هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في  أصول الدين وسيرة المعصومين
صحيفة التوحيد الإلهي / الثانية / للكاملين / شرح الأسماء الحسنى الإلهية

 

الهادي

النور الثالث والثمانون

 

الهادي : الدليل لسبيل الرشاد والسداد ، والدال لطريق الحق الموصل للمطلوب ، والهادي المعين على تحصيل أحسن غاية من فعل معين .

والله تعالى هو الهادي الحق : لأن كل شيء من تجلي الأسماء الحسنى وظهور نورها في الوجود إيجادا وخلقا وتكوينا وهدى تكويني وتشريعي ، فهو النور الوهاب الناصر الواسع الودود الهادي الوفي .

وللهدى والهداية من الله الهادي الحق : معاني جميلة بها نعرف حقائق من الدين وسبيل الوصول للهادي سبحان الذي لا هدى إلا هداه ، ومن لم يهده الله تعالى لا هادي له ، والله هادي كل شيء هداية تكوينية وهو تعالى هاديه هداية تشريعية :

 

الإشراق الأول :

الله الهادي لكل شيء هداية تكوينية :

الله الهادي لكل شيء تكوين : وذلك لكون الوجود بنفس وجوده وبما يمده الله تعالى ليصل لغاية وجوده وأجله هو من تجلي الأسماء الحسنى ، وبفيضها يتم تحقق الكون ويظهر الوجود الحق الذي لا باطل فيه ولا لهو ولا لعب ولا عبث ، بل له غاية وأجل ويصل لأحسن كمال مطلوب له من تكوينه ، وبهذا التكوين المخصوص المناسب له والملائم لما حوله ، يكون مهتدي بهدى الله الهادي بأحسن وأحكم هداية لأكمل وأفضل غاية له ، فالله الهادي الحق .

وذلك لأن الله تعالى : عالم قادر خبير حكيم عادل حق وهو واسع ومحيط لا يعجزه شيء ولا تأخذه سنة ولا نوم ولا يمنع منه مانع لا في الخلق ولا في الهدى ، فإذاً الخلق وتكوين وجود الكون أو أي شيء فيه ، كان تحت حيطته ومستعين في بقاءه وفعله ومسيره في التكوين بقدرته ووفق علمه الذي لا باطل فيه ، والله تعالى محيط به علم وقدرة وقيوم عليه يمده بكل ما يحتاجه ليصل لغايته الحكيمة الحسنة ، فوجود الشيء وصفاته وأفعاله وما يمد بما يناسبه حاله كله نتيجة لظهور نور كمال أسماء الله الحسنى وبكل سعة ممكنة .

ولذا كان لابد أن يكون كل شيء : والكون كله وأي كائن من كائناته له هدى محكم حسن ، ويصل له كل ما يمده من الله تعالى الخالق له ، وبه يدبر أمره في التكوين وإدارته بما يُصلحه ويُحكم وجوده ، لأنه لم يخرج عن ملك الله وقيوميته عليه وربوبيته له ، والله تعالى يربيه ويهديه لما يوصله لأحسن غايته ، فهو في وجوده وبما مكنه الله من الصفات والأفعال يعطى له ما يناسبه بأحسن صورة ممكنة وبأفضل حكمة متقنه ، وبهذا نعرف أنه قد هدي هداية حسنة محكمة لا هداية بعدها ، ونعلم إن الله هو الهادي الحق ولا هدى إلا هداه في التكوين ، فسبحان الله الهادي لكل شيء والذي خلق فسوى ، وقدر فهدى ، وخلق فأحسن ، وقدر فأتقن ، وبالنور الوهاب الواسع الودود الهادي .

فالله الهادي : وفي الحقيقة معناه إنه لكون الوجود كله هو تجلي لحقائق الأسماء الحسنى الإلهية والتي هي عين الهدى والدليل على كمال وجود الذات المقدسة ، وإنها لها كل كمال وجمال وجلال مطلق لا يحد ولا يوصف ، وإنها تظهر بالعدل والإحسان بأحسن صورة متقنة التكوين دقيقة الصنع كاملة الحكمة ، فحسَن كل شيء يُخلق وفقها ، ولا شيء غير ما تتجلى به الأسماء الحسنى التي لها الكمال التام ، فإذن كل شيء حسن ويصل لأحسن غاية له تامة الكمال والجمال ، وهذا هو عين الهداية والله هو الهادي له بظهور كمال وجمال حقيقة أسمه الهادي الحق الذي لا هدى إلا هداه ، وهدى الهادي لمن تجلى عليه بالهدى الخاص كما ستعرف ليهدي خلقه وعباده بإذنه وبما هداه وعلمه سبحانه .

 فهذه المواصفات : لموجود مخلوق ظهر بظهور نور الأسماء الحسنى وتجليها في الكون ، لابد أن يكون وفق أحسن هدى وأحكمه حتى يصل لغايته بأجمل ما قدر له ، وهذا الأمر في نفس حقيقية التكوين وبنفس وجوده ، وهو أس حُسنه ودقة صُنعه وإحكام وجوده ، وإلا إذا فقد الهدى لأحسن غاية له ، لم يكن حسِن ولا متقن ولا دقيق الصنع ولا محكم التكوين ، وهذا خلاف شأن تجلي وظهور الكمال التام المطلق الذي لا باطل فيه ولا لهو ولا ضلال ، وخلاف ما نشاهده في الكون من إتقان الصنع وحسن التكوين ودقة الوجود ، بل وخلاف الحكمة والهدى التام الذي يَسر لكل شيء سبيله ومحل وجوده وظروفه وما يساعده لكي يكون منسجم مع كل الكون ، وإنه كل شيء فيه يسير لأحسن غاية ، وهو مع الوجود نراه بأجمل صورة حسنه يدل على حكمة وجوده وغرضه التام في البقاء مع النظم والالتئام فيما بينه وبين الكون كله ، والذي يدل على هداه التام الكامل الذي لا فساد فيه ولا ضلال ولا باطل ، فسبحان الله الهادي الودود : الذي دل على هداه بوجوده وبالتدبر في الكون وفي كل شيء فيه ، وكيف يسير لأحسن غاية له ، وفي كمال تام متلائم الوجود .

وإذا عرفنا الهداية التكوينية لكل الوجود ككل ولكل شيء : وإنها هداية حقة متقنة فيه من الله الهادي العدل الحق الحكيم العليم القادر .

فعرفنا إنه لا بد لكل شيء في الكون والكون كله : له غاية يصل لها ونتيجة حسنة يسعى إليها ، وهذا نراه أيضاً في التدبر في الوجود ، حيث نرى إنه بوجوده يسبح لربه وخالقه وهاديه ويحمده ويُظهر الثناء والحمد والشكر له بما له من الوجود الحسن المتقن ، فإن نفس الشيء الحسن الدقيق التكوين المتقن الصنع ، بمجرد وجوده ، هو بيان لكمال خالقه ، ولعلو مجده ، وعظمة هاديه الحق الواسع النور الودود الهادي الوفي .

فالكون بنفس وجوده الواسع : الحسن المتقن السائر لجمال غايته ، هو حمد وثناء وشكر حقيقي على كمال وجمال خالقه بحاله وبحقيقة ذاته وصفاته وأفعاله ، وإن كان له لسان فلسان حاله الحسن التكوين ، هو التسبيح بحمد الله ربه الخالق الهادي ، وهو حامد له ، وبنفس وجوده الجميل هو الشاكر له ، ونفس غايته التامة هي حقيقته المهتدية بالتكوين ، والله الهادي له وهو المهتدي ، وإن نفس وجود وكماله وبقائه دليل وبرهان على خالقه وهاديه ، فسبحان النور الهادي .

فنفس وجود الكون : مهتدي بهدى الهادي سبحانه وهو مسبح وحامد للخالق له وعابد لمالكه وذكر وذاكر لهاديه وشاكر لصانعه سبحانه ، وهذه أحسن غاية لوجوده أن يكون بوجوده الكامل التام يدل ويبرهن ويُري الكمال والثناء والحمد لهاديه وخالقه ، ويبين كماله وعلو مجده وكبريائه ، وهذا عين العبودية والطاعة والهداية والشكر والحمد لله تعالى ، وهي أحسن هدى لأحسن غاية ، وتسديد للرشاد بأحلى هدف ، وإيصال للمطلوب بأحسن صورة ممكنة .

ثم الكون ككل : بالإضافة لكونه ظهور كمال الأسماء الحسنى وجمالها وهذا يكفيه غاية وحسن وجود وهداية حقه على صراط مستقيم لبيان كمال رب العالمين ، فإن له غاية ثانوية هو بكونه قد سُخر لخلاصة وجوده وهو الإنسان في هذا العالم المشهود لنا ، وإلا للعالم العلوي والملكوت الأعلى سكان لا يحصى وأضعاف مضاعفة الملايين من الخلق ، وقد أطت السماء وحق له أن تأط من كثرتهم بل لا يعلمهم إلا الله ، وهم كلهم حامدون مسبحون مطيعون عابدون ركع وسجد لا يسأمون ولا يعصون ، وذلك الوجود التام للخلق والحسن الذي هو غاية الخلقة الحقة والهدى التام الكامل الذي لا هدى بعده ، وإذا رفع الإنسان لذلك العالم تم حُسنه ووصل لأجمل وجوده وهدي لأفضل وأكمل هداه ، ووصل للمطلوب الذي لا مطلوب بعده ، وهو رضا الله الأكبر والكون في نعيمه التام ، والذي معرفته تتم في الدنيا بدليل الهدى وبرهانه والوصول له من سبيله الحق والصراط المستقيم الذي فيه كمال الهدى وتمامه .

 فمن هنا الإنسان من هذا العالم : وفيه يتم له الحصول على الهدى التام الكامل الذي هو أحسن نعم الله لعباده ، وبه يصل لذلك المقام الأعلى الذي فيه تمام نعيم الله ، ويتم به حُسن التكوين له ، فتحصل له أحسن غاية للهدى من الهادي الحق وتجليه بالهدى الكامل وإيصالهم للنعيم المقيم ، والذي لا مزاحمة فيه ولا منغصات ولا أمراض ولا بلايا ولا مصائب ، بل بنفس وجودهم هناك هو كمال وحُسن وجمال ، وهذا هو في الحقيقية جمال الخلقة الحقة ، والإنسان عندما يرتفع للمقام العلوي الملكوتي أو الجبروتي يتم هداه ويكمل وجوده ويحسن حاله .

 وإذا تعصى الإنسان : مع هذه النعم الكثيرة والهدف لوجوده بالهدى الكامل ، ولم يرضى به تردى وتسافل في عالم الوجود الأدنى البرهوتي الناري المحرق وأعدم غايته الحسنة بنفسه وأفنى هداه بفعله ، وحجة الله قائمة تامة على كل العباد .

فإن الكون يدل العبد : والأنبياء وأوصياءهم يعلموه ، والعقل يطالبه بشكر المنعم ، والله الهادي الموفق لمن يطلب الكمال الحق الذي تهفوا له النفوس الطيبة ، وتحبه الأرواح الطاهرة ، ويصبوا له الضمير الحي والوجدان الصاحي ، والفطرة المنورة بوجودها للتوجه للكامل المطلق لتأخذ نورها ودوامه أبدا ، والخسران  لمن عصى .

وقد ذكرنا في آخر الجزء الأول من صحيفة التوحيد للكاملين : آيات كريمة في هدف الخلقة وغرض الوجود كله وبالخصوص الإنسان المطالب بالعبادة والتوجه لله تعالى وحده لا شريك له ، فراجع ويكفي قوله سبحانه في الهداية التكوينية :

{ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى }طه50 .

 وعرفت في اسم الله الحميد إن كل شيء يسبح بحمد الله ، وأما الهدى التشريعي للإنسان المفضل على كثير ممن خلق سبحانه وهداه بكل شيء فهو :

 

 

الإشراق الثاني :

 الله الهادي للإنسان بالهدى التشريعي :

الإنسان : بأي صورة كان مطيع أو عاصي فهو تحت حيطة تجلي الله عليه بالأسماء الحسنى ويمده لما يوصل له كمال بأحسن صورة ممكنة يتطلبها وجوده حتى يصل لغايته ، وهذا معنى إن الله هادي له وموصله للمطلوب حسب شأنه وما يستحقه وجوده ، وهذا شأن الأسماء الحسنى الإلهية في تجليها وظهورها في كل مخلوق بأفضل مدد وأجمل تجلي وحُسن ، وبالهدى المحكم المتقن الذي لا يمكن أن يحصل لشيء إلا بأجمل ما يطلبه وجوده ، وهذا هو ظهور الله الهادي لكل شيء سبحانه .

 ولكن عرفت مدد الله الهادي : في هذه الدنيا له غاية حسنة ونهاية حكيمة وأجل جميل يناسب شأن المخلوق وما يتطلبه حاله وما يريده مناله بمقاله وبتصرفه .

 فإن كان مطيع : استمر حُسن وجوده واستمر بالهدى لأحسن غايته ووصل لأكمل هدف خُلق من أجله ، وهو أن يرتفع في الملكوت الأعلى في أبها جمال وأكمل حال ، لا ينغصه شيء ولا يزاحمه مزاحم من حاسد ومرض وجن وإنس وبلاء وغيره ، وهذا بعينه هو هدى الله التام الموصل له لأحسن غاية ، وهو نفسه تجلي الهادي له وبه والمعطي له كل كمال وأجمله وأحلاه .

وهذا بعينه معناه : إن من اهتدى زاده الله هدى ، إي حصل فيه محل واستعداد كامل تام لتقبل فيض تجلي الأسماء الحسنى التي تعزه وتكرمه وتفضله وتهديه وتمجده وتحمد خصاله وفعاله ، وهذا كمال يظهر في الوجود المطيع من الله الهادي الكريم الأكرم المتفضل المغني الجواد المحسن البر الرءوف الرحمن الرحيم اللطيف ، وكل جمال وكمال وبهاء وسناء يحصل عليه الإنسان هو هدى على هدى ونعيم على نعيم وخير على خير وزيادة حسنات من الله الهادي الشاكر ، حتى يصل للمقام المحمود عند مليك مقتدر في أعلى الملكوت مع اشرف الخلق وأكرمهم نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، وذلك مادام في الطاعة فهو يزداد تقبل لتجلي نور الأسماء الحسنى وكمالها عليه ، وبكل شيء له حتى يصل لأحسن هدى وأكمل هدى من الهادي البر الرحيم سبحانه وفي أتم نعيم مقيم .

وإما إذا كان الإنسان الموجود : بعد أن خُلق حسن جميل متقن لغاية حسنه ووجود أجمل لكي يتكامل لأعلى مقام في ملكوت النور والبهاء ، ويكون بأحسن حال ومنال ونعيم لا يزول ولا يأتيه الأفول بنعيم مقيم .

ولكن هذا الموجود : وهو الإنسان الذي كرمه الله ببعض الاختيار لكي يسلك سبيله لأحسن غاية له وفق أتم وأكمل هدى ، لم يختر الهدى الحق الصحيح الذي جعله الله في الوجود وتعصى وسعى في الضلال بحسب حاله ومقاله ، فلا يؤمن بالله ولا يعمل صالحا في رضا الله ولا يطيع أمر من أوامره وبكله وبكل شيء له يسير في الحرام والفساد ولم يقبل شيء من الطيب الطاهر .

 وهذا الوجود المتعصي : بما له من الاختيار والانتخاب هو بنفس سعيه كلما ينعم عليه الله ويكرمه ويهديه ويتفضل عليه بالهداية : بالعقل الذي يناديه ويلك آمن ، والوجود يدله ويبرهن له أن خالق الوجود للمتعصي يمنع خيره عنه ويحرمه من نور الجمال ويضيق عليه فيحترق بنار العدم والحاجة والحسرة أبدا ، وكذا يعرفه كل تأريخ الدول وقصص الأمم وأنبياءهم وكل الصالحين يدعوه ويدلوه بأحوالهم وبتقلبها على الله الهادي ولهدى الله الذي به نعيمه الحق الدائم .

ولكن مع كل برهان للرشاد وكل دليل للسداد : يُعرفه بالله الهادي النور الواسع الودود الوفي ، تراه مع ذلك يتعصى ويتمرد ويطغى على قبول فيض الله وتجليه عليه بالأسماء الحسنى الإلهية ، ولا ينفع له شيء من الهدى إلا الهدى لحاله حسب طلبه فيمده الله أياما في هذه الدنيا ويتم عليه الحجة ويكرمه بنعمه ، وهو يعصي بها المنعم عليه الذي كرمه على كثير من خلقه ، وسخر له الكون في عطائه ، وجعله ملائم له ليبقى ويسعد ، ولكن لا يزيد في طلبه الوجودي والمقالي وبحاله إلا في تعصيه وضلاله والبعد عن رحمة الله وعن نور تجلي الأسماء الحسنى الكمالية ، فيتركه الله الحليم ممهلا له من غير إهمال ،  ثم بعد مده بتجلي الله عليه بالأسماء الحسنى القهرية التي تغضب عليه وتفيض عليه عذاب شديد ونار لا تبيد ، ويهلكه بأعماله فيرجعها عليه حسرات ووبال بكل معصية وبكل عمل سيئ علمه أو عمله لأنه لا يطلب حسنه والهدى به ، فيُحرم ويسلط عليه الضال المضل الشيطان وأئمة الكفر ومَن هم من أتباعهم ، فيكون قرينهم دنيا وآخرة ويوكله إلى نفسه فيهلكها فيكون في خسر أبدي ، ولا رحمة له ولا هداية لأنه تعصى عن الخير ولم يقبل فيض الله بالكمال والجمال والهدى ، وذلك بما مُنح من الاختيار فركن للدنيا ولشهوات نفسه ، فيا الله لا تكلني إلى نفسي طرفة عين ، وأهدني لما تحب وترضى ، إنك الهادي الحق برحمتك يا ارحم الراحمين آمين .

فإذا عرفت يا طيب شيء عن : هدى الله التشريعي ، والتكويني الذي يهدي كل شيء حسب طلبة وبجوده يوصله لغايته ، والمطيع لأحسن غاية ، والضال لضلاله ولما يطلبه بحاله والعياذ بالله ، نأتي لذكر الهدى الخاص ونترك الضلال لأهله أبعدنا الله عنهم . ويكفي لتعرف هذه المعارف في هدى الله الرجوع لما ذكرنا في الباب الأخير من الجزء الأول ، وتدبر كتاب الله في أوله من سورة الحمد والبقرة ، بل كله يعرفنا هذه الحقيقة بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، ويطالبنا بالسير على صراط مستقيم لكل هدى ونعيم ، وأنظر قوله تعالى :

{ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا الله وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ

فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى الله

وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلاَلَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ الله لاَ يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (37)} النحل .

{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ الله مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } إبراهيم4. وإذا عرفنا هذا نذكر الهداية الخاصة بإذنه الله الهادي لمن يشاء الهداية .

 

الإشراق الثالث :

تجلى الله الهادي بالتجلي الخاص على الأنبياء وأوصيائهم :

إن من تجلى عليه الله الهادي بتجلي خاص : يكون مهديا بنفسه وهاديا للعباد بإذن الله الهادي بعد إن عرفه كل نور هداه ، فيهدي له ويكون مظهر حق لاسم الله الهادي ظاهرا به وهو مَظهر له ، ويظهر منه تجليه فيكون هادي بل هو الهدى وسراج منير وبشير ونذير ، فيكون أكرم هادي في الوجود وأحسن هادي في التكوين متجلي باسم الله الهادي بما هداه الله وجعله يهدي بأمره ، وهذا مصداقه التام والفرد الكامل هو نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وهكذا كان كل الأنبياء قبله ثم أوصياءهم ومن تبعهم بحق .

ولكن لنبينا الكريم الهادي بإذن الله الهادي : المقام الأسمى والمكان الأرقى في الهدى الرفيع العظيم في بيان السداد والرشاد للعباد من عند رب العالمين الهادي ، بل هو الهادي في الأرض لهدى الله ليوم الدين بما هداه الله وتجلى عليه بالهدى الخاص ، فالله تعالى جعل نبينا يهدي بما تجلى عليه بحقيقة اسمه الهادي إذا قال له تعالى :

 { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَ مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نورا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا

وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } الشورى52.

فنبينا الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم بفضل الله الهادي : كان هو الهادي للصراط المستقيم ، وآله معه لأنه أدبنا في سورة الفاتحة أنهم جمع منعم عليه ، كما وهم كوثر الخير والنعمة التي يحدثنا عنها في سورة الضحى من عائلته خديجة وبنته فاطمة وولديه الحسن والحسين وعلي بن أبي طالب وهم المنعم عليهم وأصحاب الصراط المستقيم بعده ، وأئمة الحق الذين يهدون له وقد أدبنا بقوله :

{..اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ..} .

 فالمنعم عليهم نبينا وآله صلى الله عليهم وسلم : وهذا هدى خاص عندهم من الله بتجلي اسمه الهادي ومنهم نأخذ هدى الله ودينه ونسير بصراط مستقيم لتعاليمه ومعارفه سبحانه التي نعبده بها ونهتدي لكل نعيم مستمر مقيم حتى يوم القيامة .

بل الله الهادي تعالى جعل كتابه القران هدى يهدي :

{ ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ }البقرة2 .

وهذا هدى صامت : وإن كان بنفسه نور كريم مجيد ، لكنه يختلف فيه الناس فيتبعون المتشابه منه وحسب أغراضهم ، ومن أول يوم كان يختلف في تفسيره وكان الرجوع والحكم لمعرفته للإمام علي عليه السلام بعد نبي الرحمة ، فهو الذي يهدي به كما كان رسول الله يهدي به ، وفي معرفته ومعرفة الصادق في بيانه وتفسيره لابد للرجوع للمنعم عليهم وأهل الصراط المستقيم وهم نبينا وآله الطيبين الطاهرين ، ولذا قال لمن يأتي بعد النبي الكريم إن وصيه وخليفته و هــادي بإذن الله ، وإن له هدى خاص من تجلي اسم الله الهادي كما كان للنبي :

{ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ

إِنَّمَا أَنْتَ مُنـذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَــــاد } الرعد7 .

فالهادي بإذن الله : بعد رسول الله هو نفس رسول الله حسب آية المباهلة والقربى وهو علي بن أبي طالب عليه السلام ، والله جعله ولي بآية الولاية التي مرت ، وهو الهاد بعد رسول الله حسب هذه الآية وهو وصيه وخليفة الحق وإمام المسلمين بعده ، بل كل آل نبينا الكريم لهم تجلي خالص من الله الهادي للكل العباد فيقول لنا اطلبوا صراطهم المستقيم لأنهم هم المنعم عليهم وعرفت تفسير سورة الفاتحة :فإنه بعد التوسل بالله : بأسماء حسنى واسعة كريمة : الرحم الرحيم رب العالمين مالك يوم الدين ؛ إياك نعبد وإياك نستعين

أهدنا الصراط المستقيم

صـراط الذيـن أنعمـت عليهـم

  غير المغضوب عليهم ولا الضالين .

وهذا صراط هدى للمنعم عليهم : مستمر من الأنبياء حتى نبينا الكريم وآله الكرام الطيبين الطاهرين المصطفين الأخيار الراسخون بعلم الكتاب إمام بعد إمام ، ولا يوجد أحد يمكن أن ينازعهم هذا المقام وله دليل واحد يَصدق به غيرهم ، ولا يمكن أن يقال : إن المنعم عليهم أنبياء سابقين ، ولا منعم عليهم بالإسلام أو انقطع وانتهى تجلي اسم المنعم والهادي للصراط المستقيم وللنعم بهداه ، وإن الناس مختارون يباشرون الناس بأنفسهم يعلموهم معارف الله ودينه حتى لو لم يختارهم الله ، وحتى لو كانوا ظلمة أو أعوان لأئمة الضلال أو متملقين متكلمين مختلفين متناحرين متقاتلين وكل جماعة منهم تدعي علم يخصها مع اختلافهم كلهم على الحق ، ولو كان بما يأتي به رأيهم وفكرهم بالدين بدون بيان من الله المبين الهادي.

وأعلم يا طيب :  أن كل ذو بصيرة لو تدبر رجال الإسلام في الصدر الأول لتيقن إن : إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ، إنه لابد إن يكون المنذر نبينا والهادي الإمام علي وآله بعده إمام بعد إمام ندعى بهم يوم القيامة وغيرهم لا برهان بين له ، وكل من يفسر بحق : اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم ، وهو منصف يعرفهم إنهم نبينا وآله الكرام ، والذين تجلى عليهم الودود الهادي الطاهر المطهر ، فطرهم بآية التطهير ، والذي تجلى عليه الصادق فصدقهم بآية المباهلة والولاية وسورة الدهر والكوثر والأنفال والضحى وكثير من آيات الإمامة التي عرفت قسم منها ، والتي تعرفنا بأن نبينا وآله هم المنعم عليهم والهداة للصراط المستقيم الحق ، وهم لهم التجلي التام من الله الهادي ، فكانوا هداة لنا بإذنه يعلمونا معارفه ودينه الحق الشامل الواسع بإذن واختيار ربنا الهادي بالهاد وهداه .

 بل قد عرفت وستعرف : إنه لا تجلي خاص للأسماء الحسنى وكمالها في الوجود بالتجلي التام الكامل حتى صار العباد مظهرا تاما كاملا لها في الأرض والملكوت إلا فيهم ، وهي عين الهداية للكمال التام والهدى الحسِن الذي يرفع من يتمسك به لأجمل غاية في الوجود ، ولا هدى بعدها ونعيم مستمر مستقر دائم مثل ما أنعم الله عليهم وهداهم به الله الهادي سبحانه .

فهذا هو حق اسم الله الهادي : ومصداقه الحق في التكوين والظهور المطلق في الخلق ، وهو الذي خص به نبينا الكريم وآله الطيبين الطاهرين ، ومن سلك سبيل هداهم ، هداه الله لأحسن غاية ونعيم مقيم ينتهي عند رضاه الأكبر ، ومن لم يهتدي بهم وتعصى وضل عن الطريق وخرج من تجلي الأسماء الحسنى الكمالية الجمالية ، لهداية الأسماء الحسنى القهرية فتجلت عليه بغضب الله وبئس المصير والعياذ بالله .

هذا وقد عرفت : إنه قد مرت إشارات لتفسير سورة الفاتحة وتعريفها لهدى الله وتأكيده سبحانه بالصلاة عشر مرات في كل صلاة مرتين أن نقرأ سورة الفاتحة ونذكر أسماءه الحسنى ، ثم نستعين به ونطلب منه الهداية للصراط المستقيم ، وهو الهادي ، ولكن ذكر سبحانه ووجهنا بترديد وتأديب وتعليم ما بعده هدى وتعليم بأنه يا أيها العباد هداي هو بصراط مستقيم عند المنعم عليهم بنعم حقيقة كاملة وهم أهل الهدى ، وغيرهم من أنحرف عنهم في ضلال مهما كان ومغضوب عليه ، فكيف بمن يعاديهم ويقتلهم ويحاربهم فهو في ضلال وظلمات متراكمة ليس بعدها ضلال والعياذ بالله من الضلال وغضب الله .

وهذا وقد عرفت أن تجلي الله الهادي : تعالى بنور الهادي والهدى في الكون يوصل لأحسن غاية وإن الإنسان خُلق ليعبد الله وله هداية تشريعية شملت جميع حياته في كل مجال فرد أو أسرة أو مجتمع أو دوله أو اقتصاد أو سياسة ، عبادة أو معاملة بل كل شيء له من الله تعالى هدى وحُكم وتعليم ، والله تعالى في كل كتابه الكريم لو تدبرت كله يعلمك علم اليقين إنه هدى وجاء لهداية البشر بالهدى التشريعي لأحسن غاية وأجمل هدف يمكن أن يصل له مخلوق .

والله الهادي تعالى : في كثير من الآيات يبين سبحانه أن الناس يغويهم الشيطان فيضلون الطريق ولا يقبلون الهدى ، وإن هناك أصحاب مصالح ومنافع وأهل دنيا وزينتها ولا إيمان لهم ، والناس يختلفون وينحرفون ويتبعون المتشابه وقليل منهم الشكور ، وإن كثير منهم منافقين وكفار يتربصون بالدين وهدى الله الدوائر ، ثم بعد هذا كله وهو يأمرنا أن نطلب منه عشر مرات أن يهدينا للصراط المستقيم عند المنعم عليهم بالهداية بالحقيقية بتجلي باسم الهادي ، ثم هذا الهادي لا يدلنا على الهداة الحقيقيين الصادقين أصحاب الصراط المستقيم والمنعم عليهم ، ولا يعرفنا بهم ولا يوصلنا بكتابه ولا بتوسط نبيه لهم ولا يعرفنا بحقيقتهم ولا يدلنا عليهم ويهدينا ويعرفنا بهم ، مع إنهم أس الهدى وهداه عندهم وتجلى عليهم بالهدية الخاصة ليهدوا عباده من سبيلهم ، وذلك لأن كل العباد لا طاقة لتجلي اسم الهادي مباشرة بأن يوحى لهم أو يلهمهم هداه ، وإن البشر تتنازعهم كثير من الشهوات وزينة الدنيا ، فلذا الله يختار مخلصين ويصطفي أحسنهم إخلاصا وإيمانا وعملا فيجتبيهم ويجعل لهم ود ومحبة وهدى ودينه ليعلموه الناس بكل علمهم وحديثهم وسيرتهم وسلوكهم ، وكما عرفت تفصيل نور الهدى في آيات النور والبيوت المرفوعة فراجعها في اسم الله النور .

 فيكف يكون لله له أسم الهادي : يهدي العباد وكلهم تحت هداه التشريعي ،  ولم يعرفهم هداتهم الحقيقيين ، وأي هدى في هذا الاختلاف الذي قائم من بعد النبي الكريم حتى اليوم ، إذا كان نفس الهادي لم يعين لنا الهداة الحقيقيين لدينه ، وإنه بأيهم من الصحابة يهتدون وفيهم المنافقين وقد نزلت أكثر من ثلاثمائة آية في المنافقين تحذر منهم وتحكي بجد عن عنادهم وخبثهم وسوء حالهم ، وإن فيهم ظهر أصحاب المصالح والقتلة لأئمة الحق وفيهم ما له من هاد وإنكم لا تهتدون ، وهم عين الضلال والظلام والعداء للهدى والحق ، فبالله عليك إي هدى هذا وأي هادي ، وكيف يصح أن نصف الله بالهادي إذا لم يميز ولم يعرفنا الهداة الصادقين المنعم عليهم الحقيقيين الذي أختارهم على علم على العالمين من غيرهم المنافقين والضالين والمغضوب عليهم .

نعم إن الله هو الهادي الحق : والله لم يجبرنا على دينه ، والهدى التشريعي مثلما كان في التكويني ، فإن الهدى التشريعي الله عرفه لنا ، والله أحكم من أن يقول في كتابه إنه الهادي ويهدي لصراط مستقيم ولم يعرفنا الهداة له بالحق والصدق ولم يعرفهم لنا ولم يميزهم ولم يشخص وجودهم لنا حتى نعرفهم بحق المعرفة وبالهدى والدليل التام والبرهان الكامل ، بل الله تعالى الهادي المبين النور الواسع الحق وهداه أحسن هدى وشمل كل الوجود وكل واقعة وكل ما يحتاجه العباد في حياتهم , وعرف لنا الهداة لدينه بحق وصدق بأحسن بيان وبأتم حجة .

ولتعرف الله الهادي : فأعلم يا طيب والله تكفي آية الولاية لأمير المؤمنين الذي عرفنا بها الولي الحق وحزبه المفلحون الغالبون ، بل نفس ما ذكرنا من آية القربى ، بل سورة الكوثر وحدها ، أو سورة الفاتحة ، أو سورة الضحى ، بل آية إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ، فضلا عن آية اليوم أكملت لكم دينكم والغدير والنجوى وسورة الدهر وآيات الأبرار والثبات والسكينة وغيرهن كصفات وسيرة وعلم وزهد وشجاعة وتوفيق إمام الهدى والخليفة الحق للنبي بعد النبي المنصوب المختار من الله ، وهو الإمام علي بن أبي طالب ، فإنه بما له من المواصفات بنفسه لو تدبرتها لعرفت إنه بإذن الله الهادي هو الهاد الحق لدين الله بعد سيد المرسلين ، وبه كان تجلي حقيقة الله الهادي واستمراره بعد نبيه ، حتى كان هو الهادي الصادق المصدق كما في آية المباهلة وصدقته كل سيرته بأنه هو الذي يستحق اسم الهادي في الأرض بإذن الله الهادي ، وهو خليفة الله ورسوله والهادي بعده .

وإن الله الهادي : له ولكل آله آل النبي الكرام بما لهم من المواصفات التي ذكرناها في كل الأسماء الحسنى ، قد عرّفنا إنهم هم الهداة لدين الله ، وهم أصحاب الصراط المستقيم المنعم عليهم ، وهم كوثر الخير الذي يرفعونا بالإقتداء بهم والسير وفق هديهم بصراط مستقيم لأعلى مقام عند الله ورضاه ، ونكون في عين هداه وهداياه في الآخرة في نعيم مقيم أبدي في أرفع مجد ونور وكرامة من الله .

وإذا عرفنا هذا يا طيب : نذكر بعض أدلة هداهم وإن كان لهم كل تجلي الأسماء الحسنى بكل جمال وجلال ينور الوجود ولأحسن كرامة ومجد لهم ولمن تبعهم .

 

الإشراق الرابع :

الله الهادي لعباده عرفنا بأجمل البرهان أهل هداه :

إن الله الهادي سبحانه : قد جعل لنا دليل وبرهان تام لمعرفة أنه قد تجلى بأكمل تجلي بهداه وبالتجلي الخاص على نبينا والأنبياء السابقين ، ولكن كان أتم تجلي وأعلاه لنبينا الكريم ثم آله بعده ، وقد عرفت بعض الأدلة في الإشراق السابق بل في كل ما سبق من شرح الأسماء الحسنى ، وعرفت إن هدى نبينا الكريم وآله الطيبين الطاهرين هو من الله الهادي لنا وسألنا أن نطلبه بسورة الفاتحة كما عرفت ، وعرفنا إن لكل قوم هاد بعده إلى يوم القيامة ، لأنهم هم المنعم عليهم وبهم يتم لنا الهدى الإلهي الحق الصادق الواقعي ، و بكل ما يكمل وجودنا بالمدد من نور الأسماء الحسنى المستمر الذي يفيض علينا كمال وكرامة وعز مجد لا يزول حتى مُلك الله الخالد في جنة العلى ، وبهم يتم هدانا وصلاحنا لأحسن حال لتجلي ما يمكن من الأسماء الحسنى الجمالية التي تتجلى بهاء وسناء بما لا يوصف من نعيم الله في كل آن لكل طالب لها بحق من مصدر تجليها فيعلم ويعمل به .

فيا طيب أحب أن أذكر لك : إنه لقد كتبنا تحقيق جميل في بيان الإمامة في صحيفة الإمامة وصحيفة الثقلين من موسوعة صحف الطيبين فراجعها ، فإنه فيها تحقيق جميل في الهداية المتعينة في أهل البيت النبوي الطاهر فراجعها إن راقك كلامنا ، وهو من هدى الله تعالى وتعاليم أئمة الحق ، فإنه لم نذكر روايات وآيات إلا نادراً هنا ، وهناك أدلة أكثر وكتاب كامل في هذا المعنى ، لكن هذا ما يهدي له تعاليم الإسلام والفطرة الباحثة عن الحق المنصفة التي تتعقل هدى الله وتوقن به ، ولكونه دليل محكم البنيان وبرهان يتبع بعضه بعضا في مقدمات حقة من تعاليم الإسلام الأولية التي يعرفها ويذعن بها كل مسلم نظيف الوجدان .

وإليك هذا الدليل في الهدى وملاكه وإنه كافي للمنصف فقد قال الله الهادي:

{ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمــَّةً يَـهْـــدُونَ بِأَمْـــرِنَـا

لَمَّا صَبَـــرُوا وَكَانُــوا بِـآيَـاتِنَا يُـوقِنـُونَ } السجدة24 .

عرفت يا طيب : آيات الإمامة وإنه كل إنسان يدعى بإمامه يوم القيامة ، وإنها مستمرة وإن الله أمر النبي أن يدعوه لأن يجعل الأئمة من ذريته وآله ، وعرفت إن لكل قوم مصطفى مختار من الله لأنه هو الذي يختار ويصطفي للمناصب الكبيرة التي يشرق أهلها بنوره في الأرض كما عرفت في آيات النور والبيوت المرفوعة ، وهذه الآية أعلاه تعرفنا ملك الإمامة بأمور فيها :

منها أنه تعالى جعلهم أئمة لما صبروا ، وإنه تعالى جعلهم أئمة يهدون بأمره ، وعرفت وستعرف إن أمر الله هو الذي يتنزل به الروح ، فهنا لا أتكلم عن صبر أهل البيت عليهم السلام في دين الله تعالى وبذلهم أنفسهم في سبيل إعلاء كلمة الله ومواقفهم المشرفة على طول الزمان ، ولا اذكر شرح آيات الإمامة التي مرت التي تبين إن لكل إنسان له إمام يدعى به يوم القيامة ، إما إمام حق أو إمام باطل ، وإنه على كل إنسان أن يعين من هو إمامه إذا لم يدعي كاذبا بأنه هو إمام حق منصوب من الله ، ولا أذكر آية الدعاء التي دعا بها النبي أن يجعل الإمامة في ذريته فكانت كما أراد والله وأعطاه نعمه التي أمره أن يحدث بها ، ولا أذكر إنما أنت منذر ولكل قوم هاد والمقصود به علي بن أبي طالب واشرحها بأنه لم يقل مثل صاحبه الذي غصب الخلافة ويقول بيعتي فلته ، ويقول الآخر كل الناس أفقه من عمر حتى ربات الحجول ، وعلي يقول اسألوني قبل أن تفقدون فإني أعلم بطرق السماء من طرق الأرض ، لأنه الهادي الذي علمه الله ورسوله ، وقال رسول الله أفقهكم علي ، أعلمكم علي ، علي مع الحق والحق مع علي ، علي أخي ووصيي ووراثي ويقضي ديني وينجز عداتي ، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ، وأنت ولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي ، اللهم والي من والاه وعادي من عاده وأخذ من خذله ، وإن أهل بيته مثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها هلك ، وإن حبهم إيمان وبغضهم كفر  ، ولا أشرح وأبين مصادرها فهي في كتبنا كالمراجعات والغدير والعبقات وكتاب إحقاق الحق ، أو صحيفة ذكر الإمام علي عبادة ومتوفر لكل طالب حق ، وإن قلت ما لم أرد أن أقول وإن كان بدون شرح ، ولكن بالله عليك فسر هذه الآية .

وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا

هذه الآية الكريمة : تعين أئمة دين صبروا قد تجلى الله تعالى عليهم بالتجلي الخاص باسم الهادي فصاروا يهدون بأمر الله ، وتجليه لكونهم صبروا مع الله في دينهم سواء في حنين ولم يهربوا كما هرب غيرهم ، أو في العبادة حتى كانوا أعبد الناس أو كانوا أئمة صبروا قبل الإسلام والإسلام نسخ دينهم .

ولكن في الإسلام : إن الله الهادي والدال على هداة دينه المصطفين بعد سيد المرسلين من آل نبينا المكرمين ، شرح لنا هذه الآية بسورة القدر وعرفنا شأن أمره الذي ينزل به الروح في ليل القدر ، وهو إذا كان الروح ينزل بأمر الله في ليلة القدر على النبي وباقي الناس تؤيدهم الملائكة ، وإن هذه الليلة مستمرة إلى أخر الدهر فعلى من ينزل الروح في لليلة القدر ولا يوجد نبي ولا إمام يهدي بأمر الله، وما فائدته إذا لم يُشخص لنا ونعرفه بدليل وهدى وبرهان متقن.

وإذا كان هناك إمام حق في الإسلام : فقد عرفه الله لنا وهدانا له بكل هدى وبرهان كما عرفت بحق الهدى والأدلة والبراهين ، فهو الآن في زماننا من آل محمد عليهم السلام الذين اصطفاهم الله ، وهو الذي ينزل عليه أمر الهدى وتجلي الله الهادي عليه في ليلة القدر ، وهو الذي يهدي بأمر الله دون غيره ، وكان قبله أجداده الطاهرين من آل محمد صلى الله عليهم وسلم ، وهم كما قال صلى الله عليه وآله وسلم اثني عشر خليفة كلهم من قريش ، وهم يهدون بأمر الله فلابد يكون أولهم علي وأخرهم الهادي المهدي محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي عجل الله تعالى فرجه الشريف .

وهذا ليلة القدر تقدم علينا وفي كل سنة : وأسأل الله أن ينزل علينا بركاته وخيرها إنه ولي حميد ، وهو الهادي وكل هادي يهدي بما منّ وتفضل عليه بهداه الهادي الرحيم الودود الله ، وهذه هي آيات أئمة الهدى بأمر الله الهادي :

قال الله تعالى : { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ }السجدة24 .

{ بِاِسْمِ الله الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ

إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ  (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2)لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)

تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ

فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } القدر5  .

 وكل منصف يعرف إن ليلة القدر : خير من ألف شهر ، هي للنبي وآله كرامة من الله الهادي في أمر الإمامة للهداة في الأرض ، وهي خير من ألف شهر من ملك بني أمية الذي لم يزد على ألف شهر بإخبار الله تعالى وصدقه الواقع ، وهكذا فسرها كل من ذكرها بصورة مباشرة ، أو غير مباشرة لمرض فيه ، لأنه عرفت ملك الله العظيم هو ملك القلوب وهو الكتاب والحكمة والهدى لدينه ، بحيث يجعل طاعة ولي الأمر الإمام الذي يأتيه الروح بأمر الله الذي هو فيه خلاصة تجلي الأسماء الحسنى بالتجلي التام الكامل الذي به يكون ولي للدين وهادي لمعارف رب العالمين ، فتكون طاعته طاعة لرب العالمين ويكون مسدد لا ينطق إلا عن الله تعالى وبأتم الهدى والرشاد بما يُعبد به الله ويُصلح العباد .

 ويكون رضاه هو رضا الله بما علمه الله : ويكون دينه هو دين الله لأنه الإمام الحق بأمر الله وإذنه ، وإن أمر الله هو كل تجلي لأسماء الحسنى وظهورها بالخلق ، وهو كن فيكون الذي فيه الخلق والهدى والنعيم وكل ما يمكن أن يصل من خير منه تعالى الهادي لعباده المؤمنين ، ولكل نعيم مقيم أقرأ أمر الله الذي يخلق الوجود وهداه وكل ما يحتاجه ، وبأمر بكلمة كن وهو ينزل نزول خاص في ليلة القدر على الهادي لدين الله بأمر الله لكل إمام في زمانه ، نبي الرحمة محمد وبعده آله الكرام صلى الله عليهم وسلم إلى يوم القيامة ، تدبر الآيات السابقة لتعرف الهدى بأمر الله في ليلة القدر ونزوله الروح بأمر الله على من يشاء من عباده الذين أختارهم ، لتعرف معنى الإمام الذي يهدي بأمر الله وتدبر الآية التالية :

{ يُنَزِّلُ الْمَلاَئِكَةَ بِالــــرُّوحِ مِنْ أَمــــْرِهِ

عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ

أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِي }النحل2 .

 فهذا الروح المبارك : الذي يأتي بأمر الله ، له تجلي خاص من الله سبحانه وتعالى غير أمر الملائكة لعامة الناس ، وإن كان كلهم بأمر الله ، ولكن أمر الله للروح هو الهداية الخاصة للإمام لأنه على بعض العباد الذين صبروا ويهدون بأمره أمر الله وهداه التام بمعرفة خاصة ، ولهم تجلي خاص بالهدى كما عرفت .

 ومثله قوله تعالى  : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ

 الــرُّوحُ مِنْ أَمْــــرِ رَبِّي

 وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }الإسراء85 .

وهذا الروح الذي يُنزل في ليلة القدر : بكل أمر يهدي به العباد ، هو من أمر الله الرب الهادي ، والذي هو فيه أمر تجلي الأسماء الحسنى ، وخلق الله وهداه تعالى وتجليه بالهادي ، أي أمر يوصل العباد لنعيم الله تعالى بأحسن هدى ولأحسن غاية للعباد ، وهو مختص بصاحب ليلة القدر للنبي وآله الكرام أئمة الهدى والحق وهداه ، ثم منه يوصل للناس هدى الله ، وأنظر قوله تعالى :

{ إِنَّمَا أَمْـــرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)

فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }يس83 .

 والملكوت هو غاية الرجوع بأحسن نعيم لمن يهتدي بمن نزل عليه أمر الله ، وهو إمام كل زمان الذي يهدي بأمر الله تعالى ، وبعده لكل من آمن به وتبعه بحق وتعبد لله بهداه التام مخلصا له الدين  .

وإذا صعب عليك متابعة أمر الهداية : بأمر الله الهادي للإمام الحق ومنه يتم هدى الناس كما في الآيات السابقة ، فأنظر في قوله تعالى في أمر الهدية لوجود الإمام في كل زمان من بعد نبيا الكريم بالإضافة لما عرفت من إنه يدعى كل أناس بإمامهم ، وإن أمر الإمامة للهداة بأمر الله مستمر على طول الزمان وإلا لما أمر النبي أن يدعوا هب لنا من أزواجنا وذريتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ، ولكن أنظر قوله تعالى بنظر بسيط لا يحتاج للمعرفة العالية السابقة في كيفية الهداية بأمر الله ، ولكن تفسير عادي هو بوجدانك الحر وبفكرك النظيف من العصبية ، فعين لنا الهادي بعد الرسول الله بحق وصدق ، ويؤيده الله ورسوله وسيرته وسلوكه وأقواله التي لابد أن تكون فيها الحكمة والبيان لهدى الله الحق :

قال تعالى { وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ

 إنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَــادٍ } الرعد7 .

 وهذه آية محكمة : فيها بيان للهدى بكل أعجاز تبين الهادي للمؤمنين بعد النبي الكريم ، وهو علي عليه السلام وقد عرفت آيات الولاية في حقه والغدير والقربى والمباهلة الذي كان فيها نفس النبي الكريم إلا النبوة بل إمام وبعده آله الكرام ، فهذا تفسيرها حتى بدون المعارف العالية لمسألة التجلي بأمر الله وما نزل به الروح بالتجلي الخاص لأمر الله الهادي ، وأنظر قوله تعالى :

{ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْـدُونَ بِـأَمْـرِنَـا

وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ

وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ }الأنبياء73 .

والإمام هو الذي يهدي بأمر الله : وقد عرفت عظمة أمر الله فيه قدرة الخلق والهدى ، وهذا التجلي للهادي مع نبينا وآله الكرام ، وهو للنبي بتوسط روح ليلة القدر المستمر على طول الدهر في آله الكرام ، ولكن على فرض بدون معرفة التجلي ، فإنك عرفت إن الفاعل للخيرات من المسلمين وصدقهم الله في سورة الإنسان هم آل البيت ، وهم أهل البيت المرفوع بذكر الله في آيات النور ، وهم أصحاب آية الولاية والقربى والمباهلة التي تصدق صلاتهم وذكرهم وزكاتهم وبالركوع وأثناء العبادة للإمام الأول ، ولا يوجد لأحد من غير آل محمد عليهم السلام هذا التصديق من الله ، فلهم أمر الهداية في الإسلام حتى بدون معرفة الهدى بالتجلي ، ولكن بالتفسير البسيط للرجوع لأبسط معارف الإسلام وسيرة رجاله ، أو التفسير الذي يرجع لأقوال المفسرين المنصفين ، وهذا مثله قوله تعالى :

{ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًـا مِنْ أَمْـرِنَا

مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ

وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نورا نَــهْـدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا

وَإِنَّــكَ لَتَـهْـدِي إِلَى صِـرَاطٍ مُسْـتَـقِـيـمٍ }الشورى52 .

فهذا حال نبينا الأكرم : يهدي لصراط مستقيم ، والمنعم عليهم من آله حسب سورة الفاتحة يهدون لصراط مستقيم حتى لو تجاوزنا مسألة التجلي الخاص التي هي قمة ظهور نور الله بالأسماء الحسنى ، وإن رفضها وعدم قبولها حد لفضل الله وكرمة ، وتضييق لعظمة الله سبحانه وتعالى ولفيضه ولتجليه ولكبريائه الذي هو حقيقية وواقع ، وبهدى حق يهدي وينعم ويظهر بالوجود لا أنه بكلام لا معنى له وأسماء لا ظهور لها ولا حقيقية ، بل لها لكل حال وظرف وخلق واستعداد تجلي خاص وقد خص الله الأنبياء والأوصياء بتجلي خاص ، وأنظر عدل آية القربى في تعريف القرآن :

{ إِنَّ هَذَا الْقُــرْآنَ يَـهْـدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْـوَمُ

وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ

 أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرً }الإسراء9 .

وهذا البشارة نفس تلك البشرى للقربى : التي عرفتها في البحوث السابقة وبالخصوص في الاسم الودود ، فيمن له أحسن أجر هو رسول الله ومن لهم تجلي خاص ، وأجر كبير لمن يطلب هدى الله الحق الصادق من الهادي الحق كما عرفته في سورة الدهر ، وآيات الملك العظيم من الكتاب والحكمة أو في الجنة ، ومن الله الوتر النور الوهاب الناصر الواسع الودود الهادي ، والذي أتقن هداه وأحكم هداه ولا يمكن أن يهتدي مهتدي إلا بهداه من سبيل أهل هدى دينه الحق ، وأهل الصراط المستقيم الذي تجلى عليه الله بالهدى الحق حتى جعلهم يهدون بأمره وجعلهم أئمة لهداه ، لأن تشريع الله وتعاليمه ومعارفه تعرف ويهتدي لها بتوسط من يختارهم ويصطفيهم ، لا كل من يدعي وليس له براهن محكم ودليل متقن وهدى يهدي له ويعرفه بأنه هو الهادي بل لمجرد الغلبة والدعوى وبالرأي والقياس والاستحسان وما شابه .

ولهذا على كل مؤمن : أن يطلب ويعرف بالدليل والبرهان الصادق والهدى الحق سبيل معرفة الله ودينه وأئمة هداه ، والهدى الذي يهتدي به المهتدون ، والذي لا يكون إلا عند أئمة الحق من عباد الله الذين تجلى عليهم بهدى خاص ، وهم يهدون بأمره وبإذنه وبما تفضل عليهم ليهدونا ، هدانا الله للحق وأئمته حتى يتجلى علينا هدى الله الدائم ، بفضلك ومنك يا الله الودود الهادي يا مسدد للصواب أهدنا .

 

الإشراق الخامس :

المؤمن مهتدي بهدى أئمة الهدى بفضل الله الهادي بحق :

يا طيب إن المؤمن : يعرف إنه أهم مسألة بعد الإيمان بالله تعالى هو أن يقيم له العبودية التي يريدها بهداه الحق الصادق الذي لا اختلاف فيه ، والذي هو عند أئمة الهدى ، وهو يتلوا سورة الفاتحة ويتوسل بالله الرحمن الرحيم ومالك يوم الدين ، ويطلب منه أن يهديه الصراط المستقيم عند المنعم عليهم ، وعارف بدينه ومحل هداه وأئمته وأصحاب الصراط المستقيم ، وإلا إذا لم يعرف أئمة الحق المنعم عليهم بالهدى الذين أختارهم الله تعالى لم يعرف هدى الله حق المعرفة ، ولم يحصل على تجلي أسم الله الهادي عليه بالدوام حتى يوصله للنعيم المقيم ، لأنه لم يجد ويجتهد في معرفة أئمة الهدى الحق ، فيكون مغضوب عليه ضال وله العذاب الشديد لإصراره على التقصير والمعاندة لأئمة الهدى، فيهدى تهكما للنار وللجحيم بالعذاب المقيم والعياذ بالله .

فلذا المؤمن الواقعي الصادق : مهتدي باسم الله الهادي وعارف لمعناه وحقيقته بالدليل وبالبرهان ، فيعرف أنه لا يتم إيمانه ألا بمعرفة الإيمان بالله وحده وبالهدى الذي بالعدل صار عند رسوله وبعده الإمام الحق وبالمعاد الذي يجازى به ، وإن الله الهادي يهدي بهاد يصطفيه من العباد ، ويهدي به لسبيل الرشاد وهو مسدد بأمر الله الهادي بتجلي خاص جعله إمام يهدي بأمره ، وهم نبينا وآله الطيبين الطاهرين صلى الله عليهم وسلم ، وإنه كلهم وكل إمام في زمان يُدل ويوصل للمطلوب من الهدى الواقعي لله بأمره وبإذنه , والذي يحصل به اليقين في إقامة العبودية لله تعالى ، فالمؤمن عنده البرهان لحق لإمامة أئمته الصادقين المصدقين بأمر الله وفضله وبه عرف كل أصول الدين بإيمان راسخ وهدى حق ، حتى عبد الله وأطاعه كما يريد واهتدى بهدى الله وبصراط مستقيم حق في الدنيا ويسير به بحق في الآخرة للنعيم المقيم حتى يُهدى له ملك عظيم في جنة الخلد بفضل الله الهادي الكريم النور الواسع الوهاب الوفي البر .

والمؤمن : هادي لإخوانه بما منَّ الله عليه من الهدى ، فيكون بحسب الوسع والطاقة مظهر للهادي ويتجلى به ولو بحفظ أو تعريف لمحل وكتب بعض الأدلة والبراهين التي توصل لأئمة الهدى والحق ولكل معاني الإيمان بالله تعالى ، ولذا كان العالم أفضل من العابد لأنه يهدي المؤمنين لدينهم ويهدي لهم تعاليمه وكل فضل تفضل الله به عليه ، والمتعلم لدينه أفضل من العباد بل لا عبادة بدون معرفة ، وهذه المعرفة لابد أن تكون بتوسط أئمة الهدى الذين هداهم الله ، وإلا ما أكثر من يعلمون وليس لهم هدى لأنهم لم يجدوا ويجتهدوا لمعرفة حقيقية تجلي الله الهادي الحق الدائم ومحل هداه الحقيقي ، فلذا ضلوا حين تبعوا قتلة أئمة الهدى .

فيا الله يا هادي للحق : أهدنا لما تحب وترضى واجعلنا مع أئمة الهدى الذين جعلتهم هداة لعبادك المؤمنين ، بحق نبينا الكريم المصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين ، يا لله يا هادي للحق والصراط المستقيم ، وهادي كل هادي لهداك ، يا الله أهدنا بحق الهدى لنعمل به ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين يا الله يا هادي الوفي الوكيل البر .

 

   

أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.alanbare.com

يا طيب إلى أعلى مقام صفح عنا رب الإسلام بحق نبينا وآله عليهم السلام


يا طيب إلى فهرس صحيفة شرح الأسماء الحسنى رزقنا الله نورها