هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في  أصول الدين وسيرة المعصومين
صحيفة التوحيد الإلهي / الثانية / للكاملين / شرح الأسماء الحسنى الإلهية

الباب الأول
معارف عامة في الأسماء الحسنى والصفات العليا الإلهية
ومراتب ظهورها وسعتها وحيطتها وعددها ومجالي نورها

الذكر الأول
مراتب معرفة الأسماء الحسنى والصفات العليا الإلهية

النور الثالث

أسماء الصفات الخبرية تعبر عن إحاطة علم وقدرة الله سبحانه وتعالى

 

يا طيب : مر الكلام مختصرا في معنى الصفات الخبرية في الجزء الأول من صحيفة التوحيد للكاملين ، كما عرفنا إن الوجود المقدس للذات الإلهية غير مركب ولا له جزء ولا أعضاء  ، بل هو محض الوجود الصرف ، وهو بسيط الحقيقة الذي لا يثنى ، وله كل كمال وجمال وجلال ، وكل شيء من فيض فعله يُخلق ويُحفظ ويستمر ، فهذا أصل التوحيد والمعرفة في الأسماء الحسنى .

وعرفنا يا أخي : إنه لا وجود إلا لله تعالى ولفعله ، وفعله سبحانه لا يثنيه ولا يعده ولا يكون له جزء ، ولا يكون بينهما تركيب ، بل هو فيض كماله المسمى بأسمائه الحسنى والصفات العليا ، والكون مقهورا لنوره ومحتاجا لفيضه تعالى .

 ولكن جاءت بعض العبارة والكلمات : في الأحاديث والقرآن الكريم يريد بها الله تعالى التعبير عن أحاطته في قدرته وعلمه سبحانه ، ويعبر بما هو المتعارف بين الناس من المعاني التي تكون فيها كناية عن إحاطة القدرة والعلم بكل شيء .

وهي مثل : وجه الله ، أو عينه ، أو يده ، أو النظر إليه ، أو الاستواء على العرش .

وهذه المعاني : قد تدل في أول النظر لها على التجسيم في حملها على المعنى الظاهر لها ، وعلى الحد والنقص والحاجة والجزء له تعالى علوا كبيرا ، ولذا أختلف الناس في تفسيرها وعرفت من الشرك أن تنسبها لله تعالى على نحو الحقيقة ، لأنها مناط الحاجة والفقر والجزئية والتركيب والحد ، وكلها من أهم صفات المخلوق وتعالى الخالق سبحانه عنها ، وتقدس وتنزه من أن يتصف بها وعظم علوا كبيرا من أن تكون له .

والحق في تفسيرها إن يكون المراد منها :

وجه الله : هو إحاطة وجوده تعالى ، وبكل مرتبة حسب شأنه الظاهر فيها.

كما إن النظر لوجه الله أو لله : هو النظر لرحمة الله وللطفه وعفوه ، وكل إنسان حسب حاله يقتبس نوره من محل إشراقه الظاهر في التكوين وحسب رتبته .

 وكذلك لقاء الله : هو لقاء رحمة الله وثوابه الجزيل ، وكذا النذر ، أو العمل لوجه الله يراد به ، هو أن التوجه به لله تعالى خالص من غير شريك .

 وكذلك عين الله : يعني بها رعاية الله وعنايته بخلقه ، وعلمه بهم وقدرته على مساعدتهم ومدهم بفيضه أو ينعم عليهم ، أو يحفظهم أو ينصرهم .

وهكذا يد الله : تدل على إحاطة قدرته تعالى ونفوذ إرادته على من شاء من خلقه حسب استحقاقه ، وهي تعبر عن تمكنه ونفوذ سلطانه وغلبته تعالى .

 وكذا استواءه تعالى على العرش : يعني سيطرته عليه بعلمه وقدرته وإحاطته بالكون بتدبيره وهدايته ، وأنه لا شيء يغيب في الوجود عنه أو يمتنع عليه أو يستغني عنه ، بل الله بكل شيء محيط علما وقدرة .

وهذه المعاني : لا يمكن صرفها لمعانيها الحقيقة من الوجه واليد والجلوس الحقيقي لله تعالى على العرش ، لأنها موجبة للجزئية والحركة والحد للوجود المقدس ، بل تحمل على الكناية لوجود القرينة القطعية الصارفة لها من معناها الحقيقي لمعنى إحاطة وجوده وعلمه سبحانه بكل شيء وقدرته على كل  شيء .

وأنه تعالى : لا جزء له لأن الجزء مناط الحاجة للتركيب وهذا فقر ذاتي ، ويكون أساس للحد ، كما أن اللغة العربية كثير ما فيها من معنى المجاز والكناية ، وبها كانت غنية في المعنى وفاقت كثير من اللغات العالمية ، وبانت فصاحتها وبلاغتها وفضلها على غيرها .

ثم بالإضافة : لحملها على الحقيقة موجب للشرك والفقر والحاجة الذاتية فضلاً عن الجسمية ، كذلك موجب لكون كثير من الأمور التي توجب الجهل بالمعرفة الإلهية بالمرة ، و الوقوع فيما يفر منه المرء ، لأنهم لكي لا يحملوها على الكناية والاستعارة لأنه في نظرهم موجبة للتأويل ، فإنه بفعلهم هذا وقعوا في الشرك والحد والتجسيم ، وليس كل صرف من المعنى المتعارف لمعنى أوسع وبليغ يخل بالمراد ويخرجه عن حسن البلاغة ولا عن جميل معاني الفصاحة .

 فكيف يفسرون قوله تعالى :

{ وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ

فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ

إِنَّ اللهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } البقرة115.

فإذا كان وجه الله موجود في المشرق والمغرب : وكل نقطة في الكون يصدق أن لها نسبة للمشرق والمغرب ، سواء في السماء أو في الأرض ، فأين تكون يده وعينه وباقي أعضاءه ، إذا حمل الوجه على المعنى الحقيقي ولم يرد به أنه الله له وجود واحد بسيط من غير أعضاء ولا أجزاء وهو وجود محيط واسع .

فلذا يا أخي يكون : المراد بالوجه هو إرادة كبرياء الله وعظمته الغير محدودة والغير متناهية ، وأنه لا يخلوا منه مكان ولا زمان ، وإن كان هو غير مادي ولا من جنس خلقه ، بل ليس كمثله شيء ، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد ، وهو بكل شيء محيط ، ويمكن طلبه بكل نية وفكرة وعمل ، وتحصيل فيضه ونعيم بكل طاعة وعبادة أمر بها وأرادها منا .

 وكذلك كيف يُفسر قوله الله تعالى :

{ وَلاَ تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ

لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ

لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }القصص88 .

فهل يا طيب : تهلك أعضاء الله الأخرى في ذلك اليوم من اليد والعين وباقي الأعضاء ، ويبقى وجهه تعالى ، وما هذا الرب الذي يهلك نفسه وأجزاءه ، أم إنه يراد التعبير عن وجوده المقدس المحيط القادر العليم الذي وجوده وصفاته الذاتية واحدة ولها البساطة الصرفة التي لا تنالها التجزئة والتحليل والتركيب والحد ، وأنه هو الباقي وكل شيء يفنى من خلقه في المراتب النازلة أو كلها على أقوال ، ثم كما بدأ الخلق يعيده وهو عليه أهون ، وهذه عظمة الله وكبرياءه وقدرته وأحاطته وعلمه ، وإشارة لقيومية وربوبيته وتدبيره .

ولو تتبعت يا طيب : كلمت العين والأعين في القرآن الكريم وفسرتها بالمعنى الحقيقي دون التعبير عن الكناية لجرك إلى الكفر الصريح بدل الشرك ، فتدبر من غير شرح مفصل للآيات القرآنية التالية :

{ وَاصْنَعْ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا

 وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ }هود37 .

 { وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ

فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ } الطور 48 .

{ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ }القمر14 .

فهو سبحانه يريد بأعيننا : أنه تحت رعايتنا وتحت قدرتنا النافذة التي يحيطك بها نصرنا وتأييدنا ، وهكذا الأيدي والنظر لله تعالى وكذلك لقاء الله ، فما تلاقي منه وما تنظر منه ووجه أوسع من السماوات والأرض ، وما تستطيع أن ترى منه فضلاً من أن تراه كله ، وأنت لا تستطيع النظر أو لقاء خلق من مخلوقاته كالشمس ، فالشمس مخلوق مثلنا ولا تستطيع  النظر إليها فضلاً عن اللقاء و المس والمواجهة عن لقاء وقرب .

بل حتى بعض الأسماء الحسنى : فضلاً عن المعاني الخبرية يجب معرفتها وحملها على المعنى اللائق بالذات المقدسة ، وبمعنى لا يكون فيه خبر عن نقص وحاجة أو حركة وفقر وغيرها من الأمور الموجبة للشرك والحد ، وهي مثل :

الله : حسيب ، وكفيل ، ووكيل ، وفاصل ، وشهيد ، ومنيل ، وسميع ، وبصير ، ومعطي ، وهادي ، وغيرها من المعاني التي أخبر الله تعالى بها عن قدرته وعلمه ورحمته ورعايته لعباده ، وقيوميته وملكه لعبادة ، وتدبيره وهدايته وربوبيته لهم .

فصفات أسماء الله تعالى الخبرية : وكذا كثير من الأسماء الحسنى ، لا بد أن تفسر بالمعنى اللائق بعز الله وجلاله ، وإلا يكون من الشرك حملها على المعنى الحقيقي كما عرفت ، وتفسيرها بما يناسبها من الأخبار والآيات الكريمة حسب مواردها والذي يراد به في الغالب إحاطة الله تعالى بكل شيء من كل جهة .

كما إن إحالة تفسير المعاني الخبرية : بالمجهول والغير معروف معناه ، هو إحالة على غائب من المعاني ، وعلى غير المعلوم ، ويكون عين الجهل بالله تعالى والفرار من معرفته ، والتي هي أشرف وأعز معرفة ، وهي غاية بعث الأنبياء وإرسال الرسل وإنزال الكتب ، وبها كمال الإنسان وشرفه وعزه الحقيقي .

فإنه يا طيب : بمقدار حصول العبد المؤمن على المعاني منها ومعرفتها ، وتطبيقها على نفسه بالصورة المناسبة يصل للكمال والقرب من الله تعالى ، ويكون من عباد الله المؤمنين حقا بل من العلماء ، ويكون مع المنعم عليهم من الأنبياء والشهداء والصديقين ، ويرفل ويتنعم في رحمة رب العالمين وهداه .

وأسأل الله لك ولي : التوفيق ، وأن يحققنا بنور جمال أسماءه الحسنى وكمالها كلها ، وبأحسن صورة تقربنا من أشرف خلقه في الوجود كله نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، صلى الله عليهم وسلم أجمعين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .

 



[1]نهج البلاغة الخطبة الأولى ص 25 .

[2] نهج البلاغة الخطبة 49.

[3] التوحيد ص173ب28ح1 ، 2 ، 3. وقال رضي الله عنه : في معنى قول الإمام ، في قول الإمام علي عليه السلام : أنا عبد من عبيد محمد ، يعني بذلك عبد طاعته لا غير ذلك ، وقد عرفت في صحيفة التوحيد الثانية للكاملين في الباب الثالث في مرتبة التوحيد في الولاية معاني كريمة في ضرورة إطاعة النبي الكريم ثم بعده آله الكرام فراجع .

[4] أصول الكافي ج1 ص116 باب معاني الأسماء واشتقاقها حديث7 .الظاهر أن المراد بالأسماء ما دل على الذات من غير ملاحظة صفة ، وبالصفات ما دل على الذات مع ملاحظة الاتصاف بصفة انتهى ،  أقول يا طيب ستأتي بيان هذه المعرفة .

[5] أصول الكافي ج1 ص113 باب حدوث الأسماء حديث2 .

[6] أصول الكافي ج1 ص113 باب حدوث الأسماء حديث4 .

[7] أصول الكافي ج1 ص114 باب معاني الأسماء واشتقاقها حديث2 .

[8] بحار الأنوار ج4ص186ح1 ، ومستدرك ‏الوسائل ج5ص264ب57ح5834ـ1 . الخصال ب90ص593ح4 ، التوحيد 195ب29ح9، وقال الصدوق رحمه الله : قد أخرجت تفسير هذه الأسماء في كتاب التوحيد وقد رويت هذا الخبر من طرق مختلفة وألفاظ مختلفة . وقد شرح رحمه الله فيه الأسماء الحسنى شرحا مختصرا في التوحيد .

 

   

أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.alanbare.com

يا طيب إلى أعلى مقام صفح عنا رب الإسلام بحق نبينا وآله عليهم السلام


يا طيب إلى فهرس شرح الأسماء الحسنى أحسن الله علينا بنورها