هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين  في  أصول الدين وسيرة المعصومين
صحف الظهور والتجلي  /  صحيفة  سادة الوجود / الجزء الأول
 معنى السيادة وملاكها وتأريخها وظهورها بنور واهب السيادة
في مراتب التدوين
في سيد الكتب وآياته وعلومه والتكوين سيد المرسلين وآله الطيبين الطاهرين سادة المتقين
الباب الأول /
سفينة نجاة / المجلس الثالث / الذكر الثالث

 

الإشراق الثالث :

حقائق عالية لنور سادة التكوين في ظهور سيدة العلم وليلتها

أحكم الله السيد الصمد سبحانه : دينه باختياره لسادة التكوين وجعلهم مختصين بعلوم سيد التدوين من كلامه ، بل جعلهم مختصين بأعلى تجلي نور علوم سيد سيد الكلام وكلماته وآياته وسورة ، وإنه في كل كتاب الله يعرفنا قصص الأمم وما خص فيهم من سادة أوجب طاعتهم ، ومن ثم يعرفنا أنه يجب أن نطيع ولاة أمرنا بعد سيد المرسلين ، وأنه لا يحق لنا أن نختلف كما أضاعوا الصلاة مما سبق من أهل الكتاب وحرفوا دينهم وانحرفوا وتبعوا المتشابه وتركوا المحكم من دين الله .

والله تعالى عرفنا في : بسم الله الرحمن الرحيم : حم ، والكتاب المبين ، إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين ، فيها يفرق كل أمر حكيم ، أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين ، رحمة من ربك إنه هو السميع العليم ....

أنه سبحانه أرحم الراحمين : ولا يحب الاختلاف لعباده ، ولذا أحكم أمره وجعل سيد حاكم بأمره علمه كتابه سيد الكتب ، ويزيده في ليلة مباركة خيرا من ألف شهر كل أمر يحتاجه العباد وأمر الدين والتكوين ، فضلا عما ينزل على عباده المؤمنين من البركات ، وأن الروح النازل عرفت بحثا عنه بمعارف كريمه في النور الرابع للمصباح الأول من الباب الأول وأنه سيد في الملائكة كريم سيد لسادة الملائكة الكروبيين.

وإن ما أجتمع من الله السيد الصمد : من التجلي بنور السيادة في سيد الليالي من سيد العلم المحكم المنزل بتوسط سيد من الملائكة كريم على سيد العباد ، لهو حقيقة جلية كريمة تعرفنا أنه لا تخلوا الأرض من حجة وسيد وإمام هو ولي أمر الله الذي ينزل في ليلة القدر ، سواء سلكت له من طريق العلم المحكم الذي لا اختلاف فيه ابد ، أو من ناحية أطيعوا أولي الأمر منكم كما سترى في آية الكرسي ، ومر معنى كريما لها .

فإن الله سبحانه : أمره المحكم ، وسيد علومه مختصة بسادة العباد ، ومنهم لنا إن طلبنا معارف عظمة الله حقا منهم ، وحببنا هداه لنخلص له به الدين .

ويا طيب : بعد الذي عرفنا من نور تجلي سيد العلم من واهب السيادة لسادة الوجود بتوسط سيد كريم من الملائكة في سيدة الليالي ، نؤكد هذا المعنى ونتيقن عظمته وكرامته وجماله ، ولطف الله بعباده إذ عرفهم أولياء أمره بكل سبيل ، وطلب منهم أن يطلبوا منه أن يهديهم لصراط المنعم عليهم المستقيم في كل صلاة مرتين .

والآن إليكم يا طيب : أحاديث تعرفنا استمرار ليلة القدر سيد الليالي وسيد العلم النازل فيها لسادة الوجود عليهم السلام واختصاصهم بها إلى يوم القيامة :

 

 

الإشعاع الأول :

سورة إنا أنزلناه نسبة ملكوتية لسادة الوجود :

جاء في حديث المعراج في علل الشرائع للصدوق : وهو حديث طويل ذكرناه في شرح اسم الله العظيم ، وفيه تعليم الصلاة لسيد المرسلين ، وفيه بعد أن ذكر الأذان والافتتاح والتكبير وسورة الحمد ثم قال له سبحانه :

 اقرأ قل هو الله أحد كما أنزلت فإنها نسبتي و نعتي .....ـ

وبعد الركوع والسجود قال ـ ثم قمت :

فقال عز وجل : يا محمد اقرأ الحمد فقرأتها مثل ما قرأتها أولا .

ثم قال لي :

اقـرأ إنـا أنـزلـنــاه

 فإنها نسبتك و نسبة أهل بيتك إلى يوم القيامة .

 ثم ركعت فقلت في الركوع و السجود مثل ما قلت أولا ، و ذهبت أن أقوم

 فقال : يا محمد اذكر ما أنعمت عليك و سم باسمي،  فألهمني الله إن قلت :

 بسم الله و بالله لا إله إلا الله و الأسماء الحسنى كلها لله .

فقال لي : يا محمد صل عليك و على أهل بيتك .

فقلت : صلى الله علي و على أهل بيتي , و قد فعل .

ثم التفت ، فإذا أنا بصفوف من الملائكة و النبيين و المرسلين .

فقال لي : يا محمد سلم ، فقلت : السلام عليكم و رحمة الله بركاته .

فقال : يا محمدا  إني أنا السلام .

 و التحية و الرحمة و البركات أنت و ذريتك .

ثم أمرني ربي العزيز الجبار أن لا ألتفت يسارا .

و أول سورة سمعتها بعد قل هو الله أحد .

إنـا أنزلنـاه في ليلـة القــدر......[125]

يا طيب : ذكرنا في المجلس السابق حقائق عن الإسراء والمعراج بل عن تنزل نور نبي الرحمة وسيد المرسلين وأول الناطق بمعارف التوحيد ومعلمها ، وعرفت معاني كريمة عن تنزل نوره بالسيادة التامة وآله يحفون به في كل مراتب الخلق ، وإن تنزل نوره  بأمر الله ووتكريمه بزيارة محله الأول بالمعراج ، وتزيينه بنور العلم لكل ما يحتاجه في الأرض ويُعرف به عظمة الله ومعارف هداه وكل ما يصلح الخلق ، لهين على الله تعالى ، وهو خالق كل شيء وهو المحيط علما وقدرة بكل شيء ، وما أراه وأمره به ، هو من باب تزيينه بالعلم المفصل المحكم المقضي الواجب تحققه وتعريفه للعباد ، ولذا ترى هذه المعاني كثيرة في أحاديثه صلى الله عليه وآله ، وإن تعريف سيادته وآله بكل صورة هو من ضروريات الدين التي بها عُرف بأعلى عظمة وكرامة تجلي نور الله سبحانه في التكوين ، وإنه كان ومستمر إلى يوم القيامة بأكرمهم وأفضلهم ، ولذا جعل سادة التكوين متلازمين مقترنين بسيد العلم وسيد الليالي التي ينزل بها كرامته ومجده وفضله وخيره وكل كما يصلح عباده من أمره ، فيخدمهم بسيد الملائكة والروح ويريهم كل ما يحتاجه أمر الدنيا والدين ، وهذا نور الله لهم هو لعباده الصالحين ومن يتيقن هداه .

 

 

الإشعاع الثاني :

قُدر تكوين ولاية سادة الوجود والسماوات والأرض في سيدة الليالي:

يا طيب: ليلة القدر سيد الليالي وسورة إنا أنزلنا سيد العلم : هي خلاصة معارف في التكوين وتعريف تجلي عظمة الله ، وبيان لنزول نعمه وخيرات الوجود بكل مجد وكرامة لمن أختاره واصطفاه ، فهي كما كان فيها خصائص ظهور الخلق ، هي نفسها ظهور سادة التكوين وتعريف ولايتهم لمن ظهر من سكان السماوات العليا والأرض، ولذا جاء في هذا معارف ما عرفت في الإشراق السابق وما نتدبره هنا :

عن المفضل بن عمر قال : ذكر أبو عبد الله عليه السلام :

{ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } .

 قال : ما أبين فضلها على الشهور . قال قلت : و أي شي‏ء فضله ؟

قال : نزلت ولاية أمير المؤمنين عليه السلام فيها .

 قلت : في ليلة القدر التي ترتجيها في شهر رمضان ؟

قال : نعم هي ليلة القدر قدرت فيها السموات و الأرض .

و قدرت ولاية أمير المؤمنين عليه السلام فيها[126].

وعن محمد بن سنان قال : قال أبو عبد الله عليه السلام :

لا والله ما فوض الله إلى احد من خلقه .

 إلا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، وإلى الأئمة عليه وعليهم السلام .

فقال : { إنا أنزلناه } الكتاب لتحكم بين الناس بما اريك الله .

وهى جاريـة في الأوصياء [127].

ومستمر لهم الحكم بما يعلم الله من كتابه المحكم .

وعن الإمام أبي جعفر الثاني محمد الجواد عن أبيه عن آبائه عليهم السلام :

أن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لأصحابه :

آمنوا بليلة القدر

إنها تكون لعلي بن أبي طالب وولده الأحد عشر من بعده[128]  .

وعن أبي جعفر محمد بن علي الثاني ، عن آبائه عليهم السلام عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال لابن عباس :

إن ليلة القدر : في كل سنة ، وإنه ينزل في تلك الليلة أمر السنة .

ولذلك الأمر ولاة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله .

 فقال ابن عباس : من هم ؟  قال عليه السلام :

أنا وأحد عشر من صلبي أئمة محدثون[129]  .

 

 

 

 

الإشعاع الثالث :

سيدة العلم إنا أنزلناه حقيقة علمية تكوينية لسادة العلم :

عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال أبو عبد الله عليه السلام

إنا أنزلناه : نور كهيئة العين

على رأس النبي صلى الله عليه وآله والأوصياء .

 لا يريد احد منا علم أمر.

 من أمر الأرض ، أو أمر من أمر السماء إلى الحجب التي بين الله وبين العرش .

 إلا رفع طرفه إلى ذلك النور ، فرأى تفسير الذي أراد فيه مكتوب  [130].

وعن أبي يحيى الصنعاني عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول :

قال لي أبي محمد بن علي : قرأ علي بن أبي طالب عليه السلام :

{ إنا أنزلناه في ليلة القدر } وعنده الحسن والحسين عليهما السلام .

 فقال له الحسين عليه السلام : يا أبتا كأن بها من فيك حلاوة ؟

فقال له : يا بن رسول الله وابني ، إني أعلم فيها ما لم تعلم .

إنها لما نزلت بعث إلي جدك رسول الله فقرأها عليَّ .

 ثم ضرب على كتفي الأيمن ، وقال :

 يا أخي ووصيي : ووالي أمتي بعدي ، وحرب أعدائي إلى يوم يبعثون .

هذه السورة : لك من بعدي ، ولولدك من بعدك .

 إن جبرائيل أخي من الملائكة : حدث إلي أحداث أمتي في سنتها

وإنه ليحدث ذلك إليك كأحداث النبوة

ولها نور ساطع في قلبك

وقلوب أوصيائك إلى مطلع فجـر القـائـم عليه السلام[131].

الشكر لله : السيد الصمد الواحد الأحد سبحانه : على نعمة الهداية ، وبصراط مستقيم لهدى المنعم عليهم بمعارف دينه الحق القويم ، فعرفنا بهم وجعلهم لنا أئمة وسادة وقادة ، وفي هذا المعنى لعمود النور الذي يرى فيه الإمام الأحكام أحاديث كثيرة راجع باب علم الأئمة في أصول الكافي ، ولمعرفة علمها لنا أتلو أول الذكر هذا، رزقنا لله معارف نورها أبد الآبدين ، وجعلنا مع أئمة سادة الوجود في كل نعيم أبدا مقيمين ، إنه أرحم الراحمين وهو سيدنا الحق واهب السيادة لعباده أجمعين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .

 

 

 

 

 

 

 

الإشراق الرابع :

لسادة الوجود الحكم بسيد العلم حتى لو حكم المسلمين غيرهم :

يا طيب : عرفت أن حكم الله محكم ونافذ ويريده جدا ، ولكن لا إكراه في الدين ، وإن حكومة الدنيا يداولها كما عرفت ، وإن الحكومة صارت بيد غير سادة الوجود بعد سيد المرسلين ، وقد أخبر بهذا في كثير من المواطن ، وعرف أن سادة الوجود من آله بعده وحكام الحق من أهل بيت هم رفقاء القرآن وأغلى شيء وأنفس أمر تركه للمسلمين ، وعرفهم أن القرآن المجيد سيد الكتب والكلام وسادة والوجود وأئمة الحق وولاة أمر الله فيهم هم المطهرون من آله الكرام ، وأنهما لن ولا يفترقا حتى يردى الحوض كما عرفت ، وإن الله عرفنا أن علمه الحق وكتابه كان جمعه وبقائه بتلاوة وقراءة وتفسير سيد الوصيين ومن بعد آله الكرام سادة الوجود وهذا ما تحقق .

وكم مرة : أردت أن أختم البحث ولا أذكر ما يعكر صفوه ويقبض النفس حين قراءة ظلم العباد لسادتهم وأولياء أمورهم ، والطغيان على أوامر ربهم وسيدهم سبحانه ، ولكن عرفت أن الله سبحانه ملكه العظيم والسيادة الكبرى لأعلى نور أسماءه الحسنى متجلية في الكتاب والحكمة وخصها سبحانه بالمطهرين الأخيار الأبرار ، وعرفهم للمؤمن بكل سبيل ، وبالخصوص حين معرفة شأن تجليه فيهم سيرة وعلما وعمال وأخلاقا بل خُلقا ، وأنهم شجرة طيبة تحف بسيد المرسلين حتى كانوا أقرب الناس به فأمر الله بودهم ، وجعلهم أطهر العباد وأمر بالصلاة عليهم والتسليم لهم ، ليحصل ومن يقتدي بهم على السلام في ليلة القدر وفي آية الصلاة على النبي وتسليم الأمر لهم.

ويا طيب : وإن كان ولابد من العروج على تأريخ المسلمين ، فنتدبر أحوالهم بعد رحيل سيد المرسلين للرفيق الأعلى ، ولا نغتر بحكم من حكم بغير إذن من الله ورسوله ، ولا له علما يُعرف ولا شجاعة توصف ، ولكن بفلتة تسلط ، بل نرجع لسادة الوجود الحق ، ونتبع صراطهم المستقيم فنخلص لله بنعمة هداه حقا .

 

 

الإشعاع الأول :

سيد المرسلين يعرفنا سادة المتقين وشأنهم الكريم ويحذر غيرهم :

يا طيب : في آيات النور بالإضافة لآيات ليلة القدر معارف كريمة تعرفنا أن نور الله خُص بهم وهو يشرق منهم هدى ودين وعبودية وإخلاص له ، ومر بيانا لها ويأتي ، وشرحناها مفصلا في أواخر صحيفة الإمام الحسين عليه السلام ، وتجلي الله بنوره علما وتحققا ليشرق منهم، وتُعرفه كل سبل الدين ، ومنها سورة إنا أنزلناه ، وترينا أن الله يزيدهم نورا وعلما وأمور يعرفوا بها كل ما يوصلهم للتحقق بكل ما يحب ويخلص له به العبودية ويعلموه لعباد الله ، وأنه على عباد الله الطيبين وكل مؤمن يحب الله ورسوله أن يقتدي بهم ويتعلم منهم ولا يتبع كل ناعق وطاغية متسلط بظلم ، بل يتبع الحق ويبحث عن الصدق واقعا وبه يخلص الدين لله ، وعرفت أحاديث علمهم التي لم تخطر في بال خصومهم وإن عرفوها أنكروها ولم يصدقوا بها لأنهم لا يستطيعون حتى أن ينسبوها لهم ، ويفرون منها ، فلا ترى أثرا منها عندهم ، والله علمها بكتابه في عدة مواطن وحكاها بكل أسلوب بليغ وبيان فصيح ، حتى تعرف أنها من معجزات كتاب الله سيد الكلام والكتب ، حيث بالتدبر به تراه مقترن بسادة الوجود الحق ، كآيات الولاية والقربى والمباهلة والتطهير والتنزيل والكرسي والتوحيد وغيرها .

وهذه أحاديث كريمة : تعرفنا علم سادة الوجود الحق بعد سيد المرسلين ، وترينا وتعريفنا ظلم العباد لسادتهم وعدم إطاعتهم حين تسنح لهم الفرصة ، فأولا نلخص علمهم ثم من ينحرف عنهم ، ونتدبر بعده مَن ظلمهم ، ثم نبين الهدى الحق لسادتنا :

وعن عبد الله بن عجلان السكوني قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:

بيت علي و فاطمة : من حجرة رسول الله صلى الله عليه و آله .

و سقف بيتهم : عرش رب العالمين .

و في قعر بيوتهم فرجة مكشوطة إلى العرش معراج الوحي و الملائكة .

تنزل عليهم بالوحي صباحا و مساء ، و كل ساعة و طرفة عين .

و الملائكة لا ينقطع فوجهم ، فوج ينزل و فوج يصعد .

 و إن الله تبارك و تعالى : كشف لإبراهيم عليه السلام عن السماوات .

حتى أبصر العرش ، و زاد الله في قوة ناظره .

و إن الله زاد : في قوة ناظر :

محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين صلوات الله عليهم .

و كانوا يبصرون العرش ، و لا يجدون لبيوتهم سقفا غير العرش .

فبيوتهم مسقفة بعرش الرحمن .

و معارج الملائكة، والروح فوج بعد فوج، لا انقطاع لهم .

و ما من بيت من بيوت الأئمة منا إلا و فيه معراج الملائكة .

 لقول الله عز وجل :

{ تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ }.

قال : قلت : مِـنْ كُلِّ أَمْـرٍ ؟  قال : بكل أمــر .

 فقلت : هذا التنزيل ؟ قال : نعم   [132].

يا طيب : إن الإنسان العادي تحفه كثير من الملائكة تحفظه حتى أجله أو تكتب عمله أو تؤيده ، فكيف بسادة الوجود ، وإن الملائكة في أعلى مراتبهم بعد إيمانهم يستغفرون للمؤمنين ويطلبون تأيدهم كما قال سبحانه :

{ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ

وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُــوا

رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا

فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)

رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم

وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ

 إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8)

 وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) } غافر .

يا طيب : هذا عمل سادة الملائكة وحملة العرش هو طلب تأييد المؤمنين ، فكيف لا ينزلون على سادتهم بما يؤيدهم وينور كل من حولهم ومن يتصل بهم في ليلة القدر أو غيرها ، فإن ليلة القدر خير من ألف شهر ، لا يعني أن يحرم المؤمنون من نصر الملائكة وتأييدهم في غيرها من الأيام ، وإن لم يكن بدرجة ليلة القدر وفضلها ، وترى بعضهم يتعجب من تلاوة هذه الآيات والتذكير بها فضلا عن الأحاديث التي تفسرها وتشرح محلها وموردها ، وما ذلك لأنه لم يشعر في لطافت نفسه بنصر الملائكة ولا تأييدها له ، والمؤمنون مؤيدون بروح القدس وبالملائكة في الدنيا والآخرة ، فكيف بسادة الوجود وولاة أمر الله فيهم وقد قال الله تعالى بيان في نصر الملائكة للمؤمنين :

{ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)...

 إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُوا (12)} الأنفال.

{ إِنَّ الَّذِيـنَ قَـالُـوا رَبُّـنَـا اللَّهُ

 ثُـمَّ اسْـتَـقَـامُـــوا

تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَـةُ

أَلَّاتَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30)

نَحْـنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَـاةِ الـدُّنْيَــا

وَفِي الْآخِـرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ (32)

وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا

مِّمَّن دَعَا  إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا  وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) } فصلت .

ويا طيب : إذا كان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ، فكيف بمَن عَلم الاستقامة والصراط المستقيم ، وهذه الآيات أعلاه تعرف تأييد الملائكة وتنزلهم على المؤمنين الصادقين المخلصين في الدنيا ، فكيف بسادة المؤمنين الذين لهم سيد سادة الملائكة وهو الروح الذي ينزل بكل أمر وبالأمر المحكم على سادة العباد ، ودائما يؤيدهم بنور من الله ويتنزل عليهم بكرامة الله ويعرف أمره، وقد قال سبحانه:

{ يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَـةَ بِالْـرُّوحِ مِنْ أَمْـرِهِ

عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَـادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ (2) } النحل .

ومرت عليك آيات : حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين ، يفرق بها كل أمر حكيم أمر من عندنا إنا كنا مرسلين وهذه حقيقتها لسادة الوجود:

عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قلت :

يا رسول الله  ليلة القدر ، شي‏ء يكون على عهد الأنبياء ينزل عليهم فيها الأمر ، فإذا مضـوا رفعـت ؟

 قال : لا ، بل هـي إلى يـوم القيامــة [133].

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان علي بن الحسين صلوات الله عليه يقول :

{ إنا أنزلناه في ليلة القدر } صدق الله عز وجل .

أنزل الله القرآن : في ليلة القدر : { وما أدراك ما ليلة القدر } .

 قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لا أدري .

 قال الله عز وجل : { ليلة القدر خير من ألف شهر } ليس فيها ليلة القدر .

 قال لرسول الله صلى الله عليه وآله : وهل تدري لم هي خير من ألف شهر ؟

قال لا ، قال : لأنها تنزل فيها الملائكة والروح بإذن ربهم من كل أمر .

وإذا أذن الله عز وجل بشيء : فقد رضيه .

{ سلام هي حتى مطلع الفجر } يقول :

 تسلم عليك يا محمد ملائكتي .

 وروحي بسلامي من أول ما يهبطون إلى مطلع الفجر .

 ثم قال : في بعض كتابه : { وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً (25) } الأنفال ، في { إنا أنزلناه في ليلة القدر } .

وقال في بعض كتابه : { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ

انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ (144) } آل عمران.

 يقول في الآية الأولى : إن محمدا حين يموت .

 يقول أهل الخلاف لأمر الله عز وجل : مضت ليلة القدر مع رسول الله صلى الله عليه وآله .

 فهذه فتنة أصابتهم خاصة ، وبها ارتدوا على أعقابهم .

 لأنه إن قالوا : لم تذهب ، فلابد أن يكون لله عز وجل فيها أمر .

وإذا أقروا بالأمر لم يكن له من صاحب بد[134].

يا طيب : الحمد الله على حفظه لسيد الكتب والكلام بسادة الوجود ، وإن آيات الله في كتابه تؤيد بعضها بعضا ، وتشرح بعضها بعضا ، وإن ليلة القدر يقر كلهم باستمراره ولكنهم يؤولوها بما يمنع من لابد من وجود صاحب لها ، مع أنها لأقل منصف يعرف أنها خصت بكل أمر ينزل ولا يكون إلا سيد الوجود وصاحب الروح ، ولا يعقل أن ينزل الروح بأمر الله كله على من هو ظالم ، وقد مر في الإشراق السابق بحث مفصل يعرفنا أن أمر الله المحكم لأطهر عباده ، ومن باهل به وطهره وأمر بوده لا كل أحد ، ولا يحق مخالفته فضلا عن نصب العداء له .

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال:

 كان علي عليه السلام كثيرا ما يقول  :

اجتمع التيمي والعدوي عند رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقرأ :

{ إنا أنزلناه }[135]    

بتخشــع وبكــاء .

 فيقولان : ما أشد رقتك لهذه السورة ؟

فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله :

لما رأت عيني ووعا قلبي ، ولما يرى قلب هــذا من بعـدي .

فيقولان : وما الذي رأيت وما الذي يرى ؟

قال : فيكتب لهما في التراب :

{ تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر } .

 قال : ثم يقول :

هل بقي شيء بعد قوله عز وجل :  كـل أمـر  ؟

فيقولان : لا .

فيقول : هل تعلمان من المنزل إليه بذلك ؟

 فيقولان : أنت يا رسول الله . فيقول : نعم .

فيقول : هل تكون ليلة القدر من بعدى ؟ فيقولان : نعم .

قال : فيقول : فهل ينزل ذلك الأمر فيها ؟ فيقولان : نعم .

قال : فيقول : إلى من ؟ فيقولان : لا ندري .

فيأخذ برأسي ويقول :

 إن لم تدريا فادريا ، هو هذا من بعدي .

قال : فإنه كانا ليعرفان تلك الليلة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله من شدة ما يداخلهما من الرعب [136].

يا طيب : أي مسلم له أقل معرفة بدين الله ليقر بكل وجوده حين يقرأ إنا أنزلنا في ليلة القدر بأنها مستمر إلى يوم القيامة ، وإن كل أمر ينزل له صاحب ، وأمرها محكم لا يرضى سبحانه بأن يخالف ، فمن تبع صاحبها نجا وإلا أختلف والهلاك .

والحمد لله على نعمة الهداية : ومعرفة صاحب ليلة القدر وتوليه والإقرار لله بأن أعلى نوره تجلى فيه ، وخصه بعلوم معارف كل شيء من كتابه وأمر الوجود ، وإن رسخ بعلم الله ولا يشتبه عليه شيء ولا يشك بشيء ولا يدنوا منه شيطان ولا يضله إنسان ولا يشك في ربه ولا يخرج عن دينه والإخلاص له طرفة عين ، وهو خلاف من أدعى ما ليس له وتصور له شيطان ويحكم المسلمين بما لا يُرضي رب العالمين .

ولله له في خلقه شؤون : ويختبرهم ليعرف من يطلب الحق فيتقينه ، ويجاهد فيه حق جهاده فيعرف بالدليل المحكم والبرهان القاطع، سيده وإمامه فلا يشك فيه فيتبعه.

ويا طيب : إذا عرفنا حقائق ليلة القدر لسادة الوجود وإنه سيد الملائكة ينزل عليهم بسيد العلم من كل أمر الله وهو من باب تبيان كل شيء من كتاب الله التكويني فضلا عن التدويني . فلنتعرف على مَن حكم المسلمين بفلته ويعترف بأنه بدل الملائكة له شيطان يعتريه ، لنعرف تداول الأيام وفتنة الله واختباره لعباده .

 

 

 

الإشعاع الثاني :

غير العلماء سادة الحق يتسلطون على الحكومة بعد سيد المرسلين :

يا طيب : عرفت أن لله في خلقه شؤون ويداول الأيام ، وعرفت أحوال الناس وسادتهم بعد سيد المرسلين في آخر المجلس السابق ، ولكن هنا نحكي أمرا أخر يعرفنا أنه حقيقة من ليس له بعلم يتسلط على رقاب المسلمين ويحكم فيهم ، ويهجر الناس الأمر المحكم المنزل بأمر الله وتعليمه على سادة الوجود ، وبفلته تنتقل الحكومة من سادة الوجود لطامع ظالم وغاصب غاشم كان سبب البعد عن أهل ولاية الله وأمره الحق ، وتراه يحرف الناس ويجعلهم مذاهب إلى يوم القيامة ، والله سبحانه كان عالما وعرفت أن سيد المرسلين عرفهم أمرهم بعده ، وفي كثير من المواقف ، ولكن هنا بعد الذي عرفت نذكر أخبار السقيفة وكيف تسلط من ليس له علما بأمر الله ويهجر سيد الأوصياء حقا ، وبقي علمه لمن طلبه منه وأتصل به واقتدى به وأحبه حقا ، فصار محبا له ولكل سيرته فأخلص لله بدينه ، ولم يتبع ما يحرف عن معارفه ولمن يفتي بنفسه ويقر أنها ليس من معارف هدى رب العالمين .

وأما أحوال المدينة : بعد الذي عرفت في أخر المجلس السابق من تحول راية الهدى وطرد أسامة من قيادة المسلمين .

 نذكرها أولا مما قال ابن إسحاق في أسد الغابة في معرفة الصحابة في تسلط الحكام بفلتة :

 قال أبو ذؤيب الشاعر :

 بلغنا أن رسول الله صلّى الله عليه و سلّم مريض ، فاستشعرت حزنا ، ...

و قدمت المدينة : و لها ضجيج بالبكاء كضجيج الحاج إذا أهلوا بالإحرام ، فقلت : مه ؟ فقالوا : قبض رسول الله صلّى الله عليه و سلّم .

 فجئت المسجد : فوجدته خاليا ، و أتيت بيت رسول الله صلّى الله عليه و سلّم فأصبت بابه مرتجا ، و قيل : هو مسجى ، و قد خلا به أهله .

 فقلت : أين الناس ؟ فقالوا : في سقيفة بني ساعدة ، صاروا إلى الأنصار .

 فجئت إلى السقيفة : فوجدت أبا بكر ، و عمر ، و أبا عبيدة بن الجراح ، و سالما ، و جماعة من قريش . و رأيت الأنصار فيهم : سعد بن عبادة ، و فيهم شعراؤهم : كعب بن مالك ، و حسان بن ثابت ، و ملأ منهم . فآويت إلى قريش .

و تكلمت الأنصار : فأطالوا الخطاب ، و أكثروا الصواب .

و تكلم أبو بكر فللّه درّه من رجل لا يطيل الكلام ، يعلم مواضع فصل الخصام ! و الله لقد تكلم بكلام لا يسمعه سامع إلا انقاد له ، و مال إليه .

 ثم تكلم : عمر بعده بدون كلامه ، ثم مدّ يده فبايعه و بايعوه . و رجع أبو بكر فرجعت معه .

 قال أبو ذؤيب : فشهدت الصلاة على محمد صلّى الله عليه و سلّم و شهدت دفنه . ثم أنشد أبو ذؤيب يبكى النبي صلّى الله عليه و سلّم : ... و رجع أبو ذؤيب إلى باديته فأقام بها ، و توفى في خلافة عثمان بطريق مكة ، فدفنه ابن الزبير [137].

بربك : يحق لهم أن يتركوا النبي مسجى معه أهل بيته يغسلوه ويكفنوه ، ويذهبوا يتنازعوا في طلب الحكم وبفلته يغصبوه ؟ ويتركوا سيد المرسلين مع سيد الوصيين ، ولم يستشيروا أحد من بني هاشم وسادة العلم فيهم ؟ وهل الدين لمن غلب أم لمن أختاره الله واصطفاه وطهره وأمر بوده وجعله ولي أمره وصاحب ليلة القدر ؟

وقال الكراجكي رحمه الله : من العجب : أن يردوا الأمر والنهي والحل والعقد ، وتنفيذ أحكام الشرع وإقامة الحدود في الخلق إلى من قد عرفوا ضعف فهمه ، وعدم فقهه وعلمه ، وفساد حفظه ، وقلة تيقظه ، ومن يقر بذلك على نفسه ، ويعترف بكثرة زللـه وخللـه وقلة علمه ، وبقوله على رؤوس الأشهاد :

وليتكم ولســـت بخيركم ، فإن استقمت فاتبعوني .

وإن اعوججت فقوموني .

فإن لــي شــيـطـانـا يعتريني عند غضبي .

 فإذا رأيتموني مغضبا فتجنبوني ، لا أوثر في أشعاركم و لا أبشاركم .

ثم يسأل عن الكلالة فلا يعلمها ، وعن الأب فلا يفهمه ، والفقه فلا يخبره ، والقرآن فلم يكن يحفظه ، والشجاعة ففي معزل عنها ، والرئاسة فليس من أهلها ، ومن إذا كشفت أحواله ، وتتبعت أفعاله ، وجدت ما ذكرناه بعض صفاته ، فيقدم على الكافة ، وتجعل يده منبسطة على جميع أهل القبلة .

ويقال له: أنت خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله .

 ويؤخرون مَن قد عرفوا : فائض فضله وكماله ، وعظم علمه ، وتقدم سبقه في جهاده ونصرته ، وحسن أثره ، وشريف أهله ، ومشتهر زهده ، وباهر آياته ، وبديع بيناته ، ومن هو قيم رسول الله صلى الله عليه وآله وأخوه ، بل القائم مقام نفسه حسب ما شهد به كتاب الله تعالى ، ومن هو أحب الخلق إلى الله تعالى ، ومن افتقرت إليه الكافة ولم يفتقر هو إلى أحد من الأمة .

فيُجعل هذا رعية مؤخرا تابعا للناقص في خلال الخير كلها !

 إن هذا رأي عجيب ، واختيار طريف .

 وفيه تقول فاطمة البتول ، ابنة السيد الرسول صلى الله عليه وآله :

وإن تعجب فقد أعجبك الحادث في أي طريق سلكوا ؟ وبأي عروة تمسكوا ؟

 استبدلوا والله الذنابي بالقوادم ، والعجز بالكاهل .

 فقبحا لقوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، ألا إنهم هم الأخسرون ولكن لا يعلمون.

 ومن العجب : أن يجتمعوا في السقيفة لطلب الخلافة ، فتحتج الأنصار بأنها هي التي تستحقها بنصرتها للنبي صلى الله عليه وآله ، ويحتج المهاجرون بقربهم منه .

 وليس فيهم من يذكر أمير المؤمنين عليه السلام الذي لم يلحقه الأنصار في نصرته ، ولا تدانيه قريش في قرابته![138]

وذكر في كتاب الاستغاثة لأبي القاسم الكوفي: في أحوال الغاصب الأول فقال:

وأنه ضل عنه أحكام كثيرة من أبواب الشريعة ، وأنه لم يكن يحفظ القرآن ، وذلك مثل قوله :

إنكم أن تكلفوني ما كان رسول الله يقوم به لعجزت عنه .

 فإن الرسول يأتيه الوحي من الله ، وكان موفقا مسددا .

 وأني أقـول من عنـد نفسـي .

 فإن أصبت فمن الله ورسوله .

 وإن أخطـــأت فمـن نفســـي .

 

( ويا طيب : )

والله سبحانه يقول : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ

 وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا (3) } المائدة .

وقال : { مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ (38) } الأنعام .

وقال : { وَنَـزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَـانًـا لِّكُـلِّ شَــيْءٍ

وَهُـدًى وَرَحْمَـةً وَبُشْـرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89) } النحل .

فإذا كان قد أكمل الدين : ولم يفرط في الكتاب من شيء ، ونزل الكتاب تبيانا لكل شيء ، فقد جمع العلم في كمال الدين والكتاب المبين ، ثم لا يخلو ما كان يقوله من عند نفسه من أن يكون من الدين ، أو من غير الدين ، فإن كان من الدين فقد يجب بزعمكم الله بعث رسوله بشريعة ناقصة ودين غير كامل حتى أتم ذلك أبو بكر من عنده بخطأ أو بصواب ، وقائل هذا كافر بالله تعالى ورسوله ، ومع ما يلزم من تكذيب الله تعالى في قوله ( اليوم أكملت لكم دينكم ) [139].  ـ وإن كان غير دين وهو من عند نفسه فهو مُشرع وهذا أقبح .

وإن سيد أهل العلم يعرف هذا لنفسه من غير شيطان .

 بتأييد الله سبحانه والملائكة كما عرفت في أحاديث الإشعاع الأول .

وأما خبر الحاكم الثاني : فهو بأمر الأول من نفسه نصبه وبتشريعه حكّمه ، ولمعرفة أحواله أنظر نوادر الأثر في علم عمر ، في كتاب الغدير ، وتمام خبر السقيفة فيه وفي كتاب الاحتجاج[140] .

قال الله سبحانه وتعالى : { وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ

شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ  وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاء

وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)

إِنَّ اللّهَ يَأْمُـرُ بِالْعَـدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَـاء ذِي الْقُـرْبَــى

وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)

 وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ

وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا

 وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91)

وَلاَ تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ

أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ

إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92)

وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً

وَلكِن يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (93)

وَلاَ تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ الْسُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94)

وَلاَ تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً إِنَّمَا عِندَ اللّهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (95)

 مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ

وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ

وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (96)

مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً

وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (97) 

  فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98)

إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99)

 إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ (100)

وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ

قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَيَعْلَمُونَ (101) 

      قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُـدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالحق

لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102) } النحل .

 

يا طيب : أين من ينزل عليه الروح من كل أمر يهدي به ، ممن له شيطان ؟

 

 

 

الإشعاع الثالث :

سيد الأوصياء وسيدة النساء يطالبون بحق الله ورسوله لهم :

  يا طيب : كانت حوادث ومحاجات كثيرة من أنصار أهل البيت عليهم السلام ومنهم في بيان المطالبة بحقهم ، وذكرنا قسم منها في آخر صحيفة النبوة وصحيفة الإمام علي عليه السلام ، وذكرها في كتاب الاحتجاج والغدير ، وهذا ما ذكره ابن قتبية في كتابه الإمامة والسياسة ، ونختار منه ما قال بعد أن تسلط الحاكم بعد رسول الله ، وسمى نفسه وأصحابه سموه خليفة رسول الله بدون إذن الله ورسوله ، فقال :

و إن بني هاشم : اجتمعت عند بيعة الأنصار إلى علي بن أبي طالب ، و معهم الزبير بن العوام رضي الله عنه ، و كانت أمه صفية بنت عبد المطلب ، و إنما كان يعد نفسه من بني هاشم ، و كان علي كرم الله وجهه يقول : ما زال الزبير منا حتى نشأ بنوه، فصرفوه عنا ، و اجتمعت بنو أمية على عثمان ، و اجتمعت بنو زهرة إلى سعد و عبد الرحمن بن عوف ، فكانوا في المسجد الشريف مجتمعين .

فلما أقبل عليهم : أبو بكر و أبو عبيدة و قد بايع الناس أبا بكر .

 قال لهم عمر: ما لي أراكم مجتمعين حلقا شتى ، قوموا فبايعوا أبا بكر ، فقد بايعته و بايعه الأنصار ، فقام عثمان بن عفان و من معه من بني أمية فبايعوه ، و قام سعد و عبد الرحمن بن عوف و من معهما من بني زهرة فبايعوا .

و أما علي و العباس بن عبد المطلب و من معهما من بني هاشم فانصرفوا إلى رحالهم و معهم الزبير بن العوام .

 فذهب إليهم : عمر في عصابة فيهم أسيد بن حضير و سلمة بن أسلّم .

 فقالوا : انطلقوا فبايعوا أبا بكر ، فأبو ، فخرج الزبير بن العوام رضي الله عنه بالسيف .

 فقال عمر : عليكم بالرجل فخذوه فوثب عليه سلمة بن أسلّم ، فأخذ السيف من يده ، فضرب به الجدار ، و انطلقوا به فبايع و ذهب بنو هاشم أيضا فبايعوا .

ـ يا طيب : عرفت في أخر المجلس السابق أنهم ارضوا أبو سفيان وبني أمية و غيرهم حتى قسم من أعمام النبي وبني هاشم بولايات ، وصرفوهم في جيش أسامه ـ

 

وذكر في الإمام والسياسية :

 إباية علي كرم الله وجهه بيعة أبي بكر :

ثم إن علي : كرّم الله وجهه أتي به إلى أبي بكر و هو يقول :

أنا عبد الله و أخو رسوله .

فقيل له : بايع أبا بكر .

فقال : أنا أحقّ بهذا الأمر منكم ، لا أبايعكم ، و أنتم‏ أولى بالبيعة لي .

أخذتم هذا الأمر : من الأنصار ، و احتججتم عليهم بالقرابة من النبيّ صلّى الله عليه و سلّم .

 و تأخذونه منا أهل البيت غصبا ؟

 أ لستم زعمتم : للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لما كان محمد منكم ، فأعطوكم المقادة ، و سلموا إليكم الإمارة .

و أنا أحتجّ عليكم : بمثل ما احتججتم به على الأنصار .

 نحن أولى برسول الله حيا و ميتا .

 فأنصفونا إن كنتم تؤمنون.

 و إلا فبوءوا بالظلم و أنتم تعلمون .

 فقال له عمر : إنك لست متروكا حتى تبايع .

 فقال له عليّ : احلب حلبا لك شطره ، و اشدد له اليوم أمره يردده عليك غدا.

ثم قال : و الله يا عمر لا أقبل قولك و لا أبايعه .

فقال له أبو بكر : فإن لم تبايع فلا أكرهك ز

 فقال أبو عبيدة بن الجراح لعليّ كرّم الله وجهه : يا بن عمّ إنك حديث السنّ و هؤلاء مشيخة قومك، ليس لك مثل تجربتهم ، و معرفتهم بالأمور ، و لا أرى أبا بكر إلا أقوى على هذا الأمر منك ، و أشد احتمالا و اضطلاعا به، فسلّم لأبي بكر هذا الأمر . 

 فإنك : إن تعش و يطل بك بقاء ، فأنت لهذا الأمر خليق و به حقيق :

في فضلك و دينك ، و علمك و فهمك ، و سابقتك و نسبك و صهرك .

فقال عليّ كرّم الله وجهه :

الله الله يا معشر المهاجرين : لا تخرجوا سلطان محمد في العرب عن داره و قعر بيته، إلى دوركم و قعور بيوتكم ، و لا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس و حقه .

 فو الله يا معشر المهاجرين : لنحن أحق الناس به ؛ لأنا أهل البيت ، و نحن أحق بهذا الأمر منكم ، ما كان فينا : القارئ لكتاب الله ، الفقيه في دين الله ، العالم بسنن رسول الله ، المضطلع بأمر الرعية ، المدافع عنهم الأمور السيئة ، القاسم بينهم بالسوية ، و الله إنـه لفينــا .

 فلا تتبعوا : الهوى ، فتضلوا عن سبيل الله ، فتزدادوا من الحق بعدا .

فقال بشير بن سعد الأنصاري : لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا عليّ قبل بيعتها لأبي بكر ، ما اختلف عليك اثنان .

 قال : و خرج عليّ كرّم الله وجهه يحمل فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه و سلّم على دابة ليلا في مجالس الأنصار ، تسألهم النصرة .

 فكانوا يقولون : يا بنت رسول الله ، قد مضت بيعتنا لهذا الرجل ، و لو أن زوجك و ابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به.

 فيقول عليّ كرّم الله وجهه : أ فكنت أدع رسول الله صلّى الله عليه و سلّم في بيته لم أدفنه ، و أخرج أنازع الناس سلطانه ؟

 فقالت فاطمة : ما صنع أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له .

و لقد صنعوا ما الله حسيبهم و طالبهم .

 

وقال : كيف كانت بيعة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه‏ :

قال : و إن أبا بكر تفقد قوما تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه .

 فبعث إليهم عمر ، فجاء فناداهم و هم في دار علي ، فأبوا أن يخرجوا .

فدعا بالحطب و قال : و الّذي نفس عمر بيده .

لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها .

فقيل له : يا أبا حفص إن فيها فاطمة ؟

فقال: و إن .

 فخرجوا فبايعوا .

 إلا علي فإنه زعم أنه قال :

حلفت : أن لا أخرج و لا أضع ثوبي على عاتقي حتى أجمع القرآن .

 فوقفت فاطمة رضي الله عنها : على بابها ، فقالت :

لا عهد لي : بقوم ، حضروا أسوأ محضر منكم ، تركتم رسول الله صلّى الله عليه و سلّم جنازة بين أيدينا ، و قطعتم أمركم بينكم ، لم تستأمرونا ، و لم تردوا لنا حقا.

 

فأتى عمر أبا بكر فقال له : ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة ؟

فقال أبو بكر لقنفذ و هو مولى له : اذهب فادع لي عليا .

 قال : فذهب إلى علي فقال له : ما حاجتك ؟

فقال : يدعوك خليفة رسول الله .

 فقال علي : لسريع ما كذبتم على رسول الله .  فرجع فأبلغ الرسالة .

 قال: فبكى أبو بكر طويلا .

فقال عمر الثانية : لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة .

فقال أبو بكر لقنفذ : عد إليه ، فقال له :خليفة رسول الله يدعوك لتبايع .

 فجاءه قنفذ : فأدى ما أمر به .

فرفع علي صوته فقال : سبحان الله ؟ لقد ادعى ما ليس له .

 فرجع قنفذ : فأبلغ الرسالة ، فبكى أبو بكر طويلا .

 ثم قام عمر : فمشى معه جماعة ، حتى أتوا باب فاطمة ، فدقوا الباب .

فلما سمعت أصواتهم : نادت بأعلى صوتها :

 يا أبت يا رسول الله : ما ذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة .

فلما سمع القوم صوتها و بكاءها ، انصرفوا باكين ، و كادت قلوبهم تنصدع ، و أكبادهم تنفطر .

 و بقي عمر و معه قوم : فأخرجوا عليا ، فمضوا به إلى أبي بكر . فقالوا له : بايع .

فقال : إن أنا لم أفعل فمه ؟

قالوا : إذا و الله الّذي لا إله إلا هو نضرب عنقك .

فقال : إذا تقتلون عبد الله و أخا رسوله .

قال عمر : أما عبد الله فنعم ، و أما أخو رسوله فلا ، و أبو بكر ساكت لا يتكلم ،

 فقال له عمر: ألا تأمر فيه بأمرك ؟

 فقال : لا أكرهه على شي‏ء ما كانت فاطمة إلى جنبه.

فلحق علي بقبر رسول الله صلّى الله عليه و سلّم يصيح ويبكي و ينادي :

 يا بن أم إن القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني .

 

 فقال عمر لأبي بكر : انطلق بنا إلى فاطمة ، فإنا قد أغضبناها ، فانطلقا جميعا ، فاستأذنا على فاطمة .

 فلم تأذن لهما ، فأتيا عليا فكلماه ، فأدخلهما عليها .

 فلما قعدا عندها ، حولت وجهها إلى الحائط .

 فسلما عليها ، فلم ترد عليهما السلام .

فتكلم أبو بكر فقال : يا حبيبة رسول الله ! و الله إن قرابة رسول الله أحب إلي من قرابتي ، و إنك لأحب إلي من عائشة ابنتي ، و لوددت يوم مات أبوك أني مت ، و لا أبقى بعده ، أ فتراني أعرفك و أعرف فضلك و شرفك و أمنعك حقك و ميراثك من رسول الله ، إلا أني سمعت أباك رسول الله صلّى الله عليه و سلّم يقول: لا نورث ، ما تركنا فهو صدقة .

 

 فقالت : أ رأيتكما إن حدثتكما حديثا عن رسول الله صلّى الله عليه و سلّم تعرفانه و تفعلان به ؟ قالا : نعم .

 فقالت : نشدتكما الله أ لم تسمعا رسول الله يقول : رضا فاطمة من رضاي ، و سخط فاطمة من سخطي ، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني ، و من أرضى فاطمة فقد أرضاني ، و من أسخط فاطمة فقد أسخطني .

 قالا : نعم سمعناه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم .

قالت : فإنّي أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني.

 ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه   [141].

يا طيب : أن فاطمة ماتت وهي غاضبة عليهم ، وإن رسول الله أمر علي في كل غزوة وأمر أسامة وهو شاب، وترى في كلامهم التملق والخداع وصرف الأمر عن أهله .

 

 

 

الإشعاع الرابع :

بيعتهم كانت فلته لمن لم يحفظ كتاب الله ولا علم له به :

يا طيب : عرفت أن الله السيد الصمد الأحد له الأسماء الحسنى ، ولابد أن يكون لها مظهر في التكوين ، وإن أعلى مظهرها بعد العوالم العالية  ، في الأرض هو إشراق نور سادة الوجود وسيد الكلام كلامه في كتابه ، وعرفنا تلازمهما وتقارنهما في كل الأحوال والأمور ولا يهم أن يحسدهم الناس أو يظلهم أو يغصب حق سادة الوجود .

وإن العلم الإلهي محكم : نزله وتنزيله وحتمه وقضاءه وشاء أن يُعبد بالاختيار ويطاع ممن عرف عظمته وحب هداه وعشق التحقق بعبودية ، وأنه أورث الكتاب والحكمة للمنعم عليهم بهدى صراطه المستقيم ، ورفض من يضل عنهم وغضب على من لم يسلك سبيلهم وإن أمهلهم في الدنيا وملكهم شيئا منها ليختبرهم ويعرف صدق توجههم له بدون حب الدنيا وزينتها ، ولا طمع بما فيها من الجاه والحكومة ، بل يحب الانصياع لأوامره والتحقق بعبودية بإخلاص تام لما أمر به من حب ولاة أمره وما يعلمهم من شؤون عظمته ومعارف توحيده وهداه ، ويخلصوا له في كل الأحوال .

والإنسان : له على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره ، فالله سبحانه بيّن الحق بكل سبيل في سنن سادة الوجود وأحوال التأريخ وسيرة أولياءه ومن أنحرف عنهم .

وعرفت : أن العلم المحكم أس هدى الدين ولا يحق لأحد أن يحكم برأيه ، ولا أن يحكم وفق شيطان يعتريه ، ولا يحق لأحد أن يتبعه ، بل يجب أن نتبع مَن تتنزل عليه الملائكة والروح من كل أمر ، سواء في ليلة القدر أو ما تؤيده به الملائكة في الدنيا والآخرة ويكون ناشر راية الهدى، كما عرفت لا من يعزلها ويحكم وفق شيطان يعتريه ، وبعد أن عرفنا حال سيد الوصيين ، فلنتعرف على حال سيد الغاصبين والمعاندين ، وعلمه الذي عرفته وفق شيطان يعتريه ، وأنه لم يحفظ كتاب الله ولا له علم بتفسيره فضلا من نزول الملائكة لتأييده ، وإنما فتحت البلاد بجيش أعده رسول الله وغصبوه .

يا طيب : هذا نفسه غاصب الخلافة ومدعي ما ليس له لما أكثر سيد الوصيين والصحابة عتابه .

 قال :

في خلافته لجماعة المسلمين : أقيلوني [142].

وليس يجوز أن يستقيل الأمر من لم يعتقده له ولا تولاه من جهته .

 وقوله عند وفاته : وددت أني كنت سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن هذا الأمر فيمن هو فكنا لا ننازعه أهله [143].

وهذا قول صريح في إبطال النص عليه ويدل أيضا على ذلك .

وأنه لكاذب : سمع حديث الثقلين وشأن إنا أنزلناه وحضر الغدير ، وأرجع من تبليغ براءة وغيرها ، وإنما يقول لهذا كرد لسيد الوصيين ويريد أن يخدع الناس بأن رسول الله لم يوصي سيد الوصيين ولا أتخذه سيدا لهم بعده ، ولذا حكومته شرعية.

ويا طيب : في كلماتهم ما يعرفنا أنهم ليس لهم علم بكتاب الله ولا لهم حق بالخلافة ، كما عرفت أعلاه ، وفي الإشعاع السابق وما قبله ، وحتى ناصره ومعينه ، وأول من بايعه يقول : قالوا : قول عمر :

كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله المسلمين شره

فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه [144].

ويا طيب : هذه العبارة اشتهرت وتواتر نقلها عنه ، وأنه بنص فتواه أحق بأن يقتل لأنه نصب وأختار ما لم يختاره رسول الله ، وشعل فتنة وفلتة أكبر ، فأججها على من تولى بعده ، واستمرت إلى يومنا هذا ، فبعض من يدعي الإسلام وليس له معرفة بحقائقه وتأريخه وسنة علومه والولاية وإحكامه ، ولا كيف تولى حكامه ، يقتل المسلمين بسببه وبسبب من خلفه بعده وسيده الذي ملكه في الشام ، وكله كان لفلتة حصلت معارك قتل بها كثير من المسلمين، وإنا لله وإنا إليه وراجعون والعاقبة للمتقين.

 

وهذا سيد الأوصياء وأمير المؤمنين عليه السلام :

يعرفنا سبب كون بيعتهم فلته : لم يقي المسلمين شرها ودمارها

وسيأتي في الإشراق الآخر أكثر ونتدبر هنا ما قال عليه السلام :

قال سيد الوصيين أمير المؤمنين عليه السلام :

والعجب : أنهم أقروا ثم ادعوا :

أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يستخلف أحدا وأنهم أمروا بالشورى .

 ثم أقروا : أنهم لم يشاوروا في أبي بكر .

 وأن بيعته كانت فـلـتــة .

وأي ذنب أعظم من الـفـلـتـــة .

 ثم استخلف : أبو بكر عمر ولم يقتد برسول الله صلى الله عليه وآله فيدعهم بغير استخلاف .

فقيل له في ذلك .

 فقال :  أدع أمة محمد كالنعل الخلق ، أدعهم بغير أحد أستخلف عليهم ؟

طعنا منه : على رسول الله صلى الله عليه وآله ورغبة عن رأيه .

 ثم صنع عمر شيئا ثالثا : لم يدعهم على ما ادعى أن رسول الله صلى الله عليه وآله ، لم يستخلف ولا استخلف كما استخلف أبو بكر .

وجاء بشيء ثالث : وجعلها شورى بين ستة نفر وأخرج منها جميع العرب .

ثم حظى بذلك عند العامة .

فجعلهم مع ما أشربت قلوبهم من الفتنة والضلالة أقراني .

ثم بايع ابن عوف عثمان فبايعوه .

وقد سمعوا : من رسول الله صلى الله عليه وآله في عثمان ما قد سمعوا من لعنه إياه في غير موطن .

 

ولقد قال عليه السلام بعد ذلك :

 منذ أيام قال ( عثمان ) قولا رققت له ، وأعجبتني مقالته .

بينما أنا قاعد عنده في بيته :

إذ أتته عائشة وحفصة تطلبان ميراثهما من ضياع رسول الله صلى الله عليه وآله .

 وأمواله التي بيده .

فقال :  لا والله ولا كرامة لكما ، ولا نعمت عنه ، ولكن أجيز شهادتكما على أنفسكما .

فإنكما شهدتم : عند أبويكما ، أنكما سمعتما من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : النبي لا يورث ، ما ترك فهو صدقة .

 ثم لقنتما : أعرابيا جلفا يبول على عقبيه ويتطهر ببوله ، مالك بن أوس بن الحدثان ، فشهد معكم ، ولم يكن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله من المهاجرين ولا من الأنصار أحد شهد بذلك غيركما وغير أعرابي .

 أما والله : ما أشك أنه قد كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وكذبتما عليه معه .

ولكني : أجيز شهادتكما على أنفسكما ، فاذهبا فلا حق لكما .

فانصرفتــا : من عنـده تلعنــانــه وتشــتمانــه .

فقال : ارجعا ، أليس قد شهدتما بذلك عند أبي بكر ؟ قالت : نعم .

قال : فإن شهدتما بحق فلا حق لكم ، وإن كنتما شهدتما بباطل .

 فعليكما وعلى من أجاز شهادتكما على أهل هذا البيت لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .

 قال عليه السلام : ثم نظر إلي فتبسم .

ثم قال : يا أبا الحسن ، أشفيتك منهما ؟

قلت : نعم ، والله  وأبلغت وقلت حقا ، فلا يرغم الله إلا آنافهما .

فرققت لعثمان : وعلمت أنه إنما أراد بذلك رضاي ، وأنه أقرب منهما رحما وأكف عنا منهما.

وإن كان لا عذر له ولا حجة بتأميره علينا وادعائه حقنا   [145] .

 

يا طيب : هذه المجاملة من عثمان لسيد الوصيين كانت سبب قتله .

 فإنه كان عون أبويهما ومعهم مجامل لهم . ولكنه قال حقا بعد فتن .

 وقد خرجت عائشة من عنده تحرض عليه المسلمين عليه حتى قتلته .

 وكانت تقول :

كما قال بن أبي الحديد في شرح النهج :

وهذه عائشة أم المؤمنين : خرجت بقميص رسول الله صلى الله عليه وآله .

فقالت للناس : هذا قميص رسول الله لم يبل ، وعثمان قد أبلى سنته .

 ثم تقول : أقتلوا نعثلا ، قتل الله نعثلا .

 ثم لم ترض بذلك حتى قالت : أشهد أن عثمان جيفة على الصراط غدا [146].

ولقد قال السيد مرتضى العسكري في كتابه أحاديث أم المؤمنين عائشة :

قد دفعت : أم المؤمنين التي كانت تذهب نفسها في سبيل الدفاع عن ذوي قرباها أن تصدر الفتوى الصريحة بقتل الخليفة عثمان وكفره .

فتقول فيه : أقـتـلـوا نـعـثـلا فـقـد كـفــر .

وقالت : أشهد أن عثـمـان جيـفـة على الصراط .

 انطلقت هذه الكلمة : من فم أم المؤمنين ، فانتشرت بين الناس انتشار النار في الهشيم ، فتلقفها منها غير ممن لم يكن يجرؤ على التفوه بمثلها وجبابرة قريش في المدينة حضر ممن سنذكرهم بعد تدبر معنى الكلمة ومغزاها .

 وكلمة نعثل : في ما ذكروه بمعاجم اللغة ، الذكر من الضباع . الشيخ الأحمق .  وقالوا : كان رجل من أهل مصر طويل اللحية يسمى نعثلا .

 وقالوا : إن نعثلا كان يهوديا بالمدينة شبه به عثمان  .

إن هذه المعاني : لكلمة نعثل لم تغرب عن بال أم المؤمنين ذات العارضة القوية ، وإنما رمته بها بعد أن استمدت من فصاحتها وبلاغتها ، فرمته من قوارضها بمقذعة أصابته في الصميم ، وبقيت وصمة عليه ، وذهبت في الدهر مثل [147].

 

وقد روي عن طرق مختلفة أن عائشة لما بلغها قتل عثمان وهي بمكة قالت :

أبعده الله . ذلك بما قدمت يداه وما الله بظلام للعبيد .

 وكانت تقول : أبعده الله ، قتله ذنبه ، وأقاده الله بعمله .

يا معشر قريش : لا يسومنكم قتل عثمان كما سام أحمر ثمود قومه ، إن أحق الناس بهذا الأمر ذو الأصبع .

ثم أقبلت مسرعة إلى المدينة : وهي لا تشك في أن طلحة هو صاحب الأمر .

وكانت تقول : بعدا لنعثل وسحقا ، إيه ذا الأصبع ، إيه أبا شبل ، إيه ابن عم ، لله أبوك أما إنهم وجدوا طلحة لها كفؤا .

 لكأني أنظر إلى إصبعه : وهو يبايع ، حثوا الأبل ودعدعوها .

ولما انتهت إلى سرف : في طريقها إلى المدينة لقيها عبيد بن أم كلاب .

فقالت له : مهيم ؟

قال : قتلوا عثمان ، ثم مكثوا ثمانيا . قالت : ثم صنعوا ماذا ؟

 قال : أخذها أهل المدينة بالإجماع فجازت بهم الأمور إلى خير مجاز .

اجتمعوا إلى علي بن أبي طالب .

 فقالت : والله ليت أن هذه انطبقت على هذه إن تم الأمر لصاحبك .

 ويحك انظر ما تقول ؟ ! قال : هو ما قلت لك يا أم المؤمنين .

 فولوت ، فقال لها : ما شأنك يا أم المؤمنين ! ؟

والله لا أعرف بين لابتيها أحدا ، أولى بها منه ولا أحق .

ولا أرى له نظيرا في جميع حالاته ، فلماذا تكرهين ولايته ؟

 صاحت أم المؤمنين : ردوني . ردوني .

فانصرفت إلى مكة وهي تقول : قتل والله عثمان مظلوما ، والله لأطلبن بدمه !

فقال لها ابن أم كلاب : ولم ؟ فوالله إن أول من أمال حرفه لانت .

فلقد كنت تقولين : أقتلوا نعثلا فقد كفر .

قالت : إنهم استتابوه ثم قتلوه ، وقد قلت وقالوا ، وقولي الأخير خير من قولي الأول .

  فقال لها ابن أم كلاب :

فـمنك  البداء  ومنك الغير   ومـنك الرياح ومنك المطر

وأنـت  أمرت بقتل الإمام   وقـلـت لـنا انه قد كفر

فـهـبـنا  أطعناك في قتله   وقـاتـلـه  عندنا من أمر

ولم يسقط السقف من فوقنا   ولم  تنكسف  شمسنا والقمر

وقـد  بـايع الناس ذا تدرأ   يـزيل  الشبا  ويقيم الصعر

ويـلـبس  للحرب  أثوابها   وما من وفى مثل من قد غدر

فانصرفت إلى مكة : فنزلت على باب المسجد ، فقصدت الحجر فتسرت ، واجتمع إليها الناس ، فقالت :

يا أيها الناس : إن عثمان قتل مظلوما والله لاطلبن بدمه .

 وكانت تقول : يا معشر قريش إن عثمان قد قُتل .

 قتله علي بن أبي طالب ، والله لأنملة ( أو قالت لليلة ) من عثمان ، خير من علي الدهر كله [148] .

وطلحة والزبير : طمعا بالحكم والمال وعائشة كانت تكيد سيد الوصيين لأحن سابقة له معه ، وتعرف أنه لم يعطيها شيء كعثمان بل هو له حق عليها أكثر ويعطيها كما يعطي المسلمين ، وهم الذين قتلوا عثمان مع كون بني أمية والناس معه ، فكيف بمن كان مستضعف وطلحة والزبير أنصاره ، وهي جمعتهما معها لقتاله ، فكانوا يتوقعون حصول الحكومة لهما ، ولكن شاء الله أن يبعدهما ، وإليك كلمات سيد الوصيين الإمام علي فيهما ، وذلك لما خرجوا للبصرة ليستولوا عليها ، فكتب عليه السلام لأهل الكوفة كتابا وأرسله مع أبنه الحسن سيد شباب أهل الجنة :

بسم الله الرحمن الرحيم .

 من علي بن أبي طالب إلى أهل الكوفة :

فإني أخبركم من أمر عثمان حتى يكون أمره كالعيان لكم .

إن الناس : طعنوا عليه فكنت رجلا من المهاجرين أكثر استعتابه وأقل عتابه ، وكان طلحة والزبير أهون سيرهما إليه الوجيف .

وقد كان من عائشة فيه فلتــة غضـب .

فلما قتله الناس : وبايعاني غير مستنكرين ، طائعين مختارين ، وكان طلحة والزبير أول من بايعني على ما بايعا به من كان قبلي .

ثم استأذناني في العمرة : ولم يكونا يريدان العمرة ، فنقضا العهد ، وأذنا في الحرب .

 وأخرجا عائشة من بيتها يتخذانها فتنة .

 فسارا إلى البصرة واخترت السير إليهم معكم .

ولعمري إياي تجيبون إنما تجيبون الله ورسوله.

 والله ما قاتلتهم وفي نفسي شك .

وقد بعثت إليكم ولدي الحسن وعمارا وقيسا مستنفرين لكم فكونوا عند ظني بكم والسلام[149].

 

يا لها من فلتت غضب منها ، يا أمير المؤمنين :

 قتلت بها آلاف المسلمين وطلحة والزبير وعثمان من قبل .

 وصارت فتنة يؤيدها بها كثير من الضالين ، هذه دنياهم والأم تؤجج حربا تقتل بها أبنائها .

 وعندك لا تساوي عفطت عنز وستأتي كلماته.

 

ومن كلام لسيد الوصيين عليه السلام في معنى طلحة والزبير :

والله : ما أنكروا علي منكرا ، ولا جعلوا بيني وبينهم نصفا . وإنهم ليطلبون حقا هم تركوه ، ودما هم سفكوه .

 فإن كنت : شريكهم فيه ، فإن لهم نصيبهم منه ، وإن كانوا ولوه دوني : فما الطلبة إلا قبلهم  . وإن أول عدلهم للحكم على أنفسهم .

إن معي لبصيرتي : ما لبست ولا لبس علي . وإنها للفئة الباغية فيها الحما والحمة ، والشبهة المغدفة .

وإن الأمر لواضح : وقد زاح الباطل عن نصابه ، وانقطع لسانه عن شغبه .

وأيم الله : لأفرطن لهم حوضا أنا ماتحه ، لا يصدرون عنه بري ، ولا يعبون بعده في حسي .

 فأقبلتم إلي : إقبال العوذ المطافيل على أولادها ، تقولون البيعة البيعة . قبضت كفي فبسطتموها ، ونازعتكم يدي فحاذبتموها .

 اللهم : إنهما قطعاني وظلماني ، ونكثا بيعتي ، وألبا الناس عليَّ  . فاحلل ما عقدا ، ولا تحكم لهما ما أبرما ، وأرهما المساءة فيما أملا وعملا . ولقد استثبتهما قبل القتال  واستأنيت بهما أمام الوقاع ، فغمطا النعمة وردا العافية [150].

ويا طيب : أرجع الله حقا لسيد الوصيين كان فيه من البركة كبيرة ، فيه صحح القراءة وتلوا القرآن كما أنزل وإن الله الحافظ ، جعل المفسرين يأخذون معارف كتابه منه ، وانتشرت علوم الإسلام بما يحب الله ، وعرف الناس الحق ، وبقي من له أحنه أو لم يطلب الحق ويتبع الفلتة ، وبيعته كما قال عليه السلام ليس بفلتة ، بل بأمر الله أنظر ما قال وتابع الإشراق الآتي :

ومن كلام لسيد الوصيين عليه السلام :

لم تكن بيعتكم إياي فلتة .

وليس أمري وأمركم واحدا .

إني أريدكم لله : وأنتم تريدونني لأنفسكم .

أيها الناس : أعينوني على أنفسكم .

وأيم الله لأنصفن المظلوم من ظالمه .

ولأقودن الظالم بخزامته ، حتى أورده منهل الحق ، وإن كان كارها[151]  .

 

 



[125]علل ‏الشرائع ج2ص312ب1ح1 . وعنه في وسائل ‏الشيعة ج5ص465ب1ح7086 .

[126] نور الثقلين، ج‏5ص630ح81 . فضائل الأشهر الثلاثة للشيخ الصدوق ص 119 ح116 .

[127] بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار ص406ح12 .

[128]كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق ص280ح30 .

[129]كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق ص 304 ح19 .

[130]بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار ص462ح5 .

[131]بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج25ص70ح60 . كنز الفوائد : 396 . البرهان في تفسير القرآن، ج‏5، ص: 713 ح11785/24 ، تأويل الآيات 2: 820/ 9.

[132]البرهان في تفسير القرآن، ج‏5، ص: 714 ح11789/28، تأويل الآيات 2: 818/ 4 .

[133]البرهان في تفسير القرآن ج‏5ص714ح11790/29 ، تأويل الآيات 2: 819/ 5.

[134]الكافي للشيخ الكليني ج 1 ص 248 ح4 .

[135]{بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ : إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) }القدر .

[136]الكافي للشيخ الكليني ج 1 ص 249 ح5 . وعنه في بحار الأنوار وكنز الفوائد . بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار ص244 ح16 .

[137]أسد الغابة،ج‏5،ص:103 رقم 5865 ، استيعاب،ج‏4،ص:1649رقم2942 .

[138]التعجب للكراجكي ص51،خبر وليتكم ولست بخيركم تاريخ الطبري3/224. شرح نهج البلاغة7/110 .

[139]الاستغاثة لأبي القاسم الكوفي ج 2ص 40 .

[140]الغدير للأميني ج 6 ص 328 ط 2 ، و ج8 ص60 . الاحتجاج الشيخ الطبرسي ج 1ص87 .

[141]الإمامة والسياسة ج‏1ص28.

[142]الشافي في الإمامة للشريف المرتضى ج2ص114. وروى استقالة أبي بكر من الخلافة متواترة ابن حجر في الصواعق المحرقة ص 50 بلفظ : أقيلوني ، أقيلوني لست بخيركم ، وفي الرياض النضرة 1 / 175 ، والإمامة والسياسة ج 1 / 14 : لا حاجة لي في بيعتكم أقيلوني ، وفيه أيضا 1 / 16 أنه احتجب عن الناس ثلاثا يشرف كل يوم يقول : أقلتكم بيعتي  .  ولكن في كلها كان عمر يثني عزمه يعيده لمنصبه ومعه قنفذه ومن مثلهم .

[143]الشافي في الإمامة للشريف المرتضى ج2ص114. روى هذا الكلام عنه جماعة منهم الطبري في التاريخ 2 / 430 حوادث سنة 13 والمسعودي في مروج الذهب 1 / 141 وابن عبد ربه في العقد الفريد 4 / 268 .

[144]الشافي في الإمامة للشريف المرتضى ج2ص114. قول عمر: كانت بيعة أبي بكر فلتة الخ ، رواه البخاري في صحيحه ج 8 / 25 في كتاب المحاربين ، باب رجم الحبلى ، وابن هشام في السيرة 4 / 308 وابن الأثير في الكامل 2 / 347 ، وابن كثير في البداية والنهاية 5 / 246 وابن حجر في الصواعق المحرقة ص 36 وانظر نهاية ابن الأثير 3 / 467 وتاج العروس 5 / 568 مادة " فلت " . وقال في الإيضاح للفضل بن شاذان الأزدي ص516 . إن كان الطعن على بعض الصحابة رفض " فعمر بن الخطاب أرفض الناس وإمام الروافض كلهم . ثم ما شاع واشتهر من قول عمر : كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه ، وهذا طعن في العقد وقدح في البيعة الأصلية .

[145]كتاب سليم بن قيس - تحقيق محمد باقر الأنصاري  ص 241 .

[146]المسترشد لمحمد بن جرير الطبري الشيعي ص165؛ لابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج 20 ، ص 22 .

[147]أحاديث أم المؤمنين عائشة للسيد مرتضى العسكري ج 1ص161 .) الطبري 4 / 477 ، ط . القاهرة سنة 1357 ، وط . أوربا / 3112 ، وابن أعثم ص 155 ، وابن الأثير 3 / 87 ، وابن أبي الحديد 2 / 77 ، ونهاية ابن الأثير 4 / 156 ، وشرح النهج 4 / 458 . ( * ) راجع لغة نعثل في النهاية لابن الأثير والقاموس وتاج العروس ولسان العرب . ( 107 ) أنساب الإشراف 5 / 105 .

[148]أحاديث أم المؤمنين عائشة للسيد مرتضى العسكري ج1ص 175، 147 كالمدائني في كتابه الجمل ، وأبو مخنف لوط بن يحيى على رواية ابن أبي الحديد عنهما في شرحه ج 6 من تجزئة المؤلف ج 2 / 76 ط . مصر . الطبري 5 / 172 ، وط . أوربا 1 / 3112 3111 ، وابن الأثير 3 / 80 ، وكنز العمال 3 / 161 ، وابن سعد 4 / 88 بترجمة عبيد ابن أم كلاب مختصرا . وابن أعثم ( 2 / 248 250 ) ط . حيدر آباد 1388 ه‍ ، 1968 .البلاذري في الأنساب 5 / 91 . دعدعوها : حركوها .  ، سرف : على بعد ستة أميال أو أكثر من مكة . معجم البلدان . لابتيها مفردها لابة ، واللابة الحرة . وفي الحديث ان النبي حرم ما بين لابتي المدينة وهما حرتان يكتنفانها أي جبلان . لسان العرب . ومهيم كلمة استفهام ومن معانيها : ما وراءك ؟ 

[149]الجمل للشيخ المفيد  ص 131 .نهج البلاغة خطب الإمام علي عليه السلام ج3ص2 ح1.

[150]نهج البلاغة خطب الإمام علي عليه السلام ج2ص 19 الكلمات القصار 137 . الطلبة : بالكسر ما يطالب به من الثأر ، المراد بالحما هنا : مطلق القريب والنسيب ، وهو كناية عن الزبير ، فإنه من قرابة النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمته . قالوا وكان النبي أخبر عليا أنه ستبغي عليه فئة فيها بعض أحمائه وإحدى زوجاته . والحمة بضم ففتح كناية عنها . وأصلها الحية أو إبرة اللاسعة من الهوام . والله أعلم . أغدفت المرأة قناعها : أرسلته على وجهها . وأغدف الليل : أرخى سدوله . يعني أن شبهة الطلب بدم عثمان شبهة ساترة للحق . زاح : يزيح زيحا وزيحانا : بعد وذهب ، كانزاح . والنصاب : الأصل ، أي قد انقلع الباطل عن مغرسه ، الشغب : بالفتح تهيج الشر . أفرط الحوض : ملأه حتى فاض . والمراد حوض المنية . وماتحه : أي نازع مائه لأسقيهم . عب : شرب بلا تنفس . والحسى : بفتح الحاء ويكسر سهل من الأرض يستنقع فيه الماء أو يكون غليظ من الأرض فوقه رمل يجمع ماء المطر فتحفر فيه حفرة لتنزح منها ماء وكلما نزحت دلوا جمعت أخرى ، فتلك الحفرة حسى ، يريد أنه يسقيهم كأسا لا يتجرعون سواها . العوذ : بالضم جمع عائذة ، وهي الحديثة النتاج من الظباء والإبل ، أو كل أنثى . والمطافيل : جمع مطفل بضم الميم وكسر الفاء ذات الطفل من الإنس والوحش .

[151]نهج البلاغة خطب الإمام علي عليه السلام ج2ص 19 الكلمات القصار 136 .

 

 

   

أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.msn313.com

يا طيب إلى أعلى مقام كرمنا بنوره رب الإسلام بحق نبينا وآله عليهم الصلاة والسلام


يا طيب إلى فهرس صحيفة سادة الوجود رزقنا واهب السيادة نعيم هداه بأحسن جود