هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في  أصول الدين وسيرة المعصومين
صحيفة التوحيد الإلهي / الثانية / للكاملين / شرح الأسماء الحسنى الإلهية

الْعَلِيمُ

النور الحادي والعشرون

الْعَلِيمُ : صيغة مبالغة من العالم، وهو العارف بنفسه وبما يحيطه جمالا و تفصيلا.

والله تعال هو العليم والعالم الحق : لأنه هو العالم بنفسه وبكل جمال وجلال يصدر منه ، وإن علم لله تعالى هو ذاته من غير كثرة كما عرفت ، ولذا كان علمه التفصيلي عين العلم الجمالي له تعالى ، وهو يعلم بكل شيء ، ولا يتغير علمه سبحانه ولا يستفيد علما جديدا ، وإن علمه بالأشياء قبل وجودها وحين وجودها وبعد وجودها واحد لا يتغير ، فهو سبحانه العالم والعليم والأعلم .

وهو تعالى : بكل شيء عليم ، وأعلم من كل عليم ، وهو بمن أراده عليم ، والعالم بالسر والخفيات والهمم ، ولا يخفى ولا يعزب عن علمه شيء ، وعالم لا يجهل ، فهو أعلم العالمين ، و دبر الكون بعلمه ، وأحاط بكل شيئا علما ، وهو عالم الغيب والشهادة ، ولحق علمه كل شيء ، فهو أعلم بالمهتدين ، وأعلم بمن ضل عن سبيله ، وبكل شيء في الكون من فعله وهو أعلم به ، فكل ظهورا في الكون وبطون مشرق من نور أسمائه الحسنى يعبر عن ظهور علمه تعالى وبيانه لعلمه الواسع العظيم الكبير .

فاسم الله الحسن العليم : هو من أمهات الأسماء الحسنى الإلهية الذاتية كالحي والقدير والغني ، وهو اسم له معنى واسع يدخل في كثير من الأسماء الحسنى ويبطن فيها وله إحاطة بها في معناها أو متجلي ظاهر بها ، وهي تعبر عن شؤون العظمة والكبرياء والمجد اللهي ، كالسميع ، والبصير ، والخبير ، والحكيم ، والحسيب ، والحفي وغيرها ، بل يدخل في كل الأسماء الحسنى التي لا تتحقق إلا بمن يكون عليم بفعله المتقن حتى يحسن ويصل لغايته بأحسن ما يمكن .

فالعلم اللهي : في عين كونه عين الذات متحد بها كباقي الأسماء الحسنى وبنفس البساطة والصرافة في الوحدة وبوجود أحدي ، فهو ظاهر بالاسم الحسن الأعلم والعالم والعليم وغيرها من الأسماء المشتقة منه أو المترتبة عليه ، أو التي لا يتم معناها إلا به ، وهو ساري على نحو البطون ومتدرج بحسب الشدة والخفاء في كل الصفات الفعلية التي نسمي الله سبحانه وتعالى بها ، ولذا جاء في الأدعية معنى العليم بعدة عبارات كريمة تعرفنا هذا الشأن كما عرفت ، وقد مر بيان لبعض إحاطة اسم الله العليم في شرحه في الجزء الأول من صحيفة التوحيد للكاملين ، وسيأتي تفريع أوسع للأسماء الحسنى على الاسم العليم في صحيفة العارفين إن شاء الله .

وإن الله سبحانه وتعالى إذا تجلى بالعلم : بالتجلي الخاص على عبد جعله نبيا أو نبينا مرسلا أو وصي نبين وخليفة له بعده ، فينبئ عن كل هدى الله تعالى ويعلمه معارف الجبروت والملكوت وجنة الخلد عينا وعيانا ، فضلا عن علوم الأرض وما يحتاج له من الهدى لنفسه ولكل العباد ، وبأحسن صورة ممكنة لمخلوق تناسب شأنه ، فيسير بهم على صراط مستقيم لكل نعيم ، وبكل ما يمكن من العلم للمكن حتى يكون بحق عليما وعالما ، بل يطلعه على علم الغيب ، كما عرفت في الاسم الأعظم لمن عنده علم الكتاب والراسخون به نبينا وآله صلى الله عليهم وسلم ، وهكذا لغيرهم من الأنبياء كل حسب مرتبته .

فبفضل تجلي الاسم العليم : يتجلون عن علم ومعرفة بكل نور الأسماء الحسنى ، وبأحسن ظهوره لها في التكوين ، فتصدق عليهم بأكرم وصف واقعي معاني كثيرة حتى يكون لهم حقيقة معنى : خبير وحكيم وحاكم وحليم وبصير بدينه وشهيد وهادي وبشير ونذير وكل بما يرشد لشأنه الكريم من معارف الله سبحانه وتعالى المتجلية فيه ، حتى يكون على خُلق عظيم وله المقام المحمود والشفاعة العظمى في الآخرة بل وهنا ، ومن بعده مراتب ودرجات لمن يتعلم منه وقتدي به وقد قال الله العليم تعالى : { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29) وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاَء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) } البقرة.

والعلم اللهي : وتعليمه ساري في كل الأديان وتعاليمها حتى كانت أول آيات نزلت على نبينا الأكرم تأمره بالعلم والتعلم :

{ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ  (1) خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكرم  (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ  (4) عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) } العلق .

وإنه تعالى أمرنا أن نتذكر ما منحنا من تعاليمه لنسير على هداه فقال تعالى :

{ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا الله وَاعْلَمُوا أَنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }البقرة231 .

وبالعلم يترفع العبد عند الله إذ قال تعالى : { يَرْفَعْ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير }المجادلة11 .

 و{ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}الزمر9.

وقال تعالى: { إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ الله عَزِيزٌ غَفُورٌ } فاطر28 .

والمؤمن : يعرف بحق إنما الفضل بالعلم المقرب من لله تعالى ، سواء في معارف توحيده أو ما في يُوجب الإيمان الراسخ المحكم به أو بالعلم بهداه ، ويعلم إن فضل العلم عظيم في الإسلام فيجد في تعلم دينه كله بقدر الوسع والطاقة ، ولا يتعلم باطلا وخداعا وغشا ومكرا ومكائد وضلال وغيرها من العلوم المفسدة للحياة والمبعدة عن رضا الله ، بل يجعل العلوم الدنيوية التي تنفعه في كسبه في خدمة دينه وعلومه .

والمؤمن : يعلم إن الإسلام دين العلم ، ولم يوجد في شيء من الأديان والمذاهب والأحزاب والأفكار الدنيوية والدينية اهتماما بمثل ما أنيط من أهمية العلم في الإسلام ، ولتعرف فضل العلم وطلبه في الإسلام يكفي أن تراجع الجزء الأول والثاني من كتاب بحار النور ، وراجع صحيفة الإمام الحسين عليه السلام في الباب الأخير من الجزء الأول ، وراجع ما ذكرنا في صحيفة نشر علوم موسوعة صحف الطيبين من أهمية العلم ونشره ، أو في صحيفة النبوة، فترى معارف كريمة في فضل العلم الحق وأهمية نوره الذي هو حقيقة العبد المؤمن ، وإنه مدد الحياة الطيبة للروح الباقية في النعيم .

فالمؤمن يعلم : إن الله عالم بكل شيء ولا يغيب عنه شيء وإنه عالم السر وأخفى ، فلا يبطن ما يخالف رضا الله فيكون منافق والعياذ بالله وليس بمؤمن ، ولذا عليه أن يبحث عن أئمة الدين الحقيقيين وعلماءه الواقعيين فيأخذ دين الله ومعارف هداه منهم، فيطلب الحق من معارف عظمة الله وشأنه الكبير وهدى دينه القيم الذي يوصل لكل نعيم ، ولا يتكل على التقليد في أصول الدين ومعارفه ، بل لابد أن يكون له دليل يُرسخ الإيمان في قلبه ويحثه على طلب هدى الله ، وبه يكون متيقن بعلم الله وإنه مطلع عليه في كل آن ومحيط به علما حتى في فكره فضلا عن إتيانه لأعماله ، فلا ينوي إلا خيرا ولا يفكر إلا بما يصلحه مع الله تعالى ، وما يَعده لأن يتنزل عليه فيض الأسماء الحسنى ونور بركاتها .

وسوف تأتي معرفة كريمة : في اسم الله الوارث في تجليه تعالى بتوريث العلم لنبينا ولآله في الأرض فأنتظر يا طيب ، وراجع ما ذكرنا لتعرف أهمية العلم في الإسلام ، ومن تجلى عليه الله العليم فقد كرمه ، والمؤمن لا يعتبر المكر والحيلة والخداع وأي شيء يُبعد عن الله علما ، بل جهل بعظمة الله تعالى وإنه من وساوس الشيطان وهوى النفس الذي يدخل نار الله ويخرج الإنسان من تجلي أسماء الله الحسنى الجمالية ، ويدخله في الجلالية المنتقمة منه ويكون له أشد العذاب ، والعياذ بالله من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن صلاة لا ترفع ومن دعاء لا يُسمع ، ورزقنا الله وإياكم ما يحب للكرام من خلقه من العلم حتى يجعلنا مع نبينا وآله صلى الله عليهم وسلم ، إنه أرحم الراحمين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .

 

   

أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.alanbare.com

يا طيب إلى أعلى مقام صفح عنا رب الإسلام بحق نبينا وآله عليهم السلام


يا طيب إلى فهرس صحيفة شرح الأسماء الحسنى رزقنا الله نورها