هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في  أصول الدين وسيرة المعصومين
صحيفة التوحيد الإلهي / الثانية / للكاملين / شرح الأسماء الحسنى الإلهية

الشَّهِيدُ

النور الرابع والأربعون

الشَّهِيدُ : هو الشاهد والحاضر الذي لا يغيب عنه شيء ، والعليم الظاهر بعلمه . وهو من أبنية المبالغة بمعنى فعيل لشهد .

والله تعالى هو الشَّهِيدُ الحق : يشهد غناه وكماله وجماله وجلاله ونور سنائه وبهائه وقدسه ويسبح نفسه ويقدسها بنفس وجوده ، وبأنه سبحانه هو الغني الحميد وكل شيء له فقير محتاج ، فيشهد لنفسه بأنه هو الله لا إلا هو قائما بالقسط والعدل في ظهور نور أسمائه الحسنى في ذاته من غير كثرة ، وإنه لا أحد غيره مستقل بظهوره ، وكل شيء خُلق و ظهر نوره بما تجلى له من أسماءه الحسنى ، وإنه هو الخالق والرازق والمنعم والهادي والمحيي والمميت والمعز والمذل وبيده الخير وهو على كل شيء قدير وله الأسماء الحسنى والصفات العليا وبنوره تحقق كل شيء وكماله ، وهو الخبير بحاله وبما يصلحه بما يستحقه من الثواب والعقاب حسب شأنه ، فهو الشاهد والشهيد الحق في ذاته لنور كماله وعلى خلقه وإنه لا إله إلا هو وحده لا شريك له قائما بالقسط .

فإن الله هو الشهيد الحق : لأنه تعالى هو العالم بحقائق الأمور من خلقه مع الحضور ، ومطلع على سرهم ونجواهم فضلاً عن ظاهرهم وأفعالهم ، ولذا لا يخفى عليه خافية من أمر شيء ولا شأنه ، فهو الشاهد مع الحضور والقرب ، وبالصدق في ما يشهد به سبحانه في كل أمر على عباده ، وشهادته هي الحق والملاك في القضاء والجزاء فينفذ أمره وينال كل شيء نصيبه بما يستحقه في الدارين وهو الرحمن الرحيم.

فهو تعالى شهيد وشاهد : لنفسه بنفسه ولكل ما له من كمال وغنى في ذاته وإنه موصوف بكل الأسماء الحسنى بحق ، وفي ظهورها وبطونها ببساطة تامة من غير كثرة ، بل هو صرف الوجود الحق الذي لا تعده صفاته ولا خلقه ، ولكنه تعالى بوجوده العدل التام الكامل الذي لا يحد فيما له من الغنى في كل صفة من صفات ذاته التي هي نفس وجوده ، كون الوجود بالعدل وقائما بالقسط في ذاته وفي ظهور صفاته وفي فعله ، فلذا سبحانه شهد لنفسه بالقيام بالقسط والعدل وشهد له خلقه من ملائكته الذين هم كمال الوجود العلوي في الجبروت والملكوت عرش وكرسي وسماوات ، وشهد له أول العلم من خلقه في كل مكان بأنه وحده لا شريك له وقائما بالقسط .

 وكل من يتدبر في الكون : يرى بعين البصيرة والبصر أن كل ما ظهر به في الكون كان بالعدل والقسط والحق ، وبما يناسب ظهور الكون وكائناته وشأنها ، وإنه بأحسن صورة ممكنة وأحكم وجود متقن وأحسن غاية يصل لها كل شيء بحسب وجوده ، والله تعالى شاهد عليهم يمدهم بما يناسب حالهم هدى ونعم وفضل وكرامة ، أو إذا لم يطع وتعصى عن قبول هداه ونعيمه يُحرم منه ، ومن دون بخل لفيض نوره ، ولكن القبض لعدم تمكن الممكن وضيق وجوده ولعدم تقبله ولا استعداد له ولا قابلية للفيض الإلهية ، فقبض عنه التجلي بالكمال من الأسماء الحسنى والصفات العليا الإلهية .

فالله هو الشهيد : على الكون كله وعلى عباده عالم بحالهم وخبير بمقالهم وكل من استعد وحصل له توجه له لقبول كماله مده وأعطاه بما يناسب حاله من الكمال والجمال أو الجلال للأسماء الحسنى الإلهية بما لا يحد ولا يعد ، ومن توجه له تفضل عليه بحمده ومجده وأعطاه كل نعيم وفضل وعلو ورفعة وخير وسيادة وعز بل يسمو على خلقه حتى يهبهم الهدى وكل خير وفضيلة، وبما فضله الله من العلم والقدرة والشهادة.

فمن تجلى الله تعالى عليه بنور الشهيد الخاص : جعله الله شاهدا على خلقه فيكون هو يده التي تبسط الكمال والجمال ، وترى ظهوره في العباد بحقائق نوره جمالا كان أو وجلال ، ويرى ما لا يرى غيره من حقائق أفعال العباد وما تستحق من الثواب والعقاب ، فيكون شاهد وشهيد وشافع بالحق والعدل لهم وعليهم .

فمن تجلى عليه الله الشهيد : يكون مظهرا تاما لتجلي حقيقة اسم الله الشهيد حتى يتجلى بالشهادة ويقبل الله شهادته لكل مؤمن مطيع له من خلقه فيكون معه في كرامته ، وكل رافض لنور هدى الله المتجلي منه يدخله النار وغضب الجبار المتكبر ، وهذا المنصب كان للأنبياء وللكاملين في طاعة الله تعالى على طول الزمان حتى لم يخليه الله تعالى من شهيد يشهد على عباده بالحق ، وذلك لكونه لابد أن يتجلى حقيقية اسم الله الشهيد في الوجود بأحسن وأكمل وأتم تجل وأعدل فيض وظهور ، وهذا حق المصطفين الأخيار من عباد الله تعالى الذين علم أنهم أكمل وأتم خلقه وأفضلهم وأكرمهم ، فكرمهم وفضلهم وجعلهم شهداء وكل نبي ووصي في زمانه الخاص به .

وإن المقام الأسمى لتجلي اسم الله الشهيد بأتم تجلي : هو لنبينا الكريم ولآله الطيبين الطاهرين صلى الله عليهم وسلم بعده , فكانوا هم الشهداء على البشر إلى يوم القيامة ، وكان لهم مقام الشفاعة بتكميل نقص العباد المؤمنين ورفعهم لمحل الكرامة عند الله ، وبإذن الله العدل وفضله تتجلى الأسماء الحسنى الإلهية فيهم ومنهم .

والمؤمن : يشاهد نفسه ويشهد حاجته لله ، ويشهد إنه تعالى متجلي بالكون بكل الأسماء الحسنى فيطلب فيضه ويتوجه لطلب مكارمه ، وإنه يرى الله يشهده في نيته وعلمه وعمله وخُلقه وسيرته ، ولذا لا يكون إلا في طاعته وعبادته وعن إيمان ويقين بفضله ، فيراقب نفسه لألا يكون في أمر يُبعده عنه تعالى ، ويعلم إن الحاكم هو الشاهد الحق الذي لا يغيب عليه شيء فلا يعصيه فيما أمر ، ويرى أن الوجود وكل العباد في محضر شهود الله فلا يظلم أحد ، ويحاول أن يصلح ما فسد من أحوال الناس ويُعلمهم أدب الدين لأنه من الخزي العصيان لسيده والمنعم عليه أو الرضى به من عند احد في محضره ويرى مولاه يشاهده ويطلع عليه وهو ساكت راضي ، فلذا فيجب عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قدر الإمكان ، وترك مائدة وموقع ومنظر ومشهد يعصى به الله الشهيد والشاهد سبحانه .

ويا طيب لكون هذه المعرفة : بأن الله شهيد على كل شيء ويتخذ شهداء من عباده يُعلمهم كل شيء يصحح منهم الشهادة على العباد ، بل يُشهدهم كل أمور من هم في زمانهم و الأشياء التي تخص الإنسان ، وهي من قمة معارف الدين وتجلي وظهور كمال الأسماء الحسنى والصفات العليا لرب العالمين بالحق والعدل ، فقد تم بحثها بصورة أوسع في صحيفة الثقلين من موسوعة صحف الطيبين ، ومر في اسم الله معنى الشهادة ونذكر هنا بعض الآيات الكريمة في هذا المعنى قال الله تعالى :

{ إِنَّ الله كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (33)} النساء . و{ شَهِدَ الله أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) } آل عمران . { وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117)} المائدة .

فهذه كانت شهادة الله وتجليه حتى جعل الشهادة : للملائكة ولأولي العلم ، ومثال من شهادة نبي الله عيسى عليه السلام على قومه ، وأما شهادة نبينا وآله الكرام فقد قال تعالى :{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدً وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى الله بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46)} الأحزاب.  { وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَالله لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) } آل عمران . { وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنور رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70) }الزمر. { إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40) فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدً(41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ الله حَدِيثًا (42) } النساء .

فهذه الآيات كريمة : حكت تجلي الشهيد لنبينا ولآله أئمة المؤمنين بعده في كل زمان من تواجد أمته والأمم ، والشهيد إمامهم فيشهد بشهادة يزكي بها أتباعه، فيعلمهم الله الشهيد ويجعل كل شيء من أفعال عباده حاضر عندهم يرونه ليشهدوا بها لهم ويصدقون المؤمنين الطيبين ، وذلك ليكرمهم الله ويبين فضل أئمة المؤمنين وحقهم أمام العالمين يوم العرض الأكبر ، فيطمئنوا بكرامته تعالى ويفرحوا بشأنهم الكبير عند الله الجبار ، فإن من يطع الشهداء أي أئمة الحق يكون معهم ، ولذا قال الشهيد :

{ وَمَنْ يُطِعْ الله وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ  وَالشُّـهَـدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنْ الله وَكَفَى بِالله عَلِيمًا (70) } النساء .

وهذا فضل الله على المؤمنين بشهادة أئمتهم لهم : فيكونون معهم في كل كرامة يحفون بهم ، كما إن لنفس المؤمنين شهادة وشفاعة خاصة بحسب شأنهم في تعليم معارف الله أو لتضحيتهم في سبيل الله ، وإن كان لم يأتي في القرآن بأن المقتول بالحرب باسم يصفه بالشهيد ، وإن الشهيد فيه فقط بمعنى العالم بحال العباد كرامة من الله لأئمة المؤمنين وللأنبياء ، ولكن جاءت به الروايات بأن من يقتل شهيد ، والعالم المتبع للأئمة الحق له شهادة وشفاعة لمن تبعهم بالإيمان الحق ويشهدون لأنفسهم .

 وهذه آيات كريمة أخرى : تبين شهادة الشهداء في يوم القيامة مع أنهم هنا لا يتكلمون وليس من جنس البشر ، وهي تحكي أنهم يشهدون على من كفر ليحشر إلى جنهم ، ولا يمكن الكافر أن يزكي نفسه بعدها ، وليس له إمام حق يزكيه ويشهد له بالإيمان ، فلا كرامة له من نور الأسماء الحسنى والآيات في قول الشهيد تعالى :

 { وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (18) وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ الله إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ  (20) قَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا الله الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ الله لاَ يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24) وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25) } فصلت .

 

   

أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.alanbare.com

يا طيب إلى أعلى مقام صفح عنا رب الإسلام بحق نبينا وآله عليهم السلام


يا طيب إلى فهرس صحيفة شرح الأسماء الحسنى رزقنا الله نورها