.بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العلمين وصلى الله على نبينا الأكرم وآله الطيبين الطاهرين
موسـوعة صحف الطيبين في      أصول الدين وسيرة المعصومين

صحيفة
نور الإمام الحسين عليه السلام الجزء الخامس

المجلس الثالث

تجلي سيادة الإمام بحكمه ومواعظه وشعره

الذكر الأول

مواعظ الإمام الحسين الحسنة  وقصار كلمات حكمه البليغة

    تذكرة :

الحكم البليغة والمواعظ الحسنة للإمام الحسين عليه السلام :

يا طيب : إن الإمام الحسين عليه السلام ، في كل سيرته وسلوكه وكلامه بل في ذاته وصفاته  نراه سيدا إماما وليا لله تعالى، ونراه بحق حكمة علمية وعمليه تعرف هدى الله وما يجب على العبد من البذل في سبيل نشر كلمة الله ودينه الحق حتى علا  على كل باطل وضلال ، وأبان النصر لدين الله وفسر حقائقه من غير فكر وقياس ولا خداع ومكر ، بل الإمام الحسين وآله هم عين دين الله القيم ، وهداه ذو الصراط المستقيم .

وإن أهل البيت عليهم السلام: لما أقصاهم طغاة زمانهم عن الحكم ، وابعدوا عن التصدي لبيان أحكام الله ، وكان ينال الهجران من الحكام وأتعباهم لكل من يتقرب لأهل البيت عليهم السلام ، وبالخصوص في زمان بني أمية حتى أخذ معاوية وابنه يزيد ومروان وبنيه تتبع أتباع أهل البيت وقتلوهم في كل مكان وتحت كل حجر ومدر ، حتى كان أن يقال للمؤمن التابع لأهل البيت إنك مجوسي ويهودي ومسيحي بل وزنديق أهون من أن يقال له أنك محب لأهل البيت محمد وآله صلاة الله وسلامه عليهم .

فلذا خاف الناس : من التوجه لآل البيت عليهم السلام ، ولم يروى عن الحسن والحسين في كتب العامة إلا أحاديث قليلة عن بعض موالين لهم على تخوف ، بل لو تدبرت كتب العامة لرأيتها أغلب أحاديثها تجامل بني أمية ومن نصرهم وتجعل لهم فضائل ومناقب ما أنزل الله بها من سلطان ، وحين تأتي لفضائل أهل البيت عليه السلام نراها تختصر أو لم تذكر ، وإن ذكرت تراهم يضعون لها إن ، ولولا أو تحرف ، مثل ما عرفت في مصباح الهدى في السيادة لولا ابن الخالتين ، ويصلح فئتين ، وفي أحاديث فضل الإمام الحسين وصبغه وخضابه دون العنفقه ، وغيرها مما يحاولون أن ينتقصوا منهم ليرضوا من أبعدهم رسول الله عن المدينة بل سيد المرسلين لعن الكثير من بني أمية وأمثالهم .

ولذا يا طيب : ما تجده عندهم قليل ، وعندنا أغلبها عن آلهم الكرام ، ولذلك لأنه هجرهم الناس إلا من الخاصة، بل من الخاصة الخاصة الذين لا يهابون أن يقعوا على الموت أو الموت يقع عليهم، فهؤلاء كانوا يتقربون من الحسن والحسين عليهما السلام ويأخذون تعاليمهم منهما ويبثوها بين الناس، ومع ذلك ترى نزر يسير عنهم وعن حياتهم ، ولكنه كان فيه نور الهدى ويكفي لتشريع معارف دين كامل ، وبالخصوص حين تتبع آثار أبناهم الكرام ، فترى الإسلام بل الإيمان بكل يقين وإخلاص ينقل عنهم كله .

ولذا ترى يا طيب : أن علومهم كلها من الأئمة من ذرية الإمام الحسين عليه السلام عنه ، وإن  أغلب ، إن لم نقل كل الأحاديث للأئمة بعده تكون عن ذرية الإمام الحسين عن الحسين ، وتكون عن سبيله ومن طريقه ومن تعليمه لأبنه علي ابن الحسين عليه السلام ثم الإمام الباقر ثم الصادق والكاظم ، وهكذا كلهم يروون عنه ويستنبطون من تعاليمه وأصول دين ألقها لهم وتعاليم قرآن شرحها عن أبيه عن جده عن الله ، بالإضافة لما يلهمهم الله به وما عندهم من العلم المتوارث أو تأييد بفضل الله عليهم .

ويا طيب : مع ما عرفت مما مر عليهم من أقسى الظروف والهجران بل القتل ، فقد وصلتنا عن الإمام الحسين عليه السلام معارف قيمة في أعلى معارف الدين وبيان فضل العلم وهدى رب العلمين ، وبما يوقن به المنصف قبل المؤمن بسيادته وإمامته وولايته ، ولذا سيكون ذكرنا هذا ، في أروع الحديث وأجمل الروايات عن الإمام الحسين ، وما كان من غرر الحكم ودرر المعارف الإسلامية في العلم والتوحيد وآداب الدين وأخلاقه، وفيها حكم بليغة وقصار المواعظ الكريمة ، وقد عرفت قسما كبيرا منها في أنوار الأذكار السابقة في أهم مناحي الحياة والعبادة ، فكانت بحق تعرفنا سيرة سيد شباب أهل الجنة و علمه وعمله بكل يقين وتقى وبأعلى معارف الهدى والإخلاص لرب العلمين، فهنيئا لنا.

 

 


الإشراق الأول :

أحاديث الإمام الحسين في فضل العلم والمعرفة والموعظة :

يا طيب : ترى هنا أفضل وأروع أحاديث فضل العلم وثواب التعلم ، ومعرفة محل هدى الله وولاة أمر دينه ، وبكلام حق في غرر المواعظ الحسنه والحكم البليغة المعنى القصيرة اللفظ ، وترى فيها بحق كلام سيد لهدى الله خصه الله بعلمه وبيان دينه .

ويا طيب : عرفنا في الجزء الأول من صحيفة نور الإمام الحسين سر تمجيده ، إن أساس حقيقته هي نور العلم الظاهر في مراتب الوجود، وكان شرح واسع لتجلي أنوار العلم ولذا هنا في بحوث هذا الذكر نختصر على نصوص من أحاديث الإمام الحسين ، ولن نذكر أحاديث عن أبناء الإمام الحسين عنه وهو عن أبيه وجده ، بل تجدها إن شاء الله في الأجزاء الأولى من صحيفة الإمام الحسين والجزء الآتي، وأما أحاديثه المباشرة في العلم:

 


إن من يأتي الإمام الحسين يستقي حق العلم وأصوله :

عن الحارث بن حصيرة عن الحكم بن عتيبة قال :

لقي رجل : الحسين بن علي بالثعلبية و هو يريد كربلاء، فدخل عليه فسلم عليه.

فقال له الحسين عليه السلام : من أي البلدان أنت ؟

فقال : من أهل الكوفة .قال عليه السلام : يا أخ أهل الكوفة .

أما و الله : لو لقيتك بالمدينة .

لأريتك : أثر جبرائيل من دارنا ، و نزوله على جدي بالوحي .

يا أخا أهل الكوفة :

مستقى العلم : من عندنا .

أ فعلموا و جهلنا ، هذا ما لا يكون  [1].

و قال الإمام الحسين عليه السلام :

من أتانا : لم يعدم خصلة من أربع :

آية محكمة ، و قضية عادلة .

و أخا مستفادا ، و مجالسة العلماء[2].

وحقا ما قال سيدي : تدبر كلامه تراه عين الحق .

 


الإمام الحسين يعرفنا أهمية دراسة العلم وحقائق العلماء :

قال الإمام الحسين عليه السلام :

دراسة العلم : لقاح المعرفة .

و طول التجارب : زيادة في العقل .

و الشرف : التقوى .

و القنوع : راحة الأبدان

ومن أحبك نهاك ، ومن أبغضك أغراك . 

من أحجم عن الرأي : وعييت به الحيل ، كان الرفق مفتاحه [3].

نعم يا مولاي : أبلغ الكلام وأنصحه وحقا للمؤمنين حفظه وتعليمه ، وأنظر.

قال الإمام الحسين عليه السلام :

من دلائل علامات القبول : الجلوس إلى أهل العقول . 

ومن علامات أسباب الجهل : المماراة لغير أهل الكفر ( أي لأهل الفكر ).

 ومن دلائل العلم :

انتقاده لحديثه ، وعلمه : بحقائق فنون النظر[4].

 

 


الإمام الحسين لا يناظر من يتمارى بالدين :

يا طيب : عرفت في الموضوع السابق إن الجاهل يماري أهل الفكر ، ويكون سبب لطغيانه وكفره ، ومن لم يجادل ليفهم بل لكي يشبه ولا يقنع بالحق الأولى تركه ، وأنظر كلام الإمام هنا يعرفنا ما مر من كلامه :

روي أن رجلا قال للحسين بن علي عليه السلام :

 اجلس : حتى نتناظر في الدين ؟

فقال عليه السلام :

يا هذا : أنا بصير بديني.

مكشوف علي هداي .

فإن كنت : جاهلا بدينك ، فاذهب و اطلبه ، ما لي و للمماراة .

و إن الشيطان : ليوسوس للرجل و يناجيه .

و يقول : ناظر الناس في الدين ، كيلا يظنوا بك العجز و الجهل .

ثم المراء : لا يخلو من أربعة أوجه :

 إما أن تتمارى : أنت و صاحبك فيما تعلمان ، فقد تركتما بذلك النصيحة ، و طلبتما الفضيحة ، و أضعتما ذلك العلم .

أو تجهلانه : فأظهرت ما جهلا ، و خاصمتما جهلا .

أو تعلمه أنت : فظلمت صاحبك بطلبك عثرته .

أو يعلمه صاحبك : فتركت حرمته ، و لم تنزله منزلته .

و هذا كله محال : فمن أنصف و قبل الحق و ترك المماراة .

فقد أوثق إيمانه : و أحسن صحبة دينه ، و صان عقله [5].

لا كلام بعد كلام الإمام في ترك الجاهل المماري المتبجح بالعلم ظالما ولا يقبل الحق.

 


 

الإمام الحسين يعرفنا فضل تعليم يتامى أولياءهم وإنقاذهم :

قال الإمام الحسين بن علي عليه السلام :

 من كفل لنا : يتيما ، قطعته عنا محنتنا باستتارنا .

 فواساه :من علومنا التي سقطت إليه ، حتى أرشده و هداه .

قال الله عز و جل له : يا أيها العبد الكريم المواسي .

 إني أولى بالكرم : اجعلوا له يا ملائكتي في الجنان بعدد كل حرف علمه ألف ألف قصر ، و ضموا إليها ما يليق بها من سائر النعم [6].

 

و قال الحسين بن علي عليه السلام : لرجل ، أيهما أحب إليك :

رجل : يروم قتل مسكين قد ضعف ، تنقذه من يده .

أو ناصب : يريد إضلال ، مسكين مؤمن‏ من ضعفاء شيعتنا ، تفتح عليه ما يمتنع المسكين به منه ، و يفحمه و يكسره بحجج الله تعالى ؟

قال : بل إنقاذ هذا المسكين المؤمن من يد هذا الناصب .

 إن الله تعالى يقول : { وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً (32) }المائدة.

أي : و من أحياها و أرشدها من كفر إلى إيمان .

 فكأنما : أحيا الناس جميعا من قبل أن يقتلهم بسيوف الحديد .[7]

يا طيب : توجد أحاديث لكل أهل البيت في هذا المعنى وكلا بأسلوبه في تفسير الإمام العسكري عنهم وتذكر ثواب متنوع لهم ، وهي تعرفنا أهمية الدفاع عن الدين والمؤمنين وتعلم ما به الثبات على الدين ، ونصر الهدى بالمجادلة بالحق والموعظة الحسنة .

 


قصص للإمام الحسين في مكنون العلم والتغذية به و منتهاه :

عن علي بن الحسين ، حدثني أبي الحسين بن علي ، قال :

كنا على مائدة : أنا وأخي محمد ابن الحنفية ، وبنو عمي : عبد الله بن العباس ، وقثم ، والفضل ، على مائدة نأكل .

فوقعت جرادة : على المائدة ، فأخذها عبد الله بن عباس ، فقال للحسين :

 يا سيدي : تعلم ما مكتوب على جناح الجرادة .

قال : سألت أبي أمير المؤمنين ؟

فقال : إني سألت جدك صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فقال لي :

 على جناح الجرادة مكتوب : إني أن الله لا إله إلا أنا ، رب الجرادة ورازقها .

 إذا شئت: بعثتها رزقا لقوم ، وإن شئت على قوم بلاء .

 قال : فقام عبد الله بن عباس ، فضم الحسين بن علي إليه .

ثم قال: . واحدة من مكنون العلم  .

وفي الدر المنثور فقال ابن عباس: هذا والله من مكنون العلم [8] .

 

ويا طيب : مر عن عبد الرحمن العزرمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال :جاء رجل إلى الحسن و الحسين عليهما السلام و هما جالسان على الصفا ، فسالهما .

فقالا : إن الصدقة لا تحل ، إلا في دين موجع ، أو غرم مفظع ، أو فقر مدقع ، ففيك شي‏ء من هذا

.قال : نعم ، فأعطياه .

 و قد كان الرجل: سأل عبد الله بن عمر ، و عبد الرحمن بن أبي بكر ، فأعطياه ، و لم يساله عن شي‏ء ، فرجع إليهما .

فقال لهما : ما لكما لم تسألاني عما سألني عنه الحسن و الحسين عليهما السلام ، و أخبرهما بما .

قالا : فقالا : إنهما غذيا بالعلم غذاء[9].

يا طيب : عرفت أن في أغلب ، إن لم نقل في كل معروف وكرم الإمام ، كان على قدر المعرفة ، أو لهذه الأمور ، وذكرنا الحديث هنا لما فيه من تعريفهما بالفضل من ابني حاكمين لكل المسلمين بعد رسول الله ، واعترافهم لهما بالعلم .

 

جواب الإمام الحسين عليه السلام : عن مسائل سأله عنها ملك الروم حين وفد إليه .

 وقال : حين سألهم ملك الروم ، إنها من منتها العلم.

سأله : عن المجرة ، و عن سبعة أشياء خلقه الله لم تخلق في رحم .

فضحك : الحسين عليه السلام .

 فقال له : ما أضحكك ؟

قال عليه السلام : لأنك سألتني عن أشياء ما هي من منتهى العلم ،  إلا كالقذى في عرض البحر .

أما المجرة : فهي قوس الله .

 و سبعة أشياء لم تخلق في رحم : فأولها آدم ، ثم حواء ، و الغراب ، و كبش إبراهيم عليه السلام ، و ناقة الله ، و عصا موسى عليه السلام ، و الطير الذي خلقه عيسى ابن مريم عليه السلام [10] .

 

 

 


 

 

الإشراق الثاني :

الإمام الحسين يعلم أصول معارف الإيمان والتوحيد :

يا طيب : الإمام الحسين عليه السلام يروي كثير من الأحاديث في معارف التوحيد عن جده وأبيه عليهم السلام ، ومر ذكر كثيرا منها في الصحف الأولى من صحيفة الإمام الحسين عليه السلام ، وفي صحيفة التوحيد وشرح الأسماء الحسنى ، وما نذكره هنا فقط ما يكون له ظهور علم ومعارفه منه عليه السلام دون نقل عن آبائه الكرام .

ويا طيب : مرت أحاديث كريمة عن الإمام الحسين عليه السلام في ذكر مكارمه وعبادته دعائه ،و فيها معارف كريمة عن التوحيد وما يقام به العبودية لله سبحانه ، وما يوجب الخشوع والخضوع له فضلا عن الإيمان به .

وذكرنها هناك : لكي نتيقن أن عبودية وإخلاصه وإقدامه وأحجامه ودعائه وفكره وذكره وخشوعه ، كان عن علم يوجب اليقين ، وإنها كانت بإخلاص المتقين وبذل العلماء الربانين ، بل سيد من سادة المؤمنين المخلصين وبرعاية الله وتأييده موفقين .

وإن ما ترى من غرر كلام الإمام الحسين هنا : هو من أصل أصول العلم الإلهي ويسقي المؤمنين وكل المنصفين حقائق العلم الرباني في بيان معارف عظمة الله وشأن جبروته ، وإن أس كلامه وحكمه هو تربية جده رسول الله وأبيه أمير المؤمنين ، عن كتاب الله وما يلهمه سبحانه لهم وله ، ويزيده من علمه بحسب شأنه الكريم ، وبما يوجب جعله إمام الكون بعد آبائه وسيد الوجود في زمانه، ويكون كلامه على طول الدهر حجة على كل العباد ، فتنور معي يا طيب بإشراق نوره وأشعة هداه في معارف عظمة الله والإيمان به وبتوحيده وجلالة عظمته وكبرياءه .

 

  

 


الإشعاع الأول :

أحاديث الإمام الحسين في الإيمان الفطري وحقيقة المؤمن بيقين:

يا طيب : دين الله واحد حق من الواحد الحق سبحانه ، ويختار من علم أنهم أفضل عباده ويظهرون بتجلي نور هداه بكل ما يمكن من الطاقة لهم ، وبما لا يمكن أن يدانيهم فيه أحد ، ولذا الحق أن تكون فطرة الله وملة أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام جد نبينا وآله الأعلى هي ملتهم وفطرتهم ودينهم ، وبها يستكمل ويتم الإيمان بيقين ، ولا يمكن لأحد أن يصل لها إلا أن يتبع من كان أختاره الله لهداية العباد ، كما أختار الأنبياء حتى سيد المرسلين ومن ثم آله وأوصياءه بعده هم خلفائه على دينه بحق .

وذلك يا طيب : لكي لا يختلف الناس ويدعي كل مدعي دين الله ويفتي بفكره ولا مؤيد ولا مصدق له ، بل هو واعظ ظالمين وطغاة ليس لهم من الإسلام فضلا عن الإيمان نصيب ، أبعدوا أئمة الدين وسادة المتقين عن تعريف هدى الله وعلموا فكرهم دين ، وقد عرفت سابقا في أول ذكر العبادة إن نبي الله إبراهيم عليه السلام طلب الإمامة لذريته الطاهرين ، وهذا بيان أخر لما عرفت ، ولكنه ببيان جميل فطري إيماني يقيني حكيم مختصر فأجمع بينهم وتدبر لترى حق كلام سيد الكلام في الأنام بعد آبائه الطيبين الطاهرين الكرام صلى الله عليهم وسلم :

وقد عرفت عن الحسين بن علي عليه السلام قوله :

ما أحد على ملة إبراهيم :

 إلا نحن و شيعتنا ، و سائر الناس منها براء[11].

و في دعوات الراوندي ودلائل الإمامة في آخره :

 فنظر إلي ، فقال : يا حبابة :

نحن و شيعتنا : على الفطرة ، و سائر الناس منها براء [12].

وعن الهيثم بن عبد الله الرماني قال : حدثنا علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جده محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام ، في قوله تعالى :

فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً

فِطْرَةَ الله الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا (30) } الروم .

قال عليه السلام :

هو : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله .

علي أمير المؤمنين ولي الله ،  إلى هاهنا التوحيد[13].

يا طيب : السبيل لدين الله ولصراطه المستقيم ومعارف عظمة الله وتوحيده ، لابد أن نعرفه بحق بتأييد الله من نبيه ثم من وصيه ، ومن بعد أمير المؤمنين لابد أن يكون الحسن والحسين وذريتهم ، ولا إمام غيرهم وسيد ولاية دين الله بعده إلا أمام باطل ، وهو معاوية ثم يزيد وبني مروان ممن لعنهم الله فتابع الجزء الآتي وأذكاره ترى أعداء أل محمد وأحوالهم وأتباعهم ومن سار على طريقتهم مخالفا لأئمة الحق وسادة العباد واقعا .

وأنظر : كل كتب التأريخ وتدبر حقائقه ترى هناك حزبين متنافرين فأختر أحدهم :

وتدبر ما : عن محمد بن مسعر اليربوعي قال:

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، للحسين بن علي رضي الله عنه :

كم بين الإيمان واليقين ؟

قال الحسين عليه السلام : أربع أصابع ، قال: بيّن ؟

قال الحسين عليه السلام : اليقين : ما رأته عينك .

 والإيمان : ما سمعت أذنك ، وصدقت به .

 قال: أشهد أنك ممن أنت منه { ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ (34) } آل عمران [14].

ويا طيب : لا إيمان ولا يقين ، إلا بمتابعة الحق وطلبه من أهله أهل دين الله ، وعلى المؤمن أن يتدبر تأريخ الإسلام ويعرف أهله ، ويختار أهل ملة الله وفطرته الصافية الطاهرة من غير شك ، ولذا قال الإمام في أوصاف المؤمن :

وقال الإمام الحسين عليه السلام :

 إن المؤمن : اتخذ الله عصمته ، وقوله مرآته .

فمرة ينظر :  في نعت المؤمنين .

وتارة ينظر : في وصف المتجبرين .

 فهو منه : في لطائف ، ومن نفسه في تعارف .

ومن فطنته : في يقين ، ومن قدسه على تمكين[15] .

 

 


الإشعاع الثاني :

الإمام الحسين يعرف ابن الأزرق أصول التوحيد :

عن العباس بن بكار قال: حدثنا أبو بكر الهذلي : عن عكرمة عن ابن عباس :

أنه بينما هو يحدث الناس : إذ قام إليه نافع بن الأزرق ، فقال له :

يا بن عباس : تفتي الناس في النملة والقملة ، صف لي إلهك الذي تعبد .

فأطرق : ابن عباس إعظاما لقوله .

 وكان : الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه  جالسا ناحية .

فقال عليه السلام : إلي يا بن الأزرق .

 قال : لست إياك أسأل . قال بن عباس : يا ابن الأزرق ؟

إنه : من أهل بيت النبوة ، وهم : ورثة العلم.

 فأقبل نافع : نحو الحسين . فقال له الحسين : يا نافع :

إنه من وضع دينه : على القياس ، لم يزل الدهر في الالتباس ، سائلا .

 ناكبا : عن النهاج ، ظاعنا بالاعوجاج ، ضالا عن السبيل ، قائلا غير الجميل .

 يابن الأزرق : أصف إلهي : بما وصف به نفسه . أعرفه : بما عرف به نفسه :

فلا يدرك : بالحواس ، ولا يقاس بالناس .

قريب : غير ملتصق ، وبعيد غير منتقص .

يوحد : ولا يبعض .

معروف بالآيات ، موصوف بالعلمات .

لا إله إلا هو الكبير المتعال .

 فبكى : ابن الأزرق ، وقال : يا حسين ما أحسن كلامك  .

 قال له الحسين : بلغني أنك تشهد على أبي وعلى أخي بالكفر وعليّ ؟

قال ابن الأزرق :

أما والله يا حسين ، لئن كان ذاك ، لقد كنتم منار الإسلام ، ونجوم الأحكام.

 فقال الحسين : إني سائلك عن مسألة ، فقال : سل .فسأله عن هذه الآية :

{ وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة (82)} الكهف.

يا بن الأزرق: من حفظ في الغلامين ؟ قال ابن الأزرق : أبوهما .

 قال الحسين : فأبوهما خير أم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

قال ابن الأزرق : قد أنبأن الله أنكم قوم خصمون[16] .

يا طيب: كلام يحسن أن يحفظ فهو كلام في التوحيد وسبيل معرفته بحق من أهله:

 

 


الإشعاع الثالث :

الإمام الحسين يعرفنا أهم معاني التوحيد بشرح اسم الله الصمد :

قال اليعقوبي في تأريخه :

قيل للحسين : ما سمعت من رسول الله ؟

قال عقلت : عنه أنه يكبر فأكبر خلفه . ...

وعلمني :  الصلوات الخمس .

وعلمني: قل هو الله أحد[17].

يا طيب : علم حق عن سيد الخلق عن الحق ، أنظر ما تعلمه وشرحه :

 

قال وهب بن وهب القرشي : حدثني الصادق جعفر بن محمد عن أبيه الباقر عن أبيه عليهم السلام :أن أهل البصرة :

كتبوا : إلى الحسين بن علي عليه السلام ، يسألونه عن الصمد ؟

فكتب إليهم : بسم الله الرحمن الرحيم :

أما بعد : فلا تخوضوا في القرآن و لا تجادلوا فيه ، و لا تتكلموا فيه بغير علم .

فقد سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :

من قال : في القرآن بغير علم ، فليتبوأ مقعده من النار .

و إن الله سبحانه : قد فسر الصمد .

فقال : { اللَّهُ أَحَدٌ } ، { الله الصَّمَدُ } .

ثم فسره فقال : { لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ } .

{لَمْ يَلِدْ } :لم يخرج منه شي‏ء كثيف : كالولد و سائر الأشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين ، و لا شي‏ء لطيف كالنفس .

و لا يتشعب منه البدوات : كالسنة ، و النوم ، و الخطرة ، و الهم ، و الحزن ، و البهجة ، و الضحك ، و البكاء ، و الخوف ، و الرجاء ، و الرغبة ، و السأمة ، و الجوع ، و الشبع . تعالى : أن يخرج من شي‏ء ، و أن يتولد منه شي‏ء كثيف أو لطيف .

{ وَ لَمْ يُولَدْ } : لم يتولد من شي‏ء ، و لم يخرج من شي‏ء ، كما يخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها ، كالشيء من الشيء ، و الدابة من الدابة ، و النبات من الأرض ، و الماء من الينابيع ، و الثمار من الأشجار .

و لا كما يخرج : الأشياء اللطيفة من مراكزها ، كالبصر من العين ، و السمع من الأذن ، و الشم من الأنف ، و الذوق من الفم ، و الكلام من اللسان ، و المعرفة و التميز من القلب ، و كالنار من الحجر ، لا .

بل هو الله الصمد : الذي لا من شي‏ء ، و لا في شي‏ء ، و لا على شي‏ء .

مبدع الأشياء : و خالقها ، و منشئ الأشياء بقدرته ، يتلاشى ما خلق للفناء بمشيئته ، و يبقى ما خلق للبقاء بعلمه .

فذلكم الله الصمد : الذي لم يلد و لم يولد ، عالم الغيب و الشهادة ، الكبير المتعال ، و لم يكن له كفوا أحد [18].

 

قال الإمام الباقر: حدثني أبي زين العابدين :

عن أبيه الحسين بن علي عليهم السلام أنه قال :

الصمد : الذي لا جوف له .

و الصمد : الذي قد انتهى سؤدده .

و الصمد : الذي لا يأكل و لا يشرب .

و الصمد : الذي لا ينام .

و الصمد : الدائم الذي لم يزل و لا يزال‏[19] .

 

 


الإشعاع الرابع :

كلام الإمام الحسين في جوامع التوحيد ومعارف عظمة الله سبحانه :

قال الإمام الحسين بن علي صلوات الله عليه :

كلاما جامعا في تعريف عظمة الله وتوحيده :

أيها الناس : اتقوا هؤلاء المارقة ، الذين يشبهون الله بأنفسهم ، يضاهئون قول الذين كفروا من أهل الكتاب .

بل هو الله : ليس كمثله شي‏ء ، و هو السميع البصير .

 لا تدركه :الأبصار ، و هو يدرك الأبصار ، و هو اللطيف الخبير .

استخلص : الوحدانية و الجبروت .

و أمضى : المشيئة ، و الإرادة ، و القدرة ، و العلم ، بما هو كائن .

لا منازع له : في شي‏ء من أمره ، و لا كفو له يعادله ، و لا ضد له ينازعه ، و لا سمي له يشابهه ، و لا مثل له يشاكله .

 لا تتداوله : الأمور ، و لا تجري عليه الأحوال ، و لا تنزل عليه الأحداث .

و لا يقدر الواصفون : كنه عظمته ، و لا يخطر على القلوب مبلغ جبروته .

 لأنه :ليس له في الأشياء عديل .

و لا تدركه العلماء : بألبابها ، و لا أهل التفكير بتفكيرهم .

إلا بالتحقيق : إيقانا بالغيب ، لأنه لا يوصف بشي‏ء من صفات المخلوقين .

و هو : الواحد الصمد .

ما تصور : في الأوهام ، فهو خلافه .

 ليس برب : من طرح تحت البلاغ .

و معبود : من وجد في هواء أو غير هواء .

هو في الأشياء كائن : لا كينونة محظور بها عليه .

و من الأشياء بائن :لا بينونة غائب عنها .

ليس : بقادر من قارنه ضد ، أو ساواه ند .

ليس : عن الدهر قدمه ، و لا بالناحية أممه .

احتجب عن العقول : كما احتجب عن الأبصار .

و عمن : في السماء احتجابه ، كمن في الأرض .

قربه : كرامته ، و بعده إهانته .

لا تحله : في ، و لا توقته إذ ، و لا تؤامره إن .

علوه : من غير نوقل ( الظاهر توغل والمصدر توقل) ، و مجيئه من غير تنقل .

يوجد : المفقود ، و يفقد الموجود ، و لا تجتمع لغيره الصفتان في وقت .

يصيب الفكر : منه الإيمان به ، موجودا و وجود الإيمان ، لا وجود صفة .

به : توصف الصفات ، لا بها يوصف .

و به : تعرف المعارف ، لا بها يعرف .

فذلك الله : لا سمي له سبحانه ، ليس كمثله شي‏ء ، و هو السميع البصير [20].

يا طيب : هذه معارف قيمة في التوحيد ، وركن من أركان تعلم معاني عظمة الله ، واس من أسس التوجه لله بكل معاني المعرفة وحدود الإخلاص ، لا تشبيه ولا شك في قدسه ، وفيها معارف نور تجلي أسماءه الحسنى الثابتة له ، والصفات التي يجب أن تسلب عنه لأنها غير مناسبة لعلوه ولعظمته سبحانه .

وقال المجلسي رحمه الله في البحار بيان :

استخلص الوحدانيّة : أي جعلها خالصة لنفسه لا يشاركه فيها غيره . ولتحقيق : التصديق ، و الاستثناء منقطع ، أي و لكن يدرك بالتصديق بما أخبر عنه الأنبياء و الحجج إيمانا بالغيب .قوله عليه السلام : تحت البلاغ : لعل المعنى أنه يكون محتاجا إلى أن يبلغ إليه الأمور ، أو يكون تحت ثوب يكون قدر كفايته محيطا به ، و يحتمل أن يكون تصحيف . التلاع : جمع التلعة ، فإن الأصنام تنحت من الأحجار المطروحة تحتها ، أو اليراع : و هو شي‏ء كالبعوض يغشى الوجه ، أو النقاع : جمع النقع بالكسر ، و هو الغبار ، أو السماء ، أو البلاء ، أو البناء ، بقرينة قرينتها و هي الهواء .

يا طيب: المعنى أنه من بلغ الفكر تصوره فليس برب لأن الرب لا يحاط به علما .

 و نوقل : فوعل من النقل ، و لم أجده فيما حضر عندي من كتب اللغة .

يا طيب : الظاهر كما ذكرنا في المتن توغل ، وليس نوقل .

قوله عليه السلام : محظور بها عليه : أي بأن يكون داخلا فيها ، فتحيط الأشياء به كالحظيرة ، و هي ما تحيط بالشيء خشبا أو قصبا . قوله عليه السلام : ليس عن الدهر قدمه : أي ليس قدمه قدما زمانيا يقارنه الزمان دائما . و الأمم : بالتحريك القصد ، أي ليس قصده بأن يتوجه إلى ناحية مخصوصة ، فيوجد فيه ، بل فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ الله . قوله عليه السلام : و لا تؤامره ، إن أي ليست كلمة ، إن التي يستعملها المخلوقون عند ترددهم ، بقولهم : إن كان كذا ، فأي شي‏ء يكون سببا لمشاورته ، و مؤامرته في الأمور .

قوله : في وقت : أي في وقت من الأوقات ، و التقييد بالاجتماع ، لعله وقع تنزلا لما يتوهم من أن الأعدام يتأتى من غيره تعالى . قوله : يصيب الفكر : أي لا يصيب منه تعالى التفكر فيه ، إلا أن يؤمن بأنه موجود ، و أن يجد صفة الإيمان و يتصف به ، لا أن ينال منه وجود صفة : أي كنه صفة ، أو صفة موجودة زائدة ، فقوله : و وجود : معطوف على الإيمان .و قوله : لا وجود : أي لا يصيب وجود ، و الأصوب أن العاطف في قوله و وجود زائد ، فيستقيم الكلام . قوله : به توصف‏ الصفات : أي هو موجد للصفات ، و جاعل الأشياء متصفة بها ، فكيف يوصف نفسه بها ، و بإفاضته تعرف المعارف ، فلا يعرف هو بها ، إذ لا يعرف الله بمخلوقه ، كما مر [21].

 

 

 


الإشراق الثالث :

معارف عن الإمام الحسين في العدل والمعاد و القرب والخوف من الله:

يا طيب : بعد أن عرفنا أصول الإيمان وأسس معارف التوحيد ، الآن يجب أن نعرف غرر الكلام البليغ وأسس معارف الموعظة الحسن الفصيحة عن الإمام الحسين عليه السلام في وجوب التقرب من الرب العظيم الحليم الكريم ، والخوف منه وطلب ثوابه ورجاءه ، وخوف عقابه ، بل يجب أن نكون مراقبين لعبودية بما يحب وبما به صلاحنا من تطبيق هداه وطاعته بصراط مستقيم ، وبعلم معارفه أهل النعيم والمنعم عليهم بحق .

ويا طيب: لم نضع في أشعة لكون مطالبها متنوعة قصيرة ، بل نضع لها عناوين مناسبة مع قصره من غير ذكر لإشعاع فوقها ، فتدبر :

 


الإمام الحسين يعرف معاني العبودية لله وحق نعمه والاستدراج بها :

قال الإمام الحسين عليه السلام :

إن قوما : عبدوا الله رغبة ، فتلك عبادة التجار .

وإن قوما : عبدوا الله رهبة ، فتلك عبادة العبيد .

وإن قوما: عبدوا الله شكر ، فتلك عبادة الأحرار ، وهي أفضل العبادة [22].

نعم يا مولاي : نشكر الله على هدايتنا بكم لدينه ولعبوديته بما يحب ويرضى .

ويا طيب : يجب أن لا نرى الكافر الغني منعم عليه ، أو حتى مسلم عاصي متمرد بما لا يناسب شأن الإسلام وهو ملي متمكن من الدنيا أنه في نعمة ، لأنه قد يكون استدراج له وبعده يناله بعصيانه الله بنعمه شرا له لا شر بعده وله عذاب ويحاسب على كل شيء ، بل المنعم عليه هو الشاكر لله ويقيم عبوديته بنعمه ، وأنظر ما قال الإمام :

قال الإمام الحسين عليه السلام :

الاستدراج :من الله سبحانه لعبده .

أن يسبغ عليه : النعم ، ويسلبه الشكر[23]     .

ولذا يا طيب : نرى الإمام الحسين دائما يشكر الله ، ويتوسل به ويدعوه أن لا يستدرجه بالنعم والإحسان وهو لا يشكره ، فيطلب منه أن يبعده عن كل بلاء سببه عدم الشكر لإحسان الله ، أنظر قول سيدنا ومولانا .

قال الإمام الحسين عليه السلام :

اللهم : لا تستدرجني بالإحسان .

 ولا تؤدبني بالبلاء[24].

وقال الأربلي : و هذا دعاء : شريف المقاصد ، عذب الموارد ، قد جمع بين المعنى الجليل ، و اللفظ الجزل القليل ، و هم مالك الفصاحة حقا ، و غيرهم عابر سبيل .

يا طيب : إن الله طلب منا في سورة الفاتحة بعد أن نقدسه ونمجده ونقر له بالعجز دون عونه ، طلب منا أن نستعين به لأن يهدينا الصراط المستقيم للمنعم عليهم بتعليم دينه وهداه ، وإن النعيم ونعمة الله في الدنيا هو دينه ، وثوابه نعيم الآخرة ورضاه ، وأنظر ما عرفه الإمام الحسين عليه السلام :

عن عمر بن أبي نصر قال : حدثني رجل من أهل البصرة قال :

رأيت الحسين بن علي عليه السلام : و عبد الله بن عمر ، يطوفان بالبيت .

فسألت : ابن عمر ، فقلت قول الله :

 { وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)} الضحى.

قال : أمره أن يحدث بما أنعم الله عليه .

ثم إني قلت : للحسين بن علي عليه السلام .

 قول الله تعالى : { وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)} الضحى.

قال : أمره أن يحدث بما أنعم الله عليه من دينه [25]  .

يا طيب : قد شرحنا معنى أنعمت عليهم في صحيفة القرآن الكريم ، وفي صحيفة ذكر علي عليه السلام عبادة وفي صحيفة سادة الوجود ، بلطائف وبيانات متنوعة ، منها أنه نطلب من الله سبحانه في سورة الحمد الهداية لصراط المنعم عليهم ، وأن الله قال لبنيه وأما بنعمت ربك فحدث ، فلما حدث بالولاية في الغدير لوصيه أمير المؤمنين ، أنزل الله اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا .

وهذا هو : الدين والتوحيد وكيف يعبد الله بأعلى معاني عظمته بما يحب ويرضى.

ويا طيب : بعد أن عرفنا ما يجب من إقامة العبودية لله ، شكرا له على ما هدانا وأولانا وعرفنا صراطه المستقيم عند المنعم عليهم بهداه .

 فمن يستكبر : ويحب أن يعصي ولا يطيع ، فلينظر كلام الإمام الحسين الآتي ، وليتدبر هل يحق له أن لا يتعبد لله :

 


قال الإمام الحسين أفعل خمسة أشياء و أذنب ما شئت :

روي أن الحسين بن علي عليه السلام : جاءه رجل .

 و قال : أنا رجل عاص و لا أصبر عن المعصية ، فعظني بموعظة .

فقال عليه السلام : أفعل خمسة أشياء ، و أذنب ما شئت :

فأول ذلك : لا تأكل رزق الله ، و أذنب ما شئت .

و الثاني : أخرج من ولاية الله ، و أذنب ما شئت .

و الثالث : أطلب موضعا لا يراك الله ، و أذنب ما شئت .

و الرابع : إذا جاء ملك الموت ليقبض روحك ، فادفعه عن نفسك، وأذنب ما شئت .

و الخامس : إذا أدخلك مالك في النار، فلا تدخل في النار ، وأذنب ما شئت[26].

 


قال الإمام الحسين عجب لمن أيقن و لا يخاف الله :

يا طيب : إذا كنا نعرف إنا نرتع في نعم الله التي لا تحصى ، وبالخصوص نعمة الهدية لدينه وما فيه رضاه وإقامة شكره وعبوديته لتطمئن قلوبنا ونكون براحة في الدارين ، ونحن بشكره يزيدنا ونكون تحت ولايته بما يتفضل علينا بكل خير ، فلا يحق لنا أن نعصي فعند الموت وفي البرزخ والقيامة نعذب وبعد في النار ندخل مخلدين ، فيجب أن نخاف الله ولا نعصي أبدا ، فلذا يجب أن نكون بين الخوف الرجاء ، نخاف عقاب المعصية ونرجو ثواب الطاعات ، ونخاف التقصير ولا نحزن على ما فات من أمور الدنيا ولا نطمئن بها ولا نذنب فيها ، وإلا من أيقن بالخالق وثوابه وعقابه ، ولم يراقب حاله معه ، فأمره عجيب ، وأنظر كلام سيد الأنام بعد آبائه الكرام :

عن الإمام الرضا بإسناده قال حدثني أبي عن الحسين بن علي عليهم السلام :

وجد لوح : تحت حائط مدينة من المدائن ، مكتوب فيه :

أنا الله لا إله إلا أنا : و محمد نبي .

عجبت : لمن أيقن بالموت ،  كيف يفرح ؟

و عجبت : لمن أيقن بالقدر ، كيف يحزن ؟

و عجبت : لمن اختبر الدنيا ، كيف اطمأن إليها ؟

و عجبت : لمن أيقن بالحساب ، كيف يذنب  [27]؟

ويا طيب : يجب أن لا نستخف بشيء من أمر الله أبدا ، فلا بالأمور الموجبة للحسنات وما نرجو ، ولا في المعاصي وما نخاف عقابه ، وأيضا يجب أن لا نستخف بأولياء الله ولا في دعاءه ، لأنه  أنظر سبب هذه التحذير للاستخفاف المشين وعلة الحذر منه كما قال مولانا الحسين:و روي عن الحسين بن علي عليه السلام أنه قال:

إن الله عز و جل : أخفى أربعة في أربعة :

 أخفى رضاه : في الحسنات .

فلا يستصغرن : أحد منكم حسنة ، لأنه لا يدري فيم رضى الله تعالى .

و أخفى سخطه : في السيئات .

 فلا يستصغرن : أحدكم سيئة ، فإنه لا يدري فيم سخط الله .

و أخفى أولياءه : في الناس .

فلا يستصغرن أحدكم أحدا ، فإنه يوشك‏ أن يكون وليا لله .

و أخفى إجابته : في الدعاء .

فلا يستصغرن : أحدكم دعوة ، فإنه لا يدري لعل دعاءه مستجاب[28] .

ولذا يا طيب : أنظر الموضوع الثاني لترى إن الإمام الحسين وآله الكرام صلى الله عليهم وسلم ، يراقبون أنفسهم ويعرفون قدرهم في وجوب الطاعة لله بكل وجودهم وفي كل زمانهم وحالهم ، ويخافون التقصير مع ما لهم من الشأن الكريم والمقام الرفيع والجاه العظيم عند الله سبحانه وتعالى :

  


قيل للإمام الحسين كيف أصبحت يا  ابن رسول الله :

في أمال الصدوق عن المفضل عن الصادق عن أبيه عن جده عليهم السلام قال :

سئل الحسين بن علي عليهما السلام فقيل له :

كيف : أصبحت يا ابن رسول الله ؟

قال : أصبحت :

ولي رب فوقي

والنار أمامي : والموت يطلبني ، والحساب محدق بي ، وأنا مرتهن بعملي .

لا أجد ما أحب ، ولا أدفع ما أكره .

والأمور بيد غيري : فإن شاء عذبني  وإن شاء عفا عني .

فأي : فقير ، أفقر مني    

[29].

 

وروي عن أبو الحسن علي بن جعفر بن زيد من ولد عقيل بن أبي طالب ، قال :

 قيل للحسين بن علي عليه السلام :

 كيف : أصبحت يابن رسول الله ؟

 قال : أصبحت كثير الذنوب ، قبيح العيوب .

فلا أدري : أيهما أشكر ، أقبيح ما يستر ، أم عظيم ما يغفر [30].

 يا طيب : الرواية عن أبناء العامة عنهم وليس عن أئمتنا ، وعلى فرض صحتها ، فتقصير الإمام لا من قصور فيه لأنه مطهر لا يعصي وعرفت مراقبته و حذره ، بل لأنه لابد من المخالطة للعباد والأهل ، فيكون ذنبه ما يحسب من كونه بصورة ليس في العبودية الدائمة لله من غير شوب بمحادثة الغير والتوجه لكلامهم ، وهو ما يشغله عن العبودية الصرفة من الذكر أو الدعاء وتلاوة كلام الله ، فذنبه حسب شأنه ، ولذا :

 

قال الإمام الحسين عليه السلام :

ما أخذ الله : طاقة أحد  ، إلا وضع عنه طاعته .

ولا أخذ : قدرته ، إلا وضع عنه كلفته[31]

 

ويا طيب : وعقد في البحار بابا لكيف أصبحت لكل الأئمة إن أحببته راجعه ، وننقل منه ما رواه الإمام عن وصي جده سيد الأنام :

قال الإمام الحسين عليه السلام :

 قلت لأمير المؤمنين عليه السلام : كيف أصبحت ؟

قال عليه السلام :

كيف يصبح ، من كان لله عليه حافظان .

و علم : أن خطاياه مكتوبات في الديوان .

إن لم يرحمه ربه : فمرجعه إلى النيران[32] .

يا طيب : عرفت قول الإمام الحسين عليه السلام في ذكر العبودية في المجلس السابق ، ما معناه إذا كان هذا حال الشاهد والمراقب لنفسه هكذا ، فالمشهود عليه أولى بالمراقبة وحفظ نفسه بالتقوى وعدم معصية الله بنعمه ، فإنه من غير المستحسن بل قبيح بأن نعصي الله ونحن في نعمه نرتع ، وقد أوعدنا العقاب ، فلابد أن نشكره بالعبودية له وذكره بما علمنا أئمة الحق من أدعية الصباح والمساء وما بعد الصلاة وفي المناسبات المهمة ، فضلا عن إقامة الصلاة والصوم والزكاة وباقي الطاعات .

وأسأل الله لكم ولي : أن يجعلنا سبحانه متحققين بعبودية بما يحب ويرضى من هداه ، والذي علمه لنا من أنعم عليهم بالصراط المستقيم وتعليم دينه القويم ، وأن يجعلنا وإياكم معهم في الدارين هدى وعبودية ودين ، ونعيم وثواب مقيم مخلدين ، إنه أرحم الراحمين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العلمين .


[1] الكافي ج1ص398ح2 ، بصائر الدرجات ص11ح1 ، بحار الأنوار ج45ص93ب37ح34 .

[2] كشف‏ الغمة ج2ص31ف8. نثر الدر للآبي ج1ص68. بحار الأنوار  ج44ص195ب26ح9.

[3]أعلام‏ الدين ص298. بحار الأنوار الجزء75ص127ب20ح10.

[4] تحف ‏العقول ص247 . بحار الأنوار ج75ص119ب20ح2 .المماراة المجادلة والمعارضة لأهل الفكر من المؤمنين ومكايدتهم في تلوي وتعويج الكلام حتى ليحسب أنه حق وهو باطل في مقدماته .

[5] بحار الأنوار ج2ص135ب17ح32.

[6] تفسير الإمام‏ العسكري ص341ح 218 .الصراط المستقيم ج3ص55 .

[7] تفسير الإمام‏ العسكري ص348ح 231 . بحار الأنوار ج2ص9ب8ح17 وقال بيان : إن الإحياء في الأول المراد به الهداية من الضلال ، و الإحياء ثانيا الإنجاء من القتل ، و قوله من قبل بكسر القاف و فتح الباء أي من جهة قتلهم بالسيوف ، و يحتمل فتح القاف و سكون الباء .

[8] شعب الإيمان للبيهقي ج21ص95ح9776 ،  قال الشيخ رحمه الله :  هذه زيادة ألحقت بالأصل في شعبان سنة سبع وخمسين وأربعمائة حين وصلت الجراد نيسابور . وفي الدر المنثور ج4ص292 . وأخرج الطبراني وإسمعيل بن عبد الغافر الفارسي في الأربعين والبيهقي . الدعوات لقطب الدين لراوندي ج145ص 376 . بحار الأنوار ج62ص206ب4ح34 .

[9] الكافي ج4ص47ح7 . بحار الأنوار ج43ص320ب13ح4 . بيان : قال الجزري : فيه لا تحل المسألة إلا لذي فقر مدقع ، أي  شديد يفضي بصاحبه إلى الدقعاء ،  وهو التراب . 

[10] تحف ‏العقول ص242، بحار الأنوار ج10ص137ب9ح4 . القذى: غبار العين أو ما يخرج منها.

[11] المحاسن ج1ص147ب16ح54 .

[12] بحار الأنوار ج44ص180ب25ح1 . بصائر الدرجات ج270ص3ح6 . . وح2 عن الدعوات ص65ح163. دلائل ‏الإمامة ص77 . رجال ‏الكشي ص115ح18 وفيه ... ثم قال يا حبابة : إنه ليس أحد على ملة إبراهيم في هذه الأمة غيرنا و غير شيعتنا و من سواهم منها براء.

[13] تفسير العياشي ج1ص388س6ح 146 .ج2ص154س30.

[14] بغية الطلب في تاريخ حلب ج3ص16 .

[15] تحف ‏العقول ص248 . بحار الأنوار ج75ص119ب20ح2 .

[16] بغية الطلب في تاريخ حلب ج3ص15 . تاريخ دمشق ج14ص184 . عن زيد بن رويان تفسير العياشي ج2ص337س18ح64 ، بحار الأنوار ج4ص297ح24 ، بيان : على القياس أي مقايسة الرب تعالى بالخلق أو الأعم أي الحكم بالعقل في  الله تعالى ودينه ، والتقصي : غاية البعد . التوحيد ص79ب2 ح35 . وتمام الآية : { وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ...(82) } الكهف .

[17] تاريخ اليعقوبي ج1ص207 .

[18] التوحيد للصدوق ص90ب4ح5 , بحار الأنوار ج3ص223ب6ح14 .

[19] التوحيد ص90ب4ح3 ، معاني ‏الأخبار  ص6ح3 ،المقام‏ الأسنى ص54 ، بحار الأنوار ج3ص223ب6 .

[20] تحف ‏العقول ص244 . بحار الأنوار ج4ص301ب4ح29 .

[21] بحار الأنوار ج4ص301ب4ح29 جوامع التوحيد .

[22] تحف ‏العقول ص246 . بحار الأنوار ج75ص117ب20ح2 .

[23] تحف ‏العقول ص246 . بحار الأنوار ج75ص117ب20ح2 .

[24] كشف‏ الغمة ج2ص31ف8 .بحار الأنوار الجزء75ص126ب20ح9 عن الدرة الباهرة مخطوط . نثر الدر للآبي ج1ص68

[25] المحاسن ج1ص218ب9ح 115 . عنه في بحار الأنوار ج24ص53ب29ح9 . وذكر كلام الإمام دون غيره في تحف ‏العقول ص246 . وعنه بحار الأنوار ج75ص118ب20ح2 .

[26] بحار الأنوار  ج75ص126ب20ح7. جامع ‏الأخبار ج130ف89 ورواه عن علي بن الحسين.

[27] عيون ‏أخبار الرضا ج2ص44ب31ح 158 .صحيفة الرضا عليه السلام ص81ح 179.

[28] معدن ‏الجواهر للكراجكي ص43.

[29] أمالي الصدوق ص 362 م89. من ‏لا يحضره ‏الفقيه ج4ص404ح5873 . روضة الواعظين ج2ص489.جامع ‏الأخبار ص90ف49 .  بحار الأنوار الجزء75ص116ب20ح1.

[30] بغية الطلب في تاريخ حلب ج3ص16 .

[31] تحف ‏العقول ص246 . بحار الأنوار ج75ص117ب20ح2 .

[32] جامع ‏الأخبار ص90ف49. بحار الأنوار ج73ص15ب99ح1 .

 

خادم علوم آل محمد عليهم السلام

الشيخ حسن حردان الأنباري

موسوعة صحف الطيبين

http://www.msn313.com