بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين
موسوعة صحف الطيبين في
أصول الدين وسيرة المعصومين
صحف
الظهور
والتجلي
/
صحيفة
سادة
الوجود
/ الجزء الثاني /
القسم الأول
تجلي نور الله السيد في سيد الآيات
آية الكرسي
بيان فضائلها وملاك سيادتها وعظمتها وشأنها
الكريم
وظهور آثارها وفوائدها في أدوار حياتنا
مصباح
الهدى / النور الأول
لكل شيء سيد وآية الكرسي سيد آي القرآن وأعظم آياته
الإشراق الثالث :
آية الكرسي أفضل وأعلى آيات القرآن وأعظمها ونزلت من العرش:
يا طيب : بعد أن عرفنا إن لكل شيء سيد ، وإن آية الكرسي هي سيد آي القرآن لما تهبه للمتدبر فيها من المعنى لأسس الدين الحق ، ولما لها من الشأن الكريم في تعريف هداه وبذل معارفه ، وإنه في كل كلمة منها بركة وخير تهبه لتاليها كثواب ، أو معنى يعرف علو ورفعة وعظمة خالقها وأصول تكوين الكون وتحققه وهداه وتدبيره .
فالآن نذكر : أنها أفضل وأعلى وأعظم آية في كتاب الله ، وهذا يؤكد معنى إنها سيد آي القرآن ، وإنها يجب أن تقصد بكل وسع في تعريف فضلها وثواب تلاوتها ، وما تؤثره في نزول الخيرات والبركات ودفع كل شر وبلاء .
و لمعرفة هذا المعنى : نتدبر في معرفة أحاديث كريمة تعرف فضلها و علوها و عظمتها ، وهي كأنها تجسيد للاسمين الكريمين اللذين فيها العلي العظيم ، والحي القيوم والتوحيد ، وما لهما من الشأن الكريم المنطوي فيهما كأكرم الأسماء الحسنى وأعلها معنى .
الإشعاع الأول :
آية الكرسي أفضل وأعلى آيات القرآن لأنها ذروة سنامه :
يا طيب إن آية الكرسي المباركة ليست فقط أكرم آية في سيد الكلام القرآن المجيد، بل تعادل كل كتب الله سبحانه ، ولها أعلى معارف لكل ما موجود فيها لأنه :
سئل النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم :
أي سور القرآن أفضل ؟
فقال صلى الله عليه وآله وسلم :
سورة البقرة .
فقيل : أي آيتها أفضل ؟
فقال صلى الله عليه وآله وسلم :
آيَةُ الْكُرْسِيِّ
وعن القطب الراوندي في لب اللباب قال : سُئِلَ صلى الله عليه وآله وسلم :
القرآن أَفْضَلُ أَمِ التَّوْرَاةُ ؟
فَقَالَ صلى الله عليه وآله وسلم :
إِنَّ فِي القرآن آيَةً :
هِيَ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ كُتُبِ الله .
وَ هِيَ :
آية الكرسي
[24].
و استأمر صلى الله عليه وآله: على بعث أصغرهم سنا لأجل حفظه لسورة البقرة[25].
وأما لمعرفة علو ذراها وشموخها وارتفاعها في الشأن والمعنى تدبر الحديث الآتي :
قال مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ الْعَيَّاشِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قَالَ :
إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ ذِرْوَةً .
وَ ذِرْوَةُ القرآن
آية الكرسي .
مَنْ قَرَأَ : آية الكرسي ، مَرَّةً :
صَرَفَ الله عَنْهُ أَلْفَ مَكْرُوهٍ مِنْ مَكَارِهِ الدُّنْيَ.
وَ أَلْفَ مَكْرُوهٍ مِنْ مَكَارِهِ الْآخِرَةِ.
أَيْسَرُ مَكْرُوهِ الدُّنْيَا الْفَقْرُ ، وَ أَيْسَرُ مَكْرُوهِ الْآخِرَةِ عَذَابُ الْقَبْرِ.
وَ إِنِّي لَأَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى صُعُودِ الدَّرَجَةِ [26].
وعَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ فَرْقَدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليه السلام قَالَ :قُلْتُ لِلْحَسَنِ :
إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ ذِرْوَةً .
وَ ذِرْوَةُ القرآن
آية الكرسي
[27].
وقال الشريف الرضي في المجازات النبوية : ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام :
لكل شيء سنام .
وسنام القرآن سورة البقرة .
ومنها : آية هي :
سيدة آي القرآن .
لا تقرأ في بيت فيه الشيطان إلا خرج منه .
وهى : آية الكرسي
[28].
قوله عليه الصلاة والسلام : وسنام القرآن سورة البقرة .
والمراد : إنها أعلى القرآن ، وأشرفه ، كما أن أعلى ما في البعير سنامه وذروته .
و قوله عليه الصلاة والسلام : ومنها آية هي سيدة آي القرآن.
والمراد : أنها تتقدم القرآن وتفضله.
كما أن السيد : يتقدم على عشيرته ، ويفضل أهل طبقته[29] .
وفي لسان العرب في معنى السنام : سنم: سَنامُ البعير و الناقة : أَعلى ظهره ، و الجمع أَسْنِمَة . و سنام كل شيء : أَعلاه ؛ و في شعر حسَّان :
و إِنَّ سَنامَ المَجْدِ من آلِ هاشِمٍ .. ، أَي أَعلى المجد [30] .
وفي كتاب العين :
و الذروة : أعلى السنام و كل شيء [31].
وفي لسان العرب :
و ذِرْوَةُ كلِّ شَيءٍ و ذُرْوَتُه : أَعْلاهُ، و الجَمْع الذُّرَى بالضم [32].
و الذروة - بالكسر و الضم من كل شيء - : أعلاه .
و سنام كل شيء : أعلاه أيضا [33].
يا طيب : فإن سنام وذروة آية الكرسي ، هو يعني أنها أعلى آية في المعنى في آي القرآن ، والمعبر عنه بالذروة وهو أعلى الشيء ، فهو استعارة جميلة ، كما أن سنام القرآن أعلاه وإن القمة في أعلاه يقال لها ذروة ، وكما أن الجبل العالي فقمته ذروة علاه ، فإن سورة البقرة سنام القرآن وذروته وأعلى ما فيه من السور كما عرفنا أنها سيد آي القرآن .
فآية الكرسي : من لقبها نعرف حقيقتها ، فكونها سيد آية القرآن والبقرة ، فهي لابد أن يكون فيها أعلى معاني القرآن ، ولابد أن تكون أعظم آياته وذروته سواء في البقرة أو غيرها من الآيات ، وبهذا نعرف تأكيد وبيان جميل لمعنى سيادة آية الكرسي وشأنها الكريم ، وهو نص يبين شرف ما فيها من المعنى العالي ، والفضل الذي لها على معارف غيرها من آيات كتاب الله ، وبعد أن عرفنا هذا المعنى نتدبر حقيقة أحاديث تحكي نصا كريما في عظمة آية الكرسي والشأن الكريم لها ومحلها العالي قبل نزولها ، فلنتدبر هذا المعنى في الإشعاع الآتي .
الإشعاع الثاني :
آية الكرسي أعظم آية في القرآن المجيد :
يا طيب : إن في كل شيء في الوجود الكوني بل التدويني له مراتب ، وفيه مرتبة هي أعلى وأعظم وأكرم مرتبة فيه ، وتفوق ما دونها في التكوين أو في المعنى وما تهبه من الوجود أو وسعه وشأنه أو في المعرفة والفضل ، وإن كتاب الله عظيم ، ولكن فيه آية هي أعظم آية ، ويكفي أن فيها اسم الله العظيم بل العلي العظيم ، وسيأتي بيان معناهما مختصرا ، وإن أحد معاني العظيم هو السيد كما جاء في شرح اسم الله العظيم فقال في بحار الأنوار :
الْعَظِيمُ : الْعَظِيمُ مَعْنَاهُ السيد .
وَ سَيِّدُ الْقَوْمِ :
عَظِيمُهُمْ وَ جَلِيلُهُمْ
[34].
ويا طيب : إن عظمة آية الكرسي بالإضافة لما فيها من الأسماء الحسنى مثل : الله ، لا إله إلا هو ، الحي ، القيوم ، لا تأخذه سنة ولا نوم .
فإن فيها : العلي العظيم ، و فيها معارف كريمة في الشفاعة التكوينية وفي الهدى والدين ، وبيان عظمة خلق الله ورعايته له ، وبيان لهداه لكل شؤون التكوين والتدوين والقيومية عليه ومده بما فيه بقائه ، وبيان لإحاطته سبحانه بما خلق ، وإذا عرفنا هذا ، نعرف حقا أنها تستحق أن تكون أعظم آي القرآن وسيد آياته ، ولنعرف هذا المعنى نتدبر الأحاديث الشريفة التالية :
قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله يَا عَلِيُّ :
تَعَلَّمْ هَذِهِ الْآيَةَ ( أي الكرسي ) .
وَ عَلِّمْهَا أَوْلَادَكَ وَ جِيرَانَكَ .
فَإِنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيَّ .
آيَةٌ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا
[35].
يا طيب : لا يوجد قول وكلمة ومعنى أعلى وأعظم من هذا البيان للشأن الكريم لآية الكرسي ، ولهذا تستحق هذه الآية الكريمة أن تُبحث بكل وسع وبيان ممكن ، لنتعرف على أعلى وأعظم معارف هدى الله سبحانه بل أعلى شأن مما خلق في التكوين والتدوين ، وبهذا المعنى والنص للعظمة لآية الكرسي جاءت عدة روايات نذكر منها :
عن عبيد بن عمير الليثي عن أبي ذر رحمه الله قال : دخلت يوما على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم و هو في المسجد جالس وحده ، فاغتنمت خلوته ، في حديث طويل منه :
قُلْتُ : فَأَيُّ آيَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَلَيْكَ أَعْظَمُ ؟
قَالَ : آية الكرسي .
ثُمَّ قَالَ : يَا أَبَا ذَرٍّ مَا السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ فِي الْكُرْسِيِّ .
إِلَّا كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ .
وَ فَضْلُ الْعَرْشِ عَلَى الْكُرْسِيِّ .
كَفَضْلِ الْفَلَاةِ عَلَى تِلْكَ الْحَلْقَةِ [36].
ويا طيب : سيأتي بيان سعة الكرسي في شرح وبيان فقرات آية الكرسي .
وفي كِتَابُ الْغَايَاتِ : عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله قَالَ لِرَجُلٍ :
أَيَّةُ آيَةٍ أَعْظَمُ ؟
قَالَ : الله وَ رَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ : فَأَعَادَ الْقَوْلَ ؟ فَقَالَ : اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَعْلَمُ .
فَأَعَادَ ، فَقَالَ : الله وَ رَسُولُهُ أَعْلَمُ .
فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم :
أَعْظَمُ آيَةٍ :
آية الكرسي
[37].
وعَنْ الشَّيْخِ الطَّبْرِسِيُّ فِي مَجْمَعِ الْبَيَانِ :
عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رحمه الله قَالَ :
قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم : يَا ابَا الْمُنْذِرِ :
أَيُّ آيَةٍ فِي كِتَابِ الله أَعْظَمُ ؟
قُلْتُ : اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا هو
الحي القيوم .
قَالَ : فَضَرَبَ فِي صَدْرِي ، ثُمَّ قَالَ :
لِيَهْنِئْكَ الْعِلْمُ : وَ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ .
إِنَّ لِهَذِهِ الْآيَةِ : لِسَاناً و شَفَتَيْنِ .
يُقَدِّسُ الْمُلْكَ لِلَّهِ عِنْدَ سَاقِ الْعَرْشِ
[38].
يا طيب : هذا التأكيد والسؤال من النبي الأكرم ذو الخلق العظيم ومن الصحابة الكرام عن شأن العظمة في آي القرآن ، هو للتعليم ولبيان أهمية معارف الدين وأين يوجد من كتاب الله أعلاه وذروته ، ولكي يستفيدوا من معانيها ، ويحصلوا على ثواب تلاوتها وقراءتها ، وليسعوا للتعرف على شرحها وخصائصها الكريمة وما تهبه من المعرفة وما تبذله من هدى الدين ، وبهذا المعنى والأسلوب عُرفت أعظم آية في القرآن أي آية الكرسي ، وجاءت روايات أخرى ، عن عمران بن الحصين قال النبي صلى الله عليه وآله:
كان الله : و لا شيء ، ثم خلق الذكر .
و إنه ليس فيما خلق الله شيء .
أعظم من آية في سورة البقرة :
اللَّهُ لا إله إلا هو الحي القيوم [39].
و أخرج أبو عبيد و ابن الضريس و محمد بن نصر ، عن ابن مسعود قال :
ما خلق الله من سماء و لا أرض و لا جنة و لا نار :
أعظم من آية في سورة البقرة :
اللَّهُ لا إله إلا هو الحي القيوم [40].
و أخرج ابن الضريس و محمد بن نصر و الهروي في فضائله ، عن ابن عباس قال :
ما خلق الله : من سماء ، و لا أرض ، و لا سهل ، و لا جبل :
أعظم : من سورة البقرة .
و أعظم : آية فيها آية الكرسي
[41].
عن ابن مسعود قال :
ما من سماء و لا أرض و لا سهل و لا جبل .
أعظم من آية الكرسي
[42].
و أخرج : الخطيب البغدادي في تاريخه عن أنس : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :
أ تدرون أي القرآن أعظم ؟
قالوا : الله ورسوله أعلم .
قال : اللَّهُ لا إله إلا هو الحي القيوم... إلى آخر الآية [43].
و أخرج : ابن مردويه و الشيرازي في الألقاب ، و الهروي في فضائله عن ابن عمر ، أن عمر بن الخطاب خرج ذات يوم إلى الناس .
فقال : أيكم يخبرني : بأعظم آية في القرآن، و أعدلها، و أخوفها، و أرجاه؟
فسكت القوم .
فقال ابن مسعود : على الخبير سقطت ، سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
أعظم آية في القرآن :
اللَّهُ لا إله إلا هو الحي القيوم .
و أعدل آية في القرآن : { إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) } النحل .
و أخوف آية في القرآن { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) } الزلزلة .
و أرجى آية في القرآن :{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ الله إِنَّ الله يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هو الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) } الزمر [44].
يا طيب : عرفت وسترى إن آية الكرسي هي سيد آي القرآن المجيد ، وأعظم آية فيه لما فيها من كثرة المعارف ، ولما تبذله من تعريف الهدى العظيم في الخلق والتكوين وفي التدوين وشؤونه ، ويزيدها شرفا أن فيها كما ذكر الاسم الأعظم فتابع البحث .
الإشعاع الثالث :
آية الكرسي والاسم الأعظم :
عرفت يا طيب : أن أفضل وأعلى وأعظم آية في القرآن المجيد وسيد آياته هي آية الكرسي ، وعرفت أن فضلها وسيادتها وذراها بل وعظمتها وعلوها ، هو لما فيها من المعاني وما تبذله من معارف العلم الإلهي المؤثر في هدى البشر ، وما ترينا من سعة ملك الله سبحانه ، و كيفية ظهوره و تجليه و إحاطته و قيوميته على كل شيء ، و هو حده لا شريك له ، بل جاءت روايات كريمة تعرفنا أن آية الكرسي فيها الاسم الأعظم ، وهذا ما يزيدها شرفا على شرف ، وعلوا على علو ، و عظمة على عظمة ، و فضل على فضل ، و لمعرفة هذا المعنى نتدبر بما جاء من الروايات :
مِنْهَا بِرِوَايَةِ أَبِي أُمَامَةَ : قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم :
اسْمُ الله الْأَعْظَمُ :
الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ .
فِي سُوَرٍ ثَلَاثٍ :
فِي الْبَقَرَةِ ، وَ آلِ عِمْرَانَ ، وَ طه . قَالَ أَبُو أُمَامَةَ :
فِي الْبَقَرَةِ : آية الكرسي : { اللّهُ لا إله إلا هو الحي القيوم (255)} .
وَفِي آلِ عِمْرَانَ :{ الم (1) اللّهُ لا إله إلا هو الحي القيوم (2) } .
وَفِي طه : { وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ القيوم وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111)}[45].
ويا طيب : ذكرت عدة أقوال في تعريف الاسم الأعظم ، وقد ذكر الكفعمي في المصباح عن عدة الداعي ، ستون قولا من الأسماء الحسنى والآيات القرآنية والأدعية تعرف الاسم الأعظم ، ومنها أنه في بسم الله الرحمن الرحيم ، ومنا ما عرفت في الحديث أعلاه مما يشمل الحي القيوم ، وبعضهم ذكر أنه الله وهو الاسم الأعظم .
وهذا حديثا آخر : يعرفنا الاسم الأعظم ، وإنه موجود في آية الكرسي : عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ زَيْدٍ قَالَتْ :
قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم :
اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ :
فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ :
اللَّهُ لا إله إلا هو الحي القيوم .
وَ إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ
[46].
الآية الأولى هي : أول آية الكرسي ، وأما الآية الثانية : فقد جاءت في ضمن عدة آيات كما في سورة البقرة آية 163 ، وفي الأنبياء 108 وفي الكهف 110 وفي فصلت 5 : أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ، وفي الحج 34 يسبقها فاء بدل الواو ، والآية كأنها تعبير آخر عما في آية الكرسي ، ومر في الجزء الأول ويأتي معنى الله لا إله إلا هو وعظمته وعلوه .
ويا طيب : هذا حديث كريم يعرفنا معنى عظيم في تعريف الاسم الأعظم ، ويقرن آية الكرسي بما تعادل سور كريمة عالية المعنى ومن سيد و غرر سور القرآن العظيم ، وهي أعظم السور فيه وأعلاها شأنا في هدى الدين وتعاليم رب العالمين :
عن عمر بن توبة عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال عليه السلام لبعض أصحابه :
أَ لَا أُعَلِّمُكَ اسْمَ الله الْأَعْظَمَ ؟
قَالَ عليه السلام :
اقْرَأِ :
الْحَمْدَ لِلَّهِ .
وَ قُلْ هُوَ الله .
وَ آية الكرسي .
وَ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ .
ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ فَادْعُ بِمَا أَحْبَبْتَ [47].
يا طيب : إن آية الكرسي ، كثيرا ما تقرن بأعظم وأعلى سور القرآن ، كما سترى في البحوث الآتية ، ولكن قرنها بأعلى سور القرآن وغرر معارفه والتي لها فضل عظيم كما عرفتها في الجزء السابق في شرح سورة : قل هو الله أحد ، والتي هي بيان لنسبة الله وخلاصة ما يجب معرفته من توحيده على كل مؤمن ومسلم .
وفي شرح سورة : إنا أنزلناه في ليلة القدر ، وهي سيدة علوم القرآن ونزولها بإذن الله وهي لبيان نسب نبينا وآله صلى الله عليهم وسلم ، وهي تعبيرا أخر جامع عن آية الكرسي وبيان لتحقق ظهور علوم الله وهداه في التكوين لولي الأمر وإمام كل زمان .
وأما سورة الفاتحة : فهي من أكرم سور القرآن ، وإنها فيها الشفاء التام ، ويجب أن نتلوها في الصلاة كل يوم عشر مرات ، وكما أنها يكفيها فضلا قوله تعالى :
{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالقرآن الْعَظِيمَ (87)}الحجر، فقرنها الله سبحانه بالقرآن العظيم وجعلها في كفة معادلة له ، وسميت المثاني لأنها تثنى في الصلاة ، وإنه في أولها تحميد وفي وسطها إخلاص وأخرها دعاء وقسمت بين العبد والرب سبحانه .
فنعرف بهذا : أن هذه السور العظيمة الكريمة وشأنهن المجيد العالي ، وقرن آية الكرسي بهن تبين علوها وعظمتها وفضلها الكريم ، وإن بحق مما يستحب على كل مؤمن تلاوتها والاعتناء بأمرها والبحث في مكنون أسرارها .
ويا طيب : إن آية الكرسي للمتدبر ، يراها شاملة في معارفها لهذه السور الثلاثة في المعنى ، وإن أولها التوحيد ووسطها نعمة الشفاعة في التكوين والهدى والعلم لمن يأذن الله له ويشاء سبحانه أن يحيطه بعلمه ، وهذه نعمة المنعم عليهم بعد حمد الله والإخلاص له فنطلب منه نعمة الهداية ، وهو ما تشير له آية الكرسي ، على أن إن سورة إنا أنزلناه هي بيان للإذن الإلهي بكل علمه ونزوله على ولي أمر الله ، وبهذا تجتمع في العظمة والكرامة آية الكرسي مع ثلاثة سور هي أعظم سور القرآن العظيم وأكثرها تلاوة وفوائد ومعنى.
والآن إليك يا طيب: روايات في معنى الاسم الأعظم.
والذي هو : حقيقة وجودية ورابطة كونية في ظهور عظمة الله في تكريم خلقه ، وتعريفهم علوم لا يحيط بها إلا من شاء وأذن أن يكرمهم بها كما عرفت ، لنزداد يقينا في سيادتها وعظمتها وفضلها :
في المصباح عن بصائر الدرجات عن أبي عبد الله عليه السلام قال :
إن الله عز و جل جعل اسمه الأعظم على ثلاثة و سبعين حرفا ، فأعطى آدم منها خمسة و عشرين حرفا ، و أعطى نوحا منها خمسة عشر حرفا ، و أعطى منها إبراهيم ثمانية أحرف ، و أعطى موسى منها أربعة أحرف ، و أعطى عيسى منها حرفين و كان يحيي بهما الموتى و يبرئ بهما الأكمه و الأبرص ، و أعطى محمدا : اثنين و سبعين حرفا ، و احتجب حرفا لئلا يعلم ما في نفسه ، و يعلم ما نفس العباد .
و في كتاب التوحيد عن الصادق عليه السلام ما ملخصه : أن الله تعالى جعل أسماءه أربعة أجزاء ، أظهر منها ثلاثة لفاقة الخلق إليها ، و حجب منها الاسم الأعظم المكنون المخزون ، و جعل لكل اسم من الأسماء الظاهرة أربعة أركان ، و لكل ركن ثلاثين اسما ، فالأركان اثنا عشر و الأسماء ثلاثمائة و ستون اسما ، مثل : الرحمن الرحيم الملك القدوس الخالق البارئ ، الحي ، القيوم ، لا تأخذه سنة و لا نوم ، المنشئ البديع العلي العظيم و هكذا حتى تتم ثلاثمائة و ستين اسما
و عن الإمام الرضا عليه السلام : أن الله اختار لنفسه اسما يدعى بها .
و أول ما اختار منها : العلي العظيم .
لأنه : أعلى الأشياء و أعظمها
[48].
فيا طيب : إن في الحديثين الأخريين الحي القيوم والعلي العظيم في آية الكرسي ، وقد شرحنا هذه الأسماء الكريمة في صحيفة شرح الأسماء الحسنى في موسوعة صحف الطيبين ، وإن أحببت المزيد فراجعها ، وبعد هذه المعرفة في معرفة الشأن الكريم العالي العظيم لآية الكرسي ، نتدبر في أحاديث تعرف علوها في التكوين والخلق بالإضافة لما عرفنا من سخائها وبذلها لمعارف الهدى ، وإنها قبل نزولها لها نور متألق في أعلى مراتب التكوين ولها حياة تنطق بالتقديس ، والآن هي كما كانت تهب نورها لمن يتعلق بها.
[24] مستدرك الوسائل ج4ص334ب44ح4819-21.
[25] المصباح للكفعمي ص438 ف39 .
[26] وسائل الشيعة ج11ص396ب24ح15098/2.تفسير العياشي ج1ص136س2ح 451. بحار الأنوار ج89ص267ب30ح16 وفي الأمالي للصدوق ص98م21ح6 .
[27]تفسير العياشي ج 1 ص 136 ح 449 . بحار الأنوار ج89ص 267 ب30ح15 . الدعوات ص217ح 586. مستدرك الوسائل ج4ص337ب44ح4829-31 .
[28] المجازات النبوية للشريف الرضي ص 414 ح333 .
[29] المجازات النبوية للشريف الرضي ص 414 ح333 .
[30] لسان العرب ج12ص306 .
[31] كتاب العين ج8ص193.
[32] لسان العرب ج14ص282 .
[33] مجمع البحرين ج1ص155 .
[34] بحار الأنوار ج4ص207ب3 .
[35] مستدرك الوسائل ج4ص335ب44ح4824-26. تفسير أبي الفتوح الرازي ج 1 ص 439.
[36] الخصال ج2ص 523ح13 . معاني الأخبار ص332 ح1 . بحار الأنوار ج74ص72ب4ح1 . الأمالي للطوسي ج539م19ح1163-2 . إرشاد القلوب ج1 ص139ب44 . أعلام الدين ج205. مكارم الأخلاق ص472ف5 . مجموعة ورام ج2ص66 . مصباح المتهجد ص130 .
[37]بحار الأنوار ج89ص272 ب30ح24.مستدرك الوسائل ج4ص334ب44ح4816-18. كتاب الغايات ص 69 .
[38] تفسير أبي الفتوح الرازي ج 1 ص 438 . 29 و 30 ، مجمع البيان ج 1 ص 361 ، مستدرك الوسائل ج4ص337ب44ح4826-28، الدر المنثور في تفسير المأثور ج1ص323. أخرج أحمد و اللفظ له و مسلم و أبو داود و ابن الضريس و الحاكم و الهروي في فضائله .
[39] متشابه القرآن ج1ص61 . روضة الواعظين ج1ص28 .
[40] الدر المنثور في تفسير المأثور ج1ص323. و أخرج سعيد بن منصور و ابن المنذر و ابن الضريس و الطبراني و الهروي في فضائله و البيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود : فذكر الفقرة الأخيرة .
[41] الدر المنثور في تفسير المأثور ج1ص324.
[42] الدر المنثور في تفسير المأثور ج1ص323. وأخرجه سعيد بن منصور و ابن الضريس و البيهقي.
[43] الدر المنثور في تفسير المأثور ج1ص323.
[44] الدر المنثور في تفسير المأثور ج1ص323.
[45] بحار الأنوار ج90ص224ب11الاسم الأعظم . مهج الدعوات ص 317 . المصباح للكفعمي ص 306 ف31 .
[46] بحار الأنوار ج90ص227ب11. والمصباح للكفعمي ص308 فصل 31 الاسم الأعظم .
[47] مهج الدعوات ص 316 بحار الأنوار ج90ص223, وفي المصباح للكفعمي ص 308 ف31 و ادع بما شئت ، بحار الأنوار ج90 ص231 ب11الاسم الأعظم .
[48] بصائر الدرجات ص208ب13ح3 ، الكافي ج1ص230 باب الحجّة ح1.التوحيد للصدوق ص190ب29ح3 . المصباح للكفعمي ص312 فصل 31 .
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين