هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في  أصول الدين وسيرة المعصومين
صحيفة التوحيد الإلهي / الثانية / للكاملين / شرح الأسماء الحسنى الإلهية

الباب الأول

معارف عامة في الأسماء الحسنى والصفات العليا الإلهية
ومراتب ظهورها وسعتها وحيطتها وعددها ومجالي نورها

الذكر الثاني

معارف عامة حول الأسماء الحسنى والصفات الإلهية وأقسامها

النور الثاني

أقسام ومعارف عامة
 للأسماء الحسنى
والصفات العليا
الإلهية

يا طيب : بعد أن عرفنا معارف كريمة لنحو اتصاف الذات المقدسة بالصفات الذاتية على أنها أسماء وأسماء صفات لكمال الذات المقدسة المطلقة من الحد بأي نحو كان ، وإنها في واقع الذات المقدس نفس الذات مصداقاً وغيرها مفهوماً ومعنى ، وذلك لأنها تعبر عن كمال الذات وشؤون العظمة لها وعن كبرياءها ومجدها ، وعرفنا إن الأسماء الحسنى الفعلية غير ذاتية ، وهي منتزعة من مقام الفعل الإلهي وهي كثيرة ذاتاً ومصداقاً حسب وجود المخلوقات وكمالها ، وإن كانت هي تجلي الأسماء الحسنى وكمال الذات المقدسة ونابعة منها .

وإن الكثرة في الأسماء الحسنى الفعلية : هي من ناحية الخلق لا من ناحية الحق سبحانه ، فإنك عرفت إن وجوده المقدس بسيط وله كل كمال صرف من غير تكثر ، والبسيط هو الذي لا يثنى ولا يكرر لأنه لا حد له ، وعرفت في التوحيد بعض المعنى الرفيع لعلاقة الحق بالخلق ونحو ارتباطهم به من ناحية القهر لهم وحاجتهم له تعالى ، لأنه هو الغني الحميد وكل الوجود فقير لفيض نوره .

 وبعد تلك المعارف : الرفيعة والعلوم القيمة الشريفة لمعرفة الأسماء الحسنى والصفات العليا ، نأتي لذكر بعض التقسيمات للأسماء الحسنى والصفات سواء فعليه أو ذاتية لا فرق بينها ، أو قد يختص ببعضها ، وهي تقسميات جميلة طالما نسمع عنها ، واشتقنا لمعرفة معانيها وما يراد منها ، لأنها تذكر في كتب المعارف الإلهية بل في كتب الكلام والتفسير والحديث ، ونجعل كل تقسيم في إشراق نور وأسأل الله أن يهدينا وينفعنا به :

 

الإشراق الأول : الصفات الثبوتية والصفات السلبية :

الإشعاع الأول: الصفات الثبوتية للأسماء الحسنى الإلهية:

عرفنا يا طيب : إن الأسماء الحسنى والصفات العليا الإلهية الذاتية والفعلية في وجودها ومعناها ثبوتية ، ومعبرة عن كمال حق وواقع محقق نوره في الذات ، وإنه من شؤون العظمة يوجد الكون وكل كمال فيه ، وهي بقسميها تعبر عن كمال الذات المقدسة وفعلها وظهورها وتجليها في الخلق وفيض كماله له :

فهي أما وصف للذات المقدسة وأسماءها الحسنى الذاتية : وهي مثل ما عرفت من الأسماء الذاتية : كالحي والغني والقدير ، وكل اسم واسم صفة يبين كمال لله تعالى ، فهو في واقع حقيقته ثابتة للذات المقدسة بنحو مطلق وغير محدود بحد : لا عقلي ولا وهمي ولا خارج ، ولا يناله نقص بل له الكمال المطلق بكل الأسماء الحسنى الثبوتية الإيجابية الغير محدودة وبنفس وجودها الغير محدود ، وذلك لأن الذات والصفات لها مصداق واحد غير محدود وهي عينه ، فوجود الحق وجود كامل واحد بسيط ، وفارد لا كثرة فيه ولا شريك له لا من صفاته ولا من خارج ولا من فعله .

أو أسماء حسنى فعلية : وهي صفة لظهوره ولتجلي الأسماء الحسنى الذاتية ، وهي المعبرة عن ظهور كمال الحق سبحانه في الكون وحصول حقيقتها فيه ووجود الكائنات وكمالها بكل صورة ، فتتحقق الكثرة في الكون وكل شيء منها بحسب حاله وملاحظة وجوده وأوضاعه ينسب لله تعالى ، فتعرف الأسماء الحسنى الفعلية والتي هي صفات لوجود الخلق وأحواله ونعم الله عليه .

فالأسماء الحسنى الثبوتية : هي إما الأسماء الحسنى الذاتية وتجليها وثبوتها في عالم الكون وبإيجاده تتبين معاني للأسماء الحسنى الفعلية ، والأسماء الحسنى الذاتية والفعلية هي ثابتة في الوجود كل حسب حالة وشأنه ، فالصفات الذاتية هي صفات كمال الذات التي لا تزول ولا تحول ولا تحد ولا تكثر في مصداقها وإن تكثر مفهومها ، وصفات الكمال ثابتة للحق تعالى في عين ذاته تعالى وفي واقع وجوده سبحانه ، وصفات الفعلية المتكثرة مصداقاً ومفهوماً ثابتة في الكون وكل أحواله التي تنسب لله تعالى ، وهو كله من نور شؤون العظمة وتجلي للكمال المطلق الحق في واقع الخلق كله ، وفي جميع مراتب الوجود وكائناته .

فالأسماء الحسنى الثبوتية : كل الأسماء الحسنى التي نصف الله بها تعالى إما مباشرة وهي ثابتة للذات المقدسة على كل حال ولا تسلب عنه تعالى بأي صورة من الصور ، أو صفة لفعله وتجلية تعالى في الكون ونعمه عليه وتحققها في الوجود الكوني المخلوق من الأسماء الحسنى الفعلية .

 

الإشعاع الثاني : الصفات السلبية و أسمائها الحسنى :

يا طيب : إن بعض الأسماء الحسنى الإلهية تحكي عن صفات سلبية ، وهي التي تسلب عن الله كل نقص وحاجة وحد ، وهي :

إما أسماء حسنى مثل : السبوح ، السبحان ، القدوس ، وهي ليس فيها حرف سلب وأن سلبت النقص ونزهة الذات المقدسة عن الحاجة والفقر الذاتي والحد .

 أو جُمل تحكي عن نفي النقص والحدود والحاجة والفقر من الذات المقدسة  كقولنا : لا إله إلا الله ، أو أنه تعالى لا يرى ولا يحد ، ولا يغيب عنه شيء وغيرها من التي تستخدم في نفي ذكر ما لا يليق بالذات المقدسة من الأوصاف وأسماءها ، وهي سلب كل ما يُشعر به وجود الحد للذات المقدسة أو يكون خلاف البساطة والصرافة في الوجود من التركيب أو الجزء أو العضو أو الأحوال أو الشريك أو المماثل ، والتي هي مناط وأساسها للفقر والحاجة والذل والمنقصة التي تعالت وتنزهت وجلت وارتفعت عنها الذات المقدسة .

فالأسماء الحسنى السلبية : هي سلب كل اسم معبر عن صفة مخالفة للكمال المطلق والجمال والجلال الذي لا يتناهى ، وبعيد عن العز والعلو والرفعة والجلال والغنى الذي لا يحد بحد .

والسلب في الأسماء الحسنى السلبية : عن الله تعالى هو في الحقيقة معناه سلب للسب ويرجع للإثبات والإيجاب ، فمعنى إن الله لا يحد هو تعبير آخر عن الكمال المطلق للذات المقدسة البسيطة والصرفة التي لا تثنى ويرجع لها كل كمال وجمال في الوجود ، وهكذا معنى غير فقير وغير محتاج معناه غني ، وهكذا معنى غير ناقص راجع لمعنى للكمال التام الذي لا يحد .

كما إنه قد يرجع البعض الصفات الثبوتية للصفات السلبية للتفهيم : فيفسر الغني بمعناه أنه غير محتاج وغير ناقص ولا يحد ، ويقال لأنه غير محتاج فهو غني وهكذا غيره من الصفات ، وإلا فإن اللطف أن نقول : لأنه غني : فهو غير محتاج لشيء ، لأن التفسير بالوجود والكمال المطلق أولى من التفسير بعدم العدم ، وبيان الكمال أولى من سلب السلب ، وإن كان لكل بيان حسنه وجماله ، ولكن الثبوت أحلى من السلب في بادي النظر ومنتهاه ، وأجمل في النطق والتفسير والشرح وأقرب للذهن .

والتعبير بالعز والجلال والكبرياء والعظمة والرفعة والعلو أعذب لبيان المقام الشامخ الإلهي ، وبهذا جاء العلم بالأسماء الإلهية في القرآن المجيد والأحاديث الشريفة قال عز وجل :

{ اللهُ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ .

الْحَيُّ الْقَيُّومُ : لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ .

لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ : مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ . يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ : وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ . وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ : وَلاَ يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا .

 وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ }البقرة255 .

فهو الله : فهو : لا إله إلا هو .

ولأنه حي قيوم : فهو : لا تأخذه سنة ولا نوم .

ولأنه له ما في السماوات والأرض ، فلا يشفع أحد إلا بإذنه ، وهكذا .

ثم أعلم يا رفيق الإيمان : إن أغلب السلب هو للأسماء التي نصف بها المخلوقات ، والتي تكون منافية لعظمة الرب وجلاله ، ومخالفة لعلو شأنه وغير لائقة به عز وجل ، فلا يمكن وصفه بها ، فإن المخلوق يوصف بالجسم المحدود أو أعراضه من الكيف والكم والزمان والمكان والوضع والحجم والانفعال والتأثر والاستعداد ، والحصول بعد الفقر والتكون بعد العدم ، والتغير والتبدل والنمو والذبول والكون والأفول وتحول الأحوال ، وإما الخالق لا يوصف بصفات المخلوق التي لا تخلو من الحد ، وفيها نقص وموجبة للعد ، ومشعرة بالفقر والحاجة ، نعم إذا صفة فيها علو ورفعة ويمكن نفي الحد عنها يمكن أن نصف الخالق بها تعالى .

فالأسماء الحسنى السلبية : هي من التي لا يمكن وصف الله تعالى بها مثل الوصف بالزمان والمكان المخلوقين وهو تعالى قبل وجودهما فلا يوصف بهما ، فلذا نقول : لا أول له ولا آخر ، ونقول : ولا يأفل ولا يزول ، ونقول : أن الله لا وضع له ولا حال ولا يتغير ، لا ينمو لا يذبل ، لا حجم له ، ولا جسم له ، ولا كم له ، ولا طول له ، ولا عرض له ، ولا وزن له ، ولا كيف له ، لا يد ولا عضو وجارحة له ، ولا جزء ولا تركيب له ، لأن هذه الأمور مثبتها بدون سلب مخالف للرفعة والعظمة والعز والغنى ، وهي مناط للحاجة ومبينة للنقص والحد وموجبة للعد ، بل للتركيب والتجزئة والتحليل .

وأما الأسماء التي يمكن جعلها مطلقة : وسلب الحد عنها بشرط أن يكون فيها عز وعلو وتعالي عن النقص والحاجة يمكن وصف الله تعالى بها ، وإن كان يوصف المخلوق بها وهي مشتركة مع ملاحظة عدم الحد له تعالى، ومثلها مثل :

العلم والقدرة والحياة والسمع والبصر والإرادة ، فإن علم الله تعالى غير محدود وعالم بكل شيء ولا يغيب عنه شيء ، فهو سميع وبصير بكل شيء يمكن أن يُبصر ويُسمع ، وهو تعالى قادر على كل شيء ، وهو المحيط الذي أقرب إلينا من حبل الوريد ، ويحول بين المرء وقلبه .

فيوصف الله تعالى : بكل كمال لائق بعلو شأنه ، ويسلب عنه كل ما هو موجب للنقص والحاجة والفقر والحد والعد والتثني ، ولو تراجع ما ذكرنا في الذكر الثامن من معارف الإمام علي عليه السلام في أدلة التوحيد يمكنك الآن بعد هذه المعرفة اليسيرة للأسماء الحسنى بكل الأقسام ، أن تحصل على معاني أغلب الفقرات الموجودة في خطب الإمام علي عليه السلام ، وتدبر بها فسترتاح لعظيم حقائقها وستلتذ بما عرفت من المعاني القيمة للمعارف الإلهية السابقة .

 بل يا أخي : بالتدبر بما مر وبما سيأتي من شرح الأسماء الحسنى وخصائصها ، تكون إن شاء الله عارفا بما هو المراد من معرفة العزيز الجليل ، بل بمعنى الكبير : الذي لا يحد ، والعظيم : الذي لا نهاية له ، ومعنى سبحان : الذي تنزه عن النقص ، وتعالى : الذي لا يحتاج ، وجل أن يدركه بصر أو وهم أو خيال ، والعزيز : الذي لا يفقد كمال والذي لا ينال ما عنده إلا برضاه ، فلا ينال ما عنده بالقهر بل بالتجلي للمستحق بالعدل والإحسان والقسط ، وله الفضل والمنة عز وجل سبحانه ، وكل شيء يسبح بحمده فينفي النقص عنه ، ويحمده حين ظهر نور كماله الظاهر فيه وفي كل شيء ، فيحمده بنفسه وبصفاته وبأفعاله وبتوجه لعظمته ونعرف خضوعه له ويبين احتياجه لخالقه عز وجل .

 

الإشراق الثاني :

تمييز الصافات الذاتية عن الصفات الفعلية  :

الإشعاع الأول : الصفات الثبوتية لا تسلب :

يا أخي الطيب : لتمييز الصفات الحقيقية الذاتية عن الصفات الإضافية الفعلية إليك هذا البيان بالإضافة لما عرفت :

إن الأسماء الحسنى للصفات الحقيقية الثبوتية الذاتية : المنسوبة للذات المقدسة مباشرة ، هي ثابتة ولا تزول ولا تحول ولا ينالها الأفول من الأزل إلى الأبد ، وهي لا تسلب عن الذات المقدسة بوجه من الوجوه فهي نفس حقيقة الذات المقدسة ، فهي صفات ثابتة لا يجوز سلبها من الذات المقدسة وهي كمال الذات مثل : العليم ، فلا يصح أن يقال إن الله يعلم ولا يعلم ، والقدير : فلا يصح القول إن الله يقدر ولا يقدر ، وعلى هذا المنوال كل الصفات الذاتية فيه من حاق الذات وعينها ونفس وجودها المقدس لا تمايز بينها .

فالأسماء الحسنى الذاتية : لا تسلب من الذات أبد وهي أوصاف ثابتة لها من الأزل ولم ينالها تحول أصلاً ، وهي من حقيقة الذات ويصدق عليها الإيجاب فقط ، فالأسماء الحسنى الذاتية الثبوتية التي لا تسلب وليس لها حالات مع الذات المقدسة بأي صورة من الصور في المصداق والوجود .  نعم للصفات والأسماء الحسنى الذاتية : لها حالة في المفهوم والمعنى حسب اللغة ومدرك الإنسان ، وهو بأن يفهم من العلم : غير القدرة وغير الحي والأزلي والأبدي وهكذا الباقي من الأسماء ، ولكن في الحقيقة لها مصداق واحد في والوجود المقدس عز أسمه وتعالى عن درك العارفين ، والعارف من يتعقلها فيراها كلها تعبر عن الكمال المطلق الغير محدود الذي لا يثنى ولا يكرر ولا شريك له سبحانه ما أعظم شأنه ، حتى تكون العجز عن المعرفة هي حقيقة المعرفة ، وعدم تصور ذاته المقدسة هو العلم بها ، وعدم تخيلها وتوهمها هو غاية المعرفة بالأسماء الحسنى والصفات العليا .

 

الإشعاع الثاني : الصفات الفعلية تسلب عن الذات المقدسة :

الأسماء الحسنى للصفات الثبوتية الفعلية : وهي الصفات التي تنتزع من مقام الفعل الإلهي ، وعرفت إنها بعد وجود الخلق تنسب لله تعالى ، وهي صفات وأسماء حسنى يمكن أن تسلب عن الذات المقدسة وبالنظر لخلقه ، وكحالة لموجود معين بالنسبة لغيره ، وكذا في زوايا النظر في الخلق والمقايسة بين كائناته .

فمن الممكن أن نقول مثلاً : لاسم الخالق والرازق إن الله تعالى خلق ورزق محمد وعلي وجعل لهم الكوثر وأنعم عليهم بالولاية والإمامة ، فهو من هذه الناحية هادي ومُنزل عليهم نوره ومعطيهم الجنة والمقام الرفيع ومقربهم لجواره ، فالله بالنسبة لمحمد وعلي خالق ومنعم وجاعل وهادي ومنزل ومعطي ورافع ومقرب، وإن صدق اسم فعل لخلقه عليه فيمكن تعميمه وذكره من غير قيد ، فنقول : رزاق ومعطي ومنعم ... .

 وكذلك تقول : في إمكان سلب فعل عنه تعالى وأسم حِسن منسوب لمخلوق معين فتقول : مثلاً إن الله خلق فلان وفلان ولكن لم يرزقهم الكوثر ولا أنعم عليهم ولم يجعل لهما ولاية ولا إمامه ولا هدى ولا نور لكفرهم أو لضلالهم عن الصراط المستقيم ، فالله بالنسبة لفلان خالق ولكنه غير هادي ولا منور ولا جعل له إمامة ، نعم يصدق عليه مضل ومبعد بالنسبة لفلان وفلان من أئمة الضلال وكل من ضل بهم ولم يتبع من صدقهم الله وزكاهم وجعلهم أئمة لهداه.

فالأسماء الحسنى الفعلية : يصدق عليها السلب والإيجاب فممكن أن تضيفها لله تعالى ومن الممكن أن تسلبها عن الله تعالى بحسب الحالة للمخلوق الكوني أو بالمقايسة لمخلوق كوني آخر ، فالأسماء الحسنى الفعلية هي في المعنى والمفهوم ثبوتية ولكن لعدم أتصاف بعض المخلوقات بها يمكن سلبها عن فعل الله تعالى ، فلا يتصف الله عز وجل بها من هذه الناحية ، كما عرفنا لم يخلق ولد لفلان أو لم يشافيه أو لم يعافيه وهكذا لعدم استحقاقه .

 

الإشراق الثالث :

نور الأسماء الحسنى الجمالية والجلالية :

يا طيب : هذه قسمة أخرى للأسماء الحسنى الإلهية بملاحظة شؤون أخرى لظهور الكمال الإلهي ، حيث علمت أن لكل شأن لله تعالى وتجلي وظهور له وصف وله اسم نعبر عنه ، وهو يدلنا على معنى نفهم به هذا الشأن والتجلي والظهور ، وهو في الحقيقية وصف للصفة وأسم ثاني لها كما عرفت سابقاً الصفات ثابتة موجبة أو سلبية ، فتسميتها موجبة أو سالبة اسم للصفة لا للذات المقدسة .

وهذه التقسيمات والمتسميات : هي تسمية كلية لمجموعة من الأسماء الحسنى والصفات العليا حتى نستأنس بذكرها ونتعرف على شؤونها ونصل لخواصها ولمعرفة نوع فيضها وتجليها وظهورها ، ومن ثم لكي نختار المناسب منها : للدعاء وللتوسل ولطلب الحاجة منه تعالى ، فنكون بنور الأسماء الحسنى المشرقة بالخير والفضل والكرامة والعز والكمال بكل أنواعه ، والنعيم بجميع صورة ، أو للوصول للطاعة ، وللابتعاد عن المعصية ، وللتحقق بالمغفرة والتوبة والشفاء والعافية ، وللحصول على علو الدرجة والمقام الرفيع ، أو لدفع الشرور والمحن والمصائب والبلايا ، أو الدعاء على ظالم وطلب أن يكفينا شره وينتقم لنا منه ومن أتباعه وأعوان بإذن الله تعالى .

بل نفس معرفة الأسماء الحسنى : هو علم شريف وعالي فيه أعلى معرفة في الوجود وأكملها ، فإنه بالتخلق بها والاتصاف بها نحصل على الكمال ونصل لمعنى الإنسانية ، ونرتفع في عالم الملكوت بل للجبروت والقرب من الكمال المطلق بالحصول على أعلى مرتبة منه ، وبه لذيذ الذكر وحسن المناجاة ولطف المعنى واللفظ .

وهذا تقسيما أخرا : نتعرف به على شأن جميل من شؤون تسمية الأسماء الحسنى الإلهية والصفات العليا الربانية ، وهو تقسيم الأسماء الحسنى والصفات العليا إلى أسماء صفات الجمال ولأسماء صفات الجلال ، لما يتجلى بهما من كمال الحق وبهائه وسناءه وجلاله وعظمته :

{ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ

ذِي الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ }الرحمن78 .

 

الإشعاع الأول : أسماء صفات الجمال الإلهي :

صفات الجمال : هي صفات كمالية تدل على الرحمة واللطف والعطف والخير والبركة ، وكل ما يتجلى منها من خلق ورزق ونعمه سواء صفات ذاتية أو فعلية ولا تختص بالذاتية فقط .

فهي أسماء حسنى : سماعها يعطي الانبساط والفرح للنفس ، وفي حال طلب الرحمة منه تعالى ، ويحصل معها وبها الأنس مع الله تعالى ، وهي أسماء حسنى تدل على رضا الرب وهداه ونعيمه وبركته ، ومنها يأتي العز والكرامة للإنسان وله ولكل موجود خير وهدى .

 

الإشعاع الثاني : أسماء صفات الجلال الإلهي :

أسماء صفات الجلال : هي الأسماء لصفات القهر والغضب والانتقام والطرد والبعد عن الله ورحمته ، وفيها معنى الكبرياء والعظمة والمنعة والغلبة ، مثل شديد العقاب والمنتقم والقهار .

ويحاول الإنسان بالدعاء بها : للكون تحت تجليها وظهورها لتكون عنده الغلبة على أعداء الله والظلمة لا لتكون عليه ، ويطلب بعضها أن تطبق على أعداء الله والظلمة للتشفي ولطلب الثار وللانتقام منهم بقدرة الله وقهاريته ، لا لتكون فيهم عليه أو في غير متجلية منه على غيره .

 

الإشعاع ثالث : فروا من الله إليه :

ولهذا نطلب : من الله نور الكمال والجمال والبهاء والحسن وكما جاء في دعاء السحر أو دعاء المجير والأدعية الأخرى ، ونتوقى أن يظهر علينا أسماء الجلال الغضبية بما تتجلى به من قهر ونار وخذلان وخفض وذل وحرمان ونقص وغيرها ، أو نطلبها لتحل على أعدائنا ، وهذا معنا فروا من الله إليه ، من نقمته لرحمته ، ويتم بالطاعة لكل ما شرفنا به من هداه ومعرفته ، وبتجنب المعصية مما يبعد عن الله تعالى .

 

الإشعاع رابع : بطون الجمال في الجلال والجلال في الجمال :

يا طيب : لما كان لكل اسم جمال باطنه جلال ، ولكل اسم جلال باطنه جمال ، توجد بعض الأسماء على حد الاعتدال بين الجمال والجلال ، ويتساوى فيها المعنيان كاسم الله ، وبعض حسب التفسير تدخل تحت أحدهم ، مثل الرفيع أو الأعلى والكبير والجبار والقادر وغيرها ، وسيأتي بعض الشرح .

 

الإشعاع خامس : قد يطلق الجلال ويراد به الصفات السلبية :

 يا طيب : قد يطلق على الأسماء الثبوتية أسماء الجمال ، وعلى الصفات السلبية أسماء الجلال عند بعض العرفاء ، لأن البهاء والرحمة والكمال والثبوت مناسب للجمال ، ولأن نفي النقص والحاجة عنه تعالى مناسب للجلال ، وللعظمة والكبرياء والعلو والرفعة ، فإذا سمعت بهذا فلا تستغرب .

 

 

 

الإشراق الرابع :

معاني كريمة للبطون والظهور في الأسماء الحسنى :

إن الله تعالى :

{ هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ

وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ

وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم ٌ} الحديد3 .

يا طيب : الظاهر والباطن أسمان كريمان يحققان للمؤمنين ولكل شيء طيب بنور الله ، وبالعكس للعاصين ، كما عرفت بعض المعاني لهذا في الجزء الأول من صحيفة التوحيد للكاملين ، ويا أخي إنها لها معاني عميقة في المعارف الإلهية نشير إليها ونترك تفصيلها للبحث فيما سنذكره إن شاء الله في صحيفة التوحيد للعارفين ، وخلاصته :

الظهور والبطون في الأسماء الحسنى الذاتية : أنه لما كانت الأسماء الحسنى الإلهية عين الذات المقدسة فما نراه ظاهرا منها فهو قد بطنت فيه جميع الأسماء والصفات الإلهية ، فمثل العليم إذا عرفنا مفهومه العلم والإحاطة فإن في باطنه القدرة والحياة وكل الأسماء الأخرى في المصداق والوجود .

وكذلك تجليه : في الوجود وظهور الموجودات والكائنات المراد تحققها للذات المقدسة الإلهية ، فهي تجلي لكل الأسماء الحسنى ولكل منها ظهور معين وبطون ، ففي خلق شيء واحد يتحقق اسم الحي لله تعالى حتى يوجده ، وكذلك اسم العليم واسم القدير والخبير والحكيم وكل الأسماء حتى يخلق الموجود ويوجد الفعل الإلهي ثم يسمى خلق وإن كان بعضها ظاهرا وقسما آخرا باطنا .

 

كما إن للظهور والبطون : معنى أخر في الصفات الفعلية ، فمثل المنعم والرازق قد يصيب الظالم ويجعله يتمتع في زينة الحياة الدنيا ، ويجعله يملك كل ما يشاء ، وهو في باطنه يكمن اسم المنتقم وشديد العقاب ، وذلك لأن الله يستدرج العباد ويقيم عليهم كل حجه ويمدهم في نعمه لعلهم يشكرون ويرجعون .

 فإذا لم يطع ويشكر : ويستخدم نعم الله في عصيانه ، فهو وإن ظهر فيه اسم المنعم والرازق ولكن سيجره إلى اسم المنتقم وشديد العقاب ، لأنه بنعم الله عصاه ولم يشكر ، فهو يستحق أشد العقاب ، فيبطن الظاهر من المنعم ويظهر الباطن المنتقم ، فلذا على الإنسان أن يراقب نفسه وحاله مع الله وتجلي أسماءه الحسنى علية الآن وفي المستقبل ، وبالتدبر بهذا نعرف وحدتها بالذات المقدسة دون التجلي والظهور في الخلق .

وهكذا قد يشدد على المؤمن : ولكن إن صبر وشكر ، فهو في الحقيقة تحت اسم المنعم لا القهار أو المنتقم ، لأنه له الثواب الجزيل والأجر الجميل عند الله تعالى ، فيظهر الباطن من الرحمة والنعيم المقيم ، ويبطن الظاهر من كل بلاء وشدة إلى الأبد لنا ولكم إن شاء الله في جنة الخلد في ماء معين وحور عين ، وطعام لذيذ ، ومن كل شيء حسن المذاق جميل المنظر مُفرح ومؤنس للقلب .

ثم إن اسم الله تعالى : هو على حد الوسط في الظهور والبطون ، وهو جامع لكل الأسماء الحسنى الإلهية ، وموصوف بكلها لا البطون غالب على الظهور ولا الظهور غالب على البطون أي ما تجلى منه ، وللداعي معه شؤون يريدها حسب حاله ومقاله ، والباقي من الأسماء الحسنى في الخلق وفي فعله تعالى حسب الحال في ظهور وبطون ، وفي أنفسها في الواقع المقدس متحدة لا ظهور ولا بطون .

 

 

الإشراق الخامس :

الأسماء الحسنى بعضها واسعة ومحيطة وأخرى محاطة :

يا طيب : عرفنا في الجزء الأول لصحيفة توحيد الكاملين ، معارف كريم في تفرع الأسماء الحسنى الإلهية وأحاطتها في باب شرح الأسماء الحسنى ، فإن أحببت المعرفة العلمية العملية لهذا الموضوع فراجع شرح أمهات الأسماء الحسنى الإلهية الواسعة والمحيط والمحاطة والخاصة هناك .

  فإنه قد عرفنا : إن بعض الأسماء الحسنى الذاتية تسمى أمهات الأسماء : وتتفرع عليها كثير من الأسماء الحسنى ، فيكون بعضها محيطة وبظهورها يتجلى لنا معاني كثير من الأسماء الحسنى .

 فمثل اسم الله : اسم محيط بكل الأسماء الحسنى وظاهر فيها بكلها على نحو واحد كما هو باطن فيها بنحو واحد .

 وكما إن اسم العليم : محيط بالأسماء الحسنى المناسب له مثل السميع والبصير والحسيب والحكيم والخبير وغيرها ، مما عرفت حين شرح الأسماء الإلهية الكريمة :الله ، الإله ، الحي ، العليم ، القدير ، الخالق ، وما يتفرع عليها .

وستطلع يا طيب : على معارف تبين هذا المعنى في شرح الأسماء الحسنى الآتية سواء في صفات الذات المقدسة أو صفات الأفعال حين شرح الأسماء الحسنى المحيطة والواسعة إن شاء الله ، وسيأتي بيان آخر أوسع في صحيفة العارفين إن شاء الله .

 

الإشراق السادس :

معنى الاسم والصفة :

 

الإشعاع الأول : معنى أسم الأسماء والصفات بصورة عامة :

يا طيب إن : الاسم : مأخوذ من سموت أي علوت أو من سمة أي علامة ، ويراد به ما يدل على معنى يبين حقيقة من الحقائق سواء خارجية أو ذهنية ، والأسماء إما تدل على الذات أو على كمال من كمالاتها من الصفات والنعوت التي توصف بها الذات أو أفعال الذات ، وكل وجود له ذات وصفات وأفعال مناسبة لشأنه ولحاله من العلو والرفعة والغنى والكمال المطلق ، أو الدنو والحاجة والنقص والفقر .

 واسم الذات : مثل أسماء الأشياء : إما اسم جنس : من حجر وشجر أو تراب وطين ونبات ، أو حيوان ، أو اسم لأنواع الأجناس : كالحيوان مثل : البقر أو الغنم أو الإنسان أو غيرها لباقي الأنواع ، أو اسم عَلم فرد : كمحمد أو علي أو حسن أو حسين ، وهذه أسماء المخلوقات وهي محدودة ، والذات المقدسة غير محدودة ، واسم الله اسم علم للوجود المقدس وتوجد أسماء له وصفات عرفت بعض بيانها وسيأتي .

وأما اسم صفة : اسم الصفة إما مثل : حياة علم حلم قدرة صدق رضا خلق إبداع رحمة ، وهذه الصفات تتلبس بها الذوات فتجمع الذات والصفة باسم واحد ولفظ شامل لهما مثل : حي عالم حليم قادر صادق راضي خالق مبدع رحيم ، وللمبالغة يقال : عليم أعلم قدير مقتدر صدوق رحمان ، وهي أسماء تجمع  الذات وشؤونها وكمالها وأفعالها .

وهي أيضاً أسماء صفات : إلا أنها مع الذات مجتمعة ، وهي أسماء مشيرة لذات متلبسة بها وأصبحت الصفة من شؤون الذات المتلبسة بها بعد إن كانت صفة بما هي صفة ، وكانت معنى غير موجود ولا متلبس بها شيء و معنى ذهني ، ثم تلبست بذات وصارت وصفا لوجود ، فأسم الصفة اسم وصف يبين كمال لموجود ويشرح حاله .

 والصفة المتلبسة بها الذوات : كذلك تسمى بأسماء الصفات ، وهذا ما نبحثه في الغالب هنا وهو المراد ، أو أسماء حركة وأوضاع وأحوال وحركات للأمور المحدودة فقط ، وأعراض للذوات تسمى نعوت وصفات لها مثل : سكون ، وقوف ، قيام ، سواد ، بياض ، ويتصف المتلبس بها وينعت بأسمائها فيقال : ساكن ، متحرك ، واقف ، قائم ، أسود ، أبيض .

وهذه لا يتصف الله تعالى بها : لأنها مناط للحد والحاجة أو فيها نقص وتحجيم للشيء ، والله هو الغني الحميد ولا يحاط به علما ولا شريك له ، فما له من أسماء الصفات مناسب لعظمته وكبرياءه ومجده وهي عين الذات ليس زائد عنها ، وصفات الفعل عرفت حالها في الزيادة والنسبة إليه بعد الخلق وإشراق نور الأسماء الذاتية في تكوين الخلق .

 

 

الإشعاع الثاني : الأسماء الحسنى الإلهية ، وأسماء الصفات لها :

عرفت يا طيب : في الإشراق الرابع من الذكر الأول والذي كان يعرفنا معارف عالية في الأسماء الحسنى والصفات العليا ، وذكرنا به قسمين للأسماء ذاتية وأسماء صفاتية ، وإن بذوق عارف يتوجه لمعرفة شؤون العظيمة في النظر الأول وبالنظرة الثاني من غير تدبر في المعاني اللغوية ، ولكن قلبه يتوله في كبرياء المجد الإلهي فيسمه أو يصفه ، ولو تدبرت لعرف إن القسم الأول يغلب عليه أسماء للوجود المقدس نفسه دون النظر للصفة ، والثاني يغلب عليه إنه أسماء صفات للذات المقدسة ، وأما أسماء الأفعال بصورة عامة فهي أسماء صفات حتى الخالق والقيوم والرب وغيرها ، وبيانه هذا .

إن الأسماء  الحسنى الإلهية هي : إما أسماء ذات أو أسماء لصفات وهي :

إما أسماء علم للذات : الله ، ويوصف بكل الأسماء ولا يقع صفة لاسم مها حتى ما عد لها اسما وليس صفة ، كما قد يعد ويعتبر اسم ذات ليس بصفه مثل : الأزلي ، الأبدي ، الأحد ، الواحد ، الصمد ، وغيرها .

أو أسماء صفات وهي الباقية : كل أسم يعرفنا معنى كمالي للذات المقدسة حتى العليم والعالم ، والقدير والقادر ، والحي .

فأسماء صفات الله : ممكن أن تكون من الأسماء الذاتية ، والتي هي تعبر عن نفس الذات المقدسة ، و المتلبسة بالصفات في عين وجودها من غير كثرة وبيان لنوع جمالها وكمالها المطلق كالحي والعالم والقادر .

أو تدل على اسم لنسبة فعله له تعالى : فتكون أسماء صفات فعلية : أما نفس وجود الذوات الخارجية أو كمالها حين نسبتها له بحيثية معينه من النسبة وجهة خاصة ، وأسماء الأفعال كثيرة جداً حتى أن كل موجود وكماله وفعله وصفاته يمكن نسبته لله تعالى فمثلاً نقول : خالق الحسين أو يا منعم على الحسين أو يا جاعل الحسين إمام وسيد ووصي نبي وبوصف كذا وحال كذا وزمان كذا وكل وصف من أوصافه الجسمية والروحية التي تأتيه أو تحل فيه بالاختيار أو بدونه .

 أو نقول : رب البحار ، ورب البيت الحرام ، وإله الشجر .... وكل موجود يمكن أن ينسب لله تعالى بصفة خلق أو نعمة أو قيومية أو هدى ، فتتكثر أسماء الصفات الإلهية المضافة مرة واحدة له تعالى ، أو أكثر من مرة لشيء واحد مع صفات كثيرة ، أو لأكثر من شيء واحد وصفات أكثر .

 وحتى الأسماء المحيطة الشاملة لكل الموجودات والعامة هي مثل : الخالق والمصور والمنعم والرازق والهادي والمحيي والمميت ، وأمثالها ، وهي أسماء ذات الفعل الإلهي وإيجاده للكون أو لسلب عطائه وفيضه وتجليه ، فهي أسماء صفات له تعالى مع إنها مضافة فعليه غير ذاتية .

وكذا الأسماء الحسنى الصفاتية السلبية : فهي كلها أسماء صفة ، والتي بها يتم سلب نقص عن الذات المقدسة أو الفعل الإلهي في أسماء الصفات السلبية ، والتي بدون حرف سلب مثل تقدس وسبحان والمنزه عن النقص والحاجة ، أو مع حرف سلب مثل : لا يحويه زمان ولا مكان ، أو ليس بفقير ولا جاهل وغير محدود وليس له جزء ولا عضو ولا يرى بالعين والخيال والوهم وغيرها ، أو سلب فعل عنه تعالى كمثل : لم يرزق فلان ولم ينعم عليه أو أنه تعالى لا يظلم أحد وفلان ، أو أنه تعالى لم يهديه لكونه لم يلجأ إليه ولم يتوجه له فحرمه عطائه وهدايته ونعيمه .

 

 

الإشراق السابع :

الأسماء الحسنى المشروحة في علم الكلام والفلسفة وهنا :

الإشعاع الأول : الأسماء الحسنى في كتب الكلام والفلسفة :

يا طيب : عرفنا في الإشراق الأول من الذكر الثاني إن  عدد الأسماء الحسنى لا يحصى ، وإن كل اسم حسن فهو اسم لله ، وإن التوقف فيها تأدبا ومراعاة لعظمته تعالى ، واحتراما لما يجب من إظهار شأنه الكريم في الزمان والمكان والحال المناسب .

وأما في كتب الحكمة والفلسفة والكلام : فإنه يوجد شرح لأمهات الأسماء الذاتية والفعلية الإلهي ، وإن لم يحصروها في عدد معين ، ولكن غالب ما يذكر منها سبعة أو ثمانية يعدوها أمهات الأسماء أو يزيدون في الشرح فيشرحون أكثر من سبعة ، أو ينقصون ، حسب سعة الكتاب وغرض الكاتب من البيان ، واعتاد القوم ذكر الأسماء الحسنى التالية بالشرح من الأسماء الحسنى الثبوتية :

 العليم ، والقدير ، والحي ، والسميع ، والبصير ،  المريد ، والمتكلم ، والغني .

ومن الصفات السلبية سبعة : إنه تعالى :

 ليس بجسم ، وليس بجوهر ، وليس بعرض ، وإنه لا يرى ، ولا متحيز ، ولا حال في غيره ، ولا يتحد بشيء .

وهم يشرحون هذه الأسماء الكريمة : إما باعتبارها أهم الأسماء أو لأنها أوسعها وبمعرفتها يعرف الكثير من شأن باقي الأسماء الحسنى ، وإن كانوا يذعنون بأن الحق في  الأسماء الحسنى هو أكثر بكثير مما ذكروا ، وإن كان حتى في شرحهم هذا لهذا العدد بهذه الأسماء الحسنى فهو متفرع على غيره ، وإنه لم يحتاج لإفراده بالشرح لأنه يستبين معناه من غيرها ، فإن السميع البصير والإرادة فرع العلم الإلهي ، وذلك لأن علمه تعالى محيط واسع فهو عالم بالمسموعات والمبصرات ومرادة له ، وإذا أراده نفذه لأنه لا يعجزه شيء .

ومر بعض الكلام : في عدم حصر عدد لأسماء الله الحسنى عند ذكر أسماء الله في القرآن المجيد والأحاديث الشريفة وعددها فراجع ، والمعارف الآتية فيها بعض البيان في معنى الإحاطة وبيان سبيل شرح الأسماء الحسنى فتدبرها مشكوراً.

 

الإشعاع الثاني : الأسماء الحسنى المشروحة في هذه الصحيفة :

يا طيب : قد عرفنا في الإشراق الثالث من الذكر الثاني الحديث الشريف الذي فيه تسعة وتسعون اسماً من الأسماء الحسنى ، وهذا الحديث هو ما سنشرحه هنا في هذه الصحيفة لتوحيد الكاملين وفي جزءها الثاني بعد إن كان الجزء الأول في أدلة التوحيد والمهم من معارفه الكريمة .

كما إن هذا الحديث : قد ذُكر بعدة عبارات سيأتي ذكرها في صحيفة العارفين إن شاء الله وبيان الكلام فيها ، وإن هذا الحديث سنده المبارك ما عرفته ، وهو عن أهل البيت عليهم السلام ولذا اخترناه ، فضلا عن كونه جامع للأسماء الحسنى بأفضل تعريف لها وترتيب في ظهورها وبطونها ، وفي التدرج في معارف تجليها المترتب على ذكرها .

فإن أحببت : حفظها فعليك بمراجعتها فإنها معدة ومرتبة للحفظ خمسة أسماء حسنى في كل سطر ، وإن أحبب معرفتها وشرحها فحان بعد ما عرفنا من المعارف القيمة التي لا يستغني عنها كل مؤمن طيب يحب عبادة رب العالمين عن معرفة ودراية بمعانيها ، فإنها كعبة القلوب التي تذكر الله وتدعوه وتحب أن تتوجه له توجه حق مؤثر في وجودها ، وتود القرب الصادق من مبدأ الخير والعزة والمجد والكمال ، فتثني عليه بها ، وتحمده وتشكره وتذكره بها ، وعن يقين بفضلها وكرامتها وتأثيرها في إيصال فيض الله لكل عبد حسب حاله ومقاله .

وقد وشرح هذه الأسماء الحسنى وغيرها : كثير من المسلمين وبالخصوص خلاصة الوجود وأحباب رب العالمين من أتباع نبينا وآله الطيبين الطاهرين ، وهم أما شرحوا نفس هذا الحديث أو حديث آخر للأسماء الحسنى الإلهية يذكر بعض هذه الأسماء وغيرها ، وقد جمع الأسماء الحسنى لكل الأحاديث بحديث واحد زاد على التسعة والتسعين بكثير وشرحها العلامة : الكفعمي إبراهيم بن علي الجبعي أنعم الله عليه بمراضيه و جعل يومه خيرا من ماضيه بعد نقل أحاديث ثلاثة مختلفة في بيانها للأسماء الإلهية الحسنى فقال : ولما كانت كل واحدة من هذه العبارات الثلاث تزيد عن صاحبتيها بأسماء و تنقص عنها بأسماء ، أحببت أن أضع عبارة رابعة هي لأسماء العبارات الثلاث جامعة مع الإشارة إلى شرح كل اسم منها في هذا الكتاب من غير إيجاز و لا إطناب ، و أخذ ذلك من كتابه الموسوم بالمقام الأسنى في تفسير الأسماء الحسنى .

 فإن أحببت : أن ترجع لكتابه فهو يشرح أكثر من تسعة وتسعين اسما من أسماء الله الحسنى ، كما إنه لأستاذنا آية الله السبحاني شرح للأسماء الحسنى الواردة في القرآن المجيد وجمع منها مائة وخمسة وثلاثون اسما وأشار لغيرها ، كما أنه للسبزواري رحمه الله شرح دعاء الجوشن الكبير الذي فيه ألف اسم من الأسماء الحسنى ، فإن حببت أكثر فراجعها .

ويا أخي : إن شاء الله يأتي شرح بترتيب آخر حسب سعة الأسماء ورتبها في الظهور في الوجود في أحد أجزاء صحيفة العارفين إن شاء الله ، وقد مر شمة من ترتبيها في شرح الأسماء الحسنى في الجزء الأول من صحيفة الكاملين ، فإن أحببت المعرفة تلك وراقك ما سمعته منها فعليك بصحيفتها ، وما مرّ فإنها ألذ معرفة للقلوب وأسمى معرفة للعقول فراجعها يا طيب واسأل الله لك ولي نورها.

 

 

 

الإشراق الثامن :

أسلوب شرح حديث الأسماء الحسنى وأثرها  والتأثر بها :

 

الإشعاع الأول : معرفة عامة لشرح الأسماء الحسنى وأهمية معرفتها :

يا أخي المؤمن : في هذه الصحيفة المباركة التي أعدت للكاملين من المؤمنين الطيبين قد عرفت إن البحث فيها متدرج في الاختصار في شرح أول الأسماء ثم يتسع البحث ويفصل في الأسماء الأخيرة من الحديث ، ولكنه يكون الشرح للأسماء حتى المختصرة في البحث هنا وبالخصوص في هذا الجزء هو : أنه نذكر هنا شرح كل اسم حسن لله تعالى ببيان معناه في اللغة والعرف والشرع بمعرفة جامعة كلية ، واسأل الله أن تفي بالمعنى المراد من الاسم بصورة عامة ، ثم نبين كيف يمكن إطلاقه على الله تعالى وكيف نصفه به ، ثم نذكر تجلي فيضه وظهوره في الوجود العام فنبين حقيقته من بين الأسماء ، ثم نبين فيضه وتجليه وظهوره في الوجود وأثره وتأثيره ، كما نشير لما يناسبه من بعض الأسماء الحسنى الإلهية ، ثم نبين تجليه في الوجود الخاص الخاص لأفضل من تحقق به وظهر نوره فيه فتحلى وتجلى به للعباد ، وإنه يجب على المؤمنين أن يقتدوا به ويسيروا بنور هداه حتى يشرق عليهم فيض الله ويكونوا من مصاديق نوره .

فبعد هذه المعرفة القيمة بكل اسم حسن لله تعالى : نتبعه بتطبيق عملي نبين فيه ما يجب على المؤمن العارف بالله اتجاه هذا الاسم المبارك الحسن الإلهي ، وكيف يحصل على أثره فيؤثر هو به على عباد الله بعد أن يحصل على فيضه وتجلي حقيقته به ، فيتصف به ويعمل به ، بل يكون نوره في حقيقة ذاته ووجوده وفي كل مملكته في الدنيا والآخرة ، وهو في الحقيقية أثر فضل الله ونعيمه عليه بما تجلى عليه وظهر فيه بخصوصية ذلك الاسم الإلهي وحقيقة أثره في الوجود الطيب المطيع المكرم عند الله تعالى .

فإنه يا طيب : قد عرفنا إن الأسماء الحسنى الإلهية هي ليس ألفاظ لا معنى لها ولا حقيقة أو ليس لا أثر بالوجود لها ، بل هي عين الوجود وحقيقة وكل ما ظهر فيه ، وإن كل شيء بالوجود وبالخصوص الإنسان بصورة خاصة وعامة ، فهو محل لظهور كثير من الأسماء الحسنى الإلهية فيه ، وإن كل نعيم الله في الوجود وكل ذات وصفة لموجود تجلي وظهور لفيض ونور اسم من أسماء الله ، وبيان لكماله وظهور لشعاع من حقيقته في الوجود ، وإن خلق العالم الإمكان ونعيمه وكل ما فيه من الخير والحوادث والتصرفات والأفعال والحركات من مدد لظهور تلك الحقيقة النورانية العليا للأسماء الحسنى الإلهية العظيمة المباركة .

وإنه يا أخي في الإيمان : لا شيء في الوجود في تكوينه وصفاته وكماله وغايته خارج من نعيم الأسماء الحسنى الإلهية وفيضها وتجليها ، ولذا كان الإنسان بذاته وهو أحد موجودات عالم الخلق ، بل قد فُضل على كثير من خلق الله وأنعم الله عليه نعم لا تحصى ، وإن الإنسان بذاته وصفاته وأفعاله وكله نعم إلهية تحيط به معنوية أو مادية ، فهو وما يستمد ويستعين به في كل شيء له ومحيط به ، هو مما يتجلى من فيض الأسماء الحسنى الإلهية ، فهو بكل وجوده يأخذ من تجليها بل هو ظهور لها ، وبها يقوى على العمل بل بها يكون له البقاء في الوجود حتى غايته .

ولذا يا طيب : كانت معرفة الأسماء الحسنى الإلهية في نفسها معرفة عالية وأشرف معرفة في الوجود ، وإن لها آثار كريمة تجعل العبد مؤمنا حقا إن أتصف بها بالتحلي المناسب حسب شأنه كعبد مطيع موقن بنورها وما شُرف به من هدى الدين القويم ، ولذا كانت معرفتها مقدمة للكون تحت حيطة نورها والارتفاع في مراتب الكرامة والمجد في الوجود الأعلى في أعلى مقام منه ، وحتى نكون مع نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين نحف بهم تحت عرش الرحمان ، وعند الوسيلة والمقام المحمود للمشكور سعيهم والمغفور ذنوبهم إن شاء الله .

 

 

الإشعاع الثاني : تجلي الأسماء الحسنى الإلهية في الإنسان بنوعيه :

يا طيب : قد عرفنا إن كل شيء في الوجود هو مظهر للأسماء الحسنى الإلهية ، وإن الإنسان هو المفضل في الوجود وخلاصة مظهر الأسماء الحسنى وتجليها ، وإن الإنسان لم يخرج عن حيطتها لا في نفسه ولا في صفاته ولا في أفعاله ولا بما يحيطه من النعم ، وبهذا نعرف إن :

إن الإنسان : وإن كان مختارا في طلب علمه وإيمانه ، وما يعمل من أعماله ويتخلق به من الأخلاق ، لكنه لم يخرج من حيطة تلك الأسماء الحسنى الإلهية التي تتجلى عليه ، والتي تمنحه المدد والقوة على تعلم علمه وعمله وكل وجوده وصفاته وسيره وسلوكه ، وحتى العاصيين فضلاً عن المطيعين .

 ولكن الإنسان المطيع : يأخذ نعم الله وما يتجلى الله عليه بفيضه ويصرفها في طاعة الله ، فيزيده ويكرمه الله ويعزه حتى يجعل تجلي ذلك الاسم عليه خالدا دنيا وآخره ، وبكل ما يسعه ظرف وجوده وتتقبله طاقة استعداده لفيض تجلي نور الله تعالى عليه بالاسم المناسب له , وبهذا التجلي الخاص بالإضافة للتجلي العالم للكون يصل كل شيء فيه لغايته ، وفي هذا رعاية للمؤمن لم تكن لغيره ، كما وهناك تجلي خاص الخاص على الإنسان المؤمن : هو لذلك الذي يكون خليفة الله في أرضه وأقد اصطفاه الله للهداية لدينه ، وبعدهم أتباعهم ذو التجلي الخاص الذي عرفته ، والناس بعدهم حسب قربهم منهم وبعدهم في ذلك مراتب حتى يأتي يتنزل للمرتبة التالية وإن أدعى الإيمان أو لا .
 

فيكون هو إما ضال أو عاصي أو كافر أو منافق : وهم الذين ينفرون من تجلي نعم الله تعالى عليهم ، ويأتون بأعمالهم الباطلة والمحرمة المبعدة عن تجلي الأسماء الحسنى الجمالية عليهم ، فإنه وإن حصلوا على بعض فيضها في الدنيا لكنه يُحرموا منها في الآخرة ، بل قد يحرم منها كثيرا من أفرادهم حتى في الدنيا ويفوته كثير من خيرها وبركاتها وإن كانت ظاهرة عليه بالنعم من تجلي بعض الأسماء الحسنى الجمالية ، ولكن يبطن فيها اسم الجلال فيظهر ويبطن اسم الجمال حتى يضيق عليه وجوده ويحرمه كل خير وبركة حتى يضيع في الدنيا كل فكر وعلم وعمل له فيكون محصورا في سجن المادة والطبيعة ، ويبتلي بجمعها ثم يفارقها ويترك كل ما جمعه وهو مذموما مدحورا ويحرم منها إلى الأبد ، بل قد يكوى بها ويعذب بنار حرمانه منها ، فتظهر له بصفة جلالية فيها قهر له وتضييق عليه بل تشتعل بنار تكويه والعياذ بالله .

ولذا يا طيب : في هذا البحث سترى إنه بعد أن نشرح اسم من الأسماء الحسنى الإلهية وبيان معناه وكيف ظهور أثرها ، نتبعه ببحث جميل هو غاية ظهور الاسم في الوجود وحقيقته الدائمة التي يجب أن يحصل عليها المؤمن ويتصف بها إلى الأبد ولا يفارق تجليها وفيضها عليه أصلاً في الدنيا ، وفي الآخرة بمرتبة أصفى وأجلى وبنعيم كبير وأعلى من أن ينغصه ويزاحمه شيء من فقدان أو مرض أو موت أو يغصب منه أو غيرها ، فيكون كله في جمال حتى في أسماء الجلال فلا قهر له بل لرفعه وإعطائه العز والمجد والعظمة في أعلى نور متعالي عن النقص في شأنه الكبير .

ولا يكون مثل الكافر : يتصف باسم جمالي أو أسماء جمالية في الدنيا حينا و مع آلاف المنغصات والمزاحمات من أمور الدنيا ومشاكلها وهمها وغمها ، ثم يفارقه وينفر منه لأسماء القهر والغلبة ويفر من أسماء الجمال الإلهية ويكون مقيم في الجلالية القهرية إلى الأبد ومتجلية عليه بالغلبة والحرمان ولا من نصار ولا معين ولا شفيع ، والعياذ بالله من أحوال المنافقين والكفار والمشركين بل والعاصين .

 

 

الإشعاع الثالث : خير من تحلى بالأسماء الحسنى الإلهية وتجلى بها :

وإذا عرفت يا طيب : هذه المقدمة التي هي في الحقيقة بيان لظهور وتجلي الأسماء الحسنى الإلهية وبيان لمعنى ظهورها ، وكيف يتلبس بها المؤمن ويطلبها بالعقل اعتقادا وبالقلب إيمانا وبالفؤاد محبة ، ويتحلى بها بمعرفة صادق يقينها و يتبعها في كل وجوده وصفاته وأفعاله آثارها ، ويتجلى بها بقدر الوسع والطاقة بكل سيرة وتصرف له ، وهذا كله يتبع مقدار ما عنده من الجد والاجتهاد في تحصيل فيضها حتى يقترب منها ويكون فيها مقيم إلى أبد بإذن الله وفضله .

ثم يا طيب : إن الحديث الشريف قد ذكر بعد اسم الله الأعظم تسعة وتسعون اسما  ، وذلك لكونها كلها تصفه وهو باطن فيها وهي مظاهر تجلي له ، وهذا بيان لما عرفت من أن الأسماء الحسنى لإلهية هي عين بعضها البعض من غير كثرة تتصف بها الذات الإلهية المقدسة ، وهي كلها عين الذات المقدسة بنحو البساطة الصرفة التي لا تعد ولا تحد ولا تعرف حقيقتها إلا إن له كل كمال وجمال وجلال بنحو الإطلاق ولانهاية شدة ولا مدة ولا عدة ، وإن الوجود وكل ما فيه مظهر تجليها وظهورها ، وكل ما فيه يستمد العون والمدد لبقائه منها ومادام وجوده إلى أن يصل لغايته بإذن الله تعالى وهو محيط به سبحانه .

وخلاصة المعرفة : إن الوجود وبالخصوص المؤمن هو محل ظهورها وخلاصة تجليها الدائم ، وإن أكرم تحقق لها حقا هو تجليها الخاص بالمنعم عليه الحقيقيين والواقعيين ، وإن كان كل مؤمن حسب حالة له مملكة تخصه من تجلي الأسماء الحسنى والصفات العليا الإلهية ، فلذا كان بعد شرحها نذكر ما يجب عليه أن يحصل عليه منها ، وكيف يتوجه لفيضها ويتحلى بها فيفيض ببركة الله عليه من كرامته ونعيمها .

 ولكن يا أخي : تعرف بهذا معنى كريم وهو بأن : نبينا الكريم محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين المعصومين صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين هم أكمل واشرف واحسن وأنمى وأزكى وأطهر وأكرم وأعز من اتصف بها حتى كانوا هم المظهر التام والكامل لتجليها دائماً في الدنيا والآخرة ، وإن من يتعلم ويقتدي بدينهم وبسيرتهم يحصل على حقيقة تجلي الأسماء الحسنى الإلهية ببركة الله عليهم وتجليهم بها علما وعملا وسيرة وسلوكا ، فمن خلالهم يصل لها المؤمن بأحسن هدى وأتم فيض .

وإن من يعاديهم يحرم منها ويدخل تحت فيض : أسماء الجلال بالقهر والغضب الشديد وعذاب لا يبيد ، وهي أسماء لتجلي القهر والغلبة .

ولتعرف يا طيب : هذا المعنى بصورة أوسع فتدبر صحيفة التوحيد كلها أو صحيفة الإمام الحسين عليه السلام ، فإنه فيها معارف قيمة كريمة في كل أجزاءها في هذا المعنى .

وهذا الباب الآتي : هنا يبين لنا معارف قيمة في تجلي الأسماء الحسنى فضلاً عن وصف الذات المقدس بها فتابع البحث في الباب الآتي لشرح الأسماء الحسنى التسعة والتسعون ، فإنه من أحصها باللفظ فله ثوابه ، ومن أحصها بالقلب والعقل إيمان واعتقاد حق ، تكون له الجنة في أعلى بهاء ، وفي نعيم الأبد .

وأسأل الله : أن يلبسنا وإياكم حقيقة فيض الأسماء الحسنى بأجمل بهاء وبأتم سناء حتى يجعلنا مع نبينا وآله الطيبين الطاهرين صلى الله عليهم وسلم ، وفي أتم نور وأكل كرامة وأشرف مقاما محمودا مشكورا عنده ، فإنه أرحم الراحمين ، وصلى الله على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .

   

أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.alanbare.com

يا طيب إلى أعلى مقام صفح عنا رب الإسلام بحق نبينا وآله عليهم السلام


يا طيب إلى فهرس شرح الأسماء الحسنى أحسن الله علينا بنورها