هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في  أصول الدين وسيرة المعصومين
قسم سيرة المعصومين/ صحيفة الإمام
الرضا عليه السلام
الجزء الأول / شأنه الكريم وحياته الاجتماعية

الباب العاشر

مكارم أخلاق الإمام الرضا عليه السلام وآدابه الحسنة

 

معارف للإمام في الخُلق الحسن وتطبيقه لآداب الدين:

يا طيب : عرفنا بعض الحديث عن العبودية لله تعالى والإخلاص له عن يقين بحيث يرافق العلم العمل في الباب السابق ، وذلك حين تكلمنا عن إخلاص الإمام الرضا في عبوديته لله حتى كان عليه السلام يعلمنا إخلاص المتيقنين لمعرفة عظمة الله وضرورية عبوديته ، وعن معرفة واسعة وتطبيق علمي وعملي لهداه القيم وبأبعد حدوده ، وذكرنا جانب واحد من جوانب عبوديته لله تعالى بجد واجتهاد ، ولأهم عبادة يخالطها بالإضافة للنية والتوجه والإخلاص والخشوع والخضوع لله عز وجل ، العلم والعمل وبامتزاج تام ، وهي الصلاة وتوابعها ، ونقلنا قسم من كلامه في المعرفة بها وتعليمها وفي تطبيقها والاعتناء بأمرها.
وهنا نذكر يا طيب : قسماً آخرا من علمه وسيرته بخُلقه وأحواله الشخصية ومع الآخرين ، وفي مظهره الحسن الذي يتحلى به : من الآداب والظهور بهيئته في زينته ، وتجمله بخواتيمه ، ولباسه ، وتطيبه ، وجلوسه ، وأكله ، وسيرته في بيته ومع حشمه وضيفه ، وغيرها مما يعرفنا بعض ما نقل لنا من سلوكه وما يتعلق بشخصه الكريم وتصرفه عليه السلام .
 ففي هذا الباب يا طيب : سترى إمامنا وولي ديننا الثامن علي بن موسى الرضا عليه السلام بمظهره الخارجي وبمعاملته لنفسه وللناس وبما يظهر به من حقائق الخُلق الكريم والآداب الحسنه ، وذلك بعد إن عرفنا شيء عن مظهره الباطني من ولايته وإمامته وعلمه الواسع وجهاده وفضل الله عليه .
 وسترى يا طيب : إن إمامنا بمظهره الخارجي والظاهري وحُسن خلقه وآدابه الكريمة في سيرته وسلوكه ، كما كان بمظهره الباطني مما عرفت من علو شأنه عند الله وما مكنه به سبحانه من المعرفة الواسعة والعلم الشامل وما أقدره وأظهره على يديه ، هو نفسه بنفس الهمة والاجتهاد ولي دين الله ومعلم لمعارفه وآدابه لعباده ، وهو نفسه ذلك الإمام العالم والمعلم لعبودية لله تعالى بإظهار فضل الله عليه من معارف الآداب الكريمة والخُلق الحسن بعلمه وعمله وسيرته ، وبأعلى إخلاص المتيقنين لمعارف الله ، حتى كان عليه السلام أسوة وقدوة في أي جانب من أحواله ومعارفه والكلام عنه .
فلك يا أخي الكريم هنا بحثان : في جانب آخر من سيرته وسلوكه العملي والعملي في عبوديته لله ، الأول : في تعليمه للأخلاق الحسنة والآداب الكريمة ،والثاني : في تجليه عليه السلام عملا بالخلق الكريم والآداب الحسنة.
 كما ستأتي أبواب أخرى : في معاملته لأهله ولآله ولعترته وكيف تصرفهم معه ، أو معاملته لأصحابه وتأديبهم وإرشادهم وحاله معهم أو هم معه في أبواب أخرى من هذا الجزء ، وقبل أن ندخل في معاملته وتعامله مع سلطان زمانه وحاكم وقته وقصصه معه حتى شهادته في الجزء الثاني من صحيفته .
هذا وأسأل الله : أن ينفعنا بمعرفته ويجعلنا من المتعلمين منه ومن المتأسين والمقتدين بكل أحواله وخُلقه الكريم وآدابه الحسنة ، حتى يجعلنا معه ومع آله الكرام بكل مظهر دين وتعاليم هدى ونعيم واقعي في أعلى عليين ، وصلى الله على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، إنه ولي التوفيق وهو أرحم الراحمين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .
 
 

البحث الأول

الإمام الرضا  يعلمنا مكارم الأخلاق والآداب الحسنة

ولي الدين ومعلم هدى الله : كما يكون ظاهراً بمظاهر الخُلق الحسن وآداب الدين ، يكون له معرفة بها ومعلم لها بحديثه وحُسن بيانه بفضل الله عليه ، لأنه هو الراسخ بعلم الهدى وكل ما يوصل العباد لمكارم الأخلاق ، وليس ظهوره لعجز أو سجية وطبيعة أو لضرورة المظهر من أجل الناس والمعاملة ، فهو عليه السلام عين الإيمان وحقيقة اليقين ، يرجوا بما يظهر به إظهار دين الله والإخلاص له في عبوديته وتعليم هداه ، وهذا هو حال أئمتنا وأولياء ديننا ، وهذا ما نقل عنهم عليهم السلام ، وأنظر ما قاله الإمام الثامن الرضا من آل محمد صلى الله عليهم وسلم في هذا الباب  :
عن داود بن سليمان الغازي عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام أنه قال :
الدنيا كلها جهل إلا مواضع العلم .
والعلم كله حجة إلا ما عمل به ، والعمل كله رياء إلا ما كان مخلصا .
و الإخلاص على خطر ، حتى ينظر العبد بما يختم له [1].
 
ويا طيب : هذا بيان لعلم الإمام بالأخلاق وتطبيقها ، وإن كان كل شيء بتوسعة معنى الأخلاق من سيرته يدل على علمه ومعرفته بأصول الآداب والأخلاق العالية العظيمة ، والتي أكتسبها بفضل الله من آبائه الكرام حتى رسول الله الذي قال سبحانه في حقه : إنك لعلى خلق عظيم ، وهم ذرية بعضها من بعض ، وقد جعلهم الله أئمة بما صبروا ، ونور مرفوع يعلمون هداه بكل حالا لهم حتى لم يلههم مله عن ذكر الله ، وهذه مواضيع عامة في الأخلاق الكريمة والآداب الحسنة فتحقق بها يا طيب :
 
 

الموضوع الأول : فضل مكارم الآخلاق :

وفيه مطالب :

 
 
أولها : أحاديث عن الإمام الرضا في حُسن الخلق :
عن الإمام الرضا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
 عليكم بحسن الخلق فإن حسن الخلق في الجنة لا محالة .
و إياكم و سوء الخلق فإن سوء الخلق في النار لا محالة [2].
وقال صلى الله عليه وآله وسلم :
الخلق السيئ يفسد العمل كما يفسد الخل العسل .
وقال صلى الله عليه وآله وسلم :
إن العبد لينال بحسن خلقه درجة الصائم القائم .
وقال صلى الله عليه وآله وسلم :
ما من شي‏ء أثقل في الميزان من حسن الخلق [3].
وقال صلى الله عليه وآله وسلم :
أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم خلقا و خيركم لأهله .
وقال صلى الله عليه وآله وسلم :
 أحسن الناس إيمانا أحسنهم خلقا ، وألطفهم بأهله وأنا ألطفكم بأهلي[4].
وقال الإمام الرضا عليه السلام قال أمير المؤمنين عليه السلام :
أكملكم إيمانا أحسنكم خلقا .
وقال عليه السلام :
من كنوز البر : إخفاء العمل ، والصبر على الرزايا ،وكتمان المصائب .
وقال عليه السلام : حسن الخلق خير قرين .
وقال عليه السلام : أكثر ما يدخل به الجنة ، قال : تقوى الله ، و حسن الخلق .
 و سئل عن أكثر ما يدخل به النار ، قال : الأجوفان البطن و الفرج [5].
وعن الإمام الرضا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
 من كان مسلما : فلا يمكر ، و لا يخدع ، فإني سمعت جبرائيل عليه السلام يقول : إن المكر و الخديعة في النار .
ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم : ليس منا من غش مسلما ، و ليس منا من خان مسلما ،  إن جبرائيل الروح الأمين نزل علي من عند رب العالمين ، فقال : يا محمد عليك بحسن الخلق ، فإنه يذهب بخير الدنيا و الآخرة ، ألا و إن أشبهكم بي أحسنكم خلقا [6].
وذكرت أحاديث : كثيرة عن الإمام الرضا في الأخلاق الكريمة ومواضيعها المختلفة والآداب الحسن والمعاشرة الطيبة في جميع المجالات الحياة وشؤونها الاجتماعية مما يخص الفرد أو المجتمع أو الأسرة والحكومة والاقتصاد وتدبير المعيشة ، وإن شاء الله سنجعل لها جزء خاص ننقل فيه أحاديث الإمام الرضا عليه السلام في كل موضع وباب من أصول الدين وفروعه والأخلاق والآداب وغيرها ، ونترك التفصيل لمحله إن وفقنا الله تعالى ، وننقل هنا مواضع عامة من كتاب فقه الإمام الرضا عليه السلام في الخلق العام للفرد في المجتمع والأسرة :
 
 
 
ثانيها :أحاديث عن الإمام الرضا في مكارم الأخلاق :
ذكر في فقه الإمام الرضا عليه السلام في معاني مكارم الأخلاق :
 نروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
 أنه قال : بعثت بمكارم الأخلاق .
وذكر أروي عن العالم  ـ علي بن موسى الرضا عليه السلام قال ـ:
أن الله جل وعلا خص رسوله بمكارم الأخلاق ، فامتحنوا أنفسكم : فإن كانت فيكم فاحمدوا الله ، و إلا فاسألوه و ارغبوا إليه فيها .
قال عليه السلام و ذكرها عشرة : اليقين ، و القناعة ، و البصيرة ، و الشكر ، و الحلم ، و حسن الخلق ، و السخاء ، و الغيرة ، و الشجاعة ، و المروءة ، و في خبر آخر زاد فيها : الصدق ، و الحياء ، و أداء الأمانة .
 وقال وأروي عن العالم ـ علي بن موسى الرضا عليه السلام ـ :
 ما نزل من السماء أجل و لا أعز من ثلاثة :
 التسليم ، و البر ، و اليقين .
وقال وأروي عن العالم ـ علي بن موسى الرضا عليه السلام ـ: إن الله عز وجل أوحى إلى آدم عليه السلام أن اجتمع الكلام كله في أربع كلمات .
فقال عليه السلام : يا رب بينهن لي .
فأوحى الله إليه : واحدة لي ، و أخرى لك ، و أخرى بيني و بينك ، و أخرى بينك و بين الناس . فالتي لي : تؤمن بي و لا تشرك بي شيئا .
و التي لك : فأجازيك عنها أحوج ما تكون إلى المجازاة .
و التي بينك و بيني : فعليك الدعاء و على الإجابة .
 والتي بينك وبين الناس : فإن ترضى لهم ما ترضى لنفسك ، و تكره لهم ما تكره لنفسك .
وذكر أروي : أنه سئل العالم عليه السلام عن خيار العباد .
فقال عليه السلام : الذين إذا أحسنوا استبشروا ، و إذا أساءوا استغفروا ، و إذا أعطوا شكروا ، و إذا ابتلوا صبروا ، و إذا غضبوا عفوا .
 و أروي أن رجلا سأل العالم عليه السلام : أن يعلمه ما ينال به خير الدنيا و الآخرة و لا يطول عليه . فقال عليه السلام : لا تغضب .
و نروي أن رجلا أتى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا رسول الله علمني خلقا يجمع لي خير الدنيا و الآخرة .
فقال صلى الله عليه وآله : لا تكذب .
قال الرجل : و كنت على حالة يكرهها الله فتركتها خوفا أن يسألني سائل عنها ، عملت كذا و كذا ، فأفتضح ، أو أكذب فأكون قد خالفت رسول الله ص فيما حملني عليه .
 و أروي عن العالم علي بن موسى الرضا عليه السلام أنه قال :
عجبت لمن يشتري العبيد بماله فيعتقهم .
كيف لا يشتري الأحرار بحسن خلقه .
و نروي : كبر الدار من السعادة ، و كثرة المحبين من السعادة ، و موافقة الزوجة كمال السرور .
 و نروي : تعاهد الرجل ضيعته من المروءة ، و سمن الدابة من المروءة ، و الإحسان إلى الخادم من المروءة .
 و أروي : أن الله تبارك و تعالى يحب الجمال و التجمل ، و يبغض البؤس و التباؤس ، و أن الله عز و جل يبغض من الرجال القاذورة ، و أنه إذا أنعم على عبده نعمة أحب أن يرى أثر تلك النعمة .
 و روي : جصص الدار ، و اكسح الأفنية و نظفها ، و أسرج السراج قبل مغيب الشمس ، كل ذلك ينفي الفقر و يزيد في الرزق .
و أروي عن العالم عليه السلام قلت له : أي الخصال بالمرء أجمل .
فقال عليه السلام : وقار بلا مهابة ، وسماح بلا طلب المكافأة ، وتشاغل بغير صلاح الدنيا .
و روي : لا تقطع أوداءك فيطفئ نورك .
 و روي : أن الرحم إذا بعدت غبطت ، و إذا تماست عطبت .
 و روي : سر سنتين بر والديك ، سر سنة صل رحمك ، سر ميلا عد مريضا ، سر ميلين شيع جنازة ، سر ثلاثة أميال أجب دعوة ، سر أربعة أميال زر أخاك في الله ، سر خمسة أميال انصر مظلوما ، سر ستة أميال أغث ملهوفا ، سر عشرة أميال في قضاء حاجة المؤمن ، و عليك بالاستغفار .
 و نروي : بروا آباءكم يبركم أبناؤكم .
كفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم .
 و أروي : الأخ الكبير بمنزلة الأب .
 و أروي أن رسول الله صلى الله عليه وآله : كان يقسم لحظاته بين جلسائه ، و ما سئل عن شي‏ء قط فقال لا ـ بأبي هو و أمي ـ و لا عاتب أحدا على ذنب أذنب .
 و نروي : من عرض لأخيه المؤمن في حديثه ، فكأنما خدش وجهه .
 و نروي : أن رسول الله صلى الله عليه وآله لعن ثلاثة : آكل زاده وحده ، و راكب الفلاة وحده ، و النائم في بيت وحده .
 و أروي : أطرفوا أهاليكم في كل جمعة بشي‏ء من الفاكهة و اللحم ؛ حتى يفرحوا بالجمعة .
و نروي : أن كنت تحب أن تنشب لك النعمة ، و تكمل لك المروءة ، و تصلح لك المعيشة ، فلا تشرك العبيد و السفلة في أمرك ، فإنك إن ائتمنتهم خانوك ، وإن حدثوك كذبوك ، وإن نكبت خذلوك ، ولا عليك أن تصحب ذا العقل ، فإن لم تحمد كرمه انتفع بعقله ، و احترز من سيء الأخلاق ، و لا تدع صحبة الكريم ، و إن لم تحمد عقله و لكن تنتفع بكرمه بعقلك ، و فر الفرار كله من الأحمق اللئيم .
 و نروي : انظر إلى من هو دونك في المقدرة ، و لا تنظر إلى من هو فوقك ، فإن ذلك أقنع لك و أحرى أن تستوجب زيادة .
 و اعلم : أن العمل الدائم القليل على اليقين ، و البصيرة أفضل عند الله من العمل الكثير على غير اليقين و الجهل .
و اعلم : أنه لا ورع أنفع من تجنب محارم الله ، والكف عن أذى المؤمن ، و لا عيش أهنأ من حسن الخلق ، و لا مال أنفع من القنوع ، و لا جهل أضر من العجب ، و لا تخاصم العلماء و لا تلاعبهم و لا تحاربهم و لا تواضعهم .
 و نروي : من احتمل الجفاء لم يشكر النعمة .
 و أروي عن العالم عليه السلام أنه قال : رحم الله عبدا حببنا إلى الناس و لم يبغضنا إليهم ، و أيم الله لو يرون محاسن كلامنا لكانوا أعز ، و لا استطاع أن يتعلق عليهم بشي‏ء .
 و نروي أن رجلا قال للصادق عليه السلام : يا ابن رسول الله فيم المروءة ، فقال : أ لا يراك حيث نهاك ، و لا يفقدك من حيث أمرك [7].
 
 
 
 
ثالثها :أحاديث عن الإمام الرضا في السخاء والمعروف:
 وروا في فقه الإمام الرضا عليه السلام أنه قال :
السخاء : شجرة في الجنة أغصانها في الدنيا فمن تعلق بغصن منها أدته إلى الجنة ، و البخل شجرة في النار أغصانها في الدنيا فمن تعلق بغصن من أغصانها أدته إلى النار ، أعاذنا الله و إياكم من النار .
 و نروي : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لعدي بن حاتم :
رفع عن أبيك العذاب الشديد بسخاوة نفسه .
و أروي عن العالم ـ علي بن موسى الرضا عليهم السلام ـ أنه قال :
 أطعموا الطعام ، و أفشوا السلام ، و صلوا و الناس نيام ، و ادخلوا الجنة بسلام .
 و أروي : إياك و السخي فإن الله جل و عز يأخذ بيده [8] .
أروي عن العالم عليه السلام أنه قال : أهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة ، لأن الله جل و عز يقول لهم : قد غفرت لكم ذنوبكم تفضلا عليكم لأنكم كنتم أهل المعروف في الدنيا ، و بقيت حسناتكم فهبوها لمن تشاءون ، فتكونوا بها أهل المعروف في الآخرة .
 و قال عليه السلام : إن لله عبادا يفزع العباد إليهم في حوائجهم ، أولئك الآمنون ، كل معروف صدقة .
فقلت له : يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، و إن كان غنياً .
فقال عليه السلام : و إن كان غنياً .
 و أروي المعروف : كاسمه و ليس شي‏ء أفضل منه إلا ثوابه ، و هو هدية من الله إلى عبده المؤمن ، وليس كل من يحب أن يصنع المعروف إلى الناس يصنعه ،ولا كل من رغب فيه يقدر عليه ، ولا كل من يقدر عليه يؤذن له فيه ، فإذا منَّ الله على العبد المؤمن جمع الله له الرغبة و القدرة و الإذن ، فهناك تجب السعادة .
 و نروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من أدخل على مؤمن فرحا فقد أدخل عليَّ فرحا ، و من أدخل علي فرحا فقد اتخذ عند الله عهدا ، و من اتخذ عند الله عهدا جاء من الآمنين يوم القيامة .
 و روي : اصطنع المعروف إلى أهله و إلى غير أهله ،  فإن لم يكن من أهله ، فكن أنت من أهله .
 و روي : لا يتم المعروف إلا بثلاث  : خصال تعجيله ، و تصغيره ، و ستره ، فإذا عجلته هنأته ، و إذا صغرته عظمته ، و إذا سترته أتممته .
 و روي : إذا سألك أخوك حاجة فبادر بقضائها قبل استغنائه عنها[9] .
 
عن الحسن بن علي الوشاء قال سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول :
السخي قريب من الله قريب من الجنة قريب من الناس بعيد من النار .
و البخيل بعيد من الجنة بعيد من الناس قريب من النار .
قال و سمعته يقول : السخاء شجرة في الجنة أغصانها في الدنيا من تعلق بغصن من أغصانها دخل الجنة [10].
وذكر عن الإمام الرضا عليه السلام كثير من الأدعية والآداب العامة لكل أحوال العبادة وما يحتاجه الإنسان في فروع التكاليف فضلا عن أصول الدين ، كما ذكر له كثير من العلوم والمعارف في تعريف الخلق الكريم والآداب الحسنة في جميع ألأحوال سواء كانت خاصة أو في المجتمع أو فردية وعائلية أو في المعالات مع الآخرين من أولي الرحم أو غيرهم .
وفي كلها يا طيب : نرى إمامنا وولي ديننا الإمام الرضا عليه السلام يعرفنا مكارم الأخلاق والتجمل والمروءة والحياء والبر و صلة الأرحام ، وغير ذلك من الآداب من التوكل على الله والرجاء من الله والتفويض إلى الله وأن كل ما صنعه الله للمؤمن فهو خير له ، وأنه من أعطي الدين فقد أعطي الدنيا ، وله أحاديث في باب القناعة ، و الكفاف ، واليأس مما في أيدي الناس  ، والصبر و الكتمان و النصيحة ، والتواضع و الزهد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
وقد عرفت يا طيب : شيئا من كلامه عن  النيات و إن نية المؤمن خير من عمله ، وفي باب التفكر والاعتبار و الهم في الدين والإخلاص و اليقين والبصيرة والتقوى والخوف والرجاء و الطاعة لله عز وجل ، كما هناك مواضيع أخرى ينهى عنها تصب في باب البدع و الضلالة وأن كل رئاسة إلى النار والرياء و النفاق والعجب وحديث النفس وغيرها .
وذكر كل هذه المواضيع وبيانها : يخرجنا عن بيان نفس سيرته الكريمة وأحواله الشريف وما عرفنا من الآداب بمظهره الحسن ، فنختصر لك البحث يا طيب ، فنذكر بعض الآداب الحسنة والسنن الكريمة للإنسان في نفسه وما يجب أن يكون حاله في سيرته وسلوكه وأحواله الشخصية في الموضوع الثاني الآتي الذي يكون تطبيق آخر للخلق الحسن ، ثم نتكلم في البحث الثاني عما نقل عنه في سيرته العملية العلمية بنفسه وتطبيقه لتعاليمه بجد واجتهاد كما عرفت في الباب السابق من عبوديته في الصلاة وتوابعها وكيفية الإخلاص فيها ، وعن يقين بضرورة إقامة هدى الله وعبوديته بكل معارف دينه القيم .
 
 
 

الموضوع الثاني

تعاليم وأدعية للآداب الحسنة

وعن فقه الإمام الرضا عليه السلام : ذكر في الآداب والتجمل والزينة وما يهم الإنسان في خروجه ودخوله وذهابه وإيابه وغيرها في عدة أبواب ، ننقل منها ما تيسر ويناسب هذا الباب ، وهي كثيرة الفائدة عظيمة النفع لاكتساب مكارم الأخلاق والتحلي بحسن الآداب ، والجميل إنها في هذا الباب مع أدعية مناسبة ، تجعل الإنسان دائم الذكر لله تعالى ومتوجه بكل حال له لعبوديته ، فيكون في عبادة وتطبيق علمي وعملي لمعارفه ودينه القيم ، وهذا التعليم الشريف مما يهب الإنسان معرفة الله وخشيته وخوفه ورجاءه في كل أحواله ، فيكون معه تعالى ، ونسأل الله أن يرزقنا حفظها والتأدب بها والتحلي بها ظاهرين بأفضل ما منَّ الله به على أولياءه الطيبين الطاهرين إنه أرحم الراحمين أمين يا رب العالمين.
فهذه يا طيب : بين يديك بعض الأخلاق الشريف والآداب الحسنة  رزقك الله حفظها والتحلي والتجلي بها بحق محمد وآله الطيبين الطاهرين  .
 
قال الإمام الرضا على ما في كتاب فقه الرضا عليه السلام :
إذا لبست ثوبك الجديد فقل : الحمد لله الذي كساني من الرياش ما أواري به عورتي و أتجمل به عند الناس ، اللهم اجعله لباس التقوى ولباس العافية ، واجعله لباسا أسعى فيه لمرضاتك وأعمر فيها مساجدك .
 
وإذا أردت أن تلبس السراويل : فلا تلبسه و أنت قائم ، والبس و أنت جالس ، فإنه يورث الحبن والماء الأصفر ويورث الغم والهم ، و قل : بسم الله ، اللهم استر عورتي ولا تهتكني في عرصات القيامة ، وأعف فرجي ، ولا تخلع عني زينة الإيمان .
وإذا تعممت فقل : بسم الله ، اللهم ارفع ذكري وأعل شأني ، وأعزني بعزتك وأكرمني بكرمك بين يديك و بين خلقك ، اللهم توجني بتاج الكرامة و العز و القبول .
 
وإذا لبست خاتما فقل : اللهم سمني بسيماء الإيمان ، واختم لي بالخير ، و اجعل عاقبتي إلى خير ، إنك أنت العزيز الكريم .
 
وإذا أردت النظر في المرآة : فخذها بيدك اليسرى ، وقل : بسم الله . فإذا نظرت فيها فضع يدك اليمنى على مقدم رأسك ، و امسح على وجهك واقبض لحيتك ، وانظر في المرآة و تقول :
الحمد لله الذي خلقني بشرا سويا ، وزينني و لم يشني ، وفضلني على كثير من خلقه ، ومنَّ علي بالإسلام ورضيه لي دينا .
 ثم ضعها من يدك و قل : اللهم لا تغير ما بنا من أنعمك ، واجعلنا لأنعمك من الشاكرين و لآلائك من الذاكرين [11].
 
فإذا أردت الحجامة : فاجلس بين يدي الحجام وأنت متربع ، وقل : بسم الله الرحمن الرحيم ، أعوذ بالله الكريم في حجامتي من العين في الدم ، ومن كل سوء وأعلال وأمراض وأسقام و أوجاع ، وأسألك العافية والمعافاة والشفاء من كل داء .
 و قد روي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : اقرأ آية الكرسي و احتجم أي يوم شئت ، و تصدق و اخرج أي يوم شئت .
 
و إذا أردت أن تأخذ شعرك : فابدأ بالناصية فإنها من السنة ، و قل : بسم الله و بالله و على ملة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  وسنته ، حنيفا مسلما وما أنا من المشركين ، اللهم أعطني بكل شعرة نورا ساطعا يوم القيامة .
فإذا فرغت فقل : اللهم زيني بالتقى وجنبني الردى ، وجنب شعري وبشري المعاصي وجميع ما تكره مني ، فإني لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضرا . و استقبل القبلة و ابتدئ بالناصية ، و احلق إلى العظمين النابتين الدانيين للأذنين ، و بالله التوفيق [12].
 
و إذا أردت أن تكتحل : فخذ الميل بيدك اليمنى ، واضربه في المكحلة وقل : بسم الله ، وإذا جعلت الميل في عينك :
فقل : اللهم نور بصري ، واجعل فيه نورا أبصر به حقك ، واهدني إلى طريق الحق ، وأرشدني إلى سبيل الرشاد ، اللهم نور علي دنياي وآخرتي .
 
و إذا أردت أن تمشط لحيتك : فخذ المشط بيدك اليمنى ، وقل : بسم الله ، وضع المشط على أم رأسك .
 ثم تسرح مقدم رأسك ، وقل : اللهم حسن شعري وبشري ، وطيب عيشي ، وأفرق عني السوء . ثم تسرح مؤخر رأسك . وقل : اللهم لا تردني على عقبي ، واصرف عني كيد الشيطان و لا تمكنه مني . ثم سرح حاجبيك ، وقل : اللهم زيني بزينة أهل التقوى .
 ثم تسرح لحيتك من فوق ، وقل : اللهم سرح عني الغموم والهموم ووسوسة الصدور . ثم أمر المشط على صدغك .
 ثم امسح وجهك بماء ورد : فإني أروي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : من أراد أن يذهب في حاجة له ومسح وجهه بماء ورد لم يرهق وتقضى حاجته ، ولا يصيبه قتر ولا ذلة .
 
وإذا لبست الخف أو النعل : فابدأ برجلك اليمنى قبل اليسرى ، وإذا أردت لبسه ، فقل : بسم الله والحمد لله ، اللهم صل على محمد و آل محمد ، اللهم وطئ قدمي في الدنيا والآخرة وثبتهما على الإيمان ، ولا تزلهما يوم زلزلة الأقدام ، اللهم وقني من جميع الآفات والعاهات والأذى .
و إذا أردت أن تنزعهما فقل : اللهم فرج عني كل هم وغم ، ولا تنزع عني حلة الإيمان .
 
 وإذا أردت الخروج من منزلك فقل : بسم الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ، توكلت على الله ، فإنك إذا قلت هذا : نادى ملك في قولك : بسم الله هديت أيها العبد ، و في قولك : لا حول و لا قوة إلا بالله وقيت ، و في قولك : توكلت على الله كفيت ، فيقول الشيطان : حينئذ كيف لي بعبد هدي و وقي و كفي . و اقرأ قل هو الله أحد : مرة عن يمينك ، و مرة عن يسارك ، و مرة من خلفك ، و مرة من بين يديك ، و مرة من فوقك ، و مرة من تحتك ، فإنك تكون في يومك كله في أمان الله تعالى .
 
و إذا وضعت رجلك في الركاب فقل : بسم الله و بالله و الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله ، الحمد لله الذي سخر لنا هذا و ما كنا له مقرنين ، ومن علينا بالإيمان وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم .
 
 فإذا دخلت سوقا من أسواق المسلمين فقل :لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك و له الحمد ، يحيي و يميت و هو حي لا يموت ، بيده الخير و هو على كل شي‏ء قدير ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، اللهم ارزقني من خيرها وخير أهلها .
واجتهد : أن لا تلقى أخا من إخوانك : إلا تبسمت في وجهه ، وضحكت معه في مرضاة الله ، فإنه نروي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال :
من ضحك في وجه أخيه المؤمن تواضعا لله جل وعز أدخله الجنة .
 
و إذا رأيت ذميا فقل : الحمد لله الذي فضلني عليك بالإسلام دينا وبالقرآن كتابا ، وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم رسولا ونبيا ، وبالمؤمنين إخوانا ، وبالكعبة قبلة . فإنه من قال ذلك : لا يجمع بينه وبينه في النار ، ويعتقه منها .
 
فإذا نظرت إلى أهل البلاء فقل : ثلاث مرات ، الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به ، ولو شاء لفعل ، وأنا أعوذ بالله منها ومما ابتلاك به ، والحمد لله الذي فضلني على كثير من خلقه .
 
وإذا كان لك دين على قوم و قد تعسر عليك أخذه فقل : اللهم لحظة من لحظاتك الكرام تيسر على غرمائي بها القضاء ، وتيسر لي بها منهم الاقتضاء ، إنك على كل شي‏ء قدير .
وإذا وقع عليك دين فقل اللهم : أغنني بحلالك عن حرامك ، وأغنني بفضلك عمن سواك . فإنه نروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لو كان عليك مثل صبير دينا ، قضاه الله عنك ـ والصبير جبل باليمن يقال : لا يرى جبل أعظم منه ـ .
وروي أكثر من : الاستغفار ، وأرطب لسانك بقراءة : إنا أنزلناه في ليلة القدر .
وإذا أردت سفراً : فاجمع أهلك ، وصل ركعتين ، وقل : اللهم إني أستودعك ديني و نفسي و أهلي و ولدي و عيالي .
 
فإذا اشتريت متاعا أو سلعة أو جارية أو دابة فقل : اللهم إني اشتريته ألتمس فيه من رزقك ، فاجعل لي فيه رزقا ، اللهم إني ألتمس فيه فضلك فاجعل لي فيه فضلا ، اللهم إني ألتمس فيه من خيرك وبركتك وسعة رزقك ، فاجعل لي فيه رزقا واسعا وريحا طيبا هنيئا مريئا ، يقولها ثلاث مرات .
 
فإذا دخلت على سلطان تخاف شره فقل : اللهم إني أسألك خير فلان و أعوذ بك من شره ، وأسألك بركته وأعوذ بك من فتنته ، اللهم اجعل حاجتي أولها صلاحا وأوسطها فلاحا وآخرها نجاحا .
 
و إذا كان لك إلى رجل حاجة فقل : خيرك بين عينيك وشرك تحت قدميك ، وأنا أستعين بالله عليك ، تقول ذلك مرارا .
 
وإذا أصبت بمال فقل : اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك وفي قبضتك ناصيتي بيدك تحكم ما تشاء و تفعل ما تريد ، اللهم فلك الحمد على حسن قضائك وبلائك ، اللهم هو مالك ورزقك وأنا عبدك خولتني حين رزقتني ، اللهم فألهمني شكرك فيه والصبر عليه حين أصبت وأخذت ، اللهم أنت أعطيت وأنت أصبت ، اللهم لا تحرمني ثوابه ولا تنسني من خلفه في دنياي وآخرتي ، إنك على كل شي‏ء قدير ، اللهم أنا لك وبك وإليك ومنك لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا .
 
وإذا أردت أن تحرز متاعك : فاقرأ آية الكرسي واكتبها و ضعها في وسطه ، واكتب أيضا ،{ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } يس9، لا ضيعة على ما حفظ الله ، { فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِي اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } التوبة129 ، فإنك قد أحرزت إن شاء الله ، فلا يصل إليه سوء بإذن الله .
 
فإذا رأيت الأسد : فكبر في وجهه ثلاث تكبيرات ، وقل الله أعز وأكبر و أجل من كل شي‏ء أكبر ، وأعوذ بالله مما أخاف وأحذر .
فإذا نبحك الكلب فاقرأ : يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ إلى آخرها .
وإذا نزلت منزلا تخاف فيه السبع فقل : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك و له الحمد يحيي و يميت و هو حي لا يموت بيده الخير و هو على كل شي‏ء قدير ، أعوذ بالله من شر كل سبع .
و إن خفت عقربا فقل : أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر و لا فاجر ، من شر كل ذي شر ، ومن شر ما ذرأ وبرأ ، ومن شر كل دابة هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم .
و إذا كرهت أمرا فقل : حسبي الله و نعم الوكيل .
 
و إذا دخلت منزلك :فسلم على أهلك ، فإن لم يكن فيه أحد فقل : بسم الله وبالله ، والسلام على رسول الله والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
 
 و اتق في جميع أمورك : وأحسن خلقك ، وأجمل معاشرتك مع الصغير و الكبير ، وتواضع مع العلماء وأهل الدين ، وأرفق بما ملكت يمينك ، وتعاهد إخوانك و سارع في قضاء حوائجهم .
و إياك : و الغيبة ، و النميمة ، و سوء الخلق مع أهلك و عيالك .
 
و أحسن مجاورة من جاورك : فإن الله يسألك عن الجار ، و قد نروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أن الله تبارك و تعالى أوصاني بالجار حتى طننت أنه يرثني ، و بالله التوفيق [13]
 
 
 
 
 
 

البحث الثاني

آداب الإمام الرضا العملية وخلقه الحسن

عرفت يا طيب : عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام بعض المعارف القيمة في الآداب العلمية الكريمة ، والعلوم الشريفة للأخلاق الحسنة في البحث السابق ، وإنها بحق عين التجلي لبيان حقائق هدى الله ودينه القيم التي تجعل الإنسان في كل حال معه وفي عبوديته ، وحتى ليكون من الذاكرين لفضله ولكرمه ولطلب خيره والمزيد من نعمه والمحافظة عليها بكل سيرته وسلوكه ،وإنها بحق تمثل نور كمال المؤمن وبما لا تجده في دين من أديان الدنيا الكتابية وغيرها .
وإن حقائق الدين المرضي لله هو المنقول عن أئمة الحق عليهم السلام ، وهذه كانت بعض معارف تعليم الإمام الثامن علي بن موسى الرضا من آل محمد صلى الله عليهم وسلم ، للأخلاق الحسنة والظهور بالآداب الكريمة مع خالق الكون والمنعم الأبدي ، والتزين بكرمه وفضله والظهور بنعمه بما يحب ويرضى أمام خلقه ، وترينا آداب كريمة وخُلق حسن يتوق له العارفون ويرنوا لتعلمه المؤمنون ، ويرجوا التوفيق لحفظها والتحلي والتجلي بها الطيبون ، ويا حبذا لو يوفقنا الله للتحلي والتجلي بها لنكون معه تعالى في كل حين كإمامنا وآله الكرام.
ويا طيب : بعد المعرفة العلمية وآداب الهدى الإلهي الدينية للتحقق بعبوديته تعالى وإظهار الإخلاص له في كل حال حتى في حال التجمل والتزين والظهور ، وبهذه المعارف الكريمة التي تبعدنا عن الرياء والسمعة والشرك ، نأتي لذكر بعض أحوال الإمام وسيرته في خلقه الحسنة ومكارم أخلاقه الشخصية مما نقل عنه عملا ، لنراه ذلك الإمام المتعبد لله بكل حال له ، وأسأل الله أن يرزقنا معرفته والتحلي بآدابه والظهور بها إنه ولي التوفيق وهو أرحم الراحمين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين  .
 
 
 
أولاً : تجمل الإمام الرضا بخاتمه ونقشه :
عن يونس ، عن الرضا عليه السلام قال : قال :
(( نقش خاتمي : ما شاء الله لا قوة إلا بالله ))[14].
وذكر المجلس : نقش خاتمه عليه السلام ( وليّي الله )[15] .
قاله : في خبر آخر لهرثمة بن أعين في وفاته عليه السلام ، والظاهر أنه من كلام الصدوق رحمه الله وقد مضى في نقش خاتم أبيه عليهما السلام أنه كان يتختم بخاتم  أبيه وأنه كان نقشه " حسبي الله " [16]
عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قالَ سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرضا عليه السلام : عَنْ نَقْشِ خَاتَمِهِ وَ خَاتَمِ أَبِيهِ .
قالَ عليه السلام : نَقْشُ خَاتَمِي : مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ، وَ نَقْشُ خَاتَمِ أَبِي : حَسْبِيَ اللَّهُ ، وَ هُوَ الَّذِي كُنْتُ أُخَتِّمُ بِهِ [17].
وعَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرضا عليه السلام فِي حَدِيثٍ : أَنَّهُ أَرَاهُ خَاتَمَ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، وَفِيهِ وَرْدَةٌ وَ هِلَالٌ فِي أَعْلَاهُ[18].
أقول : لا مانع من وجود عدة خواتم للإمام عليه السلام وعلى كل واحد منه نقش مخصوص لأسم من أسماء الله الحسنى ، إما في زمان واحد أو في أزمنة مختلفة ، وهو يتختم به حساب حاله والظروف الموجبة للتختم بهذا الخاتم صاحب الذكر المخصوص ، ولعل كان خاتمه الأول هو الخاص به دائما وهو ختمه الذي يختم به على كتبه ورسائل ، وكان يلبس خاتم أبيه معه أو في أوقات مخصوصة .
 
 
ثانيا : تجمل الإمام الرضا بالعطر وتطيبه بالبخور :
عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرضا عليه السلام قالَ : الطِّيبُ مِنْ أَخْلَاقِ الْأَنْبِيَاءِ [19].
وعن محمد بن الوليد الكرماني قال : قلت لأبي جعفر الثاني ـ محمد بن علي الجواد ـ عليهم السلام : ما تقول في المسك ؟
فقال عليه السلام : إن أبي ـ علي بن موسى ـ أمر ، فعمل له مسك في بان بسبع مائة درهم .
 فكتب إليه الفضل بن سهل يخبره أن الناس يعيبون ذلك .
 فكتب إليه : يا فضل أما علمت أن يوسف صلى الله عليه وهو نبي كان يلبس الديباج مزرداً بالذهب ، ويجلس على كراسي الذهب ، فلم ينقص ذلك من حكمته شيئا ؟
قال : ثم أمر فعملت له غالية بأربعة آلاف درهم [20].
 
عن معمر بن خلاد قال :  أمرني أبو الحسن الرضا عليه السلام فعملت له دهنا فيه مسك وعنبر ، فأمرني : أن أكتب في قرطاس آية الكرسي وأم الكتاب والمعوذتين ، وقوارع من القرآن ، وأجعله بين الغلاف والقارورة . ففعلت ، ثم أتيته ، فتغلب به وأنا أنظر إليه[21] .
 
عن ابن أسباط ، عن الحسن بن الجهم قال :
 خرج إلي أبو الحسن عليه السلام فوجدت منه رائحة التجمير [22].
عن الحسن بن الجهم قال:رأيت أبا الحسن عليه السلام يدهن بالخيري[23].
عن الحسن بن الجهم قال :
 دخلت على أبي الحسن عليه السلام وقد أختضب بالسواد [24].
عَنِ الرضا عليه السلام قالَ قالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام :
الْحِنَّاءُ بَعْدَ النُّورَةِ أَمَانٌ مِنَ الْجُذَامِ وَ الْبَرَصِ [25].
دخل الرضا عليه السلام الحمام فقال له بعض الناس :
دلكني فجعل يدلكه فعرفوه ، فجعل الرجل يستعذر منه ، وهو يطيب قلبه ويدلكه[26]
وعَنْ مُعَمَّرِ بْنِ خَلَّادٍ قالَ سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى الرضا عليه السلام يَقُولُ:
 ثَلَاثٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ : الْعِطْرُ ، وَأَخْذُ الشَّعْرِ ، وَكَثْرَةُ الطَّرُوقَةِ[27] .
 
وعَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ قالَ كَانَ أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى عليه السلام :
 يَسْتَعِطُ بِالشَّلِيثَا وَ بِالزَّنْبَقِ الشَّدِيدِ الْحَرِّ خَسْفَيْهِ ، قالَ : وَكَانَ الرضا عليه السلام أَيْضاً يَسْتَعِطُ بِهِ ، فَقلتُ : لِعَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ لِمَ ذَلِكَ ، فَقالَ عَلِيٌّ : ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِبَعْضِ الْمُتَطَبِّبِينَ فَذَكَرَ أَنَّهُ جَيِّدٌ لِلْجِمَاعِ[28] .
وعَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ قالَ سَمِعْتُ الرضا عليه السلام يَقُولُ :
التَّثَاؤُبُ مِنَ الشَّيْطَانِ ، وَ الْعَطْسَةُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ [29].
 
وعَنِ الرضا عليه السلام قالَ : مَنْ خَرَجَ فِي حَاجَةٍ وَ مَسَحَ وَجْهَهُ بِمَاءِ الْوَرْدِ لَمْ يَرْهَقْ وَجْهَهُ قَتَرٌ وَ لَا ذِلَّةٌ .
 وَ مَنْ شَرِبَ مِنْ سُؤْرِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ يُرِيدُ بِهِ التَّوَاضُعَ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ الْبَتَّةَ .
 وَ مَنْ تَبَسَّمَ فِي وَجْهِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ حَسَنَةً وَ مَنْ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ حَسَنَةً لَمْ يُعَذِّبْهُ[30] .
 
وعَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَزَنْطِيِّ قالَ قالَ أَبُو الْحَسَنِ الرضا عليه السلام كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ : لَا يَأْبَى الْكَرَامَةَ إِلَّا حِمَارٌ .
فَقلتُ : مَا مَعْنَى ذَلِكَ .
فَقالَ عليه السلام : ذَلِكَ فِي الطِّيبِ يُعْرَضُ عَلَيْهِ .
 وَ التَّوْسِعَةِ فِي الْمَجَالِسِ مَنْ أَبَاهُمَا كَانَ كَمَا قالَ[31] .
 
 
ثالثا : تجمل الإمام الرضا بلباسه  وفرشه :
وعن أبي عباد قال : كان جلوس الرضا عليه السلام :
في الصيف على حصير .
وفي الشتاء على مسح .
 ولبسه الغليظ من الثياب ، حتى إذا برز للناس تزين لهم [32].
في التهذيب عن سليمان الجعفري قال :
رأيت أبا الحسن الرضا عليه السلام يصلي في جبة خز [33].
 
 
رابعا : سيرت الإمام الرضا في بيته ومع حشمه :
عن ياسر الخادم ، قال :  كان الرضا عليه السلام إذا خلا جمع حشمه كلهم عنده الصغير والكبير ، فيحدثهم ويأنس بهم ويؤنسهم ، وكان عليه السلام إذا جلس على المائدة لا يدع صغيرا ولا كبيرا حتى السائس والحجام إلا أقعده معه على مائدته [34].
عن الصولي قال : حدثتني جدتي أم أبي واسمها عذر قالت :
اشُتريت مع عدة جوار من الكوفة ، وكنت من مولداتها ، قالت : فحملنا إلى المأمون فكنا في داره في جنة من الأكل والشرب والطيب وكثرة الدنانير ، فوهبني المأمون للرضا عليه السلام ، فلما صرت في داره فقدت جميع ما كنت فيه من النعيم .
 وكانت علينا قيمة تنبهنا من الليل ، وتأخذنا بالصلاة ، وكان ذلك من أشد ما علينا ، فكنت أتمنى الخروج من داره إلى أن وهبني لجدك عبد الله بن العباس ، فلما صرت إلى منزله كأني قد أدخلت الجنة . 
قال الصولي : وما رأيت امرأة قط أتم من جدتي هذه عقلا ولا أسخى كفاً ، وتوفيت في سنة سبعين ومائتين ولها نحو مائة سنة ، فكانت تسأل عن أمر الرضا عليه السلام كثيرا فتقول :
ما أذكر منه شيئا إلا أني كنت أراه يتبخر بالعود الهندي [ النيئ ] ، ويستعمل بعده ماء ورد ومسكا .
 وكان عليه السلام : إذا صلى الغداة وكان يصليها في أول وقت ، ثم يسجد فلا يرفع رأسه إلى أن ترتفع الشمس ، ثم يقوم فيجلس للناس أو يركب . 
ولم يكن أحد يقدر أن يرفع صوته في داره كائنا من كان إنما كان يتكلم الناس قليلا .
 وكان جدي عبد الله يتبرك بجدتي هذه ، فدبرها يوم وهبت له ، فدخل عليه خاله العباس بن الأخنف الحنفي الشاعر فأعجبته ، فقال لجدي : هب لي هذه الجارية ، فقال : هي مدبرة ، فقال العباس بن الأخنف : 
يا عذر زين باسمك العذر ــ ــ وأساء لم يحسن بك الدهر[35]
 
وعن إبراهيم بن العباس قال :
 ما رأيت أبا الحسن الرضا عليه السلام جفا أحدا بكلامه قط .
 وما رأيت قطع على أحد كلامه حتى يفرغ منه .
 وما رد أحدا عن حاجة يقدر عليها .
 ولا مد رجليه بين يدي جليس له قط .
 ولا اتكأ بين يدي جليس له  قط .
ولا رأيته شتم أحدا من مواليه ومماليكه قط .
 ولا رأيته تفل قط .
 ولا رأيته يقهقه في ضحكه قط ، بل كان ضحكه التبسم .
و كان : إذا خلا ونصبت مائدته ، أجلس معه على مائدته مماليكه حتى البواب  والسائس .
وكان : قليل النوم بالليل كثير السهر يحيي أكثر لياليه من أولها إلى الصبح.
و كان : كثير الصيام فلا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشهر ، و يقول : ذلك صوم الدهر .
و كان : كثير المعروف و الصدقة في السر و أكثر ذلك يكون منه في الليالي المظلمة فمن زعم أنه رأى مثله في فضله فلا تصدق[36] .
 
عن علي بن إبراهيم بن هاشم قال حدثنا ياسر الخادم قال :
لما كان بيننا و بين طوس سبعة منازل اعتل أبو الحسن عليه السلام فدخلنا طوس و قد اشتدت به العلة ، فبقينا بطوس أياما فكان المأمون يأتيه في كل يوم مرتين ، فلما كان في آخر يومه الذي قبض فيه كان ضعيفا في ذاك اليوم .
فقال لي عليه السلام : بعد ما صلى الظهر يا ياسر ما أكل الناس شيئا ؟
قلت : يا سيدي من يأكل هاهنا مع ما أنت فيه .
فانتصب عليه السلام ثم قال : هاتوا المائدة و لم يدع من حشمه أحدا إلا أقعده معه على المائدة يتفقد واحدا واحداً ، فلما أكلوا قال : ابعثوا إلى النساء بالطعام ، فحمل الطعام إلى النساء .
 فلما فرغوا من الأكل أغمي عليه و ضعف ، فوقعت الصيحة [37].....
وعَنِ الإمام الرضا عليه السلام قالَ : صَاحِبُ النِّعْمَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّوْسِعَةُ عَنْ عِيَالِهِ[38] .
 
عَنْ يَاسِرٍ الْخَادِمِ قالَ سَمِعْتُ الرضا عليه السلام : يَقُولُ يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ قُوتِ عِيَالِهِ فِي الشِّتَاءِ وَ يَزِيدَ فِي وَقُودِهِمْ [39].
 
 
 
خامساً : بعض أحاديث الإمام الرضا في الطعام والمائدة :
عَنْ يَاسِرٍ الْخَادِمِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرضا عليه السلام قالَ :
السَّخِيُّ يَأْكُلُ طَعَامَ النَّاسِ لِيَأْكُلُوا مِنْ طَعَامِهِ .
وَالْبَخِيلُ لَا يَأْكُلُ مِنْ طَعَامِ النَّاسِ لِئَلَّا يَأْكُلُوا مِنْ طَعَامِهِ[40] .
 
وَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ بَعْضِ الْأَهْوَازِيِّينَ عَنِ الرضا عليه السلام قالَ :
إِنَّ فِي الْجَسَدِ عِرْقاً يُقالُ لَهُ الْعَشَاءُ ، فَإِذَا تَرَكَ الرَّجُلُ الْعَشَاءَ لَمْ يَزَلْ يَدْعُو عَلَيْهِ ذَلِكَ الْعِرْقُ حَتَّى يُصْبِحَ ، يَقُولُ : أَجَاعَكَ اللَّهُ كَمَا أَجَعْتَنِي ، وَ أَظْمَأَكَ اللَّهُ كَمَا أَظْمَأْتَنِي ، فَلَا يَدَعَنَّ أَحَدُكُمُ الْعَشَاءَ وَلَوْ لُقْمَةً مِنْ خُبْزٍ ، وَلَوْ شَرْبَةً مِنْ مَاءٍ[41].
 
عَنْ مُعَمَّرِ بْنِ خَلَّادٍ قالَ سَمِعْتُ الرضا عليه السلام يَقُولُ :
مَنْ أَكَلَ فِي مَنْزِلِهِ طَعَاماً فَسَقَطَ مِنْهُ شَيْ‏ءٌ فَلْيَتَنَاوَلْهُ .
وَمَنْ أَكَلَ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ خَارِجاً فَلْيَتْرُكْهُ لِطَائِرٍ أَوْ سَبُعٍ[42] .
 
عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ صَالِحٍ الْهَرَوِيِّ عَنِ الرضا عليه السلام فِي حَدِيثٍ قالَ :
وَ كَانَ عليه السلام : خَفِيفَ الْأَكْلِ ، خَفِيفَ الطَّعْمِ[43] .
 
عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنِ الرضا عليه السلام قالَ :
الْحِمَّصُ جَيِّدٌ لِوَجَعِ الظَّهْرِ وَ كَانَ يَدْعُو بِهِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَ بَعْدَهُ [44].
 
عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنِ الرضا عليه السلام قالَ :
إِذَا أَكَلْتَ فَاسْتَلْقِ عَلَى قَفَاكَ ، وَ ضَعْ رِجْلَكَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى [45].
 
  وَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَمَّنْ ذَكَرَهُ قالَ رَأَيْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرضا عليه السلام : إِذَا تَغَدَّى اسْتَلْقَى عَلَى قَفَاهُ .
وَ أَلْقَى رِجْلَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى [46].
 
عَنْ يُونُسَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرضا عليه السلام قالَ :
لَا تَقْطَعُوا الْخُبْزَ بِالسِّكِّينِ ، وَ لَكِنِ اكْسِرُوهُ بِالْيَدِ خَالِفُوا الْعَجَمَ [47].
 
عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَقْطِينٍ قالَ قالَ أَبُو الْحَسَنِ الرضا عليه السلام قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم : صَغِّرُوا رُغْفَانَكُمْ فَإِنَّ مَعَ كُلِّ رَغِيفٍ بَرَكَةً [48].
 
عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَقْطِينٍ قالَ رَأَيْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرضا عليه السلام :
 يَكْسِرُ الرَّغِيفَ إِلَى فَوْقٍ [49].
 
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْهَمَذَانِيِّ أَنَّ رَجُلًا كَانَ عِنْدَ الرضا عليه السلام :
بِخُرَاسَانَ فَقُدِّمَتْ إِلَيْهِ مَائِدَةٌ عَلَيْهَا خَلٌّ وَ مِلْحٌ ، فَافْتَتَحَ بِالْخَلِّ .
قالَ الرَّجُلُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ أَمَرْتُمُونَا أَنْ نَفْتَتِحَ بِالْمِلْحِ .
فَقالَ عليه السلام : هَذَا مِثْلُهُ ـ يَعْنِي الْخَلَّ ـ وَ أَنَّ الْخَلَّ يَشُدُّ الذِّهْنَ وَ يَزِيدُ فِي الْعَقْلِ [50].
 
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يُونُسَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرضا عليه السلام قالَ :
فَضْلُ الشَّعِيرِ عَلَى الْبُرِّ كَفَضْلِنَا عَلَى النَّاسِ .
مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَ قَدْ دَعَا لآِكِلِ الشَّعِيرِ وَ بَارَكَ عَلَيْهِ ، وَ مَا دَخَلَ جَوْفاً إِلَّا وَ أَخْرَجَ كُلَّ دَاءٍ فِيهِ ، وَ هُوَ قُوتُ الْأَنْبِيَاءِ وَ طَعَامُ الْأَبْرَارِ ، أَبَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ قُوتَ أَنْبِيَائِهِ إِلَّا شَعِيراً [51].
 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ الرضا عليه السلام قالَ : نِعْمَ الْقُوتُ السَّوِيقُ إِنْ كُنْتَ جَائِعاً أَمْسَكَ وَ إِنْ كُنْتَ شَبْعَاناً [شَبْعَانَ‏] هَضَمَ طَعَامَكَ [52].
عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ بِسْطَامَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مَرْوَ قالَ :
بَعَثَ إِلَيْنَا الرضا عليه السلام : وَ هُوَ عِنْدَنَا يَطْلُبُ السَّوِيقَ ، فَبَعَثْنَا إِلَيْهِ بِسَوِيقٍ مَلْتُوتٍ فَرَدَّهُ ، وَ بَعَثَ إِلَيَّ أَنَّ السَّوِيقَ ، وقال : إِذَا شُرِبَ عَلَى الرِّيقِ جَافّاً أَطْفَأَ الْحَرَارَةَ وَ سَكَّنَ الْمَرَارَةَ ، وَ إِذَا لُتَّ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ[53] .
عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مَحْمُودٍ قالَ قالَ لَنَا الرضا عليه السلام :
 أَيُّ الْإِدَامِ أَجْزَأُ ، فَقالَ بَعْضُنَا : اللَّحْمُ ، وَ قالَ بَعْضُنَا : الزَّيْتُ ، وَ قالَ بَعْضُنَا : اللَّبَنُ ، فَقالَ هُوَ : لَا بَلِ الْمِلْحُ ، لَقَدْ خَرَجْتُ إِلَى نُزْهَةٍ لَنَا وَ نَسِيَ الْغِلْمَانُ الْمِلْحَ ، فَذَبَحُوا لَنَا شَاةً مِنْ أَسْمَنِ مَا يَكُونُ ، فَمَا انْتَفَعْنَا مِنْهَا بِشَيْ‏ءٍ حَتَّى انْصَرَفْنَا [54].
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جَنَاحٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرضا عليه السلام قالَ :
إِذَا اكْتَهَلَ الرَّجُلُ فَلَا يَدَعْ أَنْ يَأْكُلَ بِاللَّيْلِ شَيْئاً ، فَإِنَّهُ أَهْدَأُ لِلنَّوْمِ وَ أَطْيَبُ لِلنَّكْهَةِ[55] .
وعَنِ الرضا عليه السلام عَنْ آبَائِهِ قالَ قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم :  إِذَا أَكَلْتُمُ الثَّرِيدَ فَكُلُوا مِنْ جَوَانِبِهِ فَإِنَّ الذِّرْوَةَ فِيهَا الْبَرَكَةُ  [56].
 
وعَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرضا ع عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليه السلام قالَ : إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لَيُبْغِضُ الْبَيْتَ اللَّحِمَ وَ اللَّحِمَ السَّمِينَ .
فَقالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إِنَّا لَنُحِبُّ اللَّحْمَ وَ مَا تَخْلُو بُيُوتُنَا عَنْهُ فَكَيْفَ ذَلِكَ .
فَقالَ عليه السلام : لَيْسَ حَيْثُ تَذْهَبُ ، إِنَّمَا الْبَيْتُ اللَّحِمُ الَّذِي تُؤْكَلُ لُحُومُ النَّاسِ فِيهِ بِالْغِيبَةِ ، وَ أَمَّا اللَّحِمُ السَّمِينُ فَهُوَ الْمُتَجَبِّرُ الْمُتَكَبِّرُ الْمُخْتَالُ فِي مِشْيَتِهِ [57].
 
 
 
سادساً : الإمام الرضا وإطعامه الطعام لمواليه وضيفه وشيعته :
عن معمر بن خلاد قال : كان أبو الحسن الرضا عليه السلام إذا أكل ، أتى بصحفة فتوضع قرب مائدته ، فيعمد إلى أطيب الطعام مما يؤتى به فيأخذ من كل شيء شيئاً ، فيوضع في تلك الصحفة ، ثم يأمر بها للمساكين .
 ثم يتلو هذه الآية ( فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ )البلد11 ، ثم يقول :
علم الله عز وجل أن ليس كل إنسان يقدر على عتق رقبة ، فجعل لهم السبيل إلى الجنة ، بإطعام الطعام [58].
عن عبد الله بن الصلت عن رجل من أهل بلخ قال :
كنت مع الرضا عليه السلام في سفرة إلى خراسان : فدعا يوما بمائدة له ، فجمع عليها مواليه من السودان وغيرهم .
 فقلت : جعلت فداك لو عزلت لهؤلاء مائدة .
فقال عليه السلام: مه : إن الرب تبارك وتعالى واحد ، والأم واحدة والأب واحد ، والجزاء بالأعمال [59].
 
وعن ياسر الخادم قال : أكل الغلمان يوما فاكهة ، فلم يستقصوا أكلها ورموا بها .  فقال لهم أبو الحسن عليه السلام : سبحان الله إن كنتم استغنيتم ، فإن أناسا لم يستغنوا ، أطعموه من يحتاج إليه [60].
عن ياسر الخادم ونادر جميعا قالا: قال لنا أبو الحسن صلوات الله عليه :
إن قمت على رؤوسكم وأنتم تأكلون ، فلا تقوموا حتى تفرغوا .
 ولربما دعا بعضنا ، فيقال : هم يأكلون ، فيقول : دعوهم حتى يفوغوا.
 
 وروى عن نادر الخادم قال : كان أبو الحسن عليه السلام إذا أكل أحدنا لا يستخدمه حتى يفرغ من طعامه . 
وروى نادر الخادم قال : كان أبو الحسن عليه السلام يضع جوزينجة على الأخرى ويناولني[61] .
 
مر عن الإمام الرضا عليه السلام بعض البيان لقضائه حوائج المؤمنين والاهتمام بهم في باب بيان مكارمه ومعجزاته وغيره ، وهذه بعض آخر ويأتي.
عن الإمام الرضا عليه السلام بإسناده عن رسول الله صلى الله عليه وآله إنه قال : من حق الضيف أن تمشي معه ، فتخرجه من حريمك إلى الباب[62].
عن عبيد بن أبي عبد الله البغدادي عمن أخبره قال :
نزل بأبي الحسن الرضا عليه السلام ضيف ، وكان جالسا عنده يحدثه في بعض الليل فتغير السراج ، فمد الرجل يده ليصلحه ، فزبره أبو الحسن عليه السلام ، ثم بادره بنفسه فأصلحه ثم قال :
إنا قوم لا نستخدم أضيافنا[63] .
عن سليمان بن جعفر الجعفري قال : دخلت إلى أبي الحسن الرضا صلوات الله عليه وبين يديه تمر برني  ، وهو مجد في أكله يأكله بشهوة ، فقال : يا سليمان ادن فكل .
 قال : فدنوت فأكلت معه وأنا أقول له : جعلت فداك إني أراك تأكل هذا التمر بشهوة .  فقال عليه السلام: نعم إني لأحبه . 
قال : قلت : ولم ذاك ؟
قال عليه السلام : لان رسول الله صلى الله عليه وآله كان تمرياً ، وكان أمير المؤمنين عليه السلام تمرياً ، وكان الحسن عليه السلام تمرياً ، وكان أبو عبد الله الحسين عليه السلام تمرياً ، وكان سيد العابدين عليه السلام تمرياً ، وكان أبو جعفر عليه السلام تمرياً ، وكان أبو عبد الله عليه السلام تمرياً ، وكان أبي تمرياً ، وأنا تمري ، وشيعتنا يحبون التمر لأنهم خلقوا من طينتنا .
 وأعداؤنا يا سليمان يحبون المسكر ، لأنهم خلقوا من مارج من نار [64].
 
 
 
سابعا : في كرم الإمام وتصدقه :
قد مر أعلاه بعض كرمه وإخراجه لطيب مائدته وحاله مع ضيوفه وغلمانه ، ومر بعض الوقائع الحاكية عن كرمه في فصل المعجزات ويأتي شيء منها في الفصول الآتية :
 عن يعقوب بن إسحاق النوبختي قال :
 مر رجل بأبي الحسن الرضا عليه السلام ، فقال له : أعطيني على قدر مروءتك ، قال عليه السلام : لا يسعني ذلك .
 فقال : على قدر مروءتي . قال عليه السلام : أما إذا فتعم ، ثم قال : يا غلام أعطه مائتي دينار . 
وفرق عليه السلام بخرسان ماله كله في يوم عرفة .
 فقال له الفضل بن سهل : إن هذا لمغرم .
 فقال عليه السلام : بل هو المغنم ، لا تعدن مغرما ما ابتعت به أجرا وكرماً [65].
 
عن اليسع بن حمزة قال : كنت أنا في مجلس أبي الحسن الرضا عليه السلام أحدثه وقد اجتمع إليه خلق كثير يسألونه عن الحلال والحرام ، إذ دخل عليه رجل طوال آدم فقال له : السلام عليك يا بن رسول الله ، رجل من محبيك ومحبي آبائك وأجدادك عليهم السلام ، مصدري من الحج وقد افتقدت نفقتي وما معي ما أبلغ به مرحلة ، فان رأيت أن تنهضني إلى بلدي والله عليَّ نعمة ، فإذا بلغت بلدي تصدقت بالذي توليني عنك ، فلست موضع صدقة .
 فقال له عليه السلام : اجلس رحمك الله ، وأقبل على الناس يحدثهم حتى تفرقوا ، وبقي هو وسليمان الجعفري وخيثمة وأنا .
فقال : أتأذنون لي في الدخول ؟ فقال له : يا سليمان قدم الله أمرك .
 فقام فدخل الحجرة وبقي ساعة ، ثم خرج ورد الباب ، وأخرج يده من أعلى الباب وقال : أين الخراساني ؟
 فقال : ها أنا ذا .
 فقال عليه السلام : خذ هذه المأتي دينار ، واستعن بها في مؤنتك ونفقتك وتبرك بها ولا تصدق بها عني ، واخرج فلا أراك ولا تراني . 
ثم خرج فقال سليمان : جعلت فداك لقد أجزلت ورحمت ، فلما ذا سترت وجهك عنه ؟
فقال عليه السلام : مخافة أن أرى ذل السؤال في وجهه لقضائي حاجته ، أما سمعت حديث رسول الله صلى الله عليه وآله :  المستتر بالحسنة ، تعدل سبعين حجة ، والمذيع بالسيئة مخذول ، والمستتر بها مغفور له  .
أما سمعت قول الأُول ـ أي القدماء الذين تقدم عهدهم ـ :

متى آته يوما لأطلب حاجة       رجعت إلى أهلي ووجهي بمائة[66]

 
ثامنا : في المعاملة مع الأجير :
عن سليمان بن جعفر الجعفري قال : كنت مع الرضا عليه السلام في بعض الحاجة ، فأردت أن أنصرف إلى منزلي ، فقال لي : انصرف معي ، فبت عندي الليلة ، فانطلقت معه فدخل إلى داره مع المغيب ، فنظر إلى غلمانه يعملون بالطين أواري الدواب أو غير ذلك ، وإذا معهم أسود ليس منهم .
 فقال عليه السلام : ما هذا الرجل معكم ؟قالوا : يعاوننا ونعطيه شيئا .
 قال : قاطعتموه على أجرته لا ؟ فقالوا : لا هو يرضى منا بما نعطيه .
 فأقبل عليهم يضربهم بالسوط وغضب لذلك غضبا شديدا.
فقلت : جعلت فداك لم تدخل على نفسك ؟
فقال عليه السلام : إني قد نهيتهم عن مثل هذا غير مرة أن يعمل معهم أحد حتى يقاطعوه أجرته ، واعلم أنه ما من أحد يعمل لك شيئا بغير مقاطعة ، ثم زدته لذا الشيء ثلاثة أضعاف على أجرته إلا ظن أنك قد نقصته أجرته ، وإذا قاطعته ثم أعطيته أجرته حمدك على الوفاء ، فإن زدته حبة عرف ذلك لك ، ورأى أنك قد زدته[67] .
 
وَ فِي عُيُونِ الْأَخْبَارِ بِأَسَانِيدَ تَقَدَّمَتْ فِي إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ عَنِ الرضا عليه السلا عَنْ آبَائِهِ عليهم السلام قالَ : قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم :
 إِنَّ اللَّهَ غَافِرُ كُلِّ ذَنْبٍ : إِلَّا مَنْ أَحْدَثَ دِيناً ، وَ مَنِ اغْتَصَبَ أَجِيراً أَجْرَهُ ، أَوْ رَجُلٍ بَاعَ حُرّاً [68].
 
 
 
تاسعا : إخراج الإمام عليه السلام لحقوق ماله:
عن البزنطي قال : ذكرت للرضا عليه السلام شيئا .
فقال عليه السلام : اصبر فإني أرجو أن يصنع الله لك إن شاء الله .
 ثم قال عليه السلام : فوالله ما ادخر الله عن المؤمنين من هذه الدنيا خير له مما عجل له فيها ، ثم صغر الدنيا ، وقال : أي شيء هي ؟
ثم قال : إن صاحب النعمة على خطر ، إنه يجب عليه حقوق الله فيها ، والله إنه ليكون على النعم من الله عز وجل ، فما أزال منها على وجل ، وحرك يده ، حتى أخرج من الحقوق التي تجب لله عليَّ فيها .
 قلت : جعلت فداك أنت في قدرك تخاف هذا ؟
قال : نعم ، فأحمد ربي على ما من به عليَّ [69].
 
 
 
عاشرا : الإنفاق وطلب الرزق والظهور بالنعم :
عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرضا عليه السلام قالَ : دَخَلَ عَلَيْهِ مَوْلًى لَهُ ، فَقالَ لَهُ : هَلْ أَنْفَقْتَ الْيَوْمَ شَيْئاً ، قالَ : لَا وَ اللَّهِ .
فَقالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : فَمِنْ أَيْنَ يُخْلِفُ اللَّهُ عَلَيْنَا ، أَنْفِقْ وَ لَوْ دِرْهَماً وَاحِداً [70].
وعن أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ رَفَعَهُ قالَ قالَ الرضا عليه السلام :
 إِسْرَاجُ السِّرَاجِ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ يَنْفِي الْفَقْرَ [71].
عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ آدَمَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرضا عليه السلام قالَ :
الَّذِي يَطْلُبُ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ مَا يَكُفُّ بِهِ عِيَالَهُ أَعْظَمُ أَجْراً مِنَ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ [72].
وَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الصَّلْتِ الْهَرَوِيِّ قالَ إِنَّ الْمَأْمُونَ قالَ لِلرِّضَا عليه السلام : يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ قَدْ عَرَفْتُ فَضْلَكَ وَ عِلْمَكَ وَ زُهْدَكَ وَ وَرَعَكَ وَ عِبَادَتَكَ وَ أَرَاكَ أَحَقَّ بِالْخِلَافَةِ مِنِّي .
فَقالَ الرضا عليه السلام : بِالْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَفْتَخِرُ ، وَ بِالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا أَرْجُو النَّجَاةَ مِنْ شَرِّ الدُّنْيَا ، وَ بِالْوَرَعِ عَنِ الْمَحَارِمِ أَرْجُو الْفَوْزَ بِالْمَغَانِمِ ، وَ بِالتَّوَاضُعِ فِي الدُّنْيَا أَرْجُو الرِّفْعَةَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ [73].
أقول : وسيأتي تمام الخبر في محله وسبب قبوله لولاية العهد ومر بعض البيان في الباب الثالث .
 
وقال الإمام الرضا عليه السلام : لقد حدثني أبي عن أبيه عن آبائه عن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
لا تلبسوا لباس أعدائي ، ولا تطعموا مطاعم أعدائي ، ولا تسلكوا مسالك أعدائي ، فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي .
وقال الصدوق رحمه الله : لباس الأعداء : هو السواد .
ومطاعم الأعداء : النبيذ المسكر والفقاع ، و الطين و الجري من السمك المارماهي والزمير والطافي ، وكل ما لم يكن له فلوس من السمك ، ولحم الضب والأرنب والثعلب ، وما لم يدف من الطير ، وما استوى طرفاه من البيض ، والدبى من الجراد ، وهو الذي لا يستقل بالطيران والطحال .
ومسالك الأعداء : مواضع التهمة ، ومجالس شرب الخمر ، والمجالس التي فيها الملاهي ، و مجالس الذين لا يقضون بالحق ، و المجالس التي يعاب فيها الأئمة عليهم السلام والمؤمنون ، ومجالس أهل المعاصي والظلم والفساد والقمار ، وقد بلغني أن في أنواع الفقاع ما قد يسكر كثيره ، و ما أسكر كثيره فقليله وكثيره حرام[74] .
أقول : ذُكر للإمام الرضا وآله الكرام في تعريف دين الله المنزل على جدهم ، كثير من الأحكام حول المكاسب المحرمة والعادات والخلق المحرم والمخالف للمروءة في اللباس والأكل وغيره بل كل ما يجب ، وجمعتها الكتب الفقهية والرسائل العملية لعلمائنا ، فمن أحب المزيد عليه مراجعتها ، والحديث الشريف ذكر لكلي المحرم ، وشرحه الصدوق راوي الحديث بعض الشيء ولم يستوعب كل ما حُرم كما لم نذكر كل ما حل والآداب في العقائد والعبادات والمعاملات ، وذكر التفصيل موكول إلى محله ، وختمنا بهذا الحديث لنعرف أنه طلب الحلال والظهور به هو الذي يجب أن يكون سبيلنا كإمامنا لا غير .
وأقول : هذه بعض أحوال الإمام الرضا عليه السلام الشخصية ومعارفه العليمة والعملية التي تصب في طلب العبودية لله ، والتي يرينا بها آداب التصرف الحسن والسلوك الكريم في كل أحواله ، في مظهره الخارجي وهيئته وزينته ومع آهل بيته وخدمه وحشمه وضيفه وشيعته ومواليه وأجيره وفي طلبه للرزق وغيرها مما عرفت ، وتراه في كلها عليها السلام يطلب بها عبودية لله وما يرضيه عنه ويعلمنا الكون معه سبحانه وفي تطبيق هداه في كل سيرة وسلوك ، فكان عليه السلام حقا قدوة وأسوة في كل شيء له .
فهذه يا طيب : كانت بعض آداب الإمام الرضا عليه السلام وأخلاقه الحسنة في نفسه ومع آله من مواليه ومحبيه ، وله عليه السلام آداب كثيرة يعرف بها الدين وما يخرج الإنسان من المعصية وهجر حدود الله في كل أحواله للعبودية والإخلاص له بكل دينه ، وعن علم ومعرفة ويقين في كل شيء من عباداته ومعاملاته التي سنها لعبادة حتى يقيم به صلاحهم ويؤدبهم فيحسن تأديبهم .
وإن الإمام الرضا عليه السلام : توفرت له بعض الفرص والسعة في تعريف الأحكام والاتصال به من قبل الناس والحكام ، وتمت له مجالس ومناظرات عرّف بها الدين وتعاليمه وآدابه وخلقه الحسن لا يسع المجال لذكرها كلها هنا بكل علمها وعملها ، وسيأتي بعضها في نقل أقواله وكيفية جوابه وسؤاله عليه السلام في جزء خاص ، وقد عرفت علمه الواسع وجهاده في الأبواب السابقة مع معانديه وغيرهم ، والآن نتعرف في الأبواب الآتية على أهل بيته وخاصته ، وعلى أصحابه ورواة الحديث عنه .
ونسأل الله أن يعرفنا إمامنا : حتى ليحسبنا من مواليه بكل هداه الحق وسيرة وسلوك من تعاليم دينه القيم ، والذي تجلى به إمامنا المصطفى المختار لهداية العباد بعد آبائه الكرام وجده سيد المرسلين ، حتى كان سبط نبي الرحمة الثامن الرضا عليه السلام شارح ومبين لما أنزل الله تعالى على خاتم رسله ، فيجعلنا وإياكم سبحانه متحققين بإخلاص له بكل مظاهر دينه القيم ، ونطلب بذلك رضاه وعبوديته بما يحب ويرضى ، وبعيدين عن كل تكبر ورياء وسمعه وحب شهرة وغيرها مما يبعد عن التوجه والإخلاص له سبحانه ، إنه ولي التوفيق وهو أرحم الراحمين ، وصلى الله على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .
 
 



[1]عيون أخبار الإمام الرضا عليه السلام ج1ص281ح25 .
[2]عيون أخبار الرضا عليه السلام ج2ص12ب31ح41 .
[3]عيون أخبار الرضا عليه السلام ج2ص12ب39ح96 ، 97 ، 98.
[4] عيون أخبار الإمام الرضا عليه السلام ج2ص39ـ41ب39 حديث108ـ109.
[5]عيون أخبار الرضا عليه السلام ج2ص12ب31ح104 ، 105 ، 106 ، 107 .
[6]عيون أخبار الرضا عليه السلام ج2ص49ب31ح194.
[7] فقه الإمامالرضا عليه السلام ص 353 ب95 مكارم الأخلاق و التجمل و المروءة و الحياء و البر و صلة الأرحام و غير ذلك من الآداب .
[8]  فقه‏ الإمام الرضا عليه السلام ص 362-97 باب السخاء .
[9]فقه الإمام الرضا عليه السلام ص 373باب 103.
[10]عيون أخبار الإمام الرضا عليه السلام ج2ص184ب44ح27.
[11] فقه ‏الإمام الرضا عليه السلام  ص 395 -  باب 114 باب الزي والزينة.
[12] فقه ‏الإمام الرضا عليه السلام  ص 394 -  باب 113 الحجامة والحلق.
 
[13] فقه ‏الإمام الرضا عليه السلام ص 397ـ401   - باب 115 الآداب .
[14]الكافي ج 6 ص 473 ،  بحار الأنوارج45ص2ب1ح1.
[15]بحار الأنوارج45ص7ب1ح10.
[16]بحار الأنوارج45ص9ب1ح13.
[17] وسائل ‏الشيعة ج5ص100ب62 استحباب نقش الخاتم وما ينبغي أن يكتب عليه وجواز نقش صورة وردة و هلال فيه ح 6035.
[18] وسائل ‏الشيعة ج4ص443ب46 جواز لبس الخاتم الذي فيه صورة أو تمثال وردة أو هلال أو حيوان أو طير و الصلاة فيه ح5666 .
 
[19]وسائل‏ الشيعة ج2ص142ب89 استحباب التطيب ح1746 .
[20]الكافي ج 6 ص 516 و 517. بحار الأنوارج45ص103ب7ح25.
[21]الكافي ج 6 ص 516. وسائل‏ الشيعة ج2ص151ب97 استحباب التطيب بالمسك و العنبر و الزعفران و العود و ما ينبغي كتابته من القرآن ح1778 .بيان : قال الفيروز آبادي ( قوارع القرآن ) الآيات التي من قرأها أمن من الشياطين الأنس والجن كأنها تقرع الشيطان ، بحار الأنوارج45ص103ب7ح26. 
[22]الكافي كتاب الزي والتجمل باب البخور ح 3 ، راجع ج 6 ص 518 .  بحار الأنوارج45ص104ب7ح27.
[23]الكافي ج 6 ص 522 ، وهو صدر حديث ، بحار الأنوارج45ص104ب7ح28.
[24]الكافي ج 6 ص 480 وهو صدر حديث .   بحار الأنوارج45ص103ب7ح24.
[25] وسائل‏ الشيعة ج2ص74ب35 ح1527 .
[26]مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 362 ، بحار الأنوارج45ص99ب7ح16.
[27] وسائل ‏الشيعة ج2ص103ب59 استحباب جز الشعر و استئصاله ح1619 .
[28] الكافي ج6ص524باب دهن الزنبق ح2.
[29] وسائل ‏الشيعة ج7ص259ب11 كراهة التثاؤب والتمطي الاختياريين خاصة في الصلاة حديث 9274 .
[30] وسائل ‏الشيعة ج12ص120ب84 استحباب التبسم في وجه المؤمن ح15821
[31] وسائل ‏الشيعة ج12ص102ب69 كراهة إباء الكرامة كالوسادة و الطيب و المجلس ح15761 .
[32]الإمام الرضا عليه السلام ج2ص179ب44ح1. المسح - بالكسر البلاس يقعد عليه - والكساء من شعر كثوب الرهبان ، بحار الأنوارج45ص89ب7ح1 .
[33]بحار الأنوارج45ص91ب7ح5.
[34] عيون أخبار الإمام الرضا عليه السلام ج2ص195ح24 ، وسائل ‏الشيعة ج24ص265ب13 كراهة عزل مائدة للسودان و الخدم و الموالي في الخلوة ح30505 ، بحار الأنوارج45ص164ب14ح5.
[35]الإمام الرضا عليه السلام ج2ص179ب44ح3 . بحار الأنوارج45ص89ب7ح2.
[36]عيون أخبار الإمام الرضا عليه السلام ج2ص184ب44ح7، بحار الأنوارج45ص91ب7ح4.
[37]عيون أخبار الإمام الرضا عليه السلام ج2ص241 ب62 ذكر خبر آخر في وفاة الرضا عليه السلام عن طريق الخاصة ح1 . وسائل‏ الشيعة ج24ص 266ب13 كراهة عزل مائدة للسودان و الخدم و الموالي في الخلوة ح30507 .
[38] الكافي ج4ص11باب كفاية العيال و التوسع عليهم ح5.
[39] الكافي ج4ص13باب كفاية العيال و التوسع عليهم ح14.
[40] الكافي ج4ص41 باب معرفة الجود و السخاء ح10 .
[41] وسائل ‏الشيعة ج24ص329ب46 كراهة ترك العشاء و لو بكعكة أو لقمة أو شربة ماء ح30683 .
[42] الكافي ج6ص298باب نوادر ح15.
[43] وسائل‏ الشيعة ج4ص244ب2 كراهة الشبع و الأكل على الشبع ح30448 . 
[44] وسائل‏ الشيعة ج25ص126ب67 أكل الحمص المطبوخ ح31403.
[45] وسائل ‏الشيعة ج24ص376ب74 استحباب الاستلقاء و وضع الرجل اليمنى على اليسرى بعد الأكل ح30822 .
[46] وسائل‏الشيعة ج24ص377ب74 ح30824 .
[47] وسائل ‏الشيعة ج24ص392ب84 أنه لا يجوز أن يوطأ الخبز و لا ينبغي أن يقطع إلا إذا لم يكن أدم فيجوز القطع ح30861 .
[48] وسائل‏ الشيعة ج24ص394ب86 استحباب تصغير الرغفان و كسرها إلى فوق و تخمير الخمير ح30869 .
[49] وسائل‏ الشيعة ج24ص394ب86 ح30870 .
[50] وسائل ‏الشيعة ج24ص407ب96 . استحباب الافتتاح بالخل و الختم به أو الابتداء بالملح و الختم بالخل ح30911 .
[51] وسائل ‏الشيعة ج25ص12ب2 استحباب اختيار خبز الشعير على خبز الحنطة ح31002
[52] وسائل ‏الشيعة ج25ص17ب4- باب استحباب اختيار السويق على غيره ح31017 . السويق دقيق مقلي يؤخذ من الحنطة والشعير .
[53] وسائل ‏الشيعة ج25ص18ب5 استحباب السويق الجاف المغسول سبع غسلات أو ثلاثا و بالزيت و على الريق ح31021 .
[54] وسائل‏ الشيعة ج25ص82ب41 الملح ح31253 .
[55] وسائل‏ الشيعة ج24 ص332ب48 تأكد كراهة ترك العشاء للكهل و الشيخ ح30695 .
[56] وسائل ‏الشيعة ج24ص367ب65 كراهة الأكل من رأس الثريد و استحباب الأكل من جوانبه ح30797 .
[57] وسائل ‏الشيعة ج15ص380ب59 تحريم التجبر و التيه و الاختيال ح20804 .
[58]كتاب المحاسن 392 ، الكافي ج4ص52 باب فضل إطعام الطعام ح12 ، بحار الأنوارج45ص97ب7ح11. وسائل ‏الشيعة ج24ص292ب26 استحباب إطعام الطعام ح30582 .
[59]بحار الأنوارج45ص101ب7ح18 عن الكافي ج8ص230ح296 ، وسائل ‏الشيعة ج24ص264ب13 كراهة عزل مائدة للسودان و الخدم و الموالي في الخلوة ح30504 .
[60]الكافي ج 6 ص 297 ، بحار الأنوارج45ص102ب7ح21.
[61]الكافي  ج 6 ص 298 . وجوزينجه معرب جوزينه ، وهي ما يعمل من السكر والجوز ، منه رحمه الله في المرآة ، بحار الأنوارج45ص102ب7ح22.
[62] عيون‏ أخبار الإمام الرضا عليه السلام  ج2ص70ح323 .
[63]الكافي ج 6 ص 283 ، الكافي ج6ص283باب كراهية استخدام الضيف خ2. بحار الأنوارج45ص102ب7ح20،22. وسائل ‏الشيعة ج24ص316ب37 كراهة استخدام الضيف و تمكينه من أن يخدم ح30642 .
[64]الكافي ج 6 ص 345 و 346 ، بحار الأنوارج45ص102ب7ح23.
[65]كتاب المناقب ج 4 ص 360 وص 361 ، بحار الأنوارج45ص99ب7ح16.
[66]الكافي ج 4 ص 23 و 24 ، بحار الأنوارج45ص101ب7ح19.
[67]توضيح : قال الجوهري : ومما يضعه الناس في غير موضعه قولهم للمعلف ( أرى ) وإنما الارى محبس الدابة ، وقد تسمى الاخية أيضا أريا وهو حبل تشد به الدابة في محبسها ، والجمع الاواري يخفف ويشدد .
الكافي ج 5 ص 288، بحار الأنوارج45ص106ب7ح34.
[68] وسائل ‏الشيعة ج16ص55ب79 اشتراط توبة من أضل الناس برده لهم إلى الحق ح20964 .
[69]الكافي ج 3 ص 502 .  بحار الأنوارج45ص105ب7حديث32.
[70] الكافي ج4ص44 باب الإنفاق ح9 .
[71] الكافي ج6ص532ح13.
[72] وسائل‏ الشيعة ج17ص67ب23 وجوب الكد على العيال من الرزق الحلال حديث22002 .
[73] وسائل الشيعة  ص17ج203ب48 جواز قبول الولاية من قبل الجائر مع الضرورة و الخوف و جواز إنفاذ أمره بحسب التقية ح22349 .
 
[74]عيون أخبار الإمام الرضا عليه السلام ج2ح51.
 
 
 


اللهم أسألك بحق الإمام علي بن موسى الرضا وآله الطيبين الطاهرين اسلك بي صراطهم المستقيم واجعلني معهم في كل هدى ونعيم
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موقع موسوعة صحف الطيبين

إلى أعلى مقام في الصفحة نورك الله بنور الإمام الرضا وآله الكرام عليهم السلام


تفضل يا طيب إلى الفهرس العام رزقك الله هدى خبر الأنام وخلصك من الظلام