هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين  في  أصول الدين وسيرة المعصومين
صحف الظهور والتجلي  /  صحيفة  سادة الوجود / الجزء الأول
 معنى السيادة وملاكها وتأريخها وظهورها بنور واهب السيادة
في مراتب التدوين
في سيد الكتب وآياته وعلومه والتكوين سيد المرسلين وآله الطيبين الطاهرين سادة المتقين
الباب الأول /
سفينة نجاة / المجلس الثاني

الذكر الخامس

يجب أتباع المخلصون بتعليم سيد الكلام لا إله إلا الله لا غيرهم

 

يا طيب : سيد السادات الله سبحانه له في خلقه شؤون بعد أن أنتشر الإسلام ، في الجزيرة العربية في زمن نبي الرحمة ، وعرف الله بكل سبيل سادات الوجود الحق بكل سبيل ، سواء في كتابه ، أو في سيرتهم ومعارفهم ، وإن الله سبحانه أراد أن يعرف إخلاص المسلمين حقا ، من غيرهم ممن أسلم سواء خوفا من السيف أو نفاقا أو طمعا بما كان يعود على المسلمين من أموال الغزوات ، وإن الله سبحانه من سسنه المؤكدة سنة الاختبار والابتلاء والامتحان حتى قال عز وجل :

{ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)

وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ

فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) } العنكبوت .

يا طيب : سنة الله الاختبار وفتنتهم بأن يداول الأيام ويعطي المؤمن والكافر ، ويقلب الأحوال بينهم فيملك كلا منهم ، ثم يرى هل حالهم في الشدة والرخاء والصحة والمرض والغنى والفقر هم مخلصون ثابتون ، أم يتحولوا مع أهل الأموال والجاه وزينة الدنيا حتى لو كانت محرمة باطلة ، ويتبعوا أهل المناصب والحكام الظلمة وأولياء الشيطان والطغاة وسادة الباطل ، ممن قد خالفوا أوامر الله سيد السادة وعاندوا سيد المرسلين ، وعلمنا أنه من ضرورة إطاعة سيد المرسلين هو أتباع سيد الوصيين وخليفته الحق وإمام المسلمين الصادق الذي نصبه الله وعرفوه للمؤمنين بكل سبيل .

 وإن المؤمنين حق : قد عرفوا بأن سيدهم يجب أن يكون باذل للمعروف حقا وكريم حليم واقعا ووفق تعاليم الله سبحانه الواقعية ، أي ناشر راية الهدى والصلاح ، وجاهد وعلّم واقعا بكل إخلاص سيد الذكر والتسبيح والإخلاص :

لا إله إلا الله ، بكل وجوده .

 وبان نوره : في سيرته وعلمه وعمله كما كان لسيد الوصيين ، فضلا عما عرفه الله واهب السيادة لمن يشاء وأختاره سيد للمؤمنين بعد سيد المرسلين وإمامهم ووليهم ، وعرفنا آيات وعلامات مثل أنه لم يسجد لصنم أبدا وسبق للإسلام وأتخذه رسول الله صاحب رايته لا إلا إله إلا الله في الدنيا والآخرة بل من قبل كما ستعرف ، وآيات الولاية والهداية والمباهلة والتطهير والجمعة وحنين والنجم ورفع باب خيبر والثبات يوم الخندق والفتح على يده في كل المواطن ، ولم يفر من الله طرفة عين ولم يدخله الشك ولم يسجد لصنم أبدا وكان أول الموحدين بعد سيد المرسلين ، وبهذا عرفنا الله سيدنا الحق وإماما الصادق وخليفة الواقعي بعد سيد المرسلين فجعله سيد الوصيين ، ولا يحق لأحد يدعي الإسلام فضلا من الإيمان أن يتبع سيد البطال المخالف لسيد الحق ، لا لهم ولا لأتباع ومن نصبوه ممن كان ليس له ملاك ولاية المؤمنين وإمامتهم ، ولا يحق لمؤمن أن يتبع من لم يكن لهم شأن السيادة عليهم وإن ملكوا بفلتة أو بمكر أو بظروف خاصة ، ولا يحق لهم أن يكونوا لهم أعوان إن طلبوا من يلعق قصاعهم ومُلك في ملكهم فينصرهم على سيد الحق .

وذلك لان الله السيد الحق وواهب السيادة : عرفنا الحق وأرانا سبيله بصراط مستقيم عند المنعم عليهم ، فجعلهم ولاة أمره على كل حال ودينه عندهم وهم مخلصون في بيانه وتجب طاعتهم على كل وقت وفي كل الظروف ملكوا أو لا ، فهم لهم ملك القلوب ودين العقول المؤمنة المخلصة الطالبة لله وحده سبحانه وتعالى ، لا سادة الباطل ومن ملك الدنيا وزينتها ظلما ومكرا ، ولذا قال :

{ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ (137)

 هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ (138)

وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139)

إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ

وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا

وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)

وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141)

أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ

وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142)

وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ (143)

 وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ

 أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا

وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ (144)

وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً

وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا

وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145) } آل عمران .

يا طيب : إن مجرد الإيمان بدون ثبات ويفر الإنسان في المواقف الصعبة ، ويفر للتجارة وللهو ولزينة الحياة الدنيا فضلا عن هروبه في الحروب وفي المواقف الصعبة ويترك سيد المرسلين والمؤمنين المخلصين معه ، فليس عند الله بشيء .

 والله يحب من يثبت : مع سيد المرسلين وبعده لم يبدل أبد ، وقد عرفت أن القوم قد فروا في غزوة أحد وفي حنين وفي التجارة ، وإن من كان صاحب لواء الله ورسوله وينشر سيد الكلام بكل وجوده : لا إله إلا الله ، ويحب توحيد الله ويظهر إخلاصه علما وعملا صلاة وجهادا ، ويكون الفتح على يديه ويحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله ، فكان سيد المسلمين والإمام الواجب الطاعة والولي الذي يجب أن يخلف رسول الله ، هو الذي يجب أن يطاع ويتولى أمور المسلمين بعده ، لا من طمع بالسلطة بفلتة سقيفة بني ساعدة يستولي على حكومة المسلمين ويطيعوه ويعملون برأيه وليس ملاك السيادة ولا شرف التحقق بها .

وإن خبر السقيفة : وخبر جيش أسامة ، لأخبار متيقنة ذكرها كل أهل السير والتأريخ فضلا عن رواة الحديث وجامعي كلام سيد المرسلين ، بل حكاه الله في الآيات أعلاه فعرفهم أنهم ينقلبون عن الحق ،فإنها قد فعرفنا أن نبي الرحمة أعطى الراية بل لواء الحمد في الدنيا والآخرة في أهم الغزوات بيد سيد الأوصياء ليعرفنا فضله بعد أن يجبن القوم .

وسيد المرسلين في أواخر عمره : أنفذ جيش وأعده لفتح بلاد الله ، وجعل كل الأصحاب تحت أمرته ليغزوا بهم الروم ، وسيد المرسلين أبقى سيد الوصيين معه في المدينة معه ، وذلك لكي إن رفعه الله لمقامة الأعلى يكون هو خليفته وسيد المؤمنين وإمامهم ووليهم بعده ولا ينازعه أحد ، ولكنه لله في خلقه شؤون ويداول الأيام ليعرف الثابتين ممن ينقلب ويحرف المسلمين عن سيد الوصيين ودينه الحق ، ولتبقى سنة لآبد الدهر ، حتى المؤمن والمسلم يجب عليه معرفة الحق من دين الله ويتبع سيد الأديان والقائم بأمره ومعلمه وناشره بحق وهو سيد المؤمنين والمسلمين والمتقين ، لأنه حجة الله دائمة ويدعوا كل أناس بإمامهم ولكل قوم هاد ، وليلة القدر مستمرة بنزول أمر الله وسيد العلم على سيد العباد في زمانه ، ولكلمة الإخلاص لابد من يطبقها واقعا وصادقا أخلص المخلصين ، لا كل مدعي للإسلام والإيمان ومهما تسمى من أسماء .

فإنه للسيادة والولاية وإمامة المسلمين ملاك ، به يستحق قيادة المسلمين وبه تجب طاعته عليهم وبه يصح التسليم لأمره .

يا طيب : عرفنا راية الحق وعنوانها الإخلاص لله بسيد الكلام وحاملها سيد الأوصياء بعد سيد المرسلين وكيف دافع عنها وثبت لها ونشر معارفها ولم يفر ولم ينكل ، فلنعرف أمر راية سادة الباطل وكيف تحول الأمر ظاهرا لناس لم يكن لهم ملاك القيادة والسيادة بعد رسول الله فملكوا ومال معهم ناس لعلهم يحصلون جاه معهم ، فغصبوا راية الهدى والحق وجيش كبيره أعده سيد المرسلين ووضع أبن ربيبه الشهيد زيد بن ثابت الذي أعتقه وكان يعتبر مثل أبنه وأختاره على أبيه فبقى معه يخدمه ، ورسول الله جعل أبنه قائد على من غصب الحكومة وحولها لأبن سيدهم في الجاهلية وملكوه قيادة المسلمين، ليقر لهم بما استولوا عليه من الحكومة ولا يعارضهم :

 

 

 

الإشراق الأول :

سيد المرسلين يبقي معه سيد الوصيين ويتخلف سادة الباطل عن جيشه :

يا طيب : إن رسول الله بتعليم الله أعد جيشا كبيرا جعل فيه كل من أسلم وأمرهم أن يخرجوا ليغزوا الروم ، وجعل في الجيش كل من أدعى الإسلام فضلا عن الإيمان ، وجعل سيدهم وأميرهم أسامة بن زيد وهو شاب ، وأبقى سيد الوصيين معه في المدينة ليعرف الناس أن القيادة  هي بأمر الله وهو سبحانه سيد الوجود يختار في الكائنات ما يبين حسنها وجمال تجلي حقيقة هداه فيها ، وذلك لكي لا يشكل عليه بأن سيد الوصيين شاب وأن قارب الثلاثين فكيف يكون خليفته ، فإن أسامة أميرهم عمره عشرون سنة وهم تحت قيادته ، ومن ثم عرفهم أن مقام سيد الوصيين هو مع سيد المرسلين ، وأن كل المسلمين يجب أن يخرج ويتحركوا حسب ما يأمرهم الله ورسوله ومن نصبوه ولا يحق لأحد أن يتخلف عنه ، ولنعرف هذه القصة نذكر أحوال راية رسول الله وكيف تحولت ظلما بغير حق وخذلت من سادة الباطل فتدبر :

قال الإمام علي عليه السلام : ثم كان آخر ما تكلم به النبي صلوات الله عليه وآله في شيء من أمر أمته ، أن قال :

 يمضي جيش أسامة : ولا يتخلف عنه أحد ممن انهض معه .

وتقدم في ذلك أشد التقديم ، وأوعز فيه غاية الإيعاز ، وأكد فيه أبلغ التاكيد .

 فلم أشعر بعد أن قبض رسول الله صلوات الله عليه وآله إلا برجال من بعث أسامة .

 وأهل عسكره قد تركوا مراكزهم ، وخلوا مواضعهم .

 وخالفوا أمر رسول الله صلوات الله عليه وآله فيما أنهضهم إليه ، وأمرهم به رسول الله صلوات الله عليه وآله ، وتقدم إليهم فيه من ملازمة أميرهم والسير معه تحت رايته حتى ينفذ إلى الذي أنفذه إليه .

 وخلفوا : أميرهم مقيما في عسكره ، وأقبلوا مبادرين إلى عهد عهده الله ورسوله ، فنكثوه ، وعقدوا لأنفسهم عقدا ضبحت فيه أصواتهم ، واختلف فيه آراؤهم من غير مؤامرة ، ولا مناظرة لأحد منا بني عبد المطلب أو مشاركة في رأي ، أو استقالة لما في أعناقهم [138].

وذكر الشيخ المفيد في الإرشاد : بعد غزوة مؤتة وتبوك ، وبعد قدوم نبينا الأكرم من حجة الوداع .

فلمّا قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : المدينة من حجّ الوداع ، بعث بعده ـ بعد قدومه ـ أسامة بن زيد وأمره أن يقصد حيث قُتل أبوه ، وقال له :

أوطئ الخيل أواخر الشام من أوائل الرّوم  .

 وجعـل في جيشـه وتحت رايـتـــه :

أعيان المهاجرين ووجوه الأنصار ، وفيهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة .

 وعسكر أُسامة بالجرف : فاشتكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  شكواه التي توفّي فيها .

وكان عليه السلام يقول في مرضه : ( نفذوا جيش أسامة ) ويكرّر ذلك .

 وإنّما فعل عليه السلام ذلك لئلاّ يبقى في المدينة عند وفاته من يختلف في الإمامة .

 ويطمع في الإمارة ، ويستوسق الأمر لأهله[139] .

وروى ابن أبي الحديد في شرح النهج  : عن احمد بن عبد العزيز الجوهري ، عن احمد بن سيار ، عن سعيد بن كثير ، عن عبد الله بن عبد الله بن عبد الرحمن :

 أن رسول الله صلى الله عليه وآله : في مرض موته أمر أسامة بن زيد ابن حارثة على جيش فيه جلة المهاجرين والأنصار ، منهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ابن الجراح وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير ، وأمره أن يغير على مؤتة حيث قُتل أبوه زيد ، وأن يغزوا وادي فلسطين ، فتثاقل أسامة وتثاقل الجيش بتثاقله .

 وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله : يثقل ويخف ويؤكد القول في تنفيذ ذلك البعث .

 حتى قال له أسامة : بأبي أنت وأمي ! أتأذن لي أن أمكث أياما حتى يشفيك الله تعالى .

فقال : اخرج وسر على بركة الله تعالى

. فقال : يا رسول الله  ! إني إن خرجت وأنت على هذه الحال خرجت وفي قلبي قرحة منك .

 فقال : سر على النصر والعافية .

فقال : : يا رسول الله! إني أكره أن أسأل عنك الركبان .

 فقال : أنفذ لما أمرتك به .

 ثم أغمي : على رسول الله صلى الله عليه وآله .

 وقام أسامة فجهز للخروج ، فلما أفاق رسول الله صلى الله عليه وآله ، سأل عن أسامة والبعث ، فأخبر أنهم يتجهزون .

فجعل يقول : أنفذوا جيش أسامة ، لعن الله من تخلف عنه . ويكرر ذلك .

فخرج أسامة واللواء على رأسه والصحابة بين يديه .

 حتى إذا كان بالجرف نزل ومعه أبو بكر وعمر وأكثر المهاجرين ، ومن الأنصار : أسيد بن حضير ، وبشر بن سعد . . وغيرهم من الوجوه .

 فجاءه رسول أم أيمن يقول له : ادخل فإن رسول الله  يموت .

فقام من فوره فدخل المدينة واللــــواء معــه .

 فجاء به حتى ركـــزه بباب رسول الله صلى الله عليه وآله .

 ورسول الله صلى الله عليه وآله قد مات في تلك الساعة[140] .

 

ولكنهم بعد وفاة رسول الله وقصة السقيفة واستيلائهم على الحكم بفلتة :

 بعثوا إلى أبي سفيان فارضوه بتولية يزيد بن أبي سفيان .

قال : ولمّا بايع الناس أبا بكر قيل له :

 لو حبست جيش اُسامة واستعنت بهم على من يأتيك من العرب ؟ وكان في الجيش عامّة المهاجرين .

فقال أسـامـة لأبي بكر : ما تقول في نفسك أنت ؟

قال : قد ترى ما صنع الناس ، فأنا اُحبّ أن تأذن لي ولعمر .

قال : فقَد أذنت لكما .

قال : وخرج أسامة بذلك الجيش .

حتى إذا انتهى إلى الشام عزله .

واستعمل مكانه يزيد بن أبي سـفيان .

فما كان بين خروج أسامة ورجوعـه

إلى المدينة إلاّ نحو من أربعـين يوم .

 فلمّا قدم المدينة قام على باب المسجد ثمّ صاح :

يا معشر المسلمين :

عجباً لرجل استعملني عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم.

فتــأمّر عليّ وعـزلـني [141]!

وهذه : راية رسول الله نشرة في عهده الحق ولكنه حين موت سيد المرسلين ، بل قبله أنقلب القوم على عقبهم ، فرجعة راية رسول الله وركزت في باب مسجده ، ولما أرسلها الغاصب مرة أخرى غدر بصاحبها وعزله ، وولى ابن سيد الكفار ليسد حقله ولا يتعرض له ، وعرفنا الله أمر الدين وما يصير إليه مما عرفت من الآيات أعلاه ، والله مبتلي الناس للبحث عن راية الحق ومنار الهدى ومعاني الإخلاص في توحيد الله ولا تجدها إلا عند سادة الوجود ، لا راية تخلفت وتثاقلت ، ثم رجعت بمؤامرة نادمة على ما فعل بها من غصب الخلافة في السقيفة ، وعزلوه وولوا من كان أبوه سيد سادات الكفر وقائدهم ولم يؤمن وكان من المؤلفة ، وولوه جيوش أعدها رسول الله وسيد المرسلين بدل أسامة .

ومن أقر لهم وأخذ دينهم منهم : فإن كان مخالف لسيد الحق وهداه ، فهو مثلهم في باطل ويقول :

{ يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66)

وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67)

رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68) } الأحزاب .

و بلغ أبا بكر : عن أبي سفيان صخر بن حرب أمر ، فأحضره و أقبل يصيح عليه، و أبو سفيان يتملقه و يتذلل له .

 و أقبل أبو قحافة فسمع صياح أبي بكر، فقال لقائده: على من يصيح ابني ؟

فقال له : على أبي سفيان ، فدنا من أبي بكر .

و قال له: أ على أبي سفيان ترفع صوتك يا عتيق الله ؟

و قد كان بالأمس : ســيـد قريـش في الجاهليـة .

 لقد تعديت طَورَكَ و جُزْتَ مقدارك .

 فتبسم أبو بكر و من حضره من المهاجرين و الأنصار .

 و قال له : يا أبت ، إن الله قد رفع بالإسلام قوماً و أذل به آخرين[142].

وتدري لماذا كان صياحهم وإن أظهروا الرواة ضعف أبو سفيان فإنه ذكروا :

وكان فيمن تخلف عن بيعة أبي بكر أبو سفيان بن حرب ( وهو سيدهم ).

 وقال : أرضيتم يا بني عبد مناف أن يلي هذا الأمر عليكم غيركم ؟

وقال لعلي بن أبي طالب :

امدد يدك أبايعك ، وعلي معه قُصي ، وقال :

بـني  هاشم لا تطمعوا الناس فيكم  و  لاسـيما تيم بن مـرة أو عدي

فـما الأمـــر إلا فيكم وإليكم   و لـيـس لها إلا أبـو حسن علي

أبـا حسن فاشدد بها كف حـازم   فـإنـك بالأمر  الذي يرتجى ملي

و إن أمريء يرمي قُصي وراءه عزيز   الـحـمى والناس من غالب قُصي

وكان خالد بن سعيد غائب ، فقدم فأتى عليا فقال : هلم أبايعك ، فوالله ما في الناس أحد أولى بمقام محمد منك .

 واجتمع جماعة إلى علي بن أبي طالب يدعونه إلى البيعة له .

 فقال لهم : اغدوا على هذا محلقين الرؤوس . فلم يغد عليه إلا ثلاثة نفر .

وبلغ أبا بكر وعمر أن جماعة من المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا مع علي بن أبي طالب في منزل فاطمة بنت رسول الله .

 فأتوا في جماعة حتى هجموا الدار ، وخرج الزبير ومعه السيف فلقيه عمر فصارعه عمر فصرعه وكسر سيفه .

 ودخلوا عمر الدار فخرجت فاطمة فقالت : والله لتخرجن أو لأكشفن شعري ولاعجن إلى الله ! فخرجوا وخرج من كان في الدار وأقام القوم أياما . ثم جعل الواحد بعد الواحد يبايع .

 ولم يبايع علي إلا بعد ستة أشهر وقيل أربعين يوما[143].

والحق يا طيب : أنه لم يباع ولكن سكت لقلة الناصر فأعتبروها بيعة وسيأتي كلامه ، وأنه مغلوب على أمره وأنه لا ستعين بسيد المنافقين في فتنة عمة المسلمين.

وقالوا : وبعثوا إلى عكرمة بن أبي جهل وعمومته الحارث بن هشام وغيره فأحضروهم ، وعقدوا لهم الرايات على نواحي اليمن والشام ، ووجّهوهم من ليلهم .

 وبعثوا إلى أبي سفيان فارضوه بتولية يزيد بن أبي سفيان [144]. لأنه سيدهم .

 

 

 

الإشراق الثاني :

سيادة العامة ومن سودوه وظهور الباطل منهم :

يا طيب : قد أحسن المسعودي في مروج الذهب إذ قال :

من أخلاق العامة : أن يسودوا غير السيد ، و يفضلوا غير الفاضل ، و يقولوا بعلم غير العالم ، و هم أتباع من سَبَقَ إليهم من غير تمييز بين الفاضل و المفضول ، و الفضل و النقصان ، و لا معرفة للحق من الباطل عندهم ، ثم انظر هل ترى إذا اعتبرت ما ذكرنا و نظرت في مجالس العلماء هل تشاهدها إلا مشحونة بالخاصة من أولي التمييز و المروءة و الحجا .

و تفقد العامة في احتشادها و جموعها : فلا تراهم الدهر إلا مُرْقِلين إلى قائد دب ، و ضارب بدف على سياسة قرد ، أو متشوقين إلى اللهو و اللعب ، أو مختلفين إلى مشعبذ متنمس ممخرق ، أو مستمعين إلى قاصّ كذاب ، أو مجتمعين حول مضروب ، أو وقوفاً عند مصلوب : يُنْعَق بهم فيتبعون ، و يصاح بهم فلا يرتدعون ، لا ينكرون منكراً ، و لا يعرفون معروفاً .

فإن أبو قحافة : والد أبو بكر كان يعرف خطر أبو سفيان سيده في الجاهلية ، وهو كان قائد قريش وسيد الكفار والمنافقين ، ولم يُسلم لولا خوف سيف سيد المرسلين وسيد الأوصياء في فتح مكة ، وكل قريش الذي أوترهم سيد الأوصياء بسيفه في بدر وأحد وغيرها ، مطيعة لأبي سفيان سيدهم حتى في زمن الإسلام وتهابه لما كان له شأنا عليهم وإن أبطله الله ، وقد عرفت كلام أبو أبو بكر كيف يخاطبه بالسيد ويجله ويوصي أبنه به وكأنه يأمره بطاعته .

 

 

 

الإشعاع الأول :

أبو بكر وعمر وأبن عمر سيدهم أبو سفيان ومعاوية :

قد عرفت يا طيب : إنه بعد رسول الله : جاء أبو سفيان يريد كيدا في الإسلام ، والإمام علي عليه السلام رفضه ، ولكنهم استرضوه وملكوه ليسكت ، فجعلوا أبنه قائدهم وصاحب رايتهم ، و ارجعوا أسامه صاحب راية رسول الله إلى المدينة بعد أربعين يوما من إنفاذه ، وعرفت كيف كادوا أسامه وأنهم أول استرضوه ليبقوا ولما استحكم أمرهم عزلوه وولوا يزيد بن أبي سفيان أخ معاوية الأكبر ، ولما مات ولو معاوية ليرضوا أبو سفيان سيدهم فتدبر ما يأتي ، وهكذا داول الله الأيام بين الناس ليعرف من يتبع ويبقى ثابت مع سيد الحق ، ومن ينقلب فيتبع سيد الباطل وأبتاعه وينصره .

وذكر في الأعلام : أبُو سُفْيَان (57 ق هـ 31 للهجرة ، 567- 652 م) :

صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف: صحابي .

 من ســادات قريــش في الجاهلية .

 و هو والد معاوية رأس الدولة الأموية .

 كان من رؤساء المشركين في حرب الإسلام عند ظهوره :

قاد :  قريشا و كنانة يوم أحد و يوم الخندق لقتال رسول الله صلّى الله عليه و سلم

 و أسلم يوم فتح مكة سنة 8 للهجرة [145]. ولم يسلم ولكنه أستسلم مقهورا .

فهؤلاء سادتهم وكبرائها : قد أضلوهم السبيل ، وسمع أبو بكر نصيحة أبيه وأقر له ، وجعل ابن سيده سيدا بدل أسامه الذي عقد رايته رسول الله وعزله، فهم قالوا :

و لما سير أبو بكر الجيوش إلى الشام سار معاوية مع أخيه يزيد بن أبى سفيان.

 فلما مات يزيد استخلفه على عمله بالشام ، و هو دمشق .

فلما بلغ خبر وفاة يزيد إلى عمر .

قال لأبى سفيان : أحسن الله عزاءك في يزيد ، رحمه الله !

 فقال له أبو سفيان : من ولّيت مكانه ؟

قال : أخاه معاوية .

 قال : وصلتك رحم يا أمير المؤمنين[146] .

نعم هذا نفس كلام أبو قحافة أب أبو بكر كما عرفته ونعيده لتتدبره :

و بلغ أبا بكر : عن أبي سفيان صخر بن حرب أمر ، فأحضره و أقبل يصيح عليه، و أبو سفيان يتملقه و يتذلل له .

 و أقبل أبو قحافة فسمع صياح أبي بكر، فقال لقائده: على من يصيح ابني ؟

فقال له : على أبي سفيان، فدنا من أبي بكر .

و قال له: أ على أبي سفيان ترفع صوتك يا عتيق الله ؟

و قد كان بالأمس : ســيـد قريـش في الجاهليـة .

 لقد تعديت طَورَكَ و جُزْتَ مقدارك .

 فتبسم أبو بكر و من حضره من المهاجرين و الأنصار .

 و قال له : يا أبت ، إن الله قد رفع بالإسلام قوماً و أذل به آخرين[147].

ولكن عمر لم يتعدى طوره ولم يجز مقداره  ، بل هو لم يتعدى طوره ولم يتجاوز مقداره وتنبه لشأن سيده في الجاهلية والإسلام وأنه يمكن إن استمر في معاندته ، فيجمع له جيش كما جمع لرسول الله جيش ، أو ينصر الإمام علي كما عرفت ويحركه ويحرك الناس له ، فعزله عن الخلافة ، فحذرا منه وخوفا من سيده بل طمعا بنصره نصب يزيد أبن أبي سفيان صحاب رايته ، وبعده ملك أخيه ومهد لحكمه ، وأقره الثاني يوصل رحمه ويقر بقدره ولا يتعدى طوره .

وفي زمن الأول والثاني : وضعوا تبعا لهم حكاما على الأمصار ولهم قصص كثيرة في جمع الأموال حتى فشا بين الناس من يكون والي على مدينة تفتح له الدنيا ، حتى قتل الثالث عثمان بسبب كثرة إسرافه حيث أعطى بدون حساب لمن يواليه ويتملق له وحرم الناس حقوقهم ، ونذكر أحوال أوسطهم وقس عليه ما قبل وبعده :

في الغدير ذكر عن البلاذري وغيره : في مشاطرة عمر لعماله أموالهم :

 وكأنه كان من كان قبله ساكتا عنه لا يحاسب أحد منها !!!

 أرسل محمد بن سلمه : لعمر بن العاص عامله على مصر ،  فلما قدم عليه ماله بأجمعه حتى بقيت نعلاه فأخذ إحداهما وترك الأخرى ، فغضب عمرو ابن العاصي .

 فقال : يا محمد بن سلمة قبح الله زمانا عمرو بن العاصي لعمر بن الخطاب فيه عامل . ولم يعزله .

و زار أبو سفيان معاوية : فلما رجع من عنده دخل على عمر ، فقال : أجزنا أبا سفيان ، قال : ما أصبنا شيئا فنجيزك به .

فأخذ عمر خاتمه فبعث به إلى هند وقال للرسول : قل لها يقول لك أبو سفيان انظري الخرجين اللذين جئت بهما فاحضريهما ، فما لبث عمر أن أتي بخرجين فيهما عشرة آلاف درهم فطرحهما عمر في بيت المال .  فلما ولي عثمان ردهما عليه .

فقال أبو سفيان : ما كنت لآخذ مالا عابه علي عمر . ـ يا طيب : لأنه أصاب أكثر منه ألف مرة من طريق نفس عثمان وأبنه وسيأتي بعض حالهم ـ .

  لما ولى عمر بن الخطاب عتبة بن أبي سفيان الطائف وصدقاتها :

 ثم عزله تلقاه في بعض الطريق فوجد معه ثلاثين ألفا ، فقال : أنى لك هذا ؟

قال : والله ما هو لك ولا للمسلمين ،ولكنه مال خرجت به لضيعة اشتريها .

فقال عمر : عاملنا وجدنا معه مالا ما سبيله إلا بيت المال ، ورفعه ، فلما ولي عثمان ، قال لأبي سفيان : هل لك في هذا المال ؟ فإني لم أر لأخذ ابن الخطاب فيه وجها .  قال: والله إن بنا إليه حاجة ولكن لا ترد فعل من قبلك فيرد عليك من بعدك. ـ نعم يكيد لأبن عمه لكي لا ينقم عليه رد كلام عمر ليثبت له الناس والملك فعلا لهم ، يتصرفون به كيف يشاءون ـ ولنتابع بعض كلام صاحب الغدير ـ:

 وذكر البلاذري جمعا من عمال شاطرهم عمر بن الخطاب أموالهم حتى أخذ نعلا وترك نعلا وهم :

 9 - أبو بكرة نفيع بن الحرث بن كلدة الثقفي . 10 - نافع بن الحرث بن كلدة الثقفي أخو أبي بكرة . 11 - الحجاج بن عتيك الثقفي وكان على الفرات . 12 - جزء بن معاوية عم الأحنف كان على سرق . 13 - بشر بن المحتفز كان على جندي سابور . 14 - ابن غلاب خالد بن الحرث من بني دهمان كان على بيت المال باصبهان . 15 - عاصم بن قيس بن الصلت السلمي كان على مناذز . 16 - سمرة بن جندب كان على سوق الأهواز . 17 - النعمان بن عدي بن نضلة الكعبي كان على كور دجلة . 18 - مجاشع بن مسعود السلمي صهر بني غزوان كان على أرض البصرة وصدقاتها . 19 - شبل بن معبد البجلي ثم الأحمسي كان على قبض المغانم . 20 - أبو مريم بن محرش الحنفي كان على رام هرمز .

ولا أعلم : هل كان شاكا حين حكم أم هو تشريع جديد ، فإما أن يثبت حق المسلمين ويأخذه ويضعه في مواضعه ، وأما لم يثبت فليس له حق بمالهم الذي يدعوه ، وإما لا أقل يحاسبهم حسابا دقيقا قبل التولية وبعدها ويحسب لهم حقهم ويأخذ الباقي ، وأما ما حكم به فليس له وجها ، ولمعرفة تفاصل خطل أحكامه راجع الغدير في نفس هذا الجزء الذي نقلنا منه القول .

أما عثمان : خليفته فقد قتل بسبب كثرة إسرافه .

ويكفي : لتعلم أنه أعطى خراج أفريقيا ومصر وكل البلاد بعدها ، كله لمروان زوج أبنته ، ولم يقاسم أحد ، ثم أنه ولى أقرباءه من بني أمية كل البلاد ولم يجعل حاكما غيرهم وأتخذوها ملوكية ، بل كانوا يجمعون من المسلمين فوق طاقتهم حتى نقموا عليه وطلبوا منه أن يعزلهم ويولي غيرهم ، ولكنه رفض فحاصروه وقتلوه .

 وراجع سيرة أو أنظر الغدير الجزء الثامن والتاسع للعلامة الأميني رحمه الله .

 

 

 

الإشعاع الثاني :

سيدهم معاوية يستولي على الحكم وبعض شؤونه مع المسلمين :

 وأما سيدهم معاوية : فلم يجرأ أحد أن يكلمه ، وصار حسب قوله ملكا كملوك الجاهلية ويشتري الناس خوفا وتمطيعا ليقروا له بالسيادة ، فمنهم من أقر له ، ومن من كان أبيا شهما شجاعا يحب الحق وأهله ويرفض الباطل وأهله ، فلم يقر له ، ولنذكر طرفا في هذا المعنى :

وقد ذكر ابن سعد عن المدائني قال: نظر أبو سفيان إلى معاوية و هو غلام فقال :

 إن ابني هذا لعظيم الرأس .

و إنه لخليق أنه يســــود قومه .

 فقالت هند : قومه فقط ثكلته إن لم يســـــد العرب قاطبة [148].

نعم سيد للباطل : وهذا ما يمكن أن يقوله سيد الجهل والكفر والضلال والنفاق ، لوريثه وفيه نسبه وسبب ، وملاكه ظلم حق سيد الإيمان التقى والهدى ، وغصب حق سيد الأوصياء وخير عباد الله بعد سيد المرسلين ، والله يختبر عباده ويعرفهم الحق وأهله والباطل وأهله .

 وقد عرفت إن لكل قوم سيد .

 وملاكنا الإخلاص والتوحيد ونشر هدى الله.

 وهم ملاكهم الطمع بدنيا زائلة وفخر كاذب وأعاذنا الله منهم .

 

روى جبلة بن سحيم عن ابـن عـمــــر قال :

ما رأيت أحدا بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم أسود من معاوية .

 فقيل له: فأبو بكر، و عمر، و عثمان، و علي!

 فقال: كانوا و الله خيرا من معاوية ، و كان معاوية أســــود منهم [149].

الله أكبر : سيد في الجاهلية وأم سيد في الجاهلية ، وهم سادة الباطل توقعوا لأنبهم السيادة وأقرها لهم ، أبو بكر وأبيه وعمر وأبنه ، فهم يروهم سادة ، ولم يباع بن عمر للإمام علي عليه السلام ، ولم جبره الإمام علي على البيعة ، ولكنه بايع معاوية وبايع الحجاج وغيره ، لتعرف حال القوم ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث همام بن منبه عن أبي هريرة بمعناه ( لا تقولوا للمنافق سيد ) وفي بعض النسخ سيدا بالنصب ( فإنه إن يك سيد ) أي سيد قوم أو صاحب عبيد وإماء وأموال ( فقد أسخطتم ربكم عز وجل ) أي أغضبتموه له ، لأنه يكون تعظيما له ، وهو ممن لا يستحق التعظيم ، فكيف إن لم يكن سيدا بأحد من المعاني ، فإنه يكون مع ذلك كذبا ونفاقا .

وقيل معناه : إن يك سيدا لكم فتجب عليكم طاعته ، فإذا أطعمتموه ذلك فقد أسخطتم ربكم [150].

ويا طيب : كثير من الناس أتخذ معاوية سيدا له ، حتى أستطاع أن يحارب الإمام علي عليه السلام سيد الحق ، وما ذلك إلا لما مهد له سادته قبل بل هو سيدهم ووضعهم أبوه قبله ليستتب له الأمر ، وسكت عنهم حتى يخف وطئت المسلمين فيملك أبنه ويقويه ، وهكذا تداولت الأيام حتى صار معاوية سيد بن سيد الكفار ، سيد يطاع ، وأول من نشر الإسلام وراية الله وتوحيده لا يطاع ولا يعرف له شأن وسيأتي الكلام ، وبعض تكفى شره معاوية ولم يقر لسيادته وبعض قاومه ، فتابع .

في سيرة : جرير بن أوس بن حارثة بن لام الطائي ، و هو عم عروة بن مضرس الطائي ، و هو الّذي :

قال له معاوية : من سيدكم اليوم ؟

قال : من أعطى سائلنا، و أغضى عن جاهلنا ، و اغتفر زلتنا .

 فقال له معاوية : أحسنت يا جرير[151].

أراد معاوية : أن يقر له جرير بالسيادة ، ولكنه حقا أحسن في كلامه ، فقد تكفى شره ولم يعطيه ما يريد ولم يقر له بالسيادة ، وذلك لأن الطائيين كانوا من أنصار سيد الأوصياء علي عليه السلام ، ولذا جاء :

 

لما دخل عدي على معاوية وعنده ابن الزبير فقال :

يا أبا طريف متى ذهبت عينك ؟

قال : يوم فر أبوك منهزما ، فقتل ، وضربت على قفاك ، وأنت هارب ، وأنا مع الحق ، وأنت مع الباطل .

 فقال معاوية : ما فعل الطرفان - يعني طريفا وطرافا وطرفة أبناءه - ؟

قال رحمه الله : قتلوا مع أمير المؤمنين عليه السلام .

فقال له : ما أنصفك علي إذ قدم أبناءك وأخر أبناءه.

 قال رحمه الله : بل أنا ما أنصفته قتل وبقيت بعده .

فقال له معاوية : أما إنه قد بقيت قطرة من دم عثمان ، ما لها إلا كذا ، وأومئ بيده إليه .

 فقال له عدي : إن السيوف التي أغمدت على حسك في الصدور ، ولعلك تسل سيفا تسل به سيوف .

فالتفت معاوية إلى ابن العاص فقال : كلمة شدها في قرنك .

 ثم خرج عدي ، وهو يقول :

يـحاولني معاوية بن صخر    ولـيس إلى التي يبغي سبيل

يـذكـرني  أبا حسن عليا    وخطبي  في أبي حسن جليل

يـكاشرني  ويعلم أن طرفي    على  تلك  التي أخفى دليل

ويـزعـم أنـنا قوم طغام    حـراريون  ليس لنا عقول

وقال ابن الوليد وقال عمرو    عـدي  بـعد صفين ذليل

فقلت صدقتما قد هد ركني    وفـارقني  الذين بهم أصول

ولـكني  على  ما كان مني    أخـبـر  صاحبي بما أقول

وإن  أخـاكما في كل يـوم    مـن الأيـام مـحملة ثقيل
 [152]

فعدي بن حاتم الطائي رحمه الله كان : بن سيد شريف كريم في الجاهلية ، فلم يقر لسيد الباطل وهو في اشد الظروف ، لأنه في مواقف صفين كان في كثير من المواقف صاحب راية الإمام علي سيد الحق ، بل يعقد الرايات لقبائل العرب ، والآن لا ناصر ولا معين أمام أكبر طاغية ومتمرد ، ولكنه لم يتغير إيمانه ولا ضعف ، بل عرف الحق وعرّفه مخلصا ، وفرقا كبيرا ممن يقر بالسيادة لظالم بل يعتبر السيد الأول بعد سيد المرسلين ، ومن يمتنع ويعرف سادة الحق سادة ويثبت على ولائهم , وهم عن معرفة بالحق وأهلا لها ، ومن هو أهلا للسيادة ومن له ملاكها بحق ، وقولهم يقصدون به رضى الله وحده وإن زويت الدنيا عنهم ، ولا فرق عندهم الشدة والرخاء فهم طلاب الإخلاص والعاملين به ، نعم هذا بلاء الله وتداول الأيام وفوز الناس كعدي رحمه الله لفوز سيده ، وخسران من عرف معاوية بالسيادة لخسران سيده .

 

فإن أصحاب سيد الأوصياء يعرفون سيدهم : ويطيعوه ويقرون له ، وهو حقا له ملاك السيادة والقيادة والجهاد لا يضل أصحابه ولا يغرهم ولا يفرط بهم في الملمات بل يبذل نفسه ويقدمها للمخاطر ويحميهم ، وهذا مقال يعرفنا فداء سيد الأوصياء أصحابه وأهل بيته وترى فيه القوم أحدهم يقبح الآخر من أجل الدنيا :

و عن أبي الأعز التيمي قال:

بينا أنا واقف بصفين إذ مر بي العباس بن ربيعة ( بن الحرث بن عبد المطلب وعبد المطلب منذر أبره يوم الفيل وحافر زمزم جده سيد العرب جد سيد المرسلين وسيد الوصيين ) مغفراً بالسلاح ، و عيناه تبصان من تحت المغفر كأنهما شعلتا نار أو عينا أرقم، و بيده صفيحة له يمانية يقلبها، و المنايا تلوح في شَفْرتها، و هو على فرس صَعْب ، فبينا هو يبعثه و يمنعه و يلين من عريكته إذ هتف به هاتف يقال له عرار بن أدهم من أهل الشام:

يا عباس : هلم إلى النزال .

قال : فالنزول إذا ، فإنه إياس من الحياة ، فنزل إليه الشامي و هو يقول :

إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا            أو تنزلوا فإنا معشر نُزُلُ‏

و ثنى العباس وركه و هو يقول:

الله يعلم أنا لا نحبكُمُ            و لا نلومكُمُ أن لا تحبون

ثم عصر : فضلات درعه في محزمه يريد منطقته ، و دفع فرسه إلى غلام له اسود كأني و الله أنظر إلى فلافل شعره ، ثم زحف كل واحد منهما إلى صاحبه ، و كف الفريقان أعنة الخيول ينظرون ما يكون من الرجلين ، فتكافحا بسيفيهما ملياً من نهارهما لا يصل واحد منهما إلى صاحبه لكمال لأمته ، إلى أن لحظ العباس وهناً في درع الشامي فأهوى إليه بيده و هتكه إلى ثندؤته ، ثم عاد لمجاولته ، و قد أفرج له مفتق الدرع ، فضربه العباس ضربة انتظم بها جوانح‏ صدره، فخر الشامي لوجهه .

 فكبر الناس تكبيرة : ارتَجَّتْ لها الأرض من تحتهم ، و انساب العباس في الناس ، فإذا قائل يقول من ورائي : ( قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم و يُخْزِهم و ينصركم عليهم و يشف صدور قوم مؤمنين )- الآية فالتفت فإذا بعلي رضي الله عنه .

فقال عليه السلام : يا ابن الأعز ، من المبارز لعدونا ؟

قلت : ابن أخيكم العباس بن ربيعة ، قال: و إنه لهو العباس ؟ قلت : نعم .

 فقال عليه السلام : يا عباس ، ألم أنهك و عبد الله بن العباس أن تحلا بمركز أو تبارزا أحداً ؟

قال : إن ذلك كما قلت .

 قال علي عليه السلام : فما عدا مما بدا ؟

 قال : أفأدعى إلى البراز فلا أجيب ؟

 قال : طاعة إمامك أولى بك من أجابة عدوك .

 و تغيظ و استطار ، ثم تطامن و سكن و رفع يديه مبتهلا ، فقال :

 اللهم اشكر للعباس مقامه ، و اغفر ذنبه ، اللهم إني قد غفرت له فاغفر له .

 و تأسف معاوية : على عرار بن أدهم ، و قال : متى ينطق فحل بمثله أبطل دمه! لاها الله ، ألا رجل يشري نفسه يطلب بدم عرار .

 فانتدب له رجلان من لخم من أهل البأس و من صناديد الشام .

 فقال : اذهبا فأيكما قتل العباس فله مائة أوقية من التبر و مثلها من اللُّجَين و بعددهما من برود اليمن .

 فأتياه فدعواه إلى البراز .

 و صاحا بين الصفي ن: يا عباس يا عباس، ابرز إلى الداعي .

فقال : إن لي ســــيــداً أريد أن أؤامـره .

 فأتى علي : و هو في جناح الميمنة يحرض الناس ، فأخبره الخبر .

 فقال علي : و الله لَوَدَّ معاوية أنه ما بقي من بني هاشم نافخ ضرمة إلا طعن في بطنه ، إطفاء لنور الله :

 { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) } التوبة .

 أما و الله : ليملكنهم منا رجال و رجال يسمونهم سوم الخسف ، حتى تعفو الآثار .

 ثم قال : يا عباس ، ناقلني سلاحك بسلاحي ، فناقله .

 و وثب على فرس العباس، و قصد اللخميين ، فلم يشكا أنه العباس .

 فقالا له : أذن لك صاحبك ؟

فتحرج أن يقوله نعم ، فقال :

{ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)} الحج .

و كان العباس أشبه الناس في جسمه و ركوبه بعلي .

 فبرز له أحدهما فما أخطأه ، ثم برز له الآخر فالحقه بالأول ، ثم أقبل و هو يقول :

{ الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ

 فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ

وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)}البقرة .

ثم قال عليه السلام : يا عباس ، خذ سلاحك و هات سلاحي ، فإن عاد لك أحد فعد لي .

ونما الخبر إلى معاوية فقال : قبح الله اللجاج إنه لعقور ما ركبته قط إلا خذلت.

 فقال عمرو بن العاص : المخذول و الله اللخميان ، و المغرور من غررته ، لا أنت المخذول .  

قال معاوية : اسكت أيها الرجل فليس هذا من شأنك .

 قال عمرو : و إن لم يكن ، رحم الله اللخميين ، و لا أراه يفعل .

 قال معاوية : ذلك و الله أضْيَقُ لحجتك و أخْسَرُ لصفقتك .

 قال عمرو بن العاص : قد علمت ذلك ، و لو لا مصر و ولايتها لركبت المنجاة منها ، فإني أعلم أن علي بن أبي طالب على الحق و أنت على ضده .

 فقال معاوية : مصر و الله أعمتك ، و لو لا مصر لألفيتك بصيراً .

ثم ضحك معاوية ضحكا : ذهب به كل مذهب .

 قال: مم تضحك يا أمير المؤمنين، أضحك الله سنك ؟

 قال معاوية : أضحك من حضور ذهنك يوم بارزت علياً، و إبدائك سوأتَكَ ، أما و الله يا عمرو لقد واقعت المنايا ، و رأيت الموت عياناً ، و لو شاء لقتلك ، و لكن أبي ابنُ أبي طالب في قتلك إلا تكرماً .

 فقال عمرو : أما و الله إني لعن يمينك حين دعاك إلى البراز فاحْوَلَّتْ عيناك ، و بدا سَحْرك ، و بدا منك ما أكره ذكره لك ، فمن نفسك فاضحك أو دَعْ [153].

يا طيب : عرفت العباس بن ربيعة بن عم الإمام يُعرف إمامه بالسيد ، ويطيعه ، وسيد الحق يدافع عنه لأنه مظلوم معتدى على حقه ، ولكن سيد الباطل يهلك جماعته وهو يجلس في مقصورته ، هو ووزيره الذي كان رسول قريش للنجاش ضد المسلمين وفي جملة محاربيهم حتى الفتح اسلم كما أسلم أبو سفيان يجلس عند سيده ولم يقر له بالحق ، ويعرف الحق ولكنه لطمع المادة ووعده بأن يعطيه ولاية مصر وفعلا أعطاه فجلس عنده يدافع عنه ، ولكنه دار بينهم ما يعرفنا سيده الباطل ، وسيد الحق إمامنا .

 

 

 

الإشعاع الثالث :

رسالة المهتدي ابن أبي بكر إلى سيد الباطل وإقرارهم بحق سيد الحق :

يا طيب : إن الله سبحانه لم يجبر أحد على معصية ولا طاعة ، وإنما خيرهم بعد أن عرفهم صراطه المستقيم والمنعم عليهم بهداه حتى جعلهم سادة الحق وأئمة الصدق ، وصدقهم كل شيء كتاب الله ورسوله وسيرتهم وأحوالهم وأقوالهم وكل شيء ينتسب لهم ، وقد عرفهم أعدائهم كما عرفهم أصدقائهم وأصحابهم ومن يقتدي بهم ، وهذا إمامنا سيد الحق يعرفه موالي مهتدي به ، ويقر له عدوه بالفضل ويقارب ما مر من محاورة معاوية وأبن العاص أعلاه ، إلا أن محمدا مهتدي رحمه ، وأنظر ما كتب :

هذا محمد بن أبي بكر يكتب لمعاوية كتاباً فيه :

 من محمد بن أبي بكر : إلى الغاوي معاوية بن صخر ، أما بعد ، فإن الله بعظمته و سلطانه خلق خلقه بلا عبَثٍ منه، و لا ضعف في قوته، و لا حاجة به إلى خلقهم ، و لكنه خلقهم عبيداً ، و جعل منهم غوياً و رشيداً ، و شقياً و سعيداً .

 ثم اختار على علم : و اصطفى و انتخب منهم محمداً صلى الله عليه و سلم ، فانتخبه بعلمه ، و اصطفاه برسالته ، و ائتمنه على وحيه ، و بعثه رسولا و مبشراً و نذيراً و وكيلا .

فكان أول من أجاب و أناب و آمن و صدق و أسلم و سلم .

 أخوه و ابن عمه علي بن أبي طالب .

 صدقه بالغيب المكتوم ، و آثره على كل حميم .

 و وقاه بنفسه كل هوْل ، و حارب حربه ، و سالم سلمه .

 فلم يبرح مبتذلًا لنفسه في ساعات الليل و النهار و الخوف و الجوع و الخضوع .

حتى برز سابقاً لا نظير له فيمن اتبعه ، و لا مقارب له في فعله .

 و قد رأيتك تساميه و أنت أنت .

 وهو هو : أصدق الناس نية .

و أفضل الناس ذرية ، و خير الناس زوجة .

 و أفضل الناس ابن عم ، أخوه الشاري بنفسه يوم مؤتة .

و عمه سيد الشهداء يوم أحد ، و أبوه الذابُّ عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و عن حوزته .

 و اللعين ابن اللعين : لم تزل أنت و أبوك تبغيان لرسول الله صلى الله عليه و سلم الغوائل ، و تجهدان في إطفاء نور الله ، تجمعان على ذلك الجموع ، و تبذلان فيه المال ، و تؤلِّبان عليه القبائل ، و على ذلك مات أبوك ، و عليه خلفْته .

 و الشهيد عليك من تدنى و يلجأ إليك : من بقية الأحزاب و رؤساء النفاق .

 و الشاهد لعلي : مع فضله المبين القديم .

 أنصاره : الذين معه و هم الذين ذكرهم الله بفضلهم .

 و أثنى عليهم من المهاجرين و الأنصار .

 و هم معه كتائب و عصائب ، يَرَوْنَ الحق في إتباعه و الشقاء في خلافه .

 فكيف : يا لك الويل ! تعدِلُ نفسك بعليّ .

و هو وارث : رسول الله صلى الله عليه و سلم و آله .

و وصيه ، و أبو ولده .

أول الناس : له أتباعاً ، و أقربهم به عهداً .

يخبره بسره ، و يطلعه على أمره .

 و أنت عدوه : و ابن عدوه ، فتمتع في دنياك ما استطعت بباطلك ، و ليمددك ابن العاص في غوايتك ، فكأن أجلك قد انقضي و كيدك قد وَهَى ، ثم يتبين لك لمن تكون العاقبة العليا، و اعلم أنك إنما تكايد ربك الذي أمنتَ كَيْده ، و يئست من رَوْحه، فهو لك بالمرصاد ، و أنت منه في غرور ، و السلام على من اتبع الهدى .

 

فكتب إليه معاوية : من معاوية بن صخر .

 إلى الزاري على أبيه محمد بن أبي بكر.

أما بعد : فقد أتاني كتابك تذكر فيه ما الله أهله في عظمته و قدرته و سلطانه ، و ما اصطفى به رسول الله صلى الله عليه و سلم و على آله ، مع كلام كثير لك فيه تضعيف ، و لأبيك فيه تعنيف .

 ذكرت فيه فضل ابن أبي طالب : و قديم سوابقه ، و قرابته إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و مُوَاساته إياه في كل هَوْل و خوف ، فكان احتجاجك عليَّ و عيبك لي ، بفضل غيرك لا بفضلك ، فاحمد ربّاً صرف هذا الفضل عنك ، و جعله لغيرك .

 فقد كنا و أبوك فينا :

نعرف فضل ابن أبي طالب و حَقَّه لازماً لنا مبروراً علينا .

فلما اختار الله : لنبيه عليه الصلاة و السلام ما عنده ، و أتم له ما وعد ه ، و أظهر دعوته ، و أبلج حجته ، و قبضه الله إليه صلوات الله عليه .

 فكان أبوك و فاروقه:  أول من ابتزه حَقَّه.

، و خالفه على أمره ، على ذلك اتفقا و اتَّسقا .

 ثم إنهما : دَعَوَاه إلى بيعتهما فأبطأ عنهما ، و تلكأ عليهما ، فهمَّا به الهموم ، و أرادا به العظيم ، ثم إنه بايع لهما و سلم لهما ، و أقاما لا يشركانه في أمرهما ، و لا يُطْلِعانه على سرهم ا، حتى قبضهما الله .

ثم قام ثالثهما عثمان : فهدي بهديهما و سار بسيرهما ، فعبته أنت و صاحبك .

فعبته أنت : و صاحبك حتى طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي ، فطلبتما له الغوائل ، و أظهرتما عداوتكما فيه حتى بلغتما فيه مُنَاكما .

فخذ حذرك يا ابن أبي بكر : و قس شبرك بفترك ، يقصر عن أن توازي أو تساوي من يزن الجبال بحلمه ، لا يلين عن قَسْرٍ قناته ، و لا يدرك ذو مقال أناته .

أبوك مهد مهاده ، و بنى لملكه و ســـاده .

فإن يك ما نحن فيه صواباً فأبوك استبد به و نحن شركاؤه .

 و لو لا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب ، و لسلَّمنا إليه ، و لكنا رأينا أباك فعل ذلك به من قبلنا فأخذنا بمثله، فعب أباك بما بدا لك أو دَعْ ذلك، و السلام على من أناب [154].

يعرفون الحق : فمن قبله ورجع له كمحمد بن أبي بكر وجُل الصحابة الذين كانوا معه في صفين والجمل والنهروان ، ومن ضل وقبل سادة الباطل وذهب لمعسكر معاوية كأبي هريرة وعمر بن العاص وأمثالهم ، وكما يُعرف نفسه معاوية بأنه ملك وأبن سيد الكفر وهو الآن أخذ منصب أبيه ، فتبعه من كان على هو أبيه أبي سفيان سيد الكفر في الجاهلية ، وهم قومه الذي انقلبوا ورجعوا له ، فولوا ولده حكاما حتى أستفحل أمر معاوية وحكمهم وتملكهم ، فهو سيدهم وقال أنا ملك كما في كتابه :

 

 قال أبو بكر بن دريد قال و أخبرنا عن دماد عن أبى عبيدة قال:

كتب معاوية إلى علي : يا أبا الحسن ألا لي فضائل كثيرة .

 و كان أبى سيدا في الجاهلية ، و صرت ملكا في الإسلام

 و أنا صهر رسول الله صلّى الله عليه و سلّم ، و خال المؤمنين ، و كاتب الوحي . فقال علي :

أبا الفضائل يفخر على ابن آكلة الأكباد ؟ ثم قال : اكتب يا غلام‏ :

مـحمد النبي أخى و صهري    و حـمزة سيد الشهداء عمى‏

و جعفر الّذي يمسى و يضحى    يـطـير مع الملائكة ابن أمي

و  بنت محمد سكنى و عرسي    مسوط  لحمها  بدمى و لحمى‏

و سـبـطا أحمد ولداي منها    فـأيـكم  له سهم كسهمي‏

سـبـقتكم إلى الإسلام طرا    صـغيرا ما بلغت أوان حلمي‏

قال فقال معاوية : أخفوا هذا الكتاب لا يقرأه أهل الشام فيميلون إلى ابن أبى طالب [155].

 ويا طيب : إما سيد الحق علي بن أبي طالب صاحب لا إله إلا الله أو سيد الباطل وأتباعه والإنسان وأحاديث الدين تنقل من الطرفين فلا تخلط بينها وخذ الحق.

 

 

 

الإشعاع الرابع :

سيد الأوصياء يعرفنا ملكهم الدائم وملك سيد الباطل وبني أمية الزائل :

يا طيب : عرفت إن الله له في خلقه شؤون ويطالبنا بأتباع الحق في كل ظرف وحال وزمان ، والتعبد له بدين أئمة الحق وسادة الحق ، ولا نطمع بالدنيا بطريق محرم ولا يجوز أن ننصر ظالم وسيد للباطل مهما كان وتسمى باسم ، والآن الزمان ليس فيه أئمة الظلم وسادة الباطل الأوائل ، ولكن للحق أنصار ، وللباطل أنصار ، وكم مرة توانيت عن كتابة هذا الذكر كله لكي لا يشوش جمال معاني التوحيد والإخلاص لله ومعارف سادة الحق ، بما يذكر من قصص أئمة الباطل وسادته وولاته ، ولكن التأريخ مضى وله أنصر والحق لابد أن يستبين ويبين حتى لا تبقى لأحد ريبة في أن مُلك سادة الباطل الأوائل كان دنيوي غصبي ظالم باطل بكل معنى الكلمة .

ولا يحق لأحد مؤمن حقا : أن يأخذ حديثا واحدا ولا تفسيرا لآية من موالي لأسياد الباطل وتابع لهم مهما كان أسمه فضلا عن نفس أئمة وسادة الباطل ، لأنهم كانوا لم يعتنوا بالدين وليس لهم معرفة بهدى رب العالمين ، ويجب الرجوع لسادة الحق وولاة أمر الله الصادقين ومن أخلص الدين لله وحده لا شريك له ويكون معهم في كل ظرف وحال ، ولا يرجع لزينة الدنيا المحرمة ولا كان من أنصار أئمة الضلال .

ولذا فصلنا بعض الكلام هنا : في أحوال سادة الحق مع سادة الباطل وكيف أنحرف الناس ، وهذا كلام لسيد الأوصياء يعرفنا ظلم وضلال أعدائه ومن تبعهم ، ويوصي شيعته بمعرفة الحق وأهله وسادة الإيمان والتقى فيقتدي بهم ، فتدبر :

 

قد كتب سيد الأوصياء لسيد الباطل : في كتاب طويل بعد مناظرات دارت بينهم منه ... :

 يا معاوية : لو ترحمت عليك و على طلحة و الزبير ، ما كان ترحمي عليكم و استغفاري لكم ليحق باطلا ، بل يجعل الله ترحمي عليكم و استغفاري لكم لعنة و عذابا ، و ما أنت و طلحة و الزبير بأحقر جرما و لا أصغر ذنبا و لا أهون بدعة و ضلالة ، ممن استنا لك و لصاحبك الذي تطلب بدمه ، و وطئا لكم ظلمنا أهل البيت ، و حملاكم على رقابنا ، فإن الله سبحانه يقول :

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ

 يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء

أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً (51)

 أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52)

أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53)

أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ

فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا (54)

فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرً (55) } النساء .

فالملك العظيم : أن جعل الله فيهم أئمة ، من أطاعهم أطاع الله ، و من عصاهم عصى الله و الكتاب و الحكمة النبوة .

فلمَ تقرون بذلك في آل‏ إبراهيم و تنكرونه في آل محمد .

 يا معاوية : فإن تكفر بها أنت و صاحبك ، و من قبلك من طغاة الشام ، فقد وكل الله بها قوما ليسوا بها بكافرين . يا معاوية :

إن القرآن : حق ، و نور و هدى ، و رحمة و شفاء للمؤمنين ، و الذين لا يؤمنون في آذانهم وقر و هو عليهم عمى . يا معاوية :

 إن الله جل جلاله : لم يدع صنفا من أصناف الضلالة و الدعاة إلى النار ، إلا و قد رد عليهم و احتج عليهم في القرآن ، و نهى فيه‏ عن إتباعهم ، و أنزل فيهم قرآنا قاطعا ناطقا عليهم ، قد علمه من علمه ، و جهله من جهله .

و إني سمعت : من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :

 ليس من القرآن آية إلا و لها ظهر و بطن ، و ما منه حرف إلا و إن له تأويل :

 { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ }

 الراسخون نحن آل محمد .

 و أمر الله سائر الأمة أن يقولوا :

{ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ (7) } آل عمران .

 و أن يسلموا لنا ، و يردوا علمه إلينا .

 و قد قال الله سبحانه : { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ

لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ (83) } النساء .

 هم الذين يسألون عنه و يطلبونه .

و لعمري : لو أن الناس حين قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

 سلموا لنا ، و اتبعونا ، و قلدونا أمورهم .

 لأكلوا من فوقهم : و من تحت أرجلهم .

 و لما طمعت فيها أنت ، يا معاوية : فما فاتهم منا أكثر مما فاتنا منهم‏ .

 و لقد أنزل الله : في و فيك خاصة آية من القرآن تتلوها أنت و نظراؤك على ظاهرها ، و لا يعلمون تأويلها و باطنها ، و هي في سورة الحاقة :

{ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً ....  إلى قوله : وَ أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ ...... إلى آخر الآية }

و ذلك أنه يدعى : بكل إمام ضلالة ، و إمام هدى ، و مع كل واحد منهما أصحابه الذين بايعوه‏ ، فيدعى بي ، و يدعى بك .

يا معاوية : و أنت صاحب السلسلة الذي يقول : { يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ وَ لَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ ..... إلى آخر القصص } الحاقة19 ـ 52 [156].

والله : لقد سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقوله فيك، و كذلك كل إمام ضلالة  كان قبلك ويكون بعدك له مثل ذلك من خزي الله وعذابه .

و نزل فيكم قول الله عز و جل :

{ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ

وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ (60)} [157]

و ذلك حين رأى رسول الله صلى الله عليه وآله :

 اثني عشر إماما من أئمة الضلالة على منبره يردون الناس على أدبارهم القهقرى .

 رجلان من حيين مختلفين من قريش .

 و عشرة من بني أمية .

 أول العشرة صاحبك الذي تطلب بدمه ، و أنت و ابنك .

 و سبعة من ولد الحكم بن أبي العاص ، أولهم مروان .

و قد لعنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، و طرده و ما ولد حين استمع لنساء رسول الله صلى الله عليه وآله . يا معاوية :

إنا أهل بيت :

اختار الله لنا الآخرة على الدنيا .

 و لم يرض لنا الدنيا ثوابا .

و قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله : أنت و وزيرك و صويحبك يقول :

إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا .

 اتخذوا كتاب الله دخلا و عباد الله خولا ، و مال الله دولا .

 يا معاوية :

إن نبي الله زكريا عليه السلام : نشر بالمنشار ، و يحيى ذبحه و قتله قومه ، و هو يدعوهم‏ إلى الله عز و جل ، و ذلك لهوان الدنيا على الله .

 إن أولياء الشيطان قديما حاربوا أولياء الرحمن ، قال الله :

{  إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ

وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21) } آل عمران ، يا معاوية :

إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

قد أخبرني أن أمته سيخضبون لحيتي من دم رأسي ، و أني مستشهد .

 و ستلي الأمة من بعدي

 و أنك ستقتل ابني الحسن غدرا بالسم‏ .

 و أن ابنك يزيد لعنه الله سيقتل ابني الحسين ، يلي ذلك منه ابن زانية .

و أن الأمة : سيليه من بعدك سبعة من ولد أبي العاص وولد مروان بن الحكم .

 و خمسة من ولده تكملة اثني عشر إماما قد رآهم رسول الله ، يتواثبون‏ على منبره تواثب القردة .

 يردون أمته عن دين الله على أدبارهم القهقرى ، و أنهم أشد الناس عذابا يوم القيامة .

و أن الله : سيخرج الخلافة منهم برايات سود تقبل من الشرق ، يذلهم الله بهم ، و يقتلهم تحت كل حجر،  و أن رجلا من ولدك مشئوم ملعون جلف جاف منكوس القلب ، فظ غليظ قد نزع الله من قلبه الرأفة و الرحمة ، أخواله من كلب ، كأني أنظر إليه و لو شئت لسميته و وصفته و ابن كم هو .

فيبعث جيشا : إلى المدينة ، فيدخلونها فيسرفون فيها في القتل و الفواحش .

و يهرب منه رجل من ولدي : زكي نقي الذي يملأ الأرض عدلا و قسطا ، كما ملئت ظلما و جورا ، و إني لأعرف اسمه و ابن كم هو يومئذ ، و علامته : و هو من ولد ابني الحسين الذي يقتله ابنك يزيد ، و هو الثائر بدم أبيه ، فيهرب إلى مكة .

و يقتل صاحب ذلك الجيش : رجلا من ولدي زكيا بريا عند أحجار الزيت ، ثم يسير ذلك الجيش إلى مكة ، و إني لأعلم اسم أميرهم و عدتهم و أسماءهم و سمات خيولهم ، فإذا دخلوا البيداء و استوت بهم الأرض ، خسف الله بهم ، قال الله عز و جل :

{ وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ (51) } سبأ .

قال‏ : من تحت أقدامكم ، فلا يبقى من ذلك الجيش أحد غير رجل واحد يقلب الله وجهه من قبل قفاه .

و يبعث الله للمهدي : أقواما يجتمعون من أطراف الأرض ، قزع كقزع الخريف‏ .

 و الله إني لأعرف أسماءهم واسم أميرهم و مناخ ركابهم .

فيدخل المهدي الكعبة : و يبكي و يتضرع ، قال الله عز و جل :

 { أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ

 وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ (62)  } النمل .

هذا لنا خاصة أهل البيت .

 أما و الله : يا معاوية لقد كتبت إليك هذا الكتاب ، و إني لأعلم أنك لا تنتفع به.

 و أنك : ستفرح إذا أخبرتك أنك ستلي الأمر و ابنك بعدك ، لأن الآخرة ليست من بالك ، و إنك بالآخرة لمن الكافرين ، و ستندم كما ندم من أسس هذا الأمر لك ، و حملك على رقابنا حين لم تنفعه الندامة .

و مما دعاني إلى الكتاب إليك‏ بما كتبت به :

أني أمرت كاتبي أن ينسخ ذلك لشيعتي ، و رءوس أصحابي .

لعل الله أن ينفعهم بذلك ، أو يقرأه واحد ممن قبلك .

 فيخرجه الله به و بنا من الضلالة إلى الهدى ، و من ظلمك و ظلم أصحابك و فتنتهم .

 و أحببت أن أحتج عليك .

 

فكتب إليه معاوية :

 هنيئا لك

يا أبا الحسن

 تملك الآخرة .

 وهنيئا لنا نملك الدنيا [158].

الله أكبر : وهنئنا لنا الآخرة إن شاء الله لأنا على نهج أبا الحسن عليه السلام ، وهو سيدنا .

 وسيد أهل الضلال معاوية فتبا له :

{ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الحق فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8)

 وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ (9)}الأعراف.

وقال سبحانه : { لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ

وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ

أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ

وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ

 أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِـزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُـونَ (22)} المجادلة .

وإن حزب الله المفلحون : لإخلاصهم بلا إله إلا الله وحده لا شريك له ودخولها في كل عبادتهم كسيدهم ومولاهم الذي أعطى الزكاة في ركوعه، وكمال قال الله سبحانه :

{ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)

وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُو  فَإِنَّ حِـزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُـــونَ (56)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ

 تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء

 وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (57) } المائدة .

والله لمعاوية وحزبهم : وأولياءهم على طول الزمان ومن مهد له اتخذوا دين الله هزوا ولعبا ، ومع علمهم بحق سيد الأوصياء وسيد المرسلين ، وسيد الأديان إنه لعلم وعمل لا يعلمه ولا يعمل به بحق كما يحب سبحانه إلا سادة الحق ومن يقتدي بهم ويتعلم منهم ، ولكنهم من أجل الدنيا تسلطوا وعلموا وعاظهم ما شاءوا وتبعهم ناس إلى الآن ، والحق واضح لسادة الحق وقد صدق الله ورسوله ووصيه أن بني أمية ملكت ولكن زال ملكها ، وإن المؤمن مبتلى يجب أن يطيع الله بحق على كل حال .

وهذا الحديث أعلاه : كما قال أمير المؤمنين ، بل وكل ما في هذه الصحيفة :

أمانة سيد الأوصياء وسيد المرسلين من سيد السادة وواهب السيادة الحقة لهم.

ويبين حقهم ويعرف جلالة شأنهم الكريم ، وقد قال سبحانه

{ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا

وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ

إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ

أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ

فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59) } النساء .

والإنسان المؤمن : يجب عليه أن يعرف الحق وأولياه فإنه آية الولاية والسيادة تعرفنا حزب الله المفلحون الغالبون ويجب أن نتبعهم ونرجع لهم كما قال سبحانه :

{ فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67)

وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ

مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68)

وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (69)

وَهُوَ اللَّهُ لا إله إلا هو

 لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ

وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70) } القصص .

 


[138]شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي ج1ص347 .  الخصال 2 / 372 .

[139]  ما نقل هنا عن وفاة النبي الأكرم من إعلام الورى ج1ص264 ، وهكذا في ما يأتي ، وانظر: إرشاد المفيد 1: 180، قصص الأنبياء للراوندي: 357 | 432، سيرة ابن هشام 4: 300، تاريخ اليعقوبي 2: 113.

[140]بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج30ص430 ، شرح النهج 6 / 52 .

[141]إعلام الورى 371 إرشاد المفيد 1: 188،ونقله في بحار الأنوار 22: 529 |35 .

[142]مروج‏الذهب ج‏2،ص:430 .

[143]تأريخ اليعقوبي 123 . وأبو سفيان سيد الكفار يجتمع مع بني هاشم في قصي جدهم الذي أسكنهم مكة .

[144]إعلام الورى 371 إرشاد المفيد 1: 188،ونقله في بحار الأنوار 22: 529 |35 . ولمعرفة المزيد راجع كتاب سليم بن قيس ص 419 . ولمعرفة المزيد راجع الاستغاثة لأبي القاسم الكوفي ج1ص20 . المراجعات للسيد شرف الدين  ص 365المراجعة 90 رقم : 17 وما بعدها . النص والاجتهاد للسيد شرف الدين ص40 .الفصول المهمة ص 89  و بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج30ص428 .

[145]الأعلام ج‏3 ص201 .

[146] الاستيعاب ج‏4ص1678 .

[147]مروج‏الذهب،ج‏2،ص:430 .

[148]الإصابة ج‏6ص122. الاستيعاب ج‏3 ص 1417.

[149]الاستيعاب ج‏3ص1418.

[150]عون المعبود للعظيم آبادي ج 13 ص 221 .   لسان الميزان لابن حجر ج 6 ص 4 .

[151]أسد الغابة ج‏1ص332رقم 728 جرير بن أوس‏ .

[152]مختصر أخبار شعراء الشيعة للمرزباني الخراساني ص46ح 8 . كذبوا على الشيعة للسيد محمد الرضي الرضوي ص195 ح12 . مواقف الشيعة ج لأحمدي الميانجي ج1ص 249 ح175 ، عن العقد الفريد ج1ص28 .

[153]مروج ‏الذهب ج‏3ص18 .

[154]مروج‏ الذهب ج‏3ص11.

[155]البداية والنهايةج‏8ص9 .

[156] { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ (19) إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)

 وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِؤُونَ (37)

 فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)

وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ (48) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52) } الحاقة .

[157] يا طيب : حقيقة ولي معاوية إبليس وكان هو سيد ظاهر لسيادة الشيطان على الناس أنظر تمام الآيات وقارنها معه ومع أتباعه وكانوا هم جيشه ، و لم يقروا للنبي ولآله بالسيادة والإمام ولم يعرفوا له طاعة في ما أدبهم به من تعاليم دينه وما أوصى به في آله أنظر باقي الآيات :

{  وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا (60) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً (62) قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا (64) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً (65) } الإسراء .

[158]كتاب‏ سليم ‏بن ‏قيس ص770 .

 

 

   

أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.msn313.com

يا طيب إلى أعلى مقام كرمنا بنوره رب الإسلام بحق نبينا وآله عليهم الصلاة والسلام


يا طيب إلى فهرس صحيفة سادة الوجود رزقنا واهب السيادة نعيم هداه بأحسن جود