هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في  أصول الدين وسيرة المعصومين
قسم سيرة المعصومين/ صحيفة الإمام
الرضا عليه السلام
الجزء الأول / شأنه الكريم وحياته الاجتماعية

الباب الرابع

سعة علم الإمام الرضا وشموله  وإقرار العلماء بفضله

 

بحث عام في علم الإمام عليه السلام :

البحث في علم الإمام بتمامه يتم في الإمامة العامة ، حيث إنه بحث يشمل علم كل الأئمة عليهم السلام ، فضلا عن علم الأنبياء وكل أولي الأمر الذين أختصهم الله بتبليغ رسالته كالرسل من أولي العزم ، أو البحث عن علم من أختصهم سبحانه بالمحافظة على رسالته من أوصيائهم ، سواء كانوا أنبياء أو أئمة أو ربانيين لهم منزلة الوراثة والوصاية على تعليم هداه ودينه للناس بعدهم ، وذلك لكي لا يختلف الناس بعد الرسل في دينهم ومعارف الله التي يحب أن يُعبد بها سبحانه ، والتي يتبعها كل ما يسعد العباد في حياتهم الدنيا والآخرة .
وذلك حيث إن لله تعالى : الحجة البالغة ، فقد اصطفى وأختار راسخون بالعلم عرفهم أمره وأيدهم واصطفاهم لتعليم دينه ، ولكي لا يختلف الناس بعد الرسل من أولي العزم ، ولكي لا يدعي كل أحد معارف دينه ولو لم يفقه حقيقته فيُحمل رأيه وقياسه أو استحسانه على دين الله فيقول بغير علم ، أو يأتي مَن يُظهر دين أو يمكر بتعاليمه ليدعم سلطان ملوك الأرض ولو كانوا ظالمين أو طغاة فيكونوا وعاظ سلاطين ، فيضلوا عباد الله بتأويلهم وأفكارهم الباطلة .
وقد قال الله تعالى : { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا } الشورى 52 وعلم أول العزم وحي مع المعاينة لجبرائيل أو مع روح القدس ، وإما الأنبياء والأئمة فهو إما وحي من وراء حجاب فيكون تحديث ، والنبي والإمام محدث وملهم بأمر الله ، أو نفسه الوحي عن طريق روح القدس الذي يؤيده فيوحي بإذنه ما يشاء وهو التأييد بروح القدس من غير ظهور وتجلي ومعاينة كما لأولي العزم ، ولذا كان مقام الأولياء من أولي الأمر رسل أو أنبياء أو أوصياء وأئمة أو ربانين ، مقام عالي لم يصل له كل أحد إلا بعناية من الله بتطهيرهم ، وهو الذي يختارهم بعد أن يعلم صدقهم وصفاهم وإخلاصهم معه علما وتعليما وكل ما أمر به مما تقام به عبوديته .
وإن الإمام الرضا : هو ثامن الحجج في الدين الإسلامي بعد جده رسول الله وآبائه الطيبين عليهم الصلاة والسلام ، وله عليه السلام جعل سبحانه وتعالى وراثة علم آبائه وكتابه وتعاليم دينه في زمانه ، ثم لأبنائه المعصومين عليهم السلام بعده ، والله تعالى أورث أهل البيت علم الكتاب وجعلهم أئمة يهدون بأمره ، ويُعلمون المؤمنين تعاليم دينه الحقيقية ، فهم الراسخون بالعلم بحق والذين يَعلمون تأويل الكتاب ، وبهم حافظ الله تعالى على دينه وتعاليم كتابه بما علمهم وطهرهم وخصهم ومكنهم به من هداه ، حتى عصمهم من الخطأ والغلط والاشتباه ، فعُصم المؤمنون بهم من الاختلاف في دينه ، وكان كل من تبعهم سار على صراط مستقيم لهدى الله وتحقق بكل نعيم دائم حتى ليكون معهم في أرقى منازل الملكوت ، والآن يكون معهم من يخلص لله بدينه من معارفهم ومن غير خلط بما يُعلمه غيرهم ، وللمؤمنين مراتب في طلب الهدى بجد واجتهاد والتحقق به .
فيا أخي: إنه من غير المعقول أن يذكر سبحانه في كتابه المجيد فيقول : إنا له لحافظون ، أو لا يمسه إلا المطهرون ، فيقوم بالإعجاز بالمحافظة على الكتاب من التلاعب بكلماته وبالطهارة الظاهرية بأن لا يمس إلا بوضوء ، ولا يحافظ عليه بإمام صادق مطهر حسِن في كل علمه وعمله وسيرته ، وقد أختاره الله لكي يحافظ به على كتابه من التفسير بالرأي والشرح بالقياس والاستحسان والقول به بدون علم ، بل لابد أن يكون عدل القرآن مثله مطهر بنص الكتاب ولا يصدق هذا إلا على أهل البيت وهم عليهم السلام المطهرون مثل كتاب الله تعالى ، وإن لا بيّنه ولا شاهد لغيرهم في ولايته وإمامته للمؤمنين بأنها من الله ومنصب أختاره له الله مهما كان شأنه وكل مدعي لهذا المنصب غيرهم كاذب.
وإن الإمام الرضا عليه السلام : هو ثامن الحجج والأئمة من آل البيت المطهرون والواجب المودة لهم ، وهو المؤيد بروح القدس صاحب ليلة القدر وأمر الله المنزل معه على ولي دينه ، كما إن الملائكة تؤيد المؤمنين وتبارك وجودهم ، ثم أبنائه بعده كما كان هو بعد آبائه الطاهرين صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين .
 فيا أخي الكريم : قد عرفت آيات كثيرة تُعرف آل البيت المحمدي صلى الله عليهم وسلم وتعرف إمامتهم ، ومن ثم قد شرحنا اسم الله الحسِن الوارث عز وجل في كتاب صحيفة شرح الأسماء الحسنى ، وقد ذكرنا فيه كثير من المعارف عن علم الإمام وكيف ظهر الله باسمه في كل شيء في الأرض ، وكيف تجلى به بأكمل وأتم تجلي حين تحقق بآل محمد صلى الله عليهم وسلم ، حتى فاض منهم وتجلى منهم بعد اكتسابهم نور معارفه منه سبحانه ، فكانوا أفضل مصداق لتجلي الله وللتحقق به في الأرض وفيضه والظهور به ، وهكذا راجع صحيفة الثقلين وصحيفة الإمامة أو راجع صحيفة الإمام الحسين عليه السلام باب آيات النور وشرحها من موسوعة صحف الطيبين ، أو راجع غيرها من الكتب المختصة بالإمامة أو بعلم الإمام ، لتعرف بعض شأن الإمام وعلمه .
ويكفيك يا طيب : للإيمان الراسخ وبدليل محكم ذو برهان رباني ، بحقيقة علم الإمام وتحققه له وظهوره به ، هو معرفة ملازمة روح القدس له وتنزله عليه في ليلة القدر بأمر الله والذي ينزل عليه فيها كل ما يحتاج له في سنته ، والكون معه يحفظه ويسدده في طول زمان إمامته ، فيكون راسخ بعلم الكتاب ويعلم تأويله وله وراثة آبائه الطاهرين ، وما ذكرنا كان مختصر البيان مع عمقه في المعرفة ، وله بيان واسع راجع ما ذكرنا من الكتب .
 وهنا في هذا الباب : وفي ما سيأتي كالسابق نذكر بعض المصاديق التي تعرفنا علم الإمام الرضا عليه السلام ، وببيان وأقوال صحبه وعلماء ممن عاصره وغيرهم من أولي الشأن ، والمُعرفين لفضله ولعلمه ولقدرته على إبطال حجج المخالفين ، وسوف يأتي إن شاء الله في صحيفة جمع قسم من كلمات الإمام وأقواله وخطبه واحتجاجاته ، لأن زمان الإمام كان زمان فتن واحتجاج ، وتهيئة له فترته من الزمان لا بأس بها للكلام وللبحث والبيان ، كما إنه أتصل به كثير من المؤمنين والمخالفين ونقلوا معارفه الشريفة .
ويا طيب قد مرّ: بيان وروايات في علم الإمام الرضا عليه السلام واحتجاجه مع الواقفية الذين توقفوا عن القول بإمامته بعد أبيه في الباب الثالث السابق ، وفي ما ذكرنا في الباب الثاني عن أبيه فيه بأنه عالم آل محمد ويأمر ولده بالجوع له لمعرفة دينهم ووصيته له والنص عليه ، ونذكر في هذا الباب شيء من الأحاديث في مسألة علم الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام وشموله وبعض خصائصه ، وبإقرار علماء وفضلاء أهل زمانه وممن بعدهم.
 وسيأتي في الأبواب الآتية : بيان آخر عن بعض معجزاته وإخباره بالمغيبات بعلم محقق ، وعن سيرته واحتجاجه وخلقه وعبادته وسلوكه الذي يعرفنا فضله ويدلنا على حقائق كريمة تعرفنا إمامته وشأنه الكريم المؤيد بأمر الله ، وبعنايته به وبنا ليعرفنا أولياءه وهداة عباده بأحسن السبل وأكملها علما وعملا .
هذا ونسأل الله : أن يهبنا الإيمان الكامل بمعرفة أولي الأمر وأئمة الحق الذين يهدون بأمره من آل نبينا محمد الطيبين الطاهرين صلى الله عليهم وسلم ، وأن يسلك بنا صراطهم المستقيم لكل نعيم ، فنكون منهم دين وعبودية له سبحانه في الدنيا ، وأن يدعونا بهم في الآخرة يوم يدعى كل أناس بإمامهم إنه ولي التوفيق .
 

 

بعض الأقوال في سعة علم الإمام الرضا عليه السلام:

معرفة سعة علم الإمام عليه السلام يتم بالرجوع لمعرفة ما علمنا من هدى الله ودينه وبكل ما عرفنا عنه من علم وعمل وسيرة وسلوك ، وهذا يتم بمراجعة كل هذه الصحيفة وكل ما ذُكر ونقل عنه عليه السلام من صحائف وكتب وروايات , والتي قد تُشكل عدة مجلدات حتى لو كانت من غير شرح ، ويكفيك مراجعة عيون أخبار الإمام الرضا وطب الرضا وفقه الرضا وغيرها من الكتب ، ومن الروايات الكريمة المتفرقة في مطاوي كتب الحديث والتأريخ ، والتي يُعرفنا بها دين الله وهداه بحق ، والتي يمكن أن يخلص بها العبد لله تعالى ، فيقبله سبحانه عالما ومبلغا عابدا خالصاً لوجهه الكريم حتى يجعله مع الشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا .
وهذه بعض أقوال العلماء من أهل زمانه في علمه عليه السلام :
 
 
 
ما سأل الإمام الرضا عن شيء إلا علمه عليه السلام :
نذكر هنا : بعض ما قاله العلماء في معرفة الإمام الرضا الواسعة وعلمه الشامل لكل مجالات الحياة ، وقد عرفت تعريف أبيه له وسيأتي ذكر آخر في الأبواب الآتية فأنتظر :
عن أبي ذكوان قال : سمعت إبراهيم ابن العباس يقول :
ما رأيت الرضا عليه السلام سئل عن شيء قط إلا علمه ، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان إلى وقته وعصره ، وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شيء فيجيب فيه .
 وكان كلامه كله وجوابه وتمثله ، إنتزاعات من القرآن ، وكان يخـتمه في كل ثلاث ، ويقول : لو أردت أن أختمه في أقرب من ثلاثة لختمت ، ولكني ما مررت بآية قط إلا فكرت فيها وفي أي شيء أنزلت وفي أي وقت ، فلذلك صرت أختم في كل ثلاثة أيام[1].
 
 
 
اليقطيني يجمع عن الإمام ثمانية عشر ألف مسألة :
قال محمد بن عيسى اليقطيني : لما اختلف الناس في أمر أبي الحسن الرضا عليه السلام ، جمعت من مسائله مما سئل عنه وأجاب فيه ، ثمانية عشر ألف مسألة .
وقد روى عنه جماعة من المصنفين منهم : أبو بكر الخطيب في تاريخه ، والثعلبي في تفسيره ، والسمعاني في رسالته ، وابن المعتز في كتابه ، وغيرهم[2] .
وُذكر قول آخر عن اليقطيني قال : لما اختلف الناس في أمر أبي الحسن الرضا عليه السلام ، جمعت من مسائله مما سئل عنه وأجاب عنه خمس عشرة ألف مسألة [3] .  أقول لعل هذه الرواية قبل السابقة إذ جمع خمسة عشر آلف مسألة ثم أتمها لثمانية عشر ألف مسألة .
وعن البزنطي قال : جاء رجل إلى أبي الحسن الرضا من وراء نهر بلخ قال: إني أسالك عن مسألة ، فإن أجبتني فيها بما عندي قلت بإمامتك .
فقال أبو الحسن عليه السلام : سل عما شئت .
 فقال : أخبرني عن ربك : متى كان ، وكيف كان ، وعلى أي شيء كان اعتماده ؟
فقال أبو الحسن عليه السلام : إن الله تبارك وتعالى أيـّن الأين بلا أين ، وكيف الكيف بلا كيف ، وكان اعتماده على قدرته .
 فقام إليه الرجل فقبل رأسه وقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وأن عليا وصي رسول الله ، والقيم بعده بما أقام به رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأنكم الأئمة الصادقون ، وأنك الخلف من بعدهم [4].
أقول : سيأتي أبضاً في الباب الثاني عشر بعض أحوال أصحاب الإمام الرضا عليه السلام وأهل زمانه وأقواله فيهم وحالتهم معه وبعض أقوالهم فيه ، وكذا يأتي في الباب السادس كلام طيب عن علمه عليه السلام وشموله .
 
 
 
جميع العلماء يقرون للإمام بالعلم والفضل :
عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي قال : ما رأيت أعلم من علي بن موسى الرضا عليه السلام ، ولا رآه عالم إلا شهد له بمثل شهادتي ، ولقد جمع المأمون في مجالس له ذوات عدد ، علماء الأديان ، وفقهاء الشريعة والمتكلمين ، فغلبهم عن آخرهم ، حتى ما بقي أحد منهم إلا أقر له بالفضل ، وأقر على نفسه بالقصور .
ولقد سمعت علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول : كنت أجلس في الروضة والعلماء بالمدينة متوافرون ، فإذا أعيا الواحد منهم عن مسألة أشاروا إلي بأجمعهم وبعثوا إلي بالمسائل ، فأجيب عنها [5].
 
 
 

الإمام شرفته تقوى الله وطاعته كآبائه الكرام فأيدهم سبحانه :

وهنا يا أخري الكريم : نتعرف على فضل الإمام عليه السلام بإقرار ممن عاصره ، وببيانه وتعريفه لسبب شرفه وفضله وعلمه ، وإن الله تعالى أختاره كآبائه الكرام لهداه ، لأنهم كانوا في طاعة الله وعبوديته وبكل إخلاص وتقوى ، وهذا بما عرفته سابقا من تأييدهم بروح القدس ، وهذا مصداق ما قال تعالى : وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا ، أي في طاعته في كل شيء مع الإخلاص التام له ، وهذا ما يشير له الإمام عليه السلام هنا ، نتدبره معاً .
 
شرف الإمام لتقواه ولطاعته الله :
عن محمد بن موسى بن نصر الرازي قال :  سمعت أبي يقول : قال رجل للرضا عليه السلام : والله ما على وجه الأرض أشرف منك أباً .
فقال : التقوى شرفتهم ، وطاعة الله أحظتهم .
 فقال له آخر : أنت والله خير الناس .
فقال له : لا تحلف يا هذا : خير مني من كان أتقى لله عز وجل وأطوع له ، والله ما نسخت هذه الآية : ( وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات/13 [6].
وفي المحاضرات : أنه ليس في الأرض سبعة أشراف عند الخاص والعام كتب عنهم الحديث : إلا علي ، بن موسى ، بن جعفر ، بن محمد ، بن علي ، بن الحسين ، بن علي بن أبي طالب عليهم السلام[7] .
 
الإمام يخبر عن المحدث الذي يؤيدهم بأمر الله :
عن الحسن ابن أحمد المالكي عن عبد الله بن طاوس قال : قلت للرضا عليه السلام : إن يحيى بن خالد سم أباك موسى بن جعفر صلوات الله عليهما ؟
قال : نعم ، سمه في ثلاثين رطبة .
 قلت له : فما كان يعلم أنها مسمومة ؟
 قال : غاب عنه المحدث ، قلت : ومن المحدث ؟
قال : ملك أعظم من جبرائيل وميكائيل كان مع رسول الله صلى الله عليه واله وهو مع الأئمة عليهم السلام ، وليس كلما طلب وجد .
 ثم قال : إنك ستعمر ، فعاش مائة سنة [8].
هذا وبعد إن عرفنا شيء من فضل الإمام وسعة علمه وبعض أسبابه ، نذكر نماذج من علمه وبيان لشيء من شموله وسعته ، كمقدمة لمعرفة بعض أخباره المعجزة وبعض حكمه وغيرها من الأمور التي تبين علوا شأنه الكريم عند الله تعالى .
 
الإمام معلم العباد هدى الله والشاهد عليهم ولهم :
الإمام : كما هو مُعرف لتعاليم الله وهداه الواقعي بما يحب ويرضى سبحانه وفي جميع مجلات الدين ، سواء مسائل الإيمان واليقين من العقائد كالتوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد وغيرها من مسائله ، أو تعاليم الفروع العبادية التي يجب على المكلف عملها من الصوم والصلاة وكل مسائل العبادة .
كذلك الإمام يكون : شاهد على العباد في الأرض لكل أعمالهم , وهو أحد شهود يوم القيامة ، وهذا بحث عميق في الشهادة على الناس ، ذكره سبحانه في عدة موارد في كتابه الكريم ، يعرفنا به شأن أوليائه وأهمية وجود أئمة الهدى ، وشهادتهم لأعمال العباد في الدنيا والآخرة ، وعلمهم الواسع وقدرتهم على إدارة وتدبير المؤمنين بما يحب ويرضى ، ولذا كان سبحانه له الحجة البالغة في هداية من يتوجه له ويقبل هداه .
وهذا بحث علم الشهادة للإمام : وعلمه بأعمال أولياءه والشفاعة لهم ، علم واسع ذكرنا تفصيل له في صحيفة الثقلين من موسوعة صحف الطيبين ، وسنضعه على الانترنيت أو نطبعه في أحد أجزاء الصحيفة إن ساعدنا التوفيق ، أو راجعه في تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي رحمه الله في الجزء الأول في تفسير قوله تعالى : "و كذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس": البقرة 143، وكذا تابع فيه تفسير وبحث الشفاعة والهداية والصراط المستقيم ، تعرف علم عظيم في معرفة الإمامة وأهميتها ، فإنه أفاد وأجاد في بحثه رحمه الله .
ولتعرف شيء عن علم الإمام وتعليمه أو تعريفه لشهادته التي تعرفنا علمه الواسع وشمول معارفه لأعمال العباد بإذن الله وأهمية وجوده ، والتي ترينا مدى تأثيره في نشر الهدى الإلهي للطالبين ، نذكر بعض الأحاديث تعرفنا هذا ، ونترك البحث في ما ذكرنا من علم الشاهدة بسعته لصحيفة الثقلين في الموسوعة :
 
 
كلام للإمام في القضاء والقدر :
وقال الآبي في نثر الدر : علي بن موسى الرضا عليه السلام سأله الفضل بن سهل في مجلس المأمون فقال : يا أبا الحسن الخلق مجبرون ؟
فقال : الله أعدل من أن يجبر ثم يعذب ؟
قال : فمطلقون ؟
 قال : الله أحكم من أن يهمل عبده ويكله إلى نفسه . 
في هذا الحديث الشريف علم واسع وركن به يتقن مسألة لا جبر ولا تفويض ، بل والقضاء والقدر في العدل الإلهي مع عدم إهمال العباد ولا جبرهم ، بل بقدرته يعملون ومن غير جبر ، أي مع جعل القدرة للعباد على الاختيار والفعل بفضله لم يخرجوا من سلطان قيوميته سبحانه ، راج سعة البحث في مسائل العدل ، وستأتي بعض حِكمه في هذه المسألة في الباب السابع .
 
الإمام يُعلم حُكم الله حين عجز العلماء :
وأُتي المأمون بنصراني قد فجر بهاشمية ، فلما رآه أسلم فغاظه ذلك ، وسأل الفقهاء فقالوا : هدر الإسلام ما قبله ، فسأل الرضا عليه السلام ؟
فقال : اقتله لأنه أسلم حين رأى البأس ، قال الله عز وجل : ( فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده ) إلى آخر سورة غافر : 84 [9].
وبمثل هذا الحديث : حين يعجز العلماء عن معرفة حكم الله يخبرهم الإمام بالحُكم مع ذكر مستنده من كتاب الله ، وللإمام مثل هذا كثير من البيان والشواهد ، وذكرها حقا يحتاج لكتاب متعدد الأجزاء ، سنجمع منها ما يوفقنا الله لجمعه .
 
الإمام شأنه العدل والقسط في كل سيرته :
في كشف الغمة : قال الآبي في كتاب نثر الدر : دخل على الرضا بخراسان قوم من الصوفية فقالوا له : إن أمير المؤمنين المأمون نظر فيما ولاه الله تعالى من الأمر ، فرآكم أهل البيت أولى الناس بأن تؤموا الناس ، ونظر فيكم أهل البيت فرآك أولى الناس بالناس ، فرأى أن يرد هذا الأمر إليك .
 والأمة تحتاج : إلى من يأكل الجشب ويلبس الخشن ، ويركب الحمار ، ويعود المريض .
 قال : وكان الرضا عليه السلام متكئا فاستوى جالسا ثم قال : كان يوسف عليه السلام نبيا يلبس أقبية الديباج المزورة بالذهب ويجلس على متكئات آل فرعون ويحكم ، إنما يراد من الإمام قسطه وعدله :
 إذا قال صدق ، وإذا حكم عدل ، وإذا وعد أنجز .
 إن الله لم يحرم لبوسا ولا مطعما ، وتلا ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) الأعراف : 32 [10].
وإذا عرفنا شيء من شأن الإمام في علمه لمسائل الدين وكل ما يعجز عنه العلماء ، فكان هو الوسط الذي يرجع له فيما يغم ويشكل عليهم ، وعرفنا عدله وصدقه ، وسيأتي باب لذكر عبادته وخلقه وزهده ، وإن أبواب الكتاب كلها في سيرته فتابع ، وهنا نختم الباب بذكر حديث يعرفنا شهادته التي ترينا علمه الواسع وشموله بإذن الله تعالى ، حتى كان علمه يشمل كيف يتم تطبيق ما يُتعلم منه ومن آله الكرام معارف الدين ، ومدى صدق أولياءه في تطبيقها ، بالإضافة لمعرفته لكل مسائل الدين وما يحتاج له المؤمنون من الهدى ولكل ما يصلح أمورهم حتى كان يرعاهم بكل وجوده بإذن الله ، وهذا ما يصدق أيضا على إمام زماننا الحجة بن الحسن العسكري عليه السلام وكل آله من قبل صلى الله عليهم وسلم .
فهنا ذكر بحث سعة علم الإمام وشموله : حتى كان يشمل معرفته بأوليائه المخلصين بطاعة الله ، والذين يعبدون الله بتعاليمه التي علمها بعد نبي الرحمة أئمة الحق من آله المطهرون ، والشهادة لهم ورعايته لهم بما يقوي قلوبهم يوم العرض الأكبر عند الله ، فضلا عن طلب التسديد والتوفيق منه تعالى لهم للعمل الصالح في الدنيا ، والمحاولة بإيصال كل ما يساعدهم للثبات على الهدى القويم والصراط المستقيم ، وسيأتي بيان في باب فضل زيارته عليه السلام ، أو راجع صحيفة الزيارة من موسوعة صحف الطيبين ، فإنه يعرفنا بعض من هذا الشأن ، كما سيأتي في الباب الآتي وما يليه قصص أخرى وقعت منه في زمانه تعرفنا ما أقدره الله من دينه حتى يعرفه لأوليائه ولكل من يطلبه بحق .
 
الإمام تعرض عليه أعمال شيعته :
موسى بن يسار قال : كنت مع الرضا عليه السلام وقد أشرف على حيطان طوس وسمعت واعية فأتبعتها ، فإذا نحن بجنازة ، فلما بصرت بها رأيت سيدي وقد ثنى رجله عن فرسه ، ثم أقبل نحو الجنازة فرفعها ، ثم أقبل يلوذ بها كما تلوذ السخلة بأمها .
 ثم أقبل عليَّ وقال : يا موسى بن يسار ، من شيع جنازة ولي من أوليائنا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه لا ذنب عليه .
 حتى إذا وضع الرجل على شفير قبره ، رأيت سيدي قد أقبل فأخرج الناس عن الجنازة حتى بدا له الميت فوضع يده على صدره ، ثم قال : يا فلان بن فلان أبشر بالجنة فلا خوف عليك بعد هذه الساعة . 
فقلت : جعلت فداك هل تعرف الرجل ؟ فو الله إنها بقعة لم تطأها قبل يومك هذا .
فقال لي : يا موسى بن يسار أما علمت أنا معاشر الأئمة تعرض علينا أعمال شيعتنا صباحا ومساء ؟
فما كان من التقصير في أعمالهم سألنا الله تعالى الصفح لصاحبه  ، وما كان من العلو سألنا الله الشكر لصاحبه[11] .
أقول : هذا بعض البيان لعلم الإمام وأسسه وشأنه وسعته بمختصر البيان ، وسيأتي تفصيله في مطاوي هذه الصحيفة فتابع .
 وإذا عرفت هذا ، فبين يديك يا طيب يأتي شيء من مصاديق شمول علمه وسعته ، وكيف يسعى لأن يهدي العباد لما فيه صلاحهم لعلمه بحالهم ، وهو متمم لما ذكرنا في الباب السابق الذي كان فيه ذكر ردعه للمخالفين وتفنيده لمقالهم  ، فنذكر في الباب التالي أخبار شاملة لقسم كبير من الشيعة لا لخصوص أفراد معينين ، ثم نذكر بعده أخبار أخرى قصيرة خاصة مع أفراد كثيرين من شيعته ، ترينا كيف إنه عليه السلام كان يعلم حالهم وكيف يصلحه في باب بعده ، ثم نذكر شيء من قصار أقوال الإمام الرضا عليه السلام في الحكم تعرفنا شيء من علم الشريف ، وتابع ما يأتي من سيرته عليه السلام فإنه فيها كثير من الحجج والبيان ، وأسأل الله لك ولنا ولكل شيعة آل محمد أن يعرفنا أئمتنا بشأنهم الكريم ، ويسلك بنا صراهم المستقيم ، ويجعلنا معهم بكل هدى ونعيم ، إنه أرحم الراحمين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .
 


[1]عيون أخبار الرضا ج 2 ص 180 . بحار الأنوارج45ص90ب7ح3.
[2]مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 350 .. بحار الأنوارج45ص99ب7ح14.
[3]كتاب الغيبة للشيخ الطوسي ص 52 ، بحار الأنوارج45ص97ب7ح10.
[4]الكافي ج 1 ص 88 ، بحار الأنوارج45ص104ب7ح31.
[5]كشف الغمة 2 : 316 ، إعلام الورى 2 : 64، بحار الأنوارج45ص100ب7ح17.
[6]عيون أخبار الرضا ج 2 ص 236 . بحار الأنوارج45ص95ب7ح8.
[7]مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 362 ، بحار الأنوارج45ص99ب7ح16.
[8]رجال الكشي ص 503 في حديث ، بحار الأنوارج45ص66ب3ح86 .
[9]كشف الغمة ج 3 ص 142 ، بحار الأنوارج45ص171ب14ح9. 
[10]راجع كشف الغمة ج 3 ص 147 ،  بحار الأنوارج45ص275ب18ح26.
[11]مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 341 ، بحار الأنوارج45ص98ب7ح13.
 
 


اللهم أسألك بحق الإمام علي بن موسى الرضا وآله الطيبين الطاهرين اسلك بي صراطهم المستقيم واجعلني معهم في كل هدى ونعيم
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موقع موسوعة صحف الطيبين

إلى أعلى مقام في الصفحة نورك الله بنور الإمام الرضا وآله الكرام عليهم السلام


تفضل يا طيب إلى الفهرس العام رزقك الله هدى خبر الأنام وخلصك من الظلام