هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين  في  أصول الدين وسيرة المعصومين
صحف الظهور والتجلي  /  صحيفة  سادة الوجود / الجزء الأول
 معنى السيادة وملاكها وتأريخها وظهورها بنور واهب السيادة
في مراتب التدوين
في سيد الكتب وآياته وعلومه والتكوين سيد المرسلين وآله الطيبين الطاهرين سادة المتقين
الباب الأول /
مصباح هدى

 

الباب الأول

معنى وملاك وحقائق السيادة الحقة الواقعية وغيرها
والتي نطلقها على سادة أهل الوجود وغيرهم

  

في هذا الباب : نذكر مصباح نور يشرق علينا بمعرفة حقيقة المعنى العرفي ثم اللغوي لمعنى السيد وأسس حقائقه وأنواعه وملاكه وما ينطبق عليه في الكائنات ، ثم تأتي سفينة نجاة فيها مجالس نذكر فيها معاني السيادة وأنواعها في الموجودات وفي المجتمع وأدوار التأريخ كله وبالخصوص ما يقارب زمن نبينا الأكرم حتى زماننا هذا ، ونشير لعلو قدر سادات أهل الوجود الحق وما لهم من الولاية والإمامة عليهم السلام لسيادتهم الحقة واقعا ، حتى يأتي تفصيلها في أبواب آتية إن شاء الله .

مصباح هدى
ينورنا حقائق ومعاني لفظ سيد وأهميته وسعته
في العرف واللغة وأنواع أطلاقه وأسسه وملاك السيادة الحقة وغيرها

 

النور الأول

سعة معنى السيد في العرف الاجتماعي الإسلامي و العام

 

يا طيب : أكرم موجود مخلوق هو سيد الوجود ، وأين ما حل من مراتبه تكون له الكرامة في السيادة والشرف والمجد والشأن الكبير العظيم ، وإن لكل شيء بحسب شأنه له سيد فيه ويكون له خصائص يتفضل بها على غيره ، لذا في هذا النور نقدم البحث في المعنى العرفي والاجتماعي لكلمة سيد ، وبعده نتعرف على المعنى اللغوي ، ثم نتعرف على ملاكه وأسس وحقيقة كلمة سيد ومناط إطلاقه على أفراد أنواعه ، ثم في سفينة النجاة نتعرف بها على مصاديق السيد في التأريخ وواهب السيادة و سادة الوجود في التأريخ، وذلك بعد إن عرفنا أنواعه ومعناه وملاك إطلاقه على أنواعه .

وللتذكرة المجملة : حتى يأتي التفصيل إن كلمة السيد عندما تطلق على أحد يراد بها أنه جامع لصفات كريمة في ذاته وصفاته وأفعاله وبره وخيره وأخلاقه وشمائله وسيرته وسلوكه وفعله ، وفيه كل صفات الكمال وما يبين أنه يسود على غيره ويعلو عليه بعلمه وحلمه وبره وصبره وشجاعته ، فيكون السيد : كريما ماجدا فاضلا حاويا لأعلى مراتب الكمال ، ولذا سترى أن كلمة سيد يدخل معناها في معنى كل لفظ يراد به المدح وبيان علو الهمة والجمال التام في حقيقة الشيء سواء الحسن الذاتي أو الصفاتي أو الفعلي بل والبدني فضلا عن الكمال الروحي ، وهي كلمة جامعة لكل أنواع المكارم والفضائل ، وفيها بيان لنور المجد والشرف في الإنسان الذي تطلق عليه .

ثم يا طيب : قد أعتاد شيعة آل محمد إطلاق كلمة السيد على من خُص بالنسب للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو من نسل الإمام علي من ولديه الحسنين عليهم السلام وذريتهم إلى يوم القيامة ، وكاد أن يخصص عندهم معناه فيهم .

وأما في المحافل والمجالس العامة : والتي لم تعتني بأمر الدين أو لم تقصده بما هو بل حتى فيها ، يطلق لفظ السيد على الحضور كلهم ، أو حين المخاطبة لشخص يراد تعظيمه ومدحه ، أو يتملق له ويراد منه بره وعطفه ، أو جلب توجهه لما يقال له من الكلام ، ولذا في كل الاحتفالات يقال سيداتي وسادتي ، وحتى في برنامج الوورد المعد للكتابة من مجموعة أوفس حين تكتب السيد بضغط الأنتر يكتب : السيدات والسادة: أو تكتب سيدا فيكتب : سيداتي وسادتي: مع النقطتين ، وما ذلك إلا لكثرة استخدامها في اللغة في باب التحية والتقديم للأشخاص ، وإنها كلمة محببة وفيها معنى كريم يرد بها الثناء على من يتقدمون له بالكلام أو يقدموه باهتمام أو يخاطبوه باحترام.

ولكن يا طيب : يجب أن يراعى لمعرفة كلمة السيد ، قائل الكلمة وغرضه منها وما يريد أن يبينه ، فإذا كان عظيما كنبينا الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، فلابد أن يكون كلامه الذي هو عن وحي يوحى ، وهو كلاما كريما يريد به بيان أعلى المعاني لمن يمدحه ويثني عليه ، وليس كلام هجر أو فارغ للمجاملة بما هو ، وبالخصوص إذا قرن بكلمات تعبر عن مقام بيان مجد وشرف ومناقب وفضائل من يطلق عليه كلمة سيد ، وسيأتي بعض معارف تقسيمها ومعنى السيد الحق وغيره .

فإن نبي الرحمة : حين يذكر نفسه أنه سيد ولد آدم أو سيد الأنبياء والمرسلين ، فإن كلمة سيد يراد بها أعلى معانيها على الحقيقة ، وبدون مجاملة أو مدح ارتجالي لا معنى له ، بل لها أعلى معنى وكل معاني الكرامة والمجد والفضل ، وله حقا السؤدد والرئاسة بل الإمامة والولاية ، وبهذا المعنى أطلق كلمة سيد على وصيه وخليفته ويعرفه بأنه سيد العرب أو سيد الأوصياء ، أو يعرف أبنيه الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، وأبنته سيدة نساء العالمين وآله سادة المتقين ، فهو تعريف حقيقي لأعلى معاني كلمة السيد وما يراد بها من بيان الكرامة والمجد والشرف والفضيلة ، لا معنى عابر يمكن أن يطلق على الغير بهذه الخصوصية التي يطلقها رسول الله وما يريده من معنى كلمة سيد. وقبل أن دخل : في معنى يريده سيد الوجود لسادته ، نتعرف على أنواع أطلاق كلمة سيد في المجتمع بصورة عامة ، وبتفصيل أوسع نقسم به مجال إطلاقها .

 

الإشراق الأول :

السيد : الله سبحانه وتعالى :

السيد المطلق : وسيد السادات هو الله سبحانه وتعالى ، والسيد من الأسماء الحسنى ، ومعناه حقيقة النور الأعلى والمهيمن في إشراقه بالعدل والإحسان ، ويهب النور لمن يشاء من عباده ، فيجعله صاحب السيادة في الوجود كله وله الولاية الحقة في تعريف الهداة ، ويختار بعلمه أحسنهم وأكملهم وأفضلهم في كل خصاله ، ولذا حين نعرف أنه حين يراد بالسيد الله سبحانه وتعالى نشعر بعلو المعنى وكبرياء الملاك وأنه اسم من الأسماء الحسنى ، ويردا به الخالق المقصود من الناس ، وله الملك المطلق والمتفضل العفو الغفور الذي يرجى منه أحلى كمال وأعلاه ، وبه يرفع ويدفع كل نقص ، وتحصل الرفعة عن كل سيئة وذنب لمن يتجلى عليه ، ويبدلها حسنات ومكرمات ، فيجعل لمن يعمل بهداه فضائل تنوره قلبا وعقلا بل يتنور ويكون بهيا في البدن والمحيط دنيا وآخرة ، وسيأتي في الباب الآتي شرحا أوسع فأنتظر أدلته .

والسيد : كما يطلق على الله سبحانه وتعالى ويقال يا سيدي ، أو يا سيد السادات ، أو بدون حرف النداء ، كذلك تطلق على رسول الله وعلى آله ، وكذلك على كثير من الناس ممن لهم شأن معين ، ولكن كلا له حسنه وجماله ، وعلوه وفضله ومقامه ، ويكون له رتب ودرجات تشبه بل حقيقة رتبة السيد والعبد وعلو الدرجة في الفضل بين كل مرتبه وما تليها ، وهي حقائق ترتب تجلي نور الله الذي عرفته في الإمام الحسين عليه السلام  حسب مراتب الوجود ، وفي معاني الوجود المشكك ذو المراتب تكوينا .

وسيأتي : بيان مصاديق كلمة سيد ، والمعنى الكريم لتعريف سيد السادات بل وتجليه في سادة الوجود بالخصوص ، وأما في هذا المصباح فالغرض التعرف على أنواع السيد ومعناه وملاك إطلاقه على أنواعه ، وأسس تدخل في معنى كلمة السيد الحق الذي يستحق معناه حين تطلق عليه واقعا ، ونشير للمجاز فيه .

 

الإشراق الثاني :

السيد : رسول الله وآله الطيبين الطاهرين :

السيد : سيدنا رسول الله ، وهذا ما نعرفه من كلمة سيد بصورة مطلقه ، وغالبا ما يقال : السلام والصلاة على سيدنا رسول الله وآله الأطهار ، وكلمة سيدنا رسول الله قد كثر استعمالها وقد تقرن بنبينا أو تقال له وحدها ، وفي كل حال يراد بها :

 أنه أفضل الخلق وأشرفهم : وسيدهم في كل صفات الكرامة وخصال المجد الذاتي والصفاتي والفعلي ، ويُعتقد بأنها له بأعلى كلمات الحمد وأبلغ ألفاظ الثناء ، ويراد بها التقرب لله سبحانه وتعالى وطلب فضله والكرامة منه سبحانه .

وسادتنا وسادتي : في الدعاء والزيارة ونقل الحديث وتعريف أفضل خلق الله بعد رسول الله ، يراد بها آل البيت آل محمد وأهله الطيبين الطاهرين صلى الله عليهم السلام ، سواء نبينا وأصحاب الكساء الخمسة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، أو مع ذرية الحسين والأئمة المعصومين بالخصوص منهم ، وقد تفرد سادتي وحدها ويراد بها كل آل البيت الطيبين الطاهرين المعصومين عليهم السلام ، وقد تكون مرافقة لمواليي أو أوليائي أو أئمتي أو غيرها مما يُعرف مجدهم وسؤددهم وفضلهم على غيرهم من كل المسلمين فضلا عن غيرهم من بني البشر ، ويشعر بهذا المعنى أقل عارف برجال الدين الإسلامي ، وبالخصوص من أطلع على معارف مذهب أهل البيت حتى لو كان من غيرهم ولم يتخذهم أئمة بصورة مطلقه ، ولكنه أحبهم لقربهم من رسول الله وللعمل بآية المودة ولحبه لمن لهم السابقة الحسنى في الإسلام وبالخصوص سادة المتقين آل نبينا الكريم محمد صلى الله عليهم وسلم .

فالسيد رسول الله : تجد له معنى أكرم مخلوق في الوجود وأكرمهم وأفضلهم بما لا يخطر له مداني بالفضل والكرامة ، وصار له لقب سيدنا رسول الله ، وتراه في أغلب مقدمات الخطب وأول كتب الدين وخاتمتها ، وكذا صار لقب لآله صلى الله عليهم وسلم ، فإن بعد سيد سادة والوجود رسول الله يكونون هم :

السيد : سيد الوصيين علي بين أبي طالب ، وفاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين  ، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، و السادة وسادتي ذرية الحسين والأئمة المعصومين عليهم السلام ، وسيد الشهداء حمزة عمهم ، وفي كلها ترى معنى سيد لهم قريب من معنى يراد به رسول الله ، ويكون تاليه فيما يهب للمؤمن من الذكر لفضل الله في الوجود ، وقد أنزل أعلى وأتم نوره على موجود بعد رسول الله ، وترى فيه معنى الإمامة والولاية والشرف والسؤدد لهم وبأعلى معنى ظهر في الوجود من الله بعد أن تحقق به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

 

الإشراق الثالث :

السيد : للسادة من ذرية رسول الله :

السيد : إذا أريد به آل محمد المعصومين فهم أربعة عشر ، نبينا وأصحاب الكساء والتسعة من ذرية الحسين عليهم السلام ، أي ولاة أمر الله وسادة الوجود :

 نبينا محمد : وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي ومحمد بن الحسن صلى الله عليهم وسلم ، وهؤلاء عند الشيعة هم سادة الوجود المتجلي فيهم اسم الله الحسن السيد بحق وتام وبأعلى ملاك ممكن تكوينا .

ولكن عرفت : أنه توسع معنى السيد عند الشيعة المحبين لآل محمد صلى الله عليهم وسلم ، وأطلق على كل فرد من ذرية رسول الله والإمام علي من ولديه الحسن والحسين عليهم السلام إلى يوم القيامة ، وهذا هو المعنى الذي صار متبادر عندهم ، وإن معنى السيد عندهم هم بأنهم في المقام التالي لآبائهم عليهم السلام ، وإن السيد هو من ينتسب للأئمة وولاة أمر الله في عباده ، وملاك السيد وروح معناه هو : نسبة تشريف لنسبهم المتصل برسول الله وذريته من علي وفاطمة وأولادهم المعصومين .

ولذا قد يقال : السيد معنى ذاتي يناله عندهم كل فرد جده الأعلى رسول الله وعلي صلى الله عليهم وسلم ، ولذا يعاتب من هذه الذرية الطيبة من لم يكن على أخلاق آل البيت والأئمة المعصومين وبأعلى مراتب الفضائل والخُلق الحسن والشيم الجميلة التي جاءت بها تعاليم الإسلام ، ويقال له : نقضت أخلاق أجدادك وتنزلت عن شيم سادات الوجود وأصبحت في خلاف المتوقع منك .

ولذا ترى السادات المنتسبين للنبي الأكرم وآله صلى الله عليهم وسلم : يغلب عليهم الاعتداد بالنفس والتخلق بالأخلاق الإسلامية الحسنة ، والظهور بالمظهر المعتد به والهندام الجميل حسب الممكن والقدرة ، و الآن تزين السادة من ذرية رسول الله عمامة سوداء إن كانت من طلبة الدين ، وفي الغالب بالخصوص في المناسبات لأغلبهم حتى غير الطلبة شال أو حزام أو غترة أو كلاو أو فينه أو جفية خضراء ، وذلك ليعرفوا بها ويكرموا ، فتحدهم هذه العلامة وتميزهم أيضا ، فلا تراهم إلا في تصرف موزون كريم ، ولا يحضرون ولا ترى أحدا منهم بهذه الهيئة في مجالس الباطل ولا محلات اللهو ، ولا ترى لهم خلق أو حركات تخالف شأن تعاليم الدين .

كما أنه أصبح من آداب المؤمنين المتدينين : وبالخصوص الشيعة منح حق التقدم للسادة من نسل سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم في دخول المجالس والجلوس في صدرها ، كما أنه ذوي الرأي منهم يدعون لحل المشاكل وإصلاح معضل الأمور التي تحل بعض العائلات سواء بين زوجين أو أب وأبن أو بين الأقارب أو مع الجيران وغيرهم وفي المحلات والمناطق وبين العشائر ، فيكون حضورهم مؤثرا في منح الحلم وتحمل الجريرة واصطناع المعروف بين الحاضرين كرامة لهم ، فيتنازل المدعي لهم عن رأي معاند أو حق مالي أو جاه أو كلام جارح وعدم الاعتناء به ، أو التنازل عن دية أو قرض أو بعضه أو تأجيله ، بل في تعجيل أمر زواج وإصلاح بين المتعاندين لحرمة حضورهم ، سواء تكلموا أو لا ، فيكون وجودهم في أغلب مجالس الدعاوي والحقوق مؤثرا في الأنصاف أو الحلم أو تحمل الجريرة وغيرها مما كان سبب للتباعد والتباغض والدعاوي فيرفعها ، أو لتعجيل أمور الخير والإصلاح وتحصيل المعونة ورفع الحوائج بين أصحابها ومقدميها وتسريع إنجازها وإيجاب الوفاء والتسابق بتقديم خيراتها .

 وأما غير الشيعة : فمن يعيش في وسطهم قد عرف ما ذكرنا للسادة من ذرية النبي الأكرم وآله الطيبين الطاهرين ، وأما من يبتعد عنهم في العادات فالسيد عنده قد يكون كما عند الشيعة وقد يسميهم في بعض في بلاد المغرب الإسلامي بالأشراف بدل السادة ، وأيضا لهم احترامهم الخاص ، وترى الشريف أو السيد أيضا أنها كلمة تشريف وبيان فضيلة نسب لرسول الله وآله الطيبين الطاهرين ، ويكون تقدير الناس لهم حسب مذهبه ومقدار تولي سادات الوجود الأوائل ومعرفة حقهم فيكون بعدهم وقربهم عن هذا المعنى ، وما هي تربيته في الموالاة والمعاداة لأهل البيت عليهم السلام وشدت حبه لهم وبعده عنهم ، وفيه مراتب كثيرة حسب اهتمام الناس بدينهم وسادة وجوده الأوائل ، ورؤية الفضل لهم ووجوب التقدير وتقديم ذريتهم بالتكريم .

وفي المسلمين : يوجد طيف لا مانع عنده من تغليب المفضول على الفاضل ، وتوجد شرذمة وجدت وكثرة بفعل الكفار وأئمة الاستخراب وما يقال الاستعمار ، ممكن أن يكون إمامة وسيده ووليه غير سيد لأهل الجنة ولا له نسبه لرسول الله ، بل حتى يمكن أن يكون مخالف ومحارب ومعاند لهم ، بل ويجلل ويقدر من قتلهم أو أمر بقتلهم ، وبنفس هذا البعد يبتعد عن ذريتهم ، بل قد يحارب السادة المنتسبين بالنسب لذرية رسول الله ووصيه ، ولا يحبهم أو لا يعتني بهم ولا تجد لهم عنده تقدير ، بل قد يكون ماقت لهم ويدعو الناس للبعد عنهم ، ويتنفرز حين يسمع كلمة سيد فضلا عن رؤيته والعياذ بالله .

فالسيد من ذرية المعصومين : من نسل رسول الله وعلي عليهم السلام ، فعند الشيعة وعند كثير من المسلمين المحبين لأهل البيت ، هي نسبة تشريف وحب لصاحبها لحبهم لرسول الله ، ومقطوع فيها السؤال عن ملاك معنى كلمة سيد حين تطلق عليهم ، بل خصت بهم تشريفا وأصبحت بديهية عند شيعة آل محمد ، ولا يخطر في بال أحد شيء يخرج المعنى حين يطلق عليهم سيد عن كونهم لهم نسبة إلى سيد الكونين وأخيه سيد الوصيين ، ولذا تكون لمن كان من نسلهم كرامة وحب خاص واحترام كاد أن يكون ذاتي ، فضلا عن إيماني بوجوب حبهم ، وإظهار فضلهم لما لهم من النسبة الشريفة لأئمة الحق وولاة أمره الله وسادة الوجود في كل مراتبه على الحقيقة .

فالحق : إن للسيد العلوي يرتفع الاحترام حسب حب الفرد للنبي الأكرم وعلي وآلهم الطيبين من أئمة الحق ، وكلما كان الحب لأولياء الله وسادة الوجود أكثر ، ترى الاحترام لمن ينتسب لهم بالذرية عند شيعة آل محمد أشد وأقوى ، وأنه بصورة عامة هناك احترام للسادة عند شيعة آل محمد حتى عند أقلهم إيمانا وأضعفهم معرفة بالشأن الكريم لمعنى كلمة سيد أو لعظمة نور نبينا وآله صلى الله عليهم وسلم ، بل تجده هذا التقدير عند عموم المسلمين ، ومن يعيش بينهم يرى هذا الحرمة لهم ولو لم يعتقدها ، ولكنه اعتادها ويرى أنه لا بأس بها لما لهم من الهيئة المعتدة في الخُلق السامي ، والذي يحالون به أن يحفظوا آداب الإسلام كاحترام لأجداهم ودينهم وإظهار حقائقه بالتبليغ العلمي والعملي وحث الناس على الأخلاق الحسنة والفضائل الجميلة لمعارف دين الله الحق، فكانت لهم سيادة خُلقا في غالبهم تبعا للسيادة خَلقا بالنسب.

 

الإشراق الرابع :

السيد : من باقي الناس ونداء الحضور في الاحتفالات :

 إن السيد : حين يطلق على أحد من الناس ، فيقال : سيد بما يصح أن يتصرف معه سواء يا سيد يا أيها السيد ، أو سيداتي وسادتي ، السيدات والسادة: الحضور ، وترى كلمة السيد يراد بها الاحترام وبيان التقدير لمن يخاطب بها لا أكثر .

وإن كلمة سيد : في بيان احترام المخاطب تكثر في الأوراق الرسمية في الدوائر ، وفي أوراق البيع والشراء والمعاملات بصورة عامة ، وفي الاحتفالات والنداء العام بالسيدات والسادة أو مع ياء النسبة ، وموارد أخرى كثيرة .

 ولكن لو حببت أن تتدبر به : حين يخاطب شخص مفرد بكلمة سيدي ، وبالخصوص إذا رافق المخاطب شيء من الخضوع في الهيئة منه لسيده المنادى ، يبقى مرافق لهذه الكلمة في ذهنك شيء من التعجب معها ، والتأمل بها وما يراد لها من معنى ، ويكمن فيها تسأل هل من أطلقت عليهم أو عليه فاضل حقا بكل معنى الكلمة ، ومدى استحقاقه لها ؟ وهل له مجد ومكرمات واقعية وما هو مداها ، ولماذا أطلقت عليه ؟ هل يريد مدحه لوجه الله ، أم تملق له ؟ أو لجلب توجهه وتشييمه ليظهر لطفه وعطفه فيهب شيء من ماله أو يكفى شره ؟! أو غيرها من آلاف الأسئلة الكامنة حتى تعرف شخص السيد المنادى وخصاله وملاك السيادة فيه كما سيأتي في الأنوار الآتية .

فإن السيد : كلمة مدح وثناء عام معتاد ، ولكن لو أردت معناها فيجب أن تكون لفضيلة خاصة فيه ظاهر بها كعلم أو مال أو نسبة لرسول الله ، أو رئاسة قوم أو غيرها من الأمور التي استحق بها هذه الكلمة ، وإنها مهما كانت حين يراد بها المجاملة أو الأفراد العاديين من الناس ، فهي مجرد الاحترام والتقدير ليس إلا ، وليس ينظر فيها لملاكها وروح أسساها ، وليست يراد بها المقام العظيم المعرف للنبي وآله صلى الله عليهم وسلم وذريته ، فضلا عن خالق الوجود سبحانه وما يراد بها من الخضوع بل والخشوع لعظمته والتزلف لديه بها كاسم من الأسماء الحسنى .

ويا طيب : هذا ما تربى عليه الناس الآن ، وهو المتعارف عليه في عامة المسلمين ، بأن السيد بصورة عامة وبالخصوص في الاحتفالات والمناسبات الرسمية ونداء من لا يُعرف ومن المساوي للمساوي فهي كلمة مدح وثناء لا أكثر ، ولكن لخاصين ممن عرفت في الإشراق الأول ولثاني وحتى الثالث فينضرون لكلمة سيد بكبرياء المعنى ويراد بها شرف الملاك ومحلا لمناط النسبة ، وليست كلمة عابرة لا أهمية لها .

 نعم سماع كلمة سيد : والنداء بها تحفه قرائن تقطع السؤال ، وقد يكون سؤال مجمل في الذهن ، وتعجب عابر وقتي ، وإطلاق عفوي فكري ، لكنه يحل بنفس السرعة بأنه إنسان يراد توجهه لما بعد من كلام المُخاطِب به ، ويراد تشريف وتفضيل للمخاطب ، ولكن دون أعلى معناه الحقيقي لخالق الكون وما وهب من السيادة لسيد الكون وآله الكرام بحقيقة المعنى والمجد العالي ، ولكن إن أريد المعنى جدا حين يطلق على شخص عادي ، يكون السؤال عن المعنى ملحا حتى يُعرف الملاك في المنادى .

وإما إذا أريد بها : الله سبحانه أو نبيه أو آله الكرام ، أو ذرية المعصومين ، أو عموم الذرية ، فهو معنى متعارف لا يسأل عنه ، ويعرف أن الله خالق الكون والسيد المطلق وواهب السيادة ، وإن نبينا سيد المرسلين ، وأن أمير المؤمنين سيد الوصيين وخير أهل الأرض والجنان بعده ، وهو أفضل من ولدية الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، ومن سيدة نساء أهل الجنة فاطمة الزهراء عليها السلام ، وإن ملاك السيد لهؤلاء مسلم لكل المسلمين، وأنهم خير خلق الله سبحانه وتعالى وأفضل من أنعم عليهم بهداه وجنانه ولهم أعلى نور تجلى من كل أسمائه الحسنى .

 

 

 

الإشراق الخامس :

السيد : رئيس القوم أو المالك أو غيرهم سابقا وتواجدها الآن :

السيد : في اللغة والأدب الاجتماعي قديما كان يراد به رئيس القوم ومن له السؤدد والشرف فيهم ، وبالخصوص من كان منهم فيه خصال حميدة وفضائل كريمة ، ولا تطلق على كل رئيس إلا مجازا ، فيقال له سيد لأمور أخرى توجبها قوته أو منصبا له أو لنيل ما عنده وتزلف له .

وكذا كلمة سيد : خصصت بين المالك والمملوك بصورة عامة فيقال سيد العبد ، وهو كل من يؤسر فيباع يسمى عبد ويسمى مشتريه ومالكه سيد ، وبفضل تعاليم الإسلام الحاثة على عتق العبيد ، الآن في هذا العصر لا تجد أحد مملوكا لأحد والكل أحرار ، فلا سيد بهذا المعنى لمالك إنسان موجود الآن .

 وقد عرفت أنه عند الشيعة : أنصرف معنى السيد بأعلى معناه لله ولرسوله ولآل رسول الله المعصومين عليهم السلام ، وتبعا لذلك أطلقت على ذريتهم ، وذلك للحب المفرط لله ولرسوله ولأئمة الحق من آله صلى الله عليهم وسلم .

وأما غير الشيعة : من عموم الناس والمسلمين فهي كلمة تقدير وترحيب في المجالس وقلما تطلق على رئيس قبلية أو قوم ، نعم كثر استخدامها في الجيوش وأصبحت مقدمة لخطاب الجنود ذو المراتب الدانية لأصحاب المراتب العالمية وبالخصوص من لهم رتبة ضابط ، وكذا عممت لكل إنسان في الاحتفالات والمجالس العامة ، أو في الخطاب لشخصي لأي فرد ، فصارت كلمة عامة تشريفية لا بما ستعرف مما لها من المعاني اللغوية العالية أو ملاك بذل المعروف والتقى الآتي بيانه .

 

وعلى كل حال يا طيب : هناك معنى عام لكلمة سيد وهو الآن جاري في كل عرف الناس مسلمين بل وغير مسلمين ، وهو يساوي كلمة أقا بالإيراني ، ومستر ومسيو  ومونسير بالإنكليزي وبالفرنسي ، وهي تحية عامة وأدب اجتماعي لا ينظر فيه لملاك الكلمة بأعلى معانيه بل تشريف عام ، ولا حال المطلق عليه بأكثر من جلب الاحترام وطلب الود وجلب الانتباه لكونه منادى أو حاضر في حفله أو له شأن عام .

ومعنى خاص : عند العرب قديما وهي تخص فردا له شأن في عشيرته وقومه وله وجاه في مجتمعه ، فيراد به رئيس القوم وسيدهم والمقصود بالمهمات عندهم أو سيد العبد ، وتقريبا هجر الآن ، ولم أره متداول لرئيس عشيرة أو رئيس قوم وجماعة و لا لرئيس مؤسسة ودائرة مهما علا ، نعم يطلق السيد على ضباط الجيوش ورؤساء الحكومات فيقال لهم سيدي ممن هو دونهم وتحت أمرتهم ، من دون نظر للملاك وما لهم من فضائل الشرف والخير وغيرها ، بل للسلطة وللحكومة سواء تحققوا بمعاني حقائقها حقيقة أو لا ، بل لكونه حاكم ورئيس يقال له سيد ، وسيأتي كلام في سيد الباطل وأهله لبذله للضلال وكل أمر مشين وقبيح لأتباعه والعياذ بالله منهم .

وبعد أن عرفنا : في هذا النور تقريبا فهرس سعة معنى السيد ومَن يطلق عليهم بصورة عامة ، وكيف أنصرف وتصرفت ، أو خصص معناه علوا أو تنازلا كخطاب عام ، نذكر معناها الحقيقي في اللغة ثم نذكر ملاك وجودها ، وروح معناها الكريم في الأصل اللغوي عند الأوائل ، وما فيه من معاني الكرامة والمجد ودخوله في روح معنى كل لفظ لغوي أو عرفي عالي فيه تُبيَّن الفضائل والمناقب لبني الإنسان وعلو منزلتهم ورئاستهم ، فنعرف ملاك كلمة سيد في اللغة وأهميته وسعته وفضله ونعرف نقيضه.

فنتابع ملاك كلمة سيد : وأسس روح معناها العالي الكريم في العرف الأول الاجتماعي وفي العرف الديني الإسلامي والذي يبين ولاية الله سيد السادات وسيد الوجود وواهب السيادة لسادة الوجود لما فيهم من الملاك الكريم الذي مكنهم منها ، لنتخذهم سادة وأولياء لأمر الله فنسير على نعيم هداهم بصراط مستقيم إن شاء الله .

ولذا يا طيب : نذكر معنى السيد وفق ما جاء في اللغة من كتب لغة معتمدة وواسعة ككتاب العين للخيل بن احمد الفراهيدي ولسان العرب لأبن منظور و مجمع البحرين للفاضل الطريحي ، ثم نتابع البحث فيه معنى السيد في التدبر بحقائقه ووجوده في الكون والأشياء وخصائصه الكريمة وأسسه الفاضلة والتي تحلي من يطلق عليه بحق.


 

   

أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.alanbare.com

يا طيب إلى أعلى مقام كرمنا بنوره رب الإسلام بحق نبينا وآله عليهم الصلاة والسلام


يا طيب إلى فهرس صحيفة سادة الوجود رزقنا واهب السيادة نعيم هداه بأحسن جود