بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين
موسوعة صحف الطيبين  في  أصول الدين وسيرة المعصومين
صحف الظهور والتجلي  /  صحيفة  سادة الوجود / الجزء الثاني / القسم الأول

سفينة نجاة/ آية الكرسي
تفسير سيد آي كلام الله القرآن المجيد

المجلس الأول / الله لا إله إلا هو / تفسير سيد الكلام

الذكر الثاني / الله لا إله إلا هو سيد آية الكرسي سيد آي القرآن

 

الإشعاع الثالث :

معنى جمل الآذان وضرورة الشهادة لله ب لا إله إلا الله والعدل :

يا طيب : من الأمور العظيمة في معارف التوحيد وتجلي نور الله في الوجود هو قيامه في ما خلق بالعدل ، وهذا من أهم أصول الدين الذي يبتني عليها التوحيد والعدل ، ويعرفنا سبحانه أن من يحيطه بعلمه ويأذن له يجب أن يشهد بأنه لا إله إلا هو ، وأنه قائم بالقسط أي العدل ، وإن السيرة العملية والعلمية لنبينا الأكرم سيد الأنبياء والمرسلين ولسيد الأوصياء عليه السلام هو إقرارهم بالعدل ، والأمر به في حياتهم كما في هذا الحديث ، لأنه المذهب الحق الذي عرفوه هو أن الله قائم بالعدل ، وإن العدل من أصول الدين بعد التوحيد ، ولم يجعله غيرهم من المذاهب من أصول الدين ، وهذه حكمة الله في الخلق ، وهذه سيرتهم نتدبرها في الأحاديث الآتية مختصرا ، و إليكم يا طيب :

 


 

معنى كلمة التوحيد :

 لا إله إلا هو وأثرها في تحقق الإيمان والعدل :

أَبُو عَمْرٍو الزُّبَيْرِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قَالَ:

قُلْتُ لَهُ : أَيُّهَا الْعَالِمُ أَخْبِرْنِي أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ ؟

قَالَ : مَا لَا يَقْبَلُ الله شَيْئاً إِلَّا بِهِ . قُلْتُ : وَ مَا هو ؟

قَالَ : الْإِيمَانُ بِاللَّهِ الَّذِي لا إله إلا هو .

 أَعْلَى الْأَعْمَالِ دَرَجَةً وَ أَشْرَفُهَا مَنْزِلَةً وَ أَسْنَاهَا حَظّاً .

 قَالَ قُلْتُ : أَ لَا تُخْبِرُنِي عَنِ الْإِيمَانِ أَ قَوْلٌ هو وَ عَمَلٌ أَمْ قَوْلٌ بِلَا عَمَلٍ .

فَقَالَ : الْإِيمَانُ عَمَلٌ كُلُّهُ .

 وَ الْقَوْلُ : بَعْضُ ذَلِكَ الْعَمَلِ ، بِفَرْضٍ مِنَ الله ، بَيَّنَ فِي كِتَابِهِ ، وَاضِحٍ نوره ، ثَابِتَةٍ حُجَّتُهُ ، يَشْهَدُ لَهُ بِهِ الْكِتَابُ ، وَ يَدْعُوهُ إِلَيْهِ [33].

 

وفي تفسير فرات بن إبراهيم : جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَزَارِيُّ مُعَنْعِناً عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تعالى :

 { شَهِدَ الله أَنَّهُ لا إله إلا هو وَ الْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ (18) } آل عمران . قَالَ عليه السلام : هو كَمَا شَهِدَ لِنَفْسِهِ .

وَ أَمَّا قَوْلُهُ : { وَ الْمَلائِكَةُ } فَأَقَرَّتِ الْمَلَائِكَةُ بِالتَّسْلِيمِ لِرَبِّهِمْ ، وَ صَدَّقُوا وَ شَهِدُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هو كَمَا شَهِدَ لِنَفْسِهِ .

وَ أَمَّا قَوْلُهُ : { وَ أُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ } فَإِنَّ أُولُوا الْعِلْمِ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ وَ الْأَوْصِيَاءُ ، هُمْ قُيَّامٌ بِالْقِسْطِ .

كَمَا قَالَ الله : { الْقِسْطُ } هو الْعَدْلُ : فِي الظَّهْرِ هُوَ مُحَمَّدٌ ، وَ الْعَدْلُ فِي الْبَطْنِ هو عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام [34].

يا طيب : بيان أن علي بن أبي طالب باطن العدل والإيمان هو  لتحققه بكل وجوده بهما ، وظهر منه بعد رسول الله من العلم والعمل ما يعرفنا قوة توحيده و إخلاصه لله وإقامته للعدل ، ولمعرفة هذا المعنى نتدبر حديثا كريما عنه به نتعرف على معنى الشهادة لله ومعنى العدل في حقيقته وتعاليمه وسيرته ، وبهذا نعرف الشفيع في علم لله لنا وما أحاطه الله بعلمه ، وأذن له به كما في آية الكرسي ، وهذا هو التعليم الحق للتوحيد وللعدل يصدر منه ، ولا يوجد لغيره مثل تعاليمه وبيانه وشرحه .

ويا طيب : نحن في عين بيان معنى معرفة عظمة الله سبحانه وعدله وهو الظاهر بقوله تعالى في آية الكرسي : الله لا إله إلا هو ، نتدبر معاني كريمة في التوحيد لمولى الموحدين لنتعرف على من أحاطه الله بعلمه ولشرافة الحديث في المعرفة ننقله كله، وبه نرى توحيد سيد آي كتاب الله وسيد الأوصياء وإنه مختص بمعارفها ، بل وتكوينا تتجلى حقيقتها علما وعملا بهم ، فيظهروها :

 


 

المعاني العالية للتوحيد :

 في تفسير أمير المؤمنين لجمل الأذان :

عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ آبَائِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليهم السلام قَالَ :

كُنَّا جُلُوساً فِي الْمَسْجِدِ : إِذْ صَعِدَ الْمُؤَذِّنُ الْمَنَارَةَ ، فَقَالَ :

اللَّهُ أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ : فَبَكَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام ، وَ بَكَيْنَا بِبُكَائِهِ ، فَلَمَّا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ ، قَالَ عليه السلام : أَ تَدْرُونَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ ؟

قُلْنَا : اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ وَصِيُّهُ أَعْلَمُ .

فَقَالَ : لَوْ تَعْلَمُونَ مَا يَقُولُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَ لَبَكَيْتُمْ كَثِيراً ، فَلِقَوْلِهِ  :

اللَّهُ أَكْبَرُ : مَعَانٍ كَثِيرَةٌ مِنْهَا ، أَنَّ قَوْلَ الْمُؤَذِّنِ :

اللَّهُ أَكْبَرُ : يَقَعُ عَلَى قِدَمِهِ وَ أَزَلِيَّتِهِ وَ أَبَدِيَّتِهِ ، وَ عِلْمِهِ ، وَ قُوَّتِهِ وَ قُدْرَتِهِ ، وَ حِلْمِهِ ، وَ كَرَمِهِ وَ جُودِهِ وَ عَطَائِهِ ، وَ كِبْرِيَائِهِ .

فَإِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ :

الله أَكْبَرُ ، فَإِنَّهُ يَقُولُ : الله الَّذِي لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ ، وَ بِمَشِيَّتِهِ كَانَ الْخَلْقُ ، وَ مِنْهُ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ لِلْخَلْقِ ، وَ إِلَيْهِ يَرْجِعُ الْخَلْقُ ، وَ هو الْأَوَّلُ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ لَمْ يَزَلْ ، وَ الْآخِرُ بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ لَا يَزَالُ ، وَ الظَّاهِرُ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لَا يُدْرَكُ ، وَ الْبَاطِنُ دُونَ كُلِّ شَيْءٍ لَا يُحَدُّ ، فَهُوَ الْبَاقِي وَ كُلُّ شَيْءٍ دُونَهُ فَانٍ .

وَ الْمَعْنَى الثَّانِي : الله أَكْبَرُ ، أَيِ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ، عَلِمَ مَا كَانَ ، وَ مَا يَكُونُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ . 

  وَ الثَّالِثُ : الله أَكْبَرُ ، أَيِ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ، يَقْدِرُ عَلَى مَا يَشَاءُ ، الْقَوِيُّ لِقُدْرَتِهِ ، الْمُقْتَدِرُ عَلَى خَلْقِهِ ، الْقَوِيُّ لِذَاتِهِ ، وَ قُدْرَتُهُ قَائِمَةٌ عَلَى الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا ، إِذا قَضى‏ أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ .

وَ الرَّابِعُ : الله أَكْبَرُ ، عَلَى مَعْنَى حِلْمِهِ وَ كَرَمِهِ ، يَحْلُمُ كَأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ، وَ يَصْفَحُ كَأَنَّهُ لَا يُرَى ، وَ يَسْتُرُ كَأَنَّهُ لَا يُعْصَى ، لَا يُعَجِّلُ بِالْعُقُوبَةِ كَرَماً وَ صَفْحاً وَ حِلْماً .

وَ الْوَجْهُ الْآخَرُ : فِي مَعْنَى الله أَكْبَرُ ، أَيِ الْجَوَادُ جَزِيلُ الْعَطَاءِ ، كَرِيمُ الْفَعَالِ .

وَ الْوَجْهُ الْآخَرُ : الله أَكْبَرُ ، فِيهِ نَفْيُ كَيْفِيَّتِهِ ، كَأَنَّهُ يَقُولُ : الله أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُدْرِكَ الْوَاصِفُونَ قَدْرَ صِفَتِهِ ، الَّذِي هو مَوْصُوفٌ بِهِ ، وَ إِنَّمَا يَصِفُهُ الْوَاصِفُونَ عَلَى قَدْرِهِمْ ، لَا عَلَى قَدْرِ عَظَمَتِهِ وَ جَلَالِهِ ، تعالى الله عَنْ أَنْ يُدْرِكَ الْوَاصِفُونَ صِفَتَهُ عُلُوّاً كَبِيراً .

وَ الْوَجْهُ الْآخَرُ : الله أَكْبَرُ ، كَأَنَّهُ يَقُولُ : الله أَعْلَى وَ أَجَلُّ ، وَ هو الْغَنِيُّ عَنْ عِبَادِهِ لَا حَاجَةَ بِهِ إِلَى أَعْمَالِ خَلْقِهِ .

 

وَ أَمَّا قَوْلُهُ :

 أَشْهَدُ أَنْ لا إله إلا اللَّهُ ، فَإِعْلَامٌ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَجُوزُ إِلَّا بِمَعْرِفَةٍ مِنَ الْقَلْبِ ، كَأَنَّهُ يَقُولُ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا مَعْبُودَ إِلَّ الله عَزَّ وَ جَلَّ ، وَ أَنَّ كُلَّ مَعْبُودٍ بَاطِلٌ سِوَى الله عَزَّ وَ جَلَّ ، وَ أُقِرُّ بِلِسَانِي بِمَا فِي قَلْبِي مِنَ الْعِلْمِ ، بِأَنَّهُ لا إله إلا اللَّهُ ، وَ أَشْهَدَ أَنَّهُ لَا مَلْجَأَ مِنَ الله إِلَّا إِلَيْهِ، وَ لَا مَنْجَى مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ وَ فِتْنَةِ كُلِّ ذِي فِتْنَةٍ إِلَّا بِاللَّهِ.

وَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ :

 أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله ، مَعْنَاهُ : أَشْهَدُ أَنْ لَا هَادِيَ إِلَّا الله ، وَ لَا دَلِيلَ إِلَّا اللَّهُ ، وَ أُشْهِدُ الله بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لا إله إلا اللَّهُ ، وَ أُشْهِدُ سُكَّانَ السَّمَاوَاتِ ، وَ سُكَّانَ الْأَرْضِ وَ مَا فِيهِنَّ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ ، وَ مَا فِيهِنَّ مِنَ الْجِبَالِ وَ الْأَشْجَارِ وَ الدَّوَابِّ وَ الْوُحُوشِ وَ كُلِّ رَطْبٍ وَ يَابِسٍ ، بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا خَالِقَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا رَزَّاقَ، وَ لَا مَعْبُودَ ، وَ لَا ضَارَّ ، وَ لَا نَافِعَ ، وَ لَا قَابِضَ، وَ لَا بَاسِطَ، وَ لَا مُعْطِيَ، وَ لَا مَانِعَ ، وَ لَا دَافِعَ ، وَ لَا نَاصِحَ ، وَ لَا كَافِيَ ، وَ لَا شَافِيَ ، وَ لَا مُقَدِّمَ ، وَ لَا مُؤَخِّرَ ، إِلَّ الله لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ ، وَ بِيَدِهِ الْخَيْرُ كُلُّهُ تَبارَكَ الله رَبُّ الْعالَمِينَ .

 

وَ أَمَّا قَوْلُهُ :

أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ ، يَقُولُ : أُشْهِدُ الله أَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لا إله إلا هو ، وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ ، وَ نَبِيُّهُ وَ صَفِيُّهُ وَ نَجِيبُهُ ، أَرْسَلَهُ إِلَى كَافَّةِ النَّاسِ أَجْمَعِينَ بِالْهُدى‏ وَ دِينِ الْحَقِّ ، لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ، وَ أُشْهِدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الْمُرْسَلِينَ وَ الْمَلَائِكَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ ، أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله ، سَيِّدُ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ .

وَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ :

 أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ ، يَقُولُ : أَشْهَدُ أَنْ لَا حَاجَةَ لِأَحَدٍ إِلَى أَحَدٍ إِلَّا إِلَى اللَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ، الْغَنِيِّ عَنْ عِبَادِهِ ، وَ الْخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ ، وَ أَنَّهُ أَرْسَلَ مُحَمَّداً إِلَى النَّاسِ بَشِيراً وَ نَذِيراً ، وَ داعِياً إِلَى الله بِإِذْنِهِ وَ سِراجاً مُنِيراً، فَمَنْ أَنْكَرَهُ وَ جَحَدَهُ وَ َمْ يُؤْمِنْ بِهِ، أَدْخَلَهُ الله عَزَّ وَجَلَّ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً مُخَلَّداً ، لَا يَنْفَكُّ عَنْهَا أَبَداً .

 

و أَمَّا قَوْلُهُ :

حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ ، أَيْ هَلُمُّوا إِلَى خَيْرِ أَعْمَالِكُمْ ، وَ دَعْوَةِ رَبِّكُمْ ، وَ سارِعُوا إِلى‏ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ، وَ إِطْفَاءِ نَارِكُمُ الَّتِي أَوْقَدْتُمُوهَا عَلَى ظُهُورِكُمْ ، وَ فَكَاكِ رِقَابِكُمُ الَّتِي رَهَنْتُمُوهَا بِذُنُوبِكُمْ ، لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ، وَ يَغْفِرَ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ، وَ يُبَدِّلَ سَيِّئَاتِكُمْ حَسَنَاتٍ ، فَإِنَّهُ مَلِكٌ كَرِيمٌ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ، وَ قَدْ أَذِنَ لَنَا مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ بِالدُّخُولِ فِي خِدْمَتِهِ وَ التَّقَدُّمِ إِلَى بَيْنِ يَدَيْهِ .

وَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ :

 حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ ، أَيْ قُومُوا إِلَى مُنَاجَاةِ رَبِّكُمْ ، وَ عَرْضِ حَاجَاتِكُمْ عَلَى رَبِّكُمْ ، وَ تَوَسَّلُوا إِلَيْهِ بِكلامهِ ، وَ تَشَفَّعُوا بِهِ ، وَ أَكْثِرُوا الذِّكْرَ وَ الْقُنُوتَ وَالرُّكُوعَ وَ السُّجُودَ وَ الْخُضُوعَ وَ الْخُشُوعَ ، وَ ارْفَعُوا إِلَيْهِ حَوَائِجَكُمْ فَقَدْ أَذِنَ لَنَا فِي ذَلِكَ.

 

و أَمَّا قَوْلُهُ :

 حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ ، فَإِنَّهُ يَقُولُ : أَقْبِلُوا إِلَى بَقَاءٍ لَا فَنَاءَ مَعَهُ ، وَ نَجَاةٍ لَا هَلَاكَ مَعَهَا ، وَ تَعَالَوْا إِلَى حَيَاةٍ لَا مَمَاتَ مَعَهَا ، وَ إِلَى نَعِيمٍ لَا نَفَادَ لَهُ ، وَ إِلَى مُلْكٍ لَا زَوَالَ عَنْهُ ، وَ إِلَى سُرُورٍ لَا حُزْنَ مَعَهُ ، وَ إِلَى أُنْسٍ لَا وَحْشَةَ مَعَهُ ، وَ إِلَى نور لَا ظُلْمَةَ مَعَهُ ، وَ إِلَى سَعَةٍ لَا ضِيقَ مَعَهَا ، وَ إِلَى بَهْجَةٍ لَا انْقِطَاعَ لَهَا ، وَ إِلَى غِنًى لَا فَاقَةَ مَعَهُ ، وَ إِلَى صِحَّةٍ لَا سُقْمَ مَعَهَا ، وَ إِلَى عِزٍّ لَا ذُلَّ مَعَهُ ، وَ إِلَى قُوَّةٍ لَا ضَعْفَ مَعَهَا ، وَ إِلَى كَرَامَةٍ يَا لَهَا مِنْ كَرَامَةٍ ، وَ اعْجَلُوا إِلَى سُرُورِ الدُّنْيَا وَ الْعُقْبَى ، وَ نَجَاةِ الْآخِرَةِ وَ الْأُولَى .

وَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ :

حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ ، فَإِنَّهُ يَقُولُ سَابِقُوا إِلَى مَا دَعَوْتُكُمْ إِلَيْهِ ، وَ إِلَى جَزِيلِ الْكَرَامَةِ وَ عَظِيمِ الْمِنَّةِ وَ سَنِيِّ النِّعْمَةِ وَ الْفَوْزِ الْعَظِيمِ وَ نَعِيمِ الْأَبَدِ ، فِي جِوَارِ مُحَمَّدٍ ، فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ .

 

وَ أَمَّا قَوْلُهُ :

 الله أَكْبَرُ ، الله أَكْبَرُ ، فَإِنَّهُ يَقُولُ :

اللَّهُ أَعْلَى وَ أَجَلُّ : مِنْ أَنْ يَعْلَمَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْكَرَامَةِ لِعَبْدٍ أَجَابَهُ وَ أَطَاعَهُ وَ أَطَاعَ أَمْرَهُ وَعَرَفَهُ وَ عَبَدَهُ ، وَ اشْتَغَلَ بِهِ وَ بِذِكْرِهِ ، وَ أَحَبَّهُ وَ أَنِسَ بِهِ وَ اطْمَأَنَّ إِلَيْهِ وَ وَثِقَ بِهِ ، وَ خَافَهُ وَ رَجَاهُ ، وَ اشْتَاقَ إِلَيْهِ وَ وَافَقَهُ فِي حُكْمِهِ وَقَضَائِهِ وَ رَضِيَ بِهِ .

وَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ :

الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ ، فَإِنَّهُ يَقُولُ : الله أَكْبَرُ وَ أَعْلَى وَ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يَعْلَمَ أَحَدٌ مَبْلَغَ كَرَامَاتِهِ لِأَوْلِيَائِهِ ، وَ عُقُوبَتِهِ لِأَعْدَائِهِ ، وَ مَبْلَغَ عَفْوِهِ وَ غُفْرَانِهِ ، وَ نِعْمَتِهِ لِمَنْ أَجَابَهُ وَ أَجَابَ رَسُولَهُ ، وَ مَبْلَغَ عَذَابِهِ وَ نَكَالِهِ وَ هَوَانِهِ لِمَنْ أَنْكَرَهُ وَجَحَدَهُ .

 

وَ أَمَّا قَوْلُهُ :

لا إله إلا اللَّهُ مَعْنَاهُ : لِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ عَلَيْهِمْ بِالرَّسُولِ وَ الرِّسَالَةِ وَ الْبَيَانِ وَ الدَّعْوَةِ ، وَ هو أَجَلُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ عَلَيْهِ حُجَّةٌ ، فَمَنْ أَجَابَهُ فَلَهُ النُّورُ وَ الْكَرَامَةُ ، وَ مَنْ أَنْكَرَهُ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ، وَ هو أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ .

 

وَ مَعْنَى قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ فِي الْإِقَامَةِ :

 أَيْ حَانَ : وَقْتُ الزِّيَارَةِ وَ الْمُنَاجَاةِ وَ قَضَاءِ الْحَوَائِجِ ، وَ دَرْكِ الْمُنَى وَ الْوُصُولِ إِلَى الله عَزَّ وَ جَلَّ ، وَ إِلَى كَرَامَتِهِ وَ غُفْرَانِهِ وَ عَفْوِهِ وَ رِضْوَانِهِ [35].

يا طيب : حديث كريم في بيان معاني التوحيد وعظمة الله سبحانه ، وشرح لكثير من حقائق التوحيد بكل معانيه ، وبيان لحقائق التوحيد الذاتي والصفاتي والفعلي وفي العبودية وفي الطاعة والتقنين والملك ، وكل أمر يحبه عبد من المعرفة عن علو الله وعظمته وتجليه وعدله ورسالته وإحاطة رسوله وأولياء أمره بعلم منه لتعليم عباده .

ويا طيب : لم يذكر حي على خير العلم ، لأنه ظاهر الحديث لم يكن في زمان حكومته ، كما لم يذكر ما أضافوه من الصلاة خير من النوم وغيره من عبارتهم ، وأعطى معاني إضافية لمعنى الله أكبر ، في أول البحث وبعده للعناية بمعناه ، وبه نتحقق معاني كثيرة لمعنى كلمة الاسم العظم الله ، ويغني عن شرح كل شارح ، ويعرف أصول الدين وما يريده بفروعه ، فتدبر فيه ، فإنه كلام كريم وعالي في معارف عظمة الله وشؤونه .

والله لا إله إلا هو ، إلى .. ختم آية الكرسي : بالعلي العظيم ، فيها معاني الأذان وتجلي نور الله في عباده وملكه وجزاءه للمؤمنين به لمن يطيع ولاة أمره ، وفي الآتين بعدها شرح معاني الرشد والولاية الإلهية والنعيم في النور أو للعاصي الخلود في النار .

 

 


 

كلمة التوحيد :

لا إله إلا هو تقارن العدل وبيان لعدل أمير المؤمنين :

قَالَ رَوَى أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَكْرِيُّ عَنْ لُوطِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَشْيَاخِهِ وَ أَسْلَافِهِ قَالُوا : لَمَّا تُوُفِّيَ عُثْمَانُ ، وَ بَايَعَ النَّاسُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ،  كَانَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ : حَبِيبُ بْنُ الْمُنْتَجَبِ ، وَالِياً عَلَى بَعْضِ أَطْرَافِ الْيَمَنِ مِنْ قِبَلِ عُثْمَانَ.

 فَأَقَرَّهُ عَلِيٌّ عليه السلام عَلَى عَمَلِهِ ، وَ كَتَبَ إِلَيْهِ كِتَاباً ، يَقُولُ فِيهِ :

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ : مِنْ عَبْدِ الله أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى حَبِيبِ بْنِ الْمُنْتَجَبِ ، سَلَامٌ عَلَيْكَ ، أَمَّا بَعْدُ :

فَإِنِّي أَحْمَدُ الله الَّذِي لا إله إلا هو : وَ أُصَلِّي عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِهِ وَ رَسُولِهِ .

وَ بَعْدُ : فَإِنِّي وَلَّيْتُكَ مَا كُنْتَ عَلَيْهِ لِمَنْ كَانَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْسِكْ عَلَى عَمَلِكَ .

 وَ إِنِّي أُوصِيكَ : بِالْعَدْلِ فِي رَعِيَّتِكَ ، وَ الْإِحْسَانِ إِلَى أَهْلِ مَمْلَكَتِكَ .

وَ اعْلَمْ : أَنَّ مَنْ وُلِّيَ عَلَى رِقَابِ عَشَرَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَ لَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمْ حَشَرَهُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ يَدَاهُ مَغْلُولَتَانِ إِلَى عُنُقِهِ ، لَا يَفُكُّهَا إِلَّا عَدْلُهُ فِي دَارِ الدُّنْيَا ، فَإِذَا وَرَدَ عَلَيْكَ كِتَابِي هَذَا ، فَاقْرَأْهُ عَلَى مَنْ قِبَلَكَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ .... [36].

ويا طيب : يكفيك التدبر في حياة أمير المؤمنين لترى أنه ظاهر وباطن العدل الإلهي ، وقد عرفنا في الجزء الأولى في شرح لا إله إلا الله بيان كريم في نشره لها مع نبي الرحمة وتحملها بما يحب الله سبحانه ويرضى ، وإنه شعاره في الدنيا والآخرة فراجع ، وبعد هذه المعرفة : لنرى أهمية العلم الحق الذي يوجب الإيمان بمن فضلهم الله بالعدل .

 

في البحار : عن الأمالي للشيخ الطوسي‏ وموجود في تفسير الإمام العسكري عليه السلام ، قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ :

إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ : نَادَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْ فَوْقِ الْعَرْشِ ، مَرْحَباً بِكَ يَا عَبْدِي ، أَ تَدْرِي أَيَّ مَنْزِلَةٍ تَطْلُبُ ، وَ أَيَّ دَرَجَةٍ تَرُومُ ، تُضَاهِي مَلَائِكَتِي الْمُقَرَّبِينَ لِتَكُونَ لَهُمْ قَرِيناً ، لَأُبَلِّغَنَّكَ مُرَادَكَ ، وَ لَأُوصِلَنَّكَ بِحَاجَتِكَ .

فَقِيلَ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام : مَا مَعْنَى مُضَاهَاةِ مَلَائِكَةِ الله عَزَّ وَ جَلَّ الْمُقَرَّبِينَ ، لِيَكُونَ لَهُمْ قَرِيناً .

قَالَ : أَ مَا سَمِعْتَ قَوْلَ الله عَزَّ وَ جَلَّ :

 { شَهِدَ الله أَنَّهُ   لا إِلهَ إِلَّا هو

وَ الْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إله إلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } .

فَبَدَأَ بِنَفْسِهِ : وَ ثَنَّى بِمَلَائِكَتِهِ .

وَ ثَلَّثَ : بِأُولِي الْعِلْمِ ، الَّذِينَ هُمْ قُرَنَاءُ مَلَائِكَتِهِ ، وَ سَيِّدُهُمْ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وآله ، وَ ثَانِيهِمْ عَلِيٌّ عليه السلام ، وَ ثَالِثُهُمْ أَهْلُهُ ، وَ أَحَقُّهُمْ بِمَرْتَبَتِهِ بَعْدَهُ .

قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ : ثُمَّ أَنْتُمْ مَعَاشِرَ الشِّيعَةِ الْعُلَمَاءُ بِعِلْمِنَا :

تَالُونَ لَنَا : مَقْرُونُونَ بِنَا ، وَ بِمَلَائِكَةِ الله الْمُقَرَّبِينَ .

شُهَدَاءُ لِلَّهِ : بِتَوْحِيدِهِ وَ عَدْلِهِ ، وَ كَرَمِهِ وَ جُودِهِ ، قَاطِعُونَ لِمَعَاذِيرِ الْمُعَانِدِينَ مِنْ إِمَائِهِ وَ عَبِيدِهِ ، فَنِعْمَ الرَّأْيُ لِأَنْفُسِكُمْ رَأَيْتُمْ ، وَ نِعْمَ الْحَظُّ الْجَزِيلُ اخْتَرْتُمْ ، وَ بِأَشْرَفِ السَّعَادَةِ سَعِدْتُمْ .

حِينَ بِمُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطيبين : قُرِنْتُمْ ، وَ عُدُولُ الله فِي أَرْضِهِ ، شَاهِرِينَ بِتَوْحِيدِهِ وَ تَمْجِيدِهِ جُعِلْتُمْ .

وَ هَنِيئاً لَكُمْ : إِنَّ مُحَمَّداً لَسَيِّدُ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ ، وَ إِنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ الْمُوَالِينَ أَوْلِيَاءَ مُحَمَّدٍ وَ عَلِيٍّ صَلَّى الله عَلَيْهِمَا ، وَ الْمُتَبَرِّءِينَ مِنْ أَعْدَائِهِمَا ، أَفْضَلُ أُمَمِ الْمُرْسَلِينَ ، وَ إِنَّ الله لَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ عَمَلًا إِلَّا بِهَذَا الِاعْتِقَادِ ، وَ لَا يَغْفِرُ لَهُ ذَنْباً ، وَ لَا يَقْبَلُ لَهُ حَسَنَةً ، وَ لَا يَرْفَعُ لَهُ دَرَجَةً ، إِلَّا بِهِ [37].

وبعد معرفة معنى كلمة الإخلاص بل والعدل وشهادة الله بها ، فلننظر آثارها .

 

 



[33] الكافي ج2ص33ح1.

[34] تفسير فرات ‏الكوفي ص77ح51.  بحار الأنوار ج36ص132ب39ح84 .

[35] التوحيد ص238ب34ح1. معاني‏ الأخبار ص39. فلاح‏ السائل ص144ف18. بحار الأنوار ج81ص132ح24ب13.

[36] بحار الأنوار ج42ص260ب127ح58 .

[37] تفسير الإمام ‏العسكري ص625 ح365 . بحار الأنوار ج1ص180ب1ح68 .

خادم علوم آل محمد عليهم السلام

الشيخ حسن حردان الأنباري

موسوعة صحف الطيبين

http://www.alanbare.com