هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في  أصول الدين وسيرة المعصومين
صحيفة التوحيد الإلهي / الثانية / للكاملين / شرح الأسماء الحسنى الإلهية

الله

جل جلاله نور يتقدم

 

الإشراق الأول : الاسم الأعظم الله :

الله : هو اسم جامع لجميع الأسماء الحسنى والصفات العليا ، وهو يوصف بها ولا يكون ولا يقع وصفا لشيء منها ، فيقال : الله الرحمن الرحيم ، ولا يقال : رحمن الله ، أو قادر الله ، أو عزيز الله على نحو الوصف ، بل يقال الله الرحمن ، الله القادر ، الله العزيز ، أو يقال بتقديم الصفة على الموصوف ، فيقال : القادر الرحمان الرحيم العزيز الجبار القدوس الله أو هو الله ، وهذا لا يجعل لفظ الله صفة بل هو موصوف وقدمت الصفة عليه ، وهذا سبيل واقعه في اللغة وهو الحق .

وأما معنى كلمة الله : فهو معنى يراد به الذات المقدسة التي لها كل كمال وجمال وجلال ، ومع التنزيه والتقديس عن كل حاجة ونقص ، ومن غير النظر لجهة كمال معين كعلم أو قدرة أو حلم أو رزق ولا غيرها من سلب الحاجة والنقص ، ولا يلتفت لهذه المعاني من النسب والإضافات ، بل حتى للصفات العليا الذاتية مع ذكره وحده لا شريك له سبحانه وتعالى .

فيراد بلفظ   الله  عز وجل : معنى وحقيقة وواقع وجود الذات المقدسة التي لها كل كمال بنحو مطلق غير محدود ، وموصوف بكل الأسماء وظاهرا نوره بها ، والمحيط بكل شيء خَلقه وكونه وهداه علماً وقدرة ، والخبير بأحوال كل موجود قد أحسن صنعه وأحكم هداه .

 

     الإشراق الثاني :

لفظ الله اسم علم وباطن فيه كل الأسماء الحسنى وهو ظاهر فيها :

يا طيب إن لفظ : أسم الله : أسم علم ، يراد به الذات التي لها كل كمال وتمنح كل نعيم ، ولذا توله الناس في معرفته ، وفزعوا إليه في كل الملمات ، وشكروه على كل النعم وعرفوا أن منه كل خير وهدى وكرم ، وهو أوسع الأسماء الحسنى .

فالله : هو اسم علم للذت المقدسة ، وهو يعبر عن تلك الحقيقة العظمى للوجود المقدس الحاوي لكل جمال وجلال في نفس كبرياءه ووجوده المجيد الذي له الأسماء الحسنى والصفات العليا بوحدتها في الأول والآخر والظاهر والباطن ، وبمعناه يراد ويقصد ويصمد إليه حسب الوسع والطاقة ، وكل الأسماء الحسنى منطوية في معناه على حد الاعتدال في الظهور والبطون وكلها تحت حيطته .

 والكل ينادي يا الله : بوجوده وبحاله ، وبمقاله ، وبالخصوص الإنسان المتوجه لشؤون عظمته وصاحب الحاجة والمريض وطالب العلم والغنى والعابد والذاكر والعارف منهم ، ولذا مع كون اسم الله واسع وشامل لكل الأسماء الحسنى ، لكنه يكون فيه نوع من الإشارة لتعين طلب مخصوص إما عبودية أو ذكر أو طلب لكمال معين به ، إذا خصصه العبد بالنية أو بحسب الحال والحاجة ، ومع ذلك فهو أقرب الأسماء الحسنى للاسم الأعظم في المعنى ولما يشير إليه ، إلا إنه لكونه موصوف بكل الأسماء الحسنى وظاهر بعض الظهور فيها ، يكون فيه معنى التعين بنوع من الطلب لكمال معين وإن أطلق وأريد كل كمال وجمال فهو ظاهر الاسم الأعظم .

فاسم الأعظم الله تعالى: ظاهرا ، اسم علم للذات المقدسة وهو اسم جامع لمعنى وحقيقة كل الأسماء الحسنى الجمالية والجلالية وكلها تقع وصفا له ، وهو لا يقع وصف لها ، وهو ظاهر والباطن بها بنسبة واحدة وبالعدل والإحسان .

وإن كل من يذكر الله سبحانه : أو يطلب منه تعالى باسم من أسماءه فهو يريد به الله تعالى مع تلك الخصوصية لذلك الاسم ، مثل العلم عندما يقول : يا عليم : يعني يا الله علمني وتجلى علي بالعلم ، أو يا الله أنت اعلم بحالي ومقالي ففض عليَّ ما يسد به نقصي من تلك الجهة التي نواها الداعي أو الذاكر ، و أغنني بكمالها وأجعلها تفيض مني حتى أقولها أو أكتبها .

 والمؤمن : يؤمن بالله تعالى ويوحده بكل مراتب التوحيد ولا يصفه إلا بكل اسم حسن وصف به نفسه أو تعلمه من نبينا وآله الطيبين الطاهرين ، ويطلب تجليه عليه بكل إيمان وعن يقين به ، فيتحلى ويتحقق به ، ومنه يفض بالعدل والحق والصدق والهدى في كل وجوده وأحواله ، فيكون متجلي بنور كل ما يمكن من الأسماء الحسنى كلها ، ولذا لا يكون باطل في تصرفه ولا لهو ولا لعب ولا ظلم وضلال في أحواله ، ولا غيرها مما يبعد عن نور الله ومن أي كمال كان يحلي به عباده.

 

 

الإشراق الثالث :

 اسم الله  : هو الأعظم في الظاهر والباطن  :

اسم الله الأعظم : نور حقيقته الواحدة متحدة مع ما يتجلى ويظهر من نور الأسماء الحسنى اللهية التي يشع هداها في ظهورها بوحدتها ومن غير تكثر كوني بعد ، بل في شؤون العظمة العليا بعدها متحدة ، وبكل كمال وجمال وجلال تعبر عنه الأسماء الحسنى اللهية والصفات العليا الذاتية في ظاهرها وباطنها ومن غير أولا ولا آخرا ، والتي جمع قسم مهم منها الحديث الذي هو مورد الشرح الآتي و الذي تلوناه عليك بسنده في الباب الأول ، وعرفت سبيل الأسماء الفعلية فهي تصفه ولو كانت بالنسبة له زائدة مفهوما وتحققا من غير استقلال لحقائقها ولا أنعزل عنه ، بل كل شيء فقير لله وهو الغني الحميد ، وبنور تجليه وجودت الكائنات وتم بقائها وهداها وكل شيء منتسب لها ، فهي حقائق نور تشرق منه وباقية بمدده وترجع إليه .

فالاسم الأعظم : هو الاسم المراد به الذات المقدسة التي لها كل كمال مطلق ككل بدون ملاحظة جهة معينة من جهات المعرفة أو التوجه لصفة من الصفات ، ولا توجه لكمال مخصوص من الكمالات وتعينها بالمفاهيم ، فهو الاسم المعبر عن الذات المقدسة بما لها من الكمال المطلق الغير محدود ومن غير حيثية معينة وجهة كمال مخصوص .

فأقرب الأسماء الحسنى للاسم الأعظم بل أول ظهور له هو اسم الله : وهو الذي له أعظم ظهور وأول نور متجلي من الحقيقة المقدسة ، وهو في عين ظهوره حجابها الأعظم ، وهي مكنونة عن المعرفة إلا بما ظهر به وبما وصف من الأسماء الحسنى لفظا ومعنا وحقيقة ، وإن كان في ظهوره بعد في حد الاعتدال والوصف بكل الأسماء الحسنى ، وحاوي لحقائقها بنفس العدل في الظهور والبطون من غير أوليه ولا آخرية ولا كثرة معروفة له ولا متصورة حتى باللفظ والمعنى فضلا عن الحقيقة المعبر عنها به .

و إن الاسم الأعظم المكنون :الباطن في اسم الله الأعظم لم يسع ولم يطق الناس كلهم معرفته ، ولم يتجلى نوره إلا بهذا الظهور الذي عرفته من وحدته وظهور بالأسماء الحسنى الظاهرة بتجلي اسم الله ولفظه مع اتحاد الحقيقة ، وقد خص الاسم الأعظم المكنون والباطن لاسم الله ، ببعض معارف نور بطونه بعض العباد المخلصين ، فتجلى للخاصة منهم نورا منه فجعلهم أولياء الله المصطفون الأخيار المطهرون ، وأختارهم الله لهداية عباده ولتحليهم بنوره ، فتجليه وظهوره مخصوص بإعطاء الله تعالى وإذنه لهم ، ولم يعمم معرفته لكل البشر ولكل طالب ، ومع ذلك جعل ما يقربه في المعنى والخواص لكل العباد وهو اسم الله ، فهو أعظم الأسماء الحسنى بالنسبة لنا .

ولمعرفة حقائق كريمة عن الاسم الأعظم الباطن : لاسم الله الأعظم وبعض خصائصه نتدبر الإشراق الآتي ، ونسأل الله نوره بأعلى ما تحلى به عبدا مخلصا له سبحانه ، حتى يجعلنا مع نبينا وآله الطيبين الطاهرين ، صلى الله عليهم وسلم أجمعين ، إن الله هو ولي التوفيق وهو أرحم الراحمين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .

 

 

الإشراق الرابع :

لا يعرف الاسم الأعظم المكنون إلا من خص بالتجلي عليه :

يا طيب : إن الاسم الأعظم : الباطن الخاص ، لا يعرفه أحد من الخلق ولا يقترب منه أحد إلا بإذن الله ، ولم يُعلمه الله للبشر إلا ما ذكر الله تعالى منهم ممن عنده شيء من معرفته كصاحب كرسي سليمان ، وإن للأنبياء كلا حسب شأنه له معرفة تقدر بالحروف وبالنسبة المقدرة من ثلاثة وسبعين حرفا : إلى حرفا واحد أو اثنين أو ثلاثة أو أكثر أو أقل منها ، وبحسب ما جاءت به الروايات ومعارف الحق اللهي الخاصة للخاصة ، والتي عرفتنا من خص به وتتجلى عليه بعض نور حقائقه .

وإن الاسم العظم لله : الخاص الباطن ، لم يذكر في كتاب الله بهذا الوصف بأنه هناك حقيقة تسمى بالاسم الأعظم ، وإنما الذي جاء هو أن يُدعى الله ويُذكر بالأسماء الحسنى التي عرفت بعض آياتها وعددها في الباب الأول ، ولكن جاءت بعض المعارف بالأحاديث الشريفة المشيرة لوجوده الكريم ، ولأن المؤمنين الطيبين يحبون لله جعلهم يسألون عن أعظم اسم لله تعالى يمكن أن يُتقرب به إليه ، فجاء التفسير بإذنه تعالى و من ولاته يعرفهم ويعرفنا شأنه العظيم في الظهور والتجلي دون تعريف ذكره وحروفه الخاصة ، ولا كيفية التوجه له منا بأكثر من التوجه لكل الأسماء الحسنى بما فيها اسم الله تعالى ، ولم يذكر ولم يعرف لأحد لغير المصطفين الأخيار لفظه ، ولكنه جاء السؤال به بأمر كلي ، أي أسألك باسمك الأعظم ، أو باسمك الأعظم الأعظم وغيرها من الألفاظ التي تشير له .

وإن أعظم ذكر لشأن الاسم الأعظم لا لفظه جاء في آية :

 { قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ } النمل40 .

وفُسر علم الكتاب : بالاسم الأعظم ، وعرفنا من هذه المعرفة الكريمة في القرآن المجيد ، بأن الراسخون في العلم لهم مثل هذه الكرامة أيضا من تجلي حقيقة الاسم الأعظم ، وبكثير من المعارف المشابهة فيه كذكر آية التطهير لنبينا وآله ، وضرورة المودة أو وجوب طاعتهم لأنهم ولاة أمره الله ، فعرفنا بأنه لهم خصوصية عظيمة في تجلي خاص لهم ، وإنه لابد أن يكون من معرفتهم والتوجه للحقيقة المقدسة العظمى لنيل فضلها بأحسن توجه حتى يصلوا لبطون العظمة ، وينالوا فيضها وكرامتها بما لم يناله أحد حين التوجه بهذا الاسم الأعظم العام الظهور لكل أحد ، والمعروف باللفظ الله أو غيره من الأسماء الحسنى .

وبهذا عرفنا : إنه للأنبياء وللمرسلين ولأئمة المسلمين ولولاة أمر الله خصوصية معرفتهم بالاسم أعظم ، وهو مورد تجلي لهم حين توجههم له , ولذا كرمهم بهذه الكرامات ، وإنهم إن سألوا الله أعطاهم ، وإن ذكروه استجاب لهم ، ولهذا كان ومازال يتوق لمعرفة هذه الحقيقة المكرمة لأئمة المسلمين ، والوجود الأعظم المختارة للأصفياء المصطفين فيجعلهم أئمة هدى دين وولاة لأمر الله في ليلة القدر حتى آخر الدهر ، وما دام نزول الروح بأمر الله فيها ، وبهذا صار للمؤمنين توله لمعرفة هذه الحقيقة الكبرى المتجلية بتجلي خاص ، والمسمى لها أسما أعظما من ذكرها باللفظ الله المعروف وغيره من الأسماء الحسنى ، ولذا صار كل المؤمنين يصبون لمعرفة الاسم الأعظم المكنون الذي لم يذكر بصراحة في كتاب الله ، وسألوا ليعرفوا عن اسم له تجلي أعظم قد يعبر عنه بالحروف ، وإن لابد أن يكون خاص ظهورا ومعرفةً ، وهو الذي يُعجل الله به الاستجابة حين الدعاء أو بالظهور الحتمي القوي حين السؤال به .

وبهذا عرفنا يا طيب : إنه لم توجد معرف لأحد بالاسم الأعظم إلا بما ذكر الله ، من إنه هناك خاصة من ولاة لأمره مختارون مصطفون ولهم علم بالكتاب راسخ ، سواء الكتاب التكويني لأتم مراتبه العالية في التجلي القوي الحتمي حين التوجه له بأدنى توجه له ، أو حين ذكره بلفظه ، كما وإنه بالروايات عرفنا إنه قد يعبر عن حقيقة الاسم الأعظم ، باسم له ثلاثة وسبعون حرف ، وهو خاص بالذين رعاهم وعلمهم من عنده وأذن لهم بالشهادة على الخلق كالأنبياء وأوصيائهم من أئمة الخلق ، وبالخصوص نبينا الكريم محمد وآله الأطهار صلى الله عليهم وسلم .

وهم وحدهم : لهم الاقتراب من هذه الحقيقة والذكر لها والوصول لفيضها ولتجليها ولنيل الكمال منها ، والإنباء والإخبار عما نالوا من كرمها ونعيمها الذي يهدي للصراط المستقيم ، بل بفضل معرفته يكون لهم معجزات التصرف بالكائنات ومعرفة عللها وأسبابها الخفية بإذن الله تعالى عند التوجه له ، وبالاتصال به تحصل لهم كرامة استجابة الدعاء وشفاء مريض وقضاء حاجة أو طي الأرض أو غيرها من المناقب والمكرمات ، وبالخصوص المعجزات التي لم يعرف عللها أحد وهم يأتون بها بأسباب فورية سريعة حين الطلب ، ومع التحدي بالقدرة الخاصة التي ستظهر لهم ، فيصدقهم الله ويكون لهم ما يريدون ، ويعجز غيرهم عن إتيان مثلها .

فالاسم الأعظم : إن كان له لفظ كما جاء في الأخبار وكونه متكون من ثلاثة وسبعين حرفا ، فهو يعبر عن معنى ومفهوم يراد به الحقيقة المقدسة المطلقة الغير محدودة ومن غير أي حيثية أو صفة أو جهة ولا حتى بنظر الفكر والفهم والمعنى لكمال معين بالخصوص ، ويراد الوصول به لتلك الحقيقة الواسعة التي يصعب على عامة العباد التوجه لها من غير طلب حيثية كمال معين ، ولذا خص به الأنبياء والأوصياء ومن رعاهم الله لهداية عباده .

ولكن يا طيب : أعلم أنه حتى هذه المعرفة للاسم الأعظم ، هي لها نوع من الظهور للحقيقة المقدسة العظمى التي لم تظهر معرفتها إلا بما عُرفت ببعض شؤون ظهور الاسم الأعظم للخاصة ، والاسم الأعظم الظاهر لله والأسماء الحسنى كلها لهم ولنا ، وكلها حقائقها متحدة مع الذات وإن كان هناك ظهور وبطون في معارفها وتجلي نورها وبطون وظهور الحقيقة العظمى المقدسة في كلها من غير عزل ولا تكثر كما عرفت ، لأنها من شؤون العظمة والكبرياء أزلا وأبدا ومن غير خلق متجدد لهذا الظهور والبطون في تلك المراتب المحيطة الواسعة ، ولا تحول بهذا الظهور والبطون في هذا المرتبة العليا للاسم الأعظم بالخصوص في ظهور تجليها الأبدي الأزلي الدائم .

وإن الاسم الأعظم : نسبته في الظهور بالنسبة للحقيقة المقدسة العظمى كنسبة ظهور اسم الله له ، فهو بالنسبة للوجود المقدس في الظهور نسبة ظهور اسم الله ووصفه له ، أو كنسبة وصف اسم الله وظهور حقيقته بكل الأسماء الحسنى والصفات العليا ، وإن هذه الشؤون للعظمة متحدة في الذات باطنا وإن تعددت معارف نورها وتجليها وظهورها ظاهرا ، ولذا جاء في القرآن المجيد :

{يَوْمَئِذٍ لاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَانُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْل (109)

 يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمً (110)

 وَعَنَتْ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا }طه111 .

وهذه المعرفة : بتجليه تعالى ورضاه عن الخاصة ، وهو المعطي لهم كرامة الشفاعة الخاصة ، فهو العالم بهم وهم مع مقامهم العظيم الشامخ لا يحيطون به في حقيقة المقدسة العظمى علما ، فهو قول مطلق عام شامل للمصطفين الأخيار فضلا عن غيرهم ، و قال نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم :

 ما عبدناك حق عبادتك ، و ما عرفناك حق معرفتك [1].

 وإن أعظم معرفة للأصفياء والمصطفين الأخيار بعد أسم الله الأعظم والأسماء الحسنى ، هو معرفة شيء من حقيقية هذا الاسم الأعظم الذي عرفنا أنه يعبر عنه بثلاثة وسبعين حرفا وتجليه عليهم بخصوص مكارم خاصة لم يتمكن منها غيرهم ولم يطق نور تجليها غيرهم .

وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

 يا علي ما عرف الله حق معرفته غيري وغيرك
     
   وما عرفك حق معرفتك
غير الله وغيري
[2].

وهذه المعرفة الكريمة بالله سبحانه : قد تجلت في كلام الإمام علي وآله آل رسول الله صلى الله عليهم ، وقد نقلنا في الجزء الأول الكثير منها ، وتأتي معارف هنا وفي صحيفة العارفين إن شاء الله ، وهي معرفة كريمة بالله سبحانه وكيف يجب أن يوصف بما يحب ويرضى كما قال عز وجل :

  { سُبْحَانَ الله عَمَّا يَصِفُونَ (159) إِلَّا عِبَادَ الله الْمُخْلَصِينَ (160) } الصافات .

وكل هذه المعرفة : وما خصوا به لا إحاطة بمعرفة الله تعالى ، بل هي معرفة لمرحلة ومرتبة عظمى لمرتبة ظهور الاسم الأعظم الباطن لأسم الله الظاهر لنا ، دون معرفة حقيقة الذات المقدسة بما هي من غير تجلي وظهور لهم ببعض نور الاسم الأعظم الباطن ، وهذه المعرفة العظيمة بحقيقتها لهم لم يطقها ولن يطقها إلا من كان منهم في شأنهم ، ولكن في زمانهم الأرضي كان القول لهم وحدهم وهم الآن في أعلى مقام لتجلي نوره حقيقة في عالم الجبروت الأعلى ، وفي الأرض الآن مختص نوره معرفة وتجلي بإمام العصر والزمان الحجة بن الحسن روحي له الفداء وعجل الله ظهوره .

 وعلى هذا يا طيب : ستعرف إن المؤمن المخلص لا يُعرف فضلا عن هداته وولاة أمره في الأرض وأئمة دينه المصطفين الأخيار المخصوصون بكرامة نور الاسم الأعظم ، لأنه حقيقة تجلي الأسماء العظمى التي ينكشف نورها التام لنا في يوم القيامة لم نسعها هنا بكلها ، وهنا لنا الاطمئنان التام وآثار الرحمة إيمانا وشعورا وآثارا بنسبة تحققنا بها، وقد لا نرى آثارها الواسعة التي تسع السماوات والأرض هنا في هذا العالم.

لهذا المعنى قد ذُكر في الروايات : أن المصطفين الأخيار يعرفون قسما من حروف الاسم الأعظم الباطن لاسم الله ، وينالون بعضا كريما من تجليه لا كله ، ومع ذلك صار لهم هذا الشأن الكريم العظيم ، وإن تحققهم بمعناه وظهور تجليه الخاص لهم في أوقات خاصة وحين الحاجة والضرورة لظهور نوره لهم ، وإلا فهم ونحن في كل الأحول تحت اسم الله الظاهر للاسم الأعظم ، وهو أعظم الأسماء معرفة وتجليا لنا وظهورا علينا ، وبعده الأسماء الحسنى والصفات العليا الآتي شرحها في هذا الحديث مورد الشرح ، وغيرها من الأسماء الحسنى التي لم تذكر في الحديث ، وإنه لما كان لا معرفة للاسم الأعظم لأحد إلا ما عرفت ، لم يذكر بنفسه في آية الشفاعة أعلاه ، وإنما ذكر بالاسم المقدس الرحمان الواسع الفيض ، ويراد به لأعظم تجلي ظهر وعُرف ، وفي أعلى مرتبة للخاصة الأخيار شأنا وللعامة من فيض الله .

فالاسم الأعظم : المخصوص ، ليس لكل أحد يظهر ويُعرف ، وإلا لذكر في الآيات السابقة بلفظه وحروفه بدل اسم الرحمن الذي هو أوسع الأسماء الحسنى تجليا ومظهر لرحمة الله حتى للعاصين فضلا عن المطيعين ، أو لعُرف من كثير من العارفين ولما تحيروا به بتعدد الأقوال فيه ، وإنما خُص بالمصطفين الأخيار ولهم شيء من حقيقة تجلي نوره ، لأنهم لهم عناية خاصة وآداب كريمة وشأن عظيم واستعداد شريف لنيل فيضه والتحقق بنوره ، وتحصيل ما يطلبون منه بمجرد ذكره والتوجه له مخلصين له الدين وبأعلى إيمان ويقين ، وليس لعموم البشر تجلي خاص ولا حتى معرفة لفظية خاصة به ، فليقصر الطرف غير الخاصة عنه ، وليكون في توجهه لله وطلبه بما عرفهم الله تعالى من أسماءه الحسنى وصفاته العليا في كتابه المجيد ، وبتوسط أولياءه الكرام المخصوصون بفضله من الأنبياء ، وبالخصوص نبينا الكريم وآله الطيبين الطاهرين .

ويا طيب : قد ذكرت أقوال : في ألفاظ الاسم الأعظم ومعناه وعد منها في كتاب عدة الداعي وعنه في مصباح الكفعمي ما يقارب الستين قولا ، وأضاف لها الأدعية المشهورة ، وإنه مذكور في مثل دعاء الجوشن الذي فيه ألف اسما أو المشلول والمجير أو دعاء السحر والسمات وغيرها ، وستأتي معارف كريمة منها في صحيفة العارفين القسم الثالث من صحيفة التوحيد  ، وإنه الحق : إن كل أسماء الله عظمى ، كما ستعرف ، وسيأتي شرحا عظيما للاسم العظيم ونتعرف على كريم مجالي نوره .

وكما عرفت : في إشراق عدد أسماء الله الحسنى وإنها لا تحصى بفضل ما كرمنا الله تعالى به من تعاليمها في كتابه وبتوسط أولياءه في أدعيتهم وأحاديثهم الشريفة ، وإنهم بالإضافة لهذا قد علمونا كيف تؤثر في الزمان والمكان والحال المناسب كما عرفت في الباب السابق ، بل وفي الجزء السابق من صحيفة الكاملين لكيفية تجليها وطلبها والاستعداد لنيل فضلها ، على أنها كلها أسماء الله ، وهي عظمى في تجليها وإنها تُحلي نور الله الواسع من يستعد للتحقق بنورها ويطلب كرامتها ، وترفعه لأعلى مقام ممكن أن يصله البشر في كرامة الله تعالى ، وفي أعلى مراتب التكوين وجنة الخلد.

وإن المصطفين الأخيار المخصوصون بكرامة الله هم : يعلمون معارف الله وكل خير يمكن أن يأتي منه ، لأنهم راسخون بعلمه ، ولكن أين المتقبل والطالب لمعارف الله منهم ، فيتوجه له بما يحب ويرضى بكل أخلاص ومعرفة تامة علموها ، وكتبنا مليئة بالأدعية والمعارف الذاكرة لله والطالبة لكل فيض منه ، وعلينا معرفتها وطلب الله بها ، فإنه بها كل خير وبركة ونعيم وسعادة ورضا الله الأكبر ، وإلا من يكون عنده الاسم الأعظم لابد أن يكون عظيم ولا يطلبه للفخر ويدعوا به بالباطل أو يطلب به شهوات وأمور دنيا ولا حتى فكرة ضالة أو منافي لشؤون العظمة المطلعة على القلوب والأبصار والأسماع ، ولذا خص بكل عظيم في الوجود ، بل ظهر بعض تجلي نوره لهم ، فكانوا في هذا الشأن العظيم الذي خلاصته أكرم وأعلى وأمجد وأكمل نور ظهور من نور الله الأعظم في الوجود الكوني وقد تحقق بهم ، ولا يكون تجليه والتحلي به إلا وفق حكمة الكون الكلية وإذن الله الأكبر ، وهو مخصوص بمن ذكرنا ، ولنا كل أسماء الله الحسنى وكلها عظمى أن طلبنا حقائقها ، واستعددنا لها بحق وصدق من محل إشراق نورها علما ، وتحققنا بها عملا مخلصين لله الدين .

   الإشراق الخامس :

كل الأسماء الحسنى عظمى متجلية على من يستحقها :

يا طيب : قد عرفنا إنه الأسماء الحسنى الذاتية موضوعة للتعبير عن صفات الكمال المطلق للذات المقدسة وهي عين الذات المقدسة مصداقا وإن تكثرت مفهوما ، فلذا كانت كلها أسماء حسنى عظمى ، وكلها تبين ظهور وبطون الكمال المطلق لله تعالى من جهة معينة ، ولكل نوع من الكمال اسم معين مثل الحياة أو العلم أو القدرة ، وإن الاسم الأعظم المعروف للخاصة ، واسم الله الأعظم في الظهور وكل الأسماء الحسنى الذاتية المعبرة عن جمال وجلال الذات وكبرياء كمالها الذي لا يحاط به علما ، هي متحدة الذات مع الذات ولها حقيقة واحدة ، ولكن ظهور وبطون فهو الأول والآخر والظاهر والباطن ، ولكن تعبير عن سعة النور اللهي ومجالي ظهوره بمعارف تقربنا من نيل كرامته ، لا أن حقائق الأسماء متكثرة في نفس واقع الذات العليا مصداقا ووجودا ، ولذا كررنا هذه العبارات المشير للوحدة المتحدة بين الذات والأسماء الحسنى وهي فيما بينها في الباب السابق وهنا كثيرا ، وإن عرفنا ظهورها يكثر الخلق وأحواله .

ولذا تكون حق المعرفة في توحيد الله هو إن : كل الأسماء الحسنى عظمى في وحدة واحدة في المرتبة العليا ولها ظهور بالعدل والإحسان يناسب شؤون العظمة هناك ، وهنا وفي كل مراتب التكوين لها تجليها الخاص بنوع الكمال الذي تشير له ، وإن فيها هدى للصراط المستقيم وتأثيرات كونية مناسبة لها ومن جهة وحيثية معينة ، كجهة القدرة أو العلم أو الحكمة أو غيرها ، وهذا يناله العباد والناس وكل طالب حق وكل موجود ، وكل كائن وكل فرد من الناس حسب حاله واستعداده وقدرته ينال من فيض وتجلي الأسماء الحسنى ، والأولياء والمخلصين أولى بها وأقرب وهم المعلمين للوصول إليها وكيفية السبيل للتحلي بها وطلبها ، ولذا تحصل بعد التخلي عما يمنع عنها ، وإن المخصوصين بكرامة الله كان وما زال لهم أعظم نور تحلي وتجلي .

 فأسماء الله تعالى : كلها أسماء عظمى ، وكل منها له مجاله ويؤثر أثره في الكون بما قضى وقدر لله تعالى له ، كالعلم الذي هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء ، وذلك بعد أن يكون عند من يستحق الاستعداد لتحصيله والسعي الجدي لطلبه من الله تعالى بحسب حاله الطالب للعلم ، فيتجلى عليه ذلك الكمال المطلوب ويظهر فيه ، وبتوفيق الله بعد أن يسعى له الإنسان يحصل على فيضه ، حتى ولو لم يكن طلب مقالي ، بل فقط طلب حالي واستعداد وسعي ذاتي وجد في التعلم ، وذلك لأن فيض الله عام لا يمنعه الله عمن يستعد لنوع منه ولذا قال تعالى : { كُلاًّ نُمِدُّ هَؤُلاَءِ وَهَؤُلاَءِ

مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورً }الإسراء20.

{ انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ

وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً }الإسراء21 .

والتفضيل اللهي : لعباده المخلصين الذين يختارهم على علم على العالمين حسب الطلب والسعي الحالي أو بمساعدة المقالي ، والطلب الحالي لكل الناس والمدد اللهي يأتيهم أين ما كانوا وكيف ما طلبوا حتى لو لم يؤمنوا ، ولكنه للدنيا فقط لأنه تعالى يمد كل طالب مهما كان هنا ، وللمؤمنين بالإضافة للطلب الحالي توفيق مقالي للطلب من الله تعالى لكل فيض أسماءه الحسنى التي لا يعرفها غيرهم ، وهم الموفقون لها بفضل الله وهداه ، هذا بالإضافة لدوامها آخرة فضلا عن الدني ، ولذا قال تعالى الآخرة أكبر تفضيلا وفيها درجات للمؤمنين .

والهداة الحقيقيين للأسماء الحسنى اللهية : والواصلين إليها هم نبينا الكريم وآله الأطهار صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين ، ولذا نقول لهم هم الأسماء الحسنى مع يقننا إنهم عباد لله وإن الله خالقهم وهاديهم ورافع شأنهم ، وإنه ليس لهم استقلال في وجودهم وذاتهم ولا في صفاتهم ولا في أفعالهم من دون الله عز وجل ، بل هم صلاة الله وسلامه عليهم عباد مكرمون ، وأكثر الناس وخلق الله كله لله مطيعون ، وأحسن أهل التكوين في العبودية لله متلبسون ، فنالهم أعلى نور أشرق من أسماء الله الحسنى وأعظمه ، وبهذا كان لهم على الناس حتى المكرمين علو الدرجة وفضلا من إحسان الله تعالى ، وبرا خاصا لهم من كل نور الأسماء الحسنى والصفات العليا مع أعز شرف ، وأعلى مقام محمود مشكور السعي لهم ، حتى كانوا في سعة نورهم موردا لتجلي حقيقة ظهور مرتبة الاسم الأعظم الظاهر والمكنون الباطن معا .

فالمصطفون الأخيار نبينا وآله صلى الله عليهم وسلم : بفيض الله وبرحمة تجليه وتوفيقه دام وجودهم وفعلهم ، ونالوا حُسن صفاتهم وجميل فعلهم ، ولكن نسميهم بالأسماء الحسنى لما تلبسوا وتحلوا من فيضها وتجلو بها في الهدى والدلالة على الله تعالى ، وليس الاسم إلا الدال على معنى وحقيقية ، وهم الأدلاء على الله تعالى ومعارف أسماءه الحسنى وتعاليمه العليا ودينه القيم بكل وجودهم ، فإن أحببت المزيد راجع ما شرحنا في صحيفة الإمام الحسين عليه السلام الباب الثالث في شرح آيات النور والبيوت المرفوع ذكر رجالها الكرام صلى الله عليهم وسلم ، أو تابع الشرح هنا .

 فهم أسماء حسنى من هذه الجهة : أي من ناحية تلبسهم بالأسماء الحسنى بأعظم تجلي لنورها وأكرم ظهورا في التكوين لها ، وهم تحلوا وتجلوا بها بالعدل من دون إفراط ولا تفريط ، وهم يدلون عليها وعلى تجليها وكيفية وملاك تحصيلها بأحسن صورة ممكنة بذاتهم ومعارفهم وصفاتهم وأخلاقهم وأفعالهم وسيرتهم وسلوكهم ، وكل من أقترب منهم وسلك سبيلهم أقترب من نور الله تعالى المطلق ، ومن كل نور الأسماء الحسنى حتى يكون معهم في الدرجات العلى ، وهذا سبيل كل من أطاع أئمة الحق ولذا قال تعالى :

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ   وَأُوْلِي الأَمْرِ }النساء59 .

وقال تعالى في بيان أولي الأمر : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ الله وَرَسُولُهُ

وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)

وَمَنْ يَتَوَلَّ الله وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمْ الْغَالِبُونَ }المائدة56 .

 وإن من أعطى الزكاة في الصلاة وهو راكع : هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، فإذاً هو ولي الله ومجلى فيضه ومحل وصول معرفة الله للعباد التي هي قمة الطاعة والعبودية لله بعد خاتم رسله ، وقد عرفت بعض كلامه في البراهين والمعارف القيمة السابقة ، والدالة على معرفة الله بأعلى ما يمكن أن يعرفه البشر والعباد المؤمنين عن توحيد الله تعالى وعن شؤون العظمة له ، ومن لم يعرف الله بما عرفه وشرحه لم يعرف الله وتوحيده حقا بما له شؤون العظمة والكبرياء .

 ولذا قال الله تعالى : بعد الآية التي خصته بأن من يتول الله ورسوله والمؤمنون الذي خص الله بالذكر أميرهم بأنه وليه على العباد بعده وبعد رسوله ، لأنه عارف بالله ، وقد زكى راكعا في الصلاة إشارة لعظيم طاعته ومعرفته بالله التي لم يزكى بمثلها غيره ، وإن كان شأن نبينا الكريم أعظم وهو تلميذه ونبينا الأكرم سيده و أستاذه وهو من تربيته وتحت رعايته صار إمام وخليفة له ، وولي على المؤمنين بعده بإذن الله حسب الآية الكريمة ، وهم حزب الله ، ومن تولاهم وقبلهم أولياء دين وعرف الله من سبيلهم يكون من حزب الله ، وهم الغالبون بإذن الله بمعرفته وبذكره بهداه .

 أي هم : في رحمة الله وفيض تجلي أسماءه الحسنى وصفاته العليا بأحسن وجه يوصلهم لتمام الهداية والنعيم وفضل الله الدائم على العباد ، ولهم كل سعادة وخير وبركة من الله لعباده المؤمنين العارفين به حق المعرفة من الصراط المستقيم ، والذي جعله عند المنعم عليهم وزكاهم وعرفهم للناس بأنهم أولياءه ، ولهم إمامة الناس بالحق وإنهم هم يسيرون بهم بهدى الله الواقعي على صراط مستقيم ، ويصلون بهم لأعلى نعيم لنور تلجي الأسماء الحسنى وتحصيل بركاتها .

وإلا مَن لم يتمسك بهذ السبيل ضل عن نور الله ولم يعرفه بحق ولا كيف يصل له ، فيحرم تجليه بالكرامة عليه ، ولم يكن موردا دائما حتى في يوم القيامة والآخرة في الجنة لتجلي الأسماء الحسنى بالفضل والإحسان له ، وإن كان بعده تحت حيطة أسماء القهر والغلبة والانتقام ، وهو في غضب الله والعياذ بالله من ولاية الشيطان وأولياءه من أئمة الظلال وأتباعهم .

 

الإشراق السادس :

أهمية بحث تجلي الأسماء الحسنى فضلا عن نفس معانيها العالية :

يا طيب : لعل هذه المعرفة صعبة في أول الأمر ، وإنه قد يتصور العبد المؤمن الذي لم يتدبر فيها ، إنه فيها خلط بين الذكر للمرتبة العالية ولتجليها ، وإنه في حين الكلام عن الذات المقدسة نذكر نورها في التكوين .

ولكن يا أخي المؤمن : هذه معرفة لابد منها ، فإنه لا يعرف ما هناك إلا بمعرفة أعظم تجلي لنور الله هنا ، وبهذا نتوق لتحصيل نور تجلي الأسماء الحسنى كلها ، على أن أئمة الحق هم الذي يعرفونا هدى الله كله وهو أعظم تجلي لأسماء الحسنى في الهدى بعد خلق الخلق كله ، وعلى هذه المعرفة تترتب كثير من معارف تحقق نور الأسماء الحسنى بل اسم الله الظاهر والباطن ، وقد عرفت إنه بهم نعرف نور الله الأعظم ، ونعرف له مصاديق ظهور وتجلي ، وقد ذكرنا في المقدمة هنا وفي غيرها ، إن بحث الأسماء الحسنى هو شرح الأسماء من خلال معرفة تجليها وظهورها في التكوين ، وإلا لو كانت فقط تعريف لفظي لكفت له كتب اللغة ، أو شرحا بسيطا لمعنى مفهومي جاف لا يشتاق له عن حب مفعم إلا أخلص المخلصين ، ولكتمت معارفه عن المتوسطين من عباد الله المؤمنين مثلي ، على إنه هذه الصحيفة لهم ليكونوا كاملين حين معرفة حقائق نور الله الأعظم بوحدة العظمة في المقام الأعظم الأكبر المتوحد ، وفي مجالي نوره وظهوره في التكوين وفي أشرف وأكرم مصاديقه وجودا ، ونورهم على الحقيقية والعظمة والبهاء بفضل الله وإحسانه عليهم وعلينا .

وبهذا تتم لنا معرفة الواقع الحق لنور الأسماء الحسنى وكيف يظهر : وبهذا نعرف أين تجلى ولمن ، وإنه لنا نصيب منه إن طلبناه بحق من مصدر إشراقه ، فيتجلى نور كمالها لنا بحسب شأننا في طلبه واستعدادنا لتحصيل مكارمها ، وإنه بحق هناك عباد لله كرمهم الله ووفقهم فنالوا أعلى الدرجات بفضل تجلي نور هذه الأسماء الكريمة ، وإنه بالإقتداء بهم والسير على نهجهم نكون منهم ونلتحق بهم ، وحينئذ يحلى البحث ، ويشمر العبد الطيب ساعد الجد في طلب هذه المعارف الكريم ، ويحصل الحب ذو العزم المحرك للتعرض لنور الأسماء الحسنى كلها بحق ، بل يتكون العلم اليقيني الراسخ الساعي للتحقق بهذه النور بأحسن صورة ممكنة لعبد عارف بمواطن النور وكيفية تجليه ومحله ، فضلا عن كون الكرامة التامة في نفس هذا المعارف في توحيد الله وشأنه العالي ، وفي كل مجالي العظمة ، والذي لا يعرف حقيقته بنفسه أحد بما هو ألا بهذا الظهور التام هنا والمُعرف له في الكبرياء وعدم الإحاطة هناك .

وإذا عرفن : هذه المعارف المختصرة في معاني نور اسم الله ومجالي تحققه ، وعرفنا شأنا كريما لتجلي اسم الله الأعظم في مرتبة ظهوره وبطونه ، وما يتصف به من الأسماء الحسنى والصفات العليا بمرتبة ، و بالوحدة الواحدة التي لم تتكثر بعد حتى مفهوما ولا منطوقا ولا معنا فضلا عن الواقع والوجود المقدس الحق الذي لا يتكرر ولا يتثنى ولا يوصف إلا بالوحدة الواحدة وهو الفرد الصمد ، وبعد هذه المعرفة المختصرة ، والتي يأتي تفصيلها إن شاء الله في صحيفة العارفين ، وفي الجزء الثاني والثالث لهذا الشرح .

 حان الآن يا طيب : للنظر في تكثر مفاهيم العظمة ، وتجلي نور الكمال الواحد الحاكية عنه الأسماء الحسنى والصفات العليا كلها ، والذي يحكي قسما عظميا كريما منها حديث إن لله تسعة وتسعون أسما من أحصاها دخل الجنة .

 وإن الاسم الأعظم الله : تعالى الظاهر هو وحده بوحدته معها موصفا بها كلها وهو لم يقع وصفا لها ، ولذا جاء بعده تسعا وتسعون اسما في الحديث الذي عرفته في الباب السابق ، وهنا نذكر الأسماء الحسنى بحسب ترتيبها الذي جاء في الحديث الشريف ، ونجعل كل منها في نور يشرق علينا هداه إن شاء الله .

ونجعل البحث : في أوله مختصرا لشرح الأسماء الحسنى اللهية ، بحيث يتم التعريف وبعض تجليها ، وما يجب على المؤمن لتحصيل نورها ، وثم بعد إن ترسخ هذه المعاني عندنا لتجلي نور الأسماء الحسنى في التكوين العام ، والخاص الخاص ، والمؤمن ، وكيف يشتد في الظهور نور العبد المؤمن بكل طلب وتوجه لها بحق ، بعد أن نشرح عدد كبيرا منها ، حتى نأنس بها ونحب بر ظهورها وإحسان تجليها بحق ، فنصير مشتاقين ومتولهين للتحقق بها واقعا ، بكل ما يسع العبد المؤمن المجد المجتهد في طلب نور الله الواسع الماجد البهي ، فبعد ذلك نتوسع في البحث لشرح الأسماء في الأسماء الأخيرة من هذا الحديث الكريم ، حتى يكون الجزء الثاني مختصا بشرح أحد عشر أسماء ، والجزء الثالث يختص بشرح ثلاثة أسماء ، والباقي خمسة وثمانون اسما إن شاء الله سترى معناها وشيء من شرحها هنا في هذا الجزء وبالإضافة لأسم الله والمقدمة .

وأسأله سبحانه وتعالى : أن يوفقنا وإياكم للصواب ، ويلهمنا الحق فيفض علينا علما وتعليما ، ويناله المؤمنون الطيبون بما يحب ويرضى تحليا وتحققا وتجليا ، ويجعلنا وإياكم من أعلاهم درجة وفضلا ، حتى نكون مع نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين صلى الله عليهم وسلم ، إنه أرحم الراحمين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .

ــ

[1]بحار النور ج23ص68باب 61 الشكر .

[2] مناقب آل أبي طالب ج 3ص 60 .

   

أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.alanbare.com

يا طيب إلى أعلى مقام صفح عنا رب الإسلام بحق نبينا وآله عليهم السلام


يا طيب إلى فهرس صحيفة توحيد الله العام طيبك الله وطهرك بالإسلام