هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في  أصول الدين وسيرة المعصومين
قسم سيرة المعصومين/ صحيفة الإمام
الرضا عليه السلام
 الجزء الأول / شأن الإمام الرضا الكريم وحياته الاجتماعية

الباب الثالث

جهاد الإمام الرضا عليه السلام لإبطال مذهب الطائفة الواقفية
عبر ودروس ومواعظ للمؤمنين

 

البحث الأول

تعريف معنى الواقفية وأسباب ظهور طائفتهم ومعتقداتهم

بعد إن عرفنا : بعض الأدلة عن إمامة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام ، نذكر في هذا الباب بيان حال من وقف على أبيه ولم يقل بإمامته ، فنتعرف على حالهم وسبب توقفهم ، وجهاد الإمام وآله في بيان انحراف الواقفة عن الحق والهدى الإلهي الواقعي ، ونتعرف على طرف من أخبارهم ومآلهم وبعض أسماء رؤسائهم ، وكيف عرّفنا الإمام الرضا وآله وعلماء المذهب الحق ، ضلال الواقفة وانحرافهم عن الصراط المستقيم ، فكان سبب لإرجاع الخيرين منهم للصراط المستقيم  ، وردع المعاندين منهم حتى لم يبقى في فترة وجيزة رجل يذكر على مذهبهم مع ما كان لهم من الشأن والمال الذي يدعم مقالهم .
 وقبل الدخول : في التفاصيل نتعرف على معنى الوقف والواقفية ثم نسير في معرفة أهمية ذكر وجودهم وتفصيل حالهم ، فتابع البحث يا طيب لترى فيه بعض أسباب الضلال عن الحق وهجر هدى الله الواقعي ونعيمه الأبدي ، سواء من الواقفة في زمن الإمام الرضا عليه السلام أو قبله أو بعده ، فتعتبر بقصصهم حيث إنهم انقرضوا ولكن لمصير أسود مع لعنة تلاحقهم ، وترى حسن العاقبة لمن أنصاع للحق ورجع للصواب ببركة الإمام الرضا عليه السلام وآله وصحبه الكرام ، ونسأل الله أن يجعلنا ممن سمع الكلام فتبع أحسنه وتبع الحق فعبده به .
 
أولاً : تعريف معنى الوقف والطائفة الواقفة :
الواقف : القائم ،والوقوف : القيام : وهو إما من جلوس أو من مشي ، وهو حالة للوضع وللانتصاب ، وهيئته يلازمها السكون لوجود الشيء . والتوقف : هو الكف والامتناع عن الفعل والحركة والمسير ، ولذا يقال أسماء الله توقيفية لعدم إطلاق غير المنصوص من الأسماء في القرآن المجيد والحديث الشريف على الله تعالى ، والامتناع من ذكر غير الوارد فيها عليه تعالى . والواقف عند الفقهاء :هو الحابس لعين أو منفعة وحصر التصرف بها وفق تعيين خاص إما لملك الله أو لمنفعة عامه أو على طائفة أو فرد ، ومنع وكف التصرف بها على غير الوجه الذي عينه .
 والوقف : هو حبس العين والمنفعة على من عينه الواقف .
والواقفية أو الواقفة : في الملل والنحل ، وفي علم الرجال ، والدراية ، والحديث وبالخصوص في مذهب التشيع : يطلق على طائفة وقفت على أمام وبقيت قائله بإمامته، وامتنعت وكفت عن القول بإمامة من كان بعده من الأئمة.
 وهذا المعنى العام : وإن صدق على كل من وقف على إمام سواء الكيسانية أو الزيدية أو الإسماعيلية أو الفطحية ، بل حتى يصدق هذا المعنى على من لم يقبل إمامة الإمام علي ووقف على النبي الأكرم صلى الله عليه وآله.
 إلا أنه لم يطلق ولم يصدق في كتب الرجال والحديث والملل والنحل :
 إلا على قوم من المتشيعة : وقفت على إمامة الإمام موسى الكاظم وادعت أنه لم يمت ولم يستشهد ، وامتنعت وكفت عن القول بإمامة الإمام الرضا عليه السلام،وهي طائفة منقرضة لا يوجد الآن منهم فردا واحدا .
ولكن كان لبعض أفراد هذه الطائفة : شأن في زمام التبليغ للمذهب الشيعي وعند بعضهم الكثير من أموال الخمس في زمان الإمام الكاظم عليه السلام ، ولولا حكمة الإمام الرضا وتدبيره ومعرفته ، وما اظهر الله تعالى على يده من المعجزات ، وما سعى عليه السلام في مناظرتهم وردّ شبههم وتفنيد مزاعمهم حتى رجع أغلبهم للحق والقول بإمامته عليه السلام ، لأستفحل أمرهم وشاع بين المؤمنين وبالخصوص المستضعفين منهم .
 وفي هذا الباب : نذكر طرف من أخبارهم وذكر لمحاورات الإمام معهم وذكر لأهم شخصياتهم ، وذلك لنعتبر من قصصهم ، ولنسأل الله حسن العاقبة وعدم الانحراف عن الحق أبدا.
 
ثانيا : تحليل أسباب ظهور الطائفة الواقفة :
بعد تسلط الحكام الظالمين : ومنع الأئمة عليهم السلام عن بيان الحدود التامة للمعارف الربانية والتعاليم النبوية الحقيقية ، والذي كان له الأثر الكبير في بطء نشر المذهب الحق ، وما يجب على الناس علمه وعمله أمام قادتهم وهداة دين الله ، وكان الناس والشيعة في الغالب يخافون من السؤال المباشر من الأئمة الأطهار من آل محمد صلى الله عليهم وسلم .
 وكان في أغلب الأحيان : يحوط الاتصال بهداة دين الله التقية والسرية ، ولذا كان أفراد قلة من الموالين يتصلون بالأئمة عليهم السلام ، وبالخصوص في فترات طغيان حكام بني أمية وبني العباس ، وبعد ما التفت الناس وأنتبه المسلمون لهادي الأمة بأنه لا يمكن أن يكون تعيينه فلته أو انتخابه من قبل الناس ، بل الله يعينه ورسوله يبينه ، وذلك لعناية الله تعالى بدينه وللحفاظ عليه من المنافقين والكفار والمشركين والمرتدين والطغاة والظالمين والضالين .
ولضغط الحكام ومحاربة : أهل البيت عليهم السلام ومنعهم ومنع شيعتهم من التجاهر أو إعلان المولاة لهم أو الاتصال بهم ، ومحاربة كل من يظهر التشيع لآل النبي الأكرم حتى كان في زمان معاوية إلى زمان الحجاج وما بعده وزمن العباسيين كلمة زنديق ، أهون عندهم من إظهار الحب لأهل البيت ، ويستثنى فترة انتقال الحكم من الأمويين للعباسيين .
فلذا كان قليل من الأفراد يسعون للاتصال بالأئمة عليهم السلام وبسرية تامة ، وكانوا هم الواسطة بين الناس وبين الأئمة الأطهار في بلدهم ومحيط تبليغهم وعملهم للمذهب الحق ، وكان لكل فرد منهم بالإضافة للتبليغ في البلاد كان له جباية الخمس والأموال للإمام أو توزيعها والتصرف فيها بأمر الإمام ، وهذا التنظيم لأمر الشيعة كان لحفظهم من أعين المتسلطين الظلمة كما أنه موافق لقوله تعالى : { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}براءة:122.
وما يهمنا من أمرالطائفة الواقفة : هو ما كان في زمان الإمام الرضا ، وأخر زمان الإمام موسى الكاظم عليه السلام والذي كان فيه في سجن هارون الرشيد لمدة أربع سنوات وهي فترت طويلة ، وكان ذلك زمان قمع وكبت للشيعة والتضييق عليهم بكل وجه .
وكان سبب سجن الإمام موسى الكاظم عليه السلام ، ثم سمه واستشهاده هو أنه نقل لهارون إن الأموال تنقل من المشرق والمغرب للإمام ، وأنه في هذه المملكة حاكمان وخليفتان ، وهذا الأمر مما أخافه ودعاه لسجنه ومنع الشيعة من الاتصال بالإمام الكاظم عليه السلام أو إيصال الأموال إليه ، فتخلفت كثير من الأموال التي لا يمكن أن يستهان بها بيد من شحت نفسه بها فتوقف ، وأخرجها لصاحبها من أمتحن بالإيمان قلبه ففاز بالنعيم والهدى والأمانة والولاية .
 وعند وفاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم أبو الإمام علي بن موسى الرضا عليهم السلام : واستشهاده بالسم في سجن هارون ، انتقلت الشيعة لإمامة الإمام علي الرضا بن موسى وخليفته ووصيه ، وما بقي إلا شرذمة قليلة توقفت وأشاعوا شُبه وأقوال يدعمون بها مذهبهم الباطل الذي أسسوه في التوقف على إمامة الإمام موسى الكاظم ، والامتناع عن القول بإمامة الإمام علي بن موسى الرضا عليهم السلام ، وستطلع على أخبارهم في هذا الباب .
فقسم كبير من الشيعة : كانوا يعلمون ويعملون بتعاليم الإمام الصادق والإمام الكاظم وكل الأئمة المعصومين قبلهم بأن علي بن موسى هو الإمام بعد أبيه ، فآمنت بإمامته بدون توقف وهم الغالبية العظمى من الشيعة وقادتهم في أغلب البلاد ، وقسم بعد الفحص والتدبر توصل للإمام الحق وعرف الإمام الرضا بإمامته بعد أبيه فسلم له وتعهده بالدين فأخذ تعليم الله منه وطبقها.
 وقسم أخر : وهم قلة لكن لا يستهان بهم وقفوا على إمامة الإمام موسى الكاظم ، ولم يقروا للإمام الرضا بالإمامة ، وهم في الغالب ممن كانت بأيدهم أموال كثيرة للإمام فشحت أنفسهم عليها وبخلت ضمائرهم بها ، فتزينت الدنيا في أعينهم فركبتهم شهوات النفس الأمارة بالسوء ، وأستحوذ عليهم الشيطان ، فأسسوا مذهب الوقف والبدعة بعدم القول بموت الإمام الكاظم ولا بشهادته بل قالوا إنه حي يرزق ، وإنهم وكلائه الذين يوصلون له الأموال ، ليستغفلوا بعض البسطاء أو ليمسكوا ما بأيديهم من الأموال فلا يوصلوها بعده للإمام الحق علي بن موسى عليهم السلام .
وبجهاد الإمام الرضا عليه السلام وبتدبيره وحنكته بيّن وأوضح لكل الموالين وغيرهم خطأ وغلط المتوقفين في إمامته، فبين أساس شبه الواقفة ورد حججهم حتى لم يبق أحد يعتد به بعد فترة من حياته وانقرضوا في زمن الغيبة .
ولكون جهاد هذه الطائفة ورد شبههم ونقض ما غزلوه من الدعاوى الباطلة ، كان له القسم الكبير من أحوال المذهب ومواقف هداته ، وكان سبب فيما نقل لنا عن الأحداث الواقعة في زمن الإمام الرضا عليه السلام معهم ، وبيانه للحق وشرحه لمحل الهدى وأسس الإمامة والدين ، ولكون بهذه الوقائع قصص ومناظرات كثيرة للإمام معهم وفيها عبر وعظات لا يستهان بها ، طال هذا الباب بعض الشيء .
 ونسأل الله أن ينفعنا بهذا الباب وإياكم : فنتدبر ما فيه ونعتبر من قصص جهاد هداة ديننا وأئمته وولاة الأمر عليهم السلام ، وهي في الحقيقة قصص حسنة في تأريخ الدين الإسلامي الحق ، وإن كان بيان الله في قصص القرآن المجيد حسن معجز في البلاغة والبيان ، ولكن هذه القصص لا تقل أهميتها إن لم نقل توازي في حسن بيانها والعظة التي فيها والموعظة التي تتوخاها ، ما جرى في جهاد أنبياء الله في الأمم الماضية ، وقوة صبرهم وتحملهم من أجل تعريف الهدى الإلهي وتبلغيه بكل ما أوتوا من قوة ، حتى استحقوا هذا المنصب الإلهي لهدية البشر في زمانهم نبوة أو وصاية لنبي و إمامة .
 فكما نقرأ وتتدبر هداة دين الله في قصص القرآن للأمم السابقة على الإسلام ، إن شاء الله ننتفع حين نتدبر العظة والحكمة في هذه البيانات للأحاديث الشريفة والأقوال الكريمة لجهاد الإمام الثامن من آل محمد علي بن موسى الرضا عليهم السلام ، وإن كانت هذه القصص ببيان بني الإنسان ولا يقاس ببيان رب العالمين ، فأين المخلوق من تراب وبيانه من بيان رب العالمين المعجز في كل شيء ، ولكن العظة والعبرة في معرفة جدية الله في دينه بتوسط أهل البيت ستراها هنا إن شاء الله ، فتعرف إمام الحق وجهاده وعلمه وقوة تبلغيه وصبره في دين الله وتعليم هداه الحق ، وإنه لم يتوانى أمام المنحرفين والمخدوعين بالواقفة ولا غيرهم ، فقد كان بحق جاهد في الله حق جهاده وأبان أحكامه وعرف دينه مخلصا في عبوديته تعالى بما لم يذكر عن مبلغي وهداة الأمم الماضية إلا ما ندر من قصص الأنبياء والرسل من أولي العزم عليهم السلام ، أو أجداده الطاهرين والأئمة المعصومين من آل محمد صلى الله عليهم وسلم  .
ولذا سنذكر فرق الواقفة ثم نبين جهاده عليه السلام لهم :
ثالثا : فرق الواقفة ومعتقداتهم وأقوالهم :
قال النوبختي في كتابه فرق الشيعة : بعد ما بين أن الشيعة انقسمت بعد رحيل الإمام الكاظم عليه السلام إلى فرقتين : وأن الفرقة الأولى : هي التي قالت بإمامة الإمام الرضا عليه السلام ، والفرقة الثانية : هي التي وقفت على الإمام موسى ولم تقل بإمامة الإمام الرضا ، فقال :
وقالت الفرقة الثانية : إن موسى بن جعفر لم يمت ، وإنه حيّ ، ولا يموت حتى يملك شرق الأرض وغربها ، ويملأها كلها عدلاً كما ملئت جوراً ، وإنه القائم المهدي ، وزعموا أنه خرج من الحبس ولم يره أحد نهاراً ولم يعلم به ، وأن السلطان وأصحابه ادعوا موته ، وموهو على الناس وكذبوا ، وإنه غائب عن الناس واختفى ، ورووا في ذلك روايات عن أبيه جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال : هو القائم المهدي ، فإن يدهده ـ يدحرج ـ رأسه من جبل فلا تصدقوه فإنه القائم .
وقال بعضهم : إنه القائم وقد مات ، ولا تكون الإمامة لغيره حتى يرجع ، فيقوم ويظهر ، وزعموا أنه قد رجع بعد موته ولا تكنوا إلا أنه مختف في موضع من المواضع حي يأمر ونهى ، وأن أصحابه يلقونه ويرونه ، واعتلوا في ذلك بروايات عن أبيه ، أنه قال : سمي القائم قائم ، لأنه يقوم بعدما يموت .
وقال بعضهم : إنه قد مات ، وإنه القائم ، وإن فيه شبه من عيسى بن مريم ـ صل الله عليه وسلم ـ وإنه لم يرجع ، ولكنه يرجع في وقت قيامه فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ، وإن أباه قال : إن فيه شبهاً من عيسى بن مريم ، وإنه يقتل في يدي ولد العباس فقد قتل .
وأنكر بعضهم قتله ، وقالوا : مات ورفعه الله إليه ، وإنه يرده عند قيام القيامة .
 فسموا هؤلاء جميعا الواقفية ، لوقوفهم على موسى بن جعفر على أنه الإمام القائم ، ولم يأتوا بعده بإمام ولم يتجاوزوه إلى غيره .
وقد قال بعضهم ممن ذكر أنه حي : إن الرضا عليه السلام ومن قام بعده ليسوا بأئمة ، ولكنهم خلفاؤه واحد بعد واحد إلى أوان خروجه ، وإن على الناس القبول منهم ، والانتهاء إلى أمرهم .
وقد لقب الواقفية : بعض مخالفيها ممن قال بإمامة علي بن موسى ( الممطورة ) وغلب عليهم هذا الاسم وشاع لها ، وكان سبب ذلك أن علي بن إسماعيل الميثمي ويونس بن عبد الرحمان ناظر بعضهم ، فقال له علي بن إسماعيل وقد أشتد الكلام بينهم : ( ما أنتم إلا كلاب ممطورة ) ، أراد أنكم أنتن من جيف ، لأن الكلاب إذا أصابها المطر فهي أنتن من الجيف ، فلزمهم هذا اللقب فهم يعرفون به اليوم ، لأنه إذا قيل للرجل أنه ممطور فقد عرف أنه من الواقفة على موسى بن جعفر خاصة ، لأن كل من مضى منهم فله واقفة قد وقفت عليه ، وهذا اللقب لأصحاب موسى [1].
 

وقال الأستاذ السبحاني في الملل والنحل :

إن ظاهرة الوقف بعد رحيل الإمام الكاظم عليه السلام ، كانت أمراً خطير يهدد كيان الشيعة وتماسكاها وانسجامها ، وقد كانت الواقفة تتمسك بشبه ، وربما تغري البسطاء من الشيعة وتصدهم عن القول بامتداد الإمامة إلى عصر المنتظر عجل الله فرجه الشريف ، ولعله لخطورة الموقف ربما نرى وجود الحث على زيارة الإمام الرضا عليه السلام من قبل النبي والوصي والصادق والكاظم عليهم السلام ، ليلفتوا نظر الشيعة إليه ولا يغفلوا عنه .
ـ أقول : قد أوردنا بابان في فضل زيارة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام وفي كيفيتها في الجزء الثاني من هذه الصحيفة ، وراجع الباب السابق في ما ذكرنا من كثرة النصوص على إمامته عليه السلام والعناية الخاصة في توجيه الأنظار إليه ، وراجع الباب التالي والسادس في معجزاته عليه السلام ، ويأتي في الجزء الآتي وهنا من عدم قدرة هارون عليه بإذن الله ـ .
وقال حفظه الله : لعل تلك الروايات تهدف إلى رفع الشبهات التي أوجدها الواقفة في ذلك العصر ، ولولا أن الرضا هو الإمام والقائد بعد أبيه لما كان لهذا الحث وجه ، وقد جابه الإمام الرضا تلك الزوبعة بعظات بالغة ومناظرات قيمة قام فيها بإزالة الالتباس عن شبههم ، وقد جمعها العالم الحجة الشيخ رياض محمد حبيب الناصري في كتابه الواقفية ، وحيث بلغت ثمان مناظرات ، ومن أراد الوقوف على مضامينها فعليه الرجوع إلى ذلك الكتاب القيم الذي طرح فيه الواقفية ودرسها دراسة تحليلية رائعة [2] انتهى.
أقول : بعد إن عرفنا شيء عن الوقف ومعتقد الفرقة الواقفية وسبب وجودها ودورها الخطير وأهمية البحث عنها ، سيأتي تفصيل آخر نتعرف به على دور الإمام الرضا وجهاده من أجل تعريف الحق من إمامته وولايته لدين الله ، ورده للشبهات وكل ما يمكن أن توجده من انحراف في أذهان الضعفاء من الموالين ، فنذكر هنا أولاً تحذير الأئمة منهم ولو كان قبل وجودهم ونتعرف على  رؤسائهم ، ثم نذكر دور الإمام الرضا عليه السلام في بيان خدعهم وبدعهم وما أحدثوه حتى هجرهم المؤمنون فرجعوا للحق ، ثم نذكر بعض مصيرهم في الدنيا والآخرة في ميزان الهدى والعدالة والدين ، وجعلنا الله من الثابتين على ولاية هداة الدين الواقعيين الذين طهرهم الله واصطفاهم على العالمين :

البحث الثاني

تحذير الإمام الصادق والكاظم من الواقفية

 وأول من أظهر القول بالوقف

أولا : الإمام الصادق يحذر من الواقفية قبل ظهورهم :
نذكر هنا علم الإمام الصادق جد الإمام الرضا بظهور الواقفية وتحذيره منهم ، ثم نذكر بعده تحذير الإمام الكاظم أبو الإمام الرضا منهم ونتعرف على رؤسائهم أبعدنا الله منهم في الدنيا والآخرة ، وكل ضلال شابههم ومنع من التوجه لهدى الله عند أئمة الحق في أي زمان ومكان كان في أول صدر الإسلام ، أو من الواقفة الذين كانوا يُحسبون على أئمة أهل البيت وبعضهم عاصر جد الإمام وأبيه فضلا عن الإمام الرضا فتوقف أو رجع للحق بعد أن تبين له :
فعن الحكم بن عيض قال : دخلت مع خالي سليمان بن خالد على أبي عبد الله عليه السلام ، فقال : يا سليمان من هذا الغلام ؟  قال : ابن أختي .
فقال : هل يعرف هذا الأمر ؟ قال : نعم .فقال : الحمد لله الذي لم يخلقه شيطانا . ثم قال : يا سليمان عوذ بالله ولدك من فتنة شيعتنا . قلت : جعلت فداك وما تلك الفتنة ؟ فقال : إنكارهم الأئمة عليهم السلام ووقوفهم على ابني موسى، قال: ينكرون موته ويزعمون أن لا إمام بعده أولئك شر الخلق[3] .
عن الحسين بن محمد بن عمر بن يزيد ، عن عمه ، عن جده عمر بن يزيد قال : دخلت على أبي عبد الله ـ الصادق ـ عليه السلام ، فحدثني مليا في فضائل الشيعة ، ثم قال : إن من الشيعة بعدنا من هم شر من النصاب .
قلت : جعلت فداك أليس ينتحلون حبكم ويتولونكم ويتبرءون من عدوكم ؟  قال : نعم .  قال : قلت : جعلت فداك بين لنا نعرفهم فلسنا منهم ؟ قال : كلا يا عمر ما أنت منهم ، إنما هم قوم يفتنون بزيد ويفتنون بموسى[4] .
وعن ابن أبي يعفور قال : كنت عند الصادق عليه السلام إذ دخل موسى عليه السلام فجلس ، فقال أبو عبد الله عليه السلام :
يا ابن أبي يعفور : هذا خير ولدي وأحبهم إلي ، غير أن الله عز وجل يضل قوما من شيعتنا ، فاعلم أنهم قوم لا خلاق لهم في الآخرة ، ولا يكلمهم الله يوم القيامة ، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم .قلت : جعلت فداك قد أزغت قلبي عن هؤلاء . قال عليه السلام : يضل به قوم من شيعتنا بعد موته جزعا عليه فيقولون لم يمت ، وينكرون الأئمة عليهم السلام من بعده ، ويدعون الشيعة إلى ضلالتهم ، وفي ذلك إبطال حقوقنا وهدم دين الله ، يا ابن أبي يعفور فالله ورسوله منهم برئ ونحن منهم براء [5].
وعن حمزة الزيات قال: سمعت حمران بن أعين يقول : قلت لأبي جعفر عليه السلام : أمن شيعتكم أنا ؟ قال : إي والله في الدنيا والآخرة ، وما أحد من شيعتنا إلا وهو مكتوب عندنا اسمه واسم أبيه إلا من يتولى منهم عنا .
 قال : قلت : جعلت فداك أو من شيعتكم من يتولى عنكم بعد المعرفة ؟
قال : يا حمران نعم ، وأنت لا تدركهم . قال حمزة : فتناظرنا في هذا الحديث قال : فكتبنا به إلى الرضا عليه السلام نسأله عمن استثنى به أبو جعفر .
فكتب عليه السلام: هم الواقفة على موسى بن جعفر عليهما السلام[6].
 
ثانيا: الإمام موسى الكاظم يحذر ممَن سيقف على إمامته:
روى ابن عقدة بسنده عن زياد القندي وابن مسكان قالا :
 كنا عند أبي إبراهيم ـ الإمام موسى الكاظم ـ عليه السلام إذ قال :
يدخل عليكم الساعة خير أهل الأرض ، فدخل أبو الحسن الرضا عليه السلام وهو صبي . فقلنا : خير أهل الأرض ؟!
ثم دنا فضمه إليه فقبله وقال : يا بني تدري ما قال ذان ؟
قال : نعم يا سيدي  هذان يشكان فيَّ .
قال علي بن أسباط : فحدثت بهذا الحديث الحسن بن محبوب .
 فقال : بتر الحديث ، لا ولكن حدثني علي بن رئاب أن أبا إبراهيم قال لهما : إن جحدتماه حقه أو خنتماه ، فعليكما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، يا زياد : ولا تنجب أنت وأصحابك أبدا
قال علي بن رئاب : فلقيت زياد النقدي فقلت له : بلغني أن أبا إبراهيم قال لك كذا وكذا ؟
 فقال : أحسبك قد خولطت ، فمر وتركني فلم أكلمه ولا مررت به .
قال الحسن بن محبوب : فلم نزل نتوقع لزياد دعوة أبي إبراهيم عليه السلام حتى ظهر منه أيام الرضا عليه السلام ما ظهر ومات زنديقا[7] .
عن زياد بن مروان القندي قال :
( دخلت على أبي إبراهيم عليه السلام وعنده علي ابنه فقال لي :
 يا زياد هذا كتابه كتابي ، وكلامه كلامي ، ورسوله رسولي .
 وما قال فالقول قوله ) .
قال الصدوق - رحمه الله - : إن زياد بن مروان روى هذا الحديث ثم  أنكره بعد مضي موسى عليه السلام ، وقال بالوقف وحبس ما كان عنده من مال موسى بن  جعفر عليهما السلام .  وقال في هامش البحار :  زياد بن مروان أبو الفضل ، وقيل أبو عبد الله الأنباري القندي مولى بني هاشم ، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام ووقف في الرضا .
روى الكشي : بإسناده عن يونس بن عبد الرحمان قال : مات أبو الحسن عليه السلام وليس عنده من قوّامه أحد إلا وعنده المال الكثير ، وكان ذلك سبب وقفهم وجحدهم موته ، وكان عند زياد القندي سبعون ألف دينار وعند على بن أبى حمزة ثلاثون ألف دينار .
 قال : رأيت ذلك وتبين لي الحق ، وعرفت من أمر أبي الحسن الرضا عليه السلام ما علمت ، فكلمت ودعوت الناس إليه . 
قال : فبعثا إلى ، وقالا لي : لا تدع إلى هذا إن كنت تريد المال فنحن نغنيك ، وضمنا لي عشرة آلاف دينار ، وقالا لي : كف .  [8]
أقول : سيأتي شرح أخر لحاله ولمن كان مثله من رؤوس الواقفية وأحوالهم ، وهذا حديث آخر في زيد النقدي نتدبره معاً ونتعوذ منه ومن فعله :
عن محمد بن إسماعيل بن أبي سعيد الزيات قال :
 كنت مع زياد القندي حاجاً ، ولم نكن نفترق ليلا ولا نهارا في طريق مكة ، وبمكة ، وفي الطواف ، ثم قصدته ذات ليلة فلم أره حتى طلع الفجر ، فقلت له : غمني إبطاؤك فأي شيء كانت الحال ؟ قال : مازلت بالأبطح مع أبي الحسن عليه السلام يعني أبا إبراهيم ـ الإمام موسى الكاظم عليه السلام ـ، وعلي ابنه عليه السلام على يمينه ، فقال :يا أبا الفضل أو يا زياد هذا ابني علي : قوله قولي وفعله فعلي ، فان كانت لك حاجة فأنزلها به واقبل قوله ، فانه لا يقول على الله إلا الحق
قال ابن أبي سعيد : فمكثنا ما شاء الله ، حتى حدث من أمر البرامكة ما حدث ، فكتب زياد إلى أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام يسأله عن ظهور هذا الحديث أو الاستتار .
 فكتب إليه أبو الحسن ـ الإمام الرضا ـ: أظهر فلا بأس عليك منهم.
 فظهر زياد : فلما حدث الحديث . قلت له : يا أبا الفضل أي شيء يعدل بهذا آلام ؟ فقال لي : ليس هذا أوان الكلام فيه .
 قال : فلما ألححت عليه بالكلام بالكوفة وبغداد ، وكل ذلك يقول لي مثل ذلك إلى أن قال لي في آخر كلامه : ويحك فتبطل هذه الأحاديث التي رويناها [9].
توضيح : قوله عن ظهور هذا الحديث أي إظهار النص عليه ، ولعل الأظهر ظهوره لهذا الحديث بأن يكون السؤال لظهوره بنفسه أو استتاره خوفا من الفتنة  . قوله : فلما حدث الحديث أي الأمر الحادث وهو مذهب الواقفة قوله : أي شيء تعدل بهذا الأمر أي لا يعدل بإظهار أمر الإمام وترويجه وإظهار النص عليه شيء في الفضل ، فلم لا تتكلم فيه فاعتذر أولا بالتقية ثم تمسك بمفتريات الواقفية [10] .   أقول : الظاهر إن زيد كان متخفي وخائف حين أُخذ الإمام  لأنه كان من أصحاب الإمام الكاظم عليه السلام المشهورين ، ولكنه لما كاتب الإمام وتيقن بفضل الإمام الرضا نجاته حتى ولو ظهر ، تباطأ في بيان الحق حتى أنكره وأسس وبعض من كان معه ممن عندهم الأموال مذهب الوقف.
وسيأتي بيان آخر في مقدار المال عنده.
عن ربيع بن عبد الرحمن قال :
 كان والله موسى بن جعفر عليه السلام من المتوسمين ، يعلم من يقف عليه بعد موته ويجحد الإمام بعده إمامته ، فكان يكظم غيطه عليهم ، ولا يبدي لهم ما يعرفه منهم ، فسمي الكاظم لذلك[11] .
أقول : بعد إن عرفت جهاد وصبر أب وجد الإمام الرضا عليهم السلام في بيان وتعريف بعض المنحرفين والإشارة لهم نصا وتلويحا ، نذكر رؤسائهم وبعض سبب توقف بذكر مقدار المال عندهم ، ثم ندخل في بيان تواتر وفاة الإمام الكاظم عليه السلام وإنه كان مسلم للشيعة شهادته في سجن هارون لعنه الله ، ثم ندخل في بيان جهاد الإمام الرضا مع الواقفية الذين ظهروا في زمن إمامته ، فنذكر أحواله معهم ومناقشاته لهم ومن بقي من المتعصين فتوقف ومن نجى بفضله فرجع للحق ، ثم نذكر تحذيره وأبنائه الكرام منهم ، فنعرف من غرته الدنيا وتزينت الأموال التي كانت بأيديه في عينه ، فسولت له أنفسه حبسها وابتداع مذهبا يبرر فعله الخبيث ، فأطاع وهو من تبعه الشيطان ودخلوا ولايته ، وخرجوا من ولاية الهدى والرحمان التي جعلها في الدنيا مع المعصومين وأئمة الحق من آل محمد، وما مر كانت أحاديث تبين طرف من أحوالهم .
 
ثالثاً : أول من أظهر الاعتقاد بالوقف وأسبابه :
يا طيب : قد عرفت بعض الأشخاص الذين قالوا بالوقف أو كانوا سيقولون به ، وردع الأئمة لهم وتحذيرهم من الوقوع في الضلال ، وكان فيه ذكر بعض رؤسائهم وسبب وقفهم ، ولكن هنا نذكر تفصيل أخر لأعلام الطائفة الحقة ممن كان عصره مقارب لعصرهم وقريبة الذكر له أخبارهم ، فهو يروي ويحلل الأسباب الداعية لوقفهم ومقدار تأثيرهم وضلالهم ، وكيف ردعهم المخلصون من الشيعة الموالين لأهل البيت عليهم السلام فضلا عن الإمام الرضا عليه السلام.
فنذكر قول شيخ الطائفة الطوسي ثم نذكر بعده بيانات أخرى تؤكد بيان ما مضى وما ذكر رحمه الله ، فتدبرها معي يا طيب : وتعرف على حال من يغتر بزينة الحياة الدنيا فيخسر الدنيا والآخرة ، وتبقى العنة تلاحقه وعذاب الله له بالمرصاد ، أبعدنا الله عن الضلال ورزقنا حسن العاقبة إنه أرحم الراحمين :
قال الشيخ الطوسي[12]رحمه الله في بيان أحوال القسم الأول من الواقفية :
قد روي السبب الذي دعا قوما إلى القول بالوقف ، فروى الثقاة أن:
 أول من أظهر هذا الاعتقاد: علي بن أبي حمزة البطائني ، وزياد بن مروان القندي ، وعثمان بن عيسى الرواسي، طمعوا في الدنيا ، ومالوا إلى حطامها ، واستمالوا قوما فبذلوا لهم شيئا مما أختانوه من الأموال ، نحو : حمزة بن بزيع ، وابن المكاري ، وكرام الخثعمي ، وأمثالهم. 
روي عن يونس بن عبد الرحمن قال : مات أبو إبراهيم عليه السلام وليس من قوامه أحد إلا وعنده المال الكثير ، و كان ذلك سبب وقفهم وجحدهم موته ، طمعا في الأموال ، كان عند زياد بن مروان القندي سبعون ألف دينار ، وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار. فلما رأيت ذلك وتبينت الحق وعرفت من أمر أبي الحسن الرضا ما علمت ، تكلمت ودعوت الناس إليه فبعثا إلي وقالا : ما يدعوك إلى هذا ؟
إن كنت تريد المال فنحن نغنيك وضمنا لي عشرة آلاف دينار، وقالا لي : كف.
 فأبيت وقلت لهما : إنا روينا عن الصادقين عليهم السلام أنهم قالوا : إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه ، فإن لم يفعل سلب نور الإيمان ، وما كنت لأدع الجهاد في أمر الله على كل حال ، فناصباني وأضمرا لي العداوة [13] .  
 
القسم الثاني ممن وقف على الإمام :
عن الحسين بن محمد بن عمر بن يزيد ، عن عمه قال :
كان بدء الواقفة أنه كان اجتمع ثلاثون ألف دينار عند الأشاعثة زكاة أموالهم وما كان يجب عليهم فيها ، فحملوا إلى وكيلين لموسى عليه السلام بالكوفة أحدهما حيان السراج والآخر كان معه ، وكان موسى عليه السلام في الحبس فاتخذوا بذلك دورا ، وعقدوا العقود ، واشتروا الغلات .
 فلما مات موسى عليه السلام فانتهى الخبر إليهما ، أنكرا موته وأذاعا في الشيعة أنه لا يموت لأنه هو القائم ، فاعتمدت عليه طائفة من الشيعة وانتشر قولهما في الناس ، حتى كان عند موتهما أوصيا بدفع المال إلى ورثة موسى عليه السلام ، واستبان للشيعة أنهما قالا ذلك حرصا على المال .
 وحيان السراج : كان كيسانيا وقد روى الكشي في رجاله[14]روايات تدل على تعصبه في كيسانيته . منها قول حيان للصادق عليه السلام : إنما مثل محمد بن الحنفية في هذه الأمة مثل عيسى بن مريم .
 فقال الصادق عليه السلام : ويحك يا حيان شبه على أعدائه ؟ فقال : بلى شبه على أعدائه . فقال : تزعم أن أبا جعفر عدو محمد بن علي ! لا ولكنك تصدف يا حيان وقد قال الله عز وجل في كتابه : {سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ} الأنعام157.
وهذا مزيد من الكلام عن القسم الأول من الواقفة وما جرى لهم مع الإمام الرضا من الأخذ والرد ، وقد عرفت حالهم مع الإمام موسى الكاظم وفي ما مر تحت هذا الموضوع مروي عن ابن يزيد ، عن بعض أصحابه قال :
مضى أبو إبراهيم وعند زياد القندي سبعون ألف دينار ، وعند عثمان ابن عيسى الرواسي ثلاثون ألف دينار وخمس جوار ، ومسكنه بمصر ، فبعث إليهم أبو الحسن الرضا عليه السلام أن احملوا ما قبلكم من المال وما كان اجتمع لأبي عندكم من أثاث وجوار ، فإني وارثه ، وقائم مقامه ، وقد اقتسمنا ميراثه ولا عذر لكم في حبس ما قد اجتمع لي ولوراثه قبلكم ، أو كلام يشبه هذا .
 فأما ابن أبي حمزة :  فإنه أنكره ولم يعترف بما عنده . وكذلك زياد القندي  وأما عثمان بن عيسى فإنه كتب إليه : إن أباك صلوات الله عليه لم يمت وهو حي قائم ، ومن ذكر أنه مات فهو مبطل ، واعمل على أنه قد مضى كما تقول فلم يأمرني بدفع شيء إليك ، و أما الجواري فقد أعتقتهن وتزوجت بهن [15].
عن أحمد بن حماد قال : كان أحد القوام عثمان ابن عيسى ، وكان يكون بمصر ، وكان عنده مال كثير وست جواري قال : فبعث إليه أبو الحسن الرضا عليه السلام فيهن وفي المال قال : فكتب إليه : إن أباك لم يمت .
قال : فكتب إليه عليه السلام : إن أبي قد مات وقد اقتسمنا ميراثه وقد صحت الأخبار بموته ، واحتج عليه فيه .قال : فكتب إليه إن لم يكن أبوك مات فليس لك من ذلك شيء ، وإن كان قد مات على ما تحكي فلم يأمرني بدفع شيء إليك ، وقد أعتقت الجواري وتزوجتهن [16].
قال الصدوق رحمه الله : لم يكن موسى بن جعفر عليهما السلام ممن يجمع المال ولكنه قد حصل في وقت الرشيد وكثر أعداؤه ، ولم يقدر على تفريق ما كان يجتمع إلا على القليل ممن يثق بهم في كتمان السر ، فاجتمعت هذه الأموال لأجل ذلك وأراد أن لا يحقق على نفسه قول من كان يسعى به إلى الرشيد ، ويقول : إنه تحمل إليه الأموال وتعتقد له الإمامة ، ويحمل على الخروج عليه ، ولولا ذلك لفرق ما اجتمع من هذه الأموال ، على أنها لم تكن أموال الفقراء ، وإنما كانت أمواله يصل بها مواليه لتكون له إكراما منهم له وبرا منهم به عليه السلام [17].
أقول : بعد ما عرفنا قسمي رؤساء طوائف الواقفة وسبب وقفهم ، وإنه قد تبعهم قوم آخرون أغروهم بالمال الذي تخلف بأيديهم بسبب عدم تمكنهم من إيصاله للإمام موسى بن جعفر في حينه ، ولما أستشهد طمعوا وبخلوا به فلم يوصلوه للإمام الرضا عليه السلام ، نذكر هنا شهرة وفاة الإمام الكاظم عليه السلام ، وجهاد الإمام الرضا لهم ومناقشاته مع من توقف ثم تاب ورجع منهم فحسنت عاقبته وفاز بالفلاح مع إمام الحق ، ثم نذكر أخبار من أصر على العمى وطغى ومصيره ، فأعتبر يا طيب وأطلب الحق وتدين به بكل وجود ، فإنه لابد للإنسان من إمام يدعى به يوم القيامة إذ قال تعالى : يوم ندعو كل أناس بإمامهم ، وقال رسول الله : من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية :
 
 

البحث الثالث

أدلة وفاة الإمام الكاظم وبطلان قول الواقفية

أولا : الإمام الرضا يبين موت والده عليهم السلام :
عرفت يا طيب : مكاتبة الإمام لرؤساء الواقفية وطلبه الأموال منهم لكي يتصرف بها بما يدعم المذهب الحق وليوصل الحقوق لمن يستحقها ويقضي ما يلزمه من شأنه الكريم ، وإنه عرفهم وفاة أبيه عليه السلام وعرفنا عنادهم ، وهنا نذكر روايتان بصورة مناقشة يعرفنا بها الإمام وفاة أبيه الكاظم عليه السلام ، ثم نذكر كلام الشيخ الطوسي وغيره في هذا الباب لنتيقن بطلان دعوى الواقفية وصريح عنادهم للحق وعدم الحياء في كتم الحق وسرق مال الله وعباده .
عن علي بن رباط قال : قلت لعلي بن موسى الرضا عليه السلام إن عندنا رجلا يذكر أن أباك عليه السلام حي ، وأنت تعلم من ذلك ما يعلم .
 فقال عليه السلام : سبحان الله مات رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يمت موسى بن جعفر عليه السلام ، بلى والله ، والله لقد مات وقسمت أمواله ونكحت جواريه [18].
عن أحمد ابن محمد ، قال : وقف علي أبو الحسن في بني زريق فقال لي : وهو رافع صوته : يا أحمد ! قلت : لبيك .
قال : إنه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله جهد الناس في إطفاء نور الله ، فأبى الله إلا أن يتم نوره بأمير المؤمنين عليه السلام ، فلما توفي أبو الحسن عليه السلام جهد علي بن أبي حمزة وأصحابه في إطفاء نور الله فأبى إلا أن يتم نوره ، وإن أهل الحق إذا دخل عليهم داخل سروا به ، وإذا خرج عنهم خارج لم يجزعوا عليه ، وذلك أنهم على يقين من أمرهم .
 وإن أهل الباطل إذا دخل فيهم داخل سروا به ، وإذا خرج عنهم خارج جزعوا عليه ، وذلك لأنهم على شك من أمرهم .
إن الله جل جلاله يقول: { فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ } الأنعام 98.
قال : ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: المستقر الثابت ، والمستودع المعار[19].
أقول : سيأتي بيان وحجج أخرى للإمام الرضا عن موت والده موسى الكاظم عليهما السلام في ما يأتي ، فترقب .
 
ثانيا: كلام الشيخ الطوسي في وفاة الإمام الكاظم  :
 أما الذي يدل على فساد مذهب الواقفة الذين وقفوا في إمامة أبي الحسن موسى عليه السلام ، وقالوا إنه المهدي .
 فقولهم باطل : بما ظهر من موته عليه السلام ، و اشتهر واستفاض كما اشتهر موت أبيه وجده ومن تقدمه من آبائه عليهم السلام ، ولو شككنا لم ننفصل من الناووسية والكيسانية والغلاة والمفوضة الذين خالفوا في موت من تقدم من آبائه عليهم السلام ، على أن موته اشتهر ما لم يشتهر موت أحد من آبائه عليهم السلام ، لأنه اظهر وأحضروا القضاة والشهود ونودي عليه ببغداد على الجسر . وقيل : هذا الذي تزعم الرافضة أنه حي لا يموت مات حتف أنفه ، وما جرى هذا المجرى لا يمكن الخلاف فيه [20] .
 قال المجلسي أقول : ثم نقل الأخبار الدالة على وفاته عليه السلام على ما نقلنا عنه في باب شهادته عليه السلام ( فراجع صحيفة الإمام عليه السلام ).
ثم قال الشيخ الطوسي [21] : فموته عليه السلام أشهر من أن يحتاج إلى ذكر الرواية به ، لأن المخالف في ذلك يدفع الضرورات ، والشك في ذلك يؤدي إلى الشك في موت كل واحد من آبائه وغيرهم ، فلا يوثق بموت أحد ، على أن المشهور عنه عليه السلام أنه وصى إلى ابنه علي بن موسى عليه السلام ، وأسند إليه أمره بعد موته ، والأخبار بذلك أكثر من أن تحصى ، نذكر منها طرفا ولو كان حيا باقيا لما احتاج إليه .  وقال المجلسي أقول : ثم ذكر ما سنورده من النصوص على الرضا عليه السلام . أقول : قد نقلناها في الباب الثاني السابق من صحيفة الإمام الرضا عليه السلام فراجع  .
 ثم قال : الشيخ الطوسي [22]: و الأخبار في هذا المعنى أكثر من أن تحصى ، وهي موجودة في كتب الإمامية معروفة مشهورة ، من أرادها وقف عليها من هناك ، وفي هذا القدر هاهنا كفاية إن شاء الله تعالى . 
فإن قيل : كيف تعولون على هذه الأخبار ، وتدعون العلم بموته ، و الواقفة تروي أخبارا كثيرة ، يتضمنّ أنه لم يمت وأنه القائم المشار إليه ، موجودة في كتبهم وكتب أصحابكم ، فكيف تجمعون بينها ؟ وكيف تدعون العلم بموته مع ذلك ؟    قلنا : لم نذكر هذه الأخبار إلا على جهة الاستظهار ، والتبرع ، لا لانا احتجنا إليها في العلم بموته ، لأن العلم بموته حاصل لا يشك فيه ، كالعلم بموت آبائه ، والمشكك في موته كالمشكك في موتهم ، وموت كل من علمنا بموته ، وإنما استظهرنا بإيراد هذه الأخبار تأكيدا لهذا العلم كما نروي أخبارا كثيرة فيما نعلم بالعقل والشرع ، وظاهر القرآن والإجماع وغير ذلك ، فنذكر في ذلك أخبارا على وجه التأكيد . فأما ما ترويه الواقفة فكلها أخبار آحاد لا يعضدها حجة ، ولا يمكن ادعاء العلم بصحتها ، ومع هذا فالرواة لها مطعونون عليهم ، لا يوثق بقولهم ورواياتهم  بعد هذا كله فهي مؤولة . ثم ذكر رحمه الله بعض أخبارهم الموضوعة وأولها ، وإن أرد المزيد فراجع كتابه الغَيبة [23].
 قال المجلسي أقول : قال الصدوق رحمه الله في كتاب عيون أخبار الرضا بعد ذكر الأخبار الدالة على وفاته عليه السلام ما نقلنا عنه في باب شهادته : إنما أوردت هذه الأخبار في هذا الكتاب ردا على الواقفة على موسى بن جعفر عليه السلام ، فإنهم يزعمون أنه حي وينكرون إمامة الرضا وإمامة من بعده من الأئمة عليهم السلام ، وفي صحة وفاة موسى عليه السلام إبطال مذهبهم ، ولهم في هذه الأخبار كلام يقولون : إن الصادق عليه السلام قال : الإمام لا يغسله إلا إمام ، فلو كان الرضا عليه السلام إماما لما ذكرتم في هذه الأخبار أن موسى عليه السلام غسله غيره ، ولا حجة لهم علينا في ذلك لان الصادق عليه السلام إنما نهى أن يغسل الإمام إلا من يكون إماما ، فإن دخل من يغسل الإمام في نهيه فغسله لم تبطل بذلك إمامة الإمام بعده ، ولم يقل عليه السلام إن الإمام لا يكون إلا الذي يغسل من قبله من الأئمة عليهم السلام ، فبطل تعلقهم علينا بذلك . 
على أنا قد روينا بعض هذه الأخبار : أن الرضا عليه السلام غسل أباه موسى بن جعفر عليه السلام من حيث خفي على الحاضرين لغسله غير من اطلع عليه ، ولا تنكر الواقفة أن الإمام يجوز أن يطوي الله له البعد حتى يقطع المسافة البعيدة في المدة اليسيرة [24] .   أقول : سيأتي بيان الإمام الرضا لإبطال هذه الشبهة , إنه كجده علي بن الحسين في تغسيل الإمام الحسين عليهم السلام .
 

البحث الرابع

بجهاد الإمام الرضا للواقفة رجع أغلبهم للحق ولُعن المبطلون

وفي البحث طبقتان :

الطبقة العليا

الإمام الرضا يُرجع بعض الواقفية  للهدى  للحق

في هذا القسم نرى قسم من أفراد الشيعة تحسب على الواقفية ولكن ترى إن لهم إيمان بالإمام سابق ، ولكن يسأل الإمام أن يتعهده ويقبله من مواليه لتطمئن نفسه بتوليه لولي دينه وقبوله له ، وهم لهم أحوال في طلب التوفيق من الله لأن يهديهم للإمام ليقبلوه لا أنهم توقفوا عليه ولم يقبلوه ثم رجعوا ، فهؤلاء يريدون الثبات والتمسك القوي بما يرعاهم به الإمام من تعاليم الله ، وإن أدرجوا في رجال الواقفية ثم قالوا رجعوا عن الوقف ، لكن في الحقيقة كان توقف قسم منهم يريدون به الرعاية من الإمام ويطلبون التوفيق لأن يكونوا من مواليه بحق .
وهذه الحالات التي تراها هنا : أشبه بما يكون في زماننا حين نرى التوفيق في زيارة الإمام ، وإن الحرمان حين لم نوفق في السنة أو أكثر أو أقل فلم نزر بها إمام من أهل البيت عليهم السلام فنشتاق لهم ، وعند وصولنا نقول : الإمام قد طلبنا لزيارته ورعانا لأن نتوفق حتى نكون عنده ، وهذه حالات مختلفة كلا حسب حاله يكون شوقه وجده لزيارة الإمام والطلب منه .
 وقد يسمى حالهم بلسان العرفاء : دلال المؤمن ، أو بلسان العامة يريد شارة ، وعلامة ليطمئن قلبه ، وإن كان تشعر بعض العبارات بالإنكار ويصعب تحملها من المؤمنين ، ولكن لبعضهم علامة وقول مثلا لا أزور الإمام ولم أصله إن لم يفعل به كذا أو إن لم يقضي له حاجة معينه ، ولكنه مطمئن بإمامته ولن يتزلزل أبدا ويواليه أكثر من غيره بل متيقن فضله وكرامته على الله أكثر من غيره ، وبعض لا قد يكون معاند حتى يبرهن له ويطمئن بعد التي واللتيا وقد يوفق أو لا ، وعلى كل حال تدبر ترى حال أقسام مختلفة منهم هنا .
فنذكر يا طيب : هنا بعض من كان لشبهة أو لقول توقف وليس لمال عنده ، ولكنه لما أستفهم من الإمام الرضا عليه السلام وأجابه آمن وصدق به وعاد للمولاة بعد حصل على مراده وحلت شبهته أو حصلت له عناية ورعاية من الإمام بتوليه ، وبعض كان مستضعف لشبة ما أشاعه الآخرون ممن قد أنحرف ، ولكن بتفهيمه يفهم ويؤمن ولم يعاند ، ففي هذا القسم والآتي نذكر أحول للموالين الذين أقروا بالإمام بعد بعض التوقف ، فنتدبر حالهم حتى يأتي دور من عاند ومصيرهم الأسود .
فالآن في هذا الموضوع : محاورات كريمة في كثير من معارف هدى الدين وبيان كريم للإمام وأسئلة وأجوبة شريفة ولطيفة من الإمام وطالبي الحق والهدى الواقعي ، نتعرف على هؤلاء الموالين الثابتين ، وجعلنا الله من الثابتين الذين يصدقهم الإمام ويتعهدهم بلطفه ويرعاهم بما فضله الله من علمه وخُلقه وسيرته التي أخلص بها لله ، حتى نكون بحق من أولياءه الصادقين والعابدين لله وحده لا شريك له بكل أخلاص وجد ، ومثل ولينا علي بن موسى الرضا إمام الحق ومثل آله الطيبين الطاهرين وصحبهم المنتجبين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .
الأولى : مع داود الرق كل الأئمة قائمون بأمر الله :
عن داود الرقي قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام : جعلت فداك إنه والله ما يلج في صدري من أمرك شيء إلا حديثا سمعته من ذريح يرويه عن أبي جعفر عليه السلام . قال لي : وما هو ؟
 قال : سمعته يقول : سابعنا قائمنا إن شاء الله .
قال : صدقت ، وصدق ذريح ، وصدق أبو جعفر عليه السلام . فازددت والله شكا ، ثم قال لي : يا داود بن أبي كلدة  ، أما والله لولا أن موسى قال للعالم {قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} الكهف 69. ما سأله عن شيء.
وكذلك أبو جعفر عليه السلام: لولا أن قال إن شاء الله لكان كما قال.
فقطعت عليه [25].
 
 الثانية : ثبات  البيزنطي بفضل الإمام الرضا  :
عن البزنطي ، قال : كتبت إلى الرضا عليه السلام :
 أني رجل من أهل الكوفة وأنا وأهل بيتي ندين الله عز وجل بطاعتكم ، وقد أحببت لقاءك لأسألك عن ديني وأشياء جاء بها قوم عنك بحجج يحتجون بها عليَّ فيك ، وهم الذين يزعمون أن أباك صلى الله عليه حي في الدنيا لم يمت ميتتها ، ومما يحتجون به أنهم يقولون إنا سألناه عن أشياء فأجاب بخلاف ما جاء عن آبائه ، وأقر بأنه كذا ، وقد نفى ما لتقية عن نفسه ، فعليه أن يخشى .
ثم إن صفوان لقيك : فحكى لك بعض أقاويلهم الذي سألوك عنها فأقررت بذلك ، ولم تنفه عن نفسك ، ثم أجبته بخلاف ما أجبتهم وهو قول آبائك عليهم السلام .  وقد أحببت لقاءك لتخبرني لأي شيء أجبت صفوان بما أجبته وأجبت أولئك بخلافه ؟ فان في ذلك حياة لي وللناس ، والله تبارك وتعالى يقول : {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًاَ} المائدة : 32.

فكتب عليه السلام : بسم الله الرحمن الرحيم

 قد أُوصل كتابك إلي وفهمت ما ذكرت فيه من حبك لقاءي ، وما ترجو فيه ، يجب عليك أن أشافهك في أشياء جاء بها قوم عني وزعمت أنهم يحتجون بحجج عليكم ، ويزعمون أني أجبتهم بخلاف ما جاء عن آبائي ، ولعمري ما يسمع الصم ولا يهدي العمي إلا الله ،{ فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} الأنعام : 125 . { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } القصص : 56. 
قد قال أبو جعفر : لو استطاع الناس لكانوا شيعتنا أجمعين ، ولكن الله تبارك وتعالى أخذ ميثاق شيعتنا يوم أخذ ميثاق النبيين .
وقال أبو جعفر عليه السلام : إنما شيعتنا من تابعنا ولم يخالفنا ومن إذا خفنا خاف ، وإذا أمنا أمن ، فأولئك شيعتنا .
وقال الله تبارك وتعالى : { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } النحل : 43 وقال الله تعالى { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}براءة : 122 .
 فقد فرضت عليكم المسألة والرد إلينا ، ولم يفرض علينا الجواب .
 قال الله عز وجل : { فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ }القصص : 50 .
يعني من اتخذ دينه رأيه بغير إمام من أئمة الهدى .
      فكتبت إليه: إنه يعرض في قلبي مما يروي هؤلاء في أبيك.
 فكتب : قال أبو جعفر : ما أحد أكذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وآله ممن كذبنا أهل البيت أو كذب علينا ، لأنه إذا كذبنا أو كذب علينا فقد كذب الله ورسوله ، لأنا إنما نحدث عن الله تبارك وتعالى وعن رسوله صلى الله عليه وآله .
وقال أبو جعفر عليه السلام : وأتاه رجل فقال : إنكم أهل بيت الرحمة اختصكم الله بها ؟
فقال أبو جعفر عليه السلام : نحن كذلك ، والحمد لله لم ندخل أحدا في ضلالة ولم نخرجه عن هدى ، وإن الدنيا لا تذهب حتى يبعث الله منا أهل البيت رجلا يعمل بكتاب الله عز وجل  لا يرى منكرا إلا أنكره . 
فكتبت إليه : جعلت فداك إنه لم يمنعني من التعزية لك بأبيك إلا أنه كان يعرض في قلبي مما يروي هؤلاء ، فأما الآن فقد علمت أن أباك قد مضى عليه السلام فآجرك الله في أعظم الرزية ، وهناك أفضل العطية ، فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، ثم وصفت له ـ يعنى إماما بعد إمام ـ حتى ما انتهيت إليه . 

فكتب ـ الإمام الرضا ـ عليه السلام :

قال أبو جعفر عليه السلام : لا يستكمل عبدا لإيمان حتى يعرف أنه يجري لآخرهم ما يجري لأولهم في الحجة والطاعة ، والحلال والحرام سواء ، ولمحمد صلى الله عليه وآله و أمير المؤمنين فضلهما .
 وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من مات وليس عليه إمام حي يعرفه مات ميتة جاهلية .  وقال أبو جعفر : إن الحجة لا تقوم لله عز وجل على خلقه إلا بإمام حتى يعرفونه . 
وقال أبو جعفر عليه السلام : من سره أن لا يكون بينه وبين الله حجاب حتى ينظر إلى الله وينظر الله إليه ، فليتول آل محمد صلى الله عليه وآله ويبرأ من عدوهم ويأتم بالإمام منهم ، فانه إذا كان كذلك ، نظر الله إليه ونظر إلى الله ، ولولا ما قال أبو جعفر عليه السلام حين يقول : لا تعجلوا على شيعتنا إن تزل قدم تثبت أخرى .  وقال : من لك بأخيك كله ، لكان مني من القول في ابن أبي حمزة وابن السراج وأصحاب ابن أبي حمزة .
أما ابن السراج : فإنما دعاه إلى مخالفتنا والخروج من أمرنا ، أنه عدا على مال لأبي الحسن عليه السلام عظيم ، فاقتطعه في حياة أبي الحسن وكابرني عليه وأبى أن يدفعه ، والناس كلهم مسلمون مجتمعون على تسليمهم الأشياء كلها إلي ، فلما حدث ما حدث من هلاك أبي الحسن عليه السلام اغتنم فراق علي بن أبي حمزة وأصحابه إياي وتعلل ، ولعمري ما به من علة إلا اقتطاعه المال وذهابه به . 
وأما ابن أبي حمزة : فإنه رجل تأول تأويلا لم يحسنه ولم يؤت علمه ، فألقاه إلى الناس فلج فيه ، وكره إكذاب نفسه في إبطال قوله بأحاديث تأولها ، ولم يحسن تأويلها ولم يؤت علمها ، ورأى أنه إذا لم يصدق آبائي بذلك لم يدر لعل ما خبر عنه مثل السفياني وغيره أنه كان لا يكون منه شيء .
 وقال لهم : ليس يسقط قول آبائه بشيء .
 ولعمري : ما يسقط قول آبائي شيء ، ولكن قصر علمه عن غايات ذلك وحقائقه ، فصار فتنة له وشبهة عليه ، وفر من أمر فوقع فيه .
وقال أبو جعفر عليه السلام : من زعم أنه قد فرغ من الأمر فقد كذب ، لأن لله عز وجل المشيئة في خلقه ، يحدث ما يشاء ، ويفعل ما يريد ، وقال : { ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ } آل عمران34.
فآخرها من أولها ، وأولها من آخرها ، فإذا خبر عنها بشيء منها بعينه أنه كائن فكان في غيره منه ، فقد وقع الخبر على ما أخبروا .
 أ ليس في أيديهم أن أبا عبد الله عليه السلام قال : إذا قيل في المرء شيء فلم يكن فيه ، ثم كان في ولده من بعده فقد كان فيه [26].
بيان للمجلسي رحمه الله : قوله : ( ورأى أنه إذا لم يصدق ) أي قال : إنه إن لم اصدق الأئمة فيما أخبروا به من كون موسى عليه السلام هو القائم فيرتفع الاعتماد عن أخبارهم ، فلعل ما أخبروا به من السفياني وغيره لا يقع شيء منها ، وحاصل جوابه عليه السلام يرجع : تارة إلى أنه مما وقع فيه البداء ، وتارة إلى أنه مؤول : بأنه يكون ذلك في نسله ، وقد مر تأويل آخر لها حيث قال عليه السلام : كلنا قائمون بأمر الله . وقوله عليه السلام : "وفر من أمر فوقع فيه " إشارة إلى أنه بعد هذا القول لزمه طرح كثير من الأخبار المنافية لكون موسى عليه السلام هو القائم [27].
أقول : إن السائل بعد أن أفهمه الإمام وحل شبهته آمن ، ولما عرف الإمام إيمانه شرح له أكثر وعرفه سبب ضلال من ضل عنه وتوقف والعياذ بالله منهم ، وشرح له إن شبههم مردودة عليهم لأن كل الأئمة قائمون بأمر الله على إن الإمام قال إن شاء الله .  ثم إن الإمام الصادق عليه السلام : في الحديث قبل هذا ، ذكر قائمهم السابع إن شاء الله يعني منه حتى ولده : هو الصادق وموسى والرضا والجواد والهادي والعسكر ثم الحجة السابع ، فلا يؤخذ عليه بأن السابع الكاظم ـ أي الإمام علي والحسن والحسين والسجاد والباقر والصادق والكاظم أيضا سبعة ـ دون المهدي المنتظر عليهم السلام السابع ، والذي هو من ولد الصادق وهو قائمهم الذي معه يكنون سبعة عليهم السلام .
 ثم بين الإمام للرضا عليه السلام : هذا من شأن الإمامة وكيفية وقوعه في قوله ذرية بعضها من بعض ، وفي أحوال عيسى وأمه وغيرها من الحجج حسب ما عرفت وما سيأتي ، على أن موت الإمام موسى الكاظم عليه السلام مشهور وشهر به على الجسر حين طرحوه ونادوا عليه حسب ما عرفت ، فلعنة الله على القوم الظالمين وحشرنا الله مع النبي محمد وآله الطيبين الطاهرين صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين ، ورحم الله من قال آمين .
 الثالثة : تصديق حسين بن عمر بإمامة الرضا :
عن حسين بن عمر رحمه الله : قال :  قلت له : إن أبي أخبرني أنه دخل على أبيك فقال له : إني أحتج عليك عند الجبار أنك أمرتني بترك عبد الله وأنك قلت : أنا إمام ؟ فقال : نعم ، فما كان من إثم ففي عنقي .
فقال : وإني أحتج عليك بمثل حجة أبي على أبيك فإنك أخبرتني أن أباك قد مضى وأنك صاحب هذا الأمر من بعده ؟  فقال : نعم .
 فقلت له : إني لم أخرج من مكة حتى كاد يتبين لي الأمر ، وذلك أن فلانا أقرأني كتابك يذكر أن تركة صاحبنا عندك .
 فقال : صدقت وصدق ، أما والله ما فعلت ذلك حتى لم أجد بدا ، ولقد قلته على مثل جدع أنفي ، ولكني خفت الضلال والفرقة [28].
أقول : الأب دخل على الإمام موسى الكاظم فتبين له أن أخو الإمام عبد الله الأفطح ليس بإمام وإنه هو الإمام ، والابن تبين له من الإمام الرضا أنه هو الإمام بعد أبيه الكاظم عليه السلام فقبل منه ، فهو يريد الثبات والتولي والتمسك بالإمام بكل جد لمجرد تصريح الإمام بتوليه وقبوله .
بيان لصاحب البحار : تركة صاحبنا أي ما تركه علي ـ بن أبي طالب ـ عليه السلام من علامات الإمامة ، كالسلاح والجفر وغير ذلك ، ويحتمل القائم عليه السلام على الإضافة إلى المفعول .  قوله عليه السلام : على مثل جدع أنفي : الجدع قطع الأنف أي كان يشق ذكر ذلك عليَّ كجدع الأنف للتقية ، ولكن قلته لئلا يضلوا [29].
 
 الرابعة : جزم حسين بن بشار بإمامة الرضا :
عن الحسين بن بشار رحمهم الله قال : لما مات موسى بن جعفر عليه السلام خرجت إلى علي بن موسى عليه السلام غير مؤمن بموت موسى ولا مقرا بإمامة علي عليه السلام ، إلا أن في نفسي أن أسأله وأصدقه .
 فلما صرت إلى المدينة انتهيت إليه وهو بالصوار ـ موضع بالمدينة ـ فاستأذنت عليه ودخلت فأدناني وألطفني وأردت أن أسأله ، عن أبيه عليه السلام فبادرني فقال لي : يا حسين إن أردت أن ينظر الله إليك من غير حجاب وتنظر إلى الله من غير حجاب ؛ فوال آل محمد ووال ولي الأمر منهم .
 قال : قلت : أنظر إلى الله عز وجل ؟   قال : إي والله . قال حسين : فجزمت على موت أبيه وإمامته . ثم قال لي : ما أردت أن آذن لك لشدة الأمر وضيقه ، ولكني علمت الأمر الذي أنت عليه ، ثم سكت قليلا ، ثم قال : خبرت بأمرك ؟ قال : قلت له : أجل [30] .
أقول : النظر إلى الله هو النظر إلى رحمة الله ، حسب الموافق للمذهب فأنظر لصحيفة التوحيد من موسوعة صحف الطيبين .
وقال المجلسي بيان : قد مر تأويل النظر إلى الله تعالى في كتاب التوحيد[31].
 
الخامسة : شهادة عبد الله بن المغيرة بإمامة الرضا :
قال عبد الله بن المغيرة رحمه الله : كنت واقفا ، فحججت على تلك الحالة ، فلما صرت في مكة خلج في صدري شيء ، فتعلقت بالملتزم ثم قلت :
اللهم قد علمت طلبتي وإرادتي ، فأرشدني إلى خير الأديان ، فوقع في نفسي أن آتي الرضا عليه السلام ، فأتيت المدينة فوقفت ببابه وقلت للغلام : قل لمولاك رجل من أهل العراق بالباب .  فسمعت نداءه : ادخل يا عبد الله بن المغيرة ، فدخلت فلما نظر إلي قال : قد أجاب الله دعوتك وهداك لدينك .
 فقلت : أشهد أنك حجة الله وأمينه على خلقه[32] .
 
السادسة : محمد بن إسحاق بدعاء الإمام يرجع للحق :
عن يزيد بن إسحاق وكان من أدفع الناس لهذا الأمر قال :
 خاصمني مرة أخي محمد وكان مستويا ، قال : فقلت له لما طال الكلام بيني وبينه : إن كان صاحبك بالمنزلة التي تقول فاسأله أن يدعو الله لي حتى أرجع إلى قولكم . قال : قال لي محمد : فدخلت على الرضا عليه السلام  فقلت له : جعلت فداك إن لي أخا وهو أسن مني ، وهو يقول بحياة أبيك ، وأنا كثيرا ما أناظره ، فقال لي يوما من الأيام : سل صاحبك إن كان بالمنزلة التي ذكرت أن يدعو الله لي حتى أصير إلى قولكم ، فأنا احب أن تدعو الله له قال :
 فالتفت أبو الحسن عليه السلام نحو القبلة فذكر ما شاء الله أن يذكر . ثم قال : اللهم خذ بسمعه وبصره ومجامع قلبه حتى ترده إلى الحق ، قال كان يقول هذا وهو رافع يده [33].
أبي خالد رحمه الله :عن أبي خالد السجستاني أنه لما مضى أبو الحسن عليه السلام وقف عليه ثم نظر في نجومه زعم أنه قد مات فقطع على موته وخالف أصحابه[34].
 
سابعها : أسماء طائفة من المؤمنين الراجعون للحق :
 قال الشيخ الطوسي رحمه الله : والطعون على هذه الطائفة أكثر من أن تحصى لا نطول بذكرها الكتاب ، فكيف يوثق بروايات هؤلاء القوم وهذه أحوالهم وأقول السلف الصالح فيهم ، ولولا معاند من تعلق بهذه الأخبار التي ذكروها لما كان ينبغي أن يصغى إلى من يذكرها ، لأنا قد بينا من النصوص على الرضا عليه السلام ما فيه كفاية ويبطل قولهم . ويبطل ذلك أيضا ما ظهر من المعجزات على يد الرضا الدالة على صحة إمامته ـ أنظر الأبواب آتية في هذه الصحيفة ـ وهي مذكورة في الكتب ، ولأجلها رجع جماعة من القول بالوقف مثل :  عبد الرحمن بن الحجاج ، ورفاعة بن موسى ، ويونس يعقوب ، وجميل بن دراج ، وحماد بن عيسى ، وغيرهم  وهؤلاء من أصحاب أبيه الذين شكوا فيه ثم رجعوا.
وكذلك من كان في عصره مثل : أحمد بن محمد بن أبي نصر ، والحسن بن علي الوشاء ، وغيرهم ممن قال : في الوقف ، فالتزموا الحجة وقالوا : بإمامته وإمامة من بعده من ولده [35]. أقول : رحمهم الله وحشرهم الله مع من يتولوه .
والحمد الله : بفطنة الإمام وتدبيره وشرحه وببيانه رجع بعض الواقفية للحق وقالوا بإمامته ، واقروا له بأنه هو ولي الدين المصطفى المختار من رب العالمين كآبائه وأبنائه ، وبعضهم حتى بدون شرح بمجرد ملاقاة الإمام رجع للحق وبأبسط بيان لأنه كان طالبا للحق وعنده الدليل ولكنه يريد أن تطمئن نفسه ويحصل له الثبات في دينه ، جعلنا الله مع أولياء دينه إنه ارحم الراحمين .
وهذا القسم الثاني العصاة الطغاة الذين لم يرجعوا لإمام الهدى ، أبعدنا الله منهم دنيا وآخرة وجعلهم مع من يتولوه .
 

الطبقة السفلى

الذين أصروا على المعصية فدخول النار وغضب الجبار

 
يا طيب : بعد إن عرفنا بعض أصحاب الدليل والبرهان وأتباعه ، والذين أيقنوا بأن الله تعالى كان قد نصب أولياء لهداه ، وإنه عرفنا أئمة الهدى الذين هم ذرية بعضها من بعض ، حتى كانوا آية وبرهانا على جدية الله في دينه والمحافظة عليه بأئمة هدى اصطفاهم وأختارهم لدينه القيم ليسعد من تبعهم .
 وإنه تعالى عليم حكيم ورب مدبر : لم يهمل عباده بدون ولي دين وإمام حق يكون كلامه الباب في معارف الله ودينه وهداه ولا يحق لأحد مخالفته والخروج عليه ، ومن أبتعد عنه ضل عن هدى الله ، ولم يترك سبحانه الناس يحيرون في بدع المدعين للباطل من دون وليا مرشدا وعلما هاديا يريهم دينه الحق ، بل مكننا سبحانه من معرفة أئمة الحق بسنن الهدى وتأريخه الدين ، حتى أوجب علينا مودة الأطايب المطهرين في كتابه وعرفنا بهم ، وصدقهم بظهور فضلهم وبكثير من الأدلة في سيرتهم وسلوكهم وما ظهر من علمهم ومعارفهم .
فيا طيب : بعد أن عرفنا أهم مَن رجع للحق وأناب للهدى وتابع إمام الرضا عليه السلام كما تابع آبائه الطاهرين ، ففاز بالحسنى ولحق بهم في الدنيا والآخرة وسار بصراط مستقيم لنعيم الله تعالى وعبده حتى كان في رضاه ، نأتي لذكر من عاند الحق وأصر على الضلال والمعصية فتبع هواه وتردى وسلك في ولاية الشيطان فخرج من النور للظلمات وخسر الدنيا والآخرة وكانت أعماله هباء منثورا ، فدخل نار لهيبها لا يطفئ بعمله وفكره الباطل، أبعدنا الله عنهم كلهم ، فهذه إليك بعض قصصهم وأخبارهم لتلعنهم ونبدأ ببعض محاوراتهم :
الأولى: الإمام مع المغرور بفكره حسين بن مهران:
عن إسماعيل بن مهران ، عن أحمد بن محمد قال : كتب الحسين بن مهران إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام  كتابا قال : فكان يمشي شاكا في وقوفه، قال، فكتب إلى أبي الحسن عليه السلام يأمره و ينهاه .
 فأجابه أبو الحسن عليه السلام بجواب ، و بعث به إلى أصحابه فنسخوه ، و رد إليه لئلا يستره حسين بن مهران ، و كذلك كان يفعل إذا سأل عن شي‏ء فأحب ستر الكتاب ، و هذه نسخة الكتاب الذي أجابه به :
بسم الله الرحمن الرحيم :
 عافانا الله و إياك ، جاءني كتابك تذكر فيه الرجل الذي عليه الخيانة و العين تقول أخذته ، و تذكر ما تلقاني به و تبعث إلي بغيره ، و احتججت فيه فأكثرت و عبت عليه أمرا و أردت الدخول في مثله ، تقول : إنه عمل في أمري بعقله و حيلته ، نظرا منه لنفسه و إرادة أن تميل إليه قلوب الناس ، ليكون الأمر بيده و إليه ، يعمل فيه برأيه و يزعم أني طاوعته فيما أشار به عليَّ ، و هذا أنت تشير عليّ فيما يستقيم عندك في العقل .
و الحيلة ـ الحل ـ بعدك : لا يستقيم الأمر إلا بأحد أمرين :
إما قبلت الأمر على ما كان يكون عليه ، و إما أعطيت القوم ما طلبوا و قطعت عليهم ، و إلا فالأمر عندنا معوج ، و الناس غير مسلمين ما في أيديهم من مال و ذاهبون به فالأمر ليس بعقلك و لا بحيلتك يكون ، و لا تفعل الذي تجيله بالرأي و المشورة .
 و لكن الأمر إلى الله عز و جل : وحده لا شريك له ، يفعل في خلقه ما يشاء من يهدي الله فلا مضل له و من يضلله فلا هادي له و لن تجد له مرشدا ، فقلت : و أعمل في أمرهم و أحتل فيه ، و كيف لك الحيلة ؟
 و الله يقول : { وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ * وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ  *
وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمْ الْمَلاَئِكَةَ وَكَلَّمَهُمْ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُون * وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ *
وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} الأنعام109 ـ 113.
فلو تجيبهم فيما سألوا عنه ، استقاموا و سلموا ، و قد كان مني ما أنكرت و أنكروا من بعدي و مد لي لقائي ، و ما كان ذلك مني إلا رجاء الإصلاح ، لقول أمير المؤمنين صلوات الله عليه :
( اقتربوا اقتربوا و سلوا و سلوا فإن العلم يفيض فيضا ، و جعل يمسح بطنه و يقول ما ملئ طعام و لكن ملأه علم ، و الله ما آية نزلت في بر و لا بحر و لا سهل و لا جبل ، إلا أنا أعلمها و أعلم فيمن نزلت ) .
و قول أبي عبد الله عليه السلام :
( إلى الله أشكو أهل المدينة إنما أنا فيهم كالشعر أتنقل ، يريدونني على أن لا أقول الحق ، و الله لا أزال أقول الحق حتى أموت ) .
 فلما قلت : حقا ، أريد به حقن دمائكم ، و جمع أمركم على ما كنتم عليه، أن يكون سركم مكنونا عندكم غير فاش في غيركم ، و قد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :( سرا أسره الله إلى جبريل ، و أسره جبريل  إلى محمد ، و أسره محمد إلى علي صلوات الله عليهم ، و أسره علي إلى من شاء ) .
 ثم قال، قال أبو جعفر عليه السلام : ( ثم أنتم تحدثون به في الطريق ، فأردت حيث مضى صاحبكم أن ألف أمركم عليكم ، لئلا تضيعوه في غير موضعه ، و لا تسألوا عنه غير أهله فتكونوا في مسألتكم إياهم هلكتم ، فكم دعي إلى نفسه و لم يكن داخله ) .
 ثم قلتم : لا بد إذا كان ذلك منه يثبت على ذلك ، و لا يتحول عنه إلى غيره .
 قلت : لأنه كان من التقية و الكف أولا ، و أما إذ تكلم فقد لزمه الجواب فيما يسأل عنه ، فصار الذي كنتم تزعمون أنكم تذمون به .
 فإن الأمر : مردود إلى غيركم ، و إن الفرض عليكم اتباعهم فيه إليكم.
فصيرتم ما استقام في عقولكم و آرائكم ، وصح به القياس عندكم بذلك لازما ، لما زعمتم من أن لا يصح أمرنا ، زعمتم حتى يكون ذلك عليَّ لكم .
 فإن قلتم : إن لم يكن كذلك لصاحبكم فصار الأمر إن وقع إليكم ، نبذتم أمر ربكم وراء ظهوركم ، فلا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ ، قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَ ما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ، و ما كان بد من أن تكونوا كما كان من قبلكم ، قد أخبرتم أنها السنن و الأمثال القذة بالقذة ، و ما كان يكون ما طلبتم من الكف أولاً ، و من الجواب آخرا شفاء لصدوركم و لإذهاب شككم ، و ما كان بد من أن يكون ما قد كان منكم ، و لا يذهب عن قلوبكم حتى يذهبه الله عنكم ، و لو قدر الناس كلهم على أن يحبونا و يعرفوا حقنا و يسلموا لأمرنا فعلوا  .
و لكن الله يفعل ما يشاء وَ يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ ، فقد أجبتك في مسائل كثيرة ، فانظر أنت و من أراد المسائل منها و تدبرها ، فإن لم يكن في المسائل شفاء ، فقد مضى إليكم مني ما فيه حجة و معتبر ، و كثرة المسائل معيبة عندنا مكروهة ، إنما يريد أصحاب المسائل المحنة ليجدوا سبيلا إلى الشبهة و الضلالة ، و من أراد لبسا لبس الله عليه و وكله إلى نفسه .
 و لا ترى أنت و أصحابك أني أجبت بذلك ، و إن شئت صمت فذاك إليَّ ، لا ما تقوله أنت و أصحابك ، لا تدرون كذا و كذا ، بل لا بد من ذلك ، إذ نحن منه على يقين و أنتم منه في شك[36].
أقول هذه بيانات مفصلة للإمام الرضا عليه السلام : يشرح بها حال تكلمه وإظهار إمامته لأنه لابد له بذلك ولا يحق لهم إنكار حقه ، والأخذ عليه بعدم التقية وبعدم الخوف لما سترى أحواله في زمن هارون من علمه بعدم الخوف عليه منه .
 ثم إن الأمر أستفحل بما يدبره ويكيده الواقفية الذين أظهروا أمرا خطيرا قد يتطور ويُحرف ناس كثيرين ممن في حيطتهم وبلادهم ، ولذا الإمام عرف حقه وشرحه لموالية ، وعليهم الطاعة له ، لا أن يخذوا عليه لماذا تكلم وبين أمره ، وعرفت أنهم يريدوه أن يسكت ليستفحل أمرهم ويستأثروا بالأموال والجاه بالباطل وبالبغي على هدى الله ، ويريدون أن يطفئ نوره فأخزاهم الله وأذهب أحدوثتهم وجعل أعمالهم عليهم حسرات يوم القيامة .
 
الثانية : مع أبن حمزة وابن السراج وابن المكاري:
عن إسماعيل بن سهل قال :  حدثنا بعض أصحابنا وسألني أن أكتم اسمه قال : كنت عند الرضا عليه السلام فدخل عليه علي بن أبي حمزة ، وابن السراج ، وابن المكاري ،  فقال له ابن أبي حمزة : ما فعل أبوك ؟
قال : مضى . قال : مضى موتا . قال فقال : نعم .
قال : فقال : إلى مَن عهد ؟ قال : إليَّ .
قال : فأنت إمام مفترض الطاعة من الله ؟ قال : نعم . 
قال ابن السراج وابن المكاري : قد والله أمكنك من نفسه .
 قال عليه السلام :  ويلك ، وبما أمكنت ، أتريد أن آتي بغداد وأقول لهارون : إني إمام مفترض طاعتي ، والله ما ذك عليَّ ، وإنما قلت ذلك لكم عندما بلغني من اختلاف كلمتكم وتشت أمركم ، لئلا يصير سركم في يد عدوكم . 
قال له ابن أبي حمزة : لقد أظهرت شيئا ما كان يظهره أحد من آبائكم ولا يتكلم به .
 قال عليه السلام : بلى والله لقد تكلم به خير آبائي رسول الله صلى الله عليه وآله لما أمره الله أن ينذر عشيرته الأقربين جمع من أهل بيته أربعين رجلا وقال لهم : إني رسول الله إليكم فكان أشدهم تكذيبا وتأليبا عليه عمه أبو لهب .
 فقال لهم النبي صلى الله عليه وآله : إن خدشني خدش فلست بنبي ، فهذا أول ما أبدع لكم من آية النبوة ، وأنا أقول : إن خدشني هارون خدشا فلست بإمام ، فهذا أول ما أبدع لكم من آية الإمامة . 
قال له علي : إنا روينا عن آبائك عليهم السلام أن الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله .
فقال له أبو الحسن : فأخبرني عن الحسين بن علي عليه السلام كان إماما أو كان غير إمام ؟  قال : كان إماما .
 قال : فمن ولي أمره ؟ قال : علي بن الحسين .
 قال : وأين كان علي ابن الحسين؟ كان محبوسا في يد عبيد الله بن زياد !
قال : خرج وهم كانوا لا يعلمون حتى ولي أمر أبيه ثم انصرف . 
فقال له أبو الحسن عليه السلام : إن هذا أمكن علي بن الحسين عليه السلام أن يأتي كربلاء فيلي أمر أبيه ، فهو يمكن صاحب الأمر أن يأتي بغداد فيلي أمر أبيه ثم ينصرف وليس في حبس ولا في أسار .
قال له علي : إنا روينا أن الإمام لا يمضي حتى يرى عقبه .
قال فقال أبو الحسن عليه السلام : أما رويتم في هذا غير هذا الحديث ؟
قال : لا . قال : بلى والله لقد رويتم فيه إلا القائم وأنتم لا تدرون ما معناه ولم قيل . قال فقال له علي : بلى والله إن هذا لفي الحديث .
 قال له أبو الحسن عليه السلام : ويلك كيف اجترأت على شيء تدعِ بعضه ، ثم قال : يا شيخ اتق الله ولا تكن من الذين يصدون عن دين الله تعالى[37].
 
الثالثة:بن أبي سعيد المكاري الذي أطفأ الله نوره :
أخبار أبو سعيد المكاري : قد مر خبره أعلاه وهذا عن داود بن محمد النهدي ، عن بعض أصحابنا قال : دخل ابن أبي سعيد المكاري ـ كان من وجوه الواقفة لكنه ثقة في حديثه ـ على الرضا عليه السلام فقال له : أبلغ الله من قدرك أن تدعي ما ادعى أبوك ؟
فقال له : مالك أطفأ الله نورك ، وأدخل الفقر بيتك ، أما علمت أن الله عز وجل أوحى إلى عمران عليه السلام أني واهب لك ذكرا فوهب له مريم ، ووهب لمريم عيسى ، فعيسى من مريم ومريم من عيسى ، و عيسى ومريم عليهما السلام شيء واحد ، أنا من أبي مني وأنا وأبي شيء واحد .
 فقال له ابن أبي سعيد : فأسألك عن مسألة ؟
 فقال : لا اخالك تقبل مني ، ولست من غنمي ، هلمها .
فقال : رجل قال عند موته : كل مملوك لي قديم ، فهو حر لوجه الله عز وجل .
فقال : نعم ، إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه : {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ}يس39 .فما كان من مماليكه أتى له ستة أشهر فهو قديم حر.
قال : فخرج الرجل فافتقر حتى مات ولم يكن عنده مبيت ليلة لعنه الله[38] .
عن ابن أبي سعيد المكاري قال : دخل على الرضا عليه السلام فقال له : فتحت بابك للناس ؟ وقعدت تفتيهم ؟ ولم يكن أبوك يفعل هذا ؟
 قال : فقال : ليس علي من هارون بأس ، وقال له : أطفأ الله نور قلبك وأدخل الفقر بيتك ، ويلك أما علمت أن الله تعالى أوحى إلى مريم أن في بطنك نبيا فولدت مريم عيسى ،فمريم من عيسى وعيسى من مريم وأنا من أبي وأبي مني.
قال فقال له : أسألك عن مسألة .
فقال له : ما إخالك تسمع مني ولست من غنمي ، سل .
 فقال له : رجل حضرته الوفاة ، فقال : ما ملكته قديما فهو حر وما لم يملكه بقديم فليس بحر .  قال : ويلك أما تقرأ هذه الآية {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ } يس  39 .  فما ملك قبل الستة الأشهر فهو قديم ، وما ملك بعد الستة الأشهر فليس بقديم .
 قال : فقال : فخرج من عنده ، قال : فنزل به من الفقر والبلاء ما الله بن عليم [39].
 أقول : الظاهر هذه عبارات مختلفة لمحاورة واحده تعدد عباراتها .
وقال المجلسي والبهبودي المعلق على كتاب بحار الأنوار بعد نقل الكلام أعلاه : بيان : ما إخالك أي ما أظنك من قولهم خلته كذا . ولست من غنمي : أي ممن يقول بإمامتي فان الإمام كالراعي لشيعته .
وقال : بيان : لعلهم لما تمسكوا في نفي إمامته بما رووا عن الصادق عليه السلام إن من ولدي القائم أو أن موسى عليه السلام هو القائم ، فبين عليه السلام بأن المعنى : أنه يكون منه القائم ، لا أنه هو القائم .
يا طيب : عرفت معناه أعلاه فيما ذكرنا سابقاً من الشرح والبيان ، ومرّ ذكر كثير من أخبارهم في المواضيع السابقة وهؤلاء من ألائك ويشبهون برؤساء الطائفة الواقفية ، أبو سعيد المكاري من رؤسائهم ، مع إصراره على العناد للحق حتى بعد ما تبين له من الحق نور ، لكنه عمي عن الهدى حتى بعد مجادلة للإمام وتفهيمه الحق ومناط الإمامة في الدين ، ومن كان هذا حاله حتى لو كان ممن لم يأخذ الأموال لكن كان ممن لعنه الإمام ونفّر الناس منه ووصفهم بالشرك والضلال والزندقة كسابقيهم بل هو أولهم ، وعرفت رؤسائهم في كلام سابق.
 وكما سترى في الموضوع الآتي العام والشامل لكل واقفي سواء عصى بالأموال ولم يؤدِ حقها للإمام أم لم يكن عنده شيء منها ، بل عاند الحق لهوى نفس ووسوسة شيطان ، ولم يبحث عن الحق ولم يقبل الدليل والبرهان الذي يدله على أئمة الهدى ودينهم ، فضلّ عن الصراط المستقيم وكل نعيم لأنه هجر نعمة الهداية بإمام حق ، فتابع حالهم ومصيرهم الأسود لعنهم الله وأخزاهم .
كما ستأتي بحوث شريفة في الباب التالي والسادس من هذا الجزء ، ترى فيها كثيراً من حال الواقفية مع الإمام الرضا عليه السلام ، وسيأتي باب أخير في هذا الجزء نعرف به حال أصحاب الإمام معه وتوثيقهم ، وفيه بعض الذكر لهم فتتبع البحوث لترى أصحاب الإمام الرضا وحالهم فتتعظ بهم وتكون من الموالين له ولآله ولدينه بكل جد ، وتنفُر من كل الضالين والمعاندين إلى يوم الدين .
 

البحث الخامس

الإمام الرضا وأبنائه يعرفون المؤمنين ضلال الواقفية ويلعنوهم

 بعد ما عرفنا بعض رؤوس الواقفية وسبب توقفهم والمحسوب عليهم ومن رجع منهم ، نذكر هنا تحذير أئمة الحق منهم وبيان حالهم في الضلال ، وإن من يتبع واقفي عن الإمام الرضا أو غيره من أئمة الحق يكون من أهل الضلال وكالحمار يحمل أسفارا ، يحمل مؤمنته ولا يستفيد منها وقد يحمل ماء ويبقى عطشان لا يستطيع أن يرتوي منه ، والواقفة هكذا شبههم الإمام الرضا وأبنائه الطاهرين عليهم السلام، فهم يؤمنون بالإمامة ولكنهم لا يعرفون إمام زمانهم ، أو يعاندوه من أجل المال ثم تسول لهم أنفسهم بنشر الشبهات وما يضل الناس عن الحق ويحرفهم عن الصواب فلا يعرفون إمام زمانهم ويموتون موتة جاهلية .
ولكن أئمة أهل البيت عليهم السلام بينوا حالهم حتى وصفوهم بالكفر والشرك والزندقة ، وكل ما يبين مآلهم في سوء العاقبة وخروجهم من ولاية أهل البيت عليه السلام لولاية الشيطان وأهل الضلال ، حتى هجرهم الناس وتركوهم فانمحى مذهبهم وطمرت بدعهم ، ورجع أغلب الناس للحق بحمد الله إلا ممن عرفت ممن مات ضالاً وصُلي جهنم المحيطة بالكافرين ، هذا ونذكر هنا ما عرفنا أئمة الحق والهدى الأخيار من حال الواقفية وضلالهم وأحوالهم وسوء عاقبتهم.
وأسأل الله : أن يبعدنا عن كل واقفي لم يؤمن بأئمة الحق وضال قد طفئ الله نوره  ، وأن يجعلنا مع الذين أنعم عليهم بالنعمة الكبرى وهي الهداية لعبوديته بما يحب ويرضى ، حتى كانوا هم الدليل عليه وبرهانه ، وجعلنا من المتمسكين بهم والثابتين على ولايتهم وحبهم وودهم وهداهم إنه ولي التوفيق :

أولا : أسماء بعض الواقفة وسوء حالهم :

الأولى: رأس الواقفية البطائني وجماعته حمير مشركون:
روى الأشعري عن عبد الله بن محمد ، عن الخشاب ، عن أبي داود قال : كنت أنا وعيينة بياع القصب عند علي بن أبي حمزة البطائني وكان رئيس الواقفة فسمعته يقول : قال أبو إبراهيم عليه السلام :
إنما أنت وأصحابك يا علي أشباه الحمير . فقال لي عيينة : أسمعت ؟
قلت :إي والله لقد سمعت ، فقال : لا والله لا أنقل إليه قدمي ما حييت[40].
وسمعته يقول في ابن أبي حمزة : أما استبان لكم كذبه ، أليس هو الذي روى أن رأس المهدي يهدى إلى عيسى بن موسى ؟ وهو صاحب السفياني ؟ وقال : إن أبا الحسن عليه السلام يعود إلى ثمانية أشهر [41]؟  .
و عن محمد بن سنان قال : ذكر علي بن أبي حمزة عند الرضا عليه السلام فلعنه ، ثم قال :  إن علي بن أبي حمزة أراد أن لا يعبد الله في سمائه وأرضه ، فأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون ، ولو كره اللعين المشرك .
 قلت : المشرك ؟ قال : نعم والله رغم أنفه كذلك هو في كتاب الله :
{ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ }التوبة32.
وقد جرت فيه وفي أمثاله إنه أراد أن يطفئ نور الله[42].
الثانية : الخاسر للدارين احمد بن أبي بشر السراج :
عن الحسين بن أحمد بن الحسين بن علي ابن فضال قال : كنت أرى عند عمي علي بن الحسن بن فضال شيخا من أهل بغداد وكان يهازل عمي ، فقال له يوما : ليس في الدنيا شر منكم يا معشر الشيعة أو قال الرافضة .  قال له عمي : ولم لعنك الله ؟
قال : أنا زوج بنت أحمد بن أبي بشر السراج ، قال لي لما حضرته الوفاة : إنه كان عندي عشرة آلاف دينار وديعة لموسى بن جعفر فدفعت ابنه عنها بعد موته ، وشهدت أنه لم يمت فالله الله خلصوني من النار وسلموها  إلى الرضا عليه السلام ، فوالله ما أخرجنا حبة ولقد تركناه يصلى في نار جهنم . 
قال الشيخ رحمه الله : وإذا كان أصل هذا المذهب أمثال هؤلاء كيف يوثق برواياتهم أو يعول عليها ، وأما ما روي من الطعن على رواة الواقفة فأكثر من أن يحصى ، وهو موجود في كتب أصحابنا ، نحن نذكر طرفا منه [43] .
الثالثة : موت حمزة بن بزيع على الزندقة :
عن إبراهيم بن يحيى بن أبي البلاد قال : قال الرضا عليه السلام : ما فعل الشقي حمزة بن بزيع ؟ قلت : هو ذا هو قد قدم .
فقال : يزعم أن أبي حي ، هم اليوم شكاك ، ولا يموتون غدا إلا على الزندقة . قال صفوان : فقلت فيما بيني وبين نفسي شكاك قد عرفتهم ، فكيف يموتون على الزندقة ؟ ! فما لبثنا إلا قليلا حتى بلغنا عن رجل منهم أنه قال عند موته وهو كافر برب أماته ، قال صفوان : فقلت : هذا تصديق  الحديث [44].
الرابعة : الممطور قاسم القرشي الكاذب :
وروى أبو علي محمد بن همام ، عن علي بن رباح قال :قلت للقاسم ابن إسماعيل القرشي وكان ممطوراً : أي شيء سمعت من محمد بن أبي حمزة ؟ قال : ما سمعت منه إلا حديثا واحدا . قال ابن رباح : ثم أخرج بعد ذلك حديثا كثيرا فرواه عن محمد بن أبي حمزة .
 قال ابن رباح : وسألت القاسم هذا : كم سمعت من حنان .فقال : أربعة أحاديث أو خمسة ، قال : ثم أخرج بعد ذلك حديثا كثيرا فرواه عنه .
 
   الخامسة:أعداء الله أبن حمزه وابن مهران وابن أبي سعيد:
عن محمد بن الفضيل ، قال : قلت لأبي الحسن عليه السلام : جعلت فداك إني خلفت ابن أبي حمزة ، وابن مهران ، وابن أبي سعيد أشد أهل الدنيا عداوة لله تعالى .
قال : فقال لي : ما ضرك من ضل إذا اهتديت ، إنهم كذبوا رسول الله صلى الله عليه وآله ، وكذبوا فلانا وفلانا ، وكذبوا جعفرا وموسى عليهم السلام ، ولي بآبائي أسوة .
 فقلت : جعلت فداك إنا نروي أنك قلت لابن مهران : أذهب الله نور قلبك وأدخل الفقر بيتك ؟
فقال : كيف حاله وحال بره ؟ فقلت : يا سيدي أشد حال ، هم مكروبون ببغداد لم يقدر الحسين أن يخرج إلى العمرة ، فسكت . 
 
 
 

   ثانيا:الإمام يحذر من ضلال الوقفة وزندقتهم:

عن علي بن عبد الله الزبيري قال :
 كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن الواقفة .
 فكتب عليه السلام : الواقف حائد عن الحق ومقيم على سيئة ، إن مات بها كانت جهنم مأواه وبئس المصير[45].
عن الفضل بن شاذان رفعه عن الرضا عليه السلام قال: سئل عن الواقفة ؟
 فقال : يعيشون حيارى ويموتون زنادقة[46] .
عن يوسف ابن يعقوب قال :
قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام : أعطي هؤلاء الذين يزعمون أن أباك حي من الزكاة شيئا ؟ قال : لا تعطهم فانهم كفار مشركون زنادقة [47].
عن محمد بن أبي عمير ، عن رجل من أصحابنا قال : قلت للرضا عليه السلام : جعلت فداك قوم قد وقفوا على أبيك يزعمون أنه لم يمت .
 قال : كذبوا وهم كفار بما أنزل الله عز وجل على محمد صلى الله عليه وآله ، ولو كان الله يمد في أجل أحد من بني آدم لحاجة الخلق إليه ، لمد الله في أجل رسول الله صلى الله عليه وآله [48].
عن محمد بن الفضيل قال : قلت للرضا عليه السلام : ما حال قوم وقفوا على أبيك موسى عليه السلام ؟  قال : لعنهم الله ما أشد كذبهم ، أما إنهم يزعمون أني عقيم ، وينكرون من يلي هذا الأمر من ولدى [49] .
عن عمرو بن فرات قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الواقفة . قال : يعيشون حيارى ويموتون زنادقة . 
قال : جاءني جماعة من أصحابنا معهم رقاع فيها جوابات المسائل إلا رقعة الواقف قد رجعت على حالها لم يوقع فيها شيء [50]
عن إبراهيم بن أبي البلاد ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : ذكرت الممطورة وشكهم .
فقال : يعيشون ما عاشوا على شك ثم يموتون زنادقة [51].
الكشي في رجاله قال : عدة من أصحابنا ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : سمعناه يقول : يعيشون شكاكا ويموتون زنادقة .
 قال : فقال بعضنا : أما الشكاك فقد علمنا فكيف يموتون زنادقة ؟  
قال : فقال : حضرت رجلا منهم وقد احتضر قال : فسمعته يقول : هو كافر إن مات موسى بن جعفر عليه السلام قال : فقلت : هو [52].
 
 

ثالثا : أهم آيات أهل الضلال تنطبق على الوقفة:

عن بكر بن صالح قال : سمعت الرضا عليه السلام يقول :
ما تقول الناس في هذه الآية ؟ قلت : جعلت فداك فأي آية ؟
قال : قول الله عز وجل {وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ }المائدة 64 ؟
قلت : اختلفوا فيها .
قال أبو الحسن عليه السلام : ولكني أقول : نزلت في الواقفة ، إنهم قالوا : لا إمام بعد موسى ، فرد الله عليهم : بل يداه مبسوطتان ، واليد هو الإمام في باطن الكتاب ، وإنما عنى بقولهم لا إمام بعد موسى بن جعفر[53] .
عن محمد بن عاصم قال :  سمعت الرضا عليه السلام يقول :
 يا محمد بن عاصم بلغني أنك تجالس الواقفة ؟
 قلت : نعم جعلت فداك أجالسهم وأنا مخالف لهم .
قال : لا تجالسهم ، فإن الله عز وجل يقول : {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ } النساء 140 .
 يعني بالآيات : الأوصياء الذين كفروا بها الواقفة[54] .
 
عن سليمان بن الجعفري قال : كنت عند أبي الحسن عليه السلام بالمدينة إذ دخل عليه رجل من أهل المدينة فسأله عن الواقفة .
فقال بو الحسن عليه السلام : { مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً}الأحزاب 61،62 والله إن الله لا يبدلها حتى يقتلوا عن آخرهم [55].
 
عن يحيى ابن المبارك قال :  كتبت إلى الرضا عليه السلام بمسائل فأجابني ، وذكرت في آخر الكتاب قول الله عز وجل : { مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاَءِ وَلاَ إِلَى هَؤُلاَءِ} النساء 143 . 
فقال : نزلت في الواقفة ، ووجدت الجواب كله بخطه : ليس هم من المؤمنين ولا  من المسلمين ، هم ممن كذب بآيات الله ، ونحن أشهر معلومات فلا جدال فينا ، ولا رفث ولا فسوق فينا ، انصب لهم يا يحيى من العداوة ما استطعت [56].
أقول : إن للآيات تأويل يعلمه الراسخون في العلم ، وإن للقرآن باطنا وظاهرا ، وإن الآية إذا نزلت في واقعة قد يكون حكمها عاما يشملا كل ما يكون مصداقا لها ، ومن يقول إن الله لم يعتني بعباده فقد قبض يده عن هداهم بإمام حق ، ومن شك ولم يعرف إمامه مع إقرار يعيش شاك لم يدخل الإيمان الحق قلبه ، ولم يعرف آية الهداية الإلهية بإمام مختار من الله ، وهكذا كان يعرفنا الإمام في الواقفية معاني لآيات تذم من ينكر فضل الله وهداه التام بولي وإمام من آل محمد إلى يوم القيامة ، و حسب ما عرفنا نبي الرحمة وآله الكرام صلى الله عليهم وسلم ، وبعد إن عرفنا كلمات الإمام الرضا نتعرف على كلمات أبنائه الكرام عليهم السلام في الواقفية ، فتدبر :

رابعا : الإمام الجواد يبينإن الواقفية نصاب وحمير :

البراثي ، عن أبي علي قال : حكى منصور ، عن الصادق محمد بن علي الرضا عليهما السلام : أن الزيدية والواقفية والنصاب عنده بمنزلة واحدة .
عن ابن أبي عمير ، عمن حدثه قال : سألت محمد بن علي الرضا عليه السلام عن هذه الآية {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ} الغاشية و 3،2 .
قال : نزلت في النصاب والزيدية ، والواقفة من النصاب [57]
عن محمد بن رجا الحناط ، عن محمد بن علي الرضا عليه السلام  أنه قال : الواقفة هم حمير الشيعة ، ثم تلا هذه الآية : { إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً } الفرقان 44[58].
عن موسى بن القاسم البجلي عن علي بن جعفر قال : رجل أتى أخي عليه السلام فقال له : جعلت فداك مَن صاحب هذا الأمر ؟ فقال : أما إنهم يفتنون بعد موتي فيقولون : هو القائم وما القائم إلا بعدي بسنين [59].
 

خامسا : الإمام العسكري يجيز لعن الواقفية :

عن إبراهيم بن عقبة قال : كتبت إلى العسكري عليه السلام جعلت فداك قد عرفت هؤلاء الممطورة فأقنت عليهم في صلواتي ؟
 قال : نعم اقنت عليهم في صلواتك[60]
 
 

خاتمة : بحث الواقفية في صحيفة الإمام الرضا عليه السلام

فيه دروس إيمان ومواعظ وعبر

 

تقديم :

يا طيب : بعد عرفنا سبب الوقف ورؤساء الواقفية وشبههم ومن رجع للحق منهم ، والمصير الأسود الذي لاقى من أصر على عناده منهم فخسر الدنيا والآخرة ، وقبل أن نذكر المواعظ والعبر والدروس المستفادة من بحث الواقفية ، أحب أن أذكر أمران ، أحدهم : في سبب عقد بحث الواقفة في صحيفة الإمام الرضا عليه السلام ، والثاني : في ثواب التسليم للإمام الحق وعناية الإمام بأصحابه ، ثم ندخل في بيان موعظتان كريمتان نستفيدهما من بحث الواقفة :
 
أولاً : سبب عقد باب الواقفة في صحيفة الإمام الرضا :
قال المجلسي رحمه الله في البحار بيان : أقول قد ثبت بطلان مذهبهم زائدا على ما مر في ساير مجلدات الحجة ، وما سنثبت فيما سيأتي منها بانقراض أهل هذا المذهب ، ولو كان ذلك حقا لما جاز انقراضهم بالبراهين المحققة في مظانها ، وإنما أوردنا هذا الباب متصلا بباب شهادته ـ موسى الكاظم ـ عليه السلام لشدة ارتباطهما واحتياج كل منهما إلى الآخر [61].
يا طيب : إن العلامة المجلسي رحمه الله : جمع الأخبار في قسم وجزء الأخبار الحاكية عن الإمام موسى الكاظم عليه السلام ، ولكون الأخبار والحوادث الواقعة مع الواقفة ، هي مع الإمام الرضا عليه السلام وفي زمانه بعد استشهاد والده ، وإن الأخبار والأحداث معه وهو الذي ناظرهم وابطل أحدوثتهم ، ولذا جعلنا هذا الباب ضمن صحيفة الإمام الرضا عليه السلام .
ثم يا طيب: إن الواقفين على الإمام الكاظم عليه السلام ولم يقولوا بإمامة الإمام الرضا ، الأخبار فيهم متضاربة ، لأن كثير منهم رجع عن الوقف ، ولم يبقى منهم إلا قليل توفوا على الوقف ، ولذا سترى في الباب الثاني عشر إنه من مات على الوقف من علماء الواقفية ورواة الحديث فيهم قليلون يعدون على أصابع اليد لا اليدين .
 وهذا كله بفضل جهاد الإمام الرضا وتعريفه للحق وسعيه المجد لنشر نور الهدى وتعريف سبيله بإمامته ، حتى ترى إنه مع كثرت من وقف حين تتبع أخبارهم في رجال السيد الخوئي ترى إن أكثرهم رجع عن الوقف أو لم يثبت توقفه حتى الموت ، وهكذا في غيره من الكتب الرجالية ، فإنه من يتتبع كثرة أخبارهم ليعجب من أول أمرهم وانتشاره ثم رجوعهم للحق فيحمد الله. والظاهر إنه كان مجرد الانتظار للتثبت يعتبر وقف وإن كان زمانهم زمنا صعبا قد سجن فيه الإمام الكاظم عليه السلام حتى أستشهد في السجن ، فلذا كان يتريث البعض في أظهار هداه ولعله كان بعضهم ينتظر الإذن من الإمام أو لخوفه من السلطان أو لأسباب أخرى يظهر بعض وقفه ، ثم يتوب ويظهر الإيمان بعد فترة وبالخصوص في زمن ولاية الإمام الرضا عليه السلام ، وستأتي قصص أخرى تريك كثير من أحوالهم ومن رجع للحق منهم بعد مكث يسير للتثبت وليكون على بينة حية واقعية من دينه.
ثانياً: خبر كريم يعرفنا فضل المؤمنين بالإمام :
 عن حسين بن عمر بن يزيد قال : دخلت على الرضا عليه السلام وأنا شاك في إمامته ، وكان زميلي في طريقي رجل يقال له : مقاتل بن مقاتل ، وكان قد مضى على إمامته بالكوفة ، فقلت له : عجلت .
فقال : عندي في ذلك برهان وعلم .
قال الحسين : فقلت للرضا عليه السلام : مضى أبوك ؟
قال : إي والله وإني لفي الدرجة التي فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام ، ومن كان أسعد ببقاء أبي مني ، ثم قال : إن الله تبارك وتعالى يقول : { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ } الواقعة 10 ـ11 ، العارف للإمامة حين يظهر الإمام
ثم قال : ما فعل صاحبك ؟ فقلت من ! ؟
 قال : مقاتل بن مقاتل المسنون الوجه الطويل اللحية الأقنى الأنف.
وقال : أما إني ما رأيته ولا دخل علي ، ولكنه آمن وصدق فاستوص به .
 قال : فانصرفت من عنده إلى رحلي فإذا مقاتل راقد فحركته . ثم قلت : لك بشارة عندي لا أخبرك بها حتى تحمد الله مائة مرة ، ففعل ثم أخبرته بما كان[62].
وأقول : فأن مقاتل رحمه الله عنده الدليل العام بأنه لابد لله من حجة ، وإن الأئمة اثنا عشرة إمام ، إماما بعد إماما وذرية بعضها من بعض ، وهو من غالبة الشيعة الذين سلموا للإمام إما لأخبار العلماء وثقاة مبلغي منطقته أو عنده علم خاص من قبل الأئمة السابقين ، ولذا قال في أول الحديث عندي برهان وعلم ، وحقا لابد أن يحمد الله من يثبت بالطاعة للإمام والتسليم له عن معرفة بمقامه الكريم ، وإذا عرفنا هذا نذكر موعظتان ، وأسأل الله أن ينفعنا بهما.
ثالثا : خسران الواقفة درس لكل من عاند أئمة الحق :
يا طيب : هذه موعظة أولى وهي أن ترى بعين اليقين حال الذين فنوا وماتوا معاندين لأئمة الهدى والحق ، ومن غير دليل ولا برهان لهم ولو تعذروا بألف عذر ، فإن لله الحجة البالغة في تعريف هداه بالمطهرين الأخيار الأبرار حتى أمرنا بمودته وحبهم وطاعتهم والتمسك بولايتهم ، وإن حال الواقفة على الإمام الكاظم عليه السلام ومن لم يرضى بإمامة الإمام الرضا عليه السلام لعذر واهي ليس له حجة عند الله ولا عند المؤمنين ، ولا عند كل الأحرار والمنصفين بل ولا عند أقل المطلعين على إتقان الله لهداه القيم بأئمة حق صادقين مصدقين مختارين لرب العالمين كإتقانه للوجود كله ، وإنه تعالى لم يترك دينه لكل مدعي ومتسلط ليس راسخ بالعلم ولا عنده برهان من الله ورسوله ، فيقوم يعلم بفكره ويحُمل رأيه على دين الله .
فإنك ترى حال الواقفة يا طيب : وبالتدبر فيه فإنه يجري معناه ويصدق على من وقف على النبي ولم يقل بإمامة الإمام علي عليه السلام بعده ، ولم يتولاه وآله بعد نبي الرحمة ولو أدعى حبهم وودهم ، وبالخصوص إذا لم يكن من المستضعفين بل كان من النصاب والمعاندين لنبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، ومن غير دليل بيّن ولا واضح لعدم قبول إمامة الإمام علي وآل البيت الطيبين الطاهرين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
 ثم إذا كان من المعاندين لأئمة الحق من آل محمد عليهم السلام يقوم بما يبرر عناده فيختلق أعذار واهية ويقيس ويستحسن ويؤول بما يبعده عن النبي وآله وأئمة الحق ، ويخترع أئمة لدينه لأنه لابد للإنسان من إمام يدعى به يوم القيام ، فيبدأ بترتيب حجج باطلة فيُصر على عناده لأهم تعاليم رب العالمين في إقامة دينه بالطيبين الطاهرين ، والذين رفع ذكرهم كجدهم واختارهم للمحافظة على دينه  ، فلم يسلم تسليما مطلقا لهم ولا بأنه تعالى أناط رضاه برضاهم وطلب إقامة عبوديته بتعاليمهم ، فيخسر اطمئنانه بالإيمان بما يرضي الله وكل نعيمه تعالى تبعه دنيا وآخرة حتى لو ملك الدنيا كلها وتسلط ، لأنه يعرف إن له عاقبة خاسرة .
 ثم هناك الأتعس من ذلك والأنكأ : وهو من يأخذ بمحاربة أهل البيت عليهم السلام وبالخصوص إمامتهم وولايتهم بقلم أو لسان أو سنان فيرفض طاعتهم ، فمن يكون هذا حاله : يكون بحق ممن كان قد تولى من عادى نبي الرحمة بعدائه لآله الكرام وبانحرافه عنهم ، ثم عادى الله ودينه وهداه الحق ـ لآن دين الله عند النبي وآله ولمن يقبلهم أئمة دين مصطفين من رب العالمين للحفاظ على دينه فيتعلم منهم ـ فيهجرهم ويسقط في تولى دين المظلين والمبطلين من المغرضين والمنحرفين والمشتبهين في علمهم وعملهم مع الله تعالى .
وحينئذ يكون مثلهم : لم يقيم عبودية الله بما يحب ويرضى ، فكان من الذين تركوا الحق من غير برهان بيّن لأئمتهم ولا هدى واضح لعنادهم ، فيهجر دين الله ونبيه المصطفى محمد صلى الله عليه وآله بهجر هدى أل النبي الكريم الذين طهرهم الله وعرفنا إمامتهم وولايتهم ووجوب حبهم وودهم في كثير من آيات الكتاب المجيد وروايات نبيه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، وستأتي معارف كثيرة أخرى في الإمامة في هذه الصحيفة فأنتظر يا طيب .
 
رابعا : دروس إيمان وإخلاص للمتعظ بحال الواقفة :
 يا طيب: موعظة ثانية: وهي بعد المعرفة والإيمان بولاية آل محمد بعد خاتم المرسلين ويعتبرها امتداد لولاية الله في أرضه ، وقبول إمامتهم والتمسك بحبهم عليهم الصلاة والسلام ، وبعد أن يقيم تعاليم الله وهداه وعبوديته وفق تعاليم هدى آل محمد وطاعتهم وولايتهم ويرجوا أن يخلص بها لله كإخلاصهم .
 فيا أخي بعد هذه المعرفة والإيمان والطاعة تأتي موعظة أخرى من حال الواقفية : وهي ما يجب به الخروج مما قد يبتلي ويختبر به المؤمن وطالب العلم وغيره ، وهو إن الأموال والحقوق من الخمس والزكاة والأمانة والوكالة والأوقاف وغيرها مما يكون في عهدته بل حتى في معاملاته .
 ولكن هنا الكلام يكون ما يعتبر من درس الواقفية : عصيانهم بالأموال التابعة للإمام من الخمس والواجب أن تصرف في نشر الدين وتعاليمه ، وكل ما يوصل لعباد الله هدى الله الحق وتعليم العبادة المرضية له وفق دين نبينا محمد وبشرح آله صلى الله عليهم وسلم ، وإن هذه الحقوق والأموال لها أكبر الأثر في إيصال دين الله لعباده والمساعدة لمن هم أهل للتبليغ ولنشر تعاليم الله سبحانه ، والتي يجب أن توصل لأصحابها الحقيقيين الذين يصرفوها في محلها وما يجب العمل بها بما يرضي الله تعالى ، فإن ما يجتمع من الأموال بيد البعض بل حتى قليلها أو سهم الإنسان نفسه وخمسه ، قد تغري الإنسان ويسوف في إيصالها أو صرفها في محلها المناسب ، فتتخلف عنده فترة ثم يشتد تساهله فتوسوس له النفس لصرفها في منافعه الشخصية ، أو يبخل بها ويصمد الأموال ويجمدها فلا هو ينتفع بها ولا دينه ، فتبقى بعده حسرة عليه وتكوى به جبهته وتكون له وقود نار والعياذ بالله .
فلذا يا أخي الكريم : إذا كنت ممن أبتلى بمال لغيرك سواء حقوق شرعية أو أمانه أو وكالة أو معاملة أو غيرها ، فعليك التثبت في إرجاعها لأهلها أو صرفها في محلها ، و إلا فإن مجرد النية بعدم إرجاعها أو عدم صرفها في محلها ؛ تكون روحك عائشة في سرقة وتكون في حقيقتك سارق وظالم وطاغي على تعاليم الدين وهدى رب العالمين ومانع من نشره وتروجيه مباشرة أو غير مباشرة.
 فلذا يا أخي : عليك بالنية الصالحة والعمل الصالح فيما يرضي الله سبحانه وتعالى وإخراج الحقوق لأهلها ، و إلا قد تخرج من الدين بالإصرار على المعصية ولو كان عندك إيمان محكم بالله تعالى وأئمة الحق ، فإن الواقفية كان في رؤسائهم من أصحاب الأئمة عليهم السلام ومؤمنين بالله تعالى وحتى إنهم مؤمنين بالإمامة العامة بل حتى الإمام الكاظم وما بعده فضلا عما قبله ، ولكن المال وزينة الدنيا أغرتهم فأول الأمر عصوا بالأموال ولم يسلموها ، ثم أخذوا ينتحلون الأعذار ويخترعون الحيل والمكر لكي يبررون عملهم بعدم تسليمها ، وعرفت مصيرهم ولعنة الأئمة عليهم وضلالهم وحتى خرج بعضهم من الدين وصاروا زنادقة وكفار ومشركين ولم يستطيعوا أن يتوبوا أو يرجعوا للحق .
فيا أخي العزيز ويا رفيقي في الإيمان : عليك التدبر بهذا الباب بجد وتعلم منه إن الضلال ليس فقط من ناحية عدم الإيمان أو بعدم المعرفة لأئمة الحق ، بل الضلال المخفي والشرك الخفي هو عدم تطبيق تعاليمه وإنكار حق الأئمة وأهل البيت وأولي الطاعة وهجر تعاليمهم وحقوقهم وكل ما يروج دينهم ، وترك كل ما ينشر هداهم الذي به تتم عبودية الله ، ومنه المال والحقوق التي تتخلف ولم تصرف في مجالها ولا في محلها الحقيقي .
ولذا يا أخي : توجد روايات كثيرة عندنا بأن بعض من المؤمنين و العلماء الآن ، وقد يكونون محسوبين من كبار المذهب الحق ، لكنه والعياذ بالله في زمن الحجة لم يسلموا له حقه ، بل قد الآن يسوفون ويبررون هضم الدين وأهله ويتخذون ما الله خولا لمصالحهم ومنافعهم حتى لو أضر بالدين فيتأوله ويبرروه بألف عذر واهي ، ولذا ذكرت الروايات بأنه عند ظهوره عليه السلام يهجروه وقد يحاربوه ، وورد إنه يقتل منهم الكثير لأنه ينتزعهم من مناصبهم ويسلم أمور الحقوق والتعليم لغيرهم فيهجروه ويحاربوه ، وكذلك سيظهر طرفا آخرا وهو إن كثير من المعاندين لما يعرفوا حقه والمعجزات التي تظهر على يديه عجل الله فرجه يسلموا له ويؤمنوا به .
فيا أخي الطيب : أنت الآن بحمد الله من المؤمنين وما عليك يا أخي إلا مراجعة ما عليك من حق وتسلم للثقاة من أهل الدين ممن يصرفه في نشر تعاليمه وهداه ، ولا تعصي بشيء فإنه منقصة في الإيمان والدين بل هجره ، وأعلم إنك لو أخرجته بحقه ، لمكنك الله من هداه ومن الإيمان الكامل والإخلاص المرضي له ، بل لم تفتقر بإذن الله ويسهل الله لك كل ما فيه صلاحك وهداك مع الكرامة في الدنيا والآخرة ، فتكون بحق من المؤمنين علما وعملا وسيرة وسلوكا ، والإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره ، فلا تخلق لك أعذار واهية من شأن أو من حجج بقصد أنا أولى بها ولم تفعل شيء ذي بال للدين ، أو تسوف أو تقصد الوصية بعد الموت وأنت لم تعمل بما يجب عليك ، فتنتظر ممن ورائك أن لا يكونوا أكثر شح وبخل منك ، وأنهم بعدك هم يقومون بتسليمها لأهلها ، ومن غير توثق ولا عمل ما يلزم ، فيستولي عليها من ليس له بها حق .
فيا طيب : الله الله بنفسك ، أخرجها من كل ما يعرقل صفوها مع الله تعالى ونعيمه الخالد والكون مع أشرف وأكمل وأفضل خلق الله في الوجود كله في الدنيا والآخرة ، وفي ملكوت الرب ونعيمه ، نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين وصحبهم المنتجبين من الشهداء والصديقين .
ولذا يا طيب ذكرنا : أن في هذه القصص : مما يناسب حالنا كمسلمين ومؤمنين الكثير من العبر والمواعظ ، والحث لتعلم معالم الدين والقول بالأئمة الاثنا عشر والتسليم لهم بكل شيء دين ودنيا مال ونعيم ، فإن هذا واجب علينا ويبرهن عليه الدليل العقلي والنقلي ، وإن المتتبع بجد للبراهين المحكمة ، يحصل له الإيمان عن يقين بما ذكرنا ، وتوجب له الاعتراف بقطع ، فيرى بعين اليقين وحقه إن أرض الله لا تخلوا من حجة قائمة في كل زمان ، وإمام حق يهدي بأمر الله ، ويتنزل عليه الروح كما في سورة القدر وكما تتنزل الملائكة على المؤمنين ، وإنه عليه السلام له حقوق هي حقوق الله أمرنا بتسليمها له أو في غيبته لنائبه وصرفها بمحلها ، وبما يقوي معرفته ونشر دينه وهدى الله بما يحب ويرضى ، ومن غير تواني أو تسويف أو عذر يؤخر حقه ونشر معارفه وهداه ، وتكون سببا مباشرا أو بالواسطة للضلال حين لا يعرف عباد الله دين الله ولا هداه الحق ، فضلا عن معرفة وليه وإمام الحق عجل الله تعالى فرجه الشريف .
ويا أخي العزيز : لا تستوحش لقلة الأصحاب في طريق الهدى ، فالحق في رقبة صاحبة وعليه الخروج من عهدته وإقامته يما يرضي الله ووليه إمام العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف ، ولا يختص هذا بزمان الإمام الرضا عليه السلام ولا بمن عاند الله ودينه وهداه كالواقفية وغيرهم، بل يشمل الزمان قبله من عصر النبي ، وفي زماننا بأشد مما كان في ذلك الزمان لأن المعرفة تامة والدين عُرف بكل حججه وبراهينه بتطور العلم والتعلم وتحقيق بحوثه وقيام أصوله بالدليل المحكم ، حتى كان في زماننا هذا بل قبله عرفه أقل المؤمنين في المعرفة فكيف بعالمها وأهل المعرفة فيها .
وعن الإمام الرضا عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أول من يدخل النار : أمير متسلط لم يعدل ، وذو ثروة من المال لم يعط المال حقه ، وفقير فخور[63] .
وأنت يا طيب : تعرف حالك مع حقوق الله وحقوق أولياءه والناس أجمعين ، وكل إنسان بنفسه بصير ولا عذر عند الله لأحد ما لم يقم عبوديته بدينه الواقعي الذي عرفه أئمة الحق والهدى ، لأن حجته قائمة وهداه بيّن لكل طالب له ، وعرّفه لنا بأئمة حق وهدى وبكل سبيل ، بكتابه المجيد وبسنة نبيه وأقواله وتقريره وبسلوك أئمة الحق والهدى ، ويؤيدهم التأريخ والمعجزات وكل شيء ممكن من البراهين التي تُعرّف ولايتهم وإمامتهم عليهم السلام .
وبعد إن عرفنا هذا نتعرف على سعة علم الإمام الرضا عليه السلام وشموله ، ثم ندخل في بحث آخرأ في احتجاجات الإمام مع الواقفية ، ومع مواليه وغيرهم لإثبات إمامته عليه السلام ، وبيان ما أقدره الله تعالى من المعجزات والكرامات التي تؤيد إمامته وتعرف بأنه ولي الله المختص بتعريف هداه ، وإن من خالفه لا بينة له وهو ضال مضل إذا لم يتولاه في زمانه ، كما كان عليه أن يتولى آباءه قبله أو أبناءه المعصومين عليهم الصلاة والسلام بعده ، لأنهم أئمة الحق والهدى ، ثم نذكر بعض معارفه وأقواله وخلقه الكريم وكل سيرته.
ونسأل الله تعالى لنا ولكم : أن يوفقنا للحق ، والعمل بدينه ، فنعتبر بهذه القصص ، والتي هي في الحقيقة من أحسن القصص الإسلامية لهداة دين الله مع أوليائهم أو مع أعدائهم ، فنعرف بعض أسباب الانحراف عن الحق ، وكيفية دعوة الأئمة والتبليغ والدعوة لدين الله ، وكيف يُبحث عن الحق من أصحابهم الكرام ، وكيف يعاند من عمت بصيرته عن الحق وكانت عليه غشاوة فلم يهتدي للحق .
وأسأل الله سبحانه لي ولكم : بحُسن العاقبة والموت على ولاية آل محمد مخلصين له تعالى بدينه القيم الحق ، والذي عرفوه لنا بكل وجودهم علما وعملا وسيرة وسلوكا ، وأن يجعلهم لنا قدوة وأسوة وأئمة وقادة مطيعين لهم بكل هداهم ، ويجعلنا معهم على صراطهم المستقيم الذي يقود لرضاه ولكل نعيم أعده لأوليائه الكرام الصديقين ، وصلى الله على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، إنه أرحم الراحمين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .


[1]فرق الشيعة : 80ـ82 عن الملل والنحل ج8ص286.
[2]الملل والنحل ج84ص87ـ88 نقل بتصرف .
[3]رجال الكشي ص 285 ، بحار الأنوارج44ص265ب10ح24 .
[4]الكشي في رجاله ص 202 ، بحار الأنوارج44ص266ب10ح27.
[5]رجال الكشي ص 288 ، عنه بحار الأنوارج44ص267ب10ح28.
[6]رجال الكشي ص 288 ، بحار الأنوارج44ص267ب10ح28.
[7]غيبة الشيخ الطوسي ص 49 . بيان : بتر الحديث : أي جعله أبتر وترك آخره ثم ذكر ما حذفه الراوي . بحار الأنوارج44ص256ب10ح9.
[8]عيون أخبار الرضا ص 30 ، الكافي ج 1 ص 321 ، إرشاد المفيد ص 286.رجال الكشي ص396و 416، بحار الأنوارج45ص19ب2ح23.
[9]رجال الكشي ص 290 . 
[10]بحار الأنوارج44ص272ب10ح32.
[11]بحار الأنوارج44ص255ب10ح8 عن عيون أخبار الرضا ج 1 ص 112.
[12]غيبة الشيخ الطوسي ص 46
[13]بحار الأنوارج44ص250ب10ح1،2،3عن علل الشرائع ص 236 طبع النجف ، عيون أخبار الرضا عليه السلام ج 1 ص 112 ، رجال الكشي 307 . 
[14] رجال الكشي ص 202 ـ203. رجال الكشي ص 286 بحار الأنوار ج44ص266ب10ح27.
[15]بحار الأنوارج44ص252ب10ح4 عن  الغَيبة للشيخ الطوسي ص 47 .
[16]بحار الأنوارج44ص253ب10ح5 عن علل الشرائع ص 236 وعيون الأخبار ج 1 ص 113 ، رجال الكشي ص 368 . 
[17]عيون أخبار الرضا ج 1 ص 114 . 
[18]بحار الأنوارج44ص254ب10ح7 عن عيون الأخبار ج1ص106،كمال الدين ج1 ص 120 .
[19]بحار الأنوارج44ص261ب10ح15 عن رجال الكشي ص 278.
[20]غيبة الشيخ الطوسي ص 20 .
[21] كتاب الغَيبة ص 26
[22] كتاب الغيبة ص 31 .
[23]كتابه الغيبة من ص 32 إلى 46 . بحار الأنوارج44ص250ب10ح1.
[24]عيون أخبار الرضا ج 1 ص 105، بحار الأنوارج44ص253ب10ح6.
[25]رجا2ل الكشي ص 238 ، بحار الأنوارج44ص260ب10ح13.
[26]قرب الإسناد ص 203 - 206.
[27]بحار الأنوارج45ص265ب18ح8.
[28]رجال الكشي ص 267 .  
[29]بحار الأنوارج44ص262ب10ح16.
[30]رجال الكشي ص 281. 
[31]بحار الأنوارج44ص262ب10ح17 .
[32]رجال الكشي ص 365 ، بحار الأنوارج44ص271ب10ح33 .
[33]رجال الكشي ص 372 .. بحار الأنوارج44ص273ب10ح34 .
[34]رجال الكشي ص 376 ، بحار الأنوارج44ص274ب10ح35.
[35]كتال الغَيبة للطوسي ص 51 ، بحار الأنوارج44ص257ب10ح11.
[36]رجال‏ الكشي ص600رقم1121في الحسين بن مهران . وبحار الأنوارج71ص350ب26ح8 . وترجمه السيد الخوئي في معجم الرجال ج7 ص111 رقم 3690.
[37]رجال الكشي ص 289 بأدنى تفاوت .بيان : التأليب التحريض والإفساد .  بحار الأنوارج44ص269ب10ح29.
[38]معاني الأخبار ص 218 ، عيون أخبار الرضا ج 1 ص 308 ، بحار الأنوارج45ص 270ب18ح14.
[39]رجال الكشي ص 290.بحار الأنوار ج44ص271ب10ح30 بحار الأنوارج44ص 271 ب10ح31 .
[40]غيبة الشيخ الطوسي ص 49 ، الأنوارج44ص255ب10ح9.
[41]رجال الكشي ص 255 بأدنى تفاوت ، بحار الأنوارج44ص261ب10ح14 .
[42]غيبة الشيخ الطوسي ص 50 . 
[43]غيبة الشيخ الطوسي ص 48 . 
[44]غيبة الشيخ الطوسي ص 49 .  بيان : الضمير في قوله : أماته راجع إلى الكاظم عليه السلام . بحار الأنوارج44ص256ب10ح10
[45]رجال الكشي ص 284 وفيه الزهري مكان الزبيري بحار الأنوارج44ص262 ب10ح18.
[46]رجال الكشي ص 284 .. بحار الأنوارج44ص262ب10ح18.
[47]رجال الكشي ص 284 ، بحار الأنوارج44ص263ب10ح19 .
[48] رجال الكشي ص 285 . 
  بيان للمجلسي قال : لعلهم كانوا يستدلون على عدم موته عليه السلام بحاجة الخلق إليه فأجابهم بالنقض برسول الله صلى الله عليه وآله ، فلا ينافي المد في أجل القائم عليه السلام لمصالح أخر ، أو يكون المراد المد بعد حضور الأجل المقدر .
بحار الأنوار ج44ص265ب10ح25.
[49]رجال الكشي ص 286 ، بحار الأنوارج44ص265ب10ح26.
[50]رجال الكشي ص 287 . 
[51]رجال الكشي ص 287 ، بحار الأنوارج44ص267ب10ح28
[52]بحار الأنوارج44ص263ب10ح20 وفيه في الآخر تقديم وتأخير عن  رجال الكشي ص284.
[53]رجال الكشي ص 284 ، بحار الأنوارج44ص264ب10ح21.
[54]رجال الكشي ص 285، بحار الأنوارج44ص264ب10ح21.
[55]رجال الكشي ص 285 . بيان : لعل المراد قتلهم في الرجعة . بحار الأنوار ج44ص264ب10ح24.
[56]رجال الكشي ص 287 . بحار الأنوارج44ص267ب10ح28
[57]رجال الكشى ص 286 بحار الأنوارج44ص266ب10ح27.
[58]الكشى في رجاله ص 202 ، بحار الأنوارج44ص266ب10ح27.
[59]الكشي في رجاله ص 202 ، بحار الأنوارج44ص266ب10ح27.
[60]رجال الكشي ص 286 و 287 وفى الاول من هذه الاحاديث " فلعلنا منهم " مكان " فلسنا منهم " . 
 بيان : كانوا يسمونهم وأضرابهم من فرق الشيعة سوى الفرقة المحقة الكلاب الممطورة لسراية خبثهم إلى من يقرب منهم . بحار الأنوارج44ص266ب10ح27.
[61]بحار الأنوارج44ص274ب10ح36.
[62]رجال الكشي ص 377 . 
[63]عيون أخبار الرضا : ج 2 ص 28 . بحار الأنوار ج89 كتاب الزكاة .


اللهم أسألك بحق الإمام علي بن موسى الرضا وآله الطيبين الطاهرين اسلك بي صراطهم المستقيم واجعلني معهم في كل هدى ونعيم
خادم علوم آل محمد عليه السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موقع موسوعة صحف الطيبين

إلى أعلى مقام في الصفحة نورك الله بنور الإمام الرضا وآله الكرام عليه السلام


تفضل يا طيب إلى الفهرس العام رزقك الله هدى خبر الأنام وخلصك من الظلام