هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين  في  أصول الدين وسيرة المعصومين
صحف الظهور والتجلي  /  صحيفة  سادة الوجود / الجزء الأول
 معنى السيادة وملاكها وتأريخها وظهورها بنور واهب السيادة
في مراتب التدوين
في سيد الكتب وآياته وعلومه والتكوين سيد المرسلين وآله الطيبين الطاهرين سادة المتقين
الباب الأول /
سفينة نجاة / المجلس الثالث / الذكر الثالث

 

الإشراق الخامس :

سيد الأوصياء يبين حقه ويشرح أحوال تلك الأيام لأهل الكوفة :

يا طيب : أحتج عليهم سيد الأوصياء في أيام الحكام الغاصبين الأولين ، وفي كل حين يرى مناسبة وفرصة ، ويُعرف أولياءه أن الله أختبر عباده بفتنه وابتلاه حين تمكن غيره من الحكومة ، وإن الله لم ينقصه حقه ولا رفع ليلة القدر والعلم والمعارف وسيد الكتب عن الاقتران به ، وكان جليا كلامه في ما مر من حديثه فيهم ، حيث قال لا يحق لكم أن تتقدمونا ونحن لنا القرآن ، وإني لا أبايع ومشغول بجمعه ، وعرفت أنه بحمد الله الحافظ والسيد الصمد كان أخر جمع وقراءة له من التابعين بل والصحابة على يده ، وعرفت هذا في الذكر السابق ، وأن تقارنه بسيد الكتب حقا وبسيد العلم ، وهو ما عرفته في كل معارف سورة إنا أنزلناه وغيرها وفيما يأتي .

واحتجاج وآله صلى الله عليهم : بعدت احتجاجات وعرف أنه يؤيده الله في كتبه مما عرفت من الآيات بل وسور ، ورسوله في أحاديثه الكثيرة راجع صحيفة ذكر علي عليه السلام عبادة ، وصحيفة الثقلين وغيرها من موسوعة صحف الطيبين ، بل كل من كتب في تعريف ولايته وإمامته عليه السلام ، ونختار من كلماته هنا ما يبني حقه ، ويعرفنا علمه وفضله مع الاختصار :

 

 

الإشعاع الأول :

 سيد الأوصياء اقتدى بالأنبياء فلم يقاتل ظالميه لطغيانهم :

عن محمد بن احمد بن موسى الطائي عن أبيه عن ابن مسعود قال :

 احتجوا في مسجد الكوفة فقالوا : ما بال أمير المؤمنين عليه السلام لم ينازع الثلاثة كما نازع طلحة والزبير وعائشة ومعاوية ؟

فبلغ ذلك عليا عليه السلام : فأمر أن ينادي بالصلاة جامعة .

 فلما اجتمعوا : صعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :

معاشر الناس : أنه بلغني عنكم كذا وكذا .

 قالوا : صدق أمير المؤمنين قد قلنا ذلك .

 قال عليه السلام : فإن لي بسنة الأنبياء أسوة فيما فعلت ، قال الله عز وجل في كتابه :

{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُـــولِ اللَّهِ أُسْـــوَةٌ حَسَنَةٌ

لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) } الأحزاب .

 قالوا : ومن هم يا أمير المؤمنين ؟ .

قال عليه السلام : أولهم إبراهيم عليه السلام إذ قال لقومه : { وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ (48)} مريم . فإن قلتم : إن إبراهيم اعتزل قومه لغير مكروه أصابه منهم ، فقد كفرتم ، وان قلتم : اعتزلهم لمكروه رآه منهم ، فالوصي اعذر .

ولي بابن خالته لوط أسوة : إذ قال لقومه : { قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) } هود ، فإن قلتم : إن لوطا كانت له بهم قوة فقد كفرتم ، وان قلتم : لم يكن له قوة فالوصي اعذر .

 ولي بيوسف عليه السلام : أسوة ، إذ قال : { قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ (33) }يوسف ، فإن قلتم : إن يوسف دعا ربه وسأله السجن لسخط ربه فقد كفرتم ، وإن قلتم : إنه أراد بذلك لئلا يسخط ربه عليه ، فاختار السجن ، فالوصي أعذر .

ولي بموسى عليه السلام : أسوة إذ قال : { فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ } الشعراء21 ، فإن قلتم : إن موسى فر من قومه بلا خوف كان له منهم فقد كفرتم ، وإن قلتم : أن موسى خاف منهم ، فالوصي اعذر .

 ولي بأخي هارون عليه السلام : أسوة إذ قال لأخيه : { قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي (150) } الأعراف ، فإن قلتم : لم يستضعفوه ولم يشرفوا على قتله فقد كفرتم ، وان قلتم : استضعفوه واشرفوا على قتله فلذلك سكت عنهم ، فالوصي اعذر .

ولي بمحمد صلى الله عليه وآله : أسوة حين فر من قومه ولحق بالغار من خوفهم وأنامني على فراشه ، فإن قلتم : فر من قومه لغير خوف منهم فقد كفرتم، وان قلتم : خافهم وأنامني على فراشه ولحق هو بالغار من خوفهم ، فالوصي اعذر [152].

يا طيب : فإنهم بعد السقيفة جمعوا الناس وبالخصوص سادتهم في الجاهلية ، بين من هم أتوهم ، وبين من هم أتوه ، وكان أبو سفيان مع الإمام علي عليه السلام ولكنهم طمعوه وأعطوا ابنه جيش أسامة فصار معهم ، وعرفت كلام معاوية مع بن أبي بكر ، وكيف أنهم اتفقوا على ظلم سيد الأوصياء وأخذ حقه ، فإنهم أدعو حق علي وجعلوه باسمهم ومنعه ما به أخذوا حقه من الأنصار فتدبر كلامه تعرف حقه   :

ومن كلام له عليه السلام في معنى الأنصار قالوا :

لما انتهت إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنباء السقيفة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله .

قال عليه السلام : ما قالت الأنصار ؟ قالوا قالت : منا أمير ومنكم أمير .

 قال عليه السلام : فهلا احتجتم عليهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصى بأن يحسن إلى محسنهم ويتجاوز عن مسئيهم .

قالوا : وما في هذا من الحجة عليهم ؟

فقال عليه السلام : لو كانت الإمارة فيهم لم تكن الوصية بهم .

ثم قال عليه السلام : فما ذا قالت قريش ؟

قالوا : احتجت بأنها شجرة الرسول صلى الله عليه وسلم .

فقال عليه السلام : احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة [153].

نعم يا مولاي : ثمرة وما أحلاه وأعظمها وأكرمها جزاك الله عن الإسلام خيرا، فإنه وإن منعوك الخلافة والحكومة الظاهرية ، لكنك حكمت العقول المنصفة ، ودخلت القلوب العاشقة ، والضمائر الحية ، وكل طالب للحق من هدى الله فصرت له قدوة.

 

 

 

 

الإشعاع الثاني :

 سيد الأوصياء يُعرف حقه وظلم من تقمص الخلافة :

ويا طيب : إليك الخطبة الشقشقية التي هدر بها على منبر الكوفة :

عن ابن عباس قال : ذكرت الخلافة عند أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام فقال :

 أما والله : لقد تقمصها ابن أبي قحافة أخو تيم .

 وانه ليعلم : أن محلي منها محل القطب من الرحى ، ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير .

 فسدلت : دونها ثوب ، وطويت عنها كشحها ، وطفقت ارتأى بين أن أصول بيد جذاء ، أو أصبر على طخية عمياء ، يشيب فيها الصغير ، ويهرم فيها الكبير ، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه .

 فرأيت : أن الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجى ، أرى تراثي نهبا .

حتى إذا مضى لسبيله : فأدلى بها لأخي عدي بعده

 فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته .

 فصيره في حوزة خشناء ، يخشن مسها ، ويغلظ كلمها ، ويكثر العثار فيها والاعتذار منها .

فصاحبها : كراكب الصعبة ، إن عنف بها حرن ، وإن أسلس بها غسق  .

 فمنى الناس : بتلون ، واعتراض وبلوا ، وهو مع هن وهن .

فصبرت على طول المدة وشدة المحنة .

حتى إذا مضى لسبيله :

جعلها في جماعة : زعم إني منهم ، فيا لله وللشورى .

متى اعترض الريب في مع الأول منهم ، حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر .

 فمال رجل : لضغنه ، وأصغى آخر : لصهره .

وقام ثالث القوم : نافج حضنيه بين نثيله ومعتلفه ، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضم الإبل نبت الربيع ، حتى أجهز عليه عمله ، وكبت به مطيته .

فما راعني : إلا والناس إلي كعرف الضبع ، قد أنثالوا عليَّ من كل جانب ، حتى لقد وطئ الحسنان ، وشق عطفاي .

حتى إذا نهضت بالأمر :

نكثت طائفة ، وفسقت أخرى ، ومرق آخرون .

كأنهم لم يسمعوا الله تبارك وتعالى يقول :

{ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)}القصص.

بلى والله : لقد سمعوها ووعوها .

 لكنهم احلولت الدنيا في أعينهم ، وراقهم زبرجها .

أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة : لولا حضور الحاضر ، وقيام الحجة بوجود الناصر ، وما أخذ الله على العلماء ألا يقروا على كظة ظالم ، ولا سغب مظلوم .

 لألقيت : حبلها على غاربها ، ولسقيت آخرها بكأس أولها .

ولألفيتم دنياكم هذه عندي أزهد من عفطـة عنـز .

 قال : وناوله رجل من أهل السواد كتابا فقطع كلامه وتناول الكتاب .

 فقلت : يا أمير المؤمنين لو أطردت مقالتك إلى حيث بلغت .

 فقال : هيهات هيهات يا بن عباس ، تلك شقشقة هدرت ثم قرت .

قال ابن عباس : فما أسفت على كلام قط كأسفي على كلام أمير المؤمنين عليه السلام إذ لم يبلغ به حيث أراد [154].

 

 

 

 

الإشراق السادس :

سيد الأوصياء بلغ سيد الكتب في زمن سيد المرسلين بأمر الله لعلمه به :

يا طيب : عرفت أن مسألة الخلافة والولاية للمؤمنين وللمتقين ، لم تكن بحق لأحد من المسلمين ، ما لم يكن الله ورسوله عرفه لهم بأنه سيدهم بعده ، وعرفت في كل البحوث السابقة أن للسيادة والإمامة والولاية ملاك عظيم ، وهو الإخلاص لله بكل دينه الحق وبكل ما أنزل الله وعلم من الكتاب والحكمة ، فجعل ملكه العظيم الحق هو الذي يعبد ويخلص له به ، ومن يكون أكرم الناس وأتقاهم فهو أفضلهم عند الله وهو المطهر والمصطفى المختار وهو صاحب الكتاب والحكمة بحق ، ويكون له حقا خلافة رسول الله سيد المرسلين ويكون سيد الوصيين وإمام المتقين ، لا كل أحد لم يعرف عنه فقه ولا حفظ لكتاب الله ولا شجاعة في إدارة المسلمين ولا هدى يعلمه بتعليم من رب العالمين ، فإن دين الله علم وعمل ، ولا عمل بدون علم حق .

وما عرفناه : من سيد العلم وتقارن سيد الوصيين مع سيد الكلام والآيات والسور بل وله أعلى تجلي الكلمات وليلة القدر وسيد الملائكة وكل تأييد من الله ينزل ، والله لم يجعل دينه لكل من هب ودب ولا لكل من تسلط وغلب ، بل أحكم آياته ودينه وحفظه ، ولكنه لم يكره أحد وطلب من المؤمنين معرفة ولي أمره وتمليكه أمرهم وتملك تعاليم الله وأمره منه وبه يُعبد ، وقد عرفت علمه بكتاب الله ومعارف التوحيد في كلماته ، وبها حقا يعبد الله ويقصد ويصمد له وينادي بيا سيدي ، وإلا من لم يعرفه بما عرف سيد الموحدين عبادته ليس بشيء ، فإنهم يتبعون في القرآن المتشابه ومن خالفه ليس بأمره محكم بل من شيطانه كما أعترف ، فإنه ليس بعد الحق إلا الضلال .

ولذا كان أولياءه وأحبائه : لهم سيد العلم والعمل في ليلة القدر وبكل ما يقتدون به .ويأتي في أية الكرسي سيد آي كتاب الله : الولاية التكوينية والتشريعية ، وهنا نتكلم عن علمه وقد عرفت قسما كبيرا منه ، ويكفي ما عرفت من سورة إنا أنزلناه .

 

 

الإشعاع الأول :

سيد الأوصياء يبلغ عن الله ورسوله براءتهم من المشركين ويعزلوا غيره:

يا طيب : إن غيره وأول من تسلط لم يسمح الله ولا رسوله له بتبليغ آيات من كتاب الله ، فكيف يُحكم بكل رقاب المسلمين وبكل كتاب الله ونشره ، وهو لا يعرف تفسيره فضلا عن تأويله بل لم يحفظه ، وهو لم يكن له مظهر ينشر به كتاب الله ، والله سبحانه خص كتابه بسادة العلم ومن طهرهم مثل كتابه وأمر بودهم ، لا الغاصبين والظالمين لهم ، ولمعرفة إرجاع الغاصب الأول للحكم عن التبليغ بأمر الله ورسوله ولم يسمح له أن يبلغ شيء من علم الله وتعليم رسوله ، نذكر ما أشتهر وذكره كل المفسرين في قصة تبليغ سورة براءة :

وعن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

إن رسول الله صلى الله عليه وآله بعث أبا بكر مع براءة إلى الموسم ليقرأها على الناس .

فنزل جبرائيل فقال : لا يبلغ عنك إلا علي .

فدعا رسول الله عليا فأمره أن يركب ناقة العضباء .

وأمره أن يلحق أبا بكر فيأخذ منه براءة و يقرأه على الناس بمكة .

فقال أبو بكر : أ سخطه . فقال : لا .

إلا أنه أنزل عليه لا يبلغ إلا رجل منك .

 فلما قدم علي مكة و كان يوم النحر بعد الظهر و هو يوم الحج الأكبر .

 قام ثم قال :

إني رسـول رسـول الله إليكم ، فقرأها عليهم :

{ بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ

فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ } .

عشرين : من ذي الحجة و محرم و صفر و شهر ربيع الأول و عشرا من شهر ربيع الآخر .

 و قال عليه السلام : لا يطوف بالبيت عريان و لا عريانة ، و لا مشرك ، إلا من كان له عهد عند رسول الله ، فمدته إلى هذه الأربعة الأشهر .

يا طيب : بهذا أضف سيد الوصيين لسيد الكتب وتقارنه معه وأنه لا يفترق عنه أبدا .

 وأعلم : أن غيره غاصب ظالم لم يسمح له بالتبليغ فكيف بالحكومة .

 

 و في خبر محمد بن مسلم فقال :

 يا علي : هل نزل في شي‏ء منذ فارقت رسول الله ؟ قال : لا .

و لكن أبى الله : أن يبلغ عن محمد إلا رجل منه .

فوافى الموسم :

فبلغ عن الله و عن رسوله .

بعرفة ، و المزدلفة ، و يوم النحر عند الجمار ، و في أيام التشريق .

كلها ينادي : { بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ }

 و لا يطوفن بالبيت عريان [155].

يا طيب: إن لله عليم حكيم أحكم هداه وبين صراطه بكل سبيل ، فإن عدم الأذن بتبليغه من أمّره فترة على الحاج وجعله يسير بهم ، ثم أمر الله سبحانه رسوله أن ينحيه ويزيله عن منصبه ، ليعرف المسلمين أمرا كريم وحالا جسيما ودينيا عظيما ، وليقول لهم عملا لو تسلط عليكم وتأمر فنحوه ، ولو أدعى أنه خليفة رسول الله ويحكم بأمر الله فلا تصدقوه ، وأزيلوه من منصبه ، وأعطوا الحق أهله وتولوا سيدكم وأعلمكم المصطفى المختار سيد الأوصياء بعد سيد المرسلين ، فإن الدين أمانة في أعناقكم ، ولا يحق لأحد غير من أختاره الله ورسوله أن يكون سيدكم وليكم وإمامكم مهما كان .

وإلا كان من الممكن : الله العالم بكل الأمور أن لا يجعله يسير بالحاج ولا يُؤمر عليهم ، وبالخصوص في آخر حج للمسلمين في زمن رسول الله ، ولكن أمره وعزله ليعرفهم أن أعلم عباده يجب أن يُنصر ويعرف ، ويعزل كل متولي ومتسلط غيره :

والمسألة كريمة : في تبليغ براءة الله من المشركين ، ويعرفهم بها سيد الدين ووليهم وأميرهم الحق ومن يجب أن يبلغ عن الله ورسوله لأنه أعلمهم وأحفظهم وأكرمهم وأطهرهم في القيام بأمر الله وما يريد أن يعبد به وينشر دينه .

ويا طيب : أنظر هذه الأحاديث وتدبر معناها وتحقق أنها دين يعرفه الله ، وهدى ينشره الله ، وصراط مستقيم جعله في مسير المنعم عليه وغير المغضوب عليهم ولا الضالين ، وليس لكل أحد التسلط على رقاب المسلمين ، بل لابد أن يكون صاحب العلم المبين ويمكنه تبيان كل شيء ، هو الذي يبلغ دين الله ويؤخذ منه معارفه :

عن الحارث بن المغيرة بن النصري عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

سألته عن قول الله عز و جل : { وَ أَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ } .

فقال عليه السلام :

اسم نحله الله عز و جل عليا من السماء .

 لأنه هو الذي أدى عن رسول الله براءة .

 و قد كان بعث بها مع أبي بكر أولا .

فنزل عليه جبرائيل عليه السلام فقال :

 يا محمد إن الله يقول لك :

 إنه لا يبلغ عنك إلا أنت أو رجل منك .

فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند ذلك عليا عليه السلام

فلحق أبا بكر ، و أخذ الصحيفة من يده و مضى بها إلى مكة .

فسماه الله تعالى أذانا من الله .

إنه اسم نحله الله من السماء لعلي عليه السلام[156] .

 

 

 

 

الإشعاع الثاني :

إذن الله الواعية سيد الأوصياء وبكل تعاليم عرفها يجب أن يطاع :

ويا طيب : دعنا منهم ومن حكمهم وحكومتهم وتداول الأيام لهم ، فإن ملك الله العظيم الكتاب والحكمة ، وهما لسيد الحكماء وسيد العلماء وسيد المسلمين والمؤمنين والمتقين والأوصياء علي بن أبي طالب عليه السلام وآله الكرام بعده ، وهذا ما عرفه الله الواحد الأحد السيد الصمد واهب السيادة ، وسيد المرسلين وخاتم النبيين وأكرم خلق الله أجمعين في كل مراتب التكوين ، فأين ما يكون صاحب سيد العلم وسيد الكتب فهو له أعلى نور من تجلي سيد الكلمات ، وكان رفيق رسول الله من صغره وكان معه في بيته ، ويوصل له ما يلزمه في أيام اعتكافه قبل البعثة ، فكان أول من أسلم وآمن ، وأول من كتب الوحي وصلى ، وأول من ضحى وجاهد ، وأول من بلغ عنه هدى الله وعرّفه لعباده ، حتى صار نفسه بنص آية المباهلة ، ومطهر سيد أهل بيته ، حتى أختاره الله ورسوله شهيدا على الأمة وخليفة رب العالمين بحق على المؤمنين ، فكان بحق سيد الوصيين .

فيا طيب: إن أس ملاك السيادة البذل لمعارف الله ، وقد خصه الله واهب السيادة بنزول جبرائيل سيد الملائكة على سيد المرسلين ، أن يبلغ سيد الوصيين عن الله ورسوله سورة براءة من المشركين وإعلان الإخلاص لله رب العالمين وحده ، وهو الذي طهر بيته من الأصنام ، فطهره الله وخصه بكتابه الطاهر وأمره بتطهير بيته من المشركين ، فجعله إذنه الواعية وعلمه المنتشر وحقيقة دينه الناطق .

وقد  عرفت في إشعاع سابق :

كل من أدعى العلم بسيد الكتب يقرأه ويفسره عن سيد الوصيين :

وأنه عليه السلام قال : والله ما نزلت آية ، إلا وقد علمت فيما نزلت ، وأين نزلت ، أبليل نزلت أم بنهار ، نزلت في سهل أو جبل .

إن ربي وهب لي : قلبا عقولا ، ولسانا سؤولا [157].

وهذا الله سبحانه : جعله يبلغ عنه ما عرفت في الإشعاع السابق :

..{ وَ أَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ }..

فسماه الله تعالى أذانا من الله

إنه اسم نحله الله من السماء لعلي عليه السلام

ولنعرف بعض حقائق علم سيدنا وموالنا وإمامنا الحق نتدبر ما عن أبي جعفر عليه السلام في قوله :

{ وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12) } الحاقة.

قال عليه السلام : الأذن الواعية علي . و هو حجة الله على خلقه

من أطاعه أطاع الله و من عصاه فقد عصى الله

وعن مكحول في قوله : { وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ  }  .

قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

سألت ربي أن يجعلها أذن علي .

و كان علي يقول :

ما سمعت من رسول الله  كلاما إلا أوعيته و حفظته [158].

فيا طيب : إن سمعت أن علي بن أبي طالب القرآن الناطق ، فهو حق فالله تعالى أمره أن يبلغ عنه ومنع غيره ، فجعل له قلبا عقولا ولسان سؤولا وأذن واعية ، فما يسمعه من رسول الله يعقله ويفهمه عن حب له ويبلغه نصا ومشروحا كما كان رب العالمين نزله ، فهو الراسخ بعلم الله والمحكم أمره بمعارف الله ، فلا ينطق إلا بما عرفه الله ورسوله ، وكان بحق ما عرفت بعيثه ونذير بين يدي الله ورسوله ، وما على المؤمن إلا طلب هداه وتصديقه والإيمان والعمل به ، ليكون له السلام من رب الإسلام أبدا.

وما عرفنا : من سورة إنا أنزلناه سيد العلم وتبليغه عن سيد السادات الله سبحانه ، وعن سيد المرسلين أخيه وسيده ونفسه ، وكل ما نقله من صار صاحب محب لله ولدينه ورسوله ، في حق أمير المؤمنين من أنه سيد الوصيين وسيد المتقين وإمام المسلمين وولي المؤمنين وصاحب أمر رب العالمين بعد سيد المرسلين فهو حق حق ..

وإذا تيقنا معرفة : إمامنا وولي أمرنا وسيدنا : فنتعرف على كلام له يعرفنا شأنه الكريم وما خصه الله السيد الصمد من الإحسان له والبركات عليه وتجلى عليه وما بذل له من المجد والفضل والخير ، حتى جعله سيد بحق ، ويجب أن يذعن له كل مؤمن ويعي قوله بحق كل منصف ، فيقبله ويجعل سبيله لسلوك الصراط المستقيم للمنعم عليهم بهدى الله ودينه ، ويشكر الله تعالى على ما هداه لسادة العباد المنعم عليهم بصراطه المستقيم ، وأبعده عن سادة الباطل والضلال المغضوب عليهم .

وأما كلامه سيد الأوصياء وأمير المؤمنين عليه السلام ، فإليك هذا الحديث :

 

عن جابر الجعفي : عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام قال :

خطب ( سيد الحق ) أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بالكوفة بعد منصرفه من النهروان :

 وبلغه أن معاوية ( سيد الباطل ) يسبه ويلعنه ويقتل أصحابه :

 فقام خطيبا : فحمد الله و أثنى عليه ، و صلى على رسول الله .

 و ذكر ما أنعم الله على نبيه و عليه ، ثم قال :

لو لا آية في كتاب الله : ما ذكرت ما أنا ذاكره في مقامي هذا ، يقول الله عز و جل : { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)} الضحى.

اللهم : لك الحمد على نعمك التي لا تحصى ، و فضلك الذي لا ينسى .

يا أيها الناس :

إنه بلغني ما بلغني ، و إني أراني قد اقترب أجلي .

و كأني بكم و قد جهلتم أمري .

و إني تارك فيكم ، ما تركه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

كتاب الله و عترتي .

و هي عترة الهادي إلى النجاة ، خاتم الأنبياء .

و سـيــد النجبـاء ، و النبي المصطفى .

يا أيها الناس : لعلكم لا تسمعون قائلا يقول مثل قولي بعدي إلا مفتر .

 أنا أخو رسول الله و ابن عمه : و سيف نقمته و عماد نصرته ، و بأسه و شدته ، أنا رحى جهنم الدائرة و أضراسها الطاحنة ، أنا موتم البنين و البنات ، أنا قابض الأرواح و بأس الله الذي لا يرده عن القوم المجرمين ، أنا مجدل الأبطال و قاتل الفرسان و مبير من كفر بالرحمن ، و صهر خير الأنام .

أنا سيد الأوصياء : و وصي خير الأنبياء .

أنا باب مدينــة العلم : و خـازن علـم رسول الله و وارثـه .

و أنا زوج البتول : ســيــدة نساء العالمين .

فاطمة التقية النقية الزكية ، المبرة المهدية .

حبيبة حبيب الله و خير بناته و سلالته .

و ريحانة رسول الله : سبطاه ، خير الأسباط .

و ولداي ، خير الأولاد .

 هل أحد ينكر ما أقول ؟

أين مسلمو أهل الكتاب : أنا اسمي في الإنجيل إليا ، و في التوراة بري‏ء ، و في الزبور أري ، و عند الهند كبكر ، و عند الروم بطريسا ، و عند الفرس جبتر ، و عند الترك بثير ، و عند الزنج حيتر ، و عند الكهنة بويئ ، و عند الحبشة بثريك ، و عند أمي حيدرة ، و عند ظئري ميمون ، و عند العرب علي ، و عند الأرمن فريق ، و عند أبي ظهير .

ألا وإني : مخصوص في القــرآن بأسـمـاء.

 احذروا أن تغلبوا عليها فتضلوا في دينكم .

 يقول الله عز و جل : { وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } أنا ذلك الصادق .

و أنا : المؤذن في الدنيا و الآخرة ، قال الله عز و جل :

{ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ } أنا ذلك المؤذن .

و قال : { وَ أَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ } فأنا ذلك الأذان .

و أنا المحسن : يقول الله عز و جل " { إِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } .

و أنا ذو القلب : فيقول الله : { إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى‏ لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ } .

و أنا الذاكر : يقول الله عز و جل :

 { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى‏ جُنُوبِهِمْ } .

و نحن : أصحاب الأعراف :

أنا ، و عمي ، و أخي ، و ابن عمي .

و الله فالق الحب و النوى ، لا يلج النار لنا محب ، ولا يدخل الجنة لنا مبغض.

يقول الله عز و جل : { وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ } .

و أنا الصهر : يقول الله عز و جل :

{ وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً } .

و أنا الأذن الواعية : يقول الله عز و جل : { وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ } .

 و أنا السلم : لرسوله ، يقول الله عز و جل : { وَ رَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ } .

و من ولدي : مهدي هذه الأمة .

 ألا و قد جُعلت محنتكم : ببغضي يعرف المنافقون .

و بمحبتي امتحن الله المؤمنين ، هذا عهد النبي الأمي إلي :

أنه لا يحبك إلا مؤمن ، و لا يبغضك إلا منافق .

و أنا صاحب : لواء رسول الله صلى الله عليه وآله في الدنيا و الآخرة .

 و رسول الله فرطي ، و أنا فرط شيعتي .

و الله لا عطش محبي ، و لا خاف وليي .

و أنا ولي المؤمنين : و الله وليي .

حسب محبي أن يحبوا ما أحب الله .

و حسب مبغضي أن يبغضوا ما أحب الله [159].

حسبي يا مولاي : فإني مصدق وأحب كل ما تحبه ، جعلنا الله معكم ، لا كلام بعد كلامكم ولم يكن شرح لهداكم ، وضل من فارقكم ، ونجا من صدقكم ، أنتم مع الحق والحق معكم ، اللهم أشهد إني مصدق بهم وحق ما علمنا من هداه وسبيله وهو ما يوصل لرضاك ودينك الحق . اللهم : إن رضيت بك ربا ، وبمحمد نبينا ، وبالقرآن كتابا ، وبالكعبة قبلة ، وبالإسلام دينا ، وبعلي سيدا ووليا وإماما ، وبالحسن والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى ، ومحمد بن علي ، وعلي بن محمد ، والحسن بن علي ، أئمة وسادة وقادة ، اللهم فأرضني لهم ، واجعلني في الدارين على هداهم مخلصا لك الدين ، فإنك يا ربي أرحم الراحمين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .

يا طيب : الحق أحق أن يتبع ، والصدق يجب أن يُصدق ، وهذه أحاديث الحق تصدع من أئمة الحق ، في سلسلة شريفة تعرفنا حقائق الصراط المستقيم فتدبرها :

 

عن أبو الحسن علي بن عيسى المجاور في مسجد الكوفة قال : حدثنا إسماعيل بن رزين بن أخي دعبل الخزاعي عن أبيه ، قال حدثني علي بن موسى الرضا قال ، حدثني أبي موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي ، قال حدثني أبي الحسين بن علي ، قال :

 قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

يا علي : أنت المظلوم بعدي ، فويل لمن قاتلك ، و طوبى لمن قاتل معك .

يا علي : أنت الذي تنطق بكلامي ، و تتكلم بلساني بعدي ، فويل لمن رد عليك ، و طوبى لمن قبل كلامك .

يا علي : أنت سـيـد هذه الأمة بعدي .

و أنت إمامهـا ، و خليفـتي عليها .

 و من فارقك فارقني يوم القيامة ، و من كان معك كان معي يوم القيامة .

يا علي : أنت أول من آمن بي و صدقني .

 و أول من أعانني على أمري و جاهد معي عدوي .

 و أنت أول من صلى معي و الناس يومئذ في غفلة الجهالة .

يا علي : أنت أول من تنشق عنه الأرض معي .

و أنت أول من يبعث معي .

 و أنت أول من يجوز الصراط معي .

 و إن ربي جل جلاله أقسم بعزته لا يجوز عقبة الصراط .

إلا من كان له براءة بولايتك و ولاية الأئمة من ولدك .

 و أنت أول : من يرد حوضي تسقي منه أولياءك ، و تذود عنه أعداءك .

و أنت صاحبي : إذا قمت المقام المحمود ، تشفع لمحبنا فيهم .

و أنت أول : من يدخل الجنة ، و بيدك لوائي لواء الحمد .

و هو سبعون شقة ، الشقة منه أوسع من الشمس و القمر .

 و أنت صاحب :  شجرة طوبى في الجنة ، أصلها في دارك .

و أغصانها في دور شيعتك و محبيك [160].

يا طيب : طوبى لكم وحسن مآب ، إن صدقت وآمنت بما عرفت ، فهذه حقيقة معارف هدى الدين، وواقع تنزل وظهور وتجلي سيادة رب العالمين : في كتاب التدوين سيد الكتب ، وسادة التكوين صلى الله عليهم وسلم ، وجعلنا الله معهم ومنهم فإنه أرحم الراحمين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .

 

 

 

الإشعاع الثالث :

بلاغ من سادة الوجود لمن يحبهم يُعرفه أهم ما يجب عليه :

يا طيب : عرفنا أحلى وأجمل معارف الوجود ، وأهم وألطف وأعلى وأكمل تجلي وظهور الله السيد الصمد الواحد الأحد المعبود والمقصود ، في كتاب التدوين سيد الكتب وسيد علمه ، وسادة التكوين صلى الله عليهم وسلم ، وعرفنا حقائق عن ظهور سيادة رب العالمين لا إله إلا هو الله الحق المبين في مراتب عالية من الخلق الأول حتى ظهورها في الأرض بيد سيد المرسلين وصاحب لوائه سيد الوصيين وآلهم الطيبين الطاهرين ، حتى وصلنا لنا خيرهم وبركات هداهم بصراط مستقيم ، وتحققنا معارف كريمة تعرفنا عظيم شأنهم وفضل الله عليهم وعلينا إذ عرفنا بهم بكل سبيل ، حتى تيقنا تقارنهم مع كتاب رب العالمين ، وعرفنا أن الله عرفنا بكل سبيل صراطه المستقيم للمنعم عليهم بهداه وكل كرامة ومجد منه حتى أخلصوا له الدين .

وما علينا يا طيب : بعد معرفة الصراط المستقيم إلا أن نخلص لله وحده لا شريك له الدين ، ونسير على هداهم لأعلى نعيم رب العالمين .

وقبل أن نختم هذا الجزء : فهذه وصايا من الله السيد الصمد سبحانه وسادة المتقين وعباد الله المؤمنين في عالم التكوين ، فنتدبرها ونعلم ونعمل بها وننقلها وننشرها ونُعرفها للمؤمنين ، فإن ما عرفت دين يجب أن يُعرف وينشر ويتحقق به كل طيب :

قال الله ربي وسيدي ومولاي :

{ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ

وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) } المائدة .

فبلغ صلى الله عليه وآله وسلم في غدير خم وذكر فيه الولاية وحديث الثقلين ، وكل دين الله من قبل : فكان معرفة أجره هو حب وود آله لنكون معه أبدا :

{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّ (96)

فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّ(97) } مريم .

{ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ (19)

مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ

وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ (20) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ

فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ (22)

ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ

قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى

وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا

إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) } الشورى .

يا طيب : أئمتنا وسادتنا وولاة أمر الله فينا إيمانهم تام الإخلاص ، عملهم صالح حقا ، ولذا جعل الله لهم ودا فأمر بحبهم ، وجعله لنا حرث نزداد باقترافه والكرف والأخذ منه فيكون لنا حسنات مضاعفه ، بل الله يغفر لنا ظلمات وجودنا ويجعلنا لنا استعداد تام لتقبل نور شكره ، وذلك لما حببنا من أجر تبليغ سيد المرسلين ، فتحققنا به نورا تاما يجعلنا من الصادقين للتوجه لعبودية رب العالمين بما يحب ويرضى  .

 فإن أجر تبليغ رسول الله : هو معرفة المنعم عليهم الطاهرين ، والتحقق بالسير على صراطهم المستقيم ، ولهذا بعد المعرفة بهم ، يجب أن نتعلم منهم ، ونعمل بما تعلمنا ، لأنه بعد التعلم منهم حقا يكون العمل صالح حسن له حسنات ، وله الأجر الجزيل من الله الغفور الشكور لمن يطلب الحق فيتبعه وبعد العلم به يعمل به .

وهذا يا طيب : ما أوصنا به كذلك سيد من تلك السلالة الطاهرة :

عن جابر بن يزيد الجعفي قال : خدمت سيدنا الإمام أبا جعفر محمد بن علي عليه السلام ثماني عشرة سنة .

 فلما أردت الخروج ودعته ، و قلت له : أفدني .

فقال عليه السلام : بعد ثماني عشرة سنة يا جابر ؟!

قلت : نعم إنكم بحر لا ينزف و لا يبلغ قعره .

قال : يا جابـر بلـغ شيعتي مني السلام و أعلمهم :

أنه لا قرابة بيننا و بين الله عز و جل ، و لا يتقرب إليه إلا بالطاعة .

يا جابر : من أطاع الله و أحبنا فهو ولينا ، و من عصى الله لم ينفعه حبنا .

يا جابر : من هذا الذي يسأل الله فلم يعطه .

أو توكل عليه فلم يكفه ، أو وثق به فلم ينجه .

يا جابر : انزل الدنيا كمنزل نزلته تريد التحويل عنه ، و هل الدنيا إلا دابة ركبتها في منامك ، فاستيقظت فأنت على فراشك غير راكب و لا آخذ بعنانها ، أو كثوب لبسته ، أو كجارية وطئتها .

يا جابر : الدنيا عند ذوي الألباب كفي‏ء الظلال .

لا إله إلا الله : أعوان لأهل دعوته .

 و الصلاة : تثبيت للإخلاص و تبرئة عن الكبر .

و الزكاة : تزيد في الرزق .

و الصيام و الحج : تسكين القلوب .

 و القصاص : و الحدود حقن الدماء .

و حقنا أهل البيت : نظام الدين .

جعلنا الله و إياكم من الذين يخشون ربهم بالغيب

و هم من الساعة مشفقون [161]. إلهي آمين .

وقال أبو جعفر عليه السلام لجابر :

يا جابر : إنما شيعة علي :

من لا يعدو صوته سمعه ، ولا شحناؤه بدنه .

 لا يمدح لنا قاليا ، ولا يواصل لنا مبغضا ، و لا يجالس لنا عائبا .

 شيعة علي : من لا يهر هرير الكلب ، و لا يطمع طمح الغراب ، و لا يسأل الناس و إن مات جوعا .

 أولئك الخفيفة عيشتهم ، المنتقلة ديارهم .

إن شهدوا : لم يعرفوا ، و إن غابوا لم يفتقدوا .

وان مرضوا يعادوا ، و إن ماتوا لم يشهدوا ، في قبورهم يتزاورون .

قلت : و أين أطلب هؤلاء ؟

قال : في أطراف الأرض بين الأسواق ، و هو قول الله تعالى عز وجل :

 { أذله على المؤمنين أعزه على الكافرين } [162].

{ ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ

 إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)

 وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ (126) } النحل .

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ :مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ

فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ

يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ

ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)

إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ

وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)

وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56)

 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ

 لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء

وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (57) } المائدة .

وعن عبد الله بن ميمون القداح ، عن أبي عبد الله عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال :

 جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله :

فقال : يا رسول الله ما العلم ؟ قال : الإنصات .

 قال : ثم مه ؟ قال : الاستماع .

 قال : ثم مه ؟ قال : الحفظ .

 قال : ثم مه ؟ قال : العمل به .

قال : ثم مه يا رسول الله ؟ قال : نشره [163].

وعن بكر بن محمد عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

 قال لفضيل : تجلسون وتحدثون ؟  قال : نعم ، جعلت فداك .

قال :  إن تلك المجالس أحبها .

فأحيوا أمرنا يا فضيل .

فرحم الله من أحيا أمرنا .

يا فضيل : من ذكرنا أو ذُكرنا عنده .

فخرج من عينه مثل جناح الذباب .

غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر [164] .

وعن عبد الله بن مسكان عن ميسر عن أبي جعفر  الثاني عليه السلام :

قال لي : أتخلون وتحدثون وتقولون ما شئتم ؟

فقلت : أي والله لنخلوا ونتحدث ونقول ما شئنا .

فقال عليه السلام : إما والله لوددت أني معكم في بعض تلك المواطن .

أما والله أني لا حب ريحكم وأرواحكم .

وإنكم على دين الله ملائكته ، فأعينونا بورع واجتهاد [165].

وعن أبي جعفر عليه السلام قال :

رحم الله عبدا أحيى ذكرنا .

 قلت : ما إحياء ذكركم ؟

قال : التلاقي والتذاكر عند أهل الثبات .

عن أبى عبد الله عليه السلام إن عليا عليه السلام كان يقول :

لقيا الإخوان مغنم جسيم .

وعن فضيل بن يسار قال : قال أبو جعفر ( عليه السلام ) :

أتتجالسون ؟ قلت : نعم ، قال : واها لتلك المجالس .

وعن خيثمة عن أبى عبد الله عليه السلام قال :

أبلغ موالينا السلام :

وأوصهم بتقوى الله العظيم .

 أن يعود : غنيهم على فقيرهم ، وقويهم على ضعيفهم ، وان يشهد حيهم جنازة ميتهم ، وأن يتلاقوا في بيوتهم ، فإن في لقاء بعضهم بعضا حياة لأمرنا .

ثم قال : رحم الله عبدا أحيى أمرنا .

 عن عطية ، عن ابن عباس قال : قيل يا رسول الله أي الجلساء خير ؟ قال :

من تذكركم الله رؤيته .

ويزيد في علمكم منطقه .

ويرغبكم في الآخرة عمله  [166].

 

وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

 فأتى إليه إعرابي من بني عامر فوقف وسلم سلاما حسنا ، ثم قال :

 يا رسول الله : جاء منك رسول يدعونا إلى الإسلام فأسلمنا ، ثم إلى الصلاة و الصيام و الجهاد فرأيناه حسن ، ثم نهيتنا عن الزنا و السرقة و الغيبة و المنكر فانتهينا .

فقال لنا رسولك علينا : أن نحب صهرك علي بن أبي طالب عليه السلام ، فما السر في ذلك ، و ما نراه عبادة ؟

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لخمس خصال :

أولها : أني كنت يوم بدر جالسا بعد أن غزونا ، إذ هبط جبرائيل عليه السلام و قال :

 إن الله يقرئك السلام ، و يقول : باهيت اليوم بعلي ملائكتي .

و هو يجول بين الصفوف ، و يقول : الله أكـبر ، و الملائكة تكبر معه .

 و عزتي و جلالي :

لا ألهم حبه إلا من أحبه .

 و لا ألهم بغضه إلا من أبغضه .

و الثانية : أني كنت يوم أحد جالسا و قد فرغنا من جهاز عمي حمزة ، إذ أتاني جبرائيل عليه السلام و قال : يا محمد إن الله يقول فرضت الصلاة و وضعتها عن المريض ، و فرضت الصوم و وضعته عن المريض و المسافر ، و فرضت الحج و وضعته عن المقل المدقع ، و فرضت الزكاة و وضعتها عمن لا يملك النصاب .

و جعلت حب علي بن أبي طالب ليس فيه رخصة .

الثالثة : 

 أما إنه ما أنزل الله عز وجل كتابا ولا خلق خلقا :

إلا وجعل له سـيـدا :

فالقـرآن سيد الكتب المنزلة .

( وشهر رمضان سيد الشهور . وليلة القدر سيدة الليالي .

والفردوس سيد الجنان ، وبيت الله الحرام سيد البقاع )

وجبرائيل سيد الملائكة ، وأنا سيد الأنبياء .

وعلي سيد الأوصياء ، ( والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة )

ولكل امرئ من عمله سيد :

وحبي  وحب علي بن أبي طالب سيد الأعمال .

وما تقرب به المتقربون من طاعة ربهم إلا بحب علي .

 الرابعة :

أن الله تعالى ألقى في روعي أن حبه :

شجرة طوبى التي غرسها الله تعالى بيده .

الخامسة : أن جبرائيل قال : إذا كان يوم القيامة نصب لك منبر عن يمين العرش ، و النبيون كلهم عن يسار العرش ، و بين يديه .

 و نصب لعلي عليه السلام كرســي إلى جانبك إكراما له .

فمن هذه خصائصه يجب عليكم أن تحبوه .

فقال الأعرابي : سـمـعا و طـاعــة [167].

نعم : سمعا وطاعة يا رسول الله ، أمنا بالله مصدقين ، وأشهد أن لا إلا له إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبد الله رسوله ، وأشهد أن عليا ولي الله وأشهد أن أولاده المعصومين حجج الله ، وأشهد أن الله السيد الصمد وحده لا شريك له خالقنا وربنا ومولانا، قد أنعم عليكم بهداه الحق وجعلكم مظهرا له علما وعملا وتحققا أبدا .

فطوبى لنا : لحبنا لكم ، فإن حبكم من حب الله بل مظهر لحب الله سبحانه وتعالى ، وإن دينكم دين الله ، وإن طاعتكم طاعة الله ، وإن من تمسك بكم نجا ، ومن تخلف عنكم هلك ، وإن منطقكم الصواب ، وهداكم الحق ، ومن خالفكم ضل وطغى ، وإن رحمة الله وبركاته وصلاته عيكم أهل البيت ، وأسأل الله أن يجعلنا معكم في الدنيا والآخرة ، وأن يوفقنا للتحقق بكل هداكم والإخلاص له بدينكم الحق .

ويا طيب : ما بين يديك حقائق تجلي نور الله السيد الصمد وحده لا شريك الله ، وسيد السادة وواهب السيادة ، وهو الظهور بأعلى نور الأسماء الحسنى في كل مراتب الوجود ، في التدوين بكتابه سيد الكتب والكلام والسور والآيات ، والتكوين في سادة التكوين صلى الله عليهم وسلم ، فجعلهم سادة الخلق والعلم والعمل ، ونوّرهم بأخلص العبودية له ، فكان سيدهم وهم عبيده بأعلى تحقق بعبوديته ، حتى صاروا سادة الوجود حقا بكل كرامة ومجد واقعي ، ومن يحب السيادة فعليه بالتحقق بما بذلوا له من معارف وأحسنوا إليه من هدى ، فدلوه على معارف عظمة الرب بما يحب ويرضى ، ونوروه بدينه الحق حتى كان أعلى نعم الوجود ، هي تحلي الإنسان به مخلصا العبادة لله وحده ، حتى ليكون سيدا في الآخرة يحف بهم وتخاطبه الحور العين بسيدي ، فإنه عرفت للسيادة مراتب ولكل شيء سيد ، والإنسان المؤمن يسود بخلقه وآداب دينه ، ويكون في صراط مستقيم في نعيم الله فيتحقق بملاك السيادة ، ويبتعد عن سيادة سادة الباطل وأهل الضلال والمغضوب عليهم .

وكان يا طيب : بودي أن الحق بهذا الجزء معارف سيدة آيات سيد السور لسيد الكتب الكرسي وتقارنها مع سادة الوجود الحق ، فنعرف تجلي سيادة واهب السيادة في معنى كريم آخر في التكوين والتدوين ، ولكن لما كانت مختصة بمعارف كريمة كثيرة وترينا تجليا عظيما واسعا لسيادة العلم والتدوين والتكوين ، وجامعة لمعارف الولاية والعدل والإحسان من رب العالمين ، جعلناها في مصباح الباب الآتي وفي أول الجزء الثاني ، لأنها بأوسع بيان تناسب ظهور السيادة في التكوين في سيد المرسلين وسيد الوصيين وسيدة نساء العالمين وسيدا شباب أهل الجنة وسادة المتقين أئمة الحق المبين.

فنتكلم إن شاء الله في الجزء الآتي : عن معارف كريمة ترينا مصاديق تحقق نور السيادة في الملكوت الأعلى الكرسي فما فوقه ، ثم تنزله في مراتب الوجود حتى الأرض ، ونسير مع السيادة في تأريخ الوجود الأرضي لعالم الشهادة في آباء سادة الوجود من زمن آدم عليه السلام حتى ظهور خليل الله إبراهيم أبو الأنبياء ثم في أجداد النبي من ولد إسماعيل عليهم السلام ، حتى ظهور نور نبينا وآله سادة الوجود الحق بأعلى سيادة ظهرت في التكوين في كل مراتبه ، ونرى فيها مصداق وحقائق أن لهم سيادة المرسلين والوصيين والناس أجمعين من أول الخلق إلى يوم الدين .

وأسأل الله سبحانه وتعالى سيد السادات وواهب السيادة :

أن يوفقنا لما يحب ويرضى : ويجعله كل ما نأمل وما له نحب ونسعى ، فإنه أملنا ورجائنا وسيدنا ومولانا ، ولنوره نُعرف وله نقصد ومنه نطلب التوفيق وحسن خاتمة أمرنا ، حتى يجعلنا وإياكم مع ولاة أمره المحكم بصراط مستقيم لكل هدى ونعيم ، ويوفقنا للعمل الصالح في كل حين ، ويعلمنا معارف سيدة العلم بل سيد الكتب وسيدة الآيات ، فيظهر نور أسماءه الحسنى فينا بأعلى معارف حقائق اليقين .

وأسأل الله السيد الصمد الواحد الأحد سبحانه وتعالى  : أن يتقبل منا ومنكم علمنا بحقائق تجليه بالسيادة في التدوين بكتابه والتكوين بسادة المتقين الأخيار المطهرين صلى الله عليه وسلم ، ويجعلنا وإياكم وكل من يقرأ هذه الصحيفة وينشرها ويعرفها ويبلغها للمؤمنين وكل عباد الله الطيبين ، معهم عالمين بهداه الحق وعاملين به مخلصين له الدين ، إنه أرحم الراحمين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .

تمت كتابة صحيفة سادة الوجود الحق ومراجعته ليلة إمامة سيد التكوين سيدنا وإمام عصرنا وزماننا الحجة بن الحسن العسكري عليه السلام عجل الله فرجه الشريف وجعلنا من أنصاره وأعوانه

9 ربيع الأول سنة 1428 هجري قمري

خادم علوم آل محمد عليهم السلام

الشيخ حسن حردان الأنباري

موسوعة صف الطيبين

 


 

[152]علل الشرائع للشيخ الصدوق ج1ص149ح 7 .

[153]نهج البلاغة - خطب الإمام علي عليه السلام ج 1ص 116 / 67 .

[154]علل الشرائع للشيخ الصدوق ج1ص150ح12 .

 قال الصدوق مصنف كتبا العلل : سألت الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري عن تفسير هذا الخبر ففسره لي ، قال تفسير الخبر قوله عليه السلام : لقد تقصمه : أي لبسها مثل القميص ، يقال تقمص الرجل وتدرع وتردى وتمندل ، وقوله : محل القطب من الرحى ، أي تدور علي كما تدور الرحى على قطبها . وقوله : ينحدر عنه السيل ولا يرتقى إليه الطير ، يريد أنها ممتنعة على غيري ولا يتمكن منها ولا يصلح لها . وقوله : فسدلت دونها ثوب ، أي أعرضت عنها ولم اكشف وجوبها لي ، والشكح : الجنب والخاصرة بمعنى . وقوله طويت عنها كشحه ، أي أعرضت عنها ، والكاشح الذي يوليك كشحه ، أي جنبه . وقوله : طفقت أي أقبلت وأخذت أرتأي أي أفكر ، واستعمل الرأي وانظر في أن أصول بيد جذاء وهي المقطوعة وأراد قلة الناصر . وقوله : أو اصبر على طخية فللطخية موضعان ، فاحدهما الظلمة ، والآخر الغم والحزن . يقال أجد على قلبي طنخيا إي حزنا وغما وهو هاهنا يجمع الظلمة والغم والحزن . وقوله : يكدح مؤمن أي يدأب ويكسب لنفسه ولا يعطي حقه . وقوله : أحجى : إي أولى ، يقال هذا أحجى من هذا واخلق وأحرى واوجب كله قريب المعنى . وقوله : في حوزة أي في ناحية يقال حزت الشيء أحوزه إذا جمعته ، والحوزة ناحية الدار وغيرها وقوله : كراكب الصعبة يعني الناقة التي لم ترض أن عنف به ، والعنف ضد الرفق وقوله : حرن : أي وقف ولم يمشي وإنما يستعمل الحران في الدواب ، فأما في الإبل فيقال خلت الناقة وبها خلا وهو مثل حران الدواب ، إلا أن العرب إنما تستعيره في الإبل . وقوله : أسلس بها غسق أي ادخله في الظلمة . وقوله : مع هن وهن ، يعني الأدنياء من الناس ، تقول العرب فلان هني وهو تصغير هن ، أي دون من الناس ويريدون بذلك تصغير أموره . وقوله : فمال رجل لضغنه ، ويروي لضلعه وهما قريب ، وهو أن يميل بهواه ونفسه إلى رجل بعينه . وقوله : وأصغى آخر لصهره ، فالصغو : الميل ، يقال صغوك مع فلان أي ميلك معه . وقوله: نافجا حضينه، فيقال في الطعام والشراب ما أشبههما قد انتفج بطنه بالجيم ، ويقال في كل داء يعتري الإنسان قد انتفخ بطنه بالخاء والحضنان جانبا الصدر ، وقوله : بين نثيله و معتلفه ، فالنثيل قضيب الجمل، وإنما استعاره للرجل هاهنا، والمعتلف ، الموضع الذي يعتلف فيه أي يأكل ، و معنى الكلام : أي بين مطعمه ومنكحه . وقوله : يهضمون أي يكسرون وينقضون ، ومنه قوله : هضمني الطعام أي نقض . و قوله : أجهز أي أتى عليه وقتله ، يقال أجهزت على الجريح إذا كانت به جراحة فقتلته . و قوله : كعرف الضبع ، شبههم به لكثرته ، والعرف الشعر الذي يكون على عنق الفرس فاستعاره للضبع . وقوله : قد انثالوا ، إي انصبوا علي وكثروا ، ويقال أنثلت ما في كنانتي من السهام إذا صببته . وقوله : وشق عطافي يعني رداءه والعرب تسمي الرداء العطاف وقوله : وراقهم زبرجه ، أي أعجبهم حسنها ، واصل الزبرج النقش و هو هاهنا زهرة الدنيا وحسنها . وقوله : ألا يقروا على كظة ظالم ، فالكظة الامتلاء ، يعني أنهم لا يصبرون على امتلاء الظالم من المال الحرام ولا يقاروه على ظلمه . وقوله : ولا سغب مظلوم ، فالسغب الجوع ومعناه منعه من الحق الواجب له ، وقوله : لألقيت حبلها على غاربه ، هذا مثل تقول العرب ألقيت حبل البعير على غاربه ليرعى كيف شاء . ومعنى قوله: ولسقيت آخرها بكأس أوله أي لتركتهم في ضلالتهم وعماهم. وقوله: ازهد عندي فالزهيد القليل. وقوله : من حبقة عنز فالحبقة ما يخرج من دبر العنز من الريح . والعفطة : ما تخرج من انفها ، وقوله تلك شقشقة هدرت ، فالشقشقة ما يخرجه البعير من جانب فيه إذا هاج وسكر ، ويعبر عليه السلام عن صعوبة الأمور التي صارت ، ومرت عليه وعلى المسلمين وانحراف الناس عن الحق ، وكانت كامنة في نفسه صابرا عليها لا يتكلم بها والآن بيّنها فهدرت هدير الماء من الشلال فشقت مجاري أسماع المنصفين ودخلت قلوبهم وعرفوا تأريخ دينهم وحقه.

[155]تفسير العياشي ج2ص74ح4، 5.

[156] معاني ‏الأخبار ص298 ح2 . أول سورة براءة { بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَأَنَّ اللّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2) وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَر أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3) إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) } التوبة .

[157]بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج 40ص154.

[158]تفسير فرات ‏الكوفي ص499 و من سورة الحاقة ح 654. وص500 ح 658 .

[159]معاني ‏الأخبار ص 58  باب معاني أسماء محمد و علي و فاطمة ح9 .

[160]بشارة المصطفى ص125 .

[161] بشارة المصطفى ص188 .

[162]صفات الشيعة للشيخ الصدوق  ص 13 .

[163] الكافي للشيخ الكليني ج1ص48 ح4.

[164]قرب الإسناد للحميري القمي  ص 36 ح117 . ورواه البرقي في محاسنه : 63 / 110 ، والقمي في تفسيره 2 : 292 ، وابن قولويه في كامل الزيارات : 103 / 8 ذيل الحديث ، ورواه الصدوق في ثواب الأعمال : 223 / 1 ، ونقله المجلسي في بحاره 74 : 350 / 18 . مصادقة الإخوان للشيخ الصدوق  ص 32 ح1 .

[165]مصادقة الإخوان للشيخ الصدوق  ص 32 ح2 .

[166]وسائل الشيعة آل البيت للحر العاملي ج 12ص20ب10ح15534/3 وح (15535) 4 وح ( 15537 ) 6 . وج 12ص 23ح( 15544 ) 4 .

[167]المحتضر لحسن بن سليمان الحلي ص 101 ،بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج40ص54ح89 عن كنز الفوائد لأبي جعفر محمد الكراجكي . و ج108ص386 . ما بين القوسين مضاف من حديث في تأويل الآيات لشرف الدين الحسيني ج2ص 869ح7 سورة الإخلاص . الفضائل ص 147 . كنز الفوائد ج2ص237.

 

   

أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.alanbare.com

يا طيب إلى أعلى مقام كرمنا بنوره رب الإسلام بحق نبينا وآله عليهم الصلاة والسلام


يا طيب إلى فهرس صحيفة سادة الوجود رزقنا واهب السيادة نعيم هداه بأحسن جود