الأصل الثاني

الأمور التي تدل وتساعد الإنسان ليصل لأعلى هداية تشريعية


تمهيد : حجج الله البالغة لهداية عباده :
الأمر الأول : دليل الفطرة :
الأمر الثاني : وجود الشدائد والبلايا :
الأمر الثالث : آيات الله في الآفاق والأنفس :
الأمر الرابع : إرسال الرسل :
الأمر الخامس : الآيات والبينات المؤيدة للرسل والقرآن الكريم :
تكميل : بالهداية التشريعية وفق تعاليم الإسلام يصل الإنسان لغرض خلقته :
وبيان هذا المطلب يكون بعدة نقاط :
النقطة الأولى : لا يرضى الله بعد الإسلام ديناً غيره :
النقطة الثانية : القرآن فيه هدى وتبيان كل شيء :
النقطة الثالثة : وجوب اتباع النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في سنة وسيرة :
خلاصة القول في الأصل الثاني ونتيجته :



إلى الأعلى




تمهيد : حجج الله البالغة لهداية عباده :
عرفنا أن الإنسان بوجوده وذاته عبد لله ويسبحه بتكوينه ، وعرفنا أيضاً أنه يجب عليه أن يقيم العبودية التشريعية لله تعالى باختياره من غير جبر وإكراه ولا قسر ، فالإنسان يجب عليه أن يقيم لله العبودية ويطيع أوامره وينتهي عمّا نهاه ، ويقيم حدود الله تعالى بإرادته و باختياره .
وإن لله الحجة البالغة على عباده ، بلطفه دلهم على كيفية الوصول لتعاليمه ، وساعدهم للتوجه إليه وطلبه ، والبحث عن مبعوث من قبله مثل الأنبياء وأوصياءهم ، وغرس في طبيعة الإنسان البحث عن مرشده ينجيه من الضلال و التيه والغرق في أمور الدنيا ، سواء في ذلك الأمور الدالة أمور تكوينية خارجية في الآفاق أو ذاتية في النفس أو شرعية تعليمية كالكتب السماوية والأنبياء وأوصيائهم وحججهم وآياتهم المعجزة وأخلاقهم الطاهرة وسلوكهم الطيب .
وعليه في هذا الأصل سوف نذكر الأمور التي أودعها الله تعالى لكي يصل الإنسان لتعاليمه وأحكامه ويشكره ويعبده مختاراً ، وليصل للغرض الذي خلق من اجله لإقامته العبودية الحقيقية له تعالى ، وليصل لمنتهى سعادته بعد امتثاله للأوامر الموجودة في الهداية التشريعية التكليفية :
قال تعالى :
{{ قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ }} الأنعام 149.

وقد جعلنا بيان هذا الأصل بأمور :



إلى الأعلى





الأمر الأول : دليل الفطرة :
بحث الإنسان وتوجهه لمعرفة الخالق القادر على كل شيء أمر وجداني ذاتي ، مجبولة عليه فطرته التي خُلق بها ، وذاته الطبيعية التكوينية والنفسية والعقلية و التفكيرية الاختيارية ، ويحصل هذا الأمر للإنسان اقصد البحث عن الخالق والمدبر بأدنى توجه للإنسان إلى حاله و أوضاعه بالنسبة للوجود :
قال تعالى :
{{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }} الروم 30.
وقال سبحانه :
{{ قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ
فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ }}
البقرة 137-138.
والصبغة : الفطرة والخلقة الباحثة عن إله تعبده وتشكره على نعمه .



إلى الأعلى





الأمر الثاني وجود الشدائد والبلايا :
الشدائد والبلايا تجعل الإنسان يتوجه لخالقة وتحد من غفلته و انغماسه في أمور الدنيا ، وترشده لوجود قوة فوقه عظيمة قادرة على كل شيء وهذه القوة للخالق له ؛ وترشده أنه يجب عليه التوجه له سبحانه وإقامة العبودية له وشكره على النعم التي جعلها الخالق للإنسان ليتمتع بها في دنياه ، ومن ثم التوجه إلى تحصيل تعاليمه و امتثال أوامره ليصل لسعادته الحقيقية ويأمن نقمه وخذلانه .
والله سبحانه وتعالى يأخذ الناس والأمم بالبأس والضر والنعم وكل الأحوال من الحوادث الدنيوية وفق سنن كونية تجعل حتى قساة القلب من الكفار يتوجهون إليه ويتضرعون له ، وهذه النقم الدنيوية الظاهرية في الحقيقة نعم لمن ينتفع بها ويتوجه لله تعالى ولا يشرك به ، تدبر الآيات التالية تبين أحدا الطرق التي يدعوا الله عباده بها للتوجه إليه :
قال تعالى :
{{ وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ }} الروم 33.
وقال سبحانه :
{{ قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ
وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ
فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ
فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم مَّنْ إِلَـهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُم بِهِ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ
قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ }}
الأنعام 40-47.
وقال عزّ وجلّ :
{{ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ
ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ
أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ
أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ
أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ }}
الأعراف 94 ـ 100 .



إلى الأعلى





الأمر الثالث : آيات الله في الآفاق والأنفس وعظمتهما :
من الأمور التي تدل الإنسان على معرف الله ووجوب إقامة العبودية له تعالى التفكر في خلق السماوات والأرض وكذا نفس الإنسان وإمكاناتهما وعظمتهما :
قال تعالى :
{{ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }} فصلت 53 .
وكذا حدوث الأشياء الكونية يدل على أن هنالك خالق لها :
قال سبحانه :
{{ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ
إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }}
الأنعام 78 ـ 79 .
وقال عزّ وجلّ :
{{ وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }}
البقرة 163 ـ 164.
وأنظر سورة الروم 20- 25 ، وغيرها من الآيات .
وقال الله العظيم :
{{ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ }} الطور 35-37 .
وقال الله العلي :
{{ وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }} النحل 78 .
والآيات في هذا الباب كثير ترشد الإنسان وتدله للدليل الذي يكون سبب لوجوب إطاعته و إقامة العبودية له سبحانه ، هذا التفكر في الأفاق والأنفس كما يد علي وجوده و وجوب إقامة العبودية له يدل على وحدانيته ، والآيات في هذا الباب في القرآن الكريم كثيرة .
قال تعالى :
{{ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ }} الأنبياء 21 _ 22.



إلى الأعلى




الأمر الرابع : إرسال الرسل :
بالإضافة للأمور التكوينية الدالة على معرفة الله تعالى التي مر ذكرها ، فإنه سبحانه وتعالى تفضل على الإنسان بإرسال الرسل وبعث الأنبياء ، لكي يدلوهم على كيفية معرفة لله تعالى ويثيروا فيهم دفأن عقولهم ويرشدوهم للمعرفة الحقيقية والوجبات المفروضة له تعالى على عباده ، وما أراد منهم وما نهاهم عنه ؛ وليصلوا لسعادة الدنيا و الآخرة ولكمالهم التام وغرض وجودهم والغاية التي من أجالها خلقوا ، ولم يتركهم سبحانه يتيهون ويضلون في هذا الكون والحياة الدنيا ومشاكلها :
قال تعالى :
{{ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ }} فاطر 24.
وقال سبحانه :
{{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }} الحديد 25.
وقال عزّ وجلّ :
{{ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا
وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا
رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا
لَّـكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ ضَلاَلاً بَعِيدًا }}
النساء 163 ـ 166.
وقال العلي العظيم :
{{ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَـمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ
قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }}
إبراهيم 10 ـ11 .



إلى الأعلى





الأمر الخامس : الآيات والبينات المؤيدة للرسل والقرآن الكريم :
هذا الأمر مؤيد للأمر السابق وتابع له ، إلا أن بعض الآيات و المعجزات المؤيدة للرسل من العظمة والخلود حتى يمكن عدها دليل مستقل على وجود الله ووجوب طاعة و إقامة العبودية له تعالى ، ألا وهي الكتب المرسلة مع الأنبياء وبالخصوص القرآن الكريم .
فالمعجزات المرافقة للرسل في زمانهم :
كقوله تعالى : {{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }} النحل 43 ـ 44.
وقوله سبحانه : {{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا }}
الإسراء 101.
وقوله عزّ وجلّ :
{{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ }} البقرة 87 .
وأما القرآن الكريم : وهو المعجزة الخالدة الذي فيه أقوى الأدلة والحجج على معرفة الله تعالى ، فهو في كل آياته يدل على الله تعالى ، كما يدل على معرفته الحقيقية وكيفية إقامة العبودية له تعالى ، كما هو مؤيد لنبوة رسول الله خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وسلم :
قال تعالى :
{{ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ }} الأنعام 19.
وقال سبحانه :
{{ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا
وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا }}
الإسراء 88 ـ 89 .



إلى الأعلى





تكميل بالهداية التشريعية وفق تعاليم الإسلام يصل الإنسان لغرض خلقته :
عرفنا أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان بالحق ليقيم له العبودية وفق ما يريد من تعاليم حقيقة أنزلها وعلمها لأنبيائه سبحانه ليصل لإنسان لسعادته الحقيقية ، كما عرفنا أنه سبحانه لم يهمل الإنسان في متاهات الحياة الدنيا حيران ، بل جعل بالهداية التشريعية و إقامة العبودية له تعالى معنى لحياة الإنسان وانتشله من فكرة ما الفائدة من وجوده حيث يموت ويحيى كالحيوان ، بل الإنسان أكثر تأثر حيث يشعر بشدة بمشاكل الحياة ومصائبها بعد نعمها .
بل بوجود الإنسان وبما أراد الله منه عبودية تشريعية ودله عليها ، كمل معنى وجود الكون وحصل لغرض الخلق هدف و غاية عظمى .
هذا من جانب .
والجانب الأخر هو :
جاءت الأديان السماوية في كل زمان لهداية الإنسان لغايته حسب زمانه و قدرته على العبودية و مصلحته وفق تكامله في الوجود ، و كلما ارتفع الإنسان في الكمال وتطور في الحياة في مرتبه أعلى جاءت شريعة أخرى مكملة ومتممة لشريعة الرسول السابق ، هذا كان جاري في جميع العصور و أُرسل أنبياء كثيرين لهذا الغرض ، حتى جاء دور وزمان نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
فانزل الله على نبينا محمد قرآن فيه من التعاليم الخالدة النافعة للبشرية على طول ما تبقى لها من الحياة ، وبما وشرحه نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ووضحه وبينه ؛ يصل الإنسان لغايته بعد امتثاله لهذه التعالم الربانية من إقامة العبودية الحقيقة لله ويصل لسعادته في الدارين .
ولما كانت هذه التعاليم هي آخر ما أراد الله بيانه للإنسان وهي أعلى المعارف الإلهية ؛ فالله اخذ على نفسه المحافظة عليها بعد وفاة النبي ، وبيان هذا المطلب يكون بعدة نقاط ، ويتبعها الأصول التالية ونتيجة الفصل و خاتمته ، بل حتى الفصل الثاني من هذا الكتاب وما يتبعه .



إلى الأعلى




النقطة الأولى : لا يرضى الله بعد الإسلام دينا غيره :
قال الله تعالى : {{ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ
فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ }}
آل عمران 19-20.
وقال سبحانه :
{{ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }} آل عمران 85.
قال تعالى :
{{ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ }} التوبة 33 .



إلى الأعلى




النقطة الثانية : القرآن فيه هدى وتبيان كل شيء :
قال تعالى : {{ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ }} النحل 89 .
وقال سبحانه :
{{ ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ }} البقرة 2 .
وقال عزّ وجلّ :
{{ إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا }} الإسراء 9 .



إلى الأعلى





النقطة الثالثة : سيرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم :
أن القرآن وأن كان فيه تبيان كل شيء ، لكن توضيحه وبيان مجمله وتفسيره وبيان أغراضه وحدوده التي تحتاج للتفسير والشرح والبيان من قبل النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، وكذلك هذه التعاليم تحتاج لبيان عملي بتطبيق وتعليم من النبي الكريم ووفق سيرته وإمضائه ، فلذا تعاليم الله يجب أخذها من نبينا محمد صلى الله عليه وآله ومتابعته فيها ، وهذا ما بينه الله تعالى في القرآن حيث قال تعالى :
وقال سبحانه :
{{ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }} الحشر 7 .
وقال عزّ وجلّ :
{{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا }} الأحزاب 21 .
وقال الله العظيم :
{{ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ }} القلم 4 .
وقال الله العلي :
{{ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ }} النور 54.
وقال الله القدير :
{{ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ }}
آل عمران 31 ـ32 .



إلى الأعلى




وخلاصة القول في الأصل الثاني ونتيجته :
في كل زمان يجب أن يأخذ الناس تعاليمهم الموصلة لعبودية الله من نبيهم المعاصر لهم ، وهكذا في زمان نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
ولما كان نبينا محمد خاتم الأنبياء يجب على الناس ليصلوا لحقيقة العبودية أن يأخذوا تعاليم الله منه صلى الله عليه وآله وسلم ، وحتى بعد وفاته على جميع البشرية أن تدين بدينه وعليها أن تطبق شريعته ومنهاجه .

فالهداية التشريعية
الموصلة لأعلى المعارف الربانية هي تعاليم الإسلام التي أنزلها الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، سواء في حياته أو بعد مماته و على جميع الأزمنة بعده ، وتعاليمه محفوظة في القرآن وسنته الكريمة وسيرته المطهرة :
ولكن لما كان الله يريد حقيقة العبودية التي أنزلها على نبيه ؛ فلابد أن يحافظ عليها من الكفار والمنافقين والمتفيقهين و وعاض السلاطين وعلماء السوء والذين يبتغون الفتنة ، ويصونها من التأويل وتحريف الكلم عن مواضعه ؛ بعد وفاة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
وإلا إذا لم يحافظ الله على دينه يكون بعث النبي وجعله خاتم الأنبياء ولم يرسل بعده نبي يكون عديم الغرض وعديم الفائدة ، و يكون الأمر من خلق الوجود وبعث الأنبياء لهو وعبث تعالى الله عن ذلك ، وينعدم الهدف من غرض الخلق وما سخر للإنسان وانزل من تعاليمه ليبن له هدف وجوده في الحياة .

فلابدّ سبحانه بلطفه : أن يبين لمن يريد تعاليم الله الحقيقية المحافظ والشارح الحقيقي لهذه التعاليم ، ويرشده لأخذ تعاليمه منه ، ولا يترك من يريد الإيمان في حيرة من أمره يتخبط في الحياة ؛ ويكون طعمة لكل طالب جاه و لكل من يحب الترؤس والمنصب السلطوي الدنيوي أو الديني .
وقبل بيان هذا المطلب الذي هو غرض هذا الكتاب نبين في أصل مستقل الأمور التي تجعل الإنسان ينحرف عن طريق الحق ، حتى نتيقن أنه يجب وجود من يحافظ على تعاليم الله بعد وفاة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم
نضع بين يديك الأصل الثالث فتدبر به لتقتنع أنه يجب وجود من يحافظ على تعاليم الله من الانحراف بعد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم .
ووجود المحافظ على دين الله : يكون سواء على تعاليم القرآن الكريم بالشرح والبيان والتعليم ، أو السنة المطهرة وبيان حقيقتها وناسخها ومنسوخها ومجملها ومطلقها ومقيدها وعامها وخاصها وشروطها ، وما يجب على المؤمنين العمل به من غير انحراف أو تحريف في تعاليم الله الحقيقة ، وبعناية الله وتحت رعايته .



إلى الأعلى





المؤمن بالله ووجوب إقامة العبودية له تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري






إلى الأعلى