هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في  أصول الدين وسيرة المعصومين
صحيفة التوحيد الإلهي / الثانية / للكاملين / شرح الأسماء الحسنى الإلهية
 

الرَّحْمَنُ

النور التاسع والعشرون

 

الرَّحْمَنُ : صفة لمن عنده الرَّحْمة : وهي عطف ورأفة وبر وإحسان ، وفيه معنى الكمال والغنى للراحم ، والفقر والحاجة عند المرحوم .

والله تعالى هو الرحمن : لأنه تعالى غني حميد وهو الحي العليم القدير الذي له كل كمال وجمال مطلق وواسع من غير حد ، وكل خلقه فقير محتاج له ، وهو الرب لهم والمالك المدبر لهم والحفي الذي يرعاهم ، ولم يمنع من فيض نور أسمائه الحسنى وبهاء صفاته العليا على شيء مانع ، فهو المتجلي عليهم بكل ما يصلحهم ويكملهم ويوصلهم لأحسن غاية لهم حسب شأنهم ، بل يعطي حتى من لم يتوجه له ، ويرشده وينبه لعظمته ويدله على عزه وكبرياءه وما لديه من الثواب الجزيل والنعيم التام لمن يطلبه بمعارف حقة وبدينه القيم، وهذا هو تجلي للرحمة بالوجود والهدى لكل الكائنات ، وهذا اللطف منه تعالى رحمة واسعة لم تخصص بالمطيعين ، وهي تجلي لحقيقة نور اسم الرحمن الواسع في تنزيل الرحمة لكل ساعي بحاله لطب بركات الوجود.

فاسم الله الرب الرحمن : هو أوسع الأسماء اللهية بعد اسم الله ، لأنه برحمة الله الرحمن كل شيء وجد وبقى و هدي وسخر له كل ما يستحقه ليستمر في حياته حتى  غايته بأحسن وجه له ، فيرحم المؤمن والكافر ويمد كل شيء لغايته وحسب استعداده وطلبه ولا يمنع من جود رحمته شيء ، والتي هي نور التوفيق لكل طالب بحاله .

وإن الله الرحمن تعالى : أرسل رسلا وأنزل كتبا بالإضافة لما خلق في فطرة الإنسان من المعرفة والتوجه لله ذو الكمال المطلق ، لكي ينال العباد نور هداه ومعارفه فيقيموا له العبودية ويستعدوا بها لكي يكرمهم بنور الأسماء الحسنى فيطمئنوا في عيشهم بالسلام ، فأختار لبني الإنسان رسلا وأوصياء لهم بعدهم لكي يهدوهم الصراط المستقيم ، فكانت رحمته تعالى تامة وجودا وهدى ، وسهل لهم كل ما يحتاجون له من نعم الدنيا لكي يتوجهوا له بما شرفهم به من تعاليم حتى يستمر لهم نور رحمته أبدا دنيا وآخرة ، ولذا كان التجلي الخاص أحد أغراضه هو لكي يرحم كل العباد حتى يصلوا لنور أسماءه الحسنى بأحسن وجه يجعل وجود الإنسان محل لتنزل نورها وخيراتها.

ويا طيب  : لسعت تجلي اسم الرحمن على كل البشر خلق الله فيهم من رحمته في قلوبهم ، فتراهم يتأثرون بنقص الموجودات فيرحموها وأصحاب الفطرة السليمة لم يعتدوا حتى على الطبيعة فضلا عن الحيوان أو الإنسان ، ويتأثروا بفقر الفقير فيرحموه ، وإذا رأوا المريض والمعلول والناقص في نفسه أو بدنه يحاولوا أن يساعدوه ، ويتأسفوا لحاله ويتمنوا له السلامة وأن يرفع الله نقصه وحاجته ، وذلك لما وضع الله من رحمته في قلوبهم فترق لهذه الحالات ويتأثروا فيندفعوا للمعاونة والمساعدة ما استطاعوا ، ولكن إن عرفوه لا يستحق الرحمة وإنه مجرم وطاغية يعتدي على حق غيره أن رفعت عنه مشاكله فلا يتقدموا لرحمته أبدا .

 وهذا نور رحمة الفطرة من الله في الإنسان بصورة عامه وهي رحمة منه واسعة : وهذا من حقيقة معارف تجلي الرب الرحمان لتربية عباده ليتحققوا بالرحمة لمن يستحق ، لكن الله ليس مثل البشر ليس له رقة قلب ولا جارحة وأعضاء ، ولكن رحمة أيجاد الوجود كله وهداه ونعيمه وكل خير فيه من غير تأثر أبدا ، ويقطع رحمته عن الذين يبغون ويطغون ولا يستعدون لتقبل رحمته برفض التوجه له بعد حلم وإمهال حتى أمد.

والمؤمن : يرحم من يستحق الرحمة ويرحم نفسه بطلب المزيد من رحمة الله ، ويتقرب بجد من فيض تجلي الأسماء الحسنى للرب الرحمان ، ويعلم إن الله يرحمه فلا يجعله يضل عن هداه إن طلب دينه الحق ومعارف عظمته مخلصا ممن خصهم برحمته وأنعم عليهم بهداه ومعارفه وذكر فضائلهم ودل عليهم في كتابه ، فيتبعهم .

ويا طيب : لنتدبر بعض الآيات عن تجلي الله الرحمن في الدنيا على العباد كلهم بالرحمة مؤمنهم وكافرهم ، مطيعهم وعاصيهم ، نختار قسما مما قال الله الرحمان سبحانه وتعالى في كتابه المجيد : { بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6) وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (ا9) وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10) فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ (11) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (12) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13) } الرحمن .

فإن الله الرحمن : ليعرفنا أهمية هداه عرفنا أن علم القرآن الذي هو أفضل هدى أنزله ، أنه قد علمه للإنسان الذي خلقه الله ناطقا يفهم البيان وقابل للعلم وللتعلم ، ثم عرفنا الرحمان سبحانه أنه قد وضع موازين لكي نسير عليها وفق ما علمان ، وهي سواء في العلم أو في العمل أو في المجتمع أو بيع وشراء أو في التعامل بيننا ، وبعد ما مكننا من كل ما نحتاجه للعيش في هذه الحياة الدنيا ، ومن يرى عظمة الله في خلقه وفي هداه المنزل يجب عليه أن لا يكذب بما علمنا ووعدنا الله الرحمن لكي نصل لأحسن كمال أعده لنا ، ووفق هداه المتقن الذي يجب أن نقيم له به العبودية الحقة لتتنزل علينا بركاته ونور تجلي الأسماء الحسنى كلها ، ولذا قال الله الرحمن سبحانه :

{ قُلِ ادْعُواْ الله أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأسماء الحسنى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً (110) } الإسراء .

وهذا لمن طلب الله الرحمان وبركاته سبحانه : ويبحث عن هداه فيتعلمه ممن خصهم به بعد أن تبين صدقهم ، وأنه لم يهمل عباده الكفار والغافلين عنه ، بل أرسل لهم رسلا لكي يدعوهم له فيطلبوا رحمته الأبدية ، ولذا قال الله الرحمان تعالى : { كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30)} الرعد .

ولكي يعرفنا الله الرحمن : إن الحياة الدنيا ليست هي الغاية ، وإن الله الرحمن يرزق من يشاء يغير حساب ، وكل من يسعى لأمر يمكنه منه ، ولكن الحياة الخالدة في النعيم هي الغاية من وجود الإنسان ، وبها يكون مرفلا في الكرامة ورضاه وهذا الغرض من وجوده ، عرفنا أن في هذه الدنيا يتفاوت الناس بالرزق لكي يستخدم بعضهم وبعضا ، ولكي يسعوا لطلب الحلال وما به قوامهم ، ولو كان كل الناس أمة واحده لما عمل أحد لأحد ولما تمكنوا من العيش ، ثم كل من يسعى لشيء من الدنيا يحصل عليه ولا يهم أن يكون كافر أو مؤمن ، بل الكافر قد يستوفي رزقا واسعا بالدنيا لسعيه ، فيمد له الرحمن لكي يقيم عليه الحجة بعدم الطاعة مع النعيم الواسع ، ثم يمنع في الآخرة عنه رحمته ، ويبقى المؤمن في النعيم الأبدي ، ولذا قال :

{ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَ بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (32) وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ (34) وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35) وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ (37) } الزخرف .

وقال الله الرحمن :{ قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّ حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا (75) وَيَزِيدُ الله الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا (76)  أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77) أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدً (78) كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80) } مريم . وإذا عرفنا شيء يسير من تجلي الله الرحمان في الدنيا للكل ، فلنتدبر معارف أخص بالمؤمنين في اسم الله الرحيم سبحانه وتعالى ..

 

   

أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.alanbare.com

يا طيب إلى أعلى مقام صفح عنا رب الإسلام بحق نبينا وآله عليهم السلام


يا طيب إلى فهرس صحيفة شرح الأسماء الحسنى رزقنا الله نورها