بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العلمين وصلى الله على نبينا الأكرم وآله الطيبين الطاهرين
موسـوعة صحف الطيبين في      أصول الدين وسيرة المعصومين

صحيفة
نور الإمام الحسين عليه السلام الجزء الخامس

المجلس الثالث

تجلي سيادة الإمام بحكمه ومواعظه وشعره

الذكر الأول

مواعظ الإمام الحسين الحسنة  وقصار كلمات حكمه البليغة

 

الإشراق الرابع :

أحاديث الإمام الحسين في الإمامة والولاية والتولي والتبري :

يا طيب : بعد معرفة الله سبحانه والإيمان به ، لابد من تتبع هداه وأخذه ممن خصهم الله بمعرفته وتعليمه ، وعرفت إن مستقى علم عظمة الله وهداه من نبينا الأكرم و آله الطاهرين، ولا يمكن أن يؤخذ من مخالف لهم ، فضلا عمن يقاتلهم ، ومن يجرئ على قتل أل محمد وعترته عليهم السلام فهو على دينه أجرئ ، وعن دينه أضل وأبعد ، ولا يراقب شيء يتقي به الله ، بل إن أظهر الدين فهو منافق ، والله سبحانه عرف أل محمد صلى الله عليهم وأمر بودهم ومحبتهم وطاعتهم بل عرفت أنه قد صدقهم وطهرهم .

وقد مر في الجزء السابق : بحوث تامة في ولاية الإمام الحسين عليه السلام وبيان إمامته بعد أبيه وجده وأخيه وبعده بنيه ، بل في مصباح هدى هذا الجزء تكلمنا عن نور سيادة الإمام الحسين وأخيه الإمام الحسن عليهم السلام ، وبحثنا ما يعرفنا حقيقة الولاية للسادة ، فإنهم لسيادتهم كان واجب علينا توليهم ، أي لما فيهم من خصال الخير وبذله بكل تقى نتولاهم ونحبهم ، فنشتاق أن ندخل تحت ولايتهم فنقتبس ونستقي ونتغذى بنعيم هداهم ومعارفهم وعلوم خصهم الله بها وجعلهم راسخين بعلمها وتعليمها .

فإن السيادة : هي بذل العلم بكل تقى ، وتطبيقه علما وعملا والظهور به بأعلى وأوسع وأطهر تجلي ممكن لمخلوق من عباد الله ، والتولي هو قصد السيد لجعلنا تحت حيطته ورعايته ويبذل لنا ما به صلاحنا ، وقد كتبنا قسم من صحيفة كريمة في معنى التولي والولاية أسأل الله أن يوفقنا لتمامها ، وقد بينا المعنى في صحيفة سادة الوجود فراجعها تجد معاني كريمة في معنى السيد وتوليه وتولينا .

ويا طيب : آيات الولاية ووجوب حب أل محمد عليهم السلام كثيرة في كتاب الله سبحانه وتعالى ، فنذكر قسما منها للتذكرة ، ولكي نتمكن من تدبر كلمات الإمام الحسين والإيمان بها بما تستحقه من اليقين في معارف الولاية والإمامة والسيادة لهم .

 

 


الإشعاع الأول :

آيات في الولاية الإلهية وضرورة تولي الإمام الحسين وآله :

قال الله سبحانه وتعالى :

{ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ

وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)} البقرة.

يا طيب : إن الله سبحانه لا يوحي لكل واحد منا هداه ودينه ولكن يختار ويصطفي أكرم خلقه يعرفنا شؤون عظمته و حقائق الإيمان به ، ولذا قال سبحانه :

{إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ

وَالَّذِينَ آمَنُوا  الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)

وَمَنْ يَتَوَلَّ الله وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمْ الْغَالِبُونَ (56) } المائدة .

فالله سبحانه : عرفنا أنه هو ورسوله ولي لنا يتولانا ويرعانا ، والذين آمنوا هم أولياء للمؤمنين بعد الله ورسوله ، أي لهم إيمان عالي بخصوصية معينه ، وهي كما عرفت تصدق الإمام علي بخاتمه في الركوع أثناء الصلاة لا كل مؤمن ، بل المؤمن يتولاه ويدخل حزبه.

ولذ الله سبحانه : أمر المؤمنين أن يتولوه ويتولوا رسوله ، والمؤمن بهذه الخصوص أي أمير المؤمنين بعد رسوله ، ثم بعد أمير المؤمنين يكون ولينا فينا ومعنا دائما ، أي لابد من إمام وحجة وسيد لدين الله في كل زمان ، وهو قوله تعالى :

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُو الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ

وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ

 فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59)} .

ويا طيب : لو رجعنا لله ورسوله ، لرأيناهم يرجعونا لآل النبي في كثير من الآيات والأحاديث ، فنفس آيات الولاية هي ترجعنا لهم بعد رسول الله وهم أولي أمرنا ، وحديث الثقلين ويوم الغدير وغيره شاهد على صدق ولايتهم دون غيرهم .

وفي الآية أعلاه : تعرفنا أن أولي الأمر هم منا ، أي يعني دائم معنا ولا تخلوا منهم الأرض ، وهم سادة الوجود وأئمة العباد بعد الله ورسوله وامتداد له نتعلم منهم دينه، ولذا عرفنا بآل محمد حين طهرهم بآية التطهير وآية المباهلة صدقهم أمرنا بودهم وقال :

{ ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ

قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى

وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ الله غَفُورٌ شَكُورٌ (23)} الشورى.

فحب النبي وآله : هو المنجي لا كل حب لمطلق القرابة ، بل قرابة بها يقترف الحسنات ويتعلم الدين ويتم بها غفران الله لنا وشكره بما نعبده من هداه ، وقد عرفت هذا المعنى ، ولذا وصى الله بالرحم عامة وبرحم رسول الله خاصة فقال :

{  وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنْكُمْ

وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ

فِي كِتَابِ الله إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)} الأنفال .

فرحم رسول الله : أولى بدينه ، وبمعارف هداه ، وعرفت نزول الوحي في بيوتهم ومستقى العلم منهم ، لا يكون غيرهم أعلم منهم ولا أهدى ، بل من يخالفهم يكون قد خالف الهدى وأبتعد عن حق العبودية لله سبحانه .

وإلا يا طيب : من لم يتبع ولاية أل محمد عليهم السلام يكون قد تبع ولاية الطاغوت كما قال الله تعالى في الآيتين الملحقة بآية الكرسي أي قوله تعالى :

{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)} البقرة.

وأنت بين سادة الحق : من أولياء الله ، وغيرهم من أعداهم من أولياء الطاغوت .

فبعدما عرفنا: مختصرا من معنى ولاية سادتنا من أل محمد ندخل في ولاية الحسين:

 

 


الإشعاع الثاني :

الإمام الحسين يعرف الولاية في أول الخلق :

يا طيب : أحاديث الولاية كثيرة جدا ، ولكن نذكر ما يعرفنا حقائق ولاية أل محمد ومصدرها الإلهي ، في جميع المراتب من أحاديث سيدنا الحسين عليه السلام :

 أسند الشيخ المفيد إلى الحسين بن علي عليه السلام :

أن الله تعالى :

 خلق : محمدا و اثني عشر من أهل بيته ، من نور عظمته .

هم : الأئمة بعده[33] .

فنبينا وآله : لهم رعاية خاصة حين خلقهم الله ، وهم أول تجلي لنور عظمته ، ثم بما وسعهم الظهور بكل نور الله وهداه في كل حال نتعلم منهم ونقتبس نور الله منهم ، ونحن حين نتولاهم نقترف من دينهم ، ونعبد الله سبحانه بما يحب ويرضى فنتنور :

 

وعن موسى بن عبد ربه قال : سمعت الحسين بن علي عليه السلام .

يقول: في مسجد النبي ، و ذلك في حياة أبيه علي عليه السلام :

سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول :

أول ما خلق الله عز و جل : حجبه .

 فكتب على أركانه : لا إله إلا الله  ، محمد رسول الله ، علي وصيه .

ثم خلق العرش :

فكتب على أركانه : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، علي وصيه .

ثم خلق الأرضين :

فكتب على أطوادها : لا إله إلا الله  ، محمد رسول الله ، علي وصيه .

ثم خلق اللوح :

فكتب على حدوده : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، علي وصيه .

فمن زعم : أنه يحب النبي ، و لا يحب الوصي ، فقد كذب .

و من زعم : أنه يعرف النبي ، و لا يعرف الوصي ، فقد كفر .

ثم قال عليه السلام :

ألا إن أهل بيتي : أمان لكم ، فأحبوهم لحبي و تمسكوا بهم لن تضلوا .

قيل : فمن أهل بيتك يا نبي الله ؟

قال : علي ، و سبطاي ، و تسعة من ولد الحسين ، أئمة أمناء معصومون .

 ألا أنهم : أهل بيتي و عترتي ، من لحمي و دمي[34].

يا طيب : معرفة قيمة يصدقها الله في كتابه ، ورسوله في كل سيرته وأحاديثه ، وتصرفه بكل حب مع آله الكرام وقد عرفته .

 

ويا طيب : إن كنت تؤمن بالله وما خلق في ملكوته العظيم ، وتعترف بالعرش ومراتبه والكرسي ودرجاته وما يحبوه ويزينه وينوره ، و باللوح والقلم وغيرها من المقامات العالية ، فأعرف أن آل محمد عليهم السلام أصلها وبهم حسن خلقها ، وبوجودهم في كل المراتب هدي سكانها والعباد ، وراجع بحث أوسع في الجزء الأول من صحيفة الإمام الحسين عليه السلام وما بعده ، وصحيفة شرح الأسماء الحسنى.

 والآن يا طيب : ندخل في حديث آخر يعرف نفس تلك المراتب الوجودية العالية للإمام الحسين ، ويرينا سيادته ومقام ولايته وشأنه وشأن آله الكرام الطيبين الطاهرين :

 

 

 


 

 

الإشعاع الثالث :

الإمام الحسين يعرف ولايتهم في الجنة وقبل خلق آدم :

يا طيب قال : موسى بن جعفر عن أبيه عن محمد بن علي عن أبيه عليهم السلام :

عن الحسين بن علي عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عيه وآله :

 دخلت الجنة : فرأيت على بابها مكتوبا بالذهب :

لا إله إلا الله  : محمد حبيب الله ، علي بن أبي طالب ولي الله ، فاطمة آية الله ، الحسن و الحسين صفوتا الله ، على مبغضيهم لعنة الله [35].

 

وقال الإمام العسكري في تفسيره في شرح قوله تعالى :

 قال الله عز و جل : كان خلق الله لكم ما في الأرض جميعا :

{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ (61) } الإسراء .

أي: في ذلك الوقت خلق لكم .

قال عليه السلام : و لما امتحن الحسين عليه السلام و من معه ، بالعسكر الذين قتلوه ، و حملوا رأسه .

قال عليه السلام : لعسكره ، أنتم من بيعتي في حل، فألحقوا بعشائركم و مواليكم.

 و قال لأهل بيته : قد جعلتكم في حل من مفارقتي ، فإنكم لا تطيقونهم لتضاعف إعدادهم و قواهم ، و ما المقصود غيري ، فدعوني و القوم ، فإن الله عز و جل يعينني و لا يخليني من حسن‏ نظره ، كعادته في أسلافنا الطيبين .

 فأما عسكره : ففارقوه ، و أما أهله والأدنون من أقربائه فأبوا .

و قالوا : لا نفارقك ، و يحل بنا ما يحل بك ، و يحزننا ما يحزنك ، و يصيبنا ما يصيبك ، و إنا أقرب ما نكون إلى الله إذا كنا معك .

 فقال عليه السلام لهم : فإن كنتم قد وطنتم أنفسكم على ما وطنت نفسي عليه ، فاعلموا أن الله إنما يهب المنازل الشريفة لعباده لصبرهم باحتمال المكاره .

 و إن الله : و إن كان خصني مع من مضى من أهلي الذين أنا آخرهم بقاء في الدنيا من الكرامات ، بما يسهل معها على احتمال الكريهات ، فإن لكم شطر ذلك من كرامات الله تعالى .

و اعلموا : أن الدنيا حلوها و مرها حلم ، و الانتباه في الآخرة ، و الفائز من فاز فيها ، و الشقي من شقي فيها .

أ و لا أحدثكم : بأول أمرنا و أمركم معاشر أوليائنا و محبينا ، و المعتصمين بنا ، ليسهل عليكم احتمال ما أنتم له معرضون .

قالوا : بلى يا ابن رسول الله .

 قال عليه السلام : إن الله تعالى لما خلق آدم و سواه ، و علمه أسماء كل شي‏ء ، و عرضهم على الملائكة .

جعل : محمدا و عليا و فاطمة و الحسن و الحسين.

أشباحا خمسة : في ظهر آدم .

و كانت أنوارهم : تضيء في الآفاق ، من السماوات و الحجب ، و الجنان ، و الكرسي ، و العرش .

فأمر الله تعالى: الملائكة بالسجود لآدم ، تعظيما له .

أنه قد فضله : بأن جعله وعاء لتلك الأشباح التي قد عم أنوارها الآفاق .

 فسجدوا : لآدم‏ ، إلا إبليس أبى أن يتواضع لجلال عظمة الله ، و أن يتواضع لأنوارنا أهل البيت ، و قد تواضعت لها الملائكة كلها ، و استكبر و ترفع ، و كان بإبائه ذلك و تكبره من الكافرين [36].

يا طيب : هذه حقيقة الولاية إما إلهية ، أو شيطانية وطاغوتية عاصية للرحمانية .

 

 


 

 

الإشعاع الرابع :

الإمام الحسين يعرفنا الأمر من الله لرسول الله بتسليم الولاية لأبيه :

يا طيب : إن الإمام الحسين عليه السلام ، هو سيد وإمام بفضل الله عليه ، ويكون بعد أبيه وأخيه ، ولكنه كان يتابع أمر ولايتهم ويتعرف على خصائصها من جده سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم ، ومنها الأحاديث التي عرفتها وتابعه :

عن أبو حمزة الثمالي عن أبي خالد الكابلي عن علي بن الحسين عن أبيه :

الحسين بن علي عليهم السلام قال :

دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

و هو : متفكر مغموم .

فقلت : يا رسول الله ما لي أراك متفكرا ؟

قال : يا بني ، إن الروح الأمين قد أتاني ،فقال : يا رسول الله ، العلي الأعلى يقرئك السلام ، و يقول لك : إنك قد قضيت نبوتك ، و استكملت أيامك .

فاجعل : الاسم الأكبر ، و ميراث العلم ، و آثار علم النبوة ، عند علي بن أبي طالب ،  فإني لا أترك الأرض إلا و فيها عالم يعرف به طاعتي ، و يعرف به ولايتي .

فإني لم أقطع : على النبوة من الغيب من ذريتك .

كما لم أقطعها : من ذريات الأنبياء ، الذين كانوا بينك و بين أبيك آدم .

قلت : يا رسول الله ، فمن يملك هذا الأمر بعدك ؟

قال : أبوك علي بن أبي طالب، أخي ، وخليفتي، ويملك بعد علي الحسن.

ثم تملك : أنت ، و تسعة من صلبك ، يملكه اثنا عشر إماما .

ثم يقوم قائمنا : يملأ الدنيا قسطا و عدلا ، كما ملئت جورا و ظلما ، و يشفي صدور قوم مؤمنين ، هم شيعته[37].

اللهم : بحق محمد وآله محمد أجعلنا من شيعتهم وألحقنا بهم في كل مراتب الوجود .

 


 

 

الإشعاع الخامس :

الإمام الحسين يعرف نزول أولي الأرحام أولى بعضهم ببعض فيهم :

عن  إسماعيل بن عبد الله قال : قال الحسين بن علي عليه السلام قال :

لما أنزل الله تبارك و تعالى هذه الآية { وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ } .

سألت : رسول الله صلى الله عليه وآله عن تأويلها .

فقال : و الله ما عنى غيركم ، و أنتم أولو الأرحام .

فإذا مت : فأبوك علي أولى بي و بمكاني .

 فإذا مضى أبوك : فأخوك الحسن أولى به .

فإذا مضى الحسن : فأنت أولى به .

قلت : يا رسول الله ، فمن بعدي أولى بي .

فقال : ابنك علي أولى بك من بعدك .

فإذا مضى : فابنه محمد أولى به من بعده .

فإذا مضى : فابنه جعفر أولى به من بعده بمكانه .

فإذا مضى جعفر : فابنه موسى أولى به من بعده .

فإذا مضى موسى : فابنه علي أولى به من بعده .

فإذا مضى علي : فابنه محمد أولى به من بعده .

فإذا مضى محمد : فابنه علي أولى به من بعده .

فإذا مضى علي : فابنه الحسن أولى به من بعده .

فإذا مضى الحسن : وقعت الغيبة في التاسع من ولدك .

فهذه الأئمة التسعة : من صلبك ، أعطاهم علمي و فهمي ، طينتهم من طينتي ، ما لقوم يؤذوني فيهم ، لا أنالهم الله شفاعتي [38]. آمين .

 

 

 


الإشعاع السادس :

أحاديث للإمام الحسين عنه وعن جده وأبيه وأمه تعرف إمامته وولده:

يا طيب : إن أغلب الأحاديث التي يتحدث بها الإمام الحسين عن ولايتهم و إمامتهم عن جده ، تشمله مع الأئمة المعصومين من ذريته عليهم السلام .

فيا طيب : راجع وتحقق ، وتابع يا موالي ، وتولى أطيب وأطهر الخلق حقا :

 

عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : للحسين بن علي عليه السلام :

 يا حسين : يخرج من صلبك تسعة أئمة ، منهم مهدي هذه الأمة .

فإذا استشهد أبوك : فالحسن بعده ، فإذا سم الحسن فأنت .

فإذا استشهدت : فعلي ابنك ، فإذا مضى : علي فمحمد ابنه .

 فإذا مضى : محمد فجعفر ابنه ، فإذا مضى : جعفر فموسى ابنه .

فإذا مضى : موسى فعلي ابنه ، فإذا مضى : علي فمحمد ابنه .

 فإذا مضى : محمد فعلي ابنه ، فإذا مضى : علي فالحسن ابنه .

ثم الحجة بعد الحسن : يملأ الأرض قسطا و عدلا ، كما ملئت ظلما و جورا [39].

 

وعن الحسين بن خالد عن الرضا عن آبائه عليهم السلام :

عن أمير المؤمنين عليه السلام : أنه قال للحسين عليه السلام :

 التاسع : من ولدك يا حسين ، هو القائم بالحق ، المظهر للدين، الباسط للعدل.

قال الحسين عليه السلام : فقلت : يا أمير المؤمنين ، و إن ذلك لكائن ؟

فقال عليه السلام : إي والذي بعث محمدا بالنبوة ، واصطفاه على جميع البرية.

و لكن بعد غيبة : و حيرة .

 لا تثبت فيه ا: على دينه ، إلا المخلصون ، المباشرون لروح اليقين .

الذين أخذ الله : ميثاقهم بولايتنا .

 وكتب : في قلوبهم الإيمان ، و أيدهم بروح منه[40].

 

وعن يونس بن ظبيان عن جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين :

عن أبيه الحسين قال : قالت لي أمي فاطمة :

لما ولدتك : دخل إلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

 فناولتك إياه : في خرقة صفراء ، فرمى بها ، و أخذ خرقة بيضاء لفك فيها .

و أذن : في أذنك الأيمن ، و أقام في أذنك الأيسر ، ثم قال :

يا فاطمة : خذيه فإنه أبو الأئمة .

 تسعة : من ولده أئمة أبرار ، والتاسع : مهديهم[41].

 

وعن عبد الرحمن بن سليط قال:

 قال الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام :

منا اثنا عشر مهديا : أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب .

و آخرهم : التاسع من ولدي .

و هو القائم : بالحق ، يحيي الله تعالى به الأرض بعد موتها .

و يظهر به : دين الحق على الدين كله و لو كره المشركون .

 له غيبة : يرتد فيها قوم ، و يثبت على الدين فيها آخرون .

فيؤذون فيقال لهم : متى هذا الوعد إن كنتم صادقين.

 أما إن الصابر : في غيبته على الأذى و التكذيب .

بمنزلة : المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله [42] .

 

وعن عبد الله بن إبراهيم قال :

حدثني أبي عن أبيه عن علي بن الحسين عليهم السلام عن :

الحسين بن علي عليهم السلام قال :

كان رسول الله صلى الله يقول : فيما بشرني به .

يا حسين : أنت السيد ، ابن السيد ، أبو السادة .

تسعة من ولدك : أئمة ، أمناء ، التاسع قائمهم .

أنت : الإمام ، ابن الإمام ، أبو الأئمة ، تسعة من صلبك أئمة أبرار .

و التاسع مهديهم : يملأ الأرض قسطا و عدلا ، يقوم في آخر الزمان[43]‏.

 

و علي بن الحسين عليه السلام قال : قال الحسين بن علي عليه السلام :

 في التاسع من ولدي : سنة من يوسف ، و سنة من موسى بن عمران .

 و هو قائمنا : أهل البيت ، يصلح الله تبارك و تعالى أمره في ليلة واحدة[44] .

 

 


الإشعاع السابع :

الإمام الحسين يعرفنا أحاديث متنوعة خاصة بولاية أبية وولايته :

يا طيب : نذكر هنا أحاديث عن سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين عليه السلام في ولاية أل محمد عليهم السلام .

 و أغلبها : خاصة في ولايته وولاية أبيه :

عن  الحسين بن علي عليه السلام :

 في قوله تعالى : { تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ الله وَرِضْوَاناً

سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ(29) } الفتح .

قال : نزلت في علي بن أبي طالب[45].

و قال الحسين بن علي عليه السلام :

 من عرف : حق أبويه الأفضلين محمد و علي صلى الله عليهم وسلم .

و أطاعهما : حق الطاعة .

قيل له : تبحبح في أي الجنان شئت[46] .

 

وعن الإمام الرضا عن آبائه عن الحسين بن علي عليهم السلام قال :

ما كنا نعرف المنافقين : على عهد رسول الله .

 إلا ببغضهم: عليا و ولده صلى الله عليهم وسلم[47].

وعن داود بن فرقد قال: قال أبو عبد الله عليه السلام :

 اقرءوا : سورة الفجر في فرائضكم و نوافلكم.

 فإنها : سورة الحسين بن علي، و ارغبوا فيها رحمكم الله .

فقال له أبو أسامة :  و كان حاضر المجلس.

 كيف : صارت هذه السورة للحسين خاصة ؟

فقال عليه السلام : أ لا تسمع إلى قوله تعالى:

{ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30) } الفجر .

إنما يعني الحسين بن علي: فهو ذو النفس المطمئنة الراضية المرضية ، و أصحابه من أل محمد ص الراضون عن الله يوم القيامة ، و هو راض عنهم .

و هذه السورة : في الحسين بن علي و شيعته ، و شيعة أل محمد خاصة .

من أدمن: قراءة الفجر، كان مع الحسين في درجته في الجنة إن الله عزيز حكيم[48] .

 

وعن هارون بن خارجة عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

كنا عنده : فذكرنا الحسين و على قاتله لعنة الله ، فبكى أبو عبد الله و بكينا .

قال ثم رفع رأسه فقال : قال الحسين :

 أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلا بكى

 و ذكر الحديث[49] .

وعن أبي بصير عن الصادق جعفر بن محمد عن آبائه عليه السلام قال :

قال أبو عبد الله الحسين بن علي عليه السلام :

 أنا قتيل العبرة ، لا يذكرني مؤمن إلا استعبر[50] .

وعن هارون بن خارجة عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

قال الحسين بن علي عليه السلام : أنا قتيل العبرة ، قتلت مكروبا .

و حقيق على الله : أن لا يأتيني مكروب ، إلا أرده و أقلبه إلى أهله مسرورا[51].

 

 


الإشعاع الثامن :

الإمام الحسين يعرفنا حبهم إيمان وبغضهم كفر :

يا طيب : بعد أن عرفنا آيات وأحاديث كريمة وطيبة شريفة صادقة طاهرة ، عن أفضل وأكرم وأشرف وأبها و أسنا وأجمل وأحلى خلق الله تعالى في الوجود ، وهم نبينا الأكرم محمد وآله وبالخصوص الإمام الحسين صلى الله عليهم وسلم .

 حان الآن : أن نتعرف على نتائج هذا الحب والتولي لهم ، والدخول تحت سيادتهم وفضلها وثوابها ، ونبتعد عن عقاب من عاندهم وخالفهم فضلا عمن حاربهم أو حب أعدائهم .

وهذه يا موالي : أحاديث عن الإمام الحسين عليه السلام يعرف حبهم وفضلهم وثوابه ونتائجه ، وأسأل الله لكم ولنا أن يحققنا بأعلاها ثوابا وجزاء إنه أرحم الراحمين:

عن سعيد بن صفوان عن عبد الملك بن عمير :

عن الحسين بن علي عليه السلام :

 في قوله عز و جل :

{ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى‏ (23) } الشورى .

قال عليه السلام :

 و إن القرابة : التي أمر الله بصلتها ، و عظم من حقها ، و جعل الخير فيها .

قرابتنا : أهل البيت ، الذين أوجب الله حقنا على كل مسلم [52].

 

يا طيب : المودة والتولي لنبي الرحمة وآله الكرام صلى الله عليهم وسلم.

هي معرفة : دين وهدى ، وبها تقام حقيقة العبودية لله سبحانه .

ولذ قال الإمام عليه السلام :

 عن سلمة بن عطا عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

خرج الحسين بن علي عليه السلام : على أصحابه ، فقال :

أيها الناس : إن الله جل ذكره ما خلق العباد إلا ليعرفوه .

فإذا عرفوه : عبدوه ، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه .

فقال له رجل : يا ابن رسول الله بأبي أنت و أمي فما معرفة الله ؟

قال عليه السلام : معرفة أهل كل زمان إمامهم ، الذي يجب عليهم طاعته [53].

يا طيب : قد يصعب على بعض الحديث أعلاه ممن لم يعرف شأن الإمامة والولاية والدخول تحت سيادة أل محمد عليهم السلام وفضلها ، ولكن الله سبحانه وتعالى عرفنا بأن طاعة الله وحبه لا تتم إلا بحب وطاعة رسوله وآله الكرام وقرباه الطيبين الطاهرين ، و كما عرفت أمر بمودتهم وطهرهم وصدقهم ولعن من يكذبهم ، لأنه كما عرفت عبوديته لا تتم إلا بمعرفتهم وأخذ علومه دينه منهم صلى الله عليهم وسلم ، وقد قال الله تعالى:

{ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ

فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ

وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)

قُلْ أَطِيعُو الله وَالرَّسُولَ

 فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ الله لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32)

 إِنَّ الله اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى العلمينَ (33)

 ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)} آل عمران .

يا طيب : إن حب الله وطاعته يتم بحب النبي وطاعته ، وإن الله أصطفى الأنبياء وآلهم ، ونبينا الأكرم الله سبحانه طهره وطهر آل البيت معه ، بل أمر بودهم وتوليهم وصدقهم ، وهم ذرية بعضها من بعض كما في الآيات أعلاه وبكثير من الأحاديث .

 وقال الله تعالى :

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُو الله

وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ (59)} النساء .

وعرفت ولي الأمر يا موالي : في أول الإشراق ، وإن الله قد أمر بطاعته كما في الآية أعلاه ، فأل محمد صلى الله عليهم وسلم ذرية بعضها من بعض ، وقد اصطفاهم الله سبحانه وخصهم بمعارف دينه وهداه ، وبهم تعرف حق المعرفة كل شؤون عظمته وما يحب أن يعبد به  ، وكما عرفت من المعارف الكريمة عن عظمة الله وعلوه في أحاديث الإمام الحسين ، وراجع صحيفة التوحيد والأسماء الحسنى تعرف حقائق ما ذكرنا .

والآن يا طيب : إذا عرفنا هذا المعنى الكريم في أن معرفة الله لا تتم إلا بمعرفة الإمام وطاعته وحبه والاقتداء به ، لأنه هو ولي أمر الله وقد أمر بحبه وطاعته ، فأنظر الحديث الآتي عن سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين عليه السلام :

عن بشر بن غالب : عن الحسين بن علي قال :

من أحبنا للدنيا : فإن صاحب الدنيا يحبه البر والفاجر .

ومن أحبنا لله : كنا نحن وهو يوم القيامة كهاتين .

وأشار بالسبابة والوسطى[54] .

 

وعن عبد الله بن شريك عن بشر بن غالب عن الحسين بن علي قال :

من أحبنا لله : وردنا نحن  وهو على نبينا  هكذا وضم إصبعيه .

ومن أحبنا للدنيا : فإن الدنيا تسع البر والفاجر [55].

 

ما روي عن الحسين بن علي عليه السلام إنه قال :

من أحبنا : أهل البيت بقلبه  ، وجاهد معنا بلسانه ويده .

فهو : معنا في الجنة ، في الرفيق الأعلى.

ومن أحبنا : بقلبه ، وجاهد معنا بلسانه ، وضعف عن أن يجاهد معنا بيده .

فهو :معنا في الجنة ، دون تلك .

ومن أحبنا : بقلبه ، وضعف عن أن يجاهد معنا بلسانه ويده .

فهو : معنا في الجنة ، دون ذلك .

 

 ومن أبغضنا : بقلبه ، و أعان علينا بلسانه ويده .

فهو :في الدرك الأسفل من النار .

 ومن أبغضنا : بقلبه و لسانه ، وكف عنا يده .

فهو : في النار فوق ذلك .

 ومن أبغضنا : بقلبه ، وكف عنا لسانه ويده .

فهو: في النار ، فوق ذلك [56].

 

وعن سليمان بن زياد التميمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

قال الحسن بن علي عليه السلام :

 القريب : من قربته المودة ، و إن بعد نسبه .

و البعيد : من بعدته المودة ، و إن قرب نسبه .

لا شي‏ء : أقرب إلى شي‏ء من يد إلى جسد .

 و إن اليد : تغل ، فتقطع ، و تقطع فتحسم [57].

اللهم : أشهد إن أحب الحسين وآله فاجعلني معهم ورحم الله من قال آمين .

 


الإشعاع التاسع :

الإمام الحسين يعرفنا معنى سؤال السمع والبصر والفؤاد :

عن علي بن محمد بن علي الرضا عن أبيه محمد بن علي عن أبيه الرضا عن آبائه :

عن الحسين بن علي عليه السلام قال :

 قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

 إن أبا بكر : مني بمنزلة السمع ، و إن عمر مني بمنزلة البصر ، و إن عثمان مني بمنزلة الفؤاد ؟

قال الإمام الحسين عليه السلام : فلما كان من الغد دخلت إليه ، و عنده أمير المؤمنين عليه السلام و أبو بكر و عمر و عثمان .

 فقلت له : يا أبت سمعتك تقول في أصحابك هؤلاء قولا فما هو ؟

فقال صلى الله عليه وآله وسلم : نعم ، ثم أشار إليهم .

فقال : هم السمع و البصر و الفؤاد ، و سيسألون عن وصيي هذا ، و أشار إلى علي بن أبي طالب عليه السلام .

 ثم قال : إن الله عز و جل يقول :

{ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُول (36)} الإسراء .

ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم : و عزة ربي إن جميع أمتي لموقوفون يوم القيامة ، و مسئولون عن ولايته ، و ذلك قول الله عز و جل :

{ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24) } الصافات .[58]

ويأتي في الجزء الثامن في خطبة شقيقة الحسين شرح مفصل لمعنى قفوهم إنهم مسئولون .

 

و قال الإمام الحسين بن علي عليه السلام :

 إن دفع الزاهد العابد : لفضل علي عليه السلام على الخلق كلهم بعد النبي صلى الله عليه وآله .

 ليصير : كشعلة نار في يوم ريح عاصف . و تصير : سائر أعمال الدافع لفضل علي ، كالحلفاء ، و إن امتلأت منه الصحاري ، و اشتعلت فيها تلك النار ، و تخشاها تلك الريح ، حتى تأتي عليها كلها فلا تبقى لها باقية [59].

 

 


الإشعاع العاشر :

الإمام الحسين يذكر تمثيل لبغض اليهود للملائكة والنواصب لهم :

يا طيب : ما عرفت من أن أصل الإيمان هو المحبة لله ولرسوله ولأوليائه ، وهي أصل لما أوجبه الله سبحانه من الطاعة لأوليائه حتى كانت كطاعته ، ومعصيتهم كمعصيته ، وهي دليل لولايتهم ، وبما مكنهم سبحانه من تأييد الملائكة لهم ، وما نصرهم لإظهار دينه وما جعل لهم من الفضائل والمناقب وجعلهم يتجلون بالخيرات والهدى والعبودية الخالصة له ، تمت الحجة لهم على جميع العباد وظهرت سيادتهم وولايتهم وإمامتهم ، ومن بغضهم فهو كمن أبغض كل ما فضلهم الله به ، وكمن أبغض الله وملائكته ورسوله وكل الأنبياء والأوصياء وما أيدهم به .

واليهود بغضوا : جبرائيل لأنه أيد رسول الله ونزوله عليه بالوحي ، وكان جبرائيل وميكائل يؤيدون أمير المؤمنين وآله في حروبهم مع الكفار بل في كل الأحوال ، والإمام بتأييد الله وملائكته قتل الكافرين في حروبه .

فبغض الناس : ممن أسلم وأستسلم ولم يدخل الإيمان في قلوبهم للإمام علي وآله ونصب العداء لهم ، وذلك لما قتل من آلهم الكافرين في حروبه بتأييد الملائكة .

وبغض: الكفار ومن تسمى مسلما من المنافقين لأل محمد حتى حاربوهم.

هو بغض لله ولملائكته : ولكل ما أيدهم به ، فحق أن يدخل النواصب ممن يعادي أل محمد وحاربهم مدخل اليهود والمنافقين والكافرين .

 وهذا حديث : عن سيد شباب أهل الجنة يفصل ما ذكرنا ويوضحه ، فتدبر :

قال قال الحسين بن علي عليه السلام :

{ قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ

فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عظَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ الله مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى  وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97)

مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ

فَإِنَّ الله عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ  (98) } البقرة.

 إن الله تعالى : ذم اليهود في بغضهم لجبرائيل ، الذي كان ينفذ قضاء الله فيهم بما يكرهون ، و ذمهم أيضا .

و ذم النواصب : في بغضهم لجبرئيل و ميكائيل ، و ملائكة الله النازلين ، لتأييد علي بن أبي طالب على الكافرين حتى أذلهم بسيفه الصارم .

 فقال : { قُلْ } يا محمد { مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ } من اليهود .

لدفعه عن بخت‏نصر: أن يقتله دانيال من غير ذنب كان جناه بخت‏نصر، حتى بلغ كتاب الله في اليهود أجله ، و حل‏ بهم ما جرى في سابق علمه .

 و من كان أيضا : عدوا لجبرائيل من سائر الكافرين ، و من أعداء محمد و علي المناصبين ، لأن الله تعالى بعث جبرائيل لعلي مؤيدا ، و له على أعدائه ناصرا .

 و من كان : عدوا لجبرائيل لمظاهرته محمدا و عليا و معاونته لهما ، و إنفاذه لقضاء ربه عز و جل في إهلاك أعدائه على يد من يشاء من عباده ، { فَإِنَّهُ } يعني جبرائيل { نَزَّلَهُ } يعني نزل هذا القرآن عَلى‏ { قَلْبِكَ } يا محمد { بِإِذْنِ الله } بأمر الله .

 و هو كقوله : { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى‏ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} ، { مُصَدِّقاً } موافقا لِما { بَيْنَ يَدَيْهِ } .

 نزل هذا القرآن : جبرائيل على قلبك يا محمد ، مصدقا موافقا لما بين يديه‏ من التوراة و الإنجيل و الزبور ، و صحف إبراهيم ، و كتب شيث ، و غيرهم من الأنبياء .

( ثم في الحديث يا طيب : ذكر فضل القرآن المجيد وهداه وبشارته وثواب تلاوته وتعلمه وتعليمه . ثم قال في تمام شرح الآية الثانية : ) .

 ثم قال عليه السلام : { مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ } :

لإنعامه : على محمد و علي و على آلهما الطيبين ، و هؤلاء الذين بلغ من جهلهم ،  أن قالوا : نحن نبغض الله الذي أكرم محمدا و عليا بما يدعيان .

{ وَ جِبْرِيلَ } و من كان عدوا لجبريل ، لأن الله جعله ظهيرا لمحمد و علي على أعداء الله ، و ظهيرا لسائر الأنبياء و المرسلين كذلك ، { وَ مَلائِكَتِهِ } يعني و من كان عدوا لملائكة الله المبعوثين لنصرة دين الله ، و تأييد أولياء الله .

و ذلك قول بعض النصاب المعاندين : برئت من جبرائيل الناصر لعلي .

و قوله تعالى : { وَ رُسُلِهِ } و من كان عدوا لرسل الله موسى و عيسى ، و سائر الأنبياء الذين دعوا إلى نبوة محمد و إمامة علي .

 و ذلك قول النواصب : برئنا من هؤلاء الرسل الذين دعوا إلى إمامة علي .

 ثم قال : { وَ جِبْرِيلَ وَ مِيكالَ } أي من كان عدوا لجبرائيل و ميكائيل .

و ذلك : كقول من قال من النواصب :

 لما قال النبي في علي : جبرائيل : عن يمينه ، و ميكائيل عن يساره ، و إسرافيل من خلفه ، و ملك الموت أمامه ، والله تعالى من فوق عرشه ناظر بالرضوان إليه ناصره.

 قال بعض النواصب : فأنا أبرأ من الله و من جبرائيل و ميكائيل و الملائكة الذين حالهم مع علي ما قاله محمد .

 فقال : من كان عدوا لهؤلاء تعصبا على علي بن أبي طالب .

 { فَإِنَّ الله عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ } : فاعل بهم ما يفعل العدو بالعدو من إحلال النقمات و تشديد العقوبات[60] .

 

يا طيب : لعله الآن لم يوجد أحد يقول أبغض جبرائيل والملائكة وهو من المسلمين ، ولكنه لبغضه علي وآل محمد من آله ، فهو في الحقيقة لم يرضى ما رضي الله له ، وكان بالتدقيق في معاني البغض لشيء ، هو بغض لمن يؤيده ويعينه ، نعرف معنى الحديث .

 ويكون : بغضه لهم أو حبه لمن بغضهم وحاربهم ، بغض لأل محمد وحربا لهم ، وذلك لترجيحه أعدائهم عليهم ، وأخذ دينه وتعاليمه منهم وتركه لأل محمد وهداهم وما علموه من معارف عظمة الله سبحانه وتعالى ، وما يحقق عبوديته ورضاه حقا  .

ويا طيب : ولعله الآن لا يوجد أحد يدعي أنه ناصب العداء لأل محمد فضلا عمن أيدهم من الملائكة ، ولا أحد الآن يقول لا أحبهم فضلا من أن يدعي أنه يبغضهم ، ولكنه عملا يكون مبغض لهم لكونه لم يطلب هداهم ولا يتعرف على ما عرفوا من معاني دين الله ، فيكون عملا قد هجرهم وتحقق بالابتعاد عن تعاليمهم ومن يعلمها ويدعوا لها ، فبعد عن هدى الله الذي خصهم بتعليمه ، فيكون هو والمبغض لهم على حد سواء لعدم دعوتهم للحق وابتعادهم عن معارف دينهم وما يوصل لرض الله سبحانه عندهم ، وأعتقد أن من يخالفهم هو أفضل منهم ودين الله عنده ، وترجيحه لمن هو مخالف لهم ولم يرضى بالموالي لهم ، ولم يعرف أن علم الله عندهم وعند من علموه وأدبوه وجعلوه يعلم هداهم ، وهو والبغض لهم عملا سواء .

ويا طيب : بعد ما عرفت هذا ، تدبر ما يؤيده من أن الأعمال بالنيات .

وفي قصة الطور وعدم صدق نيات أكثرهم بالأخذ بما أمروا :

قال الإمام الحسين بن علي عليه السلام : أما إنهم لو كانوا دعو الله بمحمد و آله الطيبين بصدق من نياتهم ، و صحة اعتقادهم من قلوبهم ، أن يعصمهم حتى لا يعاندوه بعد مشاهدة تلك المعجزات الباهرات ، لفعل ذلك بجوده و كرمه .

 و لكنهم قصروا، و آثروا الهوى بنا ، و مضوا مع الهوى في طلب لذاتهم .

ولم يتوسلوا : بمحمد وآله لأن يعصمهم ، فكانت منهم معاصي الصيد في السبت وقد نهو عنه ومسخوا قردة وخنازير وغيرها [61].

يا طيب :  يأتي في الجزء السابع معرفة اليهود بالنبي وآله بأحاديث كثيرة .

ويا طيب : كتبنا في الجزء السابق عن حبهم مفصلا، ومن صدق النية في حب أل محمد أطاعهم وحب آثارهم وهداهم وأقتدى بهم فيكون معهم ، جعلنا الله وأيكم منهم ، وأبعدنا عن أعدائهم وضلالهم ، إنه أرحم الراحمين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين.

 


[33] الصراط المستقيم ج2ص130ف4 .

[34] كفاية الأثر ص171, بحار الأنوار ج36ص341ب41ح207 .

[35] مئة منقبة ص87 م54 ، كنز الفوائد ج1 ص148 . بحار الأنوار ج8ص191ب23ح167 .

[36]  تفسير الإمامالعسكري ص219ح101 . تأويل ‏الآيات ‏الظاهرة ص47 . بحار الأنوار ج11ص149ب2ح 25 .

[37] كفاية الأثر ص177 ، ‏بحار الأنوار ج36ص345ب41ح212 .

[38] كفاية الأثر ص175 . بحار الأنوار ج36ص343ب41ح209 . والآية في الأحزاب 6 .

[39] بحار الأنوار ج36ص306ب41ح145 .

[40] كمال ‏الدين ج1ص304ب26ح16 . بحار الأنوار ج51ص110ب2ح2 . كشف‏ الغمة ج2ص521ف2.

[41] كفاية الأثر ص196 ، بحار الأنوار ج36ص352ب41ح222.

[42] عيون ‏أخبار الرضا عليه السلام ج1ص68ب6ح 36 ،كفاية الأثر ص231 .الصراط المستقيم ج2ص111ف2 . بحار الأنوار ج36ص385ب43ح6 . إعلام ‏الورى ص406ف2 .

[43]  كفاية الأثر ص177 . بحار الأنوار ج36ص344ب41ح210، الصراط المستقيم ج2ص130ب4ح123 .

[44] كمال‏ الدين ج1ص316ب30ح1 . بحار الأنوار ج51ص132ب3ح2 . إعلام‏ الورى ص427ف2 .

[45] المناقب ج2ص15 .

[46] تفسير الإمام‏ العسكري ص330ح 193 . بحار الأنوار ج23ص260ب15ح8 .

[47] عيون ‏أخبار الرضا ج2ص67ب31ح 305 .

[48] تأويل ‏الآيات‏ الظاهرة ص769 سورة الفجر .

[49] كامل ‏الزيارات ص108ب36ح6.

[50]الأمالي ‏للصدوق ص137م28ح7 ,كامل‏ الزيارات ص108ب36ح3 .المناقب ج4ص87 .

[51] ثواب ‏الأعمال ص98 .كامل ‏الزيارات ث109ب36ح7 .

[52] تأويل‏ الآيات ‏الظاهرة ص531 سورة حم عسق الشورى‏ .

[53] علل ‏الشرائع ج1ص9ح9. بحار الأنوار ج23ص83ب4ح22.

[54] المعجم الكبير ج3ص125ح 2880 . مختصر تاريخ دمشق ج1ص938 . المحاسن ج1ص61 ب80ح104 وآخره :

 و من أحبنا : لا يحبنا إلا للدنيا ، فإنه إذا قام قائم العدل وسع عدله البر و الفاجر .

[55] تاريخ دمشق ج14ص184 . بحار الأنوار ج27ص84ب4ح26عن الأمالي للطوسي.

[56] شرح الأخبار القاضي النعمان المغربي ج1ص165 .

[57] الكافي ج2ص643ح7 .  وسائل‏ الشيعة ج12ص52ب29ح15621 .

[58] عيون ‏أخبار الرضا ج1ص313ب28ح86. بحار الأنوار ج30ص180ب20ح41 .

[59] تفسير الإمام ‏العسكري ص89ح47 .

[60] تفسير الإمام ‏العسكري ص448ح 296، 298 . بحار الأنوار ج9ص284ب2ح2 .

[61] تفسير الإمام ‏العسكري ص267ح 135. بحار الأنوار ج26ص290ب6ح48 .

 

خادم علوم آل محمد عليهم السلام

الشيخ حسن حردان الأنباري

موسوعة صحف الطيبين

http://www.msn313.com