هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين  في  أصول الدين وسيرة المعصومين
صحف الظهور والتجلي  /  صحيفة  سادة الوجود / الجزء الأول
 معنى السيادة وملاكها وتأريخها وظهورها بنور واهب السيادة
في مراتب التدوين
في سيد الكتب وآياته وعلومه والتكوين سيد المرسلين وآله الطيبين الطاهرين سادة المتقين
الباب الأول /
سفينة نجاة / المجلس الثالث

الذكر الثاني

ظهور نور السيد الصمد بسورة الإخلاص لسادة التكوين ولمن طلبه

 

{ سْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2)

لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) } الإخلاص .

نعم : كذلك الله ربي سبحانه وتعالى ، فأني أسمي باسمه وأتوكل عليه وأستعين به ، فهو وحده الرحمان الرحيم الظاهر نوره في الوجود كله .

 وأقول : بكل وجودي ، إيمانا وعلما ، وعملا وصفاتا ، وحقيقة إن شاء الله وبفضله : أنه هو الله الأحد والنور الغني في ذاته وصفاته المتحدة الوجود من غير تكثر حقيقة ، وإن تكثرت صفاته أسما ومفهوما وتجليا ، فهو الواحد الأحد لا كثرة له أبدا ولا يتصور كنهه ولا يحاط به علما ، ولا نقص فيه وله الكمال المطلق الغني الجواد .

ولذا لله وحده : أصمد وأقصد وأتوجه وأطلب حاجتي وكمالي منه وحده .

فهو سيدي : الباذل لوجودي وما به بقائي وكمالي ونعمه عليَّ لا تحصى ، فهو وحده سيدي ومولاي ومعتمدي ورجائي والسيد الحق وسيد كل شيء ومولاه ، لا شرك له لا من الولد ولا من الصاحبة ولا له والد أبدا ، سبحانه وتعالى عن نعت الواصفين بالكثرة والشريك ، فهو عز وجل لا كفؤا له أحد ، وليس كمثله شيء ، ولا يحاط به علما ، وهو على العالم المحيط وعلى كل شيء قدير .

 فالله الأحد الصمد : هو الحميد المجيد الذي خلق كل شيء ، وطلبه وقصده بوجود وحاله ومقاله كل شيء ، لأنه وحده الخالق المنعم الحق ، ومنه كمالنا وبقائنا وهدانا ونعم الوجود كلها فله الشكر والحمد أبدا سيدي ومولاي .

ويا طيب : سورة الإخلاص والتوحيد هي من غرر سور كتاب الله وأعلاها معاني في التوحيد ، حتى جاء عنه سبحانه أنها نسبتي ونعتي ، ونبحث فيها بعد أن عرفنا مجمل معناها ، لأنه فيها أس معارف التوحيد والإخلاص لله وحده ، وفيها اسم الله الحَسن : الصمد : والذي معناه : السيد الذي من يطلبه ويقصده ويتوجه له يتجلى عليه بكل خير ونعيم حتى يغنيه ويرفع نقصه ويزيده كرامة وفضلا ومجدا .

أي من يطلبه خاضع: وعبدا مخلصا ومتواضعا مؤمنا يجعله سيدا فاضل وماجدا.

فالله الصمد : هو السيد المقصود من كل شيء ، والمتجلي في كل شيء في الوجود ، والظاهر بالنعم التي لا تحصى علينا تكوينا وهدى .

ويا طيب : قد عرفنا أن سيد من توجه لله سبحانه سادة الوجود الحق نبينا وآله صلى الله عليهم ، فأختارهم بعلمهم وجعلهم أول من ظهر في الوجود بأعلى نور يطلبه ويتحقق بنوره مشرقا لما بعده ، فجعلهم ينشروا نوره في التكوين الأعلى وأين ما حلوا ، وبحثنا هنا هو في عالم الشهادة بعد أن عرفنا ، مجملا عن عالم التكوين الأعلى حين الكلام عن ظهور كلمة التوحيد : لا إله إلا الله ، والتي يفصل معناه سورة التوحيد والإخلاص ، وبهذا نعرف أن مظهرها في التكوين الحق الدائم في النعيم هم سادة الوجود ، ومن طلب نور الله منهم فيتوجه له بما يحب من هداه وعبوديته ، يجعله سبحانه منهم ومعهم يحف بهم في أعلى نعيم وكرامة ومجد ، رزقنا لله سبحانه أعلى نوره حتى يجعلنا سادة في الجنة نحف بسادتنا وأئمتنا وولاة أمره فينا .

فنتدبر هنا : معرفة تجلي الله الصمد وحده الظاهر لكل من طلبه فيجعله سيدا .

وقد عرفت يا طيب : أن كتاب الله سيد الكتب خص لفظا وجمعا وقراءة وترتيلا ، ومعنى وتفسيرا وتأويلا وفهما وعلما ، بسادة الوجود سيد المرسلين وبعده سيد الوصيين وآلهم سادة المتقين والعابدين لرب العالمين ، وبعد إن عرفنا تلازمهم في حديث الثقلين وغيره من البيان إلى يوم القيامة وأنهما لن يفترقا أبدا .

وأن كتاب الله : كما هو سيد الكتب والكلام ، فيه سورة هي سيد السورة ، وفيها سيد الآيات الكرسي ، وفي كلام الله سيد الكلام آية هي سيد العلم ، وكلها مختصة تفسيرا وتجليا بسادة التكوين ، والله هو السيد الحق الظاهر في التكوين فيها .

 وإن اسم الله السيد : عد في الأسماء الحسنى في الحديث أن لله تسعة وتسعون اسما من أحصاها أستجيب له ودخل الجنة كما عرفت .

كما وأن السيد : هو روح معنى الصمد المقصود من كل شيء والباذل لخيره بنعم لا تحصى في كل التكوين ، والظاهر لكل من طلبه بأعلى تجلي يغنيه ، ولذا يكون الترابط تام في تجلي اسم الله السيد الصمد ، في سور كل الكتاب التكويني والتدويني ، ولذا قدمنا هنا معرفة تجليه بكل كتاب الله سيد الكلام وترابطه وتقارنه بسادة الوجود ، وقدمنا سورة الإخلاص لما فيها من معنى السيد الصمد سبحانه وظهوره ، ثم تأتي السور الباقية المعبرة عن ظهوره بسورة سيد العلم سورة إنا أنزلناه ، وسورة سيد آي كتاب الله الكرسي المُعرفة لتجليه سبحانه في أعلى مراتب الظهور ، وبكل الأسماء الحسنى فيها تدوينا وعلما وتكوينا ، وما أظهر فيه في تجليه في علوم سادة التكوين وحقيقتهم صلى الله عليهم وسلم .

ويا طيب : نتوسع بمعارف اسم الله الصمد وما ورد في بيان معناه من أحاديث ، بعد أن نقدم البحث في مجمل ما ذكر في فضل سورة التوحيد كلها وشأنها الكريم ، وشأن نزولها ، وفي آخر البحث فيها نبين فضل سيد الأوصياء الناشر لعلوم سيد المرسلين بأمر واهب السيادة سبحانه ، ثم نعرج في أذكار خاصة أخرى في باقي المعاني إن شاء الله .

 

 

 

الإشراق الأول :

أحاديث في شأن نزول سورة الإخلاص وفضلها :

الإشعاع الأول :

شأن نزول سورة التوحيد المُعرفة نسبة الرب سبحانه :

بسم الله الرحمن الرحيم :

قُلْ  هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ   اللَّهُ الصَّمَدُ   لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ

يا طيب : ذكروا أنه سأل الكفار و بعض أهل الملل السابقة عن نسبة الله وما هو ، فلم يجبهم نبينا الأكرم مع معرفته بوحدانية الله ، لأنه كلام عظيم وطلب جسيم لمعرفة نسبة وحقائق عن كنه الله العلي العظيم ، ولذا سكت سيد المرسلين حتى أنبئه سيد الوجود الحق بنسبه وما يجب أن يتلوه الناس إلى أخر الزمان ، فأنزل سورة التوحيد ، وتسمى سورة الإخلاص .

وكان في أولها : بعد التسمية ومعرفة أن كل شيء من رحمته ولطفه بخلقه ، أمره أن يقول : الله أحد ، وهذا نسبة التوحيد الخالص بما له ، ثم شرح تجليه وظهور : هو الله الصمد ، أي الواجب أن يقصد لطلب كرامته وفضله وإحسانه ، فيبذل لهم معروفه وخيراته ونعمه ، وكله منه وحده ، فهو سيدهم كما عرفت الواجب أن يطاع لما له من الحق في تجليلهم بنعمه خلقا وهدى ، ولا يحق لأحد أن يتصور له سبحانه شريك من ولد ولا أنه مولود لأحد ، بل لا كفئ له من خلقه أحد ، بل يجب أن يخضع كل شيء قاصدا له فيهبه الكمال حسب ظرفه وطلبه وما يستحقه بوجوده وحاله ومقاله.

وذكرت تفاصيل لفظيه لمعاني الكلمات ومراتب التوحيد لمعرفة عظمة الله ، تجدها مفصلة في صحيفة التوحيد وشرح الأسماء الحسنى من موسوعة صحف الطيبين ، أو راجع التفاسير المفصلة للبحوث في معارف هذه السورة الكريمة ، وأما ما نبحثه هنا فهنا في هذا الإشعاع نذكر شأن نزولها ومعناها الكلي :

ذكر في تفسير مجمع البيان وغيره : أن سورة الإخلاص مكية ، و قيل مدنية .

 و سميت سورة التوحيد : لأنه ليس فيها إلا التوحيد ، و كلمة التوحيد تسمى كلمة الإخلاص ، و قيل إنما سميت بذلك : لأن من تمسك بما فيها اعتقادا و إقرارا كان مؤمنا مخلص ، و قيل : لأن من قرأها على سبيل التعظيم أخلصه الله من النار أي أنجاه منه ، وتسمى أيضا سورة الصمد ، و تسمى أيضا بفاتحتها ، وتسمى أيضا نسبة الرب، روي في الحديث : لكل شي‏ء نسبة و نسبة الرب سورة الإخلاص[28].

وفي تفسير فرات الكوفي : عن ابن عباس رضي الله عنه قال :

إن قريشا : سألوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، منهم جبير بن مطعم و أبو جهل بن هشام و رؤساء من قريش :

يا محمد: أخبرنا عن ربك من أي شي‏ء هو من خشب أم من نحاس أم من حديد؟

و قالت اليهود : إنه قد أنزل نعته في التوراة فأخبرنا عنه ؟

 فأنزل الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه وآله :

قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ ، يعني الصمد الذي لا جوف له .

و قال بعضهم : الصمد السـيـد الذي يسند إليه الأشياء .

لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ : قال و ذلك أن المشركين قالوا : الملائكة بنات الله .

وَ قالَتِ الْيَهُودُ : عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ ، وَ قالَتِ النَّصارى‏ : الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ .

فأنزل الله : لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ .

يعني أي‏ : لا مثل له في الإلهية ، و لا ضد له ، و لا ند له ، و لا شبه له ، و لا شريك له لا إله إلا الله .

 قال أبو جعفر عليه السلام : هي مكية ، كلها نزلت [29].

وقال علي بن إبراهيم القمي في تفسيره : و كان سبب نزولها أن اليهود جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت : ما نسب ربك ؟

 فأنزل الله ، و معنى قوله :

 أَحَدٌ : أحدي النعت كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

 نور : لا ظلام فيه ، و علم لا جهل فيه .

و قوله : الصَّمَدُ : أي الذي لا مدخل فيه .

و قوله : لَمْ يَلِدْ ـ أي لم يحدث ـ ، وَ لَمْ يُولَدْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ .

 قال: لا له كفو و لا شبيه و لا شريك و لا ظهير و لا معين [30].

وعن  أبان بن عبد الله قال : حدثني يحيى بن آدم عن الفزاري عن حريز عن الضحاك عن ابن عباس قال قالت قريش‏ للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بمكة :

صف لنا ربك لنعرفه فنعبده ؟

فأنزل الله تبارك و تعالى على النبي : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، يعني غير مبعض و لا مجزى و لا مكيف ، و لا يقع عليه اسم العدد و لا الزيادة و لا النقصان .

اللَّهُ الصَّمَدُ : الذي قد انتهى إليـه الســـؤدد .

 و الذي يصمد : أهل السماوات ، و الأرض بحوائجهم إليه .

 لَمْ يَلِدْ : منه عزير كما قالت اليهود عليهم لعائن الله و سخطه ، و لا المسيح كما قالت النصارى عليهم سخط الله ، و لا الشمس و القمر و لا النجوم كما قالت المجوس عليهم لعائن الله و سخطه ، و لا الملائكة كما قالت كفار قريش لعنهم الله .

وَ لَمْ يُولَدْ : لم يسكن الأصلاب و لم تضمه الأرحام لا من شي‏ء كان و لا من شي‏ء خلق ما كان . وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ، يقول ليس له شبيه و لا مثل و لا عدل و لا يكافيه أحد من خلقه بما أنعم عليه من فضله‏ [31].

 

الإشعاع الثاني :

فضل وآثار الإخلاص بسورة التوحيد وتلاوتها في الصلاة وغيرها :

يا طيب : بعد إن عرفنا شأن نزول سورة التوحيد والإخلاص والصمد ، وعرفنا أنها تُعرفنا تجلي سيد الوجود في التكوين ولكل من طلبه من خلقه ، وأنه وحده المقصود الباذل للنعم لا إله غيره ، بل وحده سبحانه ، ولا شريك له بأي نوع من تصورات البشر ، بل الله لا كفوا له أحد أبد ، وكل خير ونعيم له ، وإن من يخلص له بهذا المعنى يتجلى عليه سيده ومولاه الصمد المقصود ، بكل خير وبركه .

ولذا جاء في فضل تلاوة سورة التوحيد والإخلاص والصمد : أحاديث كثيرة ، ونختار منها بعض الأحاديث نعرف بها أهميتها وعظمة تجليها لمن يخلص لله بها ويتلوها ، وجفاء من يهجرها في صلاة أو لم يعتني بقراءتها ، لنرى بعد بحث اسم الصمد حُبه لمن أحب أول مخلص لله بها بعد سيد المرسلين ، وكرامته عليه لنحبه ، ولنخلص بمعارفه لله وحده سبحانه كما عرفها، وأما الأحاديث في فضل سورة الإخلاص فهي :

في حديث المعراج قال الله سبحانه لسيد المرسلين :

اقرأ : قل هو الله أحد ، كما أنزلت ، فإنها نسبتي ونعتي [32].

 

في فضل تلاوة سورة التوحيد في كل الأحوال :

في مجمع البيان عن أُبي :

 من قرأها فكأنما قرأ ثلث القرآن .

وأعطي من الأجر عشر حسنات :

بعدد من آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر  [33] .

وعن عبد العزيز بن المهتدي قال : سألت الرضا عليه السلام عن التوحيد فقال :

كل مَن : قرأ قل هو الله أحد ، وآمن بها ، فقد عرف التوحيد .

قلت : كيف يقرؤها ؟

قال : كما يقرؤها الناس . وزاد فيه كذلك الله ربي ، كذلك الله ربي[34].

أي يخطر في باله بعد قراءتها أنه حقا الله كما وصف نفسه ، أو يردد هذه الكلمات كتعبير عنه .

وعن محمد بن مروان ، عن أبي جعفر عليه السلام قال :

من قرأ قل هو الله أحد : مرة ، بورك عليه .

 ومن قرأها : مرتين ، بورك عليه وعلى أهله .

ومن قرأها : ثلاث مرات ، بورك عليه وعلى أهله وعلى جيرانه .

ومن قرأها : اثني عشر مرة ، بني الله له اثني عشر قصرا في الجنة .

فيقول الحفظة : اذهبوا بنا إلى قصور أخينا فلان فننظر إليها .

 ومن قرأها مائة مرة : غفرت له ذنوب خمسة وعشرين سنة ما خلا الدماء والأموال .

ومن قرأها أربعمائة مرة : كان له أجر أربعمائة شهيد كلهم قد عقر جواده وأريق دمه .

ومن قرأها ألف مرة في يوم وليلة : لم يمت حتى يرى مقعده في الجنة أو يُرى له [35].

وعن عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهما السلام أن النبي صلى الله عليه وآله صلى على سعد بن معاذ ، فقال :

لقد وافى من الملائكة للصلاة عليه سبعون ألف ملك وفيهم جبرائيل يصلون عليه .

 فقلت : يا جبرائيل بم استحق صلاتكم عليه ؟

قال : بقراءة قل هو الله أحد :

قائما وقاعدا وراكبا وماشيا وذاهبا وجائي[36] .

فضل تلاوة قل هو الله أحد في الأحوال الصعبة :

وعن إبراهيم بن مهزم ، عن رجل سمع أبا الحسن عليه السلام يقول :

 من قدم قل هو الله أحد : بينه وبين جبار ، منعه الله عز و جل منه .

 يقرأها : من بين يديه ، ومن خلفه ، وعن يمينه ، وعن شماله .

 فإذا فعل ذلك رزقه الله عز وجل خيره ومنعه من شره .

 وقال : إذا خفت أمرا ، فاقرأ مائة آية من القرآن من حيث شئت .

ثم قل : اللهم اكشف عني البلاء ، ثلاث مرات[37] .

عن المفضل بن عمر، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : يا مفضل :

 احتجز من الناس كلهم بـ : بسم الله الرحمن الرحيم .

 وبـ : قل هو الله أحد ، اقرأها عن يمينك ، و عن شمالك ، و من بين يديك ، و من خلفك ، و من  فوقك ، و من تحتك .

 و إذا دخلت على سلطان جائر : فاقرأها حين تنظر إليه ثلاث مرات ، و اعقد بيدك اليسرى ، ثم لا تفارقها حتى تخرج من عنده [38].

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله :

من قرأ قل هو الله أحد مائة مرة حين يأخذ مضجعه .

غفر الله عز وجل له  ذنوب خمسين سنة .

وعن سهل بن سعد الساعدي قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فشكا إليه الفقر ، وضيق المعاش .

فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله :  إذا دخلت بيتك ، فسلم إن كان فيه أحد ، وإن لم يكن فيه أحد ، فسلم واقرأ : قل هو الله أحد مرة واحدة .

 ففعل الرجل ، فأفاض الله عليه رزقا حتى أفاض على جيرانه .

وعن هارون بن خارجة عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال :

من أصابه مرض ، أو شدة ، فلم يقرأ في مرضه أو شدته ، بقل هو الله أحد ، ثم مات في مرضه ، أو في تلك الشدة التي نزلت به ، فهو من أهل النار[39] .

في كتاب طب الأئمة عليهم السلام : بإسناده إلى أبى بصير عن أبى جعفر عليه السلام قال: شكوت إليه وجع أضراسي و انه يسهر بي الليل .

قال : فقال : يا با بصير إذا أحسست بذلك فضع يدك عليه ، و أقرأ سورة الحمد ، و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ .

ثم اقرأ : { وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88) } النمل .

فانه يسكن ثم لا يعود[40].

عن عمر بن يزيد، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام : من قرأ :

 قل هو الله أحد ، حين يخرج من منزله عشر مرات ، لم يزل في حفظ الله عز و جل و كلاءته حتى يرجع إلى منزله [41].

فضل تلاوة الإخلاص في الصلاة وبعدها :

عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

من مضى به يوم واحد : فصلى فيه بخمس صلوات ، ولم يقرأ فيها بقل هو الله أحد ،  قيل له : يا عبد الله لست من المصلين [42].

وعن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

من مضت عليه جمعة ، ولم يقرأ فيها بقل هو الله أحد ، ثم مات ، مات على دين أبي لهب [43].

وعن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

مَن كان : يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يدع أن يقرأ في دبر الفريضة بقل هو الله أحد ، فإنه من قرأها جمع الله له خير الدنيا والآخرة ، وغفر له ولوالديه وما ولدا [44].

وعن صفوان الجمال قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول :

صلاة الأوابين ، كلها بـ :  قل هو الله أحد [45].

عن محمد بن الفضيل قال : قال أبو عبد الله عليه السلام :

 يكره أن يقرأ :

 قل هو الله أحد ، بنفس واحد [46].

وفي التهذيب : و روي : أنه من قرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الليل في كل ركعة : الحمد مرة . و قل هو الله أحد،  ثلاثين مرة ، أنفتل ، و ليس بينه و بين الله عز و جل ذنب إلا غفر له.

عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن القراءة في الوتر ؟ فقال : كان بيني و بين أبي باب ، فكان أبي‏ إذا صلى يقرأ في الوتر بـ :

قل هو الله أحد ، في ثلاثتهن ، و كان يقرأ : قل هو الله أحد ، فإذا فرغ منها قال: كذلك الله ربي، أو كذاك الله ربي.

و عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان أبي عليه السلام يقول : قل هو الله أحد ، تعدل ثلث القرآن ، و كان يحب أن يجمعها في الوتر ، ليكون القرآن كله.

عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام قال : الوتر ثلاث ركعات يفصل بينهن، ويقرأ فيهن جميعا بـ: قل هو الله أحد[47]. الشفع أثنان والوتر واحدة.

 

 

 

الإشراق الثاني :

حقائق من معاني تجلي السيد الصمد سبحانه :

يا طيب : مرت معارف كريمة في تعريف كلمة الإخلاص : لا إله إلا الله ، وهي سيد سيد سيد سيد الكلام والكتب والتسبيح والأخلص ، لأنه سيد الكلام العربية ، وسيده كتاب الله ، وسيد الكتاب البقرة ، وسيد البقرة الكرسي ، وأولها : الله لا إله إلا هو ، الحي القيوم ، ولا إلا إلا الله ، سيد في سيد التسابيح  : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، وإن مظهر لا إله إلا الله ، هو سورة التوحيد والإخلاص والصمد ، وإن الصمد هو السيد المتجلي بالظهور في كل نور الكائنات ، وإن أعلاه هو لسادة الوجود ، وقد عرفنا في الذكر السابق الرابطة القوي بين كتاب الله كله وسادة الوجود في التطهير والبركة والخيرات لتعليم العباد الكتاب والحكمة وبحديث الثقلين وغيرها ، وكلها سواء سيد نور الكائنات في الكتاب التدويني أو التكويني هو مظهر لله لصمد الذي روح معناه اسم الله السيد حين يكون بأعلى تجلي وأعظمه في سيد الكلام وسادة التكوين .

وإذا عرفنا فيما مضى أهمية سورة الإخلاص : والتوحيد التي هي تفصيل مظهر ، لا إله إلا الله ، سيد التسبيح والكلام ، فلنرى أن سيد سورة التوحيد هو الصمد الظاهر في كل شيء طلبه سبحانه ، ويكون حين التدبر في كلمة الصمد ومعناه العام ، نعرف سيد الكلمات ، ونعرف أن روح معناه وركنها الأصل هو معنى السيد : الباذل للخير والمعروف ، والمطاع المقصود لطب بره وإحسانه وكل خير منه .

ولنعرف كل معنى سورة الإخلاص والتوحيد ، والصمد ، نتدبر الأشعة الآتية :

 

الإشعاع الأول :

معاني سورة الإخلاص  في أحاديث سادة الوجود :

يا طيب : كتبنا في صحيفة التوحيد وشرح الأسماء الحسنى في موسوعة صحف الطيبين شرحا جميلا لأدلة التوحيد وبراهين معارفه ، وعلم التوحيد هو من أكرم معارف العلوم وأعلاه ، لأنه يتحدث عن خالق الوجود وسيده المقصود لطلب كرمه وفضله ، فإن أحببت أن تعرف أدلة ومراتب التوحيد وأنواعه ، ومظاهر ظهوره ومراتبه ، فراجع ما كتبنا هناك ، وهنا ننقل أحاديث كريمة في شرح سورة الإخلاص ، ولمعرفة المزيد يراجع صحيفة التوحيد أو تفسيرها في كتب التفسير الكثيرة .

عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

 إن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا : انسب لنا ربك ؟

فلبث : ثلاثا لا يجيبهم ، ثم نزل : قل هو الله أحد ... إلى آخرها [48].

وعن عاصم بن حميد قال : سُئل علي بن الحسين عليه السلام عن التوحيد ؟

 فقال عليه السلام : إن الله عز وجل علم أنه يكون في آخر الزمان :

 أقوام متعمقون ، فأنزل الله تعالى : قل هو الله أحد ، والآيات من سورة الحديد إلى قوله : وهو عليم بذات الصدور

 فمن رام وراء ذلك فقد هلك [49].

وعن محمد بن عبيد ، قال : دخلت علي الرضا عليه السلام ، فقال لي :

 قل للعباسي : يكف عن الكلام في التوحيد وغيره ، ويكلم الناس بما يعرفون ، ويكف عما ينكرون .

 وإذا سألوك عن التوحيد فقل كما قال الله عز وجل :

 ( قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ) .

وإذا سألوك عن الكيفية ؟ فقل كما قال الله عزوجل ( ليس كمثله شيء ).

وإذا سألوك عن السمع ؟ فقل كما قال الله عزوجل: ( هو السميع العليم ).

فكلم الناس بما يعرفون [50].

 

 

ويا طيب : وأما للمتعمقون فهذه أحاديث كريمة في شرح السورة :

قال الباقر عليه السلام : الأحد الفرد المتفرد ، والأحد والواحد بمعنى واحد ، وهو المتفرد الذي لا نظير له ، والتوحيد الإقرار بالوحدة وهو الانفراد ، والواحد المتبائن الذي لا ينبعث من شيء ولا يتحد بشيء .

 ومن ثم قالوا : إن بناء العدد من الواحد وليس الواحد من العدد ، لأن العدد لا يقع على الواحد بل يقع على الاثنين فمعنى قوله : الله احد : المعبود الذي يأله الخلق عن إدراكه والإحاطة بكيفيته فرد بإلهيته ، متعال عن صفات خلقه .

وقال وهب بن وهب القرشي : وحدثني الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه الباقر عن أبيه عليهم السلام أن أهل البصرة كتبوا إلى الحسين بن علي عليهما السلام ، يسألونه عن الصمد  ، فكتب إليهم :  بسم الله الرحمن الرحيم :

أما بعد : فلا تخوضوا في القرآن، ولا تجادلوا فيه، ولا تتكلموا فيه بغير علم.

 فقد سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :

من قال في القرآن بغير علم : فليتبوأ مقعده من النار ، وإن الله سبحانه :

قد فسر الصمد فقال : ( الله أحد . الله الصمد ) .

ثم فسره فقال : ( لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ) .

( لم يلد ) : لم يخرج منه شيء كثيف كالولد وسائر الأشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين ، ولا شيء لطيف كالنفس ، ولا يتشعب منه البدوات كالسنة والنوم ، و الخطرة والهم، والحزن والبهجة، والضحك والبكاء، والخوف والرجاء، والرغبة والسأمة ، والجوع والشبع ، تعالى أن يخرج منه شيء وأن يتولد منه شيء كثيف أو لطيف .

( ولم يولد ) : لم يتولد من شيء ، ولم يخرج من شيء كما يخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها : كالشيء من الشيء ، والدابة من الدابة ، والنبات من الأرض ، والماء من الينابيع ، و الثمار من الأشجار ؛ ولا كما يخرج الأشياء اللطيفة من مراكزها : كالبصر من العين والسمع من الإذن والشم من الأنف والذوق من الفم ، والكلام من اللسان والمعرفة والتميز من القلب ، وكالنار من الحجر ، لا .

بل هو الله الصمد : الذي لا من شيء ولا في شيء ولا على شيء ، مبدع الأشياء وخالقها ومنشئ الأشياء بقدرته ، يتلاشى ما خلق للفناء بمشيته ، ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه ، فذلكم الله الصمد : الذي لم يلد ولم يولد ، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ، ولم يكن له كفوا أحد [51].

وعن حماد بن عمرو النصيبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

 سألت أبا عبد الله عن قل هو الله أحد ؟ فقال عليه السلام :

 نسبة الله إلى خلقه : أحدا ، صمدا ، أزليا،  صمديا ، لا ظل له يمسكه ، وهو يمسك الأشياء بأظلتها . عارف بالمجهول ، معروف عند كل جاهل . فرداني ، لا خلقه فيه ولا هو في خلقه ، غير محسوس ولا مجسوس ، لا تدركه الأبصار ، علا فقرب  ودن فبعد . وعصي فغفر ، وأطيع فشكر . لا تحويه أرضه ولا تقله سماواته ، حامل الأشياء بقدرته . ديمومي أزلي ، لا ينسى ولا يلهو ولا يغلط ولا يلعب ولا لإرادته فصل، و فصله جزاء، وأمره واقع، لم يلد فيورث، ولم يولد فيشارك، ولم يكن له كفوا أحد[52].

 

وهذا شرح وافي وجميل للحديث أعلاه من كتاب :

 شرح أصول الكافي للمولى محمد صالح المازندراني رحمه الله :

قال : سألت أبا عبد الله  عليه السلام : عن قل هو الله أحد ؟

 فقال : نسبة الله إلى خلقه ، أي صفاته الذاتية والتنزيهية ، الـمُـنـزلة إلى خلقه ليعرفوه ويميزوه بها عن غيره من الممكنات .

( أحدا ) : حال عن الله ، أو منصوب بفعل مقدر أي ذكر الله في وصفه أحدا ، لا ثاني له في الوجود والوجوب ، ولا كثرة في ذاته وصفاته ذهنا وخارجا .

( صمدا ) : الصمد السيد المصمود . فعل : بمعنى مفعول، كالحسب والقبض.

يعني أنه السـيـد : الذي يصمد إليه في طلب الأمور والنوائل ، ويقصد في دفع الحوائج والنوازل ، ويلاذ به في السراء والضراء ، ويلتجا إليه في الشدة والرخاء ، ولذلك يوصف به سبحانه ، لأنه المستغني عن الغير على الإطلاق ، وكل ما سواه يحتاج إليه من جهات متكثرة .

وأنت إذا تأملت في معنى : الأحد والصمد ، علمت أن جميع ما ذكره عليه السلام  إلى قوله لم يلد ، مندرج تحتهما ومستخرج منهما .

( أزليا ) : إذ لو كان حادثا لكان الموجد له هو الصمد لا هو ، ولأن وجوب وجوده لذاته يستلزم استحالة عدمه أزلا وأبدا ، وأزله عبارة عن سلب الابتداء والأولية عنه .

( صمديا ) : أي ليس بجسم ولا جسماني ، ولا مفتقر إلى شيء بل يفتقر إليه كل ما سواه ، والنسبة للمبالغة مثل الأحمري .

( لا ظل له ) : أي لا سبب أو لا صورة أو لا مثل . أو لا ظل : بالمعنى المعروف له ( يمسكه ) عن عروض الزوال وحدوث التغير .

( وهو يمسك الأشياء بأظلتها ) : أي بأسبابها ، أو بصورها ، أو بغير ذلك مما ذكر ونقل من الشيخ العارف بهاء الملة والدين أن المراد بأظلتها رب أنواعها انتهى .

 ولا يبعد أن يراد بالظل هنا : الكنف ، من قولهم فلان يعيش في ظل فلان ، أي في كنفه وحفظه وصيانته ، يعني لا حامي له يحفظه ويصونه ويعينه ، وهو يحمي الأشياء مع حاميها وحافظها ومعينها .

( عارف بالمجهول ) : عن الخلق لغاية صغر ، أو لبعده عنهم كالكائن في القفار والساكن في البحار ، أو لعدم وصول فكرهم إليه ، وعدم وقوع ذهنهم عليه كحقائق الأشياء وأجناسها وفصولها إلى غير ذلك . سبحان من يعلم : عجيج الوحوش في الفلوات ، ومعاصي العباد في الخلوات .

( معروف عند كل جاهل ) : من أصحاب الملل الباطلة كالملاحدة والدهرية وعبدة الأوثان وأضرابهم ، فإن كلهم يعرفونه عند نزول الشدايد والضراء ، وتوارد المصايب والبلاء ، ولا يلوذون حينئذ بما سواه ، ولا يدعون إلا إياه ، كما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام بقوله :

 فهو الذي تشهد له أعلام الوجود على إقرار قلب ذي الجحود .

  وهذه الأمور الخمسة : من لوازم الصمد ، لأن أزلية وجوده ، وصمديته ، وكونه حافظ للأشياء بأظلتها ، وعارف بما لا يعرفه الخلق حتى ضمائر القلوب ووساوس الصدور ، ومعروف عند كل جاهل .

 يقتضي أن يكون رجوع الخلق كلهم إليه .

 ( فردانيا ) : الألف والنون زايدتان في النسب للمبالغة في فرديته بحسب الذات والصفات والوجود والوجوب والربوبية ، بحيث لا يشابهه في ذلك شيء ، ولا يشاركه أحد ، وهذا ناظر إلى الأحد ومن لوازمه .

( لا خلقه فيه ) : لاستحالة حلول الحوادث فيه إذ لو جاز ذلك لكان ناقصا ، والتالي باطل بالإجماع والعقل والنقل ، فالمقدم مثله ، بيان الملازمة : أن ذلك الحادث إن كان من صفات كماله لزم نقصه لخلوفه عنه قبل حدوثه ، وإن لم يكن من صفات كماله لزم نقصه أيضا للاتفاق على أن كل ما يتصف به الواجب يجب أن يكون من صفات الكمال ، وفيه إشارة إلى أن صفاته عين ذاته فهو ناظر إلى الأحد .

( ولا هو في خلقه ) : لما مر من أن حلوله في شيء هو حصوله فيه على سبيل التبعية ، وهو مستلزم لافتقاره إلى المحل ، وأنه على الواجب بالذات محال .

وهذا من لوازم الصمد : الذي هو الغني المطلق .

وفيه رد على الفرق المبتدعة : فإن بعضهم جوزوا حلول الحوادث فيه كالكرامية على ما هو المشهور عنهم ولهم وجوه أوهن من بيت العنكبوت ، وبعضهم قالوا بحلوله في الحوادث كطائفة من المتصوفة والعيسوية وقد نقل قطب المحققين عن الرازي أنه قال : ناظرت مع بعض النصارى وقلت له : هل تعرف أن عدم الدليل لا يستلزم عدم المدلول ، قال : نعم . فقلت له : ما الدليل على أنه لم يحل في زيد وعمرو وذبابة ونملة وحل في عيسى ؟ قال : لأنه وجدنا في عيسى أنه أبرء الأكمة والأبرص وأحيى الموتى ، ولم نجد ذلك فيما ذكرت ، فعلمنا أنه حل فيه ولم يحل في غيره .

فقلت : هذا مناف لما سلمت أن عدم الدليل لا يستلزم عدم المدلول فسكت .

 ثم قلت له : لقد صارت العصا في يد موسى حية عظيمة تسعى ، وهذا أعظم مما ذكرت في عيسى ، فلم لا تقول أنه حل في موسى أيضا ، فلم يقل شيئا .

هذا ويمكن أن يكون قوله :

 لا خلقه فيه ، ولا هو في خلقه ، تفسيرا لقوله : فرداني ، وبيانا له .

 ( غير محسوس ) : بالحواس الظاهرة والباطنة ، وقد علمت أنه منزه عن إدراكها غير مرة .

( ولا مجسوس ) : أي غير ملموس باليد لاستحالة الجسمية وتوابعها من الكيفيات الملموسة عليه .

( لا تدركه الأبصار ) : لأنه ليس بضوء ولا لون ولا ذي وضع ولا في جهة ، وقد مر وجه تخصيص عدم إدراك البصر بالذكر بعد ذكر عدم إدراك الحواس له ، والظاهر أن هذه الثلاثة من لوازم الأحد .

( علا ) : كلا شيء بالوجود الذاتي والشرف والعلية .

( فقرب ) : من كل شيء بالعلم والإحاطة ، لا بالمجاورة والإلصاق .

( ودنى فبعد ) : أي يكون في المكان ، أو يتناوله المشاعر، أو يشبهه شيء، فذاته المقدسة مباينة لجميع الممكنات، إذ ليس لشيء منها الدنو من كل شيء من كل وجه.

( وعصى فغفر ) : لمن جذبته النفس الأمارة والشيطان إلى مهاوي الهلاك والعصيان ، فعجز عن مقاومتها بعد أن كانت له مسكة بجناب الله ، وإن كان ذلك الغفران متفاوتا بحسب قوة المسكة وضعفها .

 ( وأطيع فشكر ) : قابل اليسير من الطاعة بالكثير من الثواب ، إن ربنا لغفور شكور ، والشكر : في اللغة هو الاعتراف بالإحسان والله سبحانه هو المحسن إلى عباده والمنعم عليهم ، فالشكر : حق الله تعالى على العباد ، ولكنه لما كان مجازيا للمطيع على طاعته بجزيل ثوابه ، جعل مجازاته شكرا لهم على سبيل المجاز .

( لا تحويه أرضه ) : لأنه ليس بذي مكان يحويه ويحيط به ، لأن ذلك من خواص الأجسام ، فما ليس بجسم ولا جسماني كانت الحواية مسلوبة عنه سلبا مطلقا  ، لا سلبا مقابلا للملكة .

( ولا تقله سماواته ) : أي لا ترفعه من قله ، وأقله : إذا حمله ورفعه .

( حامل الأشياء ) : أي حفيظها ومقيمها .

 ( بقدرته ) : الكاملة التي لا يمتنع من نفاذها شيء من تلك الأشياء .

( ديمومي ) : أي دايم باق أبدا ، والديمومة مصدر دام يدوم ويدام دوما ، ودواما وديمومة حذفت التاء في النسب .

( أزلي ) : أي كان في الأزل بلا بداية لوجوده .

( لا ينسى ) : لأن ذاته بذاته علم بجميع الأشياء ، لا يعزب عنه مثقال ذرة ، ولأن النسيان بالكسر وهو خلاف الذكر ، وذهاب الصورة العلمية من صفات النفس المدركة بالآلات البدنية ، فربما يشغل عنها وينسبها لاشتغالها بتدبير البدن .

 ( ولا يلهو ) اللهو : اللعب ، يقول : لهوت بالشيء ألهو لهوا إذا لعبت به ، وقد يكنى به عن الجماع قال الله تعالى : { لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ (17) } الأنبياء . قالوا : امرأة .

( ولا يغلط ) : أصلا ، لا في القول والفعل ، ولا في الحكم والتدبير ، إذ الغلط إنما ينشأ من نقص العلم وهو سبحانه منزه عنه .

( ولا يلعب ) قال الله تعالى : { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالحق وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (39) } الدخان .

( ولا لإرادته فصل ) : الفصل القطع ، والمراد به هنا القاطع ، يعني ليس لإرادته قاطع يمنعها عن تعلقها بالمراد إذ كل شيء مقهور له ، فلا يقدر شيء ما على أن يمنعه مما أراده ، وقيل : معناه ليست إراداته فاصلة بين شيء وشيء بل تتعلق بكل شيء ، وهذا قريب مما ذكره الفاضل الأستر ابادي من أن معناه أنه تعالى يريد كل ما يقع من الخير والشر . وليست إرادته المتعلقة بأفعال العباد فاصلة بين المرضي وغير المرضي ، بل متعلقة بهما جميعا إذ لا يقع شيء ما إلا بإراداته كما سيجئ .

( وفصله جزاء ) : أي فصله بين أفعال العباد ، هو جزاء لهم على أفعالهم ، فيثيب من أطاعة ، ويعاقب من عصاه ، كما قال : { إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (17)} الحج ، ولذلك سمي يوم القيمة يوم الفصل ، لا جبر : بأن يجبر المطيع على الطاعة والعاصي على المعصية كما زعمه الجبرية ، فإن ذلك يوجب فوات فائدة التكليف وبعث الرسل وإنزال الكتب كما بين في موضعه .

( وأمره واقع ) : أي أمره التكويني واقع بلا مهلة ولا تخلف الأثر عنه كما قال سبحانه :

{ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)} يس .

 والظاهر : أن ما ذكره من قوله " علا " إلى هنا .

راجع إلى معنى الصمد : لأن كل ذلك يقتضي صرف الحوائج إليه ، وأنه المستحق لذلك دون غيره ، ويمكن إرجاع بعضها مثل : لا يحويه أرضه ولا تقله سمواته ، إلى معنى الأحد كما لا يخفى على المتأمل .

( لم يلد فيورث ) : الفعل إما مبني للفاعل أو مبني للمفعول والمال واحد . يعني لم يلد فيكون مورثا أو موروثا . وهو تنزيه له تعالى عن صفات البشر ، إذ العادة أن الإنسان يهلك فيرثه ولده .

( ولم يولد فيشارك ) : مع أبيه في العز والالوهية والربوبية والملك . إذ العادة تقتضي أن يكون ولد العزيز عزيزا مثله ، والبرهان : أنها من لواحق الحيوانية المستلزمة للجسمية والتلذذ والانتقال والتغير والانفعال المنزه قدسه تعالى عنها .

( ولم يكن له كفوا أحد ) : الكفئ على وزن فعيل النظير ، وكذلك الكفؤ بضم الكاف وسكون الفاء ، والكفؤ بضمتين على فعل وفعول ، والمصدر الكفاءة بالفتح والمد ، وكل شيء ساوى شيئا يكون مثله .

 والمقصود : أنه تعالى لم يماثله أحد في ذاته وصفاته الذاتية والفعلية والاعتبارية ، وهو تنزيه مطلق له عن المشابهة بالخلق من الأنحاء ، كما قال أيضا :  وليس كمثله شيء .

 العجب العجيب من بعض أهل هذه الملة، كيف رضيت نفوسهم واستقرت عقولهم على أن شبهوه بخلقه في الجسمية والصورة والكيفية وغيرها خلافا لما وصف الله تعالى به نفسه ، وما ذاك إلا لمتابعة أوهامهم وأحكامهم ، وعدم رجوعهم في وصف الباري إلى العالم المعلم الرباني تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا [53].

يا طيب : إنه كان شرحا جميلا لمعاني التوحيد كلها ، سواء لصفاته سبحانه الثبوتية الذاتية مثل الله الأحد الصمد ، أو للسلبية لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، وقد أجاد بإرجاع الصفات السلبية لملاك علو وعظمة وغنى الذاتية ، والله سبحانه وتعالى هو الغني الحميد والكامل المطلق الذي لا يحده شيء ، وكل شيء هالك إلا وجهه الكريم، ولكون معنى الصمد الغني الفياض، وبذله لنور الوجود كله وحده سبحانه، نتعرف على بعض معانية المشيرة لتحقق روح معناه بالسيادة فتدبر.

 

 

 

الإشعاع الثاني :

الصمد هو السيد المطاع والمقصود من خلقه :

يا طيب : إن الله هو السيد الصمد المقصود وحده لا شريك له ، لأنه لم يلد ولم يولد ولا كفؤ له يقصد مثله ، إذ كل شيء محتاج له سبحانه ، فهو وحده الخالق والمنعم المقصود لطلب نور الكمال منه ، ولذا سترى أنه يرجع كل ما يقال لمعنى :

لا إله إلا الله ، وأنه وحده الخالق المقصود، وهو عين معنى كما بدأكم تعودون، وإنا لله وإنا إله راجعون ، ولمن الملك اليوم لله الواحد القهار ، فهو وحده له الملك وله الحمد وكل شيء من نوره خلق وبنوره يبقى وإليه بأعلى كمال أو بالفقدان يرجع .

وإن الله الأحد الصمد : هو الظاهر والمتجلي في الوجود في أي مرتبة منه ، وفي أي دهر وزمان ومرحلة من تكون الأشياء ، ولا غيره يمكن أن يهب الكمال بدون إذنه سبحانه ، وإذ عرفنا هذه المعاني فلنقرأ بعض الأحاديث الكريمة التي تعرفنا معنى : الله السيد الصمد وحده سبحانه :

 

قال الإمام الباقر عليه السلام :

الصمد : السـيـد المطـاع الذي ليس فوقه آمر وناه .

 قال : وسئل علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام ، عن الصمد ، فقال :

الصمد : الذي لا شريك له ولا يؤوده حفظ شيء ولا يعزب عنه شيء[54] .

 

عن داود بن القاسم الجعفري قال : قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام : جعلت فداك ما الصمد ؟

قال : السـيـد المصمـود إليـه في القليل والكثير [55].

 

وعن جابر بن يزيد الجعفي قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن شيء من التوحيد ، فقال :

إن الله تباركت أسماؤه التي يدعا بها وتعالى في علو كنهه واحد توحد بالتوحيد في توحده  ، ثم أجراه على خلقه فهو واحد ، صمد ، قدوس ، يعبده كل شيء ويصمد إليه كل شيء ووسع كل شيء علم [56].

وقال محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله فهذا هو المعنى الصحيح : في تأويل الصمد ، لا ما ذهب إليه المشبهة :

 أن تأويل الصمد : المصمت الذي لا جوف له ، لان ذلك لا يكون إلا من صفة الجسم والله جل ذكره متعال عن ذلك .

 هو أعظم واجل : من أن تقع الأوهام على صفته أو تدرك كنه عظمته ، ولو كان تأويل الصمد في صفة الله عز وجل المصمت ، لكان مخالفا لقوله عز وجل : ليس كمثله شيء، لأن ذلك من صفة الأجسام المصمتة التي لا أجواف لها ، مثل الحجر والحديد وسائر الأشياء المصمتة التي لا أجواف لها ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .

 فأما ما جاء في الأخبار ذلك فالعالم عليه السلام أعلم بما قال :

وهذا الذي قال عليه السلام : أن الصمد هو السيد المصمود إليه .

هو معنى صحيح موافق لقول الله عز وجل : ليس كمثله شيء .

والمصمود إليه : المقصود ، في اللغة قال أبو طالب في بعض ما كان يمدح به النبي صلى الله عليه وآله من شعره :

وبالجمرة القصوى إذا صمدوا لها   يؤمون رضخا رأسها بالجنادل

يعني قصدوا نحوه ، يرمونها بالجنادل : يعني الحصا الصغار التي تسمى بالجمار ، وقال بعض شعراء الجاهلية :

ما كنت أحسب أن بيتا ظاهرا    لله في أكناف مكة يصــمد

و يعني يقصد . قال ابن الزبرقان : ولا رهيبة إلا سـيـد صـمد .

وقال شداد بن معاوية في حذيفة بن بدر :

علوته بحســام ثم قلـت له   خذها حذيف فأنت السيد الصمد

ومثل هذا كثير ، والله عز وجل : هو السـيـد الصـمـد ، الذي جميع الخلق من الجن والإنس إليه يصمدون في الحوائج ، وإليه يلجئون عند الشدائد ، ومنه يرجون الرخاء ودوام النعماء ، ليدفع عنهم الشدائد .

يا طيب : رحم الله الشيخ الكليني وأسكنه فسيح جنانه ، أختار معنى الصمد أنه السيد المقصود وحده ، وهذا ما عرفت من أن معناه للغنى الذاتي الفياض لكل شيء ، فهو المقصود الحق من كل شيء خلقه ، ومن توجه له فله نِعم أبدية .

 وما استشهد به حق : وهذا الذي عرفته في المعنى اللغوي لكل مقصود باذل للخير بأنه يقال له سيد . فكيف بخالق كل شيء : ونعم الوجود كلها منه سبحانه ، فهو الظاهر والباطن الحق والأول والآخر .

وأما إصراره رحمه الله : على عدم صحة المعنى الثاني وعدم تأويله ولم يوجه فهو بوجه ، ويمكن أن نقول : إن معنى الصمد الذي لا جوف له ، أي لا يخلوا منه شيء ولا يفوته شيء ، وهو واهب نور وجود وكمال وهدى كل شيء ، فيصح المعنى ويرجع للمعنى الأول السيد الصمد الأحد سبحانه ، ولا يحمل على المعنى المادي بما هو في خلقه المحتاج والمحدود والذي يخلو منه كل ما يحده أو فراغ جوفه .

ولذا جاءت روايات : بهذا المعنى ومعاني أخرى ترجع لكونه سبحانه وحده الصمد الذي ليس كمثله شيء ، وأنه غني بذاته فياض كل شيء منه ولا يحتاج لشيء وليس مثل خلقه ، ولا يخلو منه مكان فلا فراغ عن نوره وظهوره ، وترجع المعاني السلبية بل والذاتية لغناه المطلق الأحدي ، وهو الله الأحد الصمد الذي احاط بكل شيء سبحانه ، وكل شيء قائم بنوره ومدده ولا يستغني عنه شيء والكل محتاج له .

و هذه يا طيب : معاني كريمة في أحاديث شريفة ، تعرفنا الله السيد الصمد الواهب لكل شيء وليس مثله شيء وحده لا شريك له : عن أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام قال :

قال الباقر : حدثني أبي زين العابدين عن أبيه الحسين بن علي عليهم السلام أنه قال :

الصمد : الذي لا جوف له .

والصمد : الذي به انتهى ســؤدده .

والصمد : الذي لا يأكل ولا يشرب .

والصمد : الذي لا ينام .

والصمد : الذي لم يزل ولا يزال .

وقال الباقر عليه السلام : كان محمد بن الحنيفة قدس الله روحه يقول :

 الصمد : القائم بنفسه الغـنـي عن غيره .

وقال غيره : الصمد : المتعالي عن الكون والفساد .

والصمد : الذي لا يوصف بالتغاير .

قال الباقر عليه السلام :

الصـمـد : السـيـد المطاع الذي ليس فوقه آمر ولا ناه .

قال : وسئل علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام عن الصمد ؟

 فقال عليه السلام :

الصمد : الذي لا شريك له ولا يؤوده حفظ شيء ولا يعزب عنه شيء [57].

يا طيب : عرفت معاني كريمة عن شرح سورة التوحيد والإخلاص ، والتي خلاصتها تعرفنا عظمة الله وتجليه وغناه المطلق الأحدي ، والذي يحتاج لنوره كل شيء في الوجود ، وهذا غاية معنى السيد وأعلى معانيه ، وهو واهب السيادة لكل سيد في الوجود ، فضلا عن كل من هو دونه من عباده .

ويا طيب : بهذا المعنى جاءت كل التفاسير ونبعت كل معارف التوحيد ، وهي ركن في معارف الإخلاص ، ولذ جاء وقال في تفسير القرطبي :

قال بعض العلماء : إنها عدلت ثلث القرآن ، لأجل هذا الاسم ، الذي هو :

 الصـمـد ، فإنه لا يوجد في غيرها من السور . وكذلك : أحــد [58].

وذكر السيد الطباطائي رحمه الله في تفسير الميزان :

وفي أصول الكافي بإسناده عن داود بن القاسم الجعفري قال :

 قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام : ما الصمد ؟

قال عليه السلام : السـيـد المصمـود إليه في القليل والكثير .

وقال : أقول : وفي تفسير الصمد معان أخر مروية عنهم عليه السلام .

فعن الباقر عليه السلام : الصمد السيد المطاع الذي ليس فوقه آمر وناه ..

و الذي رويناه عن أبي جعفر الثاني عليه السلام لما في مادته لغة في معنى القصد ، فالمعاني المختلفة المنقولة عنهم عليهم السلام من التفسير يلازم المعنى .

فإن المعاني المذكورة : لوازم كونه تعالى مقصود ، يرجع إليه كل شيء ، في كل حاجة ، فإليه ينتهي الكل ، من دون أن تتحقق فيه حاجة لأحد[59] .

وذكر في التفسير الأمثل : يجب أن لا ننسى المعنى الأصلي لكلمة : صمد : و هو السيد الذي يقصده النّاس بحوائجهم ، و هو كامل و مملوء من كلّ الجهات ، و بقية المعاني و التفاسير الأخرى المذكورة للكلمة قد تعدو إلى نفس هذا المعنى [60].

ويا طيب : بعد أن عرفنا أعلى وأجمل وأكرم وأفضل معاني التفاسير لاسم الله الحسن الصمد وكل سورة التوحيد ولإخلاص ، فلنتعرف أعلى وأعظم من تجلى عليهم الله السيد الصمد بنوره ، أي أفضل وأكرم من قصده وتوجه له وطلبه فتجلى عليه بالسيادة ، لأنه عرفت أفضل عابد وأكرم خلقه يجعله الله سيد عباده ، ويتجلى عليه بالسيادة فكون حقيقة تكوينية عليا لأسمه الحسن السيد الصمد سبحانه .

 

 

 

الإشراق الثالث :

سيد الأوصياء يحب سورة الإخلاص فالله حبه وحب كل من يحبه :

يا طيب : قد عرفنا أنه أسماء الله الحسنى لابد لها من ظهور وتجلي في الكون ، وإن أعلى ظهور لنورها هو في سادة التكوين بل والتدوين ، وقد عرفنا تجلي الله سبحانه في  سيد الكتب الصامت ، وعرفنا حقائق عن توحيده سبحانه وظهور السيد الصمد سبحانه بكل متوجه له وقاصد له بالنور والخير والبركات ، وقد عرفنا سابقا في معارف تجلي كلمة التوحيد مراتب عالية من ظهور نور سيد المرسلين بسيد الكلام ونشره حتى قال قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا ، وكان حامل لواءه وناشر راية الهدى معه ولم يفر وكان له الكتاب والحكمة حتى باهل سيد المرسلين به بأمر الله سبحانه ، فجعله نفسه ، وجعله مطهر مثله ومثل كتابه ، بل هاد وولي للمؤمنين ، فكان بعد سيد المرسلين له أعلى نور لتجلي نور الله الصمد سبحانه فيه ، لما أظهر من الإخلاص له وبذل المعروف من نفسه وجاهه وعلمه وعمله في سبيل إعلاء كلمة الله والظهور بنور بركاته عليه من العلم والعمل والجهاد ، وهذا كان ما يوجب أن يجعله سيد الأوصياء وحبه الله وأمر بحبه في آية المودة وغيرها مما أوجب به طاعته .

وما ذلك إلا لإخلاصه لله الواحد الصمد سبحانه ، وقد جاء :

في مصابيح الشريعة قال الصادق عليه السلام :

العبودية جوهرة كنهها الربوبية ، فما فقد من العبودية وجد في الربوبية .

 وما خفى في الربوبية ، أصيب في العبودية [61].

يعني من يخلص لله : يهبه نوره بأعلى مراتبه ، حتى يجعله أعلى مظهر لأسمائه الحسنى ، والآن يا طيب نذكر بعض مواصفات سيد الموحدين في العبودية لله الصمد ، فنرى قصده لسيده ، ولننظر في عبادته وخلقه الكريم ، حتى نقر له بفضل الله عليه :

 

 

الإشعاع الأول :

تحلي وتجلي سيد الموحدين بسورة التوحيد وإخلاصه حتى حبه سيده :

يا طيب : هذه مظاهر حقيقة سيد الموحدين بعد سيد المرسلين ترينا نور الله السيد الصمد الظاهر منه علما وعملا وحقيقتا وعبودية وتجليا ، حتى حبه الله وأمر بحبه .

عن عامر الشعبي قال أمير المؤمنين عليه السلام في المناجات :

 إلهي : كفى لي عزا  أن أكون لك عبدا .
وكفى بي فخرا  إن تكون لي ربا .
أنت كما أحب  فاجعلني كما تحب .

وقال ضرار النهشلي يصف سيد الوصيين عليه السلام :

 رحم الله عليا : كان والله فينا كأحدنا ، يدنينا إذا أتيناه ، ويجيبنا إذا سألناه ، ويقربنا إذا زرناه ، لا يغلق له دوننا باب ، ولا يحجبنا عنه حاجب ، ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه منا ، لا نكلمه لهيبته ، ولا نبتديه لعظمته ، فإذا تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم .

رحم الله عليا : كان والله طويل السهاد ، قليل الرقاد .

 يتلو كتاب الله : آناء الليل وأطراف النهار .

ويجود لله : بمهجته ، ويبوء إليه بعبرته .

 لا تغلق له الستور ، ولا يدخر عنا البدور .

 ولا يستلين الاتكاء ، ولا يستخشن الجفاء .

ولو رأيته إذ مثل في محرابه : وقد أرخى الليل سدوله ، وغارت نجومه ، وهو قابض على لحيته ، يتململ تململ السليم ، ويبكي بكاء الحزين .

 وهو يقول : يا دنيا : إلي تعرضت ، أم إلي تشوقت ، هيهات هيهات لا حاجة لي فيك ، أبنتك ثلاثا لا رجعة لي عليك .

 ثم يقول : واه واه لبعد السفر ، وقلة الزاد ، وخشونة الطريق [62].

ويا طيب : لو تلاحظ الأدعية التي تروى عنه في الصحيفة العلوية وغيرها ، لرأيته الزاهد العابد فضلا عما عرفته عنه من الحكيم صاحب كتاب الله المجاهد ، فهو له أعلى مظاهر العبادة في كل أحواله ، وكيفي أن تنظر في كتاب مفاتيح الجنان الدعاء الذي علمه لكميل وعُرف باسمه وهو يقول :

 اللّهُمَّ : إِنِّي أَسأَلُكَ بِرحَمتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيٍْ، ، وَبِقُوَّتِكَ الَّتِي قَهرْتَ بِها كُلَّ شَيٍ ، وَخضَعَ لَها كُلُّ شَيٍْ ، وَذَلَّ لَها كُلُّ شَيٍْ ، وَبِجَبَرُوتِكَ الَّتِي غَلَبْتَ بِها كُلَّ شَيٍْ ، وَبعَزَّتِكَ الَّتِي لا يَقُومُ لَها شَيٌْ ، وَبِعَظَمَتِكَ الَّتِي مَلاَتْ كُلَّ شَيٍْ ، وَبِسُلْطانِكَ الَّذِي عَلا كُلَّ شَيٍْ ، وَبِوَجْهِكَ الباقِي بَعْدَ فَناءِ كُلِّ شَيٍْ ، وَبِأَسْمائِكَ الَّتِي ملأتْ أَرْكانَ كُلِّ شَيٍْ ، وَبِعِلْمِكَ الَّذِي أَحاطَ بِكُلِّ شَيٍْ ، وَبِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَضاءَ لَهُ كُلُّ شَيٍْ ، يا نوُرُ ياقُدُّوسُ ، ياأَوَّلَ الأَوَّلينَ ، وَيا آخِرَ الآخرينَ .

 اللّهُمَّ : اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَهْتِكُ العِصَمَ ، اللّهُمَّ ....

اللّهُمَّ : إِنِّي أَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ بِذِكْرِكَ وَاسْتَشفِعُ بِكَ إِلى نَفْسِكَ ، وَأَسْأَلُكَ بِجوُدِكَ أَنْ تُدْنِيَنِي مِنْ قُرْبِكَ، وَأَنْ تُوزِعَنِي شُكْرَكَ، وأَنْ تُلْهِمَنِي ذِكْرَكَ.....

أو دُعاءُ الصَّباح لأمير المؤمنين عليه السلام :

بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ : اللّهُمَّ : يا مَنْ دَلَعَ لِسانَ الصَّباحِ بِنُطْقِ تَبَلُّجهِ ، وَسَرَّحَ قِطَعَ اللَّيْلِ المُظْلِمِ بِغَياهِبِ تَلَجْلُجِهِ ، وَأَتْقَنَ صُنْعَ الفَلَكِ الدَّوّارِ فِي مَقادِيرِ تَبَرُّجِهِ، وَشَعْشَعَ ضِياءَ الشَّمْسِ بِنُورِ تَأَجُّجِهِ، يا مَنْ دَلَّ عَلى ذاتِهِ بِذاتِهِ، وَتَنَزَّهَ عَنْ مُجانَسَةِ مَخْلُوقاتِهِ، وَجَلَّ عَنْ مُلائَمَةِ كَيْفِيّاتِهِ. يا مَنْ قَرُبَ مِنْ خَطَراتِ الظُّنُونِ، وَبَعُدَ عَنْ لَحَظاتِ العُيُونِ، وَعَلِمَ بِما كانَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ، يا مَنْ أَرْقَدَنِي فِي مِهادِ أَمْنِهِ وَأَمانِهِ، وَأَيْقَضَنِي إِلى ما مَنَحَنِي بِهِ مِنْ مِنَنِهِ وَإِحْسانِهِ، وَكَفَّ أَكُفَّ السُّوءِ عَنِّي بِيَدِهِ وَسُلْطانِهِ.  صَلِّ اللّهُمَّ : عَلى الدَّلِيلِ إِلَيْكَ فِي اللَّيْلِ الاَلْيَلِ ، وَالماسِكِ مِنْ أَسْبابِكَ بِحَبْلِ الشَّرَفِ الاَطْوَلِ ، والنَّاصِعِ الحَسَبِ فِي ذِرْوَةِ الكاهِلِ الاَعْبَلِ، وَالثَّابِتِ القَدَمِ عَلى زَحالِيفِها فِي الزَّمَنِ الأَوَّلِ وَعَلى آلِهِ الاَخْيارِ المُصْطَفِينَ الاَبْرارِ .

 وَافْتَحِ اللّهُمَّ لَنا مَصارِيعَ الصَّباحِ بِمَفاتِيحِ الرَّحْمَةِ وَالفَلاحِ، وَأَلْبِسْنِي اللّهُمَّ مِنْ أَفْضَلِ خِلَعِ الهِدايَةِ وَالصَّلاحِ، وَأَغْرِسِ اللّهُمَّ بِعَظَمَتِكَ فِي شِرْبِ جَنانِي يَنابِيعَ الخُشُوعِ، وَأَجْرِ اللّهُمَّ لِهَيْبَتِكَ مِنْ آماقِي زَفَراتِ الدُّمُوعِ....

فإنها في عين إنها أدعية ومناجات لله وحده سبحانه : فيها معارف التوحيد والإخلاص لله بأحلى بيان وأجمل أسلوب وأعلى معنى ، فترى فيها معاني عظمة الله وحده وتجليه سبحانه في آن وحد ، وطلب وإقرار بالضعف والعبودية ورؤية النعيم كله من الله وحده سبحانه وتعالى ، فحقا ترى في أدعية علمها فضل الله عليه ، وتحقق فيما تجلى عليه بالعبودية والإخلاص له حتى جعله سيد الأوصياء بعد سيد المرسلين ، وهكذا تراه سيد الموحدين بعد سيد الأنبياء في كل كلماته وخطبه ، فتراه ينبض ويفيض بالتوحيد والقصد لله والتوجه له مقرا له بأعلى معارف العظمة والجبروت والكبرياء والمجد ، ويقر لنفسه بالعبودية ويرها فخرا له ، فتجلى إخلاصه في طلب الله في كلامه ودعاءه وخطبه ، ويكف أن تراجع نهج البلاغة أو معارفه في بيان عظمة الله وتوحيده في كتب الحديث ، وهكذا كنا نراه في جهاده وصبره وثباته في جنب الله ونشره لدينه .

 ولكي نرى تجلي الله عليه بما يحب من أسمه السيد الصمد نتدبر ما :

عن وهب بن وهب القرشي ، عن أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي الباقر عليهم السلام في قول الله تبارك وتعالى : ( قل هو الله احد ) .

 قال : ( قل ) : أي أظهر ما أوحينا إليك ونبأناك به بتأليف الحروف ، التي قرأناها لك ليهتدي بها من ألقى السمع وهو شهيد .

 و هو : اسم مكنى مشار إلى غائب ، فالهاء : تنبيه على معنى ثابت ، والواو : إشارة إلى الغائب عن الحواس، كما أن قولك: هذا : إشارة إلى الشاهد عند الحواس.

 وذلك : أن الكفار نبهوا عن آلهتهم بحرف إشارة الشاهد المدرك ، فقالوا : هذه آلهتنا المحسوسة المدركة بالأبصار ، فأشر أنت يا محمد إلى إلهك الذي تدعو إليه حتى نراه وندركه ولا نأله فيه .

 فأنزل الله تبارك وتعالى : قل هو الله احد ، فالهاء : تثبيت للثابت ، والواو : إشارة إلى الغائب عن درك الأبصار ولمس الحواس ، وأنه تعالى عن ذلك ، بل هو مُدرك الأبصار ، ومُبدع الحواس .

وعن أمير المؤمنين عليهم السلام ، قال : رأيت الخضر عليه السلام في المنام قبل بدر بليلة .

 فقلت له : علمني شيئا أنصر به على الأعداء .

فقال : قل : يا هو يا من لا هو إلا هو .

 فلما أصبحت : قصصتها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

فقال لي : يا علي ، عُلمت الاسم الأعظم ، فكان على لساني يوم بدر .

وإن أمير المؤمنين عليه السلام : قرأ قل هو الله أحد .

فلما فرغ قال : يا هو ، يا من لا هو إلا هو .

اغفر لي و انصرني على القوم الكافرين .

وكان علي عليه السلام : يقول ذلك يوم صفين وهو يطارد .

فقال له عمار بن ياسر : يا أمير المؤمنين ما هذه الكنايات ؟

قال : اسم الله الأعظم وعماد التوحيد : لله لا إله إلا هو .

 ثم قرأ : شهد الله أنه لا إله إلا هو وآخر الحشر .

ثم نزل فصلى أربع ركعات قبل الزوال .

قال : وقال أمير المؤمنين عليه السلام :

 الله : معناه المعبود الذي يأله فيه الخلق و يؤله إليه ، والله هو المستور عن درك الأبصار ، المحجوب عن الأوهام والخطرات .

قال الباقر عليه السلام : الله : معناه المعبود الذي أله الخلق عن درك ماهيته والإحاطة بكيفيته ، ويقول العرب : أله الرجل إذا تحير في الشيء فلم يحط به علما ، ووله إذا فزع إلى شيء مما يحذره ويخافه ، فالإله : هو المستور عن حواس الخلق[63] .

ويا طيب : عرفنا نشر الإمام علي لحقيقة لا إله إلا الله ، وهذا ما عرفت من الحديث أعلاه ، هو من تجلي نور الله السيد الصمد الأحدي عليه ، وهو من نفس تلك الحقيقة التي يحبها سيد الوصيين فأخلص بها ، وظهر نورها فيه .

 وإذا عرفنا هذا ، فلننظر لتجليه وظهوره بنفس سورة الإخلاص والتوحيد كلها ، بالإضافة لكلمة هو :

عن عمران بن حصين : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث سرية ، واستعمل عليها عليا عليه السلام ، فلما رجعوا سألهم عنه ؟

فقالوا : كل خير ، غير أنه قرأ بنا في كل صلاة بـ : قل هو الله أحد .

فقال صلى الله عليه وآله وسلم : يا علي لم فعلت هذا ؟

فقال : لحبي لقل هو الله أحد .

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ما أحببتها حتى أحبك الله عز وجل [64].

 وقد مر ذكر هذا الحديث بقصة هذا ركنها :

فقال النبي صلى الله عليه وآله لبعض من كان معه في الجيش : ( لما رجع من غزوة وادي الرمل أو ما تسمى ذات السلاسل ) :

  كيف رأيتم أميركم ؟

 قالوا : لم ننكر منه شيئا .

إلا إنه لم يؤم بنا في صلاة إلا قرأ بنا فيها بـ : قل هو الله أحد .

فقال النبي صلى الله عليه وآله : سأسأله عن ذلك ، فلما جاءه قال له :

 لم تقرأ بهم في فرائضــك إلا بسـورة الإخـلاص ؟

فقال : يا رســول الله أحببتها .

قال له النبي عليه السلام : فإن الله قد أحبــك كما أحببته[65].

وإن من أحبه الله جعل الله كل شيء بحبه ويأمره بحبه .

 وهذا ما علمنا به سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم في شأنه حيث قال :

عن عمرو بن أبي المقدام ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام :

مثلك مثل : قل هو الله أحد .

 فانه من قرأها : مرة فكأنما قرأ ثلث القرآن .

ومن قرأها مرتين : فكأنما قرأ ثلثي القرآن .

ومن قرأها ثلاث مرات : فكأنما قرأ القرآن .

وكذلك من أحبك بقلبه : كان له مثل ثلث ثواب أعمال العباد .

و من أحبك بقلبه ونصرك بلسانه : كان له مثل ثلثي أعمال العباد .

ومن أحبك بقلبه ونصرك بلسانه ويده : كان له مثل ثواب أعمال العباد [66].

وهذا ما تربى عليه أصحاب : سيد المرسلين في حب سيد الوصيين وآلهم وامتثلوا ما أمرهم الله في آية المودة في القربى ، وفي هذا الحديث وغيره ، فتدبر يا طيب :

عن نوح بن شعيب العقرقوفي عن شعيب عن أبي بصير قال : سمعت الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام ، يحدث ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام قال :

 قال رسول الله صلى الله عليه وآله يوما لأصحابه : أيكم يصوم الدهر ؟

فقال سلمان رحمه الله عليه : أنا يا رسول الله .

فقال رسول الله : فأيكم يحيي الليل ؟ قال سلمان : أنا يا رسول الله .

 قال : فأيكم يختم القرآن في كل يوم ؟ فقال سلمان : أنا يا رسول الله .

فغضب بعض أصحابه فقال : يا رسول الله إن سلمان رجل من الفرس يريد أن يفتخر علينا !

قلت : أيكم يصوم الدهر ؟ قال : أنا ، وهو أكثر أيامه يأكل .

 وقلت : أيكم يحيي الليل ؟ فقال : أنا ، وهو أكثر ليله نائم .

وقلت : أيكم يختم القرآن في كل يوم ؟ فقال : أنا ، وهو أكثر أيامه صامت .

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : مه يا فلان أنى لك بمثل لقمان الحكيم ! سله فإنه ينبئك .

 فقال الرجل لسلمان : يا عبد الله أليس زعمت أنك تصوم الدهر ؟ فقال: نعم . فقال : رأيتك في أكثر نهارك تأكل ؟

فقال : ليس حيث تذهب ، إني أصوم الثلاثة في الشهر ، وقال الله عز وجل :

 { مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَ (160) } الأنعام  . وأصل شعبان بشهر رمضان فذلك صوم الدهر .

فقال : أليس زعمت أنك تحيي الليل ؟ فقال: نعم . فقال: إنك أكثر ليلك نائم .

فقال : ليس حيث تذهب ، ولكني سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : من بات على طهر فكأنما أحيا الليل ، فأنا أبيت على طهر .

 فقال : أليس زعمت أنك تختم القرآن في كل يوم ؟ قال : نعم ، قال : فأنت أكثر أيامك صامت . فقال : ليس حيث تذهب.

 ولكني سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه واله يقول لعلي عليه السلام :

يا أبا الحسن : مثلك في أمتي مثل قل هو الله أحد .

 فمن قرأه مرة فقد قرأ ثلث القرآن .

ومن قرأه مرتين فقد قرأ ثلثي القرآن .

ومن قرأه ثلاثا فقد ختم القرآن .

فمن أحبك : بلسانه فقد كمل له ثلث الإيمان .

ومن أحبك : بلسانه وقلبه فقد كمل له ثلثا الإيمان .

ومن أحبك : بلسانه وقلبه ونصرك بيده فقد استكمل الإيمان .

والذي بعثني بالحق : يا علي ، لو أحبك أهل الأرض كمحبة أهل السماء لك ، لما عذب أحد بالنار .

 وأنا أقر قل هو الله أحد ، في كل يوم ثلاث مرات . فقام فكأنه قد ألقم حجرا [67].

ولذا جاء عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : قال الله جل جلاله :

 لو اجتمع الناس كلهم على ولاية علي ما خلقت النار [68] .

وعن الزهري قال : قال سمعت انس بن مالك يقول : والله الذي لا إله إلا هو 

سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول :

عنوان صحيفة المؤمن حب على بن أبى طالب [69].

وصحيفتنا : هي من ظهور نور الله السيد الصمد لأحب عباده ولسيد رسله ، فجعلها مظهرا تاما يفرح به أولياءه وتضيق بها قلوب أعداءه ، وهذه كرامة الله وأعلى تجلي نوره لمن يحب ، جعلنا الله معهم في الدارين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .

 

 

 

 

الإشعاع الثاني :

نور الإخلاص الظاهر في التكوين في حب سيد الأوصياء وآله  :

يا طيب كتبنا في صحيفة : الإمام علي والإمام الحسين عليهم السلام فضل حبهم وحقيقة ما عرفنا من الأحاديث في إشعاع النور السابق ، وفي الحقيقة لو أجتمع الناس على الإيمان الحق بمعارف عظمة الله كما علمها المنعم عليهم بهدى الله ، وسار الناس بصراط مستقيم بهداهم لطاعة الله لكان لهم الجنة ، ولا يحتاج لخلق النار ، فإن من يحب أولياء الله وسادة التكوين يسير على هداهم مخلصا لمولاه وسيده واهب السيادة لهم ، ولا يعصي الله بنعمه ولا يخالف أوامره بما وهبه من القدرة والاختيار ، بل يعشق دينه ويتوله في حب إلهه الحق القيوم بحق ، فيطيعه ويتفانى في امتثال أوامره حبا له ، ولا يظلم مؤمنا ولا يفكر بخداع إنسان ولا بما يسلب به حق لشيء من كائنات الوجود ، فيكون مظهرا للعدل والإحسان والطاعة والشكر للرب الرحمان ، فيعيش أهل الوجود بسعادة وأمن وآمان وإيمان ، فيهبهم الله نوره التام .

ولذا كان يا طيب : حب أولياء الله وسادة الوجود من تجلي حب الإنسان لخالقه الواحد الأحد الصمد ، فيطيع سيده فيما أمره سبحانه : أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم ، ويصلي عليهم ويتصل بهم ويودهم بحق ، ويحب علمهم وعملهم ويطيع الله به ، وبهذا يكون التوحيد لله والإخلاص له أس الدين وركن الإيمان ، لأنه يطيع خالقه ويصمد له بعبودية يحبها قد تجلى بهداها على المنعم عليهم حق ، ويعرف أنه بهم كمل الدين وتمت النعمة وبهداهم يتم رضا رب العالمين ، فلو أحبوه لا ضال وطاغي.

وإن التوحيد : وقصد الله بكل طاعة أمر بها بعد الإيمان ، لابد أن يكون بهدى المنعم عليهم حتى جعلهم سادتنا وأئمتنا ، وبهذا المعنى نعرف أن ثلث القرآن يكون معرف صراط الله وسادته ، وثلث فيما يبعد عنه ، وثلث معرفة تعاليمه ، وكلها ترجع للحب في الله وما أحبه والبغض في الله وما حرمه ، وكلها ترجع لتوحيد الله .

فعن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان أبي صلوات الله عليه يقول :

 قل هو الله أحد ثلث القرآن ، وقل يا أيها الكافرون ربع القرآن[70] .

يا طيب : لأنهما في معنى واحد ، هو طلب الإخلاص لله وقصده وحده ، وإن في سورة التوحيد المعنى أتم مع جزالة ألفاظها ، فكانت تعادل معاني ثلث كتاب الله .

وعن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : أيعجز أحدكم أن

يقرأ ثلث القرآن في ليلة ؟ قلت : يا رسول الله ! ومن يطيق ذلك ؟

قال : اقرءوا : قل هو الله أحد[71].

وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

من قرأ قل هو الله أحد مرة واحدة .

 فكأنما قرأ ثلث القرآن ، و ثلث التوراة ، وثلث الإنجيل ، وثلث الزبور[72] .

وذلك يا طيب : لأنه معارف القرآن وباقي الكتب وإن كانت ترجع للتوحيد وروحها الإخلاص لله وحده ، ولكن كتقسيم أولي لتوحيد الله تعالى ، هو أنه يجب أن نعرف ما يقرب له سبحانه ، وما يبعد عنه ، فيكون قسم فيما يعرفنا صراطه المستقيم وهداه عند المنعم عليهم فنقدي بهم ونتخذهم سادة فنتبعهم ، وقسم في أعدائهم وضلالهم ومعرفة أنهم أولياء الشيطان المغضوب عليهم ، فيكون القسمان بيان لظهور نور الله ، وظلمت أعدائه الممتنعين عن نوره ، فيكون التوحيد قسما لقسيمه وفرعيه ، قسم خلق الله وتجليه سبحانه ممن طلبه كخالق له و سيد الوجود الحق الذي يجب أن يقصد ويصمد له بهده من صراط المنعم عليهم وسادة العباد ، وقسما أخر لمعرفة ضلال من بعد عنه وسادة الباطل أئمتهم ، وكلها ترجع للتوحيد ، كما يمكن أن يقسم التوحيد كما عرفت : سنن الله ، وسادة الحق وهداهم، وسادة الباطل وضلالهم .

ولذا جاء: التقسيم في الأحاديث حسب النظر لتقسم معارف التوحيد، من ناحية الحب لأولياء الله وهداه ، والابتعاد عن أعداء الله وضلالهم ، فيكونا قسمين مع أصل التوحيد ثلاثة ، أو جعل ما يعرفنا الهدى والضلال قسما ، وأئمة الحق وسادته قسما ، وأئمة الضلال وسادة الباطل قسما ، فتكون ثلاثة ، والتوحيد فوقها ليس قسما لها .

وبأي المنظورين تدبرت كتاب الله : تعرف ما يقال من أن سورة التوحيد فيها ثلث معارف الله بما هي من التوحيد وحده ، وبالخصوص بالنظر لما تنطوي عليه من قصده بصراط المنعم عليهم المستقيم ، و بالنظر لضلال المشركين المتخذين له أبنا أو شركاء صنما أو غيره :

وهكذا يكون النظر لكتاب الله سيد الكتب : فيكون قسم في معرفة أحكام الله ، وقسم في مصير المطيعين والعاصين وأحوالهم في الدارين ، وقسم في أولياء الله وأحباءه ، فهو نفس الكلام : سادة الوجود وأعدائهم سادة الباطل ، وقسم ثاني في أحوالهم في الدارين ، وقسم في هدى أهل الحق وحرام أهل الباطل :

فإن التقسيم : لأمر حسب منظورك له وجهة القسمة ، فلإنسان : مرة ينظر له في قسمته في نوعه بالنسبة لجنسه بذاته ، ومرة عرضا يقسم حسب صنفه ، أو دينه ، أو مذهبه ، ومرة حسب هيئته أو شكله أو لونه ، ومرة إلى ما حوله ، فهكذا يكون تقسم كتاب الله وحسب نظرنا له ، مرة حسب الموحدين وهداهم ، والمبطلين وظلالهم ، ومعرفة أحوالهم في الدارين ، كما في الحديث الآتي : لتقسم سيد الكلام كلام الله : وسادة الوجود الحق وأحوالهم وهداهم، وأعدائهم وأحوالهم وضلالهم :

فعن الأصبغ بن نباتة قال : سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول :

 نزل القرآن أثلاث :

ثلث فينا وفي عدونا .

وثلث سنن و أمثال .

 وثلث فرائض وأحكام .

وشرح الحديث محقق كتاب الكافي فقال : روى العياشي مضمون هذه الأخبار في تفسيره بنحو أتم من هذا : رواه بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال :

 القرآن نزل أثلاث : ثلث فينا وفى أحبائنا .

وثلث في أعدائنا وعدو من كان قبلنا .

 وثلث سنة ومثل .

 ولو أن الآية : إذا نزلت في قوم ، ثم مات أولئك القوم ماتت الآية ، لما بقى من القرآن شيء ، ولكن القرآن : يجرى أوله على أخره مادامت السماوات والأرض ، ولكل قوم آية يتلونها هم منها من خير أو شر .

 وبإسناده عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السلام قال :

 يا محمد : إذا سمعت الله ذكر أحد من هذه الأمة بخير فنحن هم .

وإذا سمعت الله ذكر قوما بسوء ممن مضى فهم عدونا .

وقال أقول : يستفاد من الحديثين ، أن المراد بضمائر المتكلم في قولهم عليهم السلام فينا وأحبائنا، وأعدائنا. مَن يشملهم : وكل من كان من سنخهم وطينتهم من الأنبياء والأولياء ، و كل من كان من المقربين من الأولين والآخرين .

وكذا الأحباء، والأعداء. يشملان : كل من كان : من سنخ شيعتهم ومحبيهم.

وكل من كان : من سنخ أعدائهم ومبغضيهم من الأولين والآخرين .

وذلك : لأن كل : من أحبه الله ورسوله ، أحبه كل مؤمن من ابتداء الخلق إلى انتهائه . وكل : من ابغضه الله ورسوله ، أبغضه كل مؤمن كذلك وهو يبغض كل من أحبه الله ورسوله .

فكل مؤمن في العالم : قديما وحديثا إلى يوم القيامة ، فهو من شيعتهم ومحبيهم .

وكل جاحد في العالم: قديما وحديثا إلى يوم القيامة فهو من مخالفيهم ومبغضيهم. فصح أن كلما ورد في احد الفريقين ورد في أحبائهم أو أعدائهم[73] .

وإذا عرفنا : تجلي السيد الصمد سبحانه في كلامه سيد الكتب في التدويني، وفي تكوين سادة الوجود ، وبأعلى نور الله السيد الصمد فجعلهم سادة، فلنتدبر نورهم المتحد في سيد علوم كتاب الله سورة إنا أنزلناه ، وسيد آياته الكرسي.

 

 

 

الإشراق الرابع :

تجلي السيد الصمد سبحانه في التوحيد والتنزيل والكرسي :

يا طيب : عرفنا أن كتاب الله وكلامه هو سيد الكتب ، وإن روح معنى الصمد هو السيد المقصود في الكثير والقيل وهو السيد المطاع ، وهو بيان لظهور نوره سبحانه في التدوين والتكوين ، وفي الذكرين السابقين من هذا المجلس عرفنا ظهور أعلى نوره في كلامه التدويني سيد الكتب وفي التكوين في سادة التكوين، وإنهما مقترنين مترابطين ثقلين نفسين وأغلى ما ترك الله ورسله في المسلمين ، وأنهما لن يفترقا حتى يوم القيامة ، فمن لم يفرق بينهم شرب من الحوض وأرتفع يحف بسادة الوجود يوم القيامة .

وهذا تجلي الله السيد الصمد: في سورة التوحيد وظهوره بالبركة على من طلبه حقا حتى حبهم وجعل ثلث معارف كتابه في ضرورة توليهم بصراط مستقيم ، وإنه كان لظهورهم بأعلى معارف توحيده ونشره لكل طالب ، فظهر تقارنهم حقا بسيد الكتب، وفي الإشراق السابق تحققنا اختصاصهم بسيد كلمات آيات الله الصمد، وظهور نوره في حقيقتهم بأعلى مظهر حتى حبهم الله ورسوله وحب كل من يحبهم .

وهنا في هذا الإشراق : نتعرف على ترابط بين سورة التوحيد وظهور نور الله الأحد السيد الصمد في كتابه التدويني بالسيادة في بعض السور والآيات ، وهي سورة التوحيد وإنا أنزلناه وآية الكرسي ، وبعض السور التي تعد من غرر السور في كتاب الله والآيات التي تشير لعلمهم ومعارف هداهم وتقرنهم بكتاب الله حقا ، وتعرفنا أنهم مختصون بعلمه وراسخون فيه وعارفين بتأويله حقا .

فنذكر أحاديث شريفة : تعرفنا ترابط سورة التوحيد والتنزيل والكرسي ، وما يقاربها في المعارف ونختم هذا الذكر لندخل في ذكر خاص بسورة إنا أنزلناه ، وذكر خاص بآية الكرسي ، وهو ظهور خاص بالسيادة فضلا عن الظهور العام بالسيادة في كل كتاب الله التدويني وفي ذكرهما الخاص الذي يرينا تقارنهم بسادة التكوين :

عن محمد بن علي عن علي بن أسباط عن عمه يعقوب بن سالم عن أبي الحسن العبدي قال قال أبو عبد الله عليه السلام :

من قرأ قل هو الله أحد ، و إنا أنزلناه في ليلة القدر ، و آية الكرسي .

 في كل ركعة من تطوعه .

فقد فتح الله له بأعظم أعمال الآدميين إلا من أشبهه فزاد عليه [74].

و عن أبي جعفر قال : حدثني أبي عن آبائه عليهم السلام : أن أمير المؤمنين عليه السلام علم أصحابه في مجلس واحد أربعمائة باب مما يصلح للمسلم في دينه و دنياه ، و ذكر ذلك ، و قال عليه السلام في ذلك :

 مَن قرأ (قل هو الله أحد) ، من قبل أن تطلع الشمس.

 و مثلها (إنا أنزلناه) .

 و مثلها آية الكرسي ، منع ماله مما يخاف .

 و مَن قرأ :

(قل هو الله أحد) و (إنا أنزلناه) .

 قبل أن تطلع الشمس، لم يصبه في ذلك اليوم ذنب، و إن جهد إبليس .

و إذا أراد أحدكم حاجة : فليبكر في طلبها يوم الخميس ، فإن رسول الله صلى الله عليه و آله قال : اللهم بارك لأمتي في بكورها يوم الخميس ، و ليقرأ إذا خرج من بيته : الآيات من آخر آل عمران[75] .

و آية الكرسي ، و (إنا أنزلناه) ، و أم ‏الكتاب .

 فإن فيها قضاء الحوائج للدنيا و الآخرة.

إذا وسوس الشيطان إلى أحدكم : فليتـعوذ بالله .

 و ليقل : آمنت بالله و برسوله مخلصا له الدين .

إذا كسا الله عز وجل مؤمنا ثوبا جديدا فليتوضأ وليصل ركعتين يقرأ فيهما:

 أم الكتاب، و آية الكرسي، و (قل هو الله أحد) ، و (إنا أنزلناه فى ليلة القدر).

و ليحمد الله : الذي ستر عورته و زينه في الناس، و ليكثر من قول: لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم، فإنه لا يعصي الله فيه، و له بكل سلك فيه ملك يقدس له، و يستغفر له، و يترحم عليه.و إذا دخل أحدكم منزله فليسلم على أهله يقول :

 السلام عليكم . فإن لم يكن له أهل فليقل : السلام علينا من ربنا ، و ليقرأ :

 قل هو الله أحد ، حين يدخل منزله فإنه ينفي الفقر[76].

وعن إبراهيم بن أبي البلاد قال : قلت لأبي الحسن عليه السلام : أي شي‏ء : لمن صلى صلاة جعفر ؟ قال عليه السلام : لو كان عليه مثل رمل عالج و زبد البحر ذنوبا لغفرها الله له ؟ قلت : هذه لنا ؟ قال : فلمن هي إلا لكم خاصة . قال :

قلت فأي شي‏ء يقرأ فيها من عرض القرآن ؟  لا : أقرأ فيها :

ذا زلزلت ، و إذا جاء نصر الله .

و إنا أنزلناه في ليلة القدر ، و قل هو الله أحد [77].

يمكن أن يقال : إذا نزلت نازله : توقع نصر الله لمعرفتك بصراطه المستقيم النازل علم نوره في ليلة القدر من الله الأحد الصمد ، أو إذا زلزلت الأرض وحضرت القيامة أو جاء زمان ظهور ولي الأمر صاحب الزمان على بعض التفاسير ، يأتي نصر الله ، وهذا أمر مقدر لولي الله وأنصاره المختصون بكرامات ليلة القدر و كل أمر الله ، كما أنه لم يرخص له أن يقرأ أي سورة بل أمره بهذه السور الأربعة خاصة  .

وعَنْ سيدنا صَاحِبِ الزَّمَانِ عليه السلام : أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيِّ فِي جَوَابِ مَسَائِلِهِ و روي في ثواب القرآن في الفرائض و غيرها :

أن العالم الإمام الحجة عجل الله ظهوره قال :

عجبا لمن لـم يقرأ في صلاته إنا أنزلناه في ليلة القدر كيف تقبل صلاته .

و روي : ما زكت صلاة من لم يقرأ قل هو الله أحد .

و روي : أن من قرأ في فرائضه الهمزة أعطي من الثواب قدر الدنيا .

فهل يجوز : أن يقرأ الهمزة ، و يدع هذه السور التي ذكرناها ، مع ما قد روي أنه لا تقبل صلاة و لا تزكوها إلا بهما ؟

 التوقيع منه عليه السلام : الثواب في السور على ما قد روي .

و إذا ترك سورة مما فيها الثواب ، و قرأ قل هو الله أحد ، و إنا أنزلناه ، لفضلها .

 أعطي : ثواب ما قرأ ، و ثواب السور التي ترك.

و يجوز أن يقرأ غير هاتين السورتين و تكون صلاته تامة ، و لكن يكون قد ترك الفضل [78].

وعن محمد بن سنان ، عن المفضل قال :  

من قرأ : ( إنا أنزلناه ) عند قبر مؤمن سبع مرات ، بعث الله إليه ملكا يعبد الله عند قبره ، ويكتب له وللميت ثواب ما يعمل ذلك الملك ، فإذا بعثه الله من قبره لم يمر على هول إلا صرفه الله عنه بذلك الملك الموكل حتى يدخله الله به الجنة .

 وتقرأ ، بعد الحمد ، ( إنا أنزلناه ) سبعا .

 والمعوذتين ، و ( قل هو الله احد ) ، وآية الكرسي ، ثلاثا ثلاث [79].

يا طيب : هذه أحاديث شريفة تعرفنا الترابط بين سورة التوحيد ، وإنا أنزلناه ، والكرسي ، وما يقاربها حسب حالات معينه تقرن بها بعض السور والآيات ، وإن تقارن هذه السور التي هي سيد سور كتاب الله وسيد آياته ، ما هي إلا بيان لتجلي الله السيد الصمد بأعلى نور ، ولذا كانت تقرن دائما وتسمى سيد آي القرآن ، ولنتأكد هذا المعنى لتجلي : سيد كلمات القرآن الله الصمد في نورها أنظر ما :

عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام قال :

سمع بعض آبائه عليهم السلام رجلا يقرأ أم القرآن ، فقال : شكر و أجر .

 ثم سمعه يقرأ : قل هو الله أحد ، فقال : آمن و أمن .

 ثم سمعه يقرأ : إنا أنزلناه ، فقال : صدق و غفر له .

ثم سمعه يقرأ : آية الكرسي ، فقال : بخ بخ نزلت براءة هذا من النار[80].

فيا طيب : إن الفاتحة هي أم القرآن ومن يدعو الله صادقا ويطلب منه هدايته لصراطه المستقيم عند المنعم عليهم حقا ، فإن الله يشكر سعيه ولا يضيع تعبه ويأجره .

وأما من يقرأ التوحيد : فهو قصد للسيد الصمد في طلب الحوائج فيظهر أعلى إيمانه بتوحيد الله والله يؤمنه ، وإن الصمد سيد كلمات الكتاب لمعناه الذي عرفته .

وأما من يقرأ إنا أنزلناه : فهو يقر لله بأنه يُنزل فيها كل أمر يخص عباده ، وهي خير من ألف شهر لمن يطيع أولياءه الذين يختصون بكل أمر الله ، وهو معرفة أن فيض الله واسع عام وكريم كثير الخير والبركة لأوليائه وأحبائه ، فمن صدق هذا غفر الله له ورفع كل ظلمة من وجوده ويتحلى بنور الله ، وإنها سورة سيد العلم .

وأما من قرأ آية الكرسي : فهو ينظر لتجلي الله السيد الصمد بظهور أعلى نوره وحده علما وتكوينا خلقا ، فيقر لله بعظمته وكبرياء ملكه وعزته ، وأنه يهب علمه لمن يحب ويرضى فيشفعه ، وإن صراط الله المستقيم عند أولياءه فمن يطيعهم دخل في ولاية الله وتحقق بنوره أبدا ، وهذا عين النجاة من النار وأخذ البراءة منها ، كما أن يقر أنه يطيع الله بنعمه ولا إكراه في الدين ، فهو أختار ولاية الله ودخل فيها بمعرفة سادة التحقق بعلم الله وهداه ونشره حقا ، ولذا تعد الكرسي بسيد آيات كلام الله .

وبعد أن عرفنا : فضل كلام الله سيد الكلام وسيد كلماته الصمد ، نذكر مختصرا حتى يأتي التفصيل عن سيادة إنا أنزلناه في العلم لأنه فيها ينزل كل أمر ، وآية الكرسي سيد آيات الكتاب لأنه فيها معرفة تجلي ولاية الله في التكوين :

فعن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن أبي عبد الله عليه السلام في صلاة النبي صلى الله عليه و آله في السماء، في حديث الإسراء قال عليه السلام :

ثم أوحى الله عز و جل إليه : اقرأ يا محمد نسبة ربك تبارك وتعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ، و هذا في الركعة الأولى.

 ثم أوحى الله عز و جل إليه : اقرأ بالحمد لله، فقرأها مثل ما قرأ أولا ، ثم أوحى الله عز و جل‏ إليه : اقرأ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فإنها نسبتك و نسبة أهل بيتك إلى يوم القيامة [81].

وفي رواية طويلة مر مشابها في أول إشراق من الذكر الأولى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ....... :

وَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ سَيِّدُ الشُّهُورِ ، وَ الْجُمُعَةُ سَيِّدُ الْأَيَّامِ .

وَ الْقُرْآنُ سَيِّدُ الْكَلَامِ ، وَ سُورَةُ الْبَقَرَةِ سَيِّدُ الْقُرْآنِ .

وَ آيَةُ الْكُرْسِيِّ سَيِّدُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فِيهَا خَمْسُونَ كَلِمَةً فِي كُلِّ كَلِمَةٍ بَرَكَةٌ[82].

وعن المصباح  للكفعمي عن الإمام الصادق عليه السلام  :

ولكل شيء سيد ، وسيد العلم { إنا أنزلناه }[83] .

و عن أبي جعفر عليه السلام قال : يا معشر الشيعة خاصموا بسورة { إنا أنزلناه } تفلحوا ، وإنها لسيدة دينكم ، وإنها لغاية علمنا [84]..

يا طيب : بعد هذا المختصر في معارف تجلي نور الله الصمد وحده في سيد الكلام والسور والآيات والعلم ، فلنتدبر تفصيلها ، وأسأل الله نورها لكم ولنا .



[28]مجمع البيان في تفسير القرآن ج‏10، ص: 854،

[29]   تفسير فرات الكوفي ص617 من سورة الإخلاص‏ 773.

[30]تفسير علي بن إبراهيم القمي ج‏2ص448. تفسير فرات الكوفي ص617 من سورة الإخلاص‏ 773.

[31]تفسير علي بن إبراهيم القمي ج‏2ص449.

[32]وسائل الشيعة (آل البيت ) للحر العاملي ج 5   ص 467 .

[33]تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي ج10ص479ح112 .

[34]الكافي للشيخ الكليني ج1ص91ح4.

[35]الكافي للشيخ الكليني ج2ص619 فضل القرآن ح1 .

[36]التوحيد للشيخ الصدوق ص 94ب4ح12. ح13 . الكافي للشيخ الكليني ج2ص622 فضل القرآن ح13.

[37]الكافي للشيخ الكليني ج2ص621 فضل القرآن ح8.

[38]البرهان في تفسير القرآن ج‏5ص794ح11994/ 5 ، الكافي 2: 457/ 20.

[39]تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي ج 10ص479 س112 .

[40] تفسير نور الثقلين ج‏5 ص 705ح39 .

[41]البرهان في تفسير القرآن ج‏5ص795 ح 11999/10، الكافي 2: 394/ 8.كلأك اللّه أي حفظك وحرسك.

[42]الكافي للشيخ الكليني ج2ص622 فضل القرآن ح10.

[43]تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي ج 10ص479 س112.

[44]الكافي للشيخ الكليني ج2ص622 فضل القرآن ح11.

[45]البرهان في تفسير القرآن ج‏5ص794ح11997/ 8 ،الكافي 3: 314/ 13.

[46]البرهان في تفسير القرآن ج‏5ص794ح11998/ 9، الكافي 2: 451/ 12.

[47]البرهان في تفسير القرآن ج‏5ص796 ح12005/16 ، التهذيب 2: 124/ 470.أنفتل انصرف . ح12006/17 ، التهذيب 2: 126/ 481 . ح12007/18 ،التهذيب 2: 127/ 482 . ح12008/19 .

[48]الكافي للشيخ الكليني ج1ص91ح1.

[49] الكافي للشيخ الكليني ج1ص91ح3. { بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2) هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)

 هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (5) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (6) } الحديد .

[50] التوحيد للشيخ الصدوق ص 95ب4ح14.

[51] التوحيد للشيخ الصدوق ص 91ب4ح5 .

[52] الكافي للشيخ الكليني ج1ص91ح2.

[53]شرح أصول الكافي للمولى محمد صالح المازندراني ج3ص139 .

[54] التوحيد للشيخ الصدوق ص 91ب4ح3 .

[55] التوحيد للشيخ الصدوق ص 94ب4ح10. الكافي للشيخ الكليني ج1ص 123 باب تأويل الصمد ح1 . معاني الأخبار للشيخ الصدوق  ص 6ح2 .

[56] الكافي للشيخ الكليني ج1ص 123 باب تأويل الصمد ح2 . بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج 3 ص 219ح8 .  شرح أصول الكافي لمولي محمد صالح المازندراني ج 3 ص 139 .

[57]معاني الأخبار للشيخ الصدوق  ص 7ح2 .

[58]تفسير القرطبي ج20ص247 .

[59]تفسير الميزان للسيد الطباطبائي ج20ص391.

[60]وفي الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل ج‏20 ص: 552.

[61]تفسير نور الثقلين - الشيخ الحويزي ج 4 ص 556 ح77 .

  [62]الخصال للشيخ الصدوق ص 420 ح14 . الأمالي للشيخ الصدوق  ص 724 ،ح 990 / 2 ، بحار الأنوار 41 : 14 / 6 .

[63] التوحيد للشيخ الصدوق ص 88ب4باب تفسير قل هو الله أحد إلى آخرها ح1 ، 2 ، 3 .

[64]التوحيد للشيخ الصدوق ص 94ب4ح11. البرهان في تفسير القرآن ج‏5ص795ح12000/11.

[65]الإرشاد للشيخ المفيد ج1ص117. أنظر : تفسير القمي 2 : 434 ، أمالي الطوسي 2 : 21 ، مجمع البيان 5 : 528 ، مناقب ابن شهرآشوب 3 : 141 . ( 2 ) العاديات 100 : 1 .

[66]  المحاسن لأحمد بن محمد بن خالد البرقي ج 1ص 153ح77 .

[67]معاني الأخبار للشيخ الصدوق ص 234 ح1 . ألقمه حجرا: أسكته في الخصام. الأمالي للشيخ الصدوق  ص 85ح54/ 5 .فضائل الأشهر الثلاثة للصدوق ص 49ح25.روضة الواعظين للفتال النيسابوري ص280.مناقب آل ابي طالب لأبن شهر آشوب ج 3 ص3.

[68]الأمالي للشيخ الصدوق ص 755 .

[69]العمدة لابن البطريق ص370 ح727 . مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج 2ص3 .

[70]الكافي للشيخ الكليني ج2ص621 فضل القرآن ح7.

[71]تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي ج10ص479ح112

[72]التوحيد للشيخ الصدوق ص 95ب4ح15.

[73]الكافي للشيخ الكليني ج2ص627  ح2 باب النوادر.

[74]ثواب ‏الأعمال ص33 .فلاح ‏السائل ص127 .

[75]{ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (192) رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) } آل عمران .

[76]البرهان في تفسير القرآن ج‏5ص795 ح12003/14،  الخصال: 622، 623، 624، 626/ 10.

[77]ثواب ‏الأعمال  ص 40 . البرهان في تفسير القرآن ج‏5ص795ح12003/ [14] ، الخصال: 622، 623.

[78]الاحتجاج ج2ص483.وسائل ‏الشيعة ج6ص79ب23ح7399 .

[79]كامل الزيارات جعفر بن محمد بن قولويه ص 533 ح[ 819 ] 14 .

[80]الأمالي ‏للصدوق ص606م82ح10 . الدعوات  ج110ح24 .

[81]البرهان في تفسير القرآن، ج‏5، ص: 713 ح11786/25 ،  الكافي 3: 485/ 1.

[82]مستدرك ‏الوسائل ج4ص336ب44 ح4825-27 . الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري ج‏1ص 303.

[83]الجنة الواقية المصباح ص 588 .

[84]الكليني في الكافي 1 : 248 .

 

 

   

أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.msn313.com

يا طيب إلى أعلى مقام كرمنا بنوره رب الإسلام بحق نبينا وآله عليهم الصلاة والسلام


يا طيب إلى فهرس صحيفة سادة الوجود رزقنا واهب السيادة نعيم هداه بأحسن جود