرائيل ، فلم تزل تكلمه فيه ، و تقول : ما تخاف من هذا الغلام إنما هو ابنك ينشأ في حجرك ، حتى قلبته عن رأيه و رضي .

فنشأ موسى عليه السلام : في آل فرعون ، و كتمت أمه خبره و أخته و القابلة حتى هلكت أمه و القابلة التي قبلته ، فنشأ عليه السلام لا يعلم به بنو إسرائيل .

قال : و كانت بنو إسرائيل تطلبه ، و تسأل عنه فيعمى عليهم خبره .

قال : فبلغ فرعون أنهم يطلبونه و يسألون عنه ، فأرسل إليهم ، فزاد في العذاب عليهم ، و فرق بينهم ، و نهاهم عن الإخبار به و السؤال عنه .

قال : فخرجت بنو إسرائيل ذات ليلة مقمرة إلى شيخ لهم عنده علم ، فقالوا : قد كنا نستريح إلى الأحاديث ، فحتى متى و إلى متى نحن في هذا البلاء ؟

قال : و الله إنكم لا تزالون فيه ، حتى يجيء الله تعالى ذكره بغلام من ولد لاوى بن يعقوب ، اسمه موسى بن عمران ، غلام طوال جعد .

فبينما هم كذلك : إذ أقبل موسى يسير على بغلة حتى وقف عليهم ، فرفع الشيخ‏ رأسه فعرفه بالصفة ، فقال له : ما اسمك يرحمك الله ؟

قال : موسى ، قال : ابن من ؟

قال : ابن عمران .

قال : فوثب إليه الشيخ فأخذ بيده فقبلها ، و ثاروا إلى رجله فقبلوها ، فعرفهم و عرفوه ، و اتخذ شيعة ، فمكث بعد ذلك ما شاء الله .

ثم خرج : فدخل مدينة لفرعون فيها رجل من شيعته يقاتل رجلا من آل فرعون من القبط ، فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه القبطي ، فوكزه موسى فقضى عليه ، و كان موسى عليه السلام ، قد أعطي بسطة في الجسم و شدة في البطش ، فذكره الناس و شاع أمره .

و قالوا : إن موسى قتل رجلا من آل فرعون‏ ، فأصبح في المدينة خائفا يترقب‏ ، فلما أصبحوا من الغد إذا الرجل‏ الذي استنصره بالأمس يستصرخه‏ على آخر ، فقال له موسى‏ : إنك لغوي مبين‏ ، بالأمس رجل و اليوم رجل‏ ، فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما ، قال يا موسى‏ : أ تريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس ، إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض و ما تريد أن تكون من المصلحين .

و جاء رجل : من أقصى المدينة يسعى‏ ، قال : يا موسى‏ إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين ، فخرج منها خائفا يترقب‏ .

فخرج من مصر : بغير ظهر و لا دابة و لا خادم ، تخفضه أرض و ترفعه أخرى ، حتى انتهى إلى أرض مدين ، فانتهى إلى أصل شجرة فنزل ، فإذا تحتها بئر و إذا عندها أمة من الناس يسقون .

و إذا جاريتان : ضعيفتان ، و إذا معهما غنيمة لهما ، قال : ما خطبكما ، قالتا أبونا شيخ كبير و نحن جاريتان ضعيفتان لا نقدر أن نزاحم الرجال ، فإذا سقى الناس سقينا ، فرحمهما موسى عليه السلام ، فأخذ دلوهما ، و قال لهما : قدما غنمكما فسقى لهما ثم رجعتا بكرة قبل الناس .

ثم تولى موسى عليه السلام : إلى الشجرة فجلس تحتها ، فقال : رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ، فروي أنه قال ذلك : و هو محتاج إلى شق تمرة .

فلما رجعتا : إلى أبيهما ، قال : ما أعجلكما في هذه الساعة ؟ قالتا : وجدنا رجلا صالحا رحمنا فسقى لنا ، فقال لإحداهما : اذهبي فادعيه لي ، فجاءته‏ تمشي‏ على استحياء ، قالت : إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا .

فروي أن موسى عليه السلام قال لها : وجهيني إلى الطريق و امشي خلفي ، فإنا بنو يعقوب لا ننظر في أعجاز النساء ، فلما جاءه و قص عليه القصص ، قال : لا تخف نجوت من القوم الظالمين‏ .

قالت إحداهما : يا أبت استأجره‏ إن خير من استأجرت القوي الأمين .

قال : إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على‏ أن تأجرني ثماني حجج ، فإن أتممت عشرا فمن عندك‏.

فروي‏ : أنه قضى أتمهما ، لأن الأنبياء لا يأخذون إلا بالفضل و التمام‏ ، فلما قضى‏ موسى الأجل و سار بأهله‏ نحو بيت المقدس ، أخطأ عن الطريق ليلا ، فرأى نارا ، فقال لأهله : امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس‏ أو بخبر من الطريق ، فلما انتهى إلى النار إذا شجرة تضطرم‏ من أسفلها إلى أعلاها ، فلما دنا منها تأخرت عنه ، فرجع و أوجس‏ في نفسه خيفة ، ثم دنت منه الشجرة .

فنودي‏ : من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة ، أن يا موسى‏ إني أنا الله رب العالمين ، و أن ألق عصاك ، فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا و لم يعقب‏ ، فإذا حية مثل الجذع ، لأسنانها صرير يخرج منها مثل لهب النار ، فولى موسى مدبرا .

فقال له ربه عز و جل : ارجع ، فرجع و هو يرتعد و ركبتاه تصطكان .

فقال : يا إلهي هذا الكلام الذي أسمع كلامك ؟

قال : نعم ، فلا تخف ، فوقع عليه الأمان فوضع رجله على ذنبها ثم تناول لحييها ، فإذا يده في شعبة العصا قد عادت عصا.

و قيل له‏ : فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى‏.

فروي‏ : أنه أمر بخلعهما ، لأنهما كانتا من جلد حمار ميت ..

و روي‏ في قوله عز و جل‏ : فاخلع نعليك‏ ، أي خوفيك خوفك من ضياع أهلك ، وخوفك من فرعون، ثم أرسله الله عز و جل إلى فرعون و ملئه بآيتين بيده و العصا ..

فروي عن الصادق عليه السلام : أنه قال لبعض أصحابه‏ : كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو ، فإن موسى‏ بن عمران عليه السلام خرج ليقتبس لأهله نارا ، فرجع إليهم و هو رسول نبي ، فأصلح الله تبارك و تعالى أمر عبده و نبيه موسى عليه السلام في ليلة ، و هكذا يفعل الله تبارك و تعالى بالقائم الثاني عشر من الأئمة عليهم السلام يصلح له أمره في ليلة ،كما أصلح أمر نبيه موسى عليه السلام ، و يخرجه من الحيرة و الغيبة إلى نور الفرج و الظهور.

كمال الدين و تمام النعمة ج‏1ص147 ب6ح13 .

و عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول‏ : في القائم عليه السلام سنة من موسى بن عمران عليه السلام ، فقلت : و ما سنته من موسى بن عمران ؟ قال : خفاء مولده و غيبته عن قومه .

فقلت : و كم غاب موسى عن أهله و قومه ، فقال ثمان‏ و عشرين سنة.

كمال الدين و تمام النعمة ج‏1ص152 ب6ح14 .

يا طيب : وسيأتي بعض البيان لسيرته مع فرعون وقومه في البيان الآتي لشرح الأبوذية ، وكيف أبتلي بفرعون طاغية زمانه وقومه ، كما أبتلي سميه الإمام موسى بن جعفر عليه السلام .

ومن أقتدى به توجه لله تعالى ونظف ذنوبه كحلق موسى
وخلص من آثامه ومن وطغيانه ومن الهارونية والفرعونية

معنى موسى والحلق الحقيقي والديني :

موسى آله حادة للحلق :

مُوسَى ‏: من آلة الحديد فُعْلَى ، المَوْسُ‏ بالفَتْح حَلْقُ الشَّعرِ وبالخصوص حَلْقُ الرَّأَسِ، و المَوْس‏ تأْسيس اسم‏ المُوسَى‏ الذي يحلق به ، أَوْسَيْتُ رأْسه إِذا حلقته بالمُوسَى والجمع‏ مَواسِي‏ .

ويا طيب : عرفت أن اشتقاق موسى للإمام الكاظم موسى بن جعفر عليه السلام ، على اسم نبي الله موسى بن عمران وإن ، وإن موسى بن عمران مشتق كما في الرواية ‏: مُوسَى سُمِّيَ بِذَلِكَ ، لِأَنَّهُ الْتُقِطَ مِنْ بَيْنِ الْمَاءِ وَ الشَّجَرِ. و الماء بلغة القبط اسمه : مور ، و الشجر: سا ، فركبا و جعلا اسما لموسى عليه السلام لأدنى ملابسة.

في اللغة : موسى يسمى موس ، ويكثر استعماله لكلما يزيل الشعر وغيره ، ويقال كحلق الموسى والآن يسمى موس للتخفيف ، ويستعمل ويستعار في تنظيف وحلق الذنوب أو حلق الحسنات والعياذ بالله ، وطاعة أهل البيت وأولي الأمر والتعلم منهم والعمل بمعارفهم ، هي التي تحلق الذنوب وتنظف الآثام ، بل وتبعد عن الطغيان والأخلاق الأموية والهارونية والفرعونية ، ولمعرفة هذا المعنى ، نذكر حديث جميل وفيه تعليم كريم في معنى الحق الحقيقي ثم في استعارته في آداب الدين :

عن الإمام الصادق قال : سمى رسول الله صلى الله عليه وآله حسنا و حسينا عليهما السلام ، يوم سابعهما ، و عق عنهما شاة شاة ، و بعثوا برجل شاة إلى القابلة ، و نظروا ما غيره فأكلوا منه ، و أهدوا إلى الجيران.

وَ حَلَقَتْ‏ فَاطِمَةُ عليها السلام : رُءُوسَهُمَا ، وَ تَصَدَّقَتْ بِوَزْنِ شَعْرِهِمَا فِضَّةً.

الكافي ج6ص33ح5 .

الحلق بأدب الدين :

ويا طيب : لمعرف معنى الحلق والحالقة والتصفية والتنظيف بآداب الدين ، لكم هذه الأحاديث الكريمة :

قال رسول الله صلى الله عليه وآله في خطبة : أ لا أخبركم بخير خلائق الدنيا و الآخرة ، العفو عمن ظلمكم ، و الإحسان إلى من أساء إليكم ، و إعطاء من حرمكم .

وَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله :

فِي التَّبَاغُضِ الْحَالِقَةُ : لَا أَعْنِي حَالِقَةَ الشَّعْرِ ، وَ لَكِنْ أَعْنِي حَالِقَةَ الدِّينِ.

كتاب سليم بن قيس الهلالي ج‏2ص925.

وقال أمير المؤمنين عليه السلام : ... ثم إني أوصيك يا حسن و جميع ولدي و أهل بيتي و من بلغه كتابي من المؤمنين ، بتقوى الله ربكم ، فلا تموتن إلا و أنتم مسلمون‏ ... و اعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا .

فإني سمعت : رسول الله صلى الله عليه و آله يقول :

صلاح : ذات البين ، أفضل من عامة الصلاة و الصوم .

وَ إِنَّ الْبِغْضَةَ : حَالِقَةُ الدِّينِ ، وَ فَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ ، وَ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ‏.

انظروا : ذوي أرحامكم فصلوهم ، يهون الله عليكم الحساب‏ ....

كتاب سليم بن قيس الهلالي ج‏2ص925.

ويا طيب : أجمل ما ذكر للمقتدي بآل محمد بأنه يصفى ويحلق ذنوبه قول الإمام الكاظم عليه السلام ، عن الإمام محمد الجواد بن علي الرضا عن أبيه عليه السلام .

قال : دخل موسى بن جعفر عليه السلام ، على رجل قد غرق في سكرات الموت و هو لا يجيب داعيا ، فقالوا له : يا ابن رسول الله وددنا لو عرفنا كيف الموت و كيف حال صاحبنا ؟

فقال عليه السلام : الْمَوْتُ هُوَ الْمِصْفَاةُ يُصَفِّي الْمُؤْمِنِينَ مِنْ ذُنُوبِهِمْ ، فَيَكُونُ آخِرُ أَلَمٍ يُصِيبُهُمْ كَفَّارَةَ آخِرِ وِزْرٍ بَقِيَ عَلَيْهِمْ ، و يصفي الكافرين من حسناتهم فيكون آخر لذة أو راحة تلحقهم و هو آخر ثواب حسنة تكون لهم .

وَ أَمَّا صَاحِبُكُمْ هَذَا : فَقَدْ نُخِلَ مِنَ الذُّنُوبِ نَخْلًا ، وَ صُفِّيَ مِنَ الْآثَامِ‏ تَصْفِيَةً ، وَ خُلِّصَ حَتَّى نُقِّيَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ مِنَ الْوَسَخِ ، وَ صَلُحَ لِمُعَاشَرَتِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فِي دَارِنَا دَارِ الْأَبَدِ.

معاني الأخبار ص289 ح6 .

و عن موسى بن بكر قال : كنا عند أبي عبد الله عليه السلام ، فقال رجل في المجلس : أسأل الله الجنة ؟

فقال أبو عبد الله عليه السلام : أَنْتُمْ‏ فِي‏ الْجَنَّةِ ، فاسألوا الله أن لا يخرجكم منها .

فقلنا : جعلنا فداك نحن في الدنيا ؟

فَقَالَ : أَ لَسْتُمْ تُقِرُّونَ بِإِمَامَتِنَا ؟ قالوا : نعم .

فقالَ : هَذَا مَعْنَى الْجَنَّةِ الذي من أقر به كان في الجنة ، فاسألوا الله أن لا يسلبكم .

المحاسن ج1ص161ب29ح105 .

معنى آثامه :

آثامه : الإِثْمُ‏: الذَّنْبُ ، أَثَمَه‏ الله‏ يَأْثِمُه‏ إِثْماً و أَثاماً إِذا جازاه جزاء الإِثْم‏، فالعبد مأْثومٌ‏ أَي مجزيّ جزاء إثْمه‏ ، و هو قد عمَل ما لا يَحِلُّ له . ومن يتبع النبي وآله الطيبين الطاهرين يتعلم وعمل بهدى حق ، ويخلص من كل الأخلاق الردية ، وقد شرحنا في أبو ذية الكاظم عليه السلام مع كظم الغيظ والأخلاق الفاضلة ، وأنه لا بغي عندهم ولا أثم بل جدال بالحسنى ودعوة للحق وكظم غيظ وعفو وإحسان ، لأنهم يعلمون ويعملون بما أمر الله ، وأعدائهم يعلمون و يعملون بما خالف هدى الله الحق ، والله تعالى قال :

{ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ

وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (33) } الأعراف .

والبغي والآثام : هي من الأعمال الفراعنة والهارونية والأموية وأتباعهم ومن مهد لهم وجرأهم على ظلم آل محمد عليهم السلام .

وقال الله تعالى : وقال الله تعالى : في وصف الجنة وأنها لا يوجد فيها حرام ولا يمكن عمله :

{ يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَّا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ (23) } الطور .

والمؤمن : في الجنة لا يلغو ولا يأثم ، لأنه يتخلق بأخلاق أهل البيت عليهم السلام ويقتدي بهم ، كما عرفت في حديث سابق ولا يخرج من الجنة للفرعونية والجاهلية .

وقال الإمام علي عليه السلام في حديث الأربعمائة : ... وَ لَا تَسْتَصْغِرُوا : قَلِيلَ الْآثَامِ‏ ، فإن الصغير يحصى و يرجع إلى الكبير ، و أطيلوا السجود فما من عمل أشد على إبليس من أن يرى ابن آدم ساجدا لأنه أمر بالسجود فعصى و هذا أمر بالسجود فأطاع فنجا ....الخصال ج2ص616 .

معنى الطغيان وقصصه :

طغيانه : الطُّغْيَانِ تجاوز الحد ،ويطلق على الْكَافِرِ و الشَّيْطَانِ و الْأَصْنَامِ و على كل رئيس في الضلالة و على كل من عبد من دون الله ، وعلى كل باغي شديد الظلم ، وقال : { وَاللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ

وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257) } البقرة .

قوله تعالى: { أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8)‏}الرحمن، أي لا تتجاوزوا القدر والعدل.

وفي الحديث : مَنْ رَفَعَ رَايَةَ ضَلَالَةٍ فَصَاحِبُهَا طَاغُوتٌ ‏.

وفي الدعاء : وَ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ بَاغٍ وَ طَاغٍ . أي متجاوز للحد والعدل بطغيانه .

وفي طغيان فرعون وقوم موسى عليه السلام :

قوله تعالى : { إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16)

اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19) فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى (20) فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى (26) } النازعات . وستأتي بعض آيات طغيانه .

هارون الطغيان :

وطغى : أي علا و تكبر و كفر بالله و تجاوز الحد في الاستعلاء و التمرد و الفساد ، وأقام الله عليه الحجة وأنذره ولكنه تمادى في طغيانه ، فأخذه الله بنكال الدنيا والآخرة ، والله حكى قصص موسى عليه السلام مع طاغية زمانه بكثير من الآيات وبعدة أحوال ومواقف وأسلوب وبيان ، لما فيه من العبرة والموعظة لمن يتعظ فلا يطغى على الهدى الحق وأهله المنعم عليهم بصراط الله المستقيم .

وكما أخذ الله هارون العباسي: ودفن في بقعة يلعن فيها لطغيانه على الإمام الكاظم عليه السلام كما عرفت ، وفي نفس البقة والقبة دفن فيها الرضا علي بن موسى بن جعفر والآن قبته تناطح السماء ويزار ويقدر ويصلى ويسلم عليه وعلى آباءه عليهم السلام ، ويلعن من عاداهم وآذاهم ومن خالفهم ودعا لخلافه .

ورحم الله دعبل بن علي الخزاعي إذ قال: جاءني خبر موت الرضا عليه السلام ، و أنا مقيم بقم ، فقلت القصيدة الرائية :

أرى أمية معذورين إن قتلوا __ و لا أرى لبني العباس من عذر

أولاد حرب و مروان و أسرتهم __ بنو معيط ولاة الحقد و الوغر

قوم قتلتم على الإسلام أولهم __ حتى إذا استمكنوا جازوا على الكفر

ارْبَعْ بِطُوسَ عَلَى قَبْرِ الزَّكِيِّ بِهِ __ إِنْ كُنْتَ تَرْبَعُ مِنْ دِينٍ عَلَى وَطَرٍ

قَبْرَانِ‏ فِي‏ طُوسَ خَيْرُ النَّاسِ كُلِّهِمْ‏ __ وَ قَبْرُ شَرِّهِمْ هَذَا مِنَ الْعِبَرِ

مَا يَنْفَعُ الرِّجْسُ مِنْ قُرْبِ الزَّكِيِّ وَ لَا __ عَلَى الزَّكِيِّ بِقُرْبِ الرِّجْسِ مِنْ ضَرَرٍ

هيهات كل امرئ رهن بما كسبت __ له يداه فخذ ما شئت أو فذر

الأمالي للصدوق ص660م94ح16 .

هارون العدل هارون الطغيان :

ويا طيب : لكي لا يشتبه الأمر حين ذكر الأخلاق الهارونية ، والمقصود بها هارون البليد والمسمى عندهم بالرشيد الحاكم العباسي ، وهو قاتل الإمام الكاظم موسى بن جعفر عليه السلام ، كما أن هارون اسم نبي وهو أخو موسى عليه السلام اسمه هارون عليه السلام ، وهارون وصي موسى وخليفته في قومه في قصة الطور والألواح وهجر القوم له وعبادته للعجل بل مادام حيا ، كما أن جعل الله تعالى الإمام علي من النبي محمد صلى الله عليه وآله بمنزل هارون موسى إلا النبوة لأنها قد ختمت .

فهارون : الحاكم العباسي طاغية ، وله تنسب الأخلاق الهارونية ، وهارون أخ موسى عليه السلام وهارون أخ النبي محمد عليه السلام وخليفته ووصيه هو الذي تنسب الأخلاق الإيمانية ، كما أن موسى بن جعفر سمي موسى بن عمران عليهم الصلاة والسلام ، ولكي يتضح هذا المعنى نذكر آيات وأحاديث :

عن مقاتل بن سليمان عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي بن أبي طالب عليه السلام :

يَا عَلِيُّ : أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هِبَةِ اللَّهِ مِنْ آدَمَ ، وَ بِمَنْزِلَةِ سَامٍ مِنْ نُوحٍ ، وَ بِمَنْزِلَةِ إِسْحَاقَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ ، وَ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ‏ مِنْ‏ مُوسَى‏ ، وَ بِمَنْزِلَةِ شَمْعُونَ مِنْ عِيسَى ، إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي .

يا علي : أنت وصيي و خليفتي ، فمن جحد وصيتك و خلافتك فليس مني و لست منه و أنا خصمه يوم القيامة .

يا علي : أنت أفضل أمتي فضلا و أقدمهم سلما ، و أكثرهم علما و أوفرهم حلما و أشجعهم قلبا و أسخاهم كفا .

يا علي : أنت الإمام بعدي و الأمير ، و أنت الصاحب بعدي و الوزير، وما لك في أمتي من نظير .

يا علي : أنت قسيم الجنة و النار ، بمحبتك يعرف الأبرار من الفجار ، و يميز بين الأشرار و الأخيار ، و بين المؤمنين و الكفار.

الأمالي للصدوق ص46 مجلس 11 ح4 .

وقال سيد المرسلين صلى الله عليه وآله : .... يا علي‏ : إنك ستلقى بعدي من قريش شدة من تظاهرهم عليك و ظلمهم لك ، فإن وجدت أعوانا عليهم‏ فجاهدهم و قاتل من خالفك بمن وافقك ، فإن لم تجد أعوانا فاصبر و كف يدك و لا تلق بيدك‏ إلى التهلكة .

فَإِنَّكَ مِنِّي : بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ‏ مِنْ‏ مُوسَى‏ ، وَ لَكَ بِهَارُونَ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ، إِنَّهُ قَالَ لِأَخِيهِ مُوسَى‏ { إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَ كادُوا يَقْتُلُونَنِي‏ } .... .

كتاب سليم بن قيس الهلالي ج2ص568ح1 .

يا طيب : ضع الآية أعلى في بالك ، وقبل أن نذكر قصة هارون أخ موسى ، نذكر لطيفة في التشبيه والتورية بين هارون العدل والإنصاف أمير المؤمنين بنبي الله هارون أخ موسى ، وهارون العباسي الطاغية لأحد الشيعية :

قال المرتضى قال الجاحظ : كان منصور النّمرىّ ينافق الرشيد و يذكر هارون في شعره ؛ و يريه أنّه من وجوه شيعته ، و باطنه و مراده بذلك أمير المؤمنين عليه السلام، لقول النبي صلى اللّه عليه و آله : « أنت منى بمنزلة هارون‏ من‏ موسى ‏» ....

و قال المرزبانىّ: و يصدّق قول الجاحظ أنّ النّمرىّ كان يذكر هارون فى شعره؛ و هو يعنى به أمير المؤمنين عليّا عليه السلام ما أنشدناه محمد بن الحسن بن دريد للنّمرىّ:

آل الرّسول خيار الناس كلّهم‏

و خير آل رسول اللّه هارون‏

رضيت حكمك لا أبغى به بدلا

لأنّ حكمك بالتّوفيق مقرون‏

وأن منصور النمري : كان دخل على هارون العباسي وقال الشعر عنده فعجبه وأبقاه عنه ، و لم يزل عنده يقول الشعر فيه حتى استأذنه في الانصراف فأذن له ؛ ثم اتصل بالرشيد قول منصور في دياره:

شاء من النّاس راتع هامل‏ __ يعلّلون النّفوس بالباطل‏

تقتل ذرّيّة النّبيّ و يرجو‏ __ ن خلود الجنان للقاتل‏

ما الشّكّ عندى فى كفر قاتله‏‏ __ لكنّنى قد أشكّ فى الخاذل‏

فامتعض الرشيد : و أنفذ من يقتله؛ فوجده فى بعض الروايات ميتا .

أمالي المرتضى ج2ص276 .

ويا طيب : المعروف بل هارون العباسي يعرف نفسه أنه كان قاتل موسى بن جعفر عليه السلام ، وأما طغيان قوم موسى النبي عليه السلام على هارون النبي عليه السلام فتدبر البحوث الآتية .

طغيان قوم موسى على هارون :

وقوله تعالى :{ قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي (86)

قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87)

فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89)

وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90)

قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91)

قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94) قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97) إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98)

كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا (99) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (100)} طه .

وقال الله تعالى : { وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ

قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151) إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152) } الأعراف .

و عن أبي سعيد الخدري، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله لعلي بن أبي طالب عليه السلام :

في غزوة تبوك : اخلفني في أهلي .

فقال علي : يا رسول الله ، إني أكره أن يقول العرب : خذل ابن عمه، و تخلف عنه .

فَقَالَ صلى الله عليه وآله: أَ مَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ‏ مِنْ‏ مُوسَى‏!

قَالَ عليه السلام : بَلَى .

قَالَ صلى الله عليه وآله : فَاخْلُفْنِي .

الأمالي للطوسي ص261م10ح475- 13 .

يا طيب : الروايات في هذا المعنى والنص كثيرة عند الطرفين ، تبين طغيان القوم على الوصي والخليفة أمير المؤمنين عليه السلام ، كما طغى قوم موسى على هارون عليه السلام ، بل أشد وأعتى وعلى كل الأوصياء كما عرفت على موسى بن جعفر عليه السلام .

آيات في طغيان قوم موسى:

ولا تطغوا : أي لا تتعدوا حدود الله ، وبني إسرائيل بعد ما عبروا لسيناء ، لم يقبلوا يحاربوا الطغاة وبقوا فيها وأخذوا يأذون موسى عليه السلام ، بل عبدوا العجل من غير الله ، وطغوا فوبخهم الله في كثير من الآيات ويحكي فيها طغيانهم ونذكر هذه الآيات لتعرف بعض حالهم ، قال الله تعالى :

قال الله تعالى : { وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (49)

وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ (50)

وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ (51)

ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُمِ مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52)

وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53)

وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ

فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54)

وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56)

وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57)

وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ (59)

وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60) وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ

وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (61) } البقرة .

يا طيب : هذا من الذكر لهم في سورة واحده ، وذكر قصصهم في القرآن الكريم كثيرة ، نكتفي بما ذكرنا ، ونكر بعض الآيات القرآنية في طغيان فرعون لنعرف بعض الأخلاق الفرعونية والهارونية فنهجرها ، ولا نتمرد على تعاليم المنعم عليهم بالصراط المستقيم ، ولنبتعد عن طريق المغضوب عليهم والضالين ، ومن عاند أئمة الهدى والدين الطيبين الطاهرين من الأولين والآخرين :

آيات في طغيان فرعون :

قال الله تعالى :

{ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (24) قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28)

وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا (35) قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (36) } طه .

{ تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلَىَ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101) وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102)

ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (الأعراف103)

وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (104) حَقِيقٌ عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ

فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ( 105) قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ (107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ (108)

قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ( 110) قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ( 112) وَجَاء السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْواْ إِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإَنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114) قَالُواْ يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ ( 115) قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ( 120)

قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122) قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) قَالُواْ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ ( 125) وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ ( 126)

وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127)

قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ( 129)

وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130)

فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (131) وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ( 132)

فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ (133) وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ (135)

فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ (136) وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ (137)

وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (139) } الأعراف .

يا طيب : إن فرعون طغى على موسى وهارون عليهم السلام ، وهكذا من خالف النبي في آله وفي خلافتهم ووصايتهم له ، وخير مثال ما عرفت من قصص هارون العباسي الطاغية وله ولفرعون تنسب الأخلاق الهارونية والفروعنية : وهي الطغيان على ولي الأمر وإمام زمانه ، والتجبر والتكبر على حجة الله في أرضه ، ولذا يقال تفرعن‏ : إذا تخلّق بأخلاق الفراعنة، و فرعون: لقب لمن ملك العمالقة، ككسرى، لملك الفرس و قيصر، لملك الروم. و لعتو الفراعنة اشتق منه تفرعن‏ إذا عتى و تجبر . و الفَرْعَنَةُ: الدَّهاءُ و النُّكْرُ و الكبرُ و التجبّرُ، وعرف طغيانهم على أئمة زمانهم ، وهكذا كل ملك تجبر على أئمة الحق من آل محمد في زمن أهل البيت فهو متفرعن وفرعون وله أخلاق فرعونية ، وبالخصوص الأوائل ممن غصب خلافة النبي ومهد للأمويين والعباسين وقتلهم لأهل البيت ومنعهم من بيان الحق .

وأسأل الله لكم ولي : أن يرينا الحق حقا فنتبعه ، والباطل باطل فنهجره ، ونسير بصراط مستقيم بهدى المنعم عليهم للنعيم الأبدي فنكون معهم صلى الله عليهم وسلم ، ولكم يا طيبين نور العقل والإيمان في حديث الإمام موسى الكاظم الذي قتله فرعون زمانه بعدما سجنه أربع سنوات ، لتعرف أنه ولي الله وينطق بالحكمة والصواب والهدى والإيمان وأنه ترجمان آيات الله وبرهان توحيده عبودية وعلما وعملا صلى الله عليه وآله وسلم .

الأبوذية موسى مختصرة ومشروحة :

رحم الله الشيخ حسن الأنباري إذ قال :

بين حدود العقل ابن جعفر موسى

و نورنا بعبودية الله كنبي الله موسى

ونضيف المقتدي به كحلق موسى

وخلص من طغيان آثامه الفرعونية

رحم الله الشيخ حسن الأنباري إذ قال :

علّم هدى الرب وبين حدود العقل إمامنا ابن جعفر موسى

و نور الطيبين بالآداب و الدعاء و العبودية كنبي الله موسى

و من أقتدى به توجه لله تعالى و نظف ذنوبه كحلق موسى

و خلص من آثامه ومن و طغيانه و من الهارونية والفرعونية

وصية الإمام الكاظم لهشام في العقل

تقديم :

تقديم : يا طيب : إن الله تعالى أكمل عقول نبينا محمد وآله وأمرنا بأتباعهم ، وهذا كتابه ينطق بالعلم والمعرفة والهدى والآداب ، ولا ترى لها ترجمان ومفسر وشارح ومؤول ومبين بحق ، مع البلاغة والمعرفة التامة الكاملة إلى في بيان النبي وآله الطيبين الطاهرين صلى الله عليهم وسلم ، ويشهد لهم كلامهم ويصدقهم من تدبر معارفهم ، ويؤمن بهم من عرف حديثهم ، فيرى أن الله لم يترك دينه هملا ولم يرضى بالاختلاف والتفسير بالرأي والقياس والاستحسان دون أن ينصب علما ووصيا وخليفة لرسول الله يعرف هداه الحق .

وهذه الوصية : وما يذكر فيها من بيان حدود العقل ، وما يجب أن يكون عليه من تصرف العقلاء وما يستبين به العاقل من غيره في هذا الحديث الشريف ، هو من أوسع وأكمل وأتم الأحاديث في هذا الباب ، ولا يوجد أتم منه ولا أكمل منه في بيان العقل وحدوده عند المسلمين فضلاً عن غيرهم .

حيث إن في هذا الحديث الشريف : بيان عظيم لمقام الإمامة والإمام والخليفة الحق لرسول الله ووصيه وما هم عليه من الكمال التام ونعيم الهداية الصادقة ، وفيه بيان ما وهبهم الله تعالى من النعم في البيان والسلوك والسيرة والصفات الذاتية العظيمة التي هي أهم وأفضل وأكمل نعم الله تعالى ، حيث أكمل عقولهم الله تعالى وأوجب على العباد أتباعهم ، وبين سبحانه أنهم هم المنعم عليهم بنعمة تمام العقل الذي بين حدوده وحقيقته وما يجب أن يكون عليه العقلاء وعباد الله المخلصين ، الإمام أبو الحسن الأول الإمام الكاظم موسى بن جعفر عليه الصلاة والسلام .

ولكون الله تعالى : أتم عقولهم أوجب علينا سلوك صراطهم المستقيم ، تدبر الحديث تعرف علو مقام نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، فتتيقن إنك على الحق في أتباعهم وأخذ تعاليم الله منهم ، وسيجعلك من المطمئنين في تعلم علومهم ونشرها والتذكير بها ، فإنها أفضل تعاليم الله التي أنزلها لهداية عباده على طول التأريخ .

وقد ذكر هذا الحديث : في الكافي وفي كتب أخرى تاما ومتفرقاً ، وقد جمع الشيخ الثقة الجليل الأقدم أبي محمد الحسن بن علي بن شعبة الحراني أحد علماء القرن الرابع الهجري في كتابه الموسوم ب ( تحف العقول فيما حاء عن آل الرسول ) فنقلنا منه حيث قال رحمه الله :

روي : عن الإمام الكاظم الأمين أبي إبراهيم ويكنى أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام في طول هذه المعاني التي جاءت في معاني الحكم البالغة والمواعظ الشافية:

نص الوصية :

وصيته عليه السلام لهشام وصفته للعقل(1) :

قال الإمام الكاظم موسى بن جعفر عليه السلام :

إن الله تبارك وتعالى : بشر أهل العقل والفهم في كتابه ، فقال :

{ فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ

وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} الزمر17ـ 18

يا هشام بن الحكم : إن الله عز وجل أكمل للناس الحجج بالعقول ، وأفضى إليهم بالبيان ، ودلهم على ربوبيته بالأدلاء ، فقال:

{وَ إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ ، إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ الْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَ تَصْرِيفِ الرِّياحِ وَ السَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } البقرة 160.

يا هشام : قد جعل الله عز وجل ذلك دليلا على معرفته بأن لهم مدبراً ، فقال :

{ وَ سَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ النُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } النحل 12 .

وقال : {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } الزخرف3 .

وقال : { وَ مِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } الروم24.

يا هشام : ثم وعظ أهل العقل ورغبهم في الآخرة فقال :

{ وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ لَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ }الانعام43 ، وقال : {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } القصص60 .

يا هشام : ثم خوف الذين لا يعقلون عذابه فقال عز وجل{ تَعَالَى ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ . وَ إِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ . وَ بِاللَّيْلِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ } الصافات138 .

يا هشام : ثم بين أن العقل مع العلم فقال :

{ وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَ ما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ }العنكبوت43 .

يا هشام : ثم ذم الذين لا يعقلون فقال :

{ وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَ وَ لَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَ لا يَهْتَدُونَ } البقرة166 ، {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ }الأنفال22 .

وقال : { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }لقمان25(2) .

ثم ذم الكثرة فقال :

{ وَ إِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } الأنعام117 ، وقال: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} الزمر49. { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ }غافر61 .

يا هشام : ثم مدح القلة فقال :

{ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ }سباء13 ، وقال : {وَقَلِيلٌ مَا هُمْ }ص24 .

وقال: { وَ ما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ }هود40 .

يا هشام : ثم ذكر أولي الألباب بأحسن الذكر ، وحلاهم بأحسن الحلية ، فقال : { يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَ ما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ } البقرة269 (4) .

يا هشام : إن الله يقول : { إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ }ق37 يعني العقل ، وقال : { وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ }لقمان 12 ، قال: الفهم والعقل .

يا هشام : إن لقمان قال لابنه : تواضع للحق تكن أعقل الناس(5) ، يا بني إن الدنيا بحر عميق قد غرق فيه عالم كثير ، فلتكن سفينتك فيها تقوى الله ، وحشوها الإيمان (6) ، وشراعها التوكل ، وقيمها العقل ، ودليلها العلم ، وسكانها الصبر.

يا هشام : لكل شيء دليل ، ودليل العاقل التفكر ، ودليل التفكر الصمت . ولكل شيء مطية ، ومطية العقل التواضع (7) ، وكفى بك جهلا أن تركب ما نهيت عنه .

يا هشام : لو كان في يدك جوزة ، وقال الناس : في يدك لؤلؤة ، ما كان ينفعك وأنت تعلم أنها جوزة ، ولو كان في يدك لؤلؤة ، وقال الناس: إنها جوزة ، ما ضرك وأنت تعلم أنها لؤلؤة .

يا هشام : ما بعث الله أنبيائه ورسله إلى عباده إلا ليعقلوا عن الله ، فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة لله ، وأعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلاً ، وأعقلهم (8) أرفعهم درجة في الدنيا والآخرة .

يا هشام : ما من عبد إلا وملك آخذ بناصيته ، فلا يتواضع إلا رفعه الله ، ولا يتعاظم إلا وضعه الله .

يا هشام : إن لله على الناس حجتين ، حجة ظاهرة ، وحجة باطنة ؛ فأما الظاهرة : فالرسل والأنبياء والأئمة ؛ وأما الباطنة : فالعقول .

يا هشام : إن العاقل الذي لا يشغل الحلال شكره ، ولا يغلب الحرام صبره .

يا هشام : من سلط ثلاثا على ثلاث فكأنما أعان هواه على هدم عقله ، من أظلم نور فكره(9) بطول أمله ، ومحا طرائف حكمته بفضول كلامه ، وأطفأ نور عبرته بشهوات نفسه ، فكأنما أعان هواه على هدم عقله ، ومن هدم عقله أفسد عليه دينه ودنياه .

يا هشام : كيف يزكو عند الله عملك ، وأنت قد شغلت عقلك عن أمر ربك ، وأطعت هواك على غلبة عقلك .

يا هشام : الصبر على الوحدة علامة قوة العقل ، فمن عقل عن الله تبارك وتعالى اعتزل أهل الدنيا والراغبين فيها ، ورغب فيما عند ربه ، وكان الله أنسه في الوحشة ، وصاحبه في الوحدة ، وغناه في العيلة ، ومعزه في غير عشيرة (10) .

يا هشام : نصب الخلق لطاعة الله (11) ، ولا نجاة إلا بالطاعة ، والطاعة بالعلم ، والعلم بالتعلم ، والتعلم بالعقل يعتقد (12) ، ولا علم إلا من عالم رباني ، ومعرفة العالم بالعقل .

يا هشام : قليل العمل من العاقل مقبول مضاعف ، وكثير العمل من أهل الهوى والجهل مردود .

يا هشام : إن العاقل رضي بالدون من الدنيا مع الحكمة ، ولم يرض بالدون من الحكمة مع الدنيا ، فلذلك ربحت تجارتهم .

يا هشام : إن كان يغنيك ما يكفيك فأدنى ما في الدنيا يكفيك ، وإن كان لا يغنيك ما يكفيك فليس شيء من الدنيا يغنيك .

يا هشام : إن العقلاء تركوا فضول الدنيا فكيف الذنوب ، وترك الدنيا من الفضل ، وترك الذنوب من الفرض (13) .

يا هشام : إن العقلاء زهدوا في الدنيا ورغبوا في الآخرة ، لأنهم علموا أن الدنيا طالبة ومطلوبة ، والآخرة طالبة ومطلوبة (14) ، فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتى يستوفي منها رزقه ، ومن طلب الدنيا طلبته الآخرة فيأتيه الموت فيفسد عليه دنياه وآخرته.

يا هشام : من أراد الغنى بلا مال ، وراحة القلب من الحسد ، والسلامة في الدين ؛ فليتضرع إلى الله في مسألته بأن يكمل عقله ، فمن عقل قنع بما يكفيه ، ومن قنع بما يكفيه استغنى ، ومن لم يقنع بما يكفيه لم يدرك الغنى أبداً .

يا هشام : إن الله عز وجل حكى عن قوم صالحين أنهم قالوا : { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ } آل عمران 8 ، حين علموا أن القلوب تزيغ وتعود إلى عماها ورداها (15) . إنه لم يخف الله من لم يعقل عن الله ، ومن لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة يبصرها ويجد حقيقتها في قلبه ؛ ولا يكون أحد كذلك إلا من كان قوله لفعله مصدقا ، وسره لعلانيته موافقا ، لأن الله لم يدل (16) على الباطن الخفي من العقل إلا بظاهر منه وناطق عنه .

يا هشام : كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : ما من شيء عبد الله به (17) أفضل من العقل ، وما تم عقل أمرؤ حتى يكون فيه خصال شتى ، الكفر والشر منه مأمونان (18) ، والرشد والخير منه مأمولان (19) ، وفضل ماله مبذول ، وفضل قوله مكفوف ، نصيبه من الدنيا القوت ، ولا يشبع من العلم دهره ، الذل أحب إليه مع الله من العز مع غيره ، والتواضع أحب إليه من الشرف ، يستكثر قليل المعروف من غيره ، ويستقل كثير المعروف من نفسه ، ويرى الناس كلهم خيرا منه ، وأنه شرهم في نفسه ، وهو تمام الأمر (20) .

يا هشام : من صدق لسانه زكى عمله ، ومن حسنت نيته زيد في رزقه ، ومن حسن بره بإخوانه وأهله مد في عمره .

يا هشام : لا تمنحوا الجهال الحكمة فتظلموها (21) ، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم .

يا هشام : كما تركوا لكم الحكمة ، فاتركوا لهم الدنيا (22) .

يا هشام : لا دين لمن لا مروءة له ، ولا مروءة لمن لا عقل له ، وإن أعظم الناس قدرا الذي لا يرى الدنيا لنفسه خطرا (23) ، أما إن أبدانكم ليس له ثمن إلا الجنة ، فلا تبيعوها بغيرها (24) .

يا هشام : إن أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول (25) : لا يجلس في صدر المجلس إلا رجل فيه ثلاث خصال : يجيب إذا سئل ، وينطق إذا عجز القوم عن الكلام ، ويشير بالرأي الذي فيه صلاح أهله ، فمن لم يكن فيه شيء منهن ، فجلس ، فهو أحمق .

وقال الحسن بن علي عليهما السلام : إذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها ، قيل : يا ابن رسول الله ومن أهلها ؟ قال : الذين قص الله في كتابه وذكرهم .

فقال : { إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ } الرعد19 ، قال: هم أولوا العقول .

وقال علي بن الحسين عليهما السلام : مجالسة الصالحين داعية إلى الصلاح ، وأدب العلماء (26) ، زيادة في العقل ، وطاعة ولاة العدل تمام العز ، واستثمار المال (27) تمام المروة ، وإرشاد المستشير قضاء لحق النعمة ، وكف الأذى من كمال العقل ، وفيه راحة البدن عاجلا وآجلاً .

يا هشام : إن العاقل لا يحدث من يخاف تكذيبه ، ولا يسأل من يخاف منعه ، ولا يعد ما لا يقدر عليه ، ولا يرجو ما يعنف برجائه (28) ، ولا يتقدم على ما يخاف العجز عنه (29) .

وكان أمير المؤمنين عليه السلام يوصي أصحابه يقول :

أوصيكم : بالخشية من الله في السر والعلانية ، والعدل في الرضا والغضب ، والاكتساب في الفقر والغنى ، وأن تصلوا من قطعكم ، وتعفوا عمن ظلمكم ، وتعطفوا (30) على من حرمكم ، وليكن نظركم عبراً ، وصمتكم فكراً ، وقولكم ذكراً ، وطبيعتكم السخاء (31) ، فإنه لا يدخل الجنة بخيل ، ولا يدخل النار سخي .

يا هشام : رحم الله من استحيا من الله حق الحياء ، فحفظ الرأس وما حوى (32) . والبطن وما وعى ، وذكر الموت والبلى ، وعلم أن الجنة محفوفة بالمكاره (33) ، والنار محفوفة بالشهوات .

يا هشام : من كف نفسه عن أعراض الناس ؛ أقاله الله عثرته يوم القيامة ، ومن كف غضبه عن الناس ؛ كف الله عنه غضبه يوم القيامة .

يا هشام : إن العاقل لا يكذب ، وإن كان فيه هواه .

يا هشام : وجد في ذؤابة (34) سيف رسول الله صلى الله عليه وآله :

إن أعتى الناس : على الله ، من ضرب غير ضاربه وقتل غير قاتله ، ومن تولى غير مواليه فهو كافر بما أنزل الله على نبيه محمد صلى الله عليه وآله ، ومن أحدث حدثا (35) أو آوى محدثا لم يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلاً .

يا هشام : أفضل ما يقترب به العبد إلى الله بعد المعرفة به ، الصلاة ، وبر الوالدين ، وترك الحسد ، والعجب ، والفخر .

يا هشام : أصلح أيامك الذي هو أمامك ، فانظر أي يوم هو وأعد له الجواب ، فإنك موقوف ومسؤول ، وخذ موعظتك من الدهر وأهله ، فإن الدهر طويلة قصيرة ، فاعمل كأنك ترى ثواب عملك لتكون أطمع في ذلك ، واعقل عن الله ، وانظر (36) في تصرف الدهر وأحواله ، فإن ما هو آت من الدنيا ، كما ولى منها ، فاعتبر بها .

وقال علي ابن الحسين عليهما السلام : إن جميع ما طلعت عليه الشمس في مشارق الأرض ومغاربها بحرها وبرها وسهلها وجبلها عند ولي من أولياء الله وأهل المعرفة بحق الله ، كفيء الظلال .

ثم قال عليه السلام : أو لا حر يدع هذه اللماظة لأهلها (37) - يعني الدنيا - فليس لأنفسكم ثمن إلا الجنة ، فلا تبيعوها بغيرها ، فإنه من رضي من الله بالدنيا فقد رضي بالخسيس .

يا هشام : إن كل الناس يبصر النجوم ، ولكن لا يهتدي بها إلا من يعرف مجاريها ومنازلها ، وكذلك أنتم تدرسون الحكمة ولكن لا يهتدي بها منكم إلا من عمل بها .

يا هشام : إن المسيح عليه السلام قال للحواريين :

يا عبيد السوء : يهولكم طول النخلة (38) وتذكرون شوكها ومؤونة مراقيها ، وتنسون طيب ثمرها ومرافقها (39) ، كذلك تذكرون مؤونة عمل الآخرة فيطول عليكم أمده (40) وتنسون ما تفضون إليه من نعيمها ونورها وثمرها .

يا عبيد السوء : نقوا القمح وطيبوه وأدقوا طحنه ، تجدوا طعمه ويهنئكم أكله ، كذلك فأخلصوا الإيمان وأكملوه ، تجدوا حلاوته وينفعكم غبه (41) .

بحق أقول لكم : لو وجدتم سراجا يتوقد بالقطران (42) في ليلة مظلمة لاستضأتم به ولم يمنعكم منه ريح نتنه ، كذلك ينبغي لكم أن تأخذوا الحكمة ممن وجدتموها معه ولا يمنعكم منه سوء رغبته فيها .

يا عبيد الدنيا : بحق أقول لكم ، لا تدركون شرف الآخرة إلا بترك ما تحبون ، فلا تنظروا بالتوبة غدا ، فإن دون غد يوما وليلة وقضاء الله فيهما (43) يغدوا ويروح .

بحق أقول لكم : إن من ليس عليه دين من الناس أروح وأقل هماً ممن عليه الدين وإن أحسن القضاء ، وكذلك من لم يعمل الخطيئة أروح هماً ممن عمل الخطيئة وإن أخلص التوبة وأناب ، وإن صغار الذنوب ومحقراتها (44) من مكائد إبليس ، يحقرها لكم ويصغرها في أعينكم فتجتمع وتكثر فتحيط بكم .

بحق أقول لكم : إن الناس في الحكمة رجلان : فرجل أتقنها بقوله وصدقها بفعله ، ورجل أتقنها بقوله وضيعها بسوء فعله ، فشتان بينهما ، فطوبى للعلماء بالفعل ، وويل للعلماء بالقول .

يا عبيد السوء : اتخذوا مساجد ربكم سجونا لأجسادكم وجباهكم ، واجعلوا قلوبكم بيوتا للتقوى ، ولا تجعلوا قلوبكم مأوى للشهوات ، إن أجزعكم عند البلاء لأشدكم حبا للدنيا ، وإن أصبركم على البلاء لأزهدكم في الدنيا .

يا عبيد السوء : لا تكونوا شبيها بالحداء الخاطفة (45) ، ولا بالثعالب الخادعة ، ولا بالذئاب الغادرة ، ولا بالأسد العاتية ، كما تفعل بالفرائس (46) كذلك تفعلون بالناس ، فريقا تخطفون ، وفريقا تخدعون ، وفريقا تغدرون بهم (47) .

بحق أقول لكم : لا يغني عن الجسد أن يكون ظاهره صحيحا وباطنه فاسداً ، كذلك لا تغني أجسادكم التي قد أعجبتكم وقد فسدت قلوبكم ، وما يغني عنكم أن تنقوا جلودكم وقلوبكم دنسة ، لا تكونوا كالمنخل (48) يخرج منه الدقيق الطيب ويمسك النخالة ، كذلك أنتم تخرجون الحكمة من أفواهكم ويبقى الغل في صدوركم .

يا عبيد الدنيا : إنما مثلكم مثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه ، يا بني إسرائيل زاحموا العلماء في مجالسهم ولو جثوا على الركب (49) ، فإن الله يحيي القلوب الميتة بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل المطر (50) .

يا هشام : مكتوب في الإنجيل :

طوبى : للمتراحمين ، أولئك المرحومون يوم القيامة .

طوبى : للمصلحين بين الناس ، أولئك هم المقربون يوم القيامة .

طوبى : للمطهرة قلوبهم ، أولئك هم المتقون يوم القيامة .

طوبى : للمتواضعين في الدنيا ، أولئك يرتقون منابر الملك يوم القيامة .

يا هشام : قلة المنطق حكم عظيم ، فعليكم بالصمت فإنه دعة حسنة ، وقلة وزر ، وخفة من الذنوب ، فحصنوا باب الحلم ، فإن بابه الصبر ، وإن الله عز وجل يبغض الضحاك من غير عجب ، والمشاء إلى غير أرب (51) ، ويجب على الوالي أن يكون كالراعي لا يغفل عن رعيته ولا يتكبر عليهم ، فاستحيوا من الله في سرائركم كما تستحيون من الناس في علانيتكم ، واعلموا أن الكلمة من الحكمة ضالة المؤمن ، فعليكم بالعلم قبل أن يرفع ، ورفعه غيبة عالمكم بين أظهركم .

يا هشام : تعلم من العلم ما جهلت ، وعلم الجاهل مما علمت ، عظم العالم لعلمه ، ودع منازعته ، وصغر الجاهل لجهله ولا تطرده ولكن قربه وعلمه .

يا هشام : إن كل نعمة عجزت عن شكرها بمنزلة سيئة تؤاخذ بها .

وقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : إن لله عبادا كسرت قلوبهم خشيته فأسكتتهم عن المنطق (52) وإنهم لفصحاء عقلاء ، يستبقون إلى الله بالأعمال الزكية ، لا يستكثرون له الكثير ولا يرضون لهم من أنفسهم بالقليل ، يرون في أنفسهم أنهم أشرار ، وأنهم لأكياس وأبرار (53) .

يا هشام : الحياء من الإيمان ، والإيمان في الجنة ، والبذاء من الجفاء (54) والجفاء في النار .

يا هشام : المتكلمون ثلاثة : فرابح وسالم وشاجب (55) ، فأما الرابح : فالذاكر لله ؛ وأما السالم : فالساكت ؛ وأما الشاجب : فالذي يخوض في الباطل .

إن الله : حرم الجنة على كل فاحش بذي قليل الحياء لا يبالي ما قال ولا ما قيل فيه ، وكان أبو ذر رضي الله عنه يقول : يا مبتغي العلم إن هذا اللسان مفتاح خير ومفتاح شر ، فاختم على فيك كما تختم على ذهبك وورقك .

يا هشام : بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين ، يطري أخاه إذا شاهده (56) ويأكله إذا غاب عنه ، إن أعطي حسده ، وإن ابتلي خذله ، إن أسرع الخير ثوابا البر ، وأسرع الشر عقوبة البغي ، وإن شر عباد الله من تكره مجالسته لفحشه ، وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم ، ومن حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه .

يا هشام : لا يكون الرجل مؤمنا حتى يكون خائفا راجياً ، ولا يكون خائفا راجياً حتى يكون عاملا لما يخاف ويرجو .

يا هشام : قال الله عز وجل : و عزتي وجلالي وعظمتي وقدرتي وبهائي وعلوي في مكاني لا يؤثر عبد هواي على هواه ، إلا جعلت الغنى في نفسه ، وهمه في آخرته ، وكففت عليه في ضيعته (57) ، وضمنت السماوات والأرض رزقه ، وكنت له من وراء تجارة كل تاجر .

يا هشام : الغضب مفتاح الشر ، وأكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقاً ، وإن خالطت الناس فإن استطعت أن لا تخالط أحداً منهم إلا من كانت يدك عليه العليا (58) فافعل .

يا هشام : عليك بالرفق ، فإن الرفق يمن ، والخرق شوم ، إن الرفق والبر وحسن الخلق يعمر الديار ويزيد في الرزق .

يا هشام : قول الله : { هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ } الرحمن60 ، جرت في المؤمن والكافر والبر والفاجر ، من صنع إليه معروف فعليه أن يكافئ به ، وليست المكافأة أن تصنع كما صنع حتى ترى فضلك ، فإن صنعت كما صنع فله الفضل بالابتداء (59).

يا هشام : إن مثل الدنيا مثل الحية مسها لين وفي جوفها السم القاتل ، يحذرها الرجال ذووا العقول ، ويهوي إليها الصبيان بأيديهم .

يا هشام : أصبر على طاعة الله واصبر عن معاصي الله ، فإنما الدنيا ساعة ، فما مضى منها فليس تجد له سرورا ولا حزنا ، وما لم يأت منها فليس تعرفه ، فاصبر على تلك الساعة التي أنت فيها فكأنك قد اغتبطت (60) .

يا هشام : مثل الدنيا مثل ماء البحر ، كلما شرب منه العطشان ازداد عطشا حتى يقتله .

يا هشام : إياك والكبر ، فإنه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر ، الكبر رداء الله ، فمن نازعه رداء‌ه أكبه الله في النار على وجهه .

يا هشام : ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم ، فإن عمل حسنا استزاد منه ، وإن عمل سيئا استغفر الله منه وتاب إليه .

يا هشام : تمثلت الدنيا للمسيح عليه السلام في صورة امرأة زرقاء ، فقال لها : كم تزوجت ؟ فقالت : كثيرا ، قال : فكل طلقك ؟ قالت : لا ، بل كلا قتلت .

قال المسيح عليه السلام : فويح لأزواجك الباقين ، كيف لا يعتبرون بالماضين .

يا هشام : إن ضوء الجسد في عينه ، فإن كان البصر مضيئا استضاء الجسد كله ، وإن ضوء الروح العقل ، فإذا كان العبد عاقلاً كان عالما بربه ، وإذا كان عالما بربه أبصر دينه ، وإن كان جاهلاً بربه لم يقم له دين ، وكما لا يقوم الجسد إلا بالنفس الحية ، فكذلك لا يقوم الدين إلا بالنية الصادقة ، ولا تثبت النية الصادقة إلا بالعقل .

يا هشام : إن الزرع ينبت في السهل ولا ينبت في الصفا (61) ، فكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع ولا تعمر في قلب المتكبر الجبار، لان الله جعل التواضع آلة العقل وجعل التكبر من آلة الجهل ، ألم تعلم أن من شمخ (62) إلى السقف برأسه شجه (63) ، ومن خفض رأسه استظل تحته وأكنه ، وكذلك من لم يتواضع لله خفضه الله ، ومن تواضع لله رفعه .

يا هشام : ما أقبح الفقر بعد الغنى ، وأقبح الخطيئة بعد النسك ، وأقبح من ذلك العابد لله ثم يترك عبادته .

يا هشام : لا خير في العيش إلا لرجلين : لمستمع واع ، وعالم ناطق .

يا هشام : ما قسم بين العباد أفضل من العقل ، نوم العاقل أفضل من سهر الجاهل ، وما بعث الله نبيا إلا عاقلاً حتى يكون عقله أفضل من جميع جهد المجتهدين ، وما أدى العبد فريضة من فرائض الله حتى عقل عنه (64).

يا هشام : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا رأيتم المؤمن صموتا فادنوا منه ، فإنه يلقى الحكمة ، والمؤمن قليل الكلام كثير العمل ، والمنافق كثير الكلام قليل العمل .

يا هشام : أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام قل لعبادي : لا يجعلوا بيني وبينهم عالما مفتونا بالدنيا فيصدهم عن ذكري وعن طريق محبتي ومناجاتي ، أولئك قطاع الطريق من عبادي ، إن أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة محبتي (65) ومناجاتي من قلوبهم .

يا هشام : من تعظم في نفسه لعنته ملائكة السماء وملائكة الأرض ، ومن تكبر على إخوانه واستطال عليهم فقد ضاد الله (66) ، ومن أدعى ما ليس له فهو أعني لغير رشده (67) .

يا هشام : أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام يا داود حذر، وأنذر (68) أصحابك عن حب الشهوات ، فإن المعلقة قلوبهم بشهوات الدنيا قلوبهم محجوبة عني .

يا هشام : إياك والكبر على أوليائي والاستطاعة بعلمك فيمقتك الله ، فلا تنفعك بعد مقته دنياك ولا آخرتك ، وكن في الدنيا كساكن دار ليست له ، إنما ينتظر الرحيل .

يا هشام : مجالسة أهل الدين شرف الدنيا والآخرة ، ومشاورة العاقل الناصح يمن وبركة ورشد وتوفيق من الله ، فإذا أشار (69) عليك العاقل الناصح فإياك والخلاف فإن في ذلك العطب (70) .

يا هشام : إياك ومخالطة الناس والأنس بهم إلا أن تجد منهم عاقلا ومأمونا فآنس به واهرب من سايرهم كهربك من السباع الضارية (71) ، وينبغي للعاقل إذا عمل عملا أن يستحيي من الله ، وإذا تفرد له بالنعم أن يشارك في عمله أحدا غيره (72) ، وإذا مر بك (73) أمران لا تدري أيهما خير وأصوب ، فأنظر أيهما أقرب إلى هواك فخالفه ، فإن كثير الصواب في مخالفة هواك ، وإياك أن تغلب الحكمة وتضعها في أهل الجهالة (74) .

قال هشام : فقلت له : فإن وجدت رجلا طالباً له غير أن عقله لا يتسع لضبط ما القي إليه ؟

قال عليه السلام : فتلطف له في النصيحة ، فإن ضاق قلبه ، ف‍لا تعرضن نفسك للفتنة ، وأحذر رد المتكبرين ، فإن العلم يدل على أن يملى على من لا يفيق (75) .

قلت : فإن لم أجد من يعقل السؤال عنها ؟

قال عليه السلام : فأغتنم جهله عن السؤال حتى تسلم من فتنة القول وعظيم فتنة الرد ، واعلم أن الله لم يرفع المتواضعين بقدر تواضعهم ، ولكن رفعهم بقدر عظمته ومجده ، ولم يؤمن الخائفين بقدر خوفهم ، ولكن آمنهم بقدر كرمه وجوده ، ولم يفرج المحزونين (76) بقدر حزنهم ولكن بقدر رأفته ورحمته ، فما ظنك بالرؤوف الرحيم الذي يتودد إلى من يؤذيه بأوليائه ، فكيف بمن يؤذى فيه ، وما ظنك بالتواب الرحيم الذي يتوب على من يعاديه ، فكيف بمن يترضاه (77) ويختار عداوة الخلق فيه .

يا هشام : من أحب الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه ، وما أوتي عبد علما فازداد للدنيا حبا ، إلا ازداد من الله بعدا وازداد الله عليه غضبا .

يا هشام : إن العاقل اللبيب من ترك ما لا طاقة له به ، وأكثر الصواب في خلاف الهوى ، ومن طال أمله ساء عمله .

يا هشام : لو رأيت مسير الأجل لألهاك عن الأمل .

يا هشام : إياك والطمع ، وعليك باليأس مما في أيدي الناس ، وأمت الطمع من المخلوقين ، فإن الطمع مفتاح للذل (78) واختلاس العقل، واختلاق المروءات (79)، وتدنيس العرض ، والذهاب بالعلم ، وعليك بالاعتصام بربك والتوكل عليه ،وجاهد نفسك لتردها عن هواها ، فإنه وجب عليك كجهاد عدوك .

قال هشام : فقلت له فأي الأعداء أوجبهم مجاهدة ؟

قال عليه السلام : أقربهم إليك وأعداهم لك وأضرهم بك ، وأعظمهم لك عداوة وأخفاهم لك شخصا مع دنوه منك ، ومن يحرض (80) أعداء‌ك عليك وهو (81) إبليس الموكل بوسواس من القلوب فله فلتشتد عداوتك (82) ، ولا يكونن أصبر على مجاهدته لهلكتك منك على صبرك لمجاهدته ، فإنه أضعف منك ركنا في قوته (83) ، وأقل منك ضررا في كثرة شره ، إذا أنت اعتصمت بالله فقد هديت إلى صراط مستقيم .

يا هشام : من أكرمه الله بثلاث ، فقد لطف له ، عقل يكفيه مؤونة هواه ، وعلم يكفيه مؤونة جهله ، وغنى يكفيه مخافة الفقر .

يا هشام : أحذر هذه الدنيا ، وأحذر أهلها ، فإن الناس فيها على أربعة أصناف : رجل مترد معانق لهواه ، ومتعلم مقري (84) كلما ازداد علما ازداد كبراً ، يستعلي (85) بقراءته وعلمه على من هو دونه ، وعابد جاهل يستصغر من هو دونه في عبادته يحب أن يعظم ويوقر، وذي بصيرة عالم عارف بطريق الحق يحب القيام به ، فهو عاجز أو مغلوب ولا يقدر على القيام بما يعرف‍ه فهو محزون مغموم بذلك ، فهو أمثل أهل زمانه (86) وأوجههم عقلاً .

يا هشام : اعرف العقل وجنده ، والجهل وجنده تكن من المهتدين .

يا هشام : فقلت : جعلت فداك لا نعرف إلا ما عرفتنا .

فقال عليه السلام : يا هشام :

إن الله خلق العقل : وهو أول خلق خلقه الله من الروحانيين (87) عن يمين العرش من نوره(88) فقال له : أدبر، فأدبر ، ثم قال له : أقبل فأقبل .

فقال الله عز وجل : خلقتك خلقا عظيما ، وكرمتك على جميع خلقي .

ثم خلق الجهل : من البحر الأجاج الظلماني ، فقال له: أدبر، فأدبر. ثم قال له : أقبل ، فلم يقبل . فقال له : استكبرت فلعنه .

ثم جعل للعقل خمسة وسبعين جنداً ، فلما رأى الجهل ما كرم الله به العقل وما أعطاه أضمر له العداوة ، فقال الجهل : يا رب هذا خلق مثلي خلقته و كرمته وقويته وأنا ضده ولا قوة لي به أعطني من الجند مثل ما أعطيته ؟

فقال تبارك وتعالى : نعم ، فإن عصيتني بعد ذلك أخرجتك وجندك من جواري ومن رحمتي ، فقال : قد رضيت ، فأعطاه الله خمسة وسبعين جنداً .

فكان مما أعطى العقل من الخمسة و السبعين جندا :

الخير : وهو وزير العقل ، وجعل ضده الشر : وهو وزير الجهل :

جنود العقل والجهل :

الإيمان ، الكفر .

التصديق ، التكذيب .

الإخلاص ، النفاق .

الرجاء ، القنوط .

العدل ، الجور.

الرضى ، السخط .

الشكر ، الكفران .

اليأس ، الطمع .

التوكل ، الحرص .

الرأفة ، الغلظة .

العلم ، الجهل .

العفة ، التهتك .

الزهد ، الرغبة .

الرفق ، الخرق .

الرهبة ، الجرأة .

التواضع ، الكبر .

التؤدة (89) ، العجلة .

الحلم ، السفه .

الصمت ، الهذر (90).

الاستسلام ، الاستكبار .

التسليم ، التجبر .

العفو ، الحقد .

الرحمة ، القسوة .

اليقين ، الشك .

الصبر ، الجزع .

الصفح ، الانتقام .

الغنى ، الفقر .

التفكر ، السهو .

الحفظ ، النسيان .

التواصل ، القطيعة .

القناعة ، الشره (91) .

المؤاساة ، المنع .

المودة ، العداوة .

الوفاء ، الغدر .

الطاعة ، المعصية .

الخضوع، التطاول (92) .

السلامة ، البلاء .

الفهم ، الغباوة (93) .

المعرفة ، الإنكار .

المداراة ، المكاشفة .

سلامة الغيب ، المماكرة (94) .

الكتمان ، الإفشاء .

البر ، العقوق .

الحقيقة ، التسويف (95) .

المعروف ، المنكر .

التقية ، الإذاعة .

الإنصاف ، الظلم .

التقى ، الحسد (96) .

النظافة ، القذر .

الحياء ، القحة (97) .

القصد ، الإسراف .

الراحة ، التعب .

السهولة ، الصعوبة .

العافية ، البلوى .

القوام ، المكاثرة (98) .

الحكمة ، الهوى .

الوقار ، الخفة .

السعادة ، الشقاء .

التوبة ، الإصرار .

المحافظة ، التهاون (99) .

الدعاء ، الاستنكاف .

النشاط ، الكسل .

الفرح ، الحزن .

الألفة ، الفرقة .

السخاء ، البخل .

الخشوع ، العجب .

صون الحديث (100) ، النميمة .

الاستغفار ، الاغترار .

الكياسة ، الحمق (101) .

يا هشام : لا تجمع (102) هذه الخصال إلا لنبي أو وصي أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان . وأما ساير ذلك من المؤمنين فإن أحدهم لا يخلو من أن يكون فيه بعض هذه الجنود من أجناد العقل حتى يستكمل العقل ويتخلص من جنود الجهل ، فعند ذلك يكون في الدرجة العليا مع الأنبياء والأوصياء عليه السلام وفقنا الله وإياكم لطاعته .

شرح بعض كلمات الحديث:

(1) رواه الكليني في الباب 1 من الكافي مع اختلاف أشرنا إليه .

وهشام هو أبو محمد : وقيل : أبو الحكم هشام بن الحكم البغدادي الكندي ، مولى بنى شيبان ، ممن اتفق الأصحاب على وثاقته و عظم قدره ورفعة منزلته عند الأئمة عليهم السلام ، وكانت له مباحث كثيرة مع المخالفين في الأصول وغيرها .

صحب أبا عبد الله : وبعده أبا الحسن موسى عليهما السلام و، كان من أجلة أصحاب أبى عبد الله عليه السلام ، وبلغ من مرتبة علوه عنده أنه دخل عليه بمنى وهو غلام أول ما اختط عارضاه وفي مجلسه شيوخ الشيعة كحمران بن أعين وقيس الماصر ويونس بن يعقوب وأبى جعفر الأحول وغيرهم ، فرفعه على جماعتهم وليس فيهم إلا من هو اكبر سنا منه ، فلما رأى أبو عبد الله عليه السلام أن ذلك الفعل كبر على أصحابه قال : هذا ناصرنا بقلبه ولسانه ويده .

وكان له أصل : وله كتب كثيرة وإن الأصحاب كانوا يأخذون عنه. مولده بالكوفة ومنشئه واسط وتجارته بغداد ، وكان بياع الكرابيس وينزل الكرخ من مدينة السلام بغداد في درب الجنب ، ثم انتقل إلى الكوفة في أواخر عمره ونزل قصر وضاح و توفى سنة 179 في أيام الرشيد مستترا ، وكان لاستتاره قصة مشهورة في المناظرات وترحم عليه الرضا عليه السلام .

قال ابن النديم في الفهرست في شأنه : إنه من متكلمي الشيعة وبطائنهم ومن دعا له الصادق عليه السلام ، فقال : أقول لك ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله لحسان : لا تزل مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك . وهو الذي فتق الكلام في الإمامة وهذب المذهب وسهل طريق الحجاج فيه و كان حاذقا بصناعة الكلام ، حاضر الجواب ، وكان أولا من أصحاب الجهم بن صفوان ثم انتقل إلى القول بالإمامة بالدلائل والنظر ، وكان منقطعا إلى البرامكة ملازما ليحيى بن خالد وكان القيم بمجالس كلامه ونظره ، ثم تبع الصادق عليه السلام فانقطع إليه ، وتوفى بعد نكبة البرامكة بمدة يسيرة ، وقيل بل في خلافة المأمون.

وان العامة : طعنوا فيه وورد في الأخبار ذم له من جهة القول بالتجسم ، وان الأصحاب اخذوا في الذب عنه تنزيها لساحته عن ذلك ، ووردت روايات في مدحه ودل على جلالته هذه الرواية المذكورة في المتن الجامعة لأبواب الخير والفلاح.

(2) ذكر لا يعقلون كما في بعض نسخ الكافي ولعله سهو وغفلة من الراوي أو اشتباه من النساخ .

(3) في المصدر سهو لا يشعرون وهو سهو من النساخ .

(4) يوجد في الكافي في بعض المواضيع المذكورة أعلاه زيادة آيات وتقديم وتأخير .

(5) وزد في الكافي : وان الكيس لدى الحق يسير .

(6) الحشو: ما حشى به الشيء أي ملاء به ، والظاهر إن ضمير فيها يرجع إلى الدنيا وضمير حشوها وما بعده يرجع إلى السفينة . وفي بعض النسخ : فلتكن سفينتك منها. و حشوها في بعض النسخ جسرها . وشراع السفينة بالكسر : ما يرفع فوقها من ثوب وغيره ليدخل فيه الريح فتجريها.

(7) في الكافي مكان العاقل العقل في الموضعين.

(8) في الكافي وأكملهم عقلا .

(9) في الكافي من أظلم نور تفكره .

(10) العيلة : الفاقة .

(11) نصب -من باب ضرب على صيغة المجهول بمعنى وضع، أو من باب التفعيل من نصب الأمير فلانا ولاه منصبا. وفي الكافي ونصب الحق لطاعة الله .

(12) اعتقد الشيء : نقيض حله . وفي بعض النسخ يعتقل هو أيضا نقيض حل أي يمسك ويشد.

(13) وزاد في الكافي : يا هشام إن العاقل نظر إلى الدنيا وإلى أهلها فعلم إنها لا تنال إلا بالمشقة ، ونظر إلى الآخرة فعلم إنها لا تنال إلا بالمشقة ، فطلب بالمشقة أبقاهما.

(14) في الكافي : أن الدنيا طالبة مطلوبة ، وأن الآخرة طالبة ومطلوبة .

(15) الردى : الهلاك .

(16) في بعض النسخ لا يدل .

(17) في الكافي ما عبد الله بشيء .

(18) الكفر في الاعتقاد والشر في القول والعمل والكل ينشأ من الجهل . وفي بعض النسخ مأمون .

(19) الرشد في الاعتقاد والخير في القول والكل ناش من العقل. وفي بعض النسخ مأمول .

(20) أي ملاك الأمر وتمامه في أن يكون الإنسان كاملا تام العقل هو كونه متصفا بمجموعة هذه الخصال.

(21) لا تمنحوا الجهال أي لا تعطوهم ولا تعلموهم. والمنحة : العطاء .

(22) في الكافي ههنا : يا هشام إن العاقل لا يكذب وإن كان فيه هواه .

(23) أي قدرا ورفعة . والخطر : الحظ والنصيب والقدر والمنزلة .

(24) ههنا كلام نقله صاحب الوافي عن أستاذه رحمهما الله قال: وذلك لان الأبدان في التناقص يوما فيوما لتوجه النفس منها إلى عالم آخر ، فان كانت النفس سعيدة كانت غاية سعيه في هذه الدنيا و انقطاع حياته البدنية إلى الله سبحانه وإلى نعيم الجنة لكونه على منهج الهداية والاستقامة ، فكأنه باع بدنه بثمن الجنة معاملة مع الله تعالى ، ولهذا خلقه الله عز وجل ، وإن كان شقية كانت غاية سعيه وانقطاع أجله وعمره إلى مقارنة الشيطان وعذاب النيران لكونه على طريق الضلالة ، فكأنه باع بدنه بثمن الشهوات الفانية واللذات الحيوانية التي ستصير نيران محرقة مؤلمة وهى اليوم كامنة مستورة عن حواس أهل الدنيا وستبرز يوم القيامة وبرزت الجحيم لمن يرى معاملة مع الشيطان و خسر هنالك المبطلون .

(25) في الكافي إن من علامة العاقل أن يكون فيه ثلاث خصال: يجيب إذا سئل. وينطق إذا عجز القوم عن الكلام. ويشير بالرأى الذي يكون فيه صلاح أهله، فمن لم يكن فيه من هذه الخصال الثلاث شيء فهو أحمق . إن أمير المؤمنين عليه السلام قال : لا يجلس في صدر المجلس إلا رجل فيه هذه الخصال الثلاث أو واحدة منهن - الخ .

(26) في الكافي وآداب العلماء ، وقد مر شرح هذا الكلام في مواعظ الإمام السجاد عليه السلام .

(27) أي تنميته بالكسب والتجارة .

(28) التعنيف : اللؤم والتوبيخ والتقريع. والمراد أن العاقل لا يرجو فوق ما يستحقه وما لم يستعده .

(29) في الكافي ولا يقدم على ما يخاف فوته بالعجز عنه، أي لا يبادر إلى فعل قبل أوانه خوفا من أن يفوته بالعجز عنه في وقته .

(30) في بعض النسخ وتعطوا .

(31) في بعض النسخ وإياكم والبخل وعليكم بالسخاء .

(32) وما حوى : أي ما حواه الرأس من الأوهام والأفكار بأن يحفظها ولا يبديها ويمكن أن يكون المراد ما حواه الرأس من العين والأذن وسائر المشاعر بأن يحفظها عما يحرم عليه . وما وعى أي ما جمعه من الطعام والشراب بأن لا يكونا من حرام. والبلى بالكسر : الاندراس والاضمحلال .

(33) هذا الكلام مشهور معروف بين الفريقين متواتر منقول عن النبي وأهل بيته صلوات الله عليهم . والمحفوفة : المحيطة. والمكاره : جمع مكرهة - بفتح الراء وضمها -: ما يكرهه الإنسان ويشق عليه. والمراد أن الجنة محفوفة بما يكره النفس من الأقوال والأفعال فتعمل بها، فمن عمل بها دخل الجنة. والنار محفوفة بلذات النفس وشهواتها، فمن أعطي نفسه لذتها وشهوتها دخل النار .

(34) الذؤابة من كل شيء: أعلاه. ومن السيف: علاقته . ومن السوط: طرفه. ومن الشعر : ناصيته . وعتا يعتو عتوا، وعتى يعتي عتيا بمعنى واحد أي استكبر وتجاوز الحد، والعتو: الطغيان والتجاوز عن الحدود والتجبر. وفي بعض النسخ وعنى الناس] من عن عليه أي اعترض . وفي بعضها وأعق الناس من عقه: خالفه وعصاه .

(35) الحدث : الأمر الحادث الذي ليس بمعتاد ولا معروف في السنة .

(36) في بعض النسخ فانظر . و عقل عن الله : عرف عنه وبلغ عقله إلى حد يأخذ العلم عن الله فكأنه أخذ العلم عن كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله .

(37) اللماظة - بالضم -: بقية الطعام في الفم. وأيضا بقية الشيء القليل. والمراد بها هنا الدنيا.

(38) يهو لكم أي يفزعكم وعظم عليكم .

(39) مؤونة المراقى: شدة الارتقاء . والمرافق : المنافع وهى جمع مرفق - بالفتح -: ما انتفع به .

(40) الأمد : الغاية ومنتهى الشيء ، يقال: طال عليهم الأمد أي الأجل. والنور بالفتح : الزهرة .

(41) الغب بالكسر : العاقبة. وأيضا بمعنى البعد.

(42) القطران بفتح القاف وسكون الطاء وكسرها أو بكسر القاف وسكون الطاء : سيال دهنى شبيه النفط، يتخذ من بعض الأشجار كالصنوبر والأرز فيهنأ به الإبل الجربى ويسرع فيه إشعال النار. وقوله: نتنه أي خبث رائحته.

(43) كناية عن الموت فانه يأتى في الغداة والرواح .

(44) في بعض النسخ ومحقرتها .

(45) الحداء بالكسر : جمع حدأة - كعنبة -: طائر من الجوارح وهو نوع من الغراب يخطف الأشياء ، والخاطفة من خطف الشيء يخطف كعلم يعلم -: استلبه بسرعة. والغادرة: الخائنة. والعاتي: الجبار .

(46) الفريسة: ما يفترسه الأسد ونحوه. وفى بعض النسخ بالفراش .

(47) في بعض النسخ وفريقا تقدرون بهم .

(48) المنخل بضم الميم والخاء او بفتح الخاء -: ما ينخل به. والنخالة بالضم : ما بقى في المنخل من القشر ونحوه.

(49) جثا يجثو. وجثي يجثي : جلس على ركبتيه او قام على أطراف الأصابع . وفي بعض النسخ حبوا أي زحفا على الركب من حبا يحبو وحبى يحبي : إذا مشى على أربع .

(50) الوابل: المطر الشديد الضخم القطر.

(51) المشاء : الكثير المشي. وأيضا النمام والمراد ههنا الأول. والأدب بفتحتين : الحاجة . وفي بعض النسخ إلى غير أدب .

(52) في بعض النسخ وأستكتهم عن المنطق .

(53) الأكياس : جمع كيس كسيد : الفطن، الظريف ، الحسن الفهم والأدب .

(54) البذاء : الفحش. والبذي على فعيل : السفيه والذي أفحش في منطقه .

(55) الشاجب: الهذاء المكثار أي كثير الهذيان وكثير الكلام ، وأيضا الهالك ، وهو الأنسب.

(56) أي يحسن الثناء وبالغ في مدحه إذا شاهده: ويعيبه بالسوء ويذمه إذا غاب.

(57) الضيعة بالفتح: حرفة الرجل وصناعته وفي بعض النسخ صنعته .

(58) اليد العليا: المعطية المتعففة .

(59) أي له الفضيلة بسبب ابتدائه بالاحسان، فهو أفضل منك.

(60) أغتبظ : كان في مسرة وحسن حال. وفي بعض النسخ قد أحتبطت .

(61) الصفا: الحجر الصلد الضخم.

(62) شمخ من باب منع : علا ورفع .

(63) شجه أي كسره وجرحه.

(64) أي عرفه إلى حد التعقل .

(65) في بعض النسخ عبادتي .

(66) استطال عليهم: أي تفضل عليهم .

(67) عنى بصيغة المجهول أو المعلوم بالأمر كلف ما يشق عليه. وفي بعض النسخ أعنى لغيره أي يدخل غيره في العناء والتعب. هذا ويحتمل أن يكون الأصل فهو لغى لغير رشدة فصحف .

(68) في بعض النسخ فانذر وفي بعضها ونذر .

(69) في بعض النسخ فإذا استشار .

(70) العطب: الهلاك .

(71) الضاري : الحيوان السبع، من ضرا الكلب بالصيد يضرو: تعوده وأولع به. وأيضا: تطعم بلحمه ودمه .

(72) أي إذا اختص العاقل بنعمة ينبغي له أن يشارك غيره في هذه النعمة بأن يعطيه منها. وفي بعض النسخ إذ تفرد له .

(73) في بعض النسخ وإذا خرجك أمران وخر به أمر أي نزل به وأهمه .

(74) قال المجلسي -رحمه الله كان فيه حذفاً إيصالا أي تغلب على الحكمة أي يأخذها منك قهرا من لا يستحقها بأن يقرأ على صيغة المجهول أو على المعلوم أي تغلب على الحكمة فإنها تأبى عمن لا يستحقها ، ويحتمل أن يكون بالفاء والتاء من الإفلات بمعنى الإطلاق فانهم يقولون : انفلت منى كلام أي صدر بغير رويه. وفي بعض النسخ المنقولة من الكتاب وإياك أن تطلب الحكمة وتضعها في الجهال .

(75) الإفاقة : الرجوع عن الكسر والإغماء الغفلة إلى حال الاستقامة. وفي بعض النسخ فان العلم يذل على أن يحمل على من لا يفيق وفي بعضها يجلى .

(76) في بعض النسخ ولم يفرح المحزونين .

(77) يترضاه : أي يطلب رضاه .

(78) في بعض النسخ الذل .

(79) الاختلاق : الافتراء . وفي بعض النسخ وأخلاق والظاهر انه جمع خلق - بالتحريك - أي البالي. والعرض: النفس والخليقة المحمودة - وأيضا: ما يفتخر الإنسان من حسب وشرف .

(80) في بعض النسخ ومن يحرص . وفي بعضها ويحرص من .

(81) في بعض النسخ فهو .

(82) في بعض النسخ فلتشد.

(83) الركن: العز والمنعة. وأيضا : ما يقوى به. والأمر العظيم : صبره في المجاهدة أقوى منك. فإنك إذا كنت على الاستقامة في مخالفته يكون مع قوته أضعف منك ركنا وضررا. (84) في بعض النسخ متقرئ .

(85) في بعض النسخ يستعلن.

(86) الأمثل: الأفضل .

(87) أي هو أول مخلوق من المنسوبين إلى الروح في مدينة بنية الإنسان المتمركزين بأمر الرب والسلطان في مقر الحكومة العقلية. فهو أولها ورأسها ثم يوجد بعده وبسببه جندا فجندا إلى أن يكمل للإنسان جودة العقل .

(88) عن يمين العرش أي أقوى جانبيه وأشرفهما . و من نوره أي من نور ذاته. فقال له إلخ مضى بيان ما فيه في أوائل الكتاب من كلمات رسول الله صلى الله عليه وآله في حكمه ومواعظه فليطلبه هنا . قوله عليه السلام: فلا يكون خلقا أعظم منه إذ به يقوم كل شيء فيكون أكرم من كل مخلوق. والجهل يكون منبع الشرور فله قابلية لكل شر.

(89) التؤدة بالضم: الرزانة والتأني، يقال: توأد في الأمر أي تأني وتمهل.

(90) الهذر بالتحريك: الهذيان والكلام الذي لا يعبأ به، يقال: هذر فلان في منطقه من باب ضرب ونصر: خلط وتكلم بما لا ينبغي .

(91) الشره - بالتحرك -: مصدر باب فرح -: الحرص ، يقال: شره إلى الطعام: اشتد ميله إليه ، ويمكن أن يكون كما في بعض النسخ الشره بالكسر فالتشديد أي الحدة والحرص .

(92) التطاول : التكبر والترفع .

(93) الغباوة : الغفلة وقلة الفطنة .

(94) المماكرة : المخادعة .

(95) كذا . والتسويف: المطل والتأخير. وفي الكافي الرياء .

(96) في بعض النسخ النفى، الحسد ولعله تصحيف .

(97) القحة بفتح القاف وكسرها وفتح الحاء مصدر وهى بمعنى الوقاحة وقلة الحياء. وفى بعض النسخ القيحة. وفي الكافي والخصال الجلع أي الوقاحة .

(98) القوام - بالفتح -: العدل والاعتدال. والمكاثرة : المفاخرة والمغالبة في الكثرة بالمال أو العدد .

(99) في بعض النسخ المخالفة .

(100) في بعض النسخ صدق الحديث .

(101) لا يخفى أن عدد ما ذكر تفصيلا لا يبلغ ما ذكره إجمالا .

(103) في بعض النسخ لا تجتمع .