هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في  أصول الدين وسيرة المعصومين
صحيفة التوحيد الإلهي / الثانية / للكاملين / شرح الأسماء الحسنى الإلهية

الآخِرُ

النور السادس

الْآخِرُ : هو الباقي الذي لا شيء بعده ، وكل شيء هالك إلا هو ، فهو السرمد الذي لا يحد من الابتداء ولا من الانتهاء في الوجود ، وهو الباقي بعد فناء الأشياء ، كما إنه تعالى هو الخالق للزمان فلا يجري عليه ما هو أحدثه ، فهو الأول والأخر والظاهر والباطن في الوجود وحده لا شريك له وليس مثله شيء .

ومن تجلى عليه حقيقة نور الآخر : ظاهرا وباطنا خاصة ، يكون له كمال الهداية وتمام الدين كما كان لنبينا الكريم إذا جعله الله آخر الأنبياء وخاتم الرسل وآله أخر الأوصياء بعد أن تكامل البشر واستعدوا لأعلى هدى ، ومنع نور الآخر عن أعداهم فظهر عليهم بالقهر والحرمان فأخرهم عن نعيمه وهداه ، لأنهم بأنفسهم تأخروا عن الهدى ودين الله الحق بالتكبر على طاعة أولياء الله وما أوجب لهم من الحقوق .

والمؤمن : حين التعارض بين ما يراه من مصالحه يؤخر المصالح الدنيوية ويقدم مصالح الدين التي تمنحه النعيم الباقي ، ولذا يكون ثابت على الإيمان بالله وموحد له وراسخ في عقائد دينه التي تقربه لله ، لأنه يقدم الطاعة ويطلب الرزق الحلال الطيب ويؤخر الباطل والحرام والمعصية ولا يدخل بها أبداً ، كما يكون مدافع عن دينه ولا يتأخر عن نصر الحق ويؤخر كلمة الباطل حتى لا يفكر بها و لا يتبعها ، ومتيقن إنها متأخرة لا فضائل لها ولا تنفعه لا دنيا ولا أخره ، فيكون تحت حيطة اسم الله الآخر بالعدل والإحسان ، وبكل نعيم ظاهرا وباطنا بنحو الجمال والكمال الحسن المتجلي بالخير الدائم عليه ، ولا يظهر عليه بالجلال والشدة أبدا ولا يبطنها له أبدا .

ويا طيب : إن الله الآخر سبحانه آخريته تعالى لا على نحو الحد والنهايات وانقضاء الغايات ، بل هو وجود سرمد من الأول الأزلي القديم إلى الأخر الأبد الباقي حقا لا يحده شيء في الابتداء ولا الانتهاء لا أمد ولا حد ولا عد فضلا عن الفناء بل :

{ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ

وَالظاهر وَالباطن وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)} الحديد

ويا طيب : لكي نتدبر فنستوعب هذا المعنى بأحلى الكلام وأحسنه ، نذكر بعض أحاديث شريف عمن خصه الله بمعرفته وفضله :

قال أمير المؤمنين عليه السلام : وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ .

 الْأَوَّلُ : لَا شَيْ‏ءَ قَبْلَهُ ، وَ الْآخِرُ : لَا غَايَةَ لَهُ .

 لَا تَقَعُ الْأَوْهَامُ لَهُ عَلَى صِفَةٍ ، وَ لَا تُعْقَدُ الْقُلُوبُ مِنْهُ عَلَى كَيْفِيَّةٍ ، وَ لَا تَنَالُهُ التَّجْزِئَةُ وَ التَّبْعِيضُ ، وَ لَا تُحِيطُ بِهِ الْأَبْصَارُ وَ الْقُلُوبُ [4].

وقال عليه السلام : الْحَمْدُ لِلَّهِ الْأَوَّلِ : فَلَا شَيْ‏ءَ قَبْلَهُ ، وَ الْآخِرِ : فَلَا شَيْ‏ءَ بَعْدَهُ ، وَ الظاهر : فَلَا شَيْ‏ءَ فَوْقَهُ ، وَ الباطن : فَلَا شَيْ‏ءَ دُونَهُ [5].

وقال عليه السلام : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، الْأَوَّلِ : قَبْلَ كُلِّ أَوَّلٍ ، وَ الْآخِرِ : بَعْدَ كُلِّ آخِرٍ ، وَ بِأَوَّلِيَّتِهِ : وَجَبَ أَنْ لَا أَوَّلَ لَهُ ، وَ بِآخِرِيَّتِهِ : وَجَبَ أَنْ لَا آخِرَ لَهُ [6].

وعَنِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ قَالَ : خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام خُطْبَةً بَعْدَ الْعَصْرِ فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْ حُسْنِ صِفَتِهِ وَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَعْظِيمِ الله جَلَّ جلالهُ قَالَ : أَبُو إِسْحَاقَ فَقُلْتُ لِلْحَارِثِ : أَ وَ مَا حَفِظْتَهَا ؟ قَالَ : قَدْ كَتَبْتُهَا فَأَمْلَاهَا عَلَيْنَا مِنْ كِتَابِهِ :

 الْحَمْدُ لِلَّهِ : الَّذِي لَا يَمُوتُ ، وَ لَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ ، لِأَنَّهُ كُلَّ يَوْمٍ فِي شَأْنٍ : مِنْ إِحْدَاثِ بَدِيعٍ لَمْ يَكُنِ ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ فَيَكُونَ فِي الْعِزِّ مُشَارَكاً ، وَ لَمْ يُولَدْ فَيَكُونَ مَوْرُوثاً هَالِكاً ، وَ لَمْ تَقَعْ عَلَيْهِ الْأَوْهَامُ فَتُقَدِّرَهُ شَبَحاً مَاثِلًا ، وَ لَمْ تُدْرِكْهُ الْأَبْصَارُ فَيَكُونَ بَعْدَ انْتِقَالِهَا حَائِلًا ، الَّذِي لَيْسَتْ فِي أَوَّلِيَّتِهِ نِهَايَةٌ ، وَ لَا لآِخِرِيَّتِهِ : حَدٌّ وَ لَا غَايَةٌ ، الَّذِي لَمْ يَسْبِقْهُ وَقْتٌ ، وَ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ زَمَانٌ ، وَ لَا يَتَعَاوَرُهُ زِيَادَةٌ وَ لَا نُقْصَانٌ ، وَ لَا يُوصَفُ بِأَيْنٍ ، وَ لَا بِمَ ، وَ لَا مَكَانٍ ، الَّذِي بَطَنَ مِنْ خَفِيَّاتِ الْأُمُورِ [7]..

وعَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله عليه السلام عَنْ قَوْلِ الله عَزَّ وَ جَلَّ : هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ  ، وَ قُلْتُ : أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ عَرَفْنَاهُ وَ أَمَّا الْآخِرُ فَبَيِّنْ لَنَا تَفْسِيرَهُ ؟ فَقَالَ : إِنَّهُ لَيْسَ شَيْ‏ءٌ إِلَّا يَبِيدُ أَوْ يَتَغَيَّرُ ، أَوْ يَدْخُلُهُ التَّغَيُّرُ وَ الزَّوَالُ ، أَوْ يَنْتَقِلُ مِنْ لَوْنٍ إِلَى لَوْنٍ ، وَ مِنْ هَيْئَةٍ إِلَى هَيْئَةٍ ، وَ مِنْ صِفَةٍ إِلَى صِفَةٍ ، وَ مِنْ زِيَادَةٍ إِلَى نُقْصَانٍ ، وَ مِنْ نُقْصَانٍ إِلَى زِيَادَةٍ ، إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَزَلْ وَ لَا يَزَالُ بِحَالَةٍ وَاحِدَةٍ ، هُوَ الْأَوَّلُ قَبْلَ كُلِّ شَيْ‏ءٍ ، وَ هُوَ الْآخِرُ عَلَى مَا لَمْ يَزَلْ ، وَ لَا تَخْتَلِفُ عَلَيْهِ الصِّفَاتُ وَ الْأَسْمَاءُ ، كَمَا تَخْتَلِفُ عَلَى غَيْرِهِ ، مِثْلُ الْإِنْسَانِ الَّذِي يَكُونُ تُرَاباً مَرَّةً ، وَ مَرَّةً لَحْماً وَ دَماً ، وَ مَرَّةً رُفَاتاً وَ رَمِيماً ، وَ كَالْبُسْرِ الَّذِي يَكُونُ مَرَّةً بَلَحاً وَ مَرَّةً بُسْراً وَ مَرَّةً رُطَباً وَ مَرَّةً تَمْراً ، فَتَتَبَدَّلُ عَلَيْهِ الْأَسْمَاءُ وَ الصِّفَاتُ وَ الله جَلَّ وَ عَزَّ بِخِلَافِ ذَلِكَ [8].

عَنْ مَيْمُونٍ الْبَانِ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله عليه السلام وَ قَدْ سُئِلَ عَنِ الْأَوَّلِ وَ الْآخِرِ ؟ فَقَالَ : الْأَوَّلُ : لَا عَنْ أَوَّلٍ قَبْلَهُ ، وَ لَا عَنْ بَدْءٍ سَبَقَهُ .

 وَ الْآخِرُ : لَا عَنْ نِهَايَةٍ كَمَا يُعْقَلُ مِنْ صِفَةِ الْمَخْلُوقِينَ ، وَ لَكِنْ قَدِيمٌ : أَوَّلٌ آخِرٌ ، لَمْ يَزَلْ وَ لَا يَزُولُ ، بِلَا بَدْءٍ وَ لَا نِهَايَةٍ ، لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الْحُدُوثُ ، وَ لَا يَحُولُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ ، خَالِقُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ [9].

وإما الآخرة : وظهور نور الله في آخر مراتب الخلق بالنسبة لنا ، وإن كان ظهور أبدي ولكنه ظهور آخر لم يكن فيه عمل لبني البشر ، وفيه ظهور عظمة نور الأسماء الحسنى بكل جمال للمؤمنين فيملك نعيم لكل مؤمن فوق حد التصور ولا ينغصه شيء بل كله فرح وسرور وفضل ورحمة في نور المقامة في الكرامة وفي أحلى الحور القصور مع الولدان المخلدين ويسقون رحيقا مختوما ، كما للكافرين تظهر صفات وأسماء الجلال بكل عظمة وقهر وغلبة فتمنع كل بركة وبر عن المجرمين والكفار والمعاندين ومن ماثلهم فيحترقون بنار تشوي الوجوه تحرقهم في كل لحظة والعياذ بالله منهم .

وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام : إن الدنيا و الآخرة عدوان متفاوتان ، و سبيلان مختلفان ، فمن أحب الدنيا و تولاها ، أبغض الآخرة و عاداها .

 و هما بمنزلة المشرق و المغرب ، و ماش بينهما : فلكما قرب من واحد بعد من الآخر ، و هما بعد ضرتان[10] .

وسيأتي : إن شاء الله بعض البيان لملك المؤمن في الآخرة في شرح الأسماء الحسنى الأخيرة من هذا الحديث أي أسم الله : العظيم واللطيف والشافي ، فراجع .

وأتحفك يا طيب : : بحديث في فضائل مولى الموحدين الذي عرفت بعض كلامه المعرف لنا معنى الأول والآخر ، وتجليها في أفضل تكوين مخلوق لله بعد نبي الرحمة ، ووضعنا الحديث هنا بعد إن عرفنا كلامه ، وإنه حتى في الآخرة هو الأول .

فعن إبراهيم بن أبي محمود ، عن علي بن موسى الرضا ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

 يا علي : أنت المظلوم من بعدي ، فويل لمن ظلمك و اعتدى عليك ، و طوبى لمن تبعك و لم يختر عليك . يا علي : أنت المقاتل بعدي فويل لمن قاتلك ، و طوبى لمن قاتل معك . يا علي : أنت الذي تنطق بكلامي ، و تتكلم بلساني بعدي ، فويل لمن رد عليك ، و طوبى لمن قبل كلامك . يا علي : أنت سيد هذه الأمة بعدي ، و أنت إمامها و خليفتي عليها ، من فارقك فارقني يوم القيامة ، و من كان معك كان معي يوم القيامة .

يا علي : أنت أول : من آمن بي و صدقني .

و أنت أول : من أعانني على أمري و جاهد معي عدوي .

و أنت أول : من صلى معي و الناس يومئذ في غفلة الجهالة .

يا علي : أنت أول : من تنشق عنه الأرض معي .

و أنت أول : من يحوز الصراط معي ، و إن ربي عز و جل أقسم بعزته أنه لا يجوز عقبة الصراط ، إلا من معه براءة بولايتك و ولاية الأئمة من ولدك .

و أنت أول : من يرد حوضي تسقي منه أولياءك و تذود عنه أعداءك ، و أنت صاحبي إذا قمت المقام المحمود تشفع لمحبينا فتشفع فيهم .

و أنت أول : من يدخل الجنة و بيدك لوائي ، و هو لواء الحمد ، و هو سبعون شقة ، الشقة منه أوسع من الشمس و القمر .

و أنت : صاحب شجرة طوبى في الجنة ، أصلها في دارك ، و أغصانها في دور شيعتك و محبيك [11].

يا أول : قبل كل شيء ولا قبل له ، ويا آخر : بعد كل شيء ولا بعد له ، يا من ليس لآخره فناء ، يا أول الأولين ويا آخر الآخرين ، يا ولي الأولياء و يا جبار الجبابرة ، ويا إله الأولين و الآخرين ، أنت خلقتني و لم أك شيئا و أنت أمرتني بالطاعة ، فأطعت سيدي جهدي ، فإن كنت توانيت أو أخطأت أو نسيت ، فتفضل علي سيدي و لا تقطع رجائي ، و امنن علي بالجنة ، و اجمع بيني و بين نبي الرحمة ، محمد بن عبد الله وآله الطيبين الطاهرين وصل اللهم عليه وآله ، و اغفر لي إنك أنت التواب الرحيم ، وأنت الأول الأخر وأنت الظاهر والباطن وأنت بكل شيء عليم ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .

 

[4] نهج ‏البلاغة صفحة85خطبة115.

[5] نهج ‏البلاغة ص140 .

[6] نهج ‏البلاغة ص101خ146 .

[7] الكافي ص141ج1ح7 .

[8] الكافي ص115ج1ح5 .

[9] الكافي ص116ج1ح6

[10] غرر الحكم  ص140ح 2476.

[11] عيون‏ أخبار الرضا عليه السلام ص303ب1ح63.

 

   

أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.alanbare.com

يا طيب إلى أعلى مقام صفح عنا رب الإسلام بحق نبينا وآله عليهم السلام


يا طيب إلى فهرس صحيفة شرح الأسماء الحسنى رزقنا الله نورها