هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في  أصول الدين وسيرة المعصومين
صحيفة التوحيد الإلهي / الثانية للكاملين / شرح الأسماء الحسنى الإلهية

الباب الأول

معارف عامة في الأسماء الحسنى والصفات العليا الإلهية
ومراتب ظهورها وسعتها وحيطتها وعددها ومجالي نورها

 

إشراق يتقدم :

 يُذكرنا وينورنا بحوث الأسماء الحسنى وشرحها :

يا طيب : بعد أن عرفنا في صحف التوحيد السابقة الجزء الأول من صحيفة الكاملين خير معرفة في الوجود ، وهي التي يتوق لها كل متدين ومؤمن ، ويأنس بها كل طيب ومنصف ، وهي قد نورتنا إن شاء الله بيقين الإيمان بالله تعالى وتوحيده ، وبكل معارف مراتب التوحيد وأنواعه ، وبها عرفنا كيف نصف الذات المقدسة الإلهية بصفات الذات وأسماءها وحسب شأنه العظيم تعالى في توحيده بالوحدة المصداقية ومع القول بتعدد المفهوم ، وعرفنا صفات الأفعال المنتزعة من مقام فعله سبحانه وتعالى وزيادتها على الذات .

فقد عرفنا يا طيب : معرفة جميلة وميسرة في رتب الأسماء الحسنى في الظهور والبطون والإحاطة ، وتعاليم عامة حسنة حولها والسعة فيها، وما المراد من جمالها وجلالها ، ومعاني كريمة في وصفه تعالى بها ، وإشارات بهية لتجليها وكيفية ظهورها والتنور بنورها وغيرها من المعارف .

 فعرفنا يا أخي في الإيمان : بعض أمهات الأسماء الحسنى ، وما يتفرع عليها من الأسماء والصفات الإلهية المحاطة بها ، وكيف ترجع لها وتدخل في معناها وتظهر في تجليها مع ما لها من الخصوصية ، وبالخصوص في أنوار شرح الأسماء الحسنى هناك ، حيث عرفنا إن كل اسم من أسماء الله الحسنى ، يتجلى منه ما يُظهره بخصوصيته المعينة , أي كالعليم الذي يظهر في معنى السميع والبصير والحكيم والخبير والحفي وغيرها ولو كان البحث بنحو الإجمال ، فمن طلب المزيد فعليه مراجعة ما نكتبه هنا في هذا الباب ، وفي مواضيع شرح نفس الأسماء الحسنى لكل منها ، أو ما يأتي في صحيفة العارفين من معارف أخرى فيها فإنها متخصصة في هذا البحث .

وقد حانت الآن يا طيب : معرفة أخرى أوسع في معاني الأسماء الحسنى سواء في رتبة ظهورها ، أو في المعارف العامة من عددها وسعتها وإحاطتها وتسمياتها الجمالية والجلالية ، أو ما سيأتي في الباب الآتي من شرح معاني وإشراق وظهور الأسماء الحسنى في نفس وجودها ، أو الكون وتحلي الوجود بها وتحقق أنوراها في مصاديق التكوين العام أو الخاص الخاص أو الخاص .

فنتعرف هنا : في هذا الجزء من صحيفة الكاملين على غاية المعرفة بعد الإيمان بالله تعالى وتوحيده ، وهي تطبيق علمي وعملي إن شاء الله لمعرفة نفس الأسماء الحسنى والصفات العليا الإلهية والاتصاف بها سوءا له تعالى أو ظهور نورها في التكوين ، وذلك بشرحها شرح مختصر لكل اسم من الأسماء الحسنى والصفات العليا بحالة ، وكيف تجليه بالتجلي العام ثم بالتجلي الخاص وظهوره في الكون وأهم الكائنات ، ونتبعه بما يجب أن يكون عليه المؤمن في التوجه له وطلب فيضه وتجليه عليه ليظهر منه خيره وبركاته ونور هداه ومعرفته علما وعملاً وخلقاً وخُلقاً وسيرة وسلوكا وصفة .

وقبل أن ندخل يا أخي : في بيان نور ظهورها وتفسير تجليها بشرح كل اسم خاص في نوره، نذكر يا طيب : في هذا الباب أذكار نور تشرق علينا هداها :

الذكر الأول : يهدينا معرفة مراتب الأسماء الحسن في المراتب العالية وفي تجليها في التكوين وهو قريب مما عرفنا في الجزء السابق من معرفة مراتب التوحيد أو ظهورها في مراتبها العالية والنازلة ، ونذكر الآيات والروايات الذاكرة لها والحديث الذي نروم شرحه هنا .

 وأما الذكر الثاني : فهو يعرفنا أمورا عامة في الأسماء الحسنى من خلال نسبتها لأنفسها وللذات وترتب الإحاطة والظهور بها ، أو بطونها في عين ظهورها ، أو معارف الجمال والجلال وتقسيمات أخرى لها .

وأسأل الله تعالى لي ولكم يا طيب : أن يلهمنا لصواب من معارفه ، والتي فيها عين التوحيد الإلهي وقمة معارفه وأس الإيمان وأصل العبودية والطلب من شؤون العظمة الإلهية ، وحتى ليحققنا بكرمه تحققا نورانيا وجوديا ، إنه ولي التوفيق وهو أرحم الراحمين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين  .

 

 

الذكر الأول

مراتب معرفة الأسماء الحسنى والصفات العليا الإلهية

 

النور الأول

حقائق الإيمان الحق لمعاني التوحيد الإلهي بالأسماء والصفات الذاتية

 

الإشراق الأول : حقائق نور الإيمان في التوحيد الذاتي وصفاته :

يا طيب : عرفنا بعض البيان لكيفية وصف الذات المقدسة بالأسماء الحسنى الذاتية في الجزء الأول من صحيفة التوحيد للكاملين ، وكيف يجب علينا الإيمان والاعتقاد باتصاف الذات المقدسة بها ، ونذكرها هنا بعبارة أوسع لترسخ معرفتها في النفس ، وليثبت إيماننا بالتوحيد الإلهي الحق حتى اليقين إن شاء الله ، ولكون هذه المعرفة هي معرفة أصل الإيمان ، وبها تتم معرفتنا لربنا عز وجل بما له من بعض شؤون العظمة والكبرياء على قدر وسعنا ، والتي أمرنا سبحانه بمعرفتها وتسبيحه وذكره بها كثيرا وبكرة وأصيلا .

فإنه يا أخي : يجب علينا الإيمان بأن صفات الله تعالى ، هي عين ذاته المقدسة من غير تكثر في المصداق ، وإن تكثر مفهومها ومعناها ، وكما عرفنا في التوحيد الصفاتي .

والذي كان خلاصته : إن حقائق أسماء الله وصفاته الذاتية هي عين ذاته المقدسة ، وغير زائدة عليه في الوجود أبدا ، وإن وجوده سبحانه صرف البساطة المحضة مع كل كمال وجمال وجلال له في عين الذات المقدسة وفي واقع الحق الأزلي الأبدي تعالى ، والذي نعبر عن معناه وحقيقته الواقعية الخارجية التي هي أس الوجود وعلة العلل وأول الأسباب، بالأسماء الحسنى والصفات العليا الذاتية.

فهو تعالى : وجود واحد أحد ، لا يتكرر ولا يثنى ، لا بذاته ، ولا بإضافة كمالاته له ، ولا هو لها ، ولا بخارج عنه من فعله وتجلي نوره ، وكل ما فرض غيره عاد وجوده إليه وهو أصله ، ومنه تجلى ، فلا غيره مستقل عنه ، بل كل شيء مقهور له وخاضعا لمالكيته وقيوميته وربوبيته تعالى خلقا وتدبيرا .

 وكذلك يجب الإيمان والاعتقاد : بأن الأسماء الحسنى والصفات العليا الإلهية الذاتية هي عين بعضها البعض أيضاً في المصداق الوجودي وعلى نحو البساطة ، ومن غير تركيب وزيادة على الذات المقدسة ، ولا زيادة في وجودها على بعضها ولا على الذات المقدسة ، فهي عين بعضها البعض في الحقيقة وهي عين الذات المقدسة وغير زائدة عليها حتما أبدا وأزلا .

فالله سبحانه وتعالى : عليم في عين هو قادر ، وبنفس وجود الذات المقدسة ، وبعين إنه تعالى حي وغني وأزلي وباقي ، فإن الذات المقدسة وكل ما تعبر عنه الأسماء الحسنى من الكمالات وجود واحد أحد بسيط مقدس له كل كمال ، وله كل الأسماء الحسنى في ذات واحدة بسيطة الوجود ، ومن غير تركيب ، وليس له لا أجزاء ذاتية ولا خارجية ، وهذا هو معنى نفي الصفات عنها ، أي نفي صفات زائدة عن الذات المقدسة ، وإن كانت حاوية لكل كمال وجمال وتتصف بالأسماء الحسنى بنفس وجودها .

ولكن مع كون الأسماء الحسنى : نفس وجود الذات البسيطة التي لها الكمال المطلق ، فإن الأسماء الحسنى كثيرة بحسب المنطوق والمعنى فقط ، حيث نفهم من معنى الحي غير ما نفهم من معنى العليم ، وغير ما نفهمه من معنى القادر ، وهكذا نفهم من كل اسم معنى غير ما نفهمه من الاسم الأخر .

فتحصل يا أخي : إن الإيمان الحق في توحيد الله تعالى وفي صفاته ، هو أن والوجود المقدس الأول سبحانه هو واحد أحد صمد بسيط في ذاته تعالى ، وغير مركب من أجزاء ، ولا يناله التحليل ، ولا التركيب ولا التبعيض ، ومع ذلك يحتوي في وجوده جميع المعاني للأسماء الحسنى والصفات العليا الذاتية في ذلك الوجود المقدس الأوحدي البسيط التام الكمال ، وبأعلى عظمة وكبرياء ، وفوق حد التصور والوهم وحتى العقل ولا يحاط به علما أصلا وأبدا ، وإن عرفت أنه لم يحجب واجبة معرفته مما عرفنا من شأن عظمته مما له من الأسماء الحسنى والصفات العليا ومن تجليها الظاهر في كل شيء في الوجود .

نعم يا أخي : مع كون وجود الأسماء الحسنى نفس وجود الذات المقدسة وجودا من غير أن تكون زائدة عليه سبحانه وتعالى ، فإن الأسماء الحسنى من ناحية الفهم والمعنى مختلفة المعنى من غير تكثر في الوجود ، هذا في وصف الذات المقدسة بالأسماء الحسنى الذاتية ، وسيأتي كيفية اتصاف الذات المقدسة بصفات الأفعال وهي في الحقيقة منتسبة ونسبية لها لا صفة حقيقية ذاتية ، فتدبر ما يأتي .

 

الإشراق الثاني :

 تحذير من الضلال في توحيد صفات الذات المقدسة :

ومن قال  :  بأن أسماء الله الحسنى غير الذات المقدسة وهي كثيرة .

وقال : إن كمال الذات غير الذات المقدسة .

فقال : إن الأسماء الحسنى زائدة على الذات ، وهي غير الذات المقدسة ، ولها وجودا آخرا ، أو هي غير بعضها البعض .

فهو يقول : بتعدد المصداق ، وجودا للذات المقدسة ، ووجود للأسماء الحسنى كما تعدد مفهومها ، فقد تعدد ربه وإلهه ، وهو شرك صريح ، وسبحان الله وتعالى عن ذلك علواً كبيرا ، وهذا قول الأشاعرة .

 

وكذلك يشرك بالله تعالى : مَن ينفي الصفات والأسماء الحسنى عن الذات المقدسة . وإن الذات المقدسة : في وجودها غير حاوية لشيء من معنى الأسماء الحسنى ، وهي خالية من كمالها المطلق .

فينفي عن الذات المقدسة : جميع أنواع الكمال والجمال والجلال ، الذي لا يرضى العاقل أن يسلب عن أقل المخلوقات ، فضلاً عن خالقها والمتجلي في كل الوجود بها ، وهل يقبل أحد إن كان عاقلا : أن يسلب عنه العلم والقدرة والحياة والحكمة والخبرة والعز ، وغيرها من صفات الكمال ، فكيف يسلبها عن الله تعالى ، وهذا قول المعتزلة .

 

 

 

الإشراق الثالث :

الإيمان الحق في نفي الصفات الإلهية وثبوتها :

يا طيب : إن الإيمان الحق في المعرفة للأسماء الحسنى الإلهية وكيفية وصف الذات المقدسة بها : هو إن النفي للصفات عن الذات المقدسة ؛ هو نفي الصفات الزائدة عن الذات ، لا نفي الصفات عن حاق الذات المقدسة وإنه في واقعها إنه ليس لها حقيقة كمالها في عين بساطتها ذاتا ، ولا إنه سلبها عن وحدتها مصداقا ، ويجب أن تكون المعرفة حسب ما قال الإمام علي عليه السلام وبالشرح الآتي وبما عرفت ، قال عليه السلام :

أَوَّلُ الدِّينِ : مَعْرِفَتُهُ ، وَكمالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْديقُ بِهِ ، وَكمالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُهُ ، وَكمالُ تَوْحِيدِهِ الاِِْخْلاصُ لَهُ .

وَكمالُ الاِِْخْلاصِ لَهُ : نَفْيُ الصفاتِ عَنْهُ ، لِشَهَادَةِ كُلِّ صِفَةٍ أَنَّها غَيْرُ المَوْصُوفِ ، وَشَهَادَةِ كُلِّ مَوْصُوفٍ أَنَّهُ غَيْرُ الصِّفَةِ .

 فَمَنْ وَصَفَ اللهَ سبحانهُ : فَقَدْ قَرَنَهُ ، وَمَنْ قَرَنَهُ فَقَدْ ثَنَّاهُ ، وَمَنْ ثَنَّاهُ فَقَد جَزَّأَهُ ، وَمَنْ جَزَّأَهُ فَقَدْ جَهِلَهُ ، [وَمَنْ جَهِلَهُ فَقَدْ أشَارَ إِلَيْهِ ،] وَمَنْ أشَارَ إِلَيْهِ فَقَدْ حَدَّهُ ، وَمَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ ، وَمَنْ قَالَ: «فِيمَ» فَقَدْ ضَمَّنَهُ ، وَمَنْ قَالَ: « عَلاَمَ ؟ » فَقَدْ أَخْلَى مِنُهُ[1] .

فإذا كانت الصفات وأسمائها الحسنى : نفس الذات وغير زائدة ، ومعبرة عن نفس كمال الحقيقة ، فهي لا تُقرن على نحو التثنية ، بل هي معبرة عن تلك الحقيقة الواحدة الأحدية العظيمة الشأن ، وهو تعالى ليس غير الموصوف بل هو موصوف بالعينية لا بالتثنية والغيرية ، كما في الأشياء وصفاتها ، فإنه تعالى ليس كمثله شيء ، فلا تجزئه ولا قرن زائد ، فلا جهل في معرفتنا بعظمة الله وشأنه الكبير ، ولا تضمينه شيء زائد ، ولا حالا في شيء ولا حالا فيه شيء ، ولا نفي للكمال فيخلى منه نور مجلي العظمة الظاهر بها في كل شيء في التكوين كبرياء وقدرة وعلم وحكمة وخبرة سبحانه وتعالى ، فهو الأول والآخر والظاهر والباطن ، والحي القدير العليم الغني ، والعزيز الحكيم الواسع الرحمن الرحيم ، والمؤمن السلام الذي له الأسماء الحسنى سبحانه وتعالى من غير زيادة على وجوده تعالى ، ولا نفي لكمالها عنه فلا تخلية منها في واقع وجوده تعالى , فهو عز وجل كما في تكملة الخطبة :

كائِنٌ لاَ عَنْ حَدَثٍ ، مَوْجُودٌ لاَ عَنْ عَدَمٍ .

 مَعَ كُلِّ شَيْءٍ لاَ بِمُقَارَنَةٍ ، وَغَيْرُ كُلِّ شيءٍ لا بِمُزَايَلَةٍ .

فَاعِلٌ لا بِمَعْنَى الْحَرَكَاتِ وَالاَْلةِ ، بَصِيرٌ إذْ لاَ مَنْظُورَ إلَيْهِ مِنْ خَلْقِهِ ، مُتَوَحِّدٌ إذْ لاَ سَكَنَ يَسْتَأْنِسُ بهِ وَلاَ يَسْتوْحِشُ لِفَقْدِهِ .

وعدم كون : هناك أمرا لا من ذاته ولا من فعله ، زائد عليه ، حتى خلقه فهو تعالى سبب له ، والكون وكائناته معلولة له ، وكلها تحكي عن ظهور نور جمال الأسماء الحسنى ، وهي شأن من شؤون المجد والعظمة ، فلا يعده ولا يثنيه شيء ، بل بان عن الأشياء بالقهر لها والغلبة عليها ، وقرب من كل شيء لأنه خاضع له وتحت سلطان رحمته وقيوميته ، ومحتاج احتياج فقر لعطائه الذي لا نفاد له .

وبهذا نعرف : إن الإثبات هو إثبات صفات وأسماء حسنى للذات المقدسة في عين وجودها ، ومن غير تكثر فيها في المصداق والذات ، وإن تكثر وأختلف المعنى منها بحسب الفهم والتعبير عن جمالها وجلالها وحالت النظر لكبريائها ، فذات مقدسة واحدة ينتزع منها كل اسم لصفات الكمال المطلق بكل معانيها ومن غير تكثر في حقيقتها الذاتية في واقع العظمة والكبرياء المتعالي ، وإن تعدد المعنى المفهوم منها ظهورا وتجليا ، وإن كان لا مصداقا متكثر هناك  .

 فهذا ما يجب علينا الإيمان والاعتقاد به : وهو إن الأسماء الحسنى والصفات العليا الذاتية من حيث هي عين ذاته تعالى وعين بعضها البعض ، بمعنى أنه تعالى له من وجود العظمة والكبرياء بنفس وجوده وببساطته من غير تركيب ولا تجزئة ولا تحليل ، ولما له من العظمة والبساطة وبالكمال المطلق والغنى التام الذي لا نقص به سبحانه ، نعرف أنه له هذه الصفات والأسماء التي ذكرت في كتابه المجيد أو التي جاءت في الأحاديث ، أو التي يتعقلها المؤمن حين إيمانه بشؤون العظمة والكبرياء للرب الخالق لكل شيء ، وإنه لابد أن يكون له هذا الغنى المطلق الواسع المحيط ، والذي له كل كمال وجمال في حاق ذاته من غير كثرة أبدا ، لأن الكثرة مناط الحاجة وبيان للنقص وللحد وتعالى الرب العظيم عنهما .

  ولذا يا أخي إن الإيمان الحق : هو إن الذات المقدسة وما ينتزع من الأسماء والصفات الذاتي الجمالية والجلالية ، ومن معاني كمالها وعظمتها وشأنها الكبير في واقع ذاتها ، لا تكون زائدة على ذاته ولا منفصلة عنه أبد ، بل لأن وجوده شامخ عظيم كبير متعالي ، وجب وحق أن يكون له هذه الصفات العليا والأسماء الحسنى المتحدة معه وفيما بينها وبنفس البساطة التامة ، وإن تكثر المفهوم والمعنى منها المعبر عن شؤون العظمة والكبرياء والبهاء والسناء والنور الساطع الحق المتجلي في الظاهر والباطن والأول والآخر في واقع الذات المقدسة ، أو ما نرى منه متجليا في كل شيء في السماوات والأرض وما بينها وفي كل مراتب الوجود ، و كما سيأتي الكلام في صفات الأفعال الإلهية ومعنى زيادتها فأرتقب وتدبر ولا تخلط بين صفات الذات ووصفات الأفعال ، في الإتحاد والزيادة ، لأنه هذا أس الإيمان وأصل المعرفة في التوحيد .

 

 

الإشراق الرابع :

 معارف عالية في الأسماء الحسنى والصفات العليا :

يا طيب : قد ذُكرت معارف علية ذوقية تعبر عن حقائق عينية لوصف الذات المقدسة ، وهي إن الأسماء الحسنى والصفات العليا الذاتية وتقسيمها بحسب اللغة والفهم من معناها ، وما تشير له حقائق مراتب ظهورها في نفس الوجود الأعلى ومن غير تكثر ، وبنفس مفهوم البساطة الذي عرفناه تقسم إلى :

 أسماء ذات ، وأسماء صفات ذات .

وإنه لما كان يجب : يجب ذكر الأسماء الحسنى الإلهية بالقلب قبل اللسان ، وترديدها في الجوانح قبل الجوارح ، وعن يقين بمعارفها وشؤون العظمة والكبرياء لها ، قسمت تقسيمات أخرى لسهولة المعرفة والحفظ ، وكل إنسان حسب حاله وفهمه وما رسخ من المعرفة الإلهية في ذهنه يجعلها في أقسامها ، وقد يجعلها كلها قسما واحدا ولا يلتفت لتقسيمها ، ولكنها معرفة جملية تبين مجالي العظمة والكبرياء والمجد الإلهي العظيم الذي لا ثاني له ولا يخلوا منه كمال وجمال وجلال إلا وهو من نور إشراق الأسماء الحسنى وله أصله في عين الذات وهي علته وسببه ، فنعرف معارف كريمة ، حسنة الجمال والتدبر في كبرياء المجد ، وللترقي في معارف شؤون العظمة والتدبر فيها ، وإن كانت كلها أسماء وصفات ذاتية وهي في حاق الذات من غير زيادة ولا كثرة .

وأما ما هو : ملاك التقسيم والأقوال فيه ، فهو موكول لكتب موسعة وسيأتي منه نور في صحيفة التوحيد الثالثة للعارفين ويأتي بعض الشرح ، ونكتفي بما هو المهم من ذكر قسم يسير منها لترسخ المعرفة والإيمان بها معرفة كلية :

 

الإشعاع الأول : أسماء الذات المقدسة :

أسماء الذات المقدسة : هي التي يكفي لمعرفتها مجرد معرفة الله تعالى وتوحيده ، ومن دون تفكير زائد ولا تحتاج لتدبر كثير لمعرفتها ، وهي أسماء حسنى ذاتية تعرف بمعرفة عظمة الذات المقدسة وكبريائها مباشرة وفي الوهلة الأولى للمعرفة ، وهي الأسماء الحسنى الذاتية مثل :

الله : الموجود ، الثابت ، الحي ، القادر ، العالم ، الغني ، الواحد ، الأحد ، الفرد ، الصمد ، القديم ، الأزلي ، السرمد ، الأبد ، الباقي ، الجليل ، المجيد ، المبين ، النور ، العلي ، العظيم ، الكبير ، المتعال ، السبحان ، القدوس ، السلام ، السيد ، العدل ، وما شابهها .

 

الإشعاع الثاني : أسماء صفات الذات المقدسة :

وأما أسماء صفات الذات المقدسة : هي التي يتعرف عليها الإنسان لكي يصف بها الذات المقدسة الإلهية بعد معرفة كمالاتها ، وبعد قليل من التدبر في ما لها من القدرة والعلم والجمال والجلال والعظمة والكبرياء والقدم والأزلية ، وهي قد تكون منتزعة من السابقة ، أو تلك كانت دليل على ما في هذا القسم ، وهي مثل الأسماء الحسنى لصفات الذات مثل :

الحكيم ، القدير ، الجبار ، المتكبر ، الرحمن ، الرحيم ، القيوم ، المؤمن ، المهيمن ، الرب ، المالك ،الرؤوف ، البر ، الخبير ، العليم ، السميع ، البصير ، الحليم ، الصبور ، الشهيد ، وأمثالها .

 

والتقسيم السابق للقسمين أعلاه : عرفاني عند عمل الدقة من ناحية أول نظرة لمعرفة الخالق وما يعرف من شأنه العظيم ، وبالتدبر الثاني لما يعرف ويتوسع في بيان شؤون عظمته وكبرياءه ، وليس تقسيما لغويا ، ، وإلا فالقسمين هما أسماء صفات الذات وأسماء لها ، فهي واحدة في كونها صفات الذات المقدسة ، وهي أسماء لها على نحو الوحدة في المصداق ، والتكثر في المعنى والمفهوم منها فقط ، وهي معبرة عن الكمال المطلق والغنى التام للذات البسيطة الحاوية لكل جمال وجلال وسناء وبهاء من غير كثره في نفس وجود الذات المقدسة .

وقد تكون بعض الأسماء الحسنى والصفات العليا الذاتية : أولية المعرفة عند أحد ثانوية المعرفة عند آخر مثل الصمد والسرمد ، وتعرف ثانوية عند بعض أولية عند آخرين مثل الرحمن الرحيم والحكيم الخبير ، وهكذا لكل إنسان معرفة وبداهة تخصه في توجهه .

ملاحظة وتأكيد : الأسماء الذاتية وأسماء الصفات الذاتية الحسنى واحدة في المصداق والوجود مع الذات وعينها وعين بعضها البعض ، وكثيرة في المفهوم والمعنى فقط ، وفي دقة التدبر في شؤون العظمة والتدبر في كبرياء مجد الذات المقدسة الإلهية ، وإن التقسيم لو أردت أن تعرف الله وتتوجه له أولا ، أو بعد ما نتوسع بما تصفه من الأسماء الحسنى ، وفي التدبر نتعرف عليها أكثر ونضيف لها من أسماء مجالي العظمة والكمال الظاهر والباطن في عز القدس الذاتي بنفسه من غير تكثر فيه .

وسيأتي تفصيل : من جانب آخر في الذكر الآتي في الإشراق السادس منه : وهو في معنى الاسم والصفة لغة ، وفيه تفصيل أوسع لمعرفة معنى الاسم والصفة ، وطبق وأجمع بين الاشراقين ، مع المحافظة على كيفية سلوك المعرفة فيهما وجهة البحث .


[1]نهج البلاغة الخطبة الأولى ص 25 .

   

أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.alanbare.com

يا طيب إلى أعلى مقام صفح عنا رب الإسلام بحق نبينا وآله عليهم السلام


يا طيب إلى فهرس شرح الأسماء الحسنى أحسن الله علينا بنورها