صحيفة النبوة

صحيفة المبعث

والإسراء والمعراج

 


 

 

شرح معنى المبعث

رحم الله الشيخ حسن الأنباري إذ قال:

أسرى الله وعرج بخاتم الأنبياء في يوم مبعث

لنتنور به وليكن للعبودية ولكل خير مبعث

وهو يوم التعليم والصلاح الآن ويوم مبعث

لمن تبع الأوصياء حُفّاظ دين الله آل الزكية

 


 

 

المحتويات

صحيفة النبوة 1

صحيفة المبعث.. 1

والإسراء والمعراج. 1

وشرح معنى المبعث.. 2

آيات كريمة : 6

البعثة : 6

الإسراء : 7

المعراج : 7

أسرى الله و عرج بخاتم الأنبياء ليظهره نوره و ينشر هداه في يوم مبعث.. 9

المعنى اللغوي لمبعث : 9

آيات في البعثة وغرضها وحفظها: 10

فضائل ليلية ويوم المبعث : 14

يوم المبعث هو يوم الإسراء والمعراج : 19

رواية في المبعث والإسراء والمعراج : 22

معنى عالي ليوم الإسراء والمعراج والمبعث : 25

مفصل الإسراء والمعراج : 35

ما رأى في الإسراء : 35

المعراج وما رأى في السماء الدنيا 38

المعراج للسماء الثانية حتى السادسة 44

 

فأقتبس منه التوجه لله و اشكره و ليكن لك لعمل الخير كل يوم مبعث.. 53

معنى مبعث باعث ومحفز : 53

آيات وروايات المسارعة والتحفيز 54

حديث أمير المؤمنين في التحفيز 57

 

وهو يوم العلم والمعلم وفيه صلاح العباد وسعادتهم الآن و يوم مبعث.. 63

والله حفظ دينه بعد خاتم رسله بآله ولمن ودهم وتبعهم رضاه وجنة علية 63

معنى المبعث للحشر : 63

مبعث النبي وآله يوم القيامة : 65

أحاديث في البعث والحشر : 68

 

تكميل. 72

يوم المبعث والعلم والتعليم : 72

أحاديث في أهمية العلم : 79

ومن صفة العلماء : 79

في استعمال العلم : 80

أنواع طلب العلم : 82

يجب إظهار العلم : 83

فضل العلماء : 85

فضل نشر العلم : 87

مقال  في المبعث و العلم ويوم المعلم : 89

النور الأول :  العلم مع خلق أبينا آدم: 94

النور الثاني : العلم في ولد أدم وتطوره في وجودهم: 97

هدية للمعلم : 103

قصيدة : قم للمعلم 105

عناوين مفيدة : 108

 


 

 

آيات كريمة في البعثة والرسالة:

البعثة :

{ لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ

 إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ

 يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ  وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ

وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ (164) } آل عمران .

 

بسم الله الرحمن الرحيم :

{ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)

خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)

اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3)

الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4)

عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)} العلق .

{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا  رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107) }الأنبياء .

 

{ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ  أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119)} البقرة .

 

{ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا

وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ  وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ (151)

 فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ (152)

  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)} البقرة .

 

الإسراء :

قد قال الله سبحانه وتعالى :

بسم الله الرحمن الرحيم :

{ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْل

مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ

 لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } (الإسراء1)

 

المعراج :

 

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

{ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)

إِنْ هُوَ  إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)

 ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7)

 ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)

فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10)

 مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11)

 أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12)

 وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى  (13) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14)

 عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى  (16)

مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) } النجم .

 

{ سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2)

 مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3)

 تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) } المعارج .

 

يا طيب : الآيات تخص النبوة وتبليغ الرسالة ، وكان في المعراج الأمر بالولاية والإمامة لتحفظ الرسالة كما في الأحاديث الآتية فتدبر :

 

 

أسرى الله و عرج بخاتم الأنبياء ليظهره نوره و ينشر هداه في يوم مبعث

المعنى اللغوي لمبعث :

مبعث : يوم مبعث رسول الله في يوم 27 رجب ، و هو يوم الإسراء والمعراج كما سيأتي بعض البيان ، بَعَثَهُ‏ يَبْعَثُه‏ بَعْثاً : أَرْسَلَهُ وَحْدَه، وبَعَثَ‏ به: أَرسله مع غيره . و بَعَثَهُ‏ و ابْتَعَثَه‏ أَرسله‏ فانْبعَثَ ‏.

و قال سبحانه وتعالى :

{ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا }.

 وقال رسول الله صلى الله عليه وآله :

و بُعِثْتُ‏ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً .

و وفي حديث الإمام علي عليه السلام : شَهِيدُك يومَ الدين، وَ بَعِيثُكَ‏ نِعْمَةٌ ؛ أَي‏ مَبْعُوثك‏ الذي‏ بَعَثْته‏ إِلى الخَلْق أَي أَرسلته، فعيل بمعنى مفعول .

ونبي الله تعالى : وبعيثه هو خاتم النبيين وسيد المرسلين هو محمَّدٌ بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو خَيْرُ مَبْعُوثٍ‏ و مُبْتَعَثٍ‏.

 

 

 

 

 

آيات في البعثة وغرضها وحفظها:

 قال الله تعالى : في بعث الرسل وبالخصوص نبينا محمد صلى الله عليه وآله :

{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمْ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا (213)} البقرة .

قال الله : { وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ

قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا

قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) ... ..

رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) } البقرة .

 { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ

إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ

يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ

وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ(164)  } آل عمران .

وقال سبحانه :

{ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)

 هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ

 يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ  وَيُزَكِّيهِمْ

وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ  وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (2) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)

 ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4)  } الجمعة .       

والله سبحانه : بعث نبينا الأكرم ليعلمنا:

 الكتاب  والحكمة

وليزكينا ويطهرنا من الشرك وكل ضلال وحرام وكل الخبائث .

 فتطيب أنفسنا وتطهر عقائدنا .

 ولكن بعض الناس : حسد النبي وآله الذي هم الأئمة من ذرية إبراهيم الذين خصهم بالكتاب والحكمة على طول التأريخ:

{ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ

 عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ

 فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ

 الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ

وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا (54)

فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ  وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ   وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55) } النساء .

ولا ناس حسدوا : وعندهم الكتاب والحكمة ، إلا نبينا الأكرم وآله الطيبين الطاهرين ، وهم استمرار لتلك الذرية الطاهرة من زمن إبراهيم عليه السلام بل من آدم بل أعلى ، ويا طيب إن بعث النبي هي كالأمر بولاية أمير المؤمنين عليه حين نصبه يوم الغدير بل في المقام الأعلى كما ستعرف .

وقد قال تعالى :

{ الْيَوْمَ   أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ

وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي

وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا (3) } المائدة.

هو يوم تنصيب : رسول الله بأمر الله تعالى ، لوليه وإمام الحق ومن بعده آله وهم أربعة عشر معصوم عليهم السلام كما شرح الآية علما وعملا في خطبة الغدير وحدث بمعنى الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة ، وهذه الآيات تفسير بل تفصيل عملي وعلمي نصي لقول إبراهيم في جعل الإمامة لذريته بعدما جعلت له ، وقد طلبها لهم فأجابه الله  كما في الآيات السابقة .

وآل محمد عليهم السلام : فمن حسدهم وتركهم أو تبع من حاربهم ومنعهم مما وهبهم الله من منصب الخلافة فقد خسر الخسران المبين ، ومن قبلهم أئمة وقادة وسادة وأئمة وأخذ معارف الله منهم وعمل بها فاز ونجى ، فإنهم هم نفسهم الذين يجب أن نهواهم ونسير بسيرتهم لنعبد الله بدين حق وهدى خالص بتعاليمه تعالى ، وكما قال سبحانه إذ جعل قلوب الناس تهوى إليهم فصاروا مؤمنين بفضلهم ، كما عرفت وفي قوله تعالى يحكي عن إبراهيم عليه السلام :

{ رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي  بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ   فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ   تَهْوِي إِلَيْهِمْ    وَارْزُقْهُم مِّنَ  الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) } إبراهيم .

وهذه الذرية الطيبة الطاهرة هم قربى نبينا كما قال تعالى :

{ ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ

قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى  وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) } الشورى .

يا طيب : من يقترف ويكرف من ودهم الموجب لطاعتهم والتعلم منهم وينبعث للعمل بهداهم ، فهو الفائز يوم القيامة ، ويسير بصراط مستقيم لنعيم عبودية الله ولثوابه في يوم القيامة فيغفر ذنوبه ويطهره ويصب عليه رحمته بشكره ، كما في الآية أعلاه .

ويا طيب : بعد أن عرفنا شيئا عن بعثة النبي والأنبياء ، وغرضها من التعليم للكتاب والحكمة وتزكية العباد وتطهيرهم من الجاهلية والرذائل والخبائث ، وتعليمهم ما تطيب به أنفسه ويسعدوا في الدنيا والآخرة .

 وأعلم يا طيب : أن البعثة ومبعث النبي كان يوم الإسراء والمعراج ، لمعرفة هذا المعنى نتدبر معنى مرسل ثم الآيات والأحاديث التالية :

 


 

 

فضائل ليلية ويوم المبعث :

يا طيب : وردت روايات كثيرة واتفقت الإمامية على أن المبعث كان في يوم 27 سبعة وعشرون رجب حين كان عمر النبي صلى الله عليه وآله 40 أربعون سنة أي قبل الهجرة بـ 23 ثلاثة وعشرون سنة ، فنذكر بعض فضله وأهميته :

قال المفيد رحمه في المقنعة :

رسول الله صلى الله عليه و آله‏ : محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف سيد المرسلين و خاتم النبيين صلى الله عليه و آله الطاهرين ، كنيته : أبو القاسم. ولد بمكة يوم الجمعة السابع عشر من ربيع الأول‏  في عام الفيل.

و صدع بالرسالة : في اليوم‏ السابع‏ و العشرين‏ من رجب ، و له 40 أربعون سنة.

و قبض بالمدينة : مسموما ، يوم الإثنين‏ لليلتين بقيتا من صفر ، سنة عشر من هجرته‏ ، و هو ابن ثلاث و ستين سنة .

المقنعة ؛ ص456 .

وهكذا أو ما يقاربه : قال في المناقب ، وفي إعلام الورى ومن نقل عنهم بعدهم ، وهذا من المتفق عليه بين أعلام الطائفة الحقة.

وقال المفيد رحمه الله باب صلاة يوم المبعث‏ :

و هو يوم : السابع‏ و العشرين‏ من رجب بعث الله تعالى فيه نبيه محمدا صلى الله عليه وآله ، فعظمه و شرفه ، و قسم فيه جزيل الثواب ، و آمن فيه من عظيم العقاب :

فعن آل الرسول صلى الله عليه وآله :‏

 أنه من صلى‏ فيه : اثنتي عشرة ركعة ، يقرأ في كل ركعة منها فاتحة الكتاب و سورة يس .

 فإذا فرغ منها :  جلس في مكانه ، ثم قرأ  أم الكتاب أربع مرات ، و سورة الإخلاص و المعوذتين كل واحدة منهن أربع مرات .

ثم قال‏ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ‏ وَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ، أربع مرات .

ثم قال : اللَّهَ اللَّهُ‏ رَبِّي لَا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً ، أربع مرات‏ ، ثم دعا : فلا يدعو بشيء إلا استجيب له إلا أن يدعو في جائحة قوم أو قطيعة رحم‏.

المقنعة ص226ب32 .

وقال ابن طاووس رحمه الله : فصل فيما نذكره من عمل ليلة سبع وعشرين من رجب‏:

اعلم : أن من أفضل الأعمال فيها زيارة مولانا علي أمير المؤمنين عليه السلام ، فيزار فيها زيارة رجب أو بغيرها مما أشرنا إليه ، و من عمل هذه الليلة مما رويناه عن الثقات في عدة روايات .

فذكر بسنده  عن الإمام الجواد أبي جعفر الثاني عليه السلام قال:

إن في رجب ليلة : هي خير للناس مما طلعت عليه الشمس .

و هي ليلة  : سبع و عشرين منه ، نبئ رسول الله في صبيحتها .

و إن للعامل فيها : أصلحك الله من شيعتنا ، مثل أجر عمل ستين سنة .

قيل : و ما العمل فيها ؟

قال : إذا صليت العشاء الآخرة و أخذت مضجعك ثم استيقظت أي ساعة من ساعات الليل ، كانت قبل زواله أو بعده ، صليت اثنتي عشرة ركعة باثنتي عشرة سورة من خفاف المفصل من بعد يس إلى الحمد .

فإذا فرغت : بعد كل شفع جلست بعد التسليم ، و قرأت الحمد سبعا ، و المعوذتين سبعا ، و قل هو الله أحد سبعا ، و قل يا أيها الكافرون سبعا ، و إنا أنزلناه سبعا ، و آية الكرسي سبعا .

و قلت  بعد ذلك من الدعاء :

الْحَمْدُ لِلَّهِ : الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَ لَا وَلَداً وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ‏ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَ كَبِّرْهُ تَكْبِيراً ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِمَعَاقِدِ عِزِّكَ عَلَى أَرْكَانِ عَرْشِكَ وَ مُنْتَهَى الرَّحْمَةِ مِنْ كِتَابِكَ ، وَ بِاسْمِكَ الْأَعْظَمِ الْأَعْظَمِ الْأَعْظَمِ ، وَ بِذِكْرِكَ الْأَجَلِ‏ الْأَعْلَى الْأَعْلَى الْأَعْلَى ، وَ بِكَلِمَاتِكَ التَّامَّاتِ الَّتِي تَمَّتْ صِدْقاً وَ عَدْلًا ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ ، وَ أَنْ تَفْعَلَ بِي مَا أَنْتَ أَهْلُهُ .

و ادع بما شئت : وأحببت‏ ، فإنك لا تدعو بشيء إلا أجبت ما لم تدع بمأثم أو قطيعة رحم أو هلاك قوم مؤمنين ، و تصبح صائما ، و إنه يستحب  لك صومه فإنه يعادل صوم سنة.

إقبال الأعمال ج2ص671.

وذكر فصلا آخر لصلاة أخرى في ليلة سبع وعشرين من رجب‏ :

عن الإمام الكاظم عليه السلام قال: صل ليلة سبع و عشرين من رجب أي وقت شئت من الليل اثنتي عشرة ركعة ، تقرأ في كل ركعة الحمد و المعوذتين و قل هو الله أحد أربع مرات ، فإذا فرغت قلت و أنت في مكانك أربع مرات: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.

ثم ادع : من بعد ، بما شئت .

وروى عن النبي صلى الله عليه وآله : من صلى في الليلة السابعة و العشرين من رجب اثنتي عشرة ركعة ، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة ، و سبح اسم عشر مرات ، و إنا أنزلناه في ليلة القدر عشر مرات .

فإذا فرغ من صلاته : صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ  مائة مرة ، وَ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى مائة مرة .

كتب : الله سبحانه و تعالى له ، ثواب عبادة الملائكة.

إقبال الأعمال ج2ص671.

 

وأما في فضل يوم سبعة وعشرين رجب :

فروى عن الحسن بن راشد قال: قلت لأبي عبد الله‏ عليه السلام ، غير ذي الأعياد شيء ؟ قال : نعم ، أشرفها و أكملها اليوم الذي بعث فيه رسول الله .

قال قلت : فأي يوم هو ؟

قال : إن الأيام تدور ، و هو يوم السبت لسبع و عشرين من رجب .

 قال قلت : فما نفعل فيه ؟ قال : تصوم و تكثر الصلاة على محمد و آله .

وعن الإمام الصادق عليه السلام : لا تدع صوم سبعة و عشرين من رجب ، و إنه فإنه‏ اليوم الذي أنزلت‏ فيه النبوة على محمد ، و ثوابه مثل ستين شهرا لكم.

ويا طيب : ذكر أدعية وصلاة أخرى فيه ، وذكروا أن يستحب صومه مؤكدا والغسل فيه والصلاة كما عرفت وذكروا أدعية أخرى فراجع الإقبال أو بحار الأنور أو مفاتيح.

ويا طيب : يوم المبعث هو يوم الأمر بظهور نور الله لإحياء العباد من موت الجهل ، وتوجيههم وتحفيزهم لشكر الله وعبوديته ، والسير إلى رضوانه ونعيمه ، والسعادة في الدنيا والآخرة ، وتعليمهم مكارم الأخلاق والآداب ، والسير بالفرد والأسرة والمجتمع والدول لما فيه العدل والإنصاف والإحسان ، ويفوزوا بالسعادة والخيرات والبركات والتعاطف والمودة ، ولكن الإنسان ظلوم وقليل من العباد شكور .

 

يوم المبعث هو يوم الإسراء والمعراج :

يا طيب : بعد أن عرفنا أن يوم المبعث والصدوع بالأمر العام لتبليغ هدى الله لكل البشر ، هو يوم 27 عشرين رجب ، وأما يوم الإسراء فلم توجد رواية تصرح في أي يوم كان ، ولكنه توجد عدة أقوال مرسلة ومتشابه عن العدد القوية منها :

ذكر المجلسي رحمه الله عن العدد القوية :

 في ليلة إحدى و عشرين : من رمضان قبل الهجرة بستة أشهر كان الإسراء برسول‏ الله‏.  و قيل : في السابع عشر من شهر رمضان ليلة السبت .

و قيل : ليلة الإثنين من شهر ربيع الأول بعد النبوة بسنتين .

وَ فِي كِتَابِ التَّذْكِرَةِ :

فِي لَيْلَةِ السَّابِعِ وَ الْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبِ .

السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ .

 كَانَ الْإِسْرَاءُ .

بحار الأنوار ج‏18ص319ح33 .

 

ويا طيب : في ليلة أحدى وعشرين ، كان فيها أستشهد أمير المؤمنين عليه السلام ، كما أن وجاء في الروايات أنه فيها رفع الله عيسى ابن مريم عليه السلام ، و فيها قبض موسى بن عمران عليه السلام ، و في مثلها قبض وصيه يوشع بن نون عليه السلام ،  و فيها كانت وفاة أمير المؤمنين عليه السلام  ، سنة : 40 أربعين من الهجرة ، و له يومئذ ثلاث و ستون سنة .

و هي الليلة : التي يتجدد فيها أحزان آل محمد عليه السلام و أشياعهم .

 وهي من ليالي القدر : ويستحب فيها الغسل وأدعية وصلاة خاصة بها و الإكثار من الصلاة على محمد و آل محمد عليه السلام ، و الاجتهاد في الدعاء على ظالميهم ، و مواصلة اللعنة على قاتلي أمير المؤمنين عليه السلام ، و من طرق على ذلك و سببه و آثره و رضيه من سائر الناس ، وذكر لها فضل كثير في عدة روايات ولم توجد رواية لا مسندة ولا مرفوعة تذكر أنها كان فيها الإسراء والمعراج  .

ولا يناسب : أن نجعلها ليلة فرح لقول مرسل ، وإن الأقوال الباقية في شهر رمضان أو في ربيع فهي أقوال عامية مرسلة أيضا ، وتجدها في كتب القوم ، ولم يذكروا أنها في أحد وعشرين رمضان ولم تجدها في رواية من رواياتنا التي ذكرت بكثرة فضل هذه الليلة المباركة.

 

ولذا كان المناسب : أن يكون يوم المبعث هو يوم الإسراء والمعراج وذلك ، لما ذكر في التذكرة للعلامة الحلي رحمه الله ، وهو خبير الفقه والحديث والرجال .

 

وفي المناقب بعدما ذكر المبعث قال : قام يدعو الناس و قام أبو طالب بنصرته فأسلم خديجة و علي و زيد ، و أسري به بعد النبوة بسنتين ، و قالوا : بسنة و ستة أشهر بعد رجوعه من الطائف.

وعن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال:  اكتتم رسول الله صلى الله عليه وآله : بمكة مستخفيا خائفا خمس سنين ليس يظهر ، و علي معه و خديجة ، ثم أمره الله أن يصدع بما يؤمر ، فظهر و أظهر أمره .

مناقب آل أبي طالب ج1 ص173.

ويا طيب : يوجد في أقوال العامة أن الإسراء والمعراج يكون في 27 وعشرين رجب والآن كالمسلم عندهم ، وعندهم أقوال أخرى كثيرة ، فمنهم قال قبل المبعث وبعده متكرر ، وأما من قال بعد المبعث فقد تعدد أقوالهم بكثرة ، من سنتين وثلاثة وستة وسبعة وعشرة أو أشهر قبل الهجرة ، والأيام أيضا اختلفت عندهم بكثر كالأشهر ، وعندنا ما عرفنا عن البحار عن العدد القوية فقط مرسلا ، وأخذنا بالقول الأخير لأنه منسوب للعلامة الحلي رحمه وهو أفقه من أخيه صاحب العدد القوية ، على أن المعراج للنبي كأن 120 مرة في الروايات ، منها للنبوة ومنها للولاية والإمام ، ومنها لعقد نطفة فاطمة عليها السلام وغيرها

 

 

 

رواية في المبعث والإسراء والمعراج :

 روى عن الإمام الصادق عليه السلام : عن رسول الله صلى الله عليه  أنه قال‏ :

بينا أنا راقد بالأبطح : و علي عن يميني ، و جعفر عن يساري ، و حمزة بين يدي، و إذا أنا بخفق أجنحة الملائكة ، وقائل منهم يقول : إلى أيهم بعثت يا جبرئيل ؟

فقال : إلى هذا ، و أشار إلي .

ثم قال : هو سيد ولد آدم و حواء ، و هذا وصيه و وزيره و ختنه و خليفته في أمته ، و هذا عمه سيد الشهداء حمزة ، و هذا ابن عمه جعفر له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنة مع الملائكة ، دعه فلتنم عيناه و لتسمع أذناه و ليعي قلبه .

و اضربوا له مثلا : ملك بنى دارا ، و اتخذ مأدبة ، و بعث داعيا.

 فقال النبي صلى الله عليه وآله : فالملك الله ، و الدار الدنيا ، و المأدبة الجنة ، و الداعي أنا .

 قال عليه السلام : ثم أدركه جبرائيل بالبراق و أسرى‏ به‏ إلى بيت المقدس ، و عرض عليه محاريب الأنبياء و آيات الأنبياء ، فصلى فيها ، و رده من ليلته إلى مكة .

 فمر في رجوعه : بعير لقريش ، و إذا لهم ماء في آنية فشرب منه و أهرق باقي ذلك ،  و قد كانوا أضلوا بعيرا لهم ، و كانوا يطلبونه .

 فلما أصبح قال لقريش : إن الله قد أسرى بي في هذه الليلة إلى بيت المقدس ، فعرض علي محاريب الأنبياء وآيات الأنبياء ، وإني مررت بعير لكم في موضع كذا و كذا ، وإذا لهم ماء في آنية فشربت منه و أهرقت باقي ذلك، و قد كانوا أضلوا بعيرا لهم .

 فقال أبو جهل لعنه الله : قد أمكنكم الفرصة من محمد سلوه كم الأساطين فيها و القناديل ، فقالوا : يا محمد إن هاهنا من قد دخل بيت المقدس ، فصف لنا كم أساطينه و قناديله و محاريبه ؟

فجاء جبرئيل : فعلق صورة البيت المقدس تجاه وجهه ، فجعل يخبرهم بما سألوه .

 فلما أخبرهم قالوا : حتى تجي‏ء العير ، و نسألهم عما قلت .

 فقال لهم صلى الله عليه وآله : و تصديق ذلك ، أن العير تطلع عليكم مع طلوع الشمس يقدمها جمل أحمر.

 فلما أصبحوا : و أقبل ينظرون إلى العقبة ، و يقولون هذه الشمس تطلع الساعة ، فبيناهم كذلك إذ طلعت العير مع طلوع الشمس يقدمها جمل أحمر.

 فسألوهم : عما قال رسول الله صلى الله عليه وآله .

 فقالوا : لقد كان هذا، ضل جمل لنا في موضع كذا و كذا، و وضعنا ماء و أصبحنا و قد أهريق الماء ، فلم يزدهم ذلك إلا عتوا.

تفسير القمي ج‏2 ص13 .

يا طيب : هذا مما يدعوا أن نؤكد أن المبعث هو نفسه حصل فيه الإسراء والمعراج ، بل الحق إن في الإسراء والمعارج أمر بالبعثة والرسالة والتبليغ ، لما سترى بأن الله خصه بمقام الكرامة حين بعثه ورفعه في أعلى مقام لا يطيقه لا ملك مقرب ولا نبي مرسل غيره كما سترى .

ويا طيب : إن التذكير بهذه المناسبة في يوم المبعث له أكبر الآثار في تربية النفس المؤمنة ، وتعلمنا معارف عالية المعاني في النور والعروج في المراتب النورانية العليا السماوات العلى ومن الملكوت والجبروت والكرسي والعرش ، بل ومعرفة سدرة المنتهى وجنة المأوى ، ومقام قاب قوسين أو أدنى ، ونسأل عن ونتعرف على أكرم المعارف ، ولا تقبل بل تفوق نفس معارف المبعث في بيان قصص الإسراء والمعراج ، إذا عرفنا هذا فلنذكر بعض المعارف عن كون المبعث في المقام العالي في الإسراء والمعارج هو الحقيقة لما عرفت من حديث الظاهر في الدنيا من البعثة .

 

 

 

 

 

 

 

 

معنى عالي ليوم الإسراء والمعراج والمبعث :

قال الله تعالى : { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا  إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (1) } الإسراء ، و المعنى : أنه‏ أسرى‏ به في ليلة من جملة الليالي من مكة إلى الشام مسيرة أربعين ليلة، و قد عرج إلى السماء من بيت المقدس في تلك الليلة ، و بلغ البيت المعمور ، و بلغ سدرة المنتهى.

يا طيب : إنه قد عرج بالنبي أكثر من مائة وعشرون مرة ، وبعضها معها إسراء وبعضها معراج خالص بدون الذهاب للمسجد الأقصى ، وإن الإسراء والمعراج ويوم المبعث في أحد مرات المعراج متحد ، وقد ذكر في كلام الفرقين أن يوم 27 رجب كان في الإسراء والمعراج وعندنا أكد على المبعث لأنه هو الغرض من الإسراء والمعراج .

ويا طيب : إن الله تعالى للأمور المهمة يرفع الله خاتم رسله لأعلى مقام التكوين ويقربه بقرب قاب قوسين أو أدنى فيناجيه ويأمره بما يحب ، وأهمها البعثة لتبلغ رسالته ، وكذا الأمر بالخلافة والوصاية لأمير المؤمنين وآلهم الكرام بعده ، وأنه كان في أعلى مراتب التكوين ، وهكذا جاء النص في بعض التكاليف المهمة مثل الآذان والصلاة والصوم والزكاة وغيرها من التعاليم الأساسية والواجبة ويريه ثوابها ومنازل من تحقق بالطاعات ، بل حتى المحرمات ويريه عقابها كما حكته أحاديث الإسراء والمعراج .

ويا طيب : كما أن يوم المبعث والإسراء والمعراج يوم 27 رجب ، لا ينافي نزول القرآن في شهر رمضان في ليلة القدر ، لأنه نزول القرآن كان بالأمر بالتبليغ ونشر تعاليمه وبعثته كان خاص به وبمن أختص به في أولها ولذا ذكر عن أمير المؤمنين وآله الكرام عليهم السلام أنه عبد الله سبع سنين قبل أن يعبد الناس ، أي قبل التبليغ العام ، بل توجد آيات للتبليغ الخاص مثل آيات الدار واختيار الوصي والوزير بعده ، ثم إن الروايات والمشهور من البعثة في سن الأربعين هو لأن يجهر بالتبليغ لقومه ثلاثة سرا وبعدها جهرا ، كما أهل الحق بل كلهم يعتقدون بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله قبل ولادة أدم ، بل قبل الخلق لمن يتدبر ما ذكرنا في صحيفة سادة الوجود وغيرها من معرفتهم بالنورانية ، وإن بعثته لكي يظهر معالم النبوة كانت في 27 رجب وإن كان نبيا ، ونزول القرآن وتعالميه لا يشترط أن يكون يوم المبعث بل المبعث قبله .

 ويا طيب : لكي نستأنس هذا المعنى ، وقد ذكرنا آية وهي أول لسورة في القرآن الكريم باسم الإسراء ، نذكر بعض معنى المعراج :

قال الله تعالى : { بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2)

مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3)  تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ( المعارج5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7) } المعارج .

يا طيب : هذه الآيات كريمة في نفس الوقت التي تبين كما في تفسيرها عن النبي وآله والصحابة المؤمنين ، إنها نزلت في حق من سأل بولاية علي بن أبي طالب ولم يقبلها ، أشار الله تعالى إلى أنها أي الولاية من الله ذي المعارج ، بل أشبه بالتصريح إن أمر الولاية الإمامة له كان في المعراج ، وأضاف أنه صاحب الروح بعد رسول الله كما في سورة القدر المختصة بالأئمة عليهم السلام إلى آخر دهر الدنيا .

ويؤكد هذا المعنى قول الله تعالى :

{ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ  إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6)

وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)

 فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ( النجم10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى  (13)

 عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى  (16)

مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) } النجم .

يا طيب : في الآيات الأولى في سورة المعارج : { مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3)  تَعْرُجُ‏ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ إِلَيْهِ‏ }،  أَي تصعد ؛ يقال: عَرَج‏ يَعْرُج‏ عُرُوجاً ، المَعارِج‏: المَصاعِد و الدَّرَج للعلو في فواضل الله ونعمه في مراتب التكوين .

 وَ فِي حَدِيثِ التَّلْبِيَةِ : لَبَّيْكَ ذَا الْمَعَارِجِ‏ لَبَّيْكَ . أي ذا المصاعد والمراقي ، و عُرِجَ‏ بالنبي إلى السماء: أي صعد به إليها.

وَ عَرَجَ‏ رَسُولُ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ : عَرَجَ‏ مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا ثُمَّ مِنْهَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ ثُمَّ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ثُمَّ إِلَى قَابَ قَوْسَيْنِ.

فَالْمَعَارِجُ‏ خَمْسَةٌ.

 والحق يا طيب : هذا بعض رتب المعراج وإن الرتب ودرجاته أكثر مما ذكر بكثير ، تجد معناها في حديث المعراج ووجود الملائكة في السماوات ، كما أن الكرسي مرتبة أعلى من السماوات والعرش مرتبة أخرى أعلى من الكرسي ، و ذكرنا في صحيفة سادة الوجود مراتب أخرى ، وفي صحيفة النور إن شاء الله تجد التفصيل .

وعن صباح المزني عن الإمام الصادق عليه السلام قال :

عُرِجَ‏ بِالنَّبِيِ‏ صلى الله عليه وآله وسلم : إِلَى السَّمَاءِ مِائَةً وَ عِشْرِينَ مَرَّةً .

ما من مرة : إلا و قد أوصى الله النبي بولاية علي و الأئمة من بعده ، أكثر مما أوصاه بالفرائض.

بصائر الدرجات ج1ص79ح10 .

 

وقال الإمام الباقر عليه السلام :

 لَمَّا عُرِجَ‏ بِالنَّبِيِ‏ صلى الله عليه وآله : و علمه الله سبحانه الأذان و الإقامة  و الصلاة ، فلما صلى ،  أمره سبحانه  أن يقرأ :

في الركعة الأولى  بالحمد و التوحيد ، و قال له : هذا نسبتي .

و في الثانية : بالحمد و سورة القدر ، و قال : يا محمد ، هذه نسبتك و نسبة أهل بيتك إلى يوم القيامة.

بحار الأنوار ج25ص98ب3ح72 .

 

ويا طيب : الآيات تثبت الإسراء والمعراج ، وأنه كان لتعليم الفرائض وأحكام الدين ، فهو المبعث بالتبليغ لرسول الله صلى الله عليه وآله .

كما أنه أمر بالولاية : وما عرفت من سورة المعارج وسورة سأل سائل ، فإن سبب نزولهما في شأن أمير المؤمنين عليه السلام ، والبحث طويل نذكر روايتين :

عن الضحاك عن ابن عباس قال: صلينا العشاء الآخرة ذات ليلة مع رسول الله ، فلما سلم أقبل علينا بوجهه ثم قال :

 أما إنه سينقض‏ كوكب‏ : من السماء مع طلوع الفجر فيسقط في دار أحدكم ، فمن سقط ذلك الكوكب في داره فهو وصيي و خليفتي و الإمام بعدي .

 فلما كان قرب الفجر : جلس كل واحد منا في داره ينتظر سقوط الكوكب في داره ، و كان أطمع القوم في ذلك أبي العباس بن عبد المطلب .

 فلما طلع الفجر انقض الكوكب من الهواء .

فَسَقَطَ : فِي دَارِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام .

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : يا علي ، و الذي بعثني بالنبوة لقد وجبت لك الوصية و الخلافة و الإمامة بعدي .

فقال المنافقون : عبد الله بن أبي و أصحابه ، لقد ضل محمد في محبة ابن عمه و غوى ، و ما ينطق في شأنه إلا بالهوى .

فأنزل الله تبارك و تعالى‏ : { وَ النَّجْمِ إِذا هَوى‏ } ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ : وَ خَالِقُ { النَّجْمِ إِذَا هَوَى  ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ‏ } يَعْنِي فِي مَحَبَّةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ .

{ وَ ما غَوى‏ ، وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى‏ } يَعْنِي فِي شَأْنِهِ .

 { إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى ....‏ } .

الأمالي للصدوق ص565مجلس 83ج 4 .

 

وقال فرات‏ الكوفي  بسنده عن صعصعة بن صوحان و الأحنف بن قيس قالا جميعا : سمعنا ابن عباس رضي الله عنه قال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله إذ دخل علينا عمرو بن الحارث الفهري.

قال : يا أحمد ، أمرتنا بالصلاة و الزكاة أ فمنك هذا أم من ربك ، يا محمد .

قال صلى الله عليه وآله : الفريضة من ربي و أداء الرسالة مني ، حتى أقول ما أديت إليكم إلا ما أمرني ربي.

 قال : فأمرتنا بحب علي بن أبي طالب ، زعمت أنه منك كهارون من موسى ، و شيعته على نوق غر محجلة يرفلون في عرصة القيامة ، حتى يأتي الكوثر فيشرب و يسقي هذه الأمة ، و يكون زمرة في عرصة القيامة ، أ بهذا الحب : سبق من السماء ، أم كان منك يا محمد ؟

قال صلى الله عليه وآله : بلى سبق من السماء ، ثم كان مني .

لقد خلقنا الله : نورا تحت العرش .

فقال : عمرو بن الحارث ، الآن علمت أنك ساحر كذاب .

يا محمد : أ لستما من ولد آدم ؟

قال صلى الله عليه وآله وسلم : بلى ، و لكن خلقنا نورا تحت العرش قبل أن يخلق الله آدم باثني عشر ألف سنة ، فلما أن خلق الله آدم ألقى النور في صلب آدم ، فأقبل ينتقل ذلك النور من صلب إلى صلب حتى تفرقنا في صلب عبد الله بن عبد المطلب و أبي طالب .

فخلقنا : ربي من ذلك النور ، لكنه لا نبي بعدي .

قال : فوثب عمرو بن الحارث الفهري ، مع اثني عشر رجلا من الكفار و هم ينفضون أرديتهم ، فيقولون : اللهم إن كان محمد صادقا في مقالته ، فارم عمرا و أصحابه بشواظ من نار .

قال : فرمي عمرو و أصحابه بصاعقة من السماء ، فأنزل الله هذه الآية : { سأل‏ سائل‏ بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج‏ ...} . فالسائل : عمرو و أصحابه.

تفسير فرات الكوفي ص504ح662 .

يا طيب : وإن أهم أمر النبوة وبالبعث والمعراج والإسراء هو إرسال رسول الله لتبليغ الدين وتعاليم الهدى ، وأهمها هو بعثة النبي تعريف الولاية ثم الفرائض ، وعرفت أن تعليمها كان في المقام العالي ، وتوجد روايات كثيرة في هذا المعنى  :

قال الشيخ الطوسي رحمه الله في الأمالي بإسناده :عن أبي عثمان سعيد بن عبد الله بن عجب الأنباري ، قال : حدثنا خلف بن درست، قال حدثنا القاسم بن هارون، قال حدثنا سهل بن صقين، عن همام، عن قتادة، عن أنس قال :

قال رسول الله صلى الله عليه و آله :

 لما عرج بي : إلى السماء دنوت من ربي عز و جل .

حتى كان : بيني و بينه ، قاب قوسين أو أدنى .

فقال يا محمد : من تحب من الخلق .

قلت : يا رب عليا .

قال : التفت يا محمد .

فالتفت : عن يساري ، فإذا علي بن أبي طالب عليه السلام .

الأمالي‏ للطوسي ص352م12ح 727-67 وعنه في بحار الأنوار ج40ص33ب91ح65 .

يا طيب : فهما نور واحد في مقام واحد إلا النبوة، وهذا مثال نوره في المقام الأعلى.

ويا طيب : توجد روايات كثيرة في هذا المعنى وأنه تعالى خاطبه في هذا المقام الأدنى بصوت علي لأنه أحب الأصوات إليه ، ولذا حين التبليغ أمره بتبليغ عشيرته الأقربين في الأرض ، ثم أمره بأن يصدع بما يؤمر بالتبليغ العام ، فالبعثة أصلها في المعراج ، وتبليغها في الأرض ، ومر حديث في كل مرة يحصل المعراج كما يعلم الله تعالى النبي الفرائض ليبلغها ، يأمر بتبليغ الولاية وتعريف الأئمة ، ولذا كثرت الأحاديث منه صلى الله عليه وآله في بيان فضلهم ومقامهم وشأنهم.

ويا طيب : إذا عرفت أن في روايات الطرفين العامة والخاصة ، إن الغرض من المبعث هو الإيحاء للنبي بغير واسطة بالأمور المهمة من الدين وبالخصوص الولاية والفرائض .

 فأعلم : أنه هذا هو معنى البعثة والمبعث ويومه ، فإنه كان في 27 رجب الإسراء والمعراج والمبعث والأمر بالتبليغ ، على أنه الفرق أنه نحن نؤكد أن في هذا اليوم المبعث وهو الغرض من الإسراء والمعراج ، وهم يذكرون بدايات الرحلة للبعثة ، لأنه يصعب عليهم ذكر بعض ما أمر فيه ، فإنه لو أي إنسان يسأل بأنه ملك من ملوك الدنيا أستدعى وزيرا لأمر خاص وكان قبل يراسله أو يخابره أو يرسل أحد يبلغه ، والآن استدعاه بشخصه لمكان القرب ، قيل دعي ليقول له أمر مهم من غير واسطه ، وهكذا لو أراد أن يختار شخص لمنصب عالي ليستدعيه بنفسه ثم يأمره ، فكيف بأمر النبوة والوصاية والحفاظ على الدين إلى يوم القيامة ، فلابد أن يكون المبعث في الإسراء والمعراج .

وآيات المعراج : تدلنا على أنه أوحى له أمر مهم ، ولا يكون إلا بالأمر بالتبليغ لما علمه ، وهو المبعث.


 

 

مفصل الإسراء والمعراج :

يا طيب : بعد أن عرفنا في الحديث السابق ، أنه حين أمر الله النبي بالتبليغ للرسالة وبعثه للأمة في أم القرى مكة المكرمة ولكل البشر ليعلمهم هداه ، وإنه في نفس المبعث كان ليلته الإسراء والمعراج ، لكم هذا الحديث يفصل ما رأى نبينا الأكرم وما فعله وما تعلمه وأمر به في سفره المبارك في بقاع الأرض والسماوات ، وستأتي أحاديث أخرى تفصل ما لم يذكره هذا الحديث مع سعته :

{ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ :

سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } الإسراء .

(ما رأى في الإسراء : )

عن محمد بن أبي عمير : عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

جاء جبرئيل ميكائيل و إسرافيل بالبراق : إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأخذ واحد باللجام ، و واحد بالركاب و سوى الآخر عليه ثيابه ، فتضعضعت البراق ، فلطمها جبرئيل ، ثم قال لها : اسكني يا براق ، فما ركبك نبي قبله و لا يركبك بعده مثله . قال : فرقت به و رفعته ارتفاعا ليس بالكثير ، و معه جبرئيل يريه الآيات من السماء و الأرض .

قال عليه السلام : فبينا أنا في مسيري إذ ،  نادى مناد عن يميني :يا محمد فلم أجبه و لم ألتفت إليه . ثم ناداني مناد عن يساري : يا محمد فلم أجبه و لم ألتفت إليه . ثم استقبلتني امرأة : كاشفة عن ذراعيها ، و عليها من كل زينة الدنيا ، فقالت : يا محمد أنظرني حتى أكلمك ، فلم ألتفت إليها ، ثم سرت : فسمعت صوتا أفزعني ، فجاوزت به .

فنزل بي جبرئيل فقال : صل فصليت ، فقال : أ تدري أين صليت ؟ فقلت : لا . فقال : صليت بطيبة و إليها مهاجرتك .

 ثم ركبت : فمضينا ما شاء الله ، ثم قال لي : أنزل و صل ، فنزلت و صليت ، فقال لي : أ تدري أين صليت ، فقلت : لا ، فقال : صليت بطور سيناء حيث كلم الله موسى تكليما .

 ثم ركبت : فمضينا ما شاء الله . ثم قال لي : أنزل فصل ، فنزلت و صليت ، فقال لي : أ تدري أين صليت . فقلت : لا ، قال : صليت في بيت لحم بناحية بيت المقدس ، حيث ولد عيسى ابن مريم .

ثم ركبت : فمضينا حتى انتهينا إلى بيت المقدس ، فربطت البراق بالحلقة التي كانت الأنبياء تربط بها ، فدخلت المسجد ، و معي جبرئيل إلى جنبي ، فوجدنا إبراهيم و موسى و عيسى فيمن شاء الله من أنبياء الله ، قد جمعوا إلي ، و أقمت الصلاة ، و لا أشك إلا و جبرئيل استقدمنا ، فلما استووا أخذ جبرئيل عليه السلام بعضدي فقدمني ، فأممتهم و لا فخر .

 ثم أتاني الخازن بثلاث أواني : إناء فيه لبن ، و إناء فيه ماء ، و إناء فيه خمر ، فسمعت قائلا يقول : إن أخذ الماء غرق و غرقت أمته ، و إن أخذ الخمر غوى و غوت أمته ، و إن أخذ اللبن هدي و هديت أمته .

 فأخذت : اللبن فشربت منه .

فقال جبرئيل : هديت و هديت أمتك .

 ثم قال لي : ما ذا رأيت في مسيرك ؟ فقلت : ناداني مناد عن يميني . فقال لي : أ و أجبته ؟ فقلت : لا و لم ألتفت إليه ، فقال : ذاك داعي اليهود لو أجبته لتهودت أمتك من بعدك .

ثم قال : ما ذا رأيت ، فقلت : ناداني مناد عن يساري . فقال : أ و أجبته ؟ فقلت : لا و لم ألتفت إليه . فقال : ذاك داعي النصارى لو أجبته لتنصرت أمتك من بعدك.

ثم قال : ما ذا استقبلك ؟ فقلت : لقيت امرأة كاشفة عن ذراعيها ، عليها من كل زينة . فقالت : يا محمد أنظرني حتى أكلمك ، فقال لي : أ فكلمتها ؟ فقلت : لم أكلمها و لم ألتفت إليها ، فقال : تلك الدنيا و لو كلمتها لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة .

 ثم سمعت : صوتا أفزعني ، فقال جبرئيل : أ تسمع يا محمد ، قلت : نعم ، قال : هذه صخرة قذفتها عن شفير جهنم منذ سبعين عاما ، فهذا حين استقرت ، قالوا : فما ضحك رسول الله ص حتى قبض .

 

( المعراج وما رأى في السماء الدنيا: )

(ملائكة وملك النار والموت وآدم )

قال صلى الله عليه وآله وسلم : فصعد جبرئيل و صعدت معه إلى سماء الدنيا ، و عليها ملك يقال له إسماعيل  ، و هو صاحب الخطفة ، التي قال الله عز و جل { إِلَّا مَنْ خَطِفَ  الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10) } الصافات ، و تحته سبعون ألف ملك ، تحت كل ملك سبعون ألف ملك .

فقال : يا جبرئيل من هذا معك ؟

فقال : محمد صلى الله عليه وآله وسلم . قال : أ و قد بعث ؟ قال : نعم ، ففتح الباب ، فسلمت عليه و سلم علي ، و استغفرت له و استغفر لي ، و قال : مرحبا بالأخ الناصح و النبي الصالح .

و تلقتني الملائكة : حتى دخلت سماء الدنيا ، فما لقيني ملك إلا كان ضاحكا مستبشرا .

حتى لقيني ملك من الملائكة : لم أر أعظم خلقا منه كريه المنظر ظاهر الغضب ، فقال لي : مثل ما قالوا : من الدعاء ، إلا أنه لم يضحك ، و لم أر فيه من الاستبشار ، و ما رأيت ممن ضحك من الملائكة .

 فقلت : من هذا يا جبرئيل ، فإني قد فزعت . فقال : يجوز أن تفزع منه ، و كلنا نفزع منه ، هذا مالك خازن النار لم يضحك قط ، و لم يزل منذ ولاه الله جهنم يزداد كل يوم غضبا و غيظا على أعداء الله ، و أهل معصيته ، فينتقم الله به منهم ، و لو ضحك إلى أحد قبلك أو كان ضاحكا لأحد بعدك لضحك إليك ، و لكنه لا يضحك .

 فسلمت عليه : فرد علي السلام ، و بشرني بالجنة ، فقلت لجبرئيل : و جبرئيل بالمكان الذي وصفه الله : { مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) } التكوير ، أ لا تأمره أن يريني النار ، فقال له جبرئيل : يا مالك أر محمدا النار ، فكشف عنها غطاءها و فتح بابا منها ، فخرج منها لهب ساطع في السماء ، و فارت فارتعدت حتى ظننت ليتناولني مما رأيت ، فقلت له : يا جبرئيل قل له فليرد عليها غطاءها فأمرها ، فقال لها : ارجعي فرجعت إلى مكانها الذي خرجت منه .

 

ثم مضيت : فرأيت رجلا أدما جسيما ، فقلت : من هذا يا جبرئيل ، فقال : هذا أبوك آدم ن فإذا هو يعرض عليه ذريته ، فيقول : روح طيب ، و ريح طيبة من جسد طيب .

 ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : سورة المطففين على رأس سبع عشرة آية : { ... كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَ ما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ ..} إلى آخرها ، قال : فسلمت على أبي آدم ، و سلم علي ، و استغفرت له ، و استغفر لي ، و قال : مرحبا بالابن للصالح ، و النبي الصالح ، و المبعوث في الزمن الصالح .

 

 ثم مررت : بملك من الملائكة و هو جالس ، و إذا جميع الدنيا بين ركبتيه ، و إذا بيده لوح من نور فيه كتاب ينظر فيه ، و لا يلتفت يمينا و لا شمالا ، مقبلا عليه كهيئة الحزين ، فقلت : من هذا يا جبرئيل ؟

فقال : هذا ملك الموت ، دائب في قبض الأرواح . فقلت : يا جبرئيل أدنني منه حتى أكلمه ، فأدناني منه فسلمت عليه ، و قال له جبرئيل : هذا محمد نبي الرحمة ، الذي أرسله الله إلى العباد ، فرحب بي و حياني بالسلام ، و قال : أبشر يا محمد ، فإني أرى الخير كله في أمتك .

 فقلت : الحمد لله المنان ذي النعم على عباده ، ذلك من فضل ربي و رحمته علي ، فقال جبرئيل : هو أشد الملائكة عملا .

فقلت : أ كل من مات أو هو ميت فيما بعد هذا تقبض روحه ؟ قال : نعم .

 قلت : تراهم حيث كانوا ، و تشهدهم بنفسك . فقال : نعم ، فقال ملك الموت  : ما الدنيا كلها عندي فيما سخرها الله لي ، و مكنني منها ، إلا كالدرهم في كف الرجل ، يقلبه كيف يشاء ، و ما من دار إلا و أنا أتصفحها كل يوم خمس مرات .

و أقول : إذا بكى أهل الميت على ميتهم ، لا تبكوا عليه ، فإن لي فيكم عودة ، و عودة ، حتى لا يبقى منكم أحد ، فقال رسول الله : كفى بالموت طامة يا جبرئيل . فقال : جبرئيل إن ما بعد الموت أطم و أطم من الموت .

 

( أحوال ملائكة وعذاب عاصين )

قال صلى الله عليه وآله وسلم : ثم مضيت .

فإذا أنا بقوم : بين أيديهم موائد ، من لحم طيب ، و لحم خبيث ، يأكلون الخبيث ، و يدعون الطيب ، فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل ؟ فقال : هؤلاء الذين يأكلون الحرام و يدعون الحلال ، و هم من أمتك يا محمد .

 فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ثم رأيت ملكا من الملائكة جعل الله أمره عجبا ، نصف جسده نار و النصف الآخر ثلج ، فلا النار تذيب الثلج و لا الثلج يطفئ النار ، و هو ينادي بصوت رفيع .

 يقول : سبحان الذي كف حر هذه النار فلا تذيب الثلج ، و كف برد هذا الثلج فلا يطفئ حر هذه النار ، اللهم يا مؤلف بين الثلج والنار ألف بين قلوب عبادك المؤمنين .

 فقلت : من هذا يا جبرئيل ؟ فقال : هذا ملك وكله الله بأكناف السماوات و أطراف الأرضين ، و هو أنصح ملائكة الله تعالى لأهل الأرض من عباده المؤمنين ، يدعو لهم بما تسمع منذ خلق .

 

و ملكان : يناديان في السماء ، أحدهما يقول : اللهم أعط كل منفق خلفا ، و الآخر يقول : اللهم أعط كل ممسك تلفا .

 

 ثم مضيت ، فإذا أنا بأقوام لهم مشافر كمشافر الإبل ، يقرض اللحم من جنوبهم ، و يلقى في أفواههم ، فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل ، فقال : هؤلاء الهمازون اللمازون .

 

ثم مضيت : فإذا أنا بأقوام ترضخ رءوسهم بالصخر ، فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل ؟ فقال : هؤلاء الذين ينامون عن صلاة العشاء .

 ثم مضيت : فإذا أنا بأقوام تقذف النار في أفواههم ، و تخرج من أدبارهم ، فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل ؟ فقال : هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ، إنما يأكلون في بطونهم نارا ، و سيصلون سعيرا .

 

 ثم مضيت : فإذا أنا بأقوام يريد أحدهم أن يقوم فلا يقدر من عظم بطنه ، فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل ؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ، فإذا هم مثل آل فرعون يعرضون على النار غدوا و عشيا ، يقولون : ربنا متى تقوم الساعة ؟

 

قال : ثم مضيت ، فإذا أنا بنسوان معلقات بثديهن ، فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل ؟ فقال : هؤلاء اللواتي يورثن أموال أزواجهن أولاد غيرهم . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : اشتد غضب الله على امرأة أدخلت على قوم في نسبهم من ليس منهم ، فاطلع على عوراتهم ، و أكل خزائنهم .

 

 قال صلى الله عليه وآله وسلم : ثم مررنا بملائكة من ملائكة الله عز و جل خلقهم الله كيف شاء ، و وضع وجوههم كيف شاء ، ليس شيء من أطباق أجسادهم ، إلا و هو يسبح الله و يحمده ، من كل ناحية ، بأصوات مختلفة ، أصواتهم مرتفعة بالتحميد ، و البكاء من خشية الله ، فسألت جبرئيل : عنهم ؟ فقال : كما ترى خلقوا ، إن الملك منهم إلى جنب صاحبه ، ما كلمه قط ، و لا رفعوا رءوسهم إلى ما فوقها ، و لا خفضوها إلى ما تحتهم خوفا من الله خشوعا .

فسلمت عليهم : فردوا علي إيماء برؤوسهم ، لا ينظرون إلي من الخشوع . فقال لهم جبرئيل : هذا محمد نبي الرحمة ، أرسله الله إلى العباد رسولا و نبيا ، و هو خاتم النبيين ، و سيدهم ، أ فلا تكلمونه . قال : فلما سمعوا ذلك من جبرئيل ، أقبلوا علي بالسلام ، و أكرموني و بشروني بالخير لي و لأمتي .

 

(المعراج للسماء الثانية حتى السادسة)

قال ثم صعد بي إلى السماء الثانية : فإذا فيها رجلان متشابهان ،  فقلت : من هذان يا جبرئيل ؟ فقال لي : أبناء الخالة يحيى و عيسى ابن مريم ، فسلمت عليهما و سلما علي ، و استغفرت لهما و استغفرا لي ، و قالا : مرحبا بالأخ الصالح ، و النبي الصالح ، و إذا فيها من الملائكة مثل ما في السماء الأولى ، و عليهم الخشوع ، قد وضع الله وجوههم كيف شاء ، ليس منهم ملك إلا يسبح لله و يحمده بأصوات مختلفة .

ثم صعدنا إلى السماء الثالثة : فإذا فيها رجل فضل حسنه على سائر الخلق ، كفضل القمر ليلة البدر على سائر النجوم ، فقلت ك من هذا يا جبرئيل ؟ فقال : هذا أخوك يوسف ، فسلمت عليه و سلم علي ، و استغفرت له و استغفر لي ، و قال : مرحبا بالنبي الصالح ، و الأخ الصالح ، و المبعوث في الزمن الصالح ، و إذا فيها ملائكة عليهم من الخشوع مثل ما وصفت في السماء الأولى و الثانية ، و قال لهم جبرائيل : في أمري ، ما قال للآخرين ، و صنعوا بي مثل ما صنع الآخرون .

ثم صعدنا إلى السماء الرابعة : و إذا فيها رجل ، قلت : من هذا يا جبرئيل ؟ قال : هذا إدريس رفعه الله مكانا عليا ، فسلمت عليه و سلم علي ، و استغفرت له و استغفر لي ، و إذا فيها من الملائكة عليهم من الخشوع مثل ما في السماوات ، فبشروني بالخير لي و لأمتي ، ثم رأيت ملكا جالسا على سرير تحت يديه سبعون ألف ملك تحت كل ملك سبعون ألف ملك ، فوقع في نفس رسول الله أنه هو ، فصاح به جبرئيل فقال : قم فهو قائم إلى يوم القيامة .

 ثم صعدنا إلى السماء الخامسة : فإذا فيها رجل كهل عظيم العين ، لم أر كهلا أعظم منه ، حوله ثلة من أمته فأعجبتني كثرتهم ، فقلت : من هذا يا جبرئيل ؟ قال : هذا المحبب في قومه هارون بن عمران ، فسلمت عليه و سلم علي ، و استغفرت له و استغفر لي ، و إذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات .

ثم صعدنا إلى السماء السادسة : و إذا فيها رجل أدم طويل عليه سمرة ، و لو لا أن عليه قميصين ، لنفذ شعره منهما ، فسمعته يقول : تزعم بنو إسرائيل أني أكرم ولد آدم على الله ، و هذا رجل أكرم على الله مني ، فقلت  : من هذا يا جبرائيل ؟ قال هذا أخوك موسى بن عمران ، فسلمت عليه و سلم علي ، و استغفرت له و استغفر لي ، و إذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات .

ثم صعدنا إلى السماء السابعة : فما مررت بملك من الملائكة ، إلا قالوا : يا محمد احتجم ، و أمر أمتك بالحجامة ، و إذا فيها رجل أشمط الرأس و اللحية جالس على كرسي ، فقلت : يا جبرئيل من هذا الذي في السماء السابعة على باب البيت المعمور في جوار الله ؟ فقال : هذا أبوك إبراهيم ، و هذا محلك ، و محل من اتقى من أمتك ، ثم قرأ رسول الله { إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ }  قال صلى الله عليه وآله وسلم : فسلمت عليه و سلم علي ، و قال : مرحبا بالنبي الصالح ، و الابن الصالح ، و المبعوث في الزمن الصالح ، و إذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات ، فبشروني بالخير لي و لأمتي .

 قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : و رأيت في السماء السابعة بحارا من نور ، يتلألأ يكاد تلألؤها يخطف بالأبصار ، و فيها بحار مظلمة ، و بحار ثلج و رعد ، فلما فزعت ، و رأيت هؤلاء ، سألت جبرئيل ؟ فقال : أبشر يا محمد و اشكر كرامة ربك ، و اشكر الله بما صنع إليك . قال : فثبتني الله بقوته و عونه حتى كثر قولي لجبرئيل و تعجبي .

فقال جبرئيل : يا محمد أ تعظم ما ترى ، إنما هذا خلق من ربك ، فكيف بالخالق الذي خلق ما ترى ، و ما لا ترى أعظم من هذا من خلق ربك .

 إن بين الله و بين خلقه سبعون : ألف حجاب ، و أقرب الخلق إلى الله أنا و إسرافيل ، و بيننا و بينه أربعة حجب ، حجاب من نور ، و حجاب من ظلمة ، و حجاب من الغمام ، و حجاب من الماء .

 قال : و رأيت من العجائب التي خلق الله سبحانه ، و سخر به على ما أراده ، ديكا رجلاه في تخوم الأرضين السابعة ، و رأسه عند العرش ، و ملكا من ملائكة الله ، خلقه كما أراد رجلاه في تخوم الأرضين السابعة ، ثم أقبل مصعدا حتى خرج في الهواء إلى السماء السابعة ، و انتهى فيها مصعدا حتى استقر قرنه إلى قرب العرش ، و هو يقول : سبحان ربي ، حيث ما كنت لا تدري ، أين ربك من عظم شأنه ، و له جناحان في منكبيه ، إذا نشرهما جاوزا المشرق و المغرب ، فإذا كان في السحر ذلك الديك نشر جناحيه ، و خفق بهما و صرخ بالتسبيح ، يقول : سبحان الله الملك القدوس ، سبحان الله الكبير المتعال ، لا إله إلا الله الحي القيوم ، و إذا قال ذلك : سبحت ديوك الأرض كلها ، و خفقت بأجنحتها ، و أخذت في الصراخ ، فإذا سكت ذلك الديك في السماء ، سكتت ديوك الأرض كلها ، و لذلك الديك زغب أخضر ، و ريش أبيض كأشد بياض ما رأيته قط ، و له زغب أخضر أيضا تحت ريشه الأبيض كأشد خضرة ما رأيتها .

 ثم قال مضيت مع جبرئيل : فدخلت البيت المعمور ، فصليت فيه ركعتين ، و معي أناس من أصحابي عليهم ثياب جدد ، و آخرون عليهم ثياب خلقان ، فدخل أصحاب الجدد ، و حبس أصحاب الخلقان ، ثم خرجت فانقاد لي نهران ، نهر يسمى الكوثر ، و نهر يسمى الرحمة ، فشربت من الكوثر ، و اغتسلت من الرحمة .

ثم انقادا لي جميعا : حتى دخلت الجنة ، فإذا على حافتيها بيوتي ، و بيوت أزواجي رو إذا ترابها كالمسك ، فإذا جارية تنغمس في أنهار الجنة . فقلت : لمن أنت يا جارية ؟ فقالت : لزيد بن حارثة ، فبشرته بها حين أصبحت .

و إذا بطيرها كالبخت ، و إذا رمانها مثل الدلاء العظام ز

و إذا شجرة : لو أرسل طائر في أصلها ما دارها تسع مائة سنة ، و ليس في الجنة منزل إلا و فيها فرع منها ، فقلت : ما هذه يا جبرئيل ؟ فقال : هذه شجرة طوبى ، قال الله : طُوبى لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ ، قال رسول الله : فلما دخلت الجنة ، رجعت إلى نفسي ، فسألت جبرئيل عن تلك البحار و هولها و أعاجيبها ؟ قال : هي سرادقات الحجب ، التي احتجب الله بها ، و لو لا تلك الحجب ، لهتك نور العرش كل شي‏ء فيه ، و انتهيت إلى سدرة المنتهى ، فإذا الورقة منها تظل به أمة من الأمم ، فكنت منها كما قال الله تبارك و تعالى { قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى« فناداني } { آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ } و قد كتبنا ذلك في سورة البقرة فقال رسول الله : يا رب أعطيت أنبياءك فضائل فأعطني ، فقال الله قد أعطيتك فيما أعطيتك كلمتين من تحت عرشي  : لا حول و لا قوة إلا بالله ، و لا منجى منك إلا إليك.

 قال : و علمتني الملائكة قولا ، أقوله إذا أصبحت و أمسيت :

اللهم : إن ظلمي أصبح مستجيرا بعفوك ، و ذنبي أصبح مستجيرا بمغفرتك ، و ذلي أصبح مستجيرا بعزك ، و فقري أصبح مستجيرا بغناك ، و وجهي الفاني البالي أصبح مستجيرا بوجهك الدائم الباقي الذي لا يفنى .

 ثم سمعت الأذان : فإذا ملك يؤذن لم ير في السماء قبل تلك الليلة ، فقال : الله أكبر،  الله أكبر ، فقال الله : صدق عبدي أنا أكبر ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، فقال الله : صدق عبدي أنا الله لا إله غيري ، فقال : أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، فقال الله : صدق عبدي أن محمدا عبدي و رسولي ، أنا بعثته و انتجبته ، فقال : حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، فقال : صدق عبدي و دعا إلى فريضتي ، فمن مشى إليها راغبا فيها محتسبا ، كانت له كفارة لما مضى من ذنوبه ، فقال : حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، فقال الله : هي الصلاح و النجاح و الفلاح ،

ثم أممت : الملائكة في السماء ، كما أممت الأنبياء في بيت المقدس .

 قال : ثم غشيتني صبابة ، فخررت ساجدا ، فناداني ربي ، إني قد فرضت على كل نبي كان قبلك خمسين صلاة ، و فرضتها عليك و على أمتك ، فقم بها أنت في أمتك ، فقال رسول الله : فانحدرت حتى مررت على إبراهيم ، فلم يسألني عن شي‏ء حتى انتهيت إلى موسى ، فقال : ما صنعت يا محمد ؟ فقلت : قال ربي فرضت على كل نبي كان قبلك خمسين صلاة و فرضتها عليك و على أمتك ، فقال موسى : يا محمد إن أمتك آخر الأمم ، و أضعفها ، و إن ربك لا يرد عليك شيئا ، و إن أمتك لا تستطيع أن تقوم بها ، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك ، فرجعت إلى ربي حتى انتهيت إلى سدرة المنتهى ، فخررت ساجدا ، ثم قلت : فرضت علي و على أمتي خمسين صلاة و لا أطيق ذلك و لا أمتي فخفف عني ، فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى ، فأخبرته فقال : ارجع لا تطيق فرجعت إلى ربي فوضع عني عشرا ، فرجعت إلى موسى فأخبرته فقال ارجع ، و في كل رجعة أرجع إليه أخر ساجدا حتى رجع إلى عشر صلوات ، فرجعت إلى موسى فأخبرته فقال لا تطيق ، فرجعت إلى ربي فوضع عني خمسا ، فرجعت إلى موسى فأخبرته ، فقال : لا تطيق . فقلت : قد استحييت من ربي ، و لكن أصبر عليها ، فناداني مناد كما صبرت عليها فهذه الخمس . بخمسين كل صلاة بعشر ، من هم من أمتك بحسنة يعملها كتبت له عشرة ، و إن لم يعمل كتبت واحدة ، و من هم من أمتك بسيئة فعملها كتبت عليه واحدة ، و إن لم يعلمها لم أكتب عليه شيئا .

فقال الصادق : جزى الله موسى عن هذه الأمة خيرا ، و هذا تفسير قول الله { سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ .... } الآية .

تفسير القمي ج2 ص3ح 17.سورة بني إسرائيل ( الإسراء ) .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


 

 

 

فأقتبس منه التوجه لله و اشكره و ليكن لك لعمل الخير كل يوم مبعث

معنى مبعث باعث ومحفز :

مبعث : باعث لك ومحفز لنا وداعي للعباد ومحرك للطيبين المؤمنين ليتعلموا من نبي الرحمة كل يوم هدى الدين وآدابه وما أراد الله من العباد ليتوجهوا له و يقتبسون نوره ليصلحوا ويسعدوا في الدنيا والآخرة ، و انْبَعَثَ‏ الشيءُ و تَبَعَّثَ‏ انْدَفَع. وبَعَثَه‏ من نَوْمه‏ بَعَثاً، فانْبَعَثَ‏ أَيْقَظَه وأَهَبَّه.

  في الحديث‏: أَتاني الليلةَ آتِيانِ‏ فابْتَعَثَاني ‏،أَي أَيقَظاني من نومي .

 و تأْويلُ‏ البَعْثِ ‏: إِزالةُ ما كان يَحْبِسُه عن التَّصَرُّف و الانْبِعاثِ‏. و انْبَعَثَ‏ في السَّيْر أَي أَسْرَع أي إِثارات و تَهْييجات ، جمع‏ بَعْثَة ٍ.

و كلُّ شيء أَثَرْته فقد بَعَثْته ، هو انفعل من‏ الْبَعْثِ‏. و الِانْبِعَاثُ‏: الإسراع إلى الطاعة لِلْبَاعِثِ‏، و يقال‏ انْبَعَثَ‏ لشأنه إذا ثار و مضى ذاهبا لقضاء حاجته. وقوله : { وَ لكِنْ كَرِهَ اللَّهُ‏ انْبِعاثَهُمْ‏  } أي نهوضهم للخروج ، في الخبر :

 و توَاصَوْا بالخَيْر، و تبَاعَثُوا عَليْهِ .

 

 

آيات وروايات المسارعة والتحفيز :

ويا طيب : لكي نعرف أن المسارعة في العبودية لله وشكره وللعمل الصالح محبوب مندوب له في الإسلام ، بل واجب الطاعة بكل تعاليمه ، وقد قال الله تعالى :

{ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ  وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ (151)

 فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ (152)

 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) } البقرة .

لأنه الله تعالى : بعث فينا نبي كريم علمنا هداه ، فيجب أن نطيعه ونعبده ونذكره كما علمنا وهدانا ، وأن يثيرنا ويدفعنا ويهزنا كلام الله وتعاليمه ومعارف نبيه لطاعته .

ويا طيب : الغرض من البعثة للأنبياء وبالخصوص خاتمهم هو لكي نتحرك وننبعث لطاعة الله وعبوديته بعد أن نتعلم منه ، وقد قال الله تعالى :

{ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً

أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ

 وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلاَلَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) }النحل .

وقال عز وجل : {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنْ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15)

يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)} المائدة .

وقال سبحانه : { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ  الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ  الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ

 فَالَّذِينَ  آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) } الأعراف .

ويا طيب : وتجديد العهد مع معارف هدى الله مندوب إليه مستحب جدا ، ولكي نعرف هذا المعنى ولتكن لنا باعث ومحفز على تعلم هدى الله وطاعته ، وفي كل يوم نواظب على الواجبات نذكر الأحاديث الآتية :

عن عن علي بن الحسين عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول:

إنما الدهر : ثلاثة أيام أنت فيما بينهن .

 مضى أمس : بما فيه فلا يرجع أبدا ، فإن كنت عملت فيه خيرا لم تحزن لذهابه و فرحت بما استقبلته منه ، و إن كنت قد فرطت فيه فحسرتك شديدة لذهابه و تفريطك فيه .

و أنت في يومك : الذي أصبحت فيه من غد في غرة ، و لا تدري لعلك لا تبلغه ، و إن بلغته لعل حظك فيه في التفريط مثل حظك في الأمس الماضي عنك .

فيوم : من الثلاثة قد مضى ،  أنت فيه مفرط .

و يوم تنتظره : لست أنت منه على يقين من ترك التفريط .

و إنما هو يومك : الذي أصبحت فيه ، و قد ينبغي لك أن عقلت و فكرت ، فيما فرطت في الأمس الماضي مما فاتك فيه من حسنات ألا تكون اكتسبتها و من سيئات ألا تكون أقصرت عنها .

و أنت مع هذا : مع استقبال غد على غير ثقة من أن تبلغه ، و على غير يقين من اكتساب حسنة أو مرتدع عن سيئة محبطة .

فأنت : من يومك الذي تستقبل على مثل يومك الذي استدبرت .

 فاعمل : عمل رجل ليس يأمل من الأيام إلا يومه الذي أصبح فيه و ليلته ، فاعمل أو دع ، و الله المعين على ذلك.

وقال الإمام الكاظم عليه السلام :

 ليس منا : من لم يحاسب نفسه في كل يوم ، فإن عمل حسنا استزاد الله ، و إن عمل سيئا استغفر الله منه و تاب إليه.

  الكافي (ط - الإسلامية)، ج‏2، ص: 454ب203ح1 ، 2 .

 

قال الإمام الصادق عليه السلام :

 من استوى : يوماه‏ ، فهو مغبون . و من كان : آخر يوميه شرهما ، فهو ملعون .

و من لم يعرف : الزيادة في نفسه ، كان إلى النقصان أقرب ، و من كان إلى النقصان أقرب ، فالموت خير له من الحياة.

الأمالي للصدوق ص668م95ح4 .

 

حديث أمير المؤمنين في التحفيز :

وذكر الصدوق بسنده : عن الإمام موسى بن جعفر عن أبيه عن جده عن علي بن الحسين عليهم السلام قال : بينا أمير المؤمنين عليه السلام ذات يوم جالس مع أصحابه يعبيهم للحرب ، إذ أتاه شيخ عليه شحبة السفر .

 فقال : أين أمير المؤمنين ؟

فقيل : هو ذا ، فسلم عليه .

 ثم قال : يا أمير المؤمنين إني أتيتك من ناحية الشام ، و أنا شيخ كبير ، قد سمعت فيك من الفضل ما لا أحصي ، و إني أظنك ستغتال فعلمني مما علمك الله .

قال عليه السلام : نعم يا شيخ .

 من اعتدل : يوماه فهو مغبون .

و من كانت : الدنيا همته ، اشتدت حسرته عند فراقها .

و من كان : غده شر يوميه ، فمحروم .

و من لم يبال : بما رزئ من آخرته إذا سلمت له دنياه ، فهو هالك .

و من لم يتعاهد : النقص من نفسه غلب عليه الهوى ، و من كان في نقص ، فالموت خير له .

يا شيخ : إن الدنيا خضرة حلوة و لها أهل ، و إن الآخرة لها أهل ، ظلفت أنفسهم عن مفاخرة أهل الدنيا ، لا يتنافسون في الدنيا و لا يفرحون بغضارتها ، و لا يحزنون لبؤسها .

يا شيخ : من خاف البيات قل نومه ، ما أسرع الليالي و الأيام في عمر العبد ، فاخزن لسانك و عد كلامك يقل كلامك إلا بخير .

يا شيخ: أرض للناس ما ترضى لنفسك، وآت إلى الناس ما تحب أن يؤتى إليك .

ثم أقبل على أصحابه فقال :

أيها الناس : أ ما ترون إلى أهل الدنيا يمسون و يصبحون على أحوال شتى ، فبين صريع يتلوى ، و بين عائد و معود ، و آخر بنفسه يجود ، و آخر لا يرجى ، و آخر مسجى ، و طالب الدنيا و الموت يطلبه ، و غافل و ليس بمغفول عنه ، و على أثر الماضي يصير الباقي .

فقال له زيد بن صوحان العبدي : يا أمير المؤمنين ، أي سلطان أغلب و أقوى ؟

قال : الهوى .

قال : فأي ذل أذل ؟ قال : الحرص على الدنيا .

قال : فأي فقر أشد ؟ قال : الكفر بعد الإيمان .

قال : فأي دعوة أضل ؟ قال : الداعي بما لا يكون .

قال : فأي عمل أفضل ؟ قال : التقوى .

قال : فأي عمل أنجح ؟ قال : طلب ما عند الله .

قال : فأي صاحب شر ؟ قال : المزين لك معصية الله .

قال : فأي الخلق أشقى ؟ قال : من باع دينه بدنيا غيره .

قال : فأي الخلق أقوى ؟ قال : الحليم .

قال : فأي الخلق أشح ؟ قال : من أخذ المال من غير حله ، فجعله في غير حقه .

قال : فأي الناس أكيس ؟ قال : من أبصر رشده من غيه ، فمال إلى رشده .

قال : فمن أحلم الناس ؟ قال : الذي لا يغضب .

قال : فأي الناس أثبت رأيا ؟ قال : من لم يغره الناس من نفسه ، و لم تغره الدنيا بتشوفها .

قال : فأي الناس أحمق ؟ قال : المغتر بالدنيا و هو يرى ما فيها من تقلب أحوالها.

 قال : فأي الناس أشد حسرة ؟ قال : الذي حرم‏ الدنيا و الآخرة ، ذلك هو الخسران المبين .

قال : فأي الخلق أعمى ؟ قال : الذي عمل لغير الله ، يطلب بعمله الثواب من عند الله عز و جل .

قال : فأي القنوع أفضل ؟ قال : القانع بما أعطاه الله .

قال : فأي المصائب أشد ؟ قال : المصيبة بالدين .

قال : فأي الأعمال أحب إلى الله عز و جل ؟ قال : انتظار الفرج .

قال : فأي الناس خير عند الله عز و جل ؟ قال : أخوفهم لله و أعملهم بالتقوى و أزهدهم في الدنيا .

قال : فأي الكلام أفضل عند الله عز و جل ؟ قال : كثرة ذكره و التضرع إليه و دعاؤه .

قال : فأي القول أصدق ؟ قال : شهادة أن لا إله إلا الله .

قال : فأي الأعمال أعظم عند الله عز و جل ؟ قال : التسليم و الورع .

قال : فأي الناس أكرم ؟ قال : من صدق في المواطن .

ثم أقبل عليه السلام على الشيخ فقال :

يا شيخ : إن الله عز و جل خلق خلقا ضيق الدنيا عليهم ، نظرا لهم ، فزهدهم فيها و في حطامها ، فرغبوا في دار السلام الذي دعاهم إليه ، و صبروا على ضيق المعيشة و صبروا على المكروه ، و اشتاقوا إلى ما عند الله من الكرامة ، و بذلوا أنفسهم ابتغاء رضوان الله ، و كانت خاتمة أعمالهم الشهادة ، فلقوا الله و هو عنهم راض .

و علموا : أن الموت سبيل من مضى و من بقي ، فتزودوا لآخرتهم غير الذهب و الفضة ، و لبسوا الخشن ، و صبروا على القوت ، و قدموا الفضل ، و أحبوا في الله عز و جل ، و أبغضوا في الله عز و جل .

أولئك المصابيح : و أهل النعيم في الآخرة و السلام .

فقال الشيخ : فأين أذهب و أدع الجنة و أنا أراها و أرى أهلها معك .

يا أمير المؤمنين : جهزني بقوة أتقوى بها على‏ عدوك .

فأعطاه أمير المؤمنين عليه السلام : سلاحا و حمله ، فكان في الحرب بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام يضرب قدما ، و أمير المؤمنين يعجب مما يصنع ، فلما اشتدت الحرب أقدم فرسه حتى قتل رحمه الله .

و اتبعه رجل : من أصحاب أمير المؤمنين  فوجده صريعا و وجد دابته و وجد سيفه في ذراعه ، فلما انقضت الحرب أتى أمير المؤمنين بدابته و سلاحه ، و صلى أمير المؤمنين عليه ، و قال عليه السلام : هذا و الله السعيد حقا ، فترحموا على أخيكم .

الأمالي للصدوق ص393م62ح4 .

يا طيب : فيما ذكرنا من ضرورة الانبعاث في كل يوم بل كل ساعة ولحظة ممكنة للطاعة وعمل الخيرات فهو حسن ، وجيب أن نبتعد عن المحرمات ونأتي بما أمر الله ونعمل كل ما يسعنا من الخير والعلم والتعلم  ، ونكتفي بما ذكرنا ولنتدبر شرح الأشطر التالية .

 

 

 


 

 

وهو يوم العلم والمعلم وفيه صلاح العباد وسعادتهم الآن و يوم مبعث

والله حفظ دينه بعد خاتم رسله بآله ولمن ودهم وتبعهم رضاه وجنة علية

 

معنى المبعث للحشر :

مبعث : مبعث العباد ليوم القيامة ، وهو النشر للحضور في عرصة المحشر ويجمعها اسم يوم القيامة ، وهو يوم المبعث ويوم البعث وله أسماء كثيرة في كتاب الله ، وهو حين يقوم العباد للحساب ونيل الجزاء والثواب للمحسن جعلنا الله منهم والعقاب لمسيء أبعدنا الله عنهم . والبعث كما هو إرسال ، وتحفيز وانبعاث .

 فالبَعْثُ‏ أَيضاً: الإِحْياء من الله للمَوْتى و الْبَعْثُ‏: الإثارة، من فعل يفعل بالفتح فيهما، يقال‏ بَعَثَ‏ الله الموتى من قبورهم: أي أثارهم و أخرجهم .

 ومنه قوله تعالى : { ثُمَ‏ بَعَثْناكُمْ‏ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ } أَي أَحْيَيْناكُم  .

و بَعَثَ‏ المَوْتى: نَشَرَهم ليوم‏ البَعْثِ ‏. و بَعَثَ‏ اللهُ الخَلْقَ‏ يَبْعَثُهُم‏ بَعْثاً نَشَرَهم.

و من أَسمائه الحسنى عز وجل : الْبَاعِثُ : هو الذي‏ يَبْعَثُ‏ الخَلْقَ ، أَي يُحْييهم بعد الموت يوم القيامة.

ويا طيب : قد يأتي معنى البعث هو الإحياء ، سواء الإحياء بعد الموت في الدنيا أو للآخرة ، كقتيل قصة البقرة أو أهل الكهف ، وكما في قوله تعالى في قصة عزير :

{أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا

قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا  فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ

 قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ  يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259) } البقرة .

وأما يوم البعث للآخرة : فهو في كثير من الآيات نختار منها كقوله تعالى:

( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ

إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ  فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ

وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (56) فَيَوْمَئِذٍ لَّا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ  (57) } الروم .

{ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16)} المؤمنون .

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنْ الْبَعْثِ

فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا

 وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)

  ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ

وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(6)

وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَ رَيْبَ فِيهَا

وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7)}الحج .

 

مبعث النبي وآله يوم القيامة :

يا طيب : أجمل بعث للنبي وهو في قوله تعالى :

{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ

 يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79) } الإسراء . وهنا بعد أن يبعثه : يعطيه المقام المحمود ، وقيل يَبْعَثَكَ‏ معنى يقيمك‏ مَقاماً مَحْمُوداً ، و هو الشفاعة لأمته، و كان محمودا لأنه يحمده كل من عرفه ويشكره ويصلي عليه ، فيجازيه بالشفاعة كما ضمن الله تعالى له في عدة آيات ومنها الآية أعلاه .

ويا طيب : ولمعرفة أن الله يبعث شهداء الأعمال ، وهم يصدقون من تبعهم في كل زمان ، فمن شهدوا له بمتابعتهم نجى وفاز ورضي الله قوله وفعله ، وإن نبينا هو الشهيد على الكل والأنبياء السابقين وأوصيائهم الشهداء على قومهم ، وإن أئمتنا هم شهداء علينا كلا في زمان إلى يوم القيامة تدبر قوله تعالى في سورة النحل :

{وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا

 ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (84) ...

{ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنفُسِهِمْ

 وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاَء

 وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى

 وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) 

وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلاَ تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا

وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) } النحل.

يا طيب : العدل والإحسان هو أن نأتي ونتبع ذوي القربى وهم آل نبي الرحمة كما في الآيات أعلاه وهم الشهداء من أنفسنا معنا فمن تبعهم صدقوه وشفع له ، وهم نفسهم الذين أمر الله بمودتهم وطاعتهم في آية المودة للقربى ، وطهرهم ككتابه وهم معه الثقلين النفسين الغاليين الذي من تمسك بهم نجى وسعد وعبد الله كما أحب وكان مغرض الخلقة وغايتها في العبودية لله تعالى ، ولذا الله بعد الآيات التي عرفتها يؤكد سبحانه في سورة النحل أن لا تنقضوا ما أمركم به من مولاة النبي وآله ، حتى يقول سبحانه :

{ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) } النحل .

والذي يحب : أن يعمل صالحا كالآيات أعلاه هو أن يأتي القربى للنبي صلى الله عليهم وسلم كما في آية مودة القربى في قوله تعالى : { ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى  وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) } الشورى .

 


 

 

أحاديث في البعث والحشر :

يا طيب : ذكرنا بعض المعارف عن المبعث يوم القيامة في صحيفة المعاد ، وفصلنا في معارف المعاد في شرح أسماء الله الحسنى ، في اسم الله العظيم أحوال الموت ، وفي اسم الله اللطيف أحوال القيامة ، وفي اسم الله الشافي أحوال الجنة والنار لإن من أحصاها وتخلق بها يدخل الجنة ، والآن نذكر بعض أحوال البعث والنشر مختصرا :

قال الإمام علي عليه السلام :

لا تنشق‏ الأرض‏ : عن أحد يوم القيامة ، إلا و ملكان آخذان بضبعه ، يقولان : أجب رب العزة .

الأمالي للصدوق ص412ح 10 .

 

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

‏ يا علي : سألت ربي فيك خمس خصال ، فأعطاني :

أما أولها : فسألت ربي أن أكون أول من تنشق‏ عنه‏ الأرض ، و أنفض التراب عن رأسي و أنت معي ،  فأعطاني .

و أما الثانية : فسألت ربي أن يقفني عند كفة الميزان و أنت معي ، فأعطاني .

و أما الثالثة : فسألت ربي أن يجعلك في القيامة صاحب لوائي ، فأعطاني .

و أما الرابعة : فسألت ربي أن يسقي أمتي من حوضي بيدك ، فأعطاني .

و أما الخامسة : فسألت ربي أن يجعلك قائد أمتي إلى الجنة ، فأعطاني .

فالحمد الله : الذي من علي بذلك.

الخصال ج1ص314 ح93 .

 

عن إبراهيم بن أبي محمود : عن الإمام علي بن موسى الرضا : عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عليهم اسلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

‏ يا علي : أنت المظلوم من بعدي ، فويل لمن ظلمك و اعتدى عليك ، و طوبى لمن تبعك و لم يختر عليك .

 يا علي : أنت المقاتل بعدي فويل لمن قاتلك ، و طوبى لمن قاتل معك .

يا علي : أنت الذي تنطق بكلامي و تتكلم بلساني بعدي ، فويل لمن رد عليك ، و طوبى لمن قبل كلامك .

يا علي : أنت سيد هذه الأمة بعدي و أنت إمامها و خليفتي عليها ، من فارقك فارقني يوم القيامة ، و من كان معك كان معي يوم القيامة .

يا علي :  أنت أول : من آمن بي و صدقني‏ . و أنت أول : من أعانني على أمري  و جاهد معي عدوي . و أنت أول : من صلى معي ، و الناس يومئذ في غفلة الجهالة .

يا علي :  أنت أول : من تنشق‏ عنه‏ الأرض معي‏ .

و أنت أول : من يجوز الصراط معي .

و إن ربي عز و جل : أقسم بعزته أنه لا يجوز عقبة الصراط ، إلا من معه براءة بولايتك و ولاية الأئمة من ولدك .

و أنت أول : من يرد حوضي ، تسقي منه أولياءك ، و تذود عنه أعداءك .

و أنت صاحبي : إذا قمت المقام المحمود ، تشفع لمحبينا فتشفع فيهم .

و أنت أول : من يدخل الجنة و بيدك لوائي ، و هو لواء الحمد ، و هو سبعون شقة ، الشقة منه أوسع من الشمس و القمر .

 و أنت : صاحب شجرة طوبى في الجنة ، أصلها في دارك ، و أغصانها في دور شيعتك و محبيك .

قال إبراهيم بن أبي محمود : فقلت للرضا عليه السلام : يا ابن رسول الله إن عندنا أخبارا في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام ، و فضلكم أهل البيت ، و هي من رواية مخالفيكم و لا نعرف مثلها عندكم أ فندين بها ؟

فقال يا ابن أبي محمود : لقد أخبرني أبي عن أبيه عن جده عليه السلام ، أن رسول الله ص قال من أصغى إلى ناطق فقد عبده ، فإن كان الناطق عن الله عز و جل ، فقد عبد الله و،  إن كان الناطق عن إبليس ، فقد عبد إبليس .

ثم قال الرضا عليه السلام : يا ابن أبي محمود ، إن مخالفينا وضعوا أخبارا في فضائلنا و جعلوها على ثلاثة أقسام ، أحدها : الغلو ، و ثانيها : التقصير في أمرنا ، و ثالثها : التصريح بمثالب‏ أعدائنا .

فإذا سمع الناس : الغلو فينا ، كفروا شيعتنا ، و نسبوهم إلى القول بربوبيتنا .

و إذا سمعوا التقصير : اعتقدوه فينا .

و إذا سمعوا : مثالب أعدائنا بأسمائهم ، ثلبونا بأسمائنا .

و قد قال الله عز و جل‏ : { و لا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم‏ } .

 يا ابن أبي محمود : إذا أخذ الناس يمينا و شمالا ، فالزم طريقتنا ، فإنه من لزمنا لزمناه ، و من فارقنا فارقناه ، إن أدنى ما يخرج به الرجل من الإيمان ، أن يقول للحصاة هذه نواة ثم يدين بذلك ، و يبرأ ممن خالفه .

يا ابن أبي محمود : احفظ ما حدثتك به ، فقد جمعت لك خير الدنيا و الآخرة.

عيون أخبار الرضا عليه السلام ج1ص303ح63 .

ويا طيب : نكتفي بهذا المقدار من أمر البعث ، وهو يعرف مصير من يبعث في يوم البعث وحاله ، فإن كان مع المنعم عليهم نجى ، وإلا هوى ، ونذكر باقي شرح الأبوذية .

 

 

تكميل

 

يوم المبعث والعلم والتعليم :

بسم الله الرحمن الرحيم :

{ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)

خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)

اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3)

الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4)

عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)} سورة العلق .

يا طيب : إن أول آيات نزلت من كتاب الله الآيات أعلاه ، والقلم هو ما يثبت به العلم ويكتب ليبقى ، وبه تستقيم أمور العباد في التعامل وتعليم الآداب وتوريثها ، وآيات وروايات فضل تعلم العلم وتعليمه وآدابه كثيرة جدا ، بل لم يكن النبي نبي ولا الوصي وصي ولا الإمام إمام ولا الخليفة خليفة لله ولرسوله إلا بالعلم ، والعلم حجة الله ورسوله وأهل البيت ، وهو دليلهم بأحقيتهم وهم يهدون بأمره ويعلمون تأويل كلام الله وكتابه القرآن المجيد وتفسيره كما عرفت وسترى .

 ولكن لا يشترط : أن الآيات أعلاه نزلت يوم المبعث ، فإن القرآن نزل في شهر رمضان ، فيوم المبعث الأمر بتبليغ الرسالة .

 وأول كلمة بلغها النبي :

 قولوا لا إلاه إلا الله تفلحوا .

وما ذكر : عند العامة بالخصوص دثروني وأخذته الرجفة ، وكان لا يعلم أنه نبيا وكان لا يصدق أو خائف مما يوحى إليه ، ولم يعرف أنه بعث إلا بعد عدة مرات من معاودة الوحي ، فلا صحة فيها وغير مقبولة في منطق النبوة لنبينا محمد صلى الله عليه وآله ولا حتى للأوصياء المصطفين .

بل الحق : كما عرفت أنه ولد نبينا كعيسى نبيا ، ولكنه الأمر بالتبليغ العام في سن الأربعين ، وهي البعثة العامة ووحي للشروع بتبليغ عموم أوامر الله تعالى مما نزل من كلام الله في القرآن الكريم وتعاليمه وأستمر على طول ثلاثة وعشرون سنة وأغلبها تحكي قصص الأنبياء أو أحوال الناس وأحول غزوات النبي وعموم الأحكام ، وبالمبعث حصل الأمر بالبدء بتبليغها وتعليمها للناس .

وقبل البعثة العامة : بعثة خاصة ، وأمر بالتبليغ والإنذار والتبشر لعشيرته الأقربين .

 وأما البعثة الأخص : فهي في الإسراء والمعراج وفيه عرف أهم تعاليم الله تعالى وتفاصيلها وشرحها ، وأهمها الأمر بالولاية وتعليم الفرائض وغيرها من أمور التشريع المهمة ،  وشرحها وتأويها وتفسيرها وصياغتها بالحديث والقول الحسن ، كما عرفت .

ويا طيب : إن نزول القرآن الكريم وتعالميه هي علم ، وتؤكد أهمية العلم وتعليمه وتعلمه ، ولا يوجد كتاب يؤكد على العلم وتعلمه من الأولين والآخرين مثله ، ومن أكثر الكلمات التي كررت في القرآن الكريم هي كلمة العلم ، وأكثر من ثلاثمائة مرة أمر الله تعالى في التدبر والتفكر والتذكر والتعلم والتعقل ، ولكم بعض الآيات في هذا المعنى .

 ومنها قول الله سبحانه تعالى :

{  ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) } البقرة. والكتاب علم .

{ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى  الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (البقرة31) قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا  إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ  إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33) } البقرة .

هذه أول الخلقة : بدأ بالعلم والتعلم .

{ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114) } طه.

 

{ فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209)} البقرة ، فمن ضل متعمدا البعد عن الله بعد ما علمه معارفه وبين لهم فلا يضر الله شيء وهو لا ناصر له.

{ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ  الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) } البقرة . علم الكتاب والحكمة .

{ فَإِذَا  أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ (239) } البقرة.

{ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ  (247) } البقرة . فلذا جعل نبي وأختاره لعلمه .

{ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ  بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) } البقرة.

فمن يتقي الله : يقذف في قلبه نور العلم .

{  ِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ

 إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ (9) } الزمر .

فالعاقل : يتذكر ويعرف أن أولي العلم هم المقربون عند الله تعالى ، ولذا أختار الله من يعلم معارف كتابه تفسيرا وتأويلا كما قال تعالى :

{ هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في  قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِه

 وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ  يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ (7) } آل عمران.

فالراسخون بالعلم : هم الذين يحيطهم الله تعالى بعلمه كما قال سبحانه ، ويجب أن يعرفوا بالفضل ويترك من يدعي العلم لأنه يبتغي الفتن وحرف الناس وضلالهم  ، وقد قال الله تعالى في هذا المعنى :

{ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء  (255) } البقرة . وقد شاء الله أن يحيط نبينا وآله بعلمه ، ولا يصح أن يجعل علمه عند من هم مختلفين ويبتغون الفتنة ، أنظر آيات أخرى في هذا المعنى :

{ شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً  بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ

 وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ  الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) } آل عمران .

والله تعالى صدق النبي وآله : بعدما علمهم ، ولذا باهل بهم ولعن من يكذبهم كلهم ، ومعناه أنهم هم الصادقون .

{ فَمَنْ  حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا  وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ

 فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) } . ولذا أمر أن نكون مع الصادقين .

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ  اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ (119)} التوبة.

والصادقون : هم الأئمة من آل محمد وقد علمهم الله كل أمر من أمور الدين وشفعهم بتعليمهم وأذن لهم بتبليغه ، كما في سورة القدر في قوله تعالى :

{ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ  إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ( القدر3)

 تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم

مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) } القدر .

ومن عنده : علم كل أمر فهو ولي أمر الله ، وهو الذي يجب أن نتعلم منه معارف الله وهو المعلم الحق لهدى الله ، وهم آل محمد صلى الله عليهم وسلم ، ولم يدعي أحد أنه ينزل عليه الروح وهو ملك العلم وأعظم من جبرائيل ، وهو السبب المتصل بين الله وولي الأمر ويعلمه كل أمر الله وما يحتاجه العباد ، إلا نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين صلى الله عليهم وسلم ، ولذا أمر الله بالتعلم منهم ، ولذا قال تعالى :

{ وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ

وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ  لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ

وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً (النساء83)  } .

فهذا قوله تعالى :

{ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) } الأعراف .

ولذا يجب أن نعرف أهل البيت عليهم السلام : وأولي القربى ونتعلم منهم ونعلم ما تعلمنا منهم ونعمل به .

{ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ  لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) } التوبة .

 

يا طب : ما عرفت من طلب العلم الديني هو أساس الحياة الكريمة والأخلاق الفاضلة والعبودية لله تعالى ، وهو الذي تطمئن به النفس وترتاح معه الروح ، وتحصل السعادة والنعيم في الدنيا والآخرة ، كما أن العلم لما ينفع في تسير أمور الحياة الدنيوية فهو أيضا طلبه واجب كفائي على كل العباد ، ويجب أيضا على كل فرد أن يتعلم ما يسير به حياته ، سواء للعمل أو لترتيب أموره مع الآخرين .

ويا طيب : أذا عرفنا أهمية العلم واهتمام الله تعالى به ، بل ونبيه بل وآله الكرام وما علمهم سبحانه من الرسوخ به وتأويله ، نذكر أحاديث في أهمية العلم بصورة عامة .

 


 

 

أحاديث في أهمية العلم :

ومن صفة العلماء :

عن أبي عبد الله عليه السلام : في قول الله عز و جل :

{ إنما يخشى الله من عباده العلماء } .

قال : يعني بالعلماء من صدق فعله قوله ، ومن لم يصدق فعله قوله فليس بعالم ) .

الكافي ج1ص36ح2 .

ويجب عليهم أن يعلموا : وعن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

 قرأت في كتاب علي عليه السلام :  إن الله لم يأخذ على الجهال عهدا بطلب العلم ، حتى أخذ على العلماء عهدا ببذل العلم للجهال ، لأن العلم كان قبل الجهل  . الكافي ج1ص41ح1.

قال عيسى ابن مريم عليه السلام :  يا معشر الحواريين لي إليكم حاجة اقضوها لي ، قالوا : قضيت حاجتك يا روح الله  ، فقام فغسل أقدامهم ، فقالوا : كنا نحن أحق بهذا يا روح الله .

فقال عليه السلام : إن أحق الناس بالخدمة العالم ، إنما تواضعت هكذا لكيما تتواضعوا بعدي في الناس كتواضعي لكم.

ثم قال عيسى عليه السلام : بالتواضع تعمر الحكمة لا بالتكبر و كذلك في السهل ينبت الزرع لا في الجبل  .

 

النهي عن القول بغير علم :

عن مفضل بن يزيد قال قال لي أبو عبد الله عليه السلام :

أنهاك عن خصلتين: فيهما هلاك الرجال ، أنهاك أن تدين الله بالباطل ، و تفتي الناس بما لا تعلم .

الكافي ج1ص42ح1.

 

في استعمال العلم :

عن سليم بن قيس الهلالي قال : سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يحدث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في كلام له :

العلماء رجلان : رجل عالم آخذ بعلمه فهذا ناج ، و عالم تارك لعلمه فهذا هالك  ، و إن أهل النار ليتأذون من ريح العالم التارك لعلمه .

 و إن أشد : أهل النار ندامة و حسرة ، رجل دعا عبدا إلى الله فاستجاب له و قبل منه فأطاع الله فأدخله الله الجنة ، و أدخل الداعي النار بتركه علمه ، و اتباعه الهوى ، و طول الأمل .

 أما اتباع الهوى فيصد عن الحق ، و طول الأمل ينسي الآخرة  .

 الكافي ج1ص44ح1.

 

المستأكل بعلمه و المباهي به :

عن أبي جعفر عليه السلام قال :

من طلب العلم : ليباهي به العلماء ، أو يماري به السفهاء ، أو يصرف به وجوه الناس إليه ، فليتبوأ مقعده من النار ، إن الرئاسة لا تصلح إلا لأهلها.

الكافي ج1ص47ح6.

 

أحاديث في ثواب العالم و المتعلم :

 عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال :

إن الذي : يعلم العلم منكم له أجر مثل أجر المتعلم ، و له الفضل عليه ، فتعلموا العلم من حملة العلم ، و علموه إخوانكم كما علمكموه العلماء .

الكافي ج1ص35ح2 .

 وعن حفص بن غياث قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام :

 من تعلم العلم : و عمل به و علم لله ، دعي في ملكوت السماوات عظيما ، فقيل : تعلم لله و عمل لله و علم لله .

الكافي ج1ص35ح6 .

 

فضائل العلم :

كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول :

يا طالب العلم : إن العلم ذو فضائل كثيرة :

فرأسه : التواضع ، وعينه : البراءة من الحسد ، و أذنه : الفهم  ، و لسانه : الصدق ، و حفظه : الفحص ، و قلبه : حسن النية ، و عقله : معرفة الأشياء و الأمور ، و يده : الرحمة ، و رجله : زيارة العلماء .

و همته : السلامة ، و حكمته : الورع ، و مستقره : النجاة ، و قائده : العافية ، و مركبه : الوفاء .

و سلاحه : لين الكلمة ، و سيفه : الرضا ، و قوسه : المداراة ، و جيشه : محاورة العلماء .

و ماله : الأدب ، و ذخيرته : اجتناب الذنوب ، و زاده : المعروف ، و ماؤه : الموادعة ، و دليله : الهدى ، و رفيقه : محبة الأخيار  .

الكافي ج1ص48ح2.

 

أنواع طلب العلم :

علي بن إبراهيم رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال :

طلبة العلم ثلاثة فاعرفهم بأعيانهم و صفاتهم :

صنف : يطلبه للجهل و المراء .

وصنف : يطلبه للاستطالة و الختل .

وصنف : يطلبه للفقه و العقل .

فصاحب الجهل و المراء : موذ ممار ، متعرض للمقال في أندية الرجال بتذاكر العلم و صفة الحلم ، قد تسربل بالخشوع و تخلى من الورع .

 فدق الله : من هذا خيشومه ، و قطع منه حيزومه .

وصاحب الاستطالة و الختل : ذو خب و ملق ، يستطيل على مثله من أشباهه ، و يتواضع للأغنياء من دونه ، فهو لحلوائهم هاضم ، و لدينه حاطم .

 فأعمى الله : على هذا خبره ، و قطع من آثار العلماء أثره .

و صاحب الفقه و العقل : ذو كآبة و حزن و سهر ، قد تحنك في برنسه ، و قام الليل في حندسه ، يعمل و يخشى وجلا ، داعيا مشفقا ، مقبلا على شأنه ، عارفا بأهل زمانه ، مستوحشا من أوثق إخوانه .

 فشد الله : من هذا أركانه ، و أعطاه يوم القيامة أمانه.

الكافي ج1ص49ح5.

 

يجب إظهار العلم :

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

 إذا ظهرت البدع : في أمتي ، فليظهر العالم علمه ، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله  .

الكافي ج1ص54ح2 .

 

قال الإمام الكاظم عليه السلام في وصية له لهشام .... :

(يا هشام : قليل العمل من العالم مقبول مضاعف ، و كثير العمل من أهل الهوى و الجهل مردود .

يا هشام : إن العاقل رضي بالدون من الدنيا مع الحكمة ، و لم يرض بالدون من الحكمة مع الدنيا ، فلذلك ربحت تجارتهم  .

 الكافي ج1ص17.

 

من حق العالم ست عشرة خصلة :

 عن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام قال :

إن من حق العالم :

أن لا تكثر السؤال عليه ، و لا تسبقه في الجواب ، و لا تلح عليه إذا أعرض ، و لا تأخذ بثوبه إذا كسل . و لا تشير إليه بيدك ، و لا تغمزه بعينك ، و لا تساره في مجلسه ، و لا تطلب عوراته .

و أن لا تقول : قال فلان خلاف قولك ، و لا تفشي له سرا ، و لا تغتاب عنده أحدا ، و أن تحفظ له شاهدا و غائبا . و أن تعم القوم : بالسلام و تخصه بالتحية ، و تجلس بين يديه ، و إن كانت له حاجة سبقت القوم إلى خدمته ، و لا تمل من طول صحبته   فإنما هو مثل النخلة فانتظر متى تسقط عليك منها منفعة .

و العالم : بمنزلة الصائم القائم المجاهد في سبيل الله .

و إذا مات العالم : انثلم في الإسلام ثلمة لا تسد إلى يوم القيامة .

و إن طالب العلم : ليشيعه سبعون ألف ملك من مقربي السماء .

الخصال ج2ص504ح1 . المحاسن ج1ص233ب19ح185 . 

الدعوات ص220ح601 .

 

 

فضل العلماء :

وهذه أحاديث كريمة في فضل العلماء وبعدها في فضل من ينشر علومهم حتى ليشاركهم أو يفوقهم من يساعدهم في نشرها وترويجها :

وقال صلى الله عليه وآله : يا علي نوم العالم أفضل من ألف ركعة يصليها العابد ، يا علي لا فقر  أشد من الجهل ، ولا عبادة مثل التفكر .

 بحار الأنوار ج2ص22ب8ح66.

 وقال صلى الله عليه وآله : علماء أمتي كأنبياء بنى إسرائيل . 

 بحار الأنوار ج2ص22ب8ح67.

 

قال النبي صلى الله عليه وآله :

ساعة: من عالم يتكئ على فراشه ينظر في عمله.

 خير من عبادة العابد سبعين عاما .

بحار الأنوار ج2ص23ب8ح71.

وقال صلى الله عليه وآله : فضل العالم على العابد سبعين درجة بين كل درجتين حضر الفرس سبعين عاما ، وذلك أن الشيطان يدع البدعة للناس فيبصرها العالم فينهى عنها ، والعابد مقبل على عبادته لا يتوجه لها ولا يعرفها  . 

 بحار الأنوار ج2ص24ب8ح72.

قال النبي صلى الله عليه وآله : ألا أحدثكم عن أقوام ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم يوم القيامة الأنبياء والشهداء بمنازلهم من الله على منابر من نور .

 فقيل : من هم يا رسول الله ؟ 

قال : هم الذين يحببون عباد الله إلى الله ، ويحببون عباد الله إلي ، قال : يأمرونهم بما يحب الله وينهونهم عما يكره الله ، فإذا أطاعوهم أحبهم الله .

  بحار الأنوار ج2ص24ب8ح73.

 وقال النبي صلى الله عليه وآله :

 زكاة العلم تعليمه من لا يعلمه . 

 وعن الصادق عليه السلام :

لكل شيء زكاة وزكاة العلم أن يعلمه أهله.

وقال صلى الله عليه وآله :

 يا علي نوم العالم أفضل من عبادة العابد ، يا علي ركعتان يصليهما العالم أفضل من سبعين ركعة يصليها العابد .

و قال رسول الله صلى الله عليه وآله : رحم الله خلفائي .

فقيل : يا رسول الله و من خلفاؤك ؟

قال : الذين يحيون سنتي ، ويعلمونها عباد الله .

بحار الأنوار ج2ص25ب8ح80، 81 ، 82 ، 83.

 

فضل نشر العلم :

وقال صلى الله عليه وآله :

ما تصدق : الناس بصدقة ، مثل علم ينشر . 

 وقال صلى الله عليه وآله :

 ما أهدى المرء المسلم : على أخيه هدية أفضل من كلمة حكمة يزيده الله بها هدى ويرده عن ردى . 

وقال صلى الله عليه وآله : أفضل الصدقة ، أن يعلم المرء علما ، ثم يعلمه أخاه.

وقال صلى الله عليه وآله : العالم والمتعلم شريكان في الأجر ، ولا خير في سائر الناس. 

 بحار الأنوار ج2ص25ب8ح87 ،88 ،89 ، 90.

و عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من أعان طالب العلم فقد أحب الأنبياء و كان معهم ، و من أبغض طالب العلم فقد أبغض الأنبياء فجزاؤه جهنم .

و إن لطالب العلم شفاعة كشفاعة الأنبياء ، و له في جنة الفردوس ألف قصر من ذهب و في جنة الخلد مائة ألف مدينة من نور ، و في جنة المأوى ثمانون درجة من ياقوتة حمراء .

و له بكل درهم أنفقه في طلب العلم : حورا بعدد النجوم و عدد الملائكة .

 من صافح طالب العلم : حرم الله جسده على النار ، و إن طالب العلم إذا مات غفر الله له و لمن حضر جنازته .

  إرشاد القلوب ج1 ص164ب 49 .

ويا طيب : إن الأحاديث في فضل العلم ، وهو الذي أمر الله بتعليمه ببداية البعثة لنبينا الأكرم ، كثيرة جدا ، ونكتفي بما ذكرنا ، وأسأل الله أن يجعلنا من المتعلمين والمعلمين لمعارف هدى الله الحق ، ومن سبيل الصادقين الراسخون بعلمه والذين يهدون بصراط مستقيم لنعيم الله عبودية وثوابا ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .


 

 

مقال
 في المبعث و العلم ويوم المعلم :

يا طيب : هذا مقال كتب قبل أكثر من خمسة عشر ينة، ونشر في مواقع متعددة ، نضيفه هنا لما فيه من الفائدة :

أبارك لكم يا طيبين : حلول يوم المبعث المصادف 27 رجب سنة 13 قبل الهجرة المباركة ، وأزف لكم أجمل التبريك وأبعث لكم أحلى التهاني بمناسبة حلول هذا اليوم الشريف ، وأتمنى لكم ولكل الطيبين من المؤمنين الموالين وجميع المسلمين ،  كل خير وسعادة وبركة ، وهذا بعض البيان لأهمية المبعث الكريم ، وما فيه من الكرامة لبني الإنسان ، بطلب تعليمهم ونشره لمعارف أهمية العلم الحق والهدى الصادق وفضل تعلمه ، وفي أول البعثة ونزول هدى الدين أصر تعالى في أول آيات كلامه المجيد على ضرورة القراءة وتعلم الكتابة ، ونشر الهدى الحق وتعليمه وتبلغيه والعمل به فضلا عن الإيمان به تعالى .

فذكر سبحانه : وصية النور الإلهي التي جاءت في آيات نزلت في يوم المبعث ، ذلك اليوم المبارك الذي علم الله فيه نبينا الأكرم ، أول الدين وهداه المستمر لكل زمان ومكان ، والشامل لجميع شؤون الحياة الكريمة ، فأمره يأن يقرأ لنا تعاليمه ويعرفنا هداه ، فقال تعالى لسيد الأنبياء والمرسلين :

بسم الله الرحمن الرحيم :

{ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ  (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ  (4) عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) } سورة العلق .

فعرفه وعرفنا سبحانه : في هذه الآيات المجيدة ، أمر كريم به يسلك للصراط المستقيم ، والذي يوصل واقعا لهداه الحق ولواقع النعيم إن سلكه العباد ، فبدأ ببيان أدوات العلم وأهميته وسبيله ، والذي به تتم معرفة الهدى الحق المنقذ من الضلال ، وتعاليمه الصادقة الموصلة للنعيم الواقعي ، وسبيله الذي يحتاجه كل من يحب أن ينفتح على الحياة بهدى واقعي ومعرفة صادقة منجية ، ألا وهو العلم والقلم المعبر عن حفظه وتبليغه .

ولكون الحصول : على العلم الحق من رب العباد ، والعالم سبحانه بكل ما يصلح خلقه ، ويجعلهم إن استجابوا له في سعادة ونعيم ، فهو علم نور يقذفه الله تعالى ، ويفهمه من يراه خير العباد وأخلصهم له ، وأنبلهم وأكرمهم وأشرفهم وأحسنهم في كل صفاته ، فيهبه علم الكتاب والحكمة ليُعلم به كل من يجب أن يستنير ، ويبلغه لمن يطلب الهدى من ربه وخالقه ، بل عرفنا سبيل المحافظة عليه بالقلم والكتابة ليبقى ويستمر على طول الزمان ، وبه ينجي عباده من ظلام هذه الدنيا وفتنها وكل ما يطغي فيها ، وكل ما يحرفه المحرفون ويبتدعه الطغاة والمبطلون ، وبالخصوص ممن منع تدوين السنة وسيرة وسلوك سيد المرسلين ومن سار على سبيله ، ولم يتبع المصطفين الأخيار والطيبين الطاهرين .

 وبهذا يتم التبليغ : والدعوة للدين ، والموعظة الحسنة للمعاندين ، فإن هذه الآيات الماجدة أعلاه  ،كانت أول آيات نزلت من رب العالمين على نبي الرحمة من كلام الله تعالى ، وليخرج به العباد من ظلام الجهل ، لنور العلم والتعلم والتعليم والمعرفة بكل شيء يحتاجه في شؤون حياته المادية والمعنوية .

 

 ثم ذكر سبحانه بعدها آيات : عرّفنا بها سبحانه المتمردين على هداها ممن يطغى من بني الإنسان عن عبادته ، وممن يتوان عن الجد في معرفة عظمته وقدرته في إتقانه لصنع ما خلق في جميع أطوار حياته ، والتي لخصها في آيات قليلة شرحتها تعاليم الدين وحقائق البحث العلمي ، فعرفنا فيها سبحانه إنه قد احسن خلق الخلق وأتقن هدى الوجود ، وإن لكل موجود هداية تكوينية وتشريعية حتى يصل لغايته بأحسن صورة ممكنة ، وهذا يعرفه المنصف الحر ، بأقل تدبر في الآيات أعلاه ، وبالخصوص من عنده قليل من المعرفة بتعاليم الدين الحنيف القيم .

 

ثم يا أيها الأخوة الكرام : الطالبين للحق من العلم والمعرفة ، إنه تعالى في الآيات التي بعد الآيات التي تلوناها عليكم ، ذكر لنا سبحانه علة طغيان من يطغى من العباد على التحقق بهدى رب العالمين ، ولخصها سبحانه بأنه قد استغنى ، فقال :

{ كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى

 ( 6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)

إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى ( 8) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى ... } العلق .

 ويستفاد شرحها من تعاليم الدين : بأن غنى من يستغني عن عبوديته تعالى : إما إنه أعتقد إن غناه الوجودي بمال ومادة فقط ، وأعتقد أن فيهم تمام كماله ، فاستغنى عن الحقائق المريحة للروح ، والتي بها حقيقة سعادة النفس ، والتي بها يطمئن القلب ، ويصبح مستقر البال مرتاح  الفكر ، فغالب من لم يؤمن كان غناه المادي أو الفكري ، يعميه عن واقع نعيمه الروحي الذي هو حقيقة وجوده .

 أو إنسان يطغى : لأنه قد استغنى بشيطان يوسوس له عمل السوء والمكر والحيلة ، فيغويه عن صادق الهدى والعدل والإحسان ، فيستخدم العلم الذي يجب أن يستخدم في الحق والعدل والرقي والتقدم والإصلاح ، يستخدم فكره وجهده في النية السيئة والعمل الطالح المشفوع بالكذب والخداع والغش ، فيستخدم كل فكرة تغطي عمله الطالح لتصبغه بالصلاح ويعطيه منظر الخير في ظاهرة ، ويخفي مكنونه من الشر ونتائجه المضرة له ، وبه يتستر على من يصله شرور أعمله .

 وهكذا قد يستغني : عن العلم الحق ومعارفه ، والعمل الصالح الحق ، وعن الإيمان بالهدى المنزل من رب العالمين والعدل والإحسان ، بهوى وشهوات نفس ليس له بها حق ، فيطغى ويطلبها بكل وسيلة ممكنة ، ولو بعيدة كل البعد عن العدل والصدق والعمل الصالح ، فيمتنع أو يمنع من تعاليم الهدى وعن عمل الخير فضلا عن البر والإحسان .

وبهذا المختصر يا كرام : قد عرفنا أنه قد لخص سبحانه هدى دينه وسبيله بأول آيات كريمة بدأت بالظهور ، وبشكل جلي مقروء ومكتوب وبدأه في يوم المبعث المبارك ، ولنتحقق هذا الهدى نذكر بعض الحقائق التي تعرفنا الهدى والدين الصادق ، فنتعرف على هذه الدعوة العلمية للدين وأهمية العلم وعلو شأنه وما يدعوا إليه من الحق والصدق الذي ترتاح له الروح ، لأنه يدعمه الدليل ويؤيده البرهان المحكم الراسخ ، والذي يدخل العقل الواعي ، ويؤمن به اللب الصاحي ، ويطمئن له القلب الخالص من الهوى ، وإن كان في الوصية التي ذكرناها عن الإمام موسى الكاظم في تعريف العقل والعقلاء في مقال سابق في ذكرى يوم شهادته عليه السلام ، تكفي اللبيب لمعرفة الحق من الهدى والدين ومحله وأهله الصادقين المصدقين .

فهنا بحوث : في تأريخ العلم والتعلم وأهميته ، وضرورة طلبه وأهميته وآدابه وفضله وثوابه وحسن التحقق به حسب هدى الله تعالى ، ونجملها في بحوث :

 

 

النور الأول :
العلم مع خلق أبينا آدم:

هذه آيات كريمة : تعرفنا أول التعليم لأبي البشر أبينا آدم عليه السلام ، بعد ذكر محاورة كريمة تعرفنا أمر كريم ، بأن الإنسان المركب من عقل وشهوة ، ويعيش في عالم المادة التي يتزاحم فيها الخلق ، قد يستغل القوي الضعيف ويمكر به فيفسد في الأرض فيسفك الدماء ويعيث في الأرض فسادا ، ولذا قالت ما قالت الملائكة الكرام وعرفت فضلها الذي خصها الله به : من التسبيح لله عن النقص ، والحمد له بإظهار كماله في كل تصرف لهم ، لأنهم مخلوقين له فيستبين قدسه وعلوه تعالى بما يظهر لهم من الكمال والطاعة له فنعرف شيء عن قدرته وعلمه وحكمته ، ولنعرف قصة بدأ الخلقة لأبينا أدم عليه السلام ومع الملائكة ، وتحقق العلم في الأرض نذكر هذه الآيات الكريمة ، قال الله سبحانه :

{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً

قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ

وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ

قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } البقرة 30 .

 وهنا عرفهم سبحانه بأنهم لم يعرفوا كل حقيقة الخلقة ، وهم لهم علم بأنفسهم وشأنهم وإن عملهم التقديس والحمد بوجودهم وقولهم ، وإن علمهم بغيرهم ظاهري ناقص ، فإنه تعالى علم الإنسان الهدى والعلم الحق إن تبعه نجى ويكون أحسن منهم ولو كان في عالم المادة والماديات فقال تعالى :

{ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا

ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ

 فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاَء

إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ  (31)

 قَالُوا سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)  

 قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ

فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ( 33)

وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا ِلأَدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ} البقرة34 .

ففي هذه الآيات الكريمة : عرفنا الله أنه علم أدم علم كثير حتى أسماء الملائكة فضلا عن كل ما يحتاجه ويسعد وجوده ، بل علمه بحقائق عالية لم تعلم بها الملائكة ، وبها استحق الخلافة لمعرفته بهم .

وهذا ما تفسره الروايات : وتشير له كثير من الآيات المختصة بشأن الخلقة وغرض وجود الإنسان ، راجع ما ذكرنا في صحيفة الثقلين أو في صحيفة التوحيد من موسوعة صحف الطيبين ، فإنه تعالى قد مكن الإنسان من كل ما يحتاج له ليصل لسعادته ، إن تبع ما علمه الله من الهدى والتعاليم التي تنجيه من الطغيان والضلال ، وكل ظلام لجهل ومكر وحيلة ، ولذا في أخر الأمر لما كان فيه من نور العلم وما حصل عليه هذه الإنسان الكريم الأول .

أمر سبحانه : الملائكة للسجود له ، فأطاعت إلا إبليس الذي استخدم القياس وخلط الباطل بالحق ، فقال في آيات إنه قد خلق من نار والإنسان خلق من طين فهو أكرم ولم يبين دعواه بحق ، ولم يطع خالقه والذي أمره بما يكون به كماله وجمال عبادته ، وبالخصوص حين يركع لعالم معلَم بتعليم رباني ، قد نور وجوده وهداه بقدرته وفضله ، بل اصبح معلم بمنه ونبي بكرامة منه تعالى ، فلهذا الملائكة الكرام سجدوا لآدم كلهم بعد إن أمره سبحانه ، وما أمره للسجود له إلا بعد إن عرفهم فضله وعلمه وفضله عليه .

ثم هذا إبليس : الذي كان في صف الملائكة تمرد وضل وطغى لما رأى له بعض الغنى بأنه مخلوق من نار ، ولطغيانه على عبادة رب العالمين ولعصيانه لأوامره أبعده الله عن محل القدس والتنزيه ومحل العلم والكرامة ، لمحل النقص والظلام والمكر والحيلة وتعليم الشر والعمل به ، وهذا شأن كل طاغية في أي زمان ومكان كان لا يرضى بما هداه الله لما يصلح وجوده ويقدسه ويزكيه ، بل يرى غناه بأمر مادي أقل من مرتبة من نور العلم الحق والهادي للعدل والإحسان والطاعة للإله الرب الرحمان التي بها تزكى الروح وتنموا بالمعرفة والكمال ، فتترقى في عالم القدس ، فيخرج الطاغي بفكره وقياسه من مرتبة العقل والتعقل والشكر لمرتبة الكفر الخداع والظلام بجهل مركب .

 

 

النور الثاني :
العلم في ولد أدم وتطوره في وجودهم:

العلم : ليس أمر مادي بل هو نور تتمتع به الروح وتتكامل ، طبعا إن كان لهدى حق وبفكر يدعو للصلاح وللخير وللفضيلة ، ثم إنه بمعرفة حقيقة العلم والتدبر في منازله في النفس كافي لإثبات حقيقة الروح وأنها وراء المادة ، وبها يكون الإنسان مفكرا وعالما ، وله عقل يمكنه أن يتفكر به ويتدبر فيه في الكائنات، فيقر الإنسان لروحه ويطلب راحتها وهدوئها وكل ما يوصله لاطمئنان قلبه وهدوء لبه .

 فإن التدبر : في مراتب النفس يكفينا لمعرفة أن ليس المادة هي كل شيء في الوجود ، بل توجد حقائق كريمة ورائها لها شرف التفكر والتحليل لما يأتيها من الحواس ، بل بالتفكر تترقى الروح وتنمو إن كان بحق ، وإلا تتنزل فتكون ضالة مضلة ومتسافلة في الجهل المركب وظلام المكر والحيلة والقياس والخداع وما شابهه ، كما عرفت في قصص إبليس وغيره من الطغاة على تعاليم رب العالمين .

وعلى كل حال : البحث في النفس له مجال آخر قد يأتي أمر منه ، ولكن نذكر حقيقة العلم وتطوره في بني أدم الذين كرمهم الله بالعلم ، وإن من تعلم بحق وعلم بحق وبين بحق كما علمه الله ، يكون قبلة للملائكة وتسجد له وتكون في خدمته وفي طاعته ، و تبني مملكته في الظاهر والباطن ، وتوحي له فعل الخيرات وتساعده لكل ما يوصل للنعيم ، وبهذا العلم يبدأ في الإنسان في الأرض ، من أول خلقته حيث ركب به أدوات الفهم والعلم وكل الحواس الضرورية التي تجعله عالم ومتعلم ، بل معلم يعمل عمل الأنبياء ويبلغ علمهم ويعلمه إن أطاع رب العالمين في تعاليم هداه ، وأخذه بحق وبلغه بصدق ، لهذا قال تعالى :

{ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا

وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } النحل78 .

وإن الشكر : بعد التعلم والمعرفة ، و قد عرفت أدوات العلم والمعرفة وأسبابها في الإنسان حين تكلمنا عن القلم ، باعتباره حافظ للعلم ومدونه وسبب لنقله بحق وصدق ، وهذا ذكر لحقيقة الإنسان وللأدوات في حقيقة وجوده .

 فقد عرفت : أن القلم أداة للمعرفة الخارجية يحافظ بها على تعاليم الدين ، ولكن المتعلم الحقيقي وهو لب الإنسان وعقلة المعبر عنه بالفؤاد في أدب الدين ، وإن الله تعالى جعل لنا الحواس ، فذكر أهم حاستين لتحصيل العلم ويجعلانا نسمع ونفهم من المتكلم به ، والذي خصه خالقه بكرامة النطق بعد التفكر والتعقل لما يقول في الغالب ، وذلك نعرف بالتدبر في آيات أخرى من كلام الله تعالى :

إذ قال سبحانه في سورة الرحمان :

وقال تعالى :

{الرَّحْمَانُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2)

خَلَقَ الإِنسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) }

فإنه حقا رب رحيم رحمان : علمنا الهدى وذكره في أول السورة ليعرفنا أهميته ، فإن نور القرآن هو العلم الحق والهدى الواقعي الموجب لنعيم الإنسان وسعادته ، وبحق تطمئن به روحه ، وبه يكون الإنسان إنسان ويستحق الخلق والنطق بالبيان ، ولولا الهدى النازل منه في كتابه المجيد على نبيه الكريم وما عرفنا من وحيه الطيف بنا ، وبتوسط هداه الحق وتعاليمه الموصلة لكل نعيم وسعادة شاملة لكل شؤون الحياة ، لما أستحق الإنسان وجوده وهو طاغية متمرد على كل هدى وعلم حق وتعليم صادق وأخلاق فاضلة تعطيه حقيقة سعادته ونعيمه وخيره وبركاته الواقعية .

ولنتعرف على معنى البيان : بعد التعلم بالفؤاد ، بالوسائل الموجبة للعلم في نفس حقيقة الإنسان ، والمنمي لفكره وعقله ، والمتمكن في مملكة روحه وفؤاده ، من طريق السمع والبصر والبيان المعبر عن مكنون العلم والتعليم .

نتدبر: الآيات الكريمة التالية التي تطالبنا، بأن يكون بياننا ونطقنا حق موزون وعدل وإحسان ، لا طغيان فيه ولا تمرد ولا ضلال وكفران  ، إذ تعالى بعد ما عرفت من الآيات :

{ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ الرحمن (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6)

وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) }

فإنه عرفنا : إن كل شيء خلقه سبحانه محسوب تكوينه وهداه التكويني والتشريعي ، وكل شيء له غاية وهدى إن سلكه سار في الحق وسلك في النعيم ، ولا يحق لمن علمه الله البيان وحُسب له كل ما يهديه ويريحه ويجعله مطمئن بالهدى والسير للنعيم في كل وجوده وفي كل ما يحيط به ، أن يطغى ويتمرد على هدى الله الذي فيه صلاحه وخيره وبركات الوجود التي تصب له ، ولذا نهى سبحانه أن يطغى في الميزان وكل ظلم سواء مادي أو معنوي ، فكري أو خارجي عن الروح و اللب والفؤاد، علمي أو عملي ، وهذا ما عرفنا به سبحانه فقال بعد تلك الآيات :

{ أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8)

وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9).

وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ ( 10) فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأَكْمَامِ ( 11) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَان ( 12)..... } الرحمن .

الميزان : رمز للعدل والحق والإحسان ، وبه يعرف الحق من الباطل والخير من الشر سواء بالفكر والعلم أو بالعمل ، ولهذا سمى السيد العلامة الطباطبائي تفسيره للقرآن المجيد بالميزان ، أي موزون في مقدماته ونتائجه لا طغيان فيه ولا ضلال ، بل يسمى علم المنطق الذي يقاس به الكلام الحق في مقدماته ونتائجه بالميزان ، وتوجد بحوث جميلة في معنى الميزان للكلام والبيان لصدر المتألهين في كتابه مفاتيح الغيب وغيرها ليس مجال بيانها هنا ومن أحب فليراجع ما ذكرنا.

وإذا عرفنا : أن الطغيان على أوامر الرب الرحمان والخالق المنان ظلم وعدوان ، وإنه يجب على العاقل أن يتبع القول الحسن حين يسمعه ، وبالوجدان على كل من يسمع البرهان الصادق أن يؤمن به ، وهذا بعض الكلام عن أهمية العلم وقبول الهدى والطغيان عليه في تعاليم رب العالمين لشرح آيات معدودة .

 وسيأتي : مزيد الكلام إن شاء الله ، وأرجو أن أكون وكل من تلا هذا الكلام من الطيبين أن يقول كما أدبنا رب العالمين ، حين يسمعه كلامه الذي بعثه لنبيه المبعوث محمد خير المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم ، ولو سمع نداءه بعد حين ، أن يقول وهو صادق ومؤمن :

{رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ

 أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا

 فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ  (193) }

ويجب : أن يتحرى الدقة في معرفة الأبرار المطهرون المصطفون الأخيار ـ

{ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194)

فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ

 فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)

لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلاَدِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197)

 لَكِنْ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأَبْرَارِ } آل عمران 198 .

 

هذا وأسأل الله سبحانه : أن يرنا الحق حقا فنتبعه ، ويرينا الباطل باطل فنجتنبه ، ولا يلبس علينا قول ولا فكر وعلم ولا فعل وعمل ، ونسأله التوفيق لما يحب ويرضى بحق النبي محمد وآله الطيبين الطاهرين ، وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على جميع الأنبياء والمرسلين وصحبهم الأخيار المخلصين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .

 

 

هدية للمعلم :

التهنئة والسرور والأفراح : لكم يا أخوتي الطيبين ، بمناسبة حلول يوم نور العلم والمعلم ، و الحق النبيل الشامل لكل خير الحياة الصالحة وأدوارها ، في يوم المبعث الشريف والإسراء والمعراج ، لنبينا الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، والمصادف في يوم 27 رجب سنة 13 قبل الهجرة ، ولكم ولأهل مودتكم ومن تحبون مني التحية والمودة والسلام ، والمرطبات والكرزات (المكسرات) ، وأطيب الأطعمة الروحية والبدنية.

وبعد ما عرفنا : أخوتي بعض المعارف عن البعثة والنبوة وشؤونها الكريمة من صحيفة النبوة من موسوعة صحف الطيبين ، نذكر بعض حق المعلم بالإضافة لما عرفنا :

 

في حديث الحقوق عن سيد العابدين عليه السلام :

و حق سائسك بالعلم : التعظيم له ، و التوقير لمجلسه ، و حسن الاستماع إليه .

 و الإقبال عليه ، و ألا ترفع عليه صوتك ، و لا تجيب أحدا يسأله عن شيء حتى يكون هو الذي يجيب .

 و لا تحدث في مجلسه أحدا ، و لا تغتاب عنده أحدا ، و أن تدفع عنه إذا ذكر عندك بسوء ، و أن تستر عيوبه ، و تظهر مناقبه .

 و لا تجالس له عدوا ، و لا تعادي له وليا .

 فإذا فعلت ذلك : شهدت لك ملائكة الله جل و عز ، بأنك قصدته و تعلمت‏ علمه لله جل اسمه لا للناس‏  .

 

و قال أمير المؤمنين نظما و قيل انه لابنه الحسين عليهما السلام:

الناس من جهة التمثال اكفاء _ أبوهم آدم و الام حواء

فان يكن لهم في علمهم شرف‏ _ تفاخرون به لا الطين و الماء

ما الفخر الا لأهل العلم انهم _ على الهدى لمن استهدى ادلاء

و وزن‏ كل امرئ ما كان يحسنه‏ _ و الجاهلون لأهل العلم اعداء

ففز بعلم تحز طيب الحياة به‏  _ فالناس موتى و اهل العلم احياء

 

 

 

 قصيدة : قم للمعلم :

للشاعر لأحمد شوقي رحمه الله :

 

قـــــــــــم لـــلــمــعــلــم وفـــــــــــه الــتــبــجــيــلا

كــــــــاد الــمــعــلــم أن يــــكــــون رســـــــولا

أعـلـمـت أشـــرف أو أجـــل مــن الــذي

يـــبـــنـــي ويـــنـــشـــئ أنـــفـــســـا وعـــــقــــولا

ســـبــحــانــك الـــلـــهـــم خـــــيــــر مـــعـــلـــم

عـــلــمــت بــالــقــلـم الــــقـــرون الأولـــــــى

أخــرجــت هــــذا الــعـقـل مــــن ظـلـمـاتـه

وهـــديـــتـــه الـــــنــــور الـــمــبــيــن ســـبـــيــلا

وطـــبـــعـــتـــه بــــــيــــــد الـــمـــعـــلــم تـــــــــــارة

صـــــــدئ الـــحــديــد وتـــــــارة مـــصــقــولا

أرســــلـــت بـــالــتــوراة مـــوســـى مـــرشـــدا

وابـــــــــن الـــبـــتـــول فـــعـــلــم الإنـــجـــيــلا

وفــــجـــرت يـــنــبــوع الـــبــيــان مـــحــمــدا

فــســقــى الــحــديــث ونـــــاول الــتـنـزيـلا

عـــلـــمـــت يـــونـــانـــا ومـــــصــــر فـــزالـــتـــا

عـــــن كـــــل شـــمــس مـــــا تــريــد أفــــولا

والــــيــــوم أصــبــحــتــا بــــحــــال طـــفــولــة

فـــــــــي الـــعـــلـــم تــلــتــمـسـانـه تــطــفــيــلا

من مشرق الأرض الشموس تظاهرت

مــــــــا بــــــــال مــغــربــهــا عـــلـــيــه أديــــــــلا

يـــــا أرض مـــــذ فـــقــد الــمـعـلـم نــفـسـه

بــيــن الــشـمـوس وبــيـن شــرقـك حــيـلا

ذهـــب الــذيـن حــمـوا حـقـيقة عـلـمهم

واســتــعــذبـوا فـــيــهــا الـــعـــذاب وبـــيـــلا

فـــــي عـــالــم صـــحــب الــحـيـاة مــقـيـدا

بــــالــــفـــرد مــــخـــزومـــا بــــــــــه مــــغـــلـــولا

صــرعـتـه دنــيــا الـمـسـتبد كــمـا هـــوت

مـــن ضــربـة الـشـمس الــرؤوس ذهــولا

ســقــراط أعــطــى الــكــأس وهـــي مـنـيـة

شـــفــتــي مــــحـــب يــشــتــهـي الــتــقـبـيـلا

عــرضــوا الــحـيـاة عــلـيـه وهــــي غــبــاوة

فـــــأبــــى وآثـــــــــر أن يـــــمــــوت نـــبـــيـــلا

إن الــشـجـاعـة فـــــي الــقــلـوب كــثــيـرة

ووجــــــدت شــجــعــان الــعــقــول قــلــيـلا

إن الــــــذي خـــلـــق الــحـقـيـقـة عــلــقـمـا

لــــم يــخــل مـــن أهـــل الـحـقـيقة جــيـلا

ولــــربـــمـــا قـــــتـــــل الـــــغـــــرام رجــــالـــهـــا

قــــتـــل الـــغـــرام كــــــم اســتــبــاح قــتــيــلا

أوكـــل مـــن حــامـى عـــن الــحـق اقـتـنـى

عــــنــــد الــــســــواد ضــغــائــنــا وذحـــــــولا

 

 

الأبوذية المختصرة :

رحم الله الشيخ حسن الأنباري إذ قال :

أسرى الله وعرج بخاتم الأنبياء في يوم مبعث

لنتنور به وليكن للعبودية ولكل خير مبعث

وهو يوم التعليم والصلاح الآن ويوم مبعث

لمن تبع الأوصياء حفاظ دين الله آل الزكية

الأبوذية مفصلة :

رحم الله الشيخ حسن الأنباري إذ قال :

أسرى الله و عرج بخاتم الأنبياء ليظهره نوره و ينشر هداه في يوم مبعث

فأقتبس منه التوجه لله و اشكره و ليكن لك لعمل الخير كل يوم مبعث

وهو يوم العلم والمعلم وفيه صلاح العباد وسعادتهم الآن و يوم مبعث

والله حفظ دينه بعد خاتم رسله بآله ولمن ودهم وتبعهم رضاه وجنة علية

 

 

 

 

 

 

 

عناوين مفيدة :

ولكم يا طيبين صحيفة الأصل الثالث للدين النبوة لنبينا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم

من موسوعة صحف الطيبين

تأليف وتحقيق وإعداد

خادم علوم آل محمد عليهم السلام

الشيخ حسن حردان الأنباري

صفحة ويب يمكن الاقتباس منها والنسخ واللصق والتبليغ والنشر

www.alanbare.com/a3

 

صحيفة المبعث : وشرح معنى مبعث للمطالعة والاقتباس والنشر

www.alanbare.com/a3/mbath

صحيفة المبعث : ملف بي دي أف صالح للمطالعة على الحاسب والموبايل النقال بصورة جيدة

www.alanbare.com/a3/mbath.pdf