هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في  أصول الدين وسيرة المعصومين
صحيفة التوحيد الإلهي / الثانية / للكاملين / شرح الأسماء الحسنى الإلهية

الْقَرِيبُ

النور الحادي والستون

القريب : من القرب والدنو وقصر المسافة والمعنى بين الأمور والأشياء .

والله تعالى هو القريب حق : لأنه تعالى محيط بكل شيء علما وقدرة وبصير وسميع بكل شيء ، وإرادته نافذة في وجود كل شيء ، فلا يعلم أحد وشيء علما إلا والله أعلم به منه ويأتي الشيء مدده منه ويشع نوره في وجوده فيقدره على العلم والعمل ، وبدون تجلي الله العليم لا يعلم ، ولا يعمل عمل إلا بقدرة الله ومدده ، فيمنحه الاستطاعة والقدرة على العمل وإلا لا يستطيع حتى يفكر فضلاً من أن يعمل بدون إرادته تعالى وتجلي فيضه القدير القوي الذي يقوي العبد ، فهو محيط بوجود كل شيء حتى كان أقرب إليه من نفس وجوده ، بل وجوده فضلاً عن صفاته وأفعاله كلها من مدده وتجلي نور أسماءه الحسنى وأثر نورها في الوجود وأحواله وكماله .

 فهو تعالى القريب وأقرب من كل قريب : وأقرب منا إلينا ، ومن حبل وريدنا لنا ، وأقرب من إرادتنا وعزمنا فينا ، ولكن قربه تعالى قرب إحاطة وتجلي وقدرة ورحمة و ممد وإعطاء نعمه أو منع وقهر ، وقال الإمام علي عليه السلام :

في الكافي بالإسناد عنه عليه السلام : بم عرفت ربك ؟ قال : بما عرفني نفسه ، قيل : وكيف عرفك نفسه ، قال : لا يشبهه صورة ولا يحس بالحواس ولا يقاس بالناس ، قريب في بعده ، بعيد في قربه
فوق كل شيء ولا يقال شيء فوقه ، أمام كل شيء ولا يقال له أمام .
 داخل في الأشياء لا كشيء داخل في شيء ، وخارج من الأشياء لا كشيء خارج من شيء ،
سبحان من هو هكذا ولا هكذا غيره ، ولكل شيء مبتدأ ) [1].

وقال عليه السلام : ( الْحَمْدُ للهِ الَّذِي بَطَنَ خَفِيَّاتِ الاَُْمُورِ ، وَدَلَّتْ عَلَيْهِ أَعْلاَمُ الظهور ِ، وَامْتَنَعَ عَلَى عَيْنِ الْبَصِيرِ ؛ فَلاَ عَيْنُ مَنْ لَمْ يَرَهُ تُنْكِرُهُ ، وَلاَ قَلْبُ مَنْ أَثْبَتَهُ يُبْصِرُهُ ، سَبَقَ فِي الْعُلُوِّ فَلاَ شَيءَ أَعْلَى مِنْهُ ، وَقَرُبَ فِي الدُّنُوِّ فَلاَ شَيْءَ أَقْرَبُ مِنْهُ ، فَلاَ اسْتِعْلاَؤُهُ بِاعَدَهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ ، وَلاَ قُرْبُهُ سَاوَاهُمْ في المَكَانِ بِهِ ، لَمْ يُطْلِعِ الْعُقُولَ عَلَى تَحْدِيدِ صِفَتِهِ، ولَمْ يَحْجُبْهَا عَنْ وَاجِبِ مَعْرِفِتِهِ، فَهُوَ الَّذِي تَشْهَدُ لَهُ أَعْلاَمُ الْوُجُودِ ، عَلَى إِقْرَارِ قَلْبِ ذِي الْجُحُودِ ، تعالى الله عَمَّا يَقولُ الْمُشَبِّهُونَ بِهِ وَالْجَاحِدُونَ لَهُ عُلوّاً كَبِيراً ! )[2] .

وقال عليه السلام : ( لَمْ يَقْرُبْ مِنَ الاََْشْيَاءِ بِالْتِصَاقٍ ، وَلَمْ يَبْعُدْ عَنْهَا بِافْتِرَاقٍ ، وَلاَ يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ عِبَادِهِ شُخُوصُ لَحْظَةٍ  ، وَلاَ كُرُورُ لَفْظَةٍ ) .

وقال عليه السلام : ( وَالشَّاهِدُ لاَ بِمُمَاسَّهٍ ، وَالْبَائِنُ لاَ بِتَرَاخِي مَسَافَةٍ ، وَالظاهر لاَ بِرُؤيَةٍ ، وَالباطن لاَ بِلَطَافَةٍ ، بَانَ مِنَ الاََْشْيَاءِ بَالْقَهْرِ لَهَا ، وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهَا ، وَبَانَتِ الاََْشْيَاءُ مِنْهُ بَالْخُضُوعِ لَهُ ، وَالرُّجُوعِ إِلَيْهِ )[3] .

وبالتدبر بالنفس وأحاطتها بالبدن : وبمددها له بما قواها الله تعالى الذي هو اقرب منها لها وبمدد الاستطاعة منه تعمل ، ترى للنفس نفوذ قدرة وعلم بكل خلية تديرها بإرادة وغير إرادة ، فحتى للأجهزة الغير إرادية الداخلية للبدن تديرها النفس بعلم خفي لا يُتوجه له ظاهرا إلا جمالا، وعند الصدمة والأمور القوية التي تصيبها قد يتوقف عضو من الإنسان ويمرض ، أو تجعله ينشط بأكثر من حده ، وهكذا تدبر في الإرادة والعلم والتفكر والتخيل و مراتب الشهوة والغضب في النفس وتأثيرها بالبدن كالخجل والفرح وغيرها ، و النفس وروحنا أقرب شيء لنا وهي حقيقتنا وهي مجردة والبدن مادي فتتصرف به وعند الموت وفي البرزخ الروح تترك البدن ويكون توجهها لنفسها فتشعر بحقيقة سعادتها ونعيمها رزقنا الله ، أو في عذابها وتعاستها والعياذ بالله .

والله هو القريب الحق : لأنه محيط بكل شيء أكثر من إحاطة الروح والنفس بكل مراتبها بالبدن بل بنفسها ، والله ليس كل شيء مثله ، والتدبر في كلام الإمام علي عليه السلام يشعرك معرفة ليس فوقها معرفة بالله القريب ، حتى تتيقن إنه ولي الله المطلق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، راجع حكمته وتدبر بها تحصل على معاني لطيفة وعظيمة كريمة في شئون الرب القريب تعالى وغيرها من الأسماء .

ومن تجلى الله عليه بحقيقة اسمه الحسن القريب : قربه وأدناه حتى يسير به لأكمل نعيم فيضه وتجلي هداه ، فيكون أقرب من كل ملك مقرب ، ويصعد به للملكوت الأعلى ويسري ويعرج به للسماوات العلا ، فيصل لأعظم فيض وتجلي لله بنعمه كلها وأهماها هداه ، ويقربه حتى يكون قاب قوسين أو أدناً دنوا واقتراباً من العلي الأعلى في تجلي شئون الكرامة له ، ويريه من عظمة النور المخلوق لرب العالمين ما يحب حتى يكون عين الإيمان وحقيقته ، فيكون كل وجوده خالصا لله ويُعلمه دينه وهداه بأعلى مراتب المعرفة ، وعلى الناس كلهم أطاعته والتعلم منه بتسليم مطلق فيما يقول ويُعلم ويعمل ، هذا فضلا عن كون نوره ونور قرباه وآله أول نور مخلوق له ، ومن يبتعد عنه يكون كافر بعيد عن رحمة الله كلها ولا قرب له من نعيم الله أبدا .

فأقرب تجلي لنور الله وظهوره هو : نور نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو أول ظهور نور للأسماء الحسنى في التكوين في المراتب العلى والهدى ، ولذا هنا كان هداه عنده كما قرب قرباه قربه والمحيطون به بكل ما تجلى له من شؤون العظمة ونور الهدى وبكل شيء خصه به ، خص به قرباه وآله أهل بيته إلا النبوة، وأدناهم منه في نعيمه عليه وبكل شيء ، حتى جعل مودتهم وحب الإقتداء بهم فيه الحسنات المضاعفة وغفران الذنوب وشكر السعي من الله تعالى ، وهي بشارة من الله للمؤمن الذي يحب أن يطيع الله ويعمل صالح راجع آيات الإسراء والمعراج وآية مودة القربى وكل آيات القربى ، وسيأتي ذكر بعضها .

والمؤمن : يعلم إن الله قريب منه علما وقدرة ، وخبر حاله ومحيط به وبكل أموره ، نيته وفكره ، وعلمه وعمله ، وكل تصرف له ، وهو أقرب إليه من فكره وأقرب إليه من لسانه لكلامه ، وأقرب إليه من كل شيء ومن كل قريب حتى سمعه وبصره ويده ، ولابد أن لا يجعل مملكته ووجوده وكل علمه وعمله وصفاته وتصرفاته قريبة لتجلي نعيم ربه وهداه ومعارف دينه ، ومستعد متهيئة لقرب الأسماء الحسنى الجمالية التي تفيض النعم والخير والبركات والعز والكرامة أبدا ، ولا يقرب لله المحيط به بشيء لا يرضاه فيقترب من التجلي عليه بأسماء القهر والغلبة فيدمر وجوده ويضيق عليه رحمته فيعذبه ويتألم بل يحترق بنار لحرمان في يوم القيامة وكل عمر الآخرة الخالد .

وإن كان يا أخي الطيب : إن معرفة الأسماء الحسنى وشأن تجليها هو أشرف معرفة في الوجود وأعلاها، و فيها معرفة عظمة الله التي من عرفها عرف سبيل وصراط تجلي نورها المستقيم على روحه ومنها تشرق الكرامة للعبد ، لكن الله لم يطلب طلبه بالأسماء الحسنى فقط ليقرب منا ويُقربنا ، فهو القريب والمحيط والعالم والقاهر فوق عباده وهو الرب المربي والقيوم ويريد الكمال المطلق لعباده ، وخلقهم لغاية يوصلهم بها لنعمه التامة الكاملة التي لا تزول ، وإن كان بتجلي الأسماء الحسنى اللهية عليهم .

لكن أعلم يا مؤمن : إن تجلي الأسماء الحسنى ليس بالذكر وحده فقط بل سبحانه أختار أنبياء ورسل وقربهم وعلمهم ، وأنزل عليهم هدى ودين به يصلح عباده وبإطاعته يتنسمون السعادة فيصلون للكمال ، وإن كان أقوى أسبابه وروحه معارف الأسماء الحسنى ، ولكن أراد سبحانه تطبيق دينه كله وتعاليمه كلها ، ولم يرضى من عباده ذكره بالأسماء الحسنى وحدها لفظا بل طلب التحقق بها إيمانا وقولا وعملا حقا.

أي لكل تصرف من العبد : له نور خاص وبالخصوص العبادات التي شرفنا بها ، والتي منها الصلاة ، فيأتي بإتيان الصلاة نور الانتهاء عن الفحشاء والمنكر فضلا عن تحصيل الكمال بها ، وتحصيل بالزكاة طهارة المال وما يقوت به بدنه وعياله وكل ما يصرفه في سبيل راحته ، وأن لا يأخذه من الحرام أبدا فلا تقبل له زكاة ولا يطهر إلا بالخروج منه كله ، وهكذا البدن وقوته يصرف فيما يطاع به الله ويزكيه بالصيام وينفقه فيما يوصله لطاعته ، وهكذا العلم تعطى زكاته حين يوصل لإطاعة الله مباشرة أو بصورة غير مباشرة ، وهكذا كل تصرف حتى الجاه والوجاهة لا يطلب بها فخر وتكبر ، فحينها يقرب العبد من تجلي الأسماء الحسنى للكل عمل بما يناسبه فيتنور ، ولكن بعد تهيئة المحل روح أو بدن بالعلم والعمل ، وحتى الشهوات والراحة يجب أن تكون طيبة حلال طاهرة .

 ولذا الله تعالى لما قرب نبينا الكريم وآله الأقربين في نور كرامته واصطفاهم : لم يكن قرب مسافة ولا مادة ولا معنى مشاكله ولا مجانسة ولا مناسبة متصورة في المكان والزمان ، لأنه ليس كمثله شيء تعالى ولا قرابة بينه وبين أحد ، بل قربه منهم تكريمهم بنور تجلي الأسماء الحسنى لما علم حقائقهم الطاهرة فطهرهم تطهيرا تاما ، وقرب نبينا الكريم ، وقرب قرباه معه ، وجعل هداه عندهم بعده ، فجعلهم خير الوجود وكوثر فضائله ومناقبه ونور هداه وحُسنه وبهائه .

ولذا إن الله لما قرب نبينا : أمره بتقريب آله الأقربين ، والله أمرنا معرفة قربى النبي الحقيقيين الذين أمر بودهم فهو تعالى أول ما أمر بتبليغ الرسالة أمر نبينا الكريم أن يبلغ لقرباه أولاً فقال تعالى : ( ونذر عشيرتك الأقربين ) وبعد أن أختار منهم وزير وعضيد له وأقرب الناس رحما به وأقرب من ينصره منهم وبأقوى نور هدى وبدن منزل منه ، فبعد ذلك التأييد في اليوم المشهود أمره الله أن يصدع بما يؤمر ويبلغ الرسالة لقريش ولكل الناس ، راجع حديث الدار وآية الإنذار تعرف كيف جمع نبينا الكريم قرباه وأختار علي بن أبي طالب بأمر الله وزيرا له ووصيا وأنظر كتاب الغدير تجده ومصادر أحاديثه بأحلى معنى وتحقيق ، وأنظر صحيفة النبوة أو ذكر علي عبادة .

ولذا إن الله القريب : أكد على مودة قربى الدين أولا لنبينا الكريم عليهم السلام ، ومودة لقربى الرحم الخاص بكل إنسان ، وأمر بوصلهم والاتصال بهم ، وهو ما نقول بوجوب صلة الرحم ، والمؤمن مكلف لكي يقترب من الله عليه أن يوصلهم ويتقرب منهم حتى يحصل على تجلي أسم الله القريب فيقربه بقرب خاص بها بالإضافة لكل تعاليم الله التي يتقرب بها .

ولذا كان وصل القربى عند الله لأسمه القريب : منزلة خاصة فيها محبة ولها أثر مادي ومعنوي فإنه ورد يزيد الرزق والعمر ، وفي الأنبياء والأولياء يضيف لها ما يقربه لله ودينه وهداه ، ولذا جعل الله القريب هداه عند قربى النبي حسب ما عرفت في سورة المباهلة والكوثر والقربى والأقربين وصرف الأنفال والغنائم ، وقصة فدك مشهورة فإنها لفاطمة وأهل بيتها صلى الله عليهم وسلم ، وهم أقرب ممكن لنبينا محمد الكريم، ونسبهم معه يعرفه كل مسلم، وهم آله ونفسه في آية التطهير والكوثر والقربى والمباهلة ، بل وبسورة الحمد فاتحة الكتاب فهم المنعم عليهم بهدى الله في الإسلام .

 ولكن بعضهم عمي عن هذا المعنى : وغصب هذا الحق وقال لأقرب قريب للنبي الذي عنده هدى الله ، والذي من يريد الله أن يبدأ به ويأخذ منه تعاليمه بعد رسوله ما قال ، واسمع وقوله من كلام الإمام علي عليه السلام :

 ( وَقَالَ قَائِلٌ : إِنَّكَ يا بْنَ أبِي طَالِبٍ عَلَى هذَا الأمر لَحَرِيصٌ .

 فَقُلْتُ : بَلْ أَنْتُمْ وَالله أحْرَصُ وَأَبْعَدُ ، وَأَنَا أَخَصُّ وَأَقْرَبُ ، وَإِنَّمَا طَلَبْتُ حَقّاً لِي وَأَنْتُمْ تَحُولُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ ، وَتَضْرِبُونَ وَجْهِي دُونَهُ ، فَلَمَّا قَرَّعْتُهُ بِالْحُجَّةِ فِي الْملاءِ الْحَاضِرِينَ ؛ هَبَّ كَأَنَّهُ بُهِتَ لاَ يَدْرِي مَا يُجِيبُنِي بِهِ ! ) [4].

وهذا من كلام للإمام علي عليه السلام : في نهج البلاغة يبين أن هدى رسول الله وخلافته بالحق له ، وإن الإمامة كانت نصيبه حسب كل آيات القربى في القرآن فضلا عن آيات الولاية والإمامة فيه والتي عرفت بعضها ، وذلك لأنه هو أقرب إنسان بالنبي الكريم فضلاً عن كل ما له من المناقب والمآثر التي خصه الله بها . فإنه وإن كان وجب وصل القربى بصورة عامة ، لكن  الله القريب من حقائقنا والعارف بقوة إيماننا ، هو الذي قد خص قربى النبي وآله الكرام الطيبين الطاهرين بكثير من آيات وجوب الود والوصل لهم ، والتقرب منهم لأخذ دينه منهم ، وأوجب الصلاة عليهم والتسليم لهم وعليهم ، لما كانوا عليه من قوة الإيمان وأقرب الوجود لتجلي نور أسماءه الحسنى .

 وأعلم يا طيب : إن الله تعالى مع هذا الحب للقرب ممن أمر بودهم رحم أو أئمة هدى ، لكنه يقطع أحد النسبيين وهو النسب والقربى الدنيوية الرحمية فيكون في يوم القيامة لا أنساب بينهم ولا يتساءلون ، ويفر المرء من أمه وأبيه وصاحبته وبنيه، وفصيلته التي تؤويه يعني كل عشيرته وقرابته تقطع ولا ينصرونه .

وراجع صحيفة الإمام الحسين عليه السلام : الباب الثاني ترى شرحا كريما للحديث النبوي : كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي ، فنعرف إنه يبقى النسب الديني والاتصال بالقرب من النبي وآله ولا ينقطع ، لأنه قرب هدى وطاعة لله وقرب ولاية وإمامة ، وهذا الذي يجب أن يتبع ويتقرب به لله القريب تعالى لأنه هو الذي أمر بود قربى النبي كما سيأتي ذكر الآية، ويُقرب لله من يعرفه أكثر من غيره ويكون معه حب دين وإيمان , وأن الله القريب عرفنا حق هذه المعرفة لأئمة الهدى في ذلك اليوم العظيم ، ولذا قال تعالى يعبر عن حال الناس في يوم القيامة :

{ يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ

فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (71)

 وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيل}الإسراء72.

 ولذا على المؤمن : أن يعرف من هم أحق به بالقرابة الدينية والهدى فيتقرب منهم ويقتدي بهم ، أي إمامه ومن يحبه في الهدى الحق والذي تدوم قرابته وشفاعته ، وهذا هو المقرب التام لله القريب والرافع لمعرفته ، فيتبعه فيبقى في نور تجلي الأسماء الحسنى كلها بأعلى محل وقرب ، وبأعظم نور لشؤون تجليها بالنعيم التام ، فإن هذه المعرفة بالإمام الحق هو القرب الحقيقي الذي يوصل لله ، ويقربه له بكل أنواع التقريب دين وهدى ومعرفة بالله وبالأسماء الحسنى والصفات العليا له ، وكيف ذكره بها والتوسل بها له حسب الحال والزمان والمكان فيتجلى عليه نعيم وخير وبركة وهدى ، ومن لم يعرف إمامه زمانه مات ميته جاهلية وأعمى وأضل السبيل ، ومن عرف الإمام الحق وهو في قربى رسول الله صلى الله عليه بكل آيات القربى تقرب لله وكان له مقام محمود معهم ، ويرفعه ويقربه الله لنعيم الآخرة الدائم وليس فقط قرب دنيوي ، وتدبر ما يتلوه أهل المذهب الحق في دعاء الندبة الذي ينادى به إمام الحق والعصر والزمان الواجب على كل الناس طاعته ومعرفة والتقرب به إلى الله به وبكل قربى النبي الكريم :

( ... ... وَقُلْتَ : { اِنَّما يُريدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ اَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً } ثُمَّ جَعَلْتَ اَجْرَ محمد صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ مَوَدَّتَهُمْ في كِتابِكَ فَقُلْتَ : { قُلْ لا اَسْاَلُكُمْ عَلَيْهِ اَجْراً اِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبى } وَقُلْتَ: { ما سَألْتُكُمْ مِنْ اَجْر فَهُوَ لَكُمْ } وَقُلْتَ : { ما اَسْاَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ اَجْر الّا مَنْ شاءَ اَنْ يَتَّخِذَ اِلى رَبِّهِ سَبيل }  .

 فَكانُوا هُمُ السَّبيلَ اِلَيْكَ وَالْمَسْلَكَ اِلى رِضْوانِكَ ، فَلَمَّا انْقَضَتْ اَيّامُهُ اَقامَ وَلِيَّهُ عَلِيَّ بْنَ اَبي طالِب صَلَواتُكَ عَلَيْهِما وَآلِهِما هادِياً، اِذْ كانَ { هُوَ الْمُنْذِرَ وَلِكُلِّ قَوْم هاد }، فَقالَ وَالْمَلأُ اَمامَهُ :

مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاهُ ، اللهمَّ والِ مَنْ والاهُ وَعادِ مَنْ عاداهُ ، وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ، وَقالَ : مَنْ كُنْتُ اَنَا نَبِيَّهُ فَعَلِيٌّ اَميرُهُ ، وَقالَ : اَنَا وَعَلِيٌّ مِنْ شَجَرَة واحِدَة وَسائِرُ النَّاسِ مِنْ شَجَر شَتّى ، وَاَحَلَّهُ مَحَلَّ هارُونَ مِنْ مُوسى ، فَقال لَهُ : اَنْتَ مِنّي بِمَنْزِلَةِ هارُونَ مِنْ مُوسى الّا اَنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدي ، وَزَوَّجَهُ ابْنَتَهُ سَيِّدَةَ نِساءِ الْعالَمينَ ، وَاَحَلَّ لَهُ مِنْ مَسْجِدِهِ ما حَلَّ لَهُ ، وَسَدَّ الاَْبْوابَ اِلاّ بابَهُ .

 ثُمَّ اَوْدَعَهُ عِلْمَهُ وَحِكْمَتَهُ فَقالَ : اَنـَا مَدينَةُ الْعِلْمِ وَعَلِىٌّ بابُها ، فَمَنْ اَرادَ الْمَدينَةَ وَالْحِكْمَةَ فَلْيَاْتِها مِنْ بابِها ، ثُمَّ قالَ : اَنْتَ اَخي وَوَصِيّي وَوارِثي، لَحْمُكَ مِنْ لَحْمي وَدَمُكَ مِنْ دَمي ، وَسِلْمُكَ سِلْمي وَحَرْبُكَ حَرْبي ، وَالإيمانُ مُخالِطٌ لَحْمَكَ وَدَمَكَ كَما خالَطَ لَحْمي وَدَمي ، وَاَنْتَ غَداً عَلَى الْحَوْضِ خَليفَتي وَاَنْتَ تَقْضي دَيْني وَتُنْجِزُ عِداتي وَشيعَتُكَ عَلى مَنابِرَ مِنْ نور مُبْيَضَّةً وُجُوهُهُمْ حَوْلي فِي الْجَنَّةِ وَهُمْ جيراني ، وَلَوْلا اَنْتَ يا عَلِيُّ لَمْ يُعْرَفِ الْمُؤْمِنُونَ بَعْدي، وَكانَ بَعْدَهُ هُدىً مِنَ الضَّلالِ وَنوراً مِنَ الْعَمى، وَحَبْلَ الله الْمَتينَ وَصِراطَهُ الْمُسْتَقيمَ، لا يُسْبَقُ بِقَرابَةٍ في رَحِمٍ وَلا بِسابِقَةٍ في دينٍ، وَلا يُلْحَقُ في مَنْقَبَةٍ مِنْ مَناقِبِهِ، يَحْذُو حَذْوَ الرَّسُولِ صَلَّى الله عَلَيْهِما وَآلِهِما .... .إلى أخر الدعاء ) .

وبهذا تعرف حقائق دين الله وذكره كله ودعاه : وإنما طال البحث بهذا الاسم الحسن الحبيب القريب هو لنعرف كيف نعرف الله ونتقرب من فيضه وتجلي نعمه وكرامته حقا دائما ، لا قرب استدراج وإمهال دنيوي منقطع ، ولا بأي دين ومذهب نتعبد له تعالى ، ولا يكفي ذكر الأسماء الحسنى وحدها ، فأنظر القرآن الكريم كله وتعاليم الله فيه وما يوجب علينا معرفته من أئمة الحق ، لا من أئمة الضلال وأتباعهم .

 فالأسماء الحسنى وحده : لا تقرب له من دون علم بها ومعرفة بكيفية اتصافه بها ، وكيف كان تجليها وبمن حصل نورها الواسع المشرق بإذن الله وفضله وإحسانه ، وبدون معرفة الدين كله من المنعم عليهم لتعليم هدى الله الصادقين المطهرين الذي اصطفاهم الله وأختارهم هداة لدينه وأئمة حق لعباده المؤمنين فأمر بودهم الله القريب سبحانه ، ليقربنا منه فيحسن وجودنا ونزداد حسنات بالقرب منهم بكل ما ظهروا به فقال : { ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ الله عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ

 قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى

وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ الله غَفُورٌ شَكُورٌ } الشورى23.

فإن هذه الآية الكريمة القريبة من القلوب المحبة : فيها بيان عظيم في تجلي الله القريب سبحانه وظهوره بأمر عظيم كريم واسع قريب ، به قرّب للقلوب مودة قربى النبي، وصار معرفة هداهم وتعاليمهم ودينهم وسيرتهم وسلوكهم مقرب لله ومحبوب له وهو الذي أمر به وجعله أجرا لرسالة نبيه ، فإن مودة شيء توجب في الأول معرفته بكل خصائصه حتى يُحب ، والله أمر بمودتهم ليقربنا فيغفر ذنوبنا ويشكر سعينا .

ثم بعد المعرفة الصادقة بالله القريب : كما يريد وبما يُعلمه أولياء دينه الذين جعل مودتهم حسنة تغفر السيئات وتوجب شكر الله لأنه بها يُعرف توحيد الله القريب وهداه بما يحب. تأتي مرتبة الدعاء والذكر والأنس مع القريب بأسمائه الحسنى ، وتحلى مجالس ذكره فيجب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء حين ينادى بها ، فيجيب دعوة الداعي إذا دعاه ويتنزل نور الرحمة ونعيم الهدى والكرامة ، وهي بعد أن نعرف الله بحق المعرفة ثم معرفة الأسماء الحسنى المناسبة لحالنا والزمان والمكان المخصوص للدعاء.

فنعرف : دعاء الجوشن الكبير الذي فيه ألف اسم من أسماء الله الحسنى ، ويدعى به في ليالي القدر وفي مواطن كثيرة أخرى ، ودعاء المجير ، ودعاء كميل ، ودعاء عرفه ، وأدعية أويس القرني الذي علمها له الإمام علي وغيرها الكثير التي فيها آلاف من الأسماء الحسنى والصفات العليا الإلهية ، والتي نناجي بها الله ونتقرب له بها عن معرفة يقين وهدى صادق كما يريد سبحانه ، وبأحلى بيان وترتيب لها وأسلوب مؤثر .

 وقد حُرم من هذه المعرفة بالله الحقة الصادقة : وكما يريدها الله مَن لم يعرف مَن قربهم الله وجعل هداه عندهم ، وحُرم من معرفة كيف ينادى الله وكيف تتجلى عليه بالأسماء الحسنى ، وأبتعد عن فيض جمال الأسماء الحسنى وكل معارفها الحقة من لم يعرف قربى نبينا الذين قربهم له ليعرفوه للمؤمنين ويقربوهم منه بحق وصدق ، فيعرف دين الله الحق منهم بل معرفة عظمة الله الحقة كما يريد ، ولم يستطع أن يتقرب له تعالى بأدعية مقربه مثل أهل المذهب الحق أحد في كل الأديان والمذاهب إسلامية وغير إسلامية وقارن بين ذكر الطرفين وأدعيتهم وما يترنموا به من الأسماء الحسنى وترتيبها .

وأسأل الله القريب وأقرب من كل قريب : بحق من قربهم نبينا محمد وآله المعصومين صلى الله عليهم وسلم ، أن يقربني وإياكم منه ومن دينه المشرق نوره منهم ويصدقنا نية عبادته وإطاعته بمثل إخلاصهم، ومن كل نعيم وفضيلة وجاه ورزق حلال طيب خصهم به ، حتى نكون معهم في أقرب محل من فضل الله وكرمه لهم عند المقام المحمود، إنه قريب منا قيوم علينا وهو المجيب، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .


[1]الكافي ج1ص 86.

[2]نهج البلاغة ص89 خ49.

[3]نهج البلاغة خ163 ص284. وخ152ص260.

[4] نهج البلاغة ص303 خ172 يحكي به عن يوم الشورى.

 

   

أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.alanbare.com

يا طيب إلى أعلى مقام صفح عنا رب الإسلام بحق نبينا وآله عليهم السلام


يا طيب إلى فهرس صحيفة شرح الأسماء الحسنى رزقنا الله نورها