هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في  أصول الدين وسيرة المعصومين
صحيفة التوحيد الإلهي / الثانية / للكاملين / شرح الأسماء الحسنى الإلهية

الْكَبِيرُ

النور الرابع والسبعون

الكبير: هو ذو الشأن العظيم والجليل بالنسبة لمن هو دونه في المنزلة والكرامة وهو سيد القوم في الجاه، والكبير المادي : من اتسع حجمه أو زاد على غيره أو عمر كثيرا.

والله تعالى هو الكبير الحق : وهو تعالى أكبر من أن يوصف ، فلا يوصف بعد وحد في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ، فإنه تعالى كبير بمعنى ليس كمثله شيء حتى يقاس به فيكون أكبر منه والمقاس به أصغر منه ، ولا شأن لأحد معه لأنه هو الخالق له والواهب له وجوده وكماله وكل قوامه وصورته وهداه ، وهذا لا يعني أنه يقاس بشيء فيكون أكبر منه في الحجم والشكل أو المقدار والكمية ولا بغيرها من أوصاف الذات والأعراض والخارجية له ، بل لكونه تعالى في ذاته له كل كمال وجمال لا يحد ولا يتصور وإن كان موصف بالأسماء الحسنى والصفات العليا ، فهو في شأنه كبير وعظيم لا يحيط به علم فهو أكبر من أن يعرف بحقيقته سبحانه ، بل نعرفه باليقين والإيمان الذي يملأ القلب عند التفكر في عظمته وكبرياءه وقدرته وعلمه وحكمته المتجلية في الوجود .

 فالله تعالى هو الكبير الحق : وكلما أردن أن نعرف سعة وصف له في علمه أو قدرته أو حكمته فيه وهداه له وإتقانه ، فلا نحيط بمخلوق له من كمال وحقيقة تجلي ذلك الاسم الحسن فيه ، فكيف بالوجود كله الذي ترى فيه وفي كل خلق فيه تجلي وإشعاع من حقيقة ذلك الوصف الحسن فيه ، فالقدرة لعظمة الخالق على فرض نتصورها في مليار إنسان أو عشر مليارات مخلوق ، ولكن لا نعرف كل ما خلق الله صغيرها وكبيرها ومجرات وكواكب وسماوات وكل خلق فيها من الملائكة والجن والإنسان وما لا نعرفه ولم نصل لمعرفة من الملكوت والجبروت في عالم الغيب .

بل لمعرفة شؤون خلق صغير من خلق الله : تعقد بحوث ويحصل إنسان على درجة الدكتوراه أو لكشف فيروس يصير بروفسور ، ومع ذلك نراه متيقن إنه لم يحط بكل شؤون هذا الحيوان الصغير فكيف نرى إنا نحيط بعظمة موجده ومكونه وما هيئ له من ظروف وجوده وملاءمته لها ، فسبحانه كلما أردنا تصور تجلي صفة من صفاته ، فنرى بالتدبر والتمعن في موجود واحد فضلاً عن الكون كله إن حقيقة تجليها أكبر من أن يوصف ، وهذا جاري في كل حقائق أسماءه الحسنى وصفاته العليا في معرفتها في خلقه ، فكيف نحيط بحقيقتها بنفسها وبكماله وجمالها ومالها من البهاء والسناء والنور ، فالله الكبر : من أن يوصف وله العزة والجمال وتبارك اسم ربك ذو الجلال والأكرم والكبير المتعال .

فإنه تعالى والله أكبر : لوجوده الذي لا يحد ولا يعرف ، فهو كبير في قدمه ، وقد عرفته إنه تعالى لا أول له ولا أخر له ولا ابتداء ولا انتهاء ، فهو الخالق للزمان والمكان ولكل شيء ، فلا يقاس بخلقه أبدا وليس له مواصفات خلقه وسبحانه عما يصفون إلا عباد الله المخلصون ، فلا يقاس بكبر مكان وزمان فضلا عن طول عرض وغيره من مواصفات المادة والشكل والحجم والمسافة ، بل هو الأول الأخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير وعليم سبحانه ، وتعالى من أن يوصف بكبر بل الله أكبر من أن يوصف ،  وهو الكبير المتعال ذو الجلال والأكرم .

ومن تجلى عليه الله بحقيقة اسمه الكبير بتجلي خاص : كان سيد البشر وكبير قومه في الشأن والشرف والكرامة ويكبر حتى لا توصف فضائله ومناقبه ومكارمه حتى يقول لله تعالى إنك لعلى خلق عظيم ، وهو نبينا الكريم وآله الطيبين الطاهرين معه فهم سادت البشر وخير أهل الدنيا والآخرة فبنته فاطمة الزهراء عليها سلام الله هي سيدة نساء أهل الجنة وكذا معها أمها خديجة ثم مريم أبنت عمران وبعدها أسية بنت مزاحم ، وهكذا سيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين وهما سبطا رسول الله وأبوهم علي بن أبي طالب خيراً منهما ، ونبينا وآله بل يلحق بهم من يقتدي بهم ويسير بهداهم ، فيكبر عند الله تعالى حتى يكون معهم جيران رسول الله ، ووجوههم مبيضة حوله في الجنة وهم جيرانه فيكونون في أكبر وجود وملك كبير ، رزقنا الله الكبر عنده معهم حتى نكون في مقام صدق عند مليك وكبير مقتدر ، وسبحانه ما أعظم شأنه .

والمؤمن : لكي يكبر شأنه عند الله عليه أن يتعلم من كبار أهل دين الله الذين كبر الله شأنهم وشرفهم وجعلهم سادة البشر والهداة لتعاليمه ، فيوصلوه بهداهم لمعارف الله وحقيقة الإيمان به ، فيكبر وجوده بمعرفة الله والإيمان به التي يرتفع بها شأنه فيتسع لعرش الرحمان ويكون ملكه في كل عمل له وطاعة عبادية أكبر من آلف مدينة بسكانها من الحور العين والولدان المخلدين ، ويكون له ما لا عين رأت ولا أذن سمعت من الملك الخارجي الدائم الكامل ، فلذا تراه يتدبر بالكبرياء والعظمة لله ولمن عظمهم الله وكل ما أمر الله بالتفكر به ، ليخلص الإيمان والعبادة والطاعة لله وحده لا شريك له ، فتفيض عليه نعم الأسماء الحسنى والصفات العليا بأكبر كمية مناسبة لشأن إخلاصه ومقدار طاعته .

والمؤمن : لا تكبر ولا يتجبر ولا يطغى على طاعة الله تعالى بل يتواضع في عبودية الله وللمؤمنين ، فيحبهم ويكون كبير في خلقه عندهم وعند الله تعالى ، ولا يعصي الله بالصغائر فضلا عن الكبائر ولا يصر عليها ولا يمنع من معرفته ولا يكتم علومه فيكون صغير في وجوده ويحرمه الله تجلي فيضه عليه ، فيصغر ويحرم نعم الله ويفقد وجوده وكل كمال يمكن أن يحصل له ، بل يكون ناقص منكمش منقبض صغير في سجن ونار وقيح وعذاب ، لعدم إتباعه دين الله الذي جعله عند من كبرهم سبحانه ورفع شأنه ، ويكبر بتكبير الله الكبير بالإقتداء بهم كل مؤمن .

 فسبحان الله الكبير المتعال : ذو الجلال والأكرم يهب لمن يشاء ما يشاء من الفضل والكرامة والعز والملك العظيم ، ويكبره في الوجود حتى يكون عنده كبير ، ويكبر به كل كبير بالشرف والشأن ، فيا كبير يا الله سبحانك ، الله أكبر : وأكبر من أن يوصف ، و الله أكبر كبير إيمانا وتسبيحا ويقينا و :

اللهمَّ اِنّي اَسْاَلُكَ مِنْ اَسمائِكَ بِاَكْبَرِها . وَكُلُّ اَسْمائِكَ كَبيرَةٌ .

 اللهمَّ اِنّي اَسْاَلُكَ بِاَسْمائِكَ كُلِّها .

 وهذه فقرة : من دعاء سحر شهر رمضان ـ وأنا اكتب هذه الفقرة في سحر الليلة السادسة منه سنة 1423 ـ والذي يذكر الله ويترنم ويدعوه به تلاميذ آل محمد عليهم السلام ، وهو من تعاليمهم وفيه ضياء معرفة السير والسلوك لله تعالى ، فإن الداعي يطلب الكمال الأفضل والكبير من الله ، ولما كان لا يعرف الكبير منها ، يوكل الأمر له سبحانه فيطلب أكبر تجلي لأكبر الأسماء ، فيسأل الله أن يتجلى عليه ويفيض عليه ببركة أكبر أسماءه الحسنى فيقول :

 اللهمَّ اِنّي اَسْاَلُكَ مِنْ اَسمائِكَ بِاَكْبَرِها ، وعندما يتدبر بها يراها كلها بهاء وحسن وجمال وخير وبركة ، وهو محتاج لنعيمها فيراها كبيرة فيطمع ويطلب من الله أن يتجلى عليه ويكرمه ويتفضل عليه بكل فيض وبركة من الأسماء الحسنى ، فيضيف فقره تشعر بتقصيره أمام الله ويعترف بالعجز عن المعرفة فيقول :

وَكُلُّ اَسْمائِكَ كَبيرَةٌ ، فبعد أن رأى حُسن تجليها بالكون وجمالها وبهائها بركاتها في الوجود ، وفي نعم الله التي لا تحصى ويحيف عليه أن يترك نعمه فلا يأخذ نصيبه منها ، وهو يرى فضل الله يعم الكون وكل شيء فيه فيطلب منها كلها ، لأنه يعرف لا بخل في ساحة الرب إلا قصور العبد في حاله ومقاله وعندما لا يتوجه ولا يطلب منه ، والآن وهو في أدب الحضور وإخلاص التوجه في سحر شهر الله رمضان ، يطلب منها كلها ليحصل على كل كمال وجمال فيقول :

 اللهمَّ اِنّي اَسْاَلُكَ بِاَسْمائِكَ كُلِّه ، سبحان الله والله وأكبر من أن يوصف ، وهو العلي العظيم الكبير المتعال ، وهكذا يتم التدبر في كل فقرات دعاء السحر وما فيه من طلب نور الأسماء الحسنى وبهائها وجمالها ... ، وأسألك يا الله لي ولكل مؤمن خيرها وبركاتها حتى تكفينا كل ما يهمنا ، وتكملنا بأكبر تجلي لنورها كلها ، حتى نكون مع من نتولى نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، إنك الكبير الكافي يا الله .

 

   

أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.alanbare.com

يا طيب إلى أعلى مقام صفح عنا رب الإسلام بحق نبينا وآله عليهم السلام


يا طيب إلى فهرس صحيفة شرح الأسماء الحسنى رزقنا الله نورها