هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في  أصول الدين وسيرة المعصومين
صحيفة التوحيد الإلهي / الثانية / للكاملين / شرح الأسماء الحسنى الإلهية

النور

النور الثامن والسبعون

النور : حقيقة وجودية لشيء ظاهر بنفسه ومظهر لغيره ، وفي الغالب المتبادر منه هو ما يشع بالضوء المادي الذي تتخل أشعته الهواء والأجسام الشفافة فينفذ فيها وله انعكاس عن الأجسام ، والمعروف منه في هذه الدنيا نور الشمس والقمر والبرق والمصباح والأشعة وغيره من الأمور المنيرة ، والحق هو حقيقة الوجود وعين الواقع .

والله تعالى هو النور الحق : لأنه هو الظاهر بنفسه والمظهر لغيره ، وكل شيء من تجلي نور الأسماء الحسنى والصفات العليا تكوّن في الوجود ، وهذا المعنى بقيد يشع منه ضياء مادي ذو أشعة يحملها ما يتخلل الهواء أو ينعكس لا ينفذ ، فهذا معنى لا يصدق على الله تعالى ، فإن للنور معنى واسع غير مادي ولا فيه مواصفات المادة ولا يحتاج لوجود هواء وناقل ومشع وقابل مادي موجود مسبق فيرى ويظهر .

 بل هناك معنى للنور أعظم ومن غير القيد المذكور ، بل لكونه حقيقة الوجود الظاهر بنفسه والمظهر لغيره . فالله النور الحق : لأنه النور الموجود الذي له مطلق الكمال والبهاء والجمال والتمام ، بما لا يوصف ولا يتناهى ، وهو الظاهر بنفسه سبحانه ومُظهر لكل ظاهر ومخلوق بكل حال وصفة وفعل له .

فالله تعالى هو النور : وموجد كل نور وجودي بعد إن لم يكن ، سواء كان نور مادي أو أعلى من المادة ومواصفاتها في وجوده وذاته ، بل لكون الشيء ظاهر في الوجود فهو إشراق وتجلي نور الأسماء الحسنى والصفات العليا وظهور كمالها في الوجود ، وخلق الله واسع ليس محصور بعالمنا المادي المشهود ، بل النفس ومرتبتها العالية الروح والعقل ، وهي نور ليست مادية ، والعلم نور وهو ليس بمادي ، وهدى الله نور وليس بمادي ، بل أتمه يقذف في القلب فيتوله لطلب خالقه وإقامة العبودية له والإخلاص له ، وعن يقين بأنه هو وحده الخالق له ولكل شيء في الوجود ، فيحب شكره وطاعته والتوجه له ليستزاد من نور كماله وجماله .

فالله تعالى هو النور الحق : والوجود المطلق الذي منه كل وجود نور مادي ، وغير مادي في العوالم العلوية للجبروت والملكوت والشهادة ، بل خلق الله الأول نور مطلق ، وهو من مرتبة العقل الذي لا كثرة فيه ، وبه تجلى بمراتب الوجود الأخرى ، فهو تعالى نور خالق لكل نور ظاهر بنفسه فكان حقيقة كونية وجودية ويدل عليه .

 ولا نور في الوجود بأي معنى كان : إلا هو ظهور لنور تجلي الأسماء الحسنى والصفات العليا الإلهية وبحسب شأنه ومرتبته ، وإما النور الذي هو وجود مخصوص فهو يضيء مع أشعه فيظهر نفسه وغيره ، وهو من خلق الله وليس كل معنى النور وفرده الوحيد ، وإن كان أنسنا بالمادة شديد ، ولا يتبادر لذهننا غيره ، ولكن معرفة الله وخلقة معرفة عالية ، متجردة عن المادة والماديات وهيئتها .

 فالنور الحقيقي هو نور الله تعالى : والذي هو نور السماوات والأرض وما فيهما أي موجدهما وموجد كل شيء فيهما ، ومنعم عليه نعم لا تحصى ، ويقويه ويمده بنور مناسب من كمال الأسماء الحسنى حتى يوصله لغايته وشأنه .

فالله تعالى هو النور : ونور النور ومنور النور وموجد النور ، وجاعله ضياء ووجود وعلم ونفس وروح وإيمان وهدى وكتاب ورسول كريم ونبي مطاع وسراج منير ، وكل نور فهو منه تعالى رب النور وخالق النور لا إله إلا هو وحده لا شريك له الوتر النور الوهاب لكل نور .

وإذا تجلى الله النور بحقيقة اسمه النور على أحد من خلقه وعباده : كان كل وجوده نور من غير نقص عدم وظلمات جهل ، بل لا يحد بعلم وفهم فيعاديه من جهله ، ويحبه من توجه لعظمته فعرف بعض شأنه في عالم الشهادة المادي ، بل يرفعه رب النور بمعنى يشرق منه ومن آله نور الله كما في آيات النور وما بعدها من آيات البيوت المرفوعة ، فيجعله يشع النور وهو ذكر الله وتعليم عبادته وطاعته وهداه حتى يكون بشيرا ونذيرا وسراجا منيرا ، بل يكون هو مصباح نور الله ، وآله الكرام زجاجة تحف به يشعون نور الله وينشروه في الوجود ، ولا نور كمال حق ونعيم واقعي ، إلا ما يأتي من نورهم في عالم الإمكان وكل نعيم هدى لإنسان ، فيكون الإنسان لكي يتصف بالنور حقيقة لابد أن يقتبس نورهم الذي نورهم الله به حتى أكمل وجودهم وجعلهم يشعون نوره هدى دين ويشرقون به علم معارف رب العالمين الحقيقة ، لأنك عرفت إن العلم والهدى والإيمان من المراتب العالية لحقيقة لنور الله تعالى ، وهو نور الكمال الحقيقي للنفس وجمال وجودها عند الله وميزان رقيها في عالم الملكوت بل هو حقيقتها وبشدة تعظم وتكبر وتترقى في مراتب النور ودرجاته .

فالله النور الحق : خلق الوجود نورا وأظهره بكل كمال ونعيم له ، فكان وجوده نور وهداه : هدى تكوين وهو نور ، وهدى تشرعي لمن كان قابل للهدى التشريعي وهو نور ، وهو كتاب منير وهو كلام رب النور ، وكل كلام أنزله على الأمم السابقة هو نور ما لم يُحرف فجعله المحدود وجودهم ظلام وجهل لأنه ليس كلام رب النور ، وهكذا كان الأنبياء السابقين على نبينا الكريم نور ، ولكن أكمل تجلي لنور الله العظيم هو ما كان لخاتم النور والمتجلي بنور الله كله إلى أخر الزمان هو نبينا الكريم وآله معه ، فمن طلب نور الله وهداه وعلم الله ومعرفته التي تنور القلوب فهو حصل على نور الله ، ومن لم يطلب نور الله منهم فلا نور له ، بل هو في ظلمات تعاليم أئمة الكفر ، وقد أظلم وجود من تحقق به وتصاغر بما علموه وبعبادته بها لمن عبد وعن الله الحق أبعدوه ، فكان ظلمات بعضها فوق بعض ، ولم يطلب الله رب النور كما علمه وهداه وبما أراد منه أن يتنور بنوره .

ولتعرف هذا المعنى تدبر بآيات الله الوتر النور وواهب النور الواسع لمن يشاء من عباده المكرمين إذ قال سبحانه وتعال رب النور المشرق نوره أبدا :

{ الله نور السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ  مَثَلُ نورهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ : الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لاَ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نور عَلَى نور   يَهْدِي الله لِنورهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ الله الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)

فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمْ الله أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالله يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }النور38.

وهذا القسم من آيات النور والبيوت المرفوعة : لا ينطبق تجلي نور الله فيها إلا على نبينا الكريم محمد وأهل نبينا وآله الطيبين الطاهرين ، وقد شرحناها بما لا مزيد عليه في صحيفة الإمام الحسين عليه السلام فراجعها في موسوعة صحف الطيبين لخادم علوم آل محمد عليهم السلام وكذا راجع صحيفة فاطمة الزهراء عليه السلام .

 بل تدبر بما ذكرن : ترى إن البيت المرفوع والذي يشع نور ذكر الله تعالى ولهم أحسن جزاء وفضل الله الأعظم الذي أوترهم بالصفات والأفعال والعلم والتعليم عن الناس كلهم ، وأفردهم فجعل هداه ودينه وصراطه المستقيم عندهم ، ومن أطاعهم أطاعه ومن تبعهم هُدي لدين الله ، وإن كان الله هو الهادي لدينه تعالى ، ولكنه بهم لأنه لا يباشر الناس في الدنيا ولا بالآخرة ، وإنما يختار من عباده من يخصهم ويفردهم بخصائص يكون دينه دينهم وطاعتهم طاعته ، ومن تولاهم تولى الله وعرف نوره وظهر عليه نور الله بالهدى التكويني والتشريعي على الحقيقية . ويكون مَن خالفهم يكون خالف الله وضل عن نور هداه وأظلم وجوده وضاق عن تجلي الأسماء الحسنى الجمالية وكان كما قال الله تعالى في الآيات بعد الآيات السابقة :

{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ الله عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَالله سَرِيعُ الْحِسَابِ (39)

أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا

وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ الله لَهُ نورا فَمَا لَهُ مِنْ نور }النور40 .

والعياذ بالله : من أن يترك العبد من أفردهم الله برفع ذكره والتطهير والتصديق وإشراق النور والهدى وهم نبينا محمد وأهل بيته الكرم ، ويكون في ظلمات يمتابعة أعدائهم ومن قاتلهم وسار في ركاب أعداء الله تعالى . وراجع صحيفة الإمام الحسين عليه من موسوعة صحف الطيبين تتطيب بنور الحق حقا.

والمؤمن : نور بوجوده وصفاته وأفعاله وأخلاقه سيرته وسلوكه ، لأنه في طاعة الله تعالى كما يحب ويرضى ووفق نوره الذي يشرق من أصحاب الصراط المستقيم والسراج المنير وزجاجة المصباح الذين يمدهم الله بنوره ورفعهم بذكره .

وإلا من لم يطلب نور الله الصادق : فهو وإن سمي مسلما و له ما على المسلمين وله ما لهم في الدنيا ، إن كان مستضعف ولم يميز الحق من الباطل فهو موكول لأمر الله الحق الصادق في يوم القيامة . وحسب حاله إما ينوره ويجعله مع أهل النور إن قبله بعد تعريفه لهم ، وإما إن عاند أو كان في الدنيا معاند ولا يحب حب حقيقي للمشرقين بنور الله فلا نور له دنيا وآخرة وهو بيده ألقى نفسه  في الظلمات ، والعياذ بالله من إنسان لا يجد ولا يجتهد ليعرف محل نور الله وهداه الحق الصادق فيأخذه منهم ويطلب من الله النور أن يهديه لصراطهم المستقيم حيث أنعم عليهم بنوره سبحانه ، وهو تعالى يأمرنا في كل يوم في الصلاة بقراءة الفاتحة ليهدينا لأهل نوره المنعم عليهم ، لأنك عرفت إن هدى الله نور والنبي وآله نور والقرآن المجيد نور ، فأسأل الله رب النور أن ينورنا بنوره وهداه ويجعل عبادتنا وطاعتنا له مخلصة له ونور لا ظلمات تحفها ، بل يجعلنا نعلم النور وننشره ونتجلى به ، بل يرفعنا في عالم النور والملكوت ويجعل أرواحنا معلقة في أعلى مراتب النور مع من نورهم إنه هو رب النور الوتر الوهاب الناصر الواسع .

 

   

أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.alanbare.com

يا طيب إلى أعلى مقام صفح عنا رب الإسلام بحق نبينا وآله عليهم السلام


يا طيب إلى فهرس صحيفة شرح الأسماء الحسنى رزقنا الله نورها