هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في  أصول الدين وسيرة المعصومين
صحيفة التوحيد الإلهي / الثانية / للكاملين / شرح الأسماء الحسنى الإلهية

الْحَفِيظُ

النور الثالث والعشرون

الْحَفِيظُ : مبالغة من الحفظ وعدم النسيان ، والحفيظ : هو الحفاظ للشيء وراعيته بما يصلحه ويبقه لأجله ، والمتعهد للأمور بعدم نسيانها والغفلة عنها .

 و الله تعالى هو الحفيظ الحق : لأنه يحفظ كل شيء ويرعاه بعد أن يوجده ، بل يمده بكل ما يهديه وينعم عليه بكل كمال يناسب شأنه حتى يُصل لغايته بأحسن صورة ممكنة له .

 فالله هو الحفيظ والحافظ : يحفظ الوجود كله بقدرته وعلمه ويرعاه ، ولم يهمل الكون بعد خلقه ، بل هو الحافظ لكل شيء وجودا وهدى تكوينيا وتشريعيا ، بل له سبحانه على كل شيء حافظ موكل به بإذن الله ، يحفظه من بين يديه ومن خلفه لأجله فيحصي له شأنه وما يستحق منه ، وهم ملائكة لا يعصون الله فيما يؤمرون حتى يصل كل شيء لأحسن غاية تناسبه، بل الله بعد أن خلق الوجود يمد كل موجود بما يبقى به وجوده ، ولو قطع فيضه سبحانه عنه لفني أو نقص من جهة قبض التجلي عنه من تلك الناحية ، والله تعالى أمره نفاذ عن علم وقدرة في خلقه ، ولا يحد منه شيء ، وأين ما وجود مستحق له نفذ فيه وتجلى له ، فحلاه بخصال مناسبة له تكمله وتنعم عليه علم أو قدر على الفعل أو صفات ، فهو الذي أفاد الكون وكل كائن فيه وجوده ودوام بقاءه وهداه وغايته بما يستحق ، فسُبْحانَ مَنْ هُوَ حَفيظٌ لا يَغْفُل .

وإذا تجلى الله بحقيقة اسمه الحفيظ بتجلي خاص :

 على موجود حفظه في نفسه ويرعاه ويوصله لأحسن غاية له ، بل ينزل عليه دينه ويجعله حافظا له ووليا له ومعلما لتعاليمه ولمعارف شؤون العظمة ودليلا عليه ، فيكون هو الحافظ له في دينه وفي نفسه وعياله وماله ويجعله محافظا على دينه ، وفي كل أموره يرعاه حتى يوصله ويوصل به العباد لأكمل دين وهدى ولأتم سعادة ونعيم ، فيجعله يُبلغه كما علمه الله من دون أي تغيير وتبديل ، وهذا هو مختص بالأنبياء والمقربين منهم كخلفائهم وأوصياءهم ، وبالخصوص نبينا الكريم وآله الطيبين الطاهرين .

وإن الله تعالى هو الحافظ والحفيظ : وقد خص ديننا الإسلامي بالحفظ بما لم يخص به دين ، فهو بعد أن جعل أس تعاليمه وهداه خالدة وأنزلها في كتاب قد أحكمت آياته ثم فصلت من لدنه ، وهو القدير الحكيم العليم الخبير والحفيظ الحميد ، فتجلى الله سبحانه بالحفيظ على تعاليم الإسلام في كتابه بتجلي خاص ، لم يكن في الأمم السابقة بسعته ولا مثله ، فحافظ على القرآن المجيد في اللفظ والمعنى :

 حافظ على القرآن الكريم باللفظ : فجعل سبحانه قرآنا واحدا لم ينله التحريف كما نال الكتب السابقة ، والآن كل المسلمين لهم كتاب واحد فقط ، في أي بيت من بيوت المسلمين لا تجد إلا هذه القرآن ، وقد حفظوه بحروفه وكلماته بأي طبعة كانت وبأي خط تراه ، سواء الخطوط القديمة أو الحديثة .

والمهم في تجلي الحفيظ سبحانه : هو إنه تعالى حافظ عليه بالمعنى والشرح والتفسير لكل طالب للحق وللهدى الصادق وللصراط المستقيم الموصل للنعيم المقيم بالدليل المحكم والبرهان القويم ، فإنه سبحانه في نفس كتابه المحفوظ عند السنة والشيعة والتي آياته واحدة متفقه تجد فيه آيات كثيرة جداً يعرفنا بها من يحافظ عليه من أئمة الحق والهدى الصادقين المصدقين من آل محمد عليهم السلام وأهل بيته الطيبين الطاهرين .

وهذا المعجزة الخالدة العظمى : والتي لا توجد في كل دين ولا يدعيها لكتاب آخر أحدا من العالمين ، فإن الله كما تجلى بالحفيظ على كلامه وكتابه القرآن المجيد بصورة اللفظ ، تجلى عليه سبحانه بالحفيظ لحفظه بالمعنى وهذا هو أكبر الهدى وأعظمه وأكرمه وأهمه ، وبه خلد الإسلام وتعاليمه ، فإن الله الواحد جعل أئمة هدى من آل محمد صلى الله عليهم وسلم هم الذين يحافظون عليه ، فكان قد تجلى عليهم بحقيقة اسمه الحفيظ فظهر بهم كشارحين له وحافظين له و لتعليمه كما يريده الله من غير أي تحريف لمراده من كلامه ، فجعلهم الراسخين بعلمه والعارفين بتأويله ، وكان كل من خالفهم يبتغي الفتنة في تفسيره وشرحه ، وبهذا تجلت عظمة الله بالحفيظ في كتابه وبأئمة الحق الذين جعلهم هدى واحد وصراط مستقيم واحد لهداه .

فسبحانه من حفيظ لا يغفل : قد عرف لنا في كتابه من هو حافظا له ، وبكثير من الآيات القرآنية ، فهو المجيد وكتابه مجيد ونبينا وآله الطيبين الطاهرين أمجاد ، فظهر عليهم بتجلي واحد حتى ظهر منهم مجد لكل من يريد المجد والخلود في نعيم الله وفضله ، والله هو الطاهر المطهر فجعل كتابه القرآن طاهر ، وطهر نبينا وآله الطيبين الطاهرين تطهيرا في الآية 33 من سورة الأحزاب ، والله تعالى حكيم وكتابه حكيم ونبيا وآله الكرام هم أهل الحكمة والذين أورثهم الكتاب والحكمة وهو ملك الله العظيم ، والله هو الهادي والقرآن المجيد هادي وجعل نبينا وأهله الطيبين الطاهرين هداة للصراط المستقيم بإذنه ، فكان القرآن أحسن الحديث ، ونبيا وآله أحسن الناس وجودا وصفاتا وحديثا ، وهكذا راجع كل اسم من الأسماء الحسنى التي سنذكرها  لله سترى تجليه في أهل البيت وفي كتابه الذي يعرفهم لنا بأنهم هم الذي يحافظون على القرآن ويعلمون معارفه ، وإن كل من أراد أن يهتدي لمعرفة الله بحق وصدق عليه أن يتوجه لهم معرفة حقيقة معارفه ويأخذ شرحه وتفسيره منهم ، ومن يخالفهم يكون قد خالف هدى الله الحق الصادق من الصادقين الذي لم يبدلوا ولم ينقلبوا بعد رسول الله .

ونذكر بعض الآيات :  في هذا المعنى وإن أحببت المزيد فراجع صحيفة الثقلين وصحيفة الإمامة من موسوعة صحف الطيبين ، فتعرف تلازم المطهرون القرآن وأهل البيت ووراثتهم له إلى يوم القيامة :قال الله تعالى في حق القرآن : { فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ  ، إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ  * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ  *
 لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ  تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ
 * أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ * وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ}الواقعة 75-82 .

وقال الله سبحانه في حق أهل البيت : { إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } الأحزاب 33.

وقال عزّ وجلّ : { وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ الله بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ

ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ الله ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ } فاطر 31-32 .

وارجع الاسم الحسن الوارث ، بل والطاهر ، والمجيد .

إذا عرفنا أن القرآن طاهر : لا يمسه بالتفسير والبيان إلا المطهرون كما لا يمس لفظه إلا المتوضئ المتطهر ، عرفنا أنه قد أورث العباد الذين اصطفاهم بالتطهير أورثهم الكتاب وهم محمد وآله عترته صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين ، وقد عرفهم لنا بأنهم لا يكذبون بآية المباهلة ، وأنهم مطهرون بآية التطهير ، ومصطفون بآية الاصطفاء أعلاه وأورثوا القرآن بنصها على أنهم هم السابقون بالخيرات ، و ببيان القرآن في آياته وسوره كسورة الدهر والكوثر ، وأية المودة التي جعلها أجر لرسول الله وبيانا لعملهم الصالح كما سيأتي ، وآية تقديم الصدقة لمناجاة الرسول التي لم يعمل بها إلا الإمام علي عليه السلام ، وآية الولاية وإعطاء الزكاة في الصلاة ، وآية الإنفاق سرا وعلانية وبالليل والنهار وغيرهن ، كما ستطلع عليها ، فيتأكد لك معنى تلازم القرآن والعترة لهداية المؤمنين بعد النبي وإنهم أحق بالإمامة وبالخلافة والولاية من غيرهم ، وكانوا القرآن ثقلي رسول الله المخلف في الأئمة كما في حديث الثقلين . وقال الله الحفيظ :

{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } الحجر 9 .

تعرف أن الله تعالى هو الحافظ والحفيظ : كما يحفظ القرآن الكريم باللفظ كذلك يحافظ عليه بالمعنى والشرح والتفسير والبيان ، ولا يعقل أن يقال يحافظ على اللفظ ، دون المحافظة عليه بالمعنى والتفسير وبيان ما فيه من تعاليم وهو يذكر اختلاف الأمم بكتبهم وبغي علمائهم ، بل ذكر انقلاب كثير من المسلمين بعد وفات النبي ، وأن الكفار والمنافقين يكيدون الدين ، ولذا كان لابد أن تكون المحافظة على كتابه الكريم بأحسن خلقه ، ولا أحسن من المطهرون من آل محمد صلاة الله وسلامه عليهم ، والذين بينهم وبين القرآن مسانخة ومجانسة التطهير وحسن الوجود والهدف والغاية .

ومن يدعي : إن الله يحافظ على القرآن على لفظه دون المعنى كذبته القراءات السبعة وإن هجر أغلبها واستقرت الآن القراءة لكتاب الله على قراءة واحده عن حفص عن عاصم عن .. عن .. عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عن رسول الله عن جبرائيل عن الله ، وأن اعتبار المحافظة على اللفظ دون المعنى مثل من يحافظ على القشر ويترك للب لا يراه ولا يأكله ولا ينتفع به ، وتعالى الله أن يريد الحفاظ على الألفاظ دون الحفاظ على المعنى وما يراد من حقائقه التي فيها حقيقة الهداية التشريعية ، ولا محافظ طاهر إلا محمد وآله الطيبين الطاهرين صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين .

فإن في القرآن تبيانا لكل شيء : وما أهتم بشيء كاهتمامه ببيان أصول الدين الخمسة ، وبين بكل وجه ممكن الذين عندهم علومه على الحقيقية وزيف أقوال أعدائهم ومخالفيهم ليرفضهم الناس ، وبين أن تبيانه على الحقيقة من غير هوى نفس واستحسان وقياس بيد أهله الذين هم أهل البيت عليهم السلام ، ويتضح هذا لك ضمن ثلاث آيات تبين إن أهل البيت هم أهل الذكر أنظر الآيات الكريمة التالية :

{ ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنْ الآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ } آل عمران 58 ،
و{ قَدْ أَنزَلَ الله إِلَيْكُمْ ذِكْرًا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ الله}الطلاق10ـ11،
و{ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } الأنبياء 7 .
في الآية الأولى : يبين الله أن القرآن ذكر ، وفي الآية الثانية : يبين أن الرسول ذكر من الله وعنده الذكر وهو يتلوه ويعلمه ، والآية الثالثة : تطلب بالرجوع لأهل الذكر وهم آل البيت الطيبين الطاهرين بعد النبي عندما يشكل شيء علينا أو نختلف فيه من تعاليمه ، وقد عرفت أن الله طهر أهل البيت وأهل الذكر وطهر كتابه الكريم وقرن بين القرآن وبينهم عليهم السلام . فإن أيقنت : أنّ أهل الذكر هم أهل البيت عليهم السلام فيوجب عليك الرجوع لهم لأخذ تعاليم الله منهم ، وكل ما يأمرون به وينهون عنه باعتبارهم المبلغين عن الله ورسوله .

وأن أنكرت : فلا يعقل أن يكون للملل السابقة أهلا للذكر عندهم علم بكتابهم ، والمسلمين ليس عندهم أهلا للذكر يعلمون القرآن ، وإذا كان للمسلمين أهلا للذكر وعالمين به ، فهم أهل البيت عليهم الصلاة والسلام لما عرفت من آيات الكتاب والحكمة والذكر و التطهير والمباهلة والاصطفاء والتوريث للكتاب والمحافظة عليه ، وسيأتي شرحا أوسع في اسم الله الوارث ، والمتدبر المنصف في حقائق دين الله الحافظ لا يبقى له شك في إمامة أهل البيت للمسلمين وحفظهم لكتابهم شرحا ومعنى، ولا يبقى لك شك فيهم أنهم هم أهل القرآن الذين يجب الرجوع إليهم وضل مخالفهم .

والمؤمن : يحفظ دينه وإيمانه بربه من كل شك وشبهة وبالدليل المحكم وبالبرهان القاطع ، ويحفظ عرضه وماله وكل ما يشينه ضياعه ، ولا يتساهل بحفظ الأمانة والعهد والوعد حتى يكون حفيظا لكل شيء له حق عليه بحفظه ، وخير أمر يحفظه كتاب الله لفظا ومعنى وكما فسره أهل الذكر المطهرون ويسلك صراطهم المستقيم بحق ولا يغفل عنه ،  ويتلوه قدر الوسع والطاقة ولا يهجر فيهجر كلام الله فيه ، ويحافظ على الصلاة والزكاة وكل تعاليم الدين ، وينسى ويتناسى كل ما يجره للمعصية والحرام فعلا وقولا وفكرا ويهجره ويتغافل عنه ، ويسأل الله أن يعصمه من كل شر وباغي وطاغية ومعاند ، ويحفظه في نفسه وأهله وماله ووطنه .

وأسأل الله الحافظ والحفيظ : أن يحفظني وإياكم من كل هوى وشهوة نفس وفكر لا يرضى به الله ، ومن الشيطان الرجيم ، وأن يحفظنا وكل مؤمن ومسلم وكل بلاد المسلمين والناس المستضعفين من شر كل باغي وطاغية ومعاند للحق وظالم وحاسد وحاقد وماكر وكايد ، ويكفينا شرهم ويحفظنا بعينه التي لا تنام فإنه رب الأنام وهو المؤمن المهيمن ورب السلام الحق .

   

أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.alanbare.com

يا طيب إلى أعلى مقام صفح عنا رب الإسلام بحق نبينا وآله عليهم السلام


يا طيب إلى فهرس صحيفة شرح الأسماء الحسنى رزقنا الله نورها