هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في  أصول الدين وسيرة المعصومين
صحيفة التوحيد الإلهي / الثانية / للكاملين / شرح الأسماء الحسنى الإلهية

 

الباعث

النور الثامن والثمانون

 

الباعث : هو المرسل أو المخرج لشيء لأمر ما مع الإثارة والعلم لضرورة البعث وأهميته وقد ترافقه السرعة ، وفيه معنى كون الباعث قادر قاصد لما يبعث وعارف بغايته وغرض ما يبعثه ، والمبعوث عليه الإطاعة لأمر الباعث إما لحق أو لقدرة الباعث عليه ، كما أن المبعوث به أمرا قد يكون تكويني أو رسالة وتعليم ، والغرض منه إما تشريف أو تخويف وقد يكون استدراج وإمهال أو جزاء بثواب أو عقاب .

والله تعالى هو الباعث الحق : في التكوين والهدى ، ولكل شيء وجوده وما يمده به من نعمه ، وفي إي زمان ومكان شاء ، لأنه له القدرة والحق على كل شيء ، ولذا كان له وحده بعث التكوين والهداية لكل موجود بما يناسب شأنه ويوصله لأحسن غاية ممكن أن يتحملها ويطيقها ، أو يسعى إليها إن كان مختار قد أقدره الله على الطلب لنعيمه الخالد بما فضله وشرفه من هداه وطاعته .

والله الباعث الحق : لكل شيء بعثه وله حُسن وإتقان ، وبنوره أنار الوجود وأوجده في أحسن صورة ممكنة لأن الوجود كله تجلي ونزول بركات أسماءه الحسنى وصفاته العليا وهو الحي العالم بكل شيء والقادر على ما يريد والظاهر بالعدل والإحسان فيما يحب ، وهو الذي يمد الوجود ويبعث له ولكل ما موجود فيه ما به قوامه وهداه في كل آن حتى يستمر ويتقوى على ما أوجد من أجله حتى يصل لغايته ، فهو الباعث الحق لكل شيء ، ولا باعث شيء وأمر لآخر إلا بفضله وبما يقدره عليه .

وأهم مظاهر بعث الله الباعث والإرسال : هو ما بعثه للظهور بتعليم شؤون عظمته ، وأثار به عقول الناس ، وحث ما مغروز من طلب الكمال والهدى الحق بالفطرة ، وبالفكر في النفس أو الكون وكل شيء فيهما أو بالأحداث المرافقة لهما ، أو إهلاك الأمم العاصية من الطوفان أو الريح العقيم وتدمير عاد وثمود أو مثل هلاك فرعون وجيشه ، وفي كل آن توجد كثير من آيات المقدرة التي تعم الكون ، وتُري عظمة جلاله وكبريائه مما يقف العقل أمامها متعجب ولهاً متحيرا ، فتُشعره بقرار نفسه وبوجدانه الصاحي إنها من تدبير عليم حكيم ، وهو الذي بعث أمورا في الكون وفي نفسه وفي الأمم لينبه لعظمته وكبريائه ووجوب إطاعته والعبودية له بل وشكره على ما تفضل به وأنعم في كل شيء ويطلبه مخلصا بكل هداه .

 كما إن الله هو الباعث الحق : الذي ظهر بالبعث الخاص في بعث هداه لعباده ، وإنزال كتبه على رسله حتى يوصلوا من يقبلهم بقبول حسن لأحسن غاية لهم ، ولكل كمال وجمال يمكن أن يطيقه موجود ممكن ، ويوصله لأحسن تقبل لتجلي ونزول خيرات وبركات أسمائه الحسنى وصفاته العليا ، وأكبر مظهر عام يتجلى به لنا يوم يبدل الأرض غير الأرض ويبعث العباد في يوم النشر للحشر فيجمعهم ويجازيهم بما أمنوا وعملوا ولو بمثقال ذرة ، بعد أن كانت عظامهم رميم ، بل كل وجودهم في قدرته مطوي كطي السِجل للكتب ، ثم يبعث الخلق ليجازيهم المحسن بإحسانه فيوصله لأحسن غاية له وينعم عليه بنعيم دائم جعلنا منهم ، والمسيء لما طلبه بوجوده من الحرمان والعذاب الأليم أبعدنا الله منهم ، وبعثنا الله الباعث مع النبي الكريم وآله الطيبين الطاهرين .

فإذا تجلى الله تعالى بحقيقة اسمه الباعث بالبعث الخاص على عبد :

جعله رسوله وكرّمه بهداه وأقدره على تبليغ رسالته وتطبيقها ونشرها بما يحب ويرضى حتى يوصله لأعظم نعيم وكرامة وتشريف وبر من تجلي أسمائه الحسنى وصفاته العليا ، وهذا مختص بالأنبياء والمرسلين ، ويأخذ منهم أوصياءهم والحفظة لدينهم من الكتاب والحكمة ، ويتبعهم المؤمنون على طول الزمان المقدر لهم ، فيتحلوا بهدى الله ويصلوا لكل نعيم مقيم وفضل وشرف وتكريم من الله تعالى الباعث الحق ، والناشر المثيب ، والمجازي الموفي لكل شيء بحسب طلبه منه .

وخير من تجلى الله الباعث الحق البر : عليه بالتجلي الكامل والظهور التام بالبعث مع البر والود له لتعليم هداه ودينه ورسالته ومعارفه ، و التي بها يُعبد ويطاع ويُصل لكل كمال وجمال يظهر من فيضه وبركاته ، هو نبينا الكريم وهو سيد المرسلين وأخذ منه آله الطيبين الطاهرين ومنهم أخذ المؤمنون حقاً ، واهتدوا لما بعثه الله من الكتاب والحكمة بحق وصدق ، وأطاعوه بكل ما يمكن أن يطيعه إنسان ، ومر كلاما في وراثة الكتاب والحكمة في اسم الله الوارث ومر ما ينفع من المعرفة في اسم الله الودود والبر بل غيرها من الأسماء الحسنة .

فإن اليوم الذي بعث فيه الله الباعث البر : لعباده بره وكرمه برسول الله كان يوم أشرق فيه نور الله الكامل التام في الوجود ، وكان على أكمل واشرف وأنبل وأمجد إنسان في الوجود فبره الله بدينه وأورثه الكتاب والحكمة ، لما له من الأصل الشريف والعمل المخلص له والتوجه التام الكامل لطاعته ، فأكرمه الله بأكرم دين وجعله خاتم الأنبياء والمرسلين في يوم 27 رجب قبل أحد عشر سنة من سنة الهجرة من مكة للمدينة ، وكان يوم الله المبارك الذي بدأ يعلم الإنسان به كل هداه التام ، وبه تحقق تجليه بالباعث لأعلى صورة للهدى يتحملها موجود ، فسبحانه من باعث بر رحيم كريم على مبعوث له بر كريم ، وليظهر على عباد الله بما بعثه الله به من بره وكرمه وعلمه وفضله ، فيتكرموا بأحسن بر الله الكريم ، وقد قال الإمام علي عليه السلام في نهج البلاغة يعرفنا حقائق كريمة عن بعثة الأنبياء :[اختيار الأنبياء]

 وَاصْطَفى سبحانه : مِنْ وَلَدَهِ ( ولد آدم ) أَنْبيَاءَ أَخَذَ عَلَى الْوَحْيِ مِيثَاقَهُمْ وَعَلَى تَبْليغِ الرِّسَالَةِ أَمَانَتَهُمْ ، لَمَّا بَدَّلَ أَكْثَرُ خَلْقِهِ عَهْدَ الله إِلَيْهِمْ ، فَجَهِلُوا حَقَّهُ ، واتَّخَذُوا الاََْنْدَادَ مَعَهُ ، وَاجْتَالَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ عَنْ مَعْرفَتِهِ ، وَاقتَطَعَتْهُمْ عَنْ عِبَادَتِهِ .

 فَبَعَثَ فِيهمْ رُسُلَهُ: وَوَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِياءَهُ ، لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ ، ويُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ ، وَيَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بَالتَّبْلِيغِ .

وَيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ ، وَيُرُوهُمْ آيَاتِ الْمَقْدِرَةِ : مِنْ سَقْفٍ فَوْقَهُمْ مَرْفُوعٍ ، وَمِهَادٍ تَحْتَهُمْ مَوْضُوعٍ ، وَمَعَايِشَ تُحْيِيهِمْ ، وَآجَالٍ تُفْنِيهمْ، وَأَوْصَابٍ تُهْرِمُهُمْ ،وَأَحْدَاثٍ تَتَابَعُ عَلَيْهِمْ .

 وَلَمْ يُخْلِ الله سبحانه خَلْقَهُ مِنْ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ ، أَوْ كِتَابٍ مُنْزَلٍ ، أَوْ حُجَّةٍ لاَزِمَةٍ ، أَوْ مَحَجَّةٍ قَائِمَةٍ .

 رُسُلٌ لا تُقَصِّرُ بِهِمْ قِلَّةُ عَدَدِهِمْ ، وَلاَ كَثْرَةُ المُكَذِّبِينَ لَهُمْ : مِنْ سَابِقٍ سُمِّيَ لَهُ مَنْ بَعْدَهُ ، أَوْ غَابِرٍ عَرَّفَهُ مَنْ قَبْلَهُ ، عَلَى ذْلِكَ نَسَلَت القُرُونُ ، وَمَضَتِ الدُّهُورُ ، وَسَلَفَتِ الاَْباءُ ، وَخَلَفَتِ الاََْبْنَاءُ .

 [ مبعث نبينا الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ]

إِلَى أَنْ بَــعَـــثَ الله سبحانه محمداً صلى الله عليه وآله

لاِِِنْجَازِ عِدَتِهِ وَتَمامِ نُبُوَّتِهِ .

 مَأْخُوذاً عَلَى النَّبِيِّينَ مِيثَاقُهُ ، مَشْهُورَةً سِمَاتُهُ ، كَرِيماً مِيلادُهُ .

 وَأهْلُ الاََْرْضِ يَوْمَئِذٍ مِلَلٌ مُتَفَرِّقَةٌ ، وَأَهْوَاءٌ مُنْتَشِرَةٌ ، وَطَرَائِقُ مُتَشَتِّتَةٌ ، َبينَ مُشَبِّهٍ للهِِ بِخَلْقِهِ ، أَوْ مُلْحِدٍ في اسْمِهِ ، أَوْ مُشِيرٍ إِلَى غَيْرهِ ، فَهَدَاهُمْ بهِ مِنَ الضَّلاَلَةِ ، وَأَنْقَذَهُمْ بمَكانِهِ مِنَ الجَهَالَةِ .

 ثُمَّ اخْتَارَ سبحانه لُِمحمد صلى الله عليه لِقَاءَهُ ، وَرَضِيَ لَهُ مَا عِنْدَهُ ، فَأَكْرَمَهُ عَنْ دَارِ الدُّنْيَا ، وَرَغِبَ بِهَ عَنْ مُقَارَنَةِ البَلْوَى ، فَقَبَضَهُ إِلَيْهِ كَرِيماً .

 وَخَلَّفَ فِيكُمْ مَا خَلَّفَتِ الاََْنْبيَاءُ في أُمَمِها ، إذْ لَم يَتْرُكُوهُمْ هَمَلاً ، بِغَيْر طَريقٍ واضِحٍ  ، ولا َعَلَمٍ قَائِمٍ .

وبهذه الكلام الطيب : البر لأمير المؤمنين البار عرفنا كثير من غرض بعثة الأنبياء وشرفهم ، وكيف يصطفيهم الله ويختارهم لكي يعلموا عباده معارف شؤون العظمة وهداه ، ويحبوه بكل سبيل جميل يوصلهم لبره ، فيظهروا بنور تجلي الأسماء الحسنى ويبرهم ويكرمهم ويعلمهم ويهديهم الله البر الكريم العليم الهادي لكل ما به صلاحهم وخيرهم ونعيمهم الأبدي ، وبالخصوص بما ظهر في نبي الرحمة وخاتم الرسل صلى الله عليه وآله وسلم من نورها ، حتى كان مأخوذا على الأنبياء ميثاقة لأنه أكرم من بعثه الله بأعلى هدى ومعرفة ، وهكذا بشروا به وعلمه الطيبون وآمن به كل المؤمنون .

وقد عرفنا يا طيب : في نور اسم الله الوفي كيف تجلى الله الوفي على نبيه إبراهيم عليه السلام بالإمامة فجعله إماما ، وإنه طلب أن تكون الإمامة لذريته أيضا ، وعرفنا إنها اختصت بآله ، وإن أتم مظهر لها كريم بنبينا وآله إلى أخر الدهر ، وبالإضافة لما عرفت من شؤون طلب الإمامة لذريته ، طلب عليه السلام بدعاء شريف من الله أن يبعث فيهم رسولا يعلمهم الكتاب والحكمة وقد حكى الله الباعث عنه هذا الطلب بقوله تعالى :

{ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ

وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ و َيُزَكِّيهِمْ  إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }البقرة129 .

وبهذه المعارف العظيمة : عرفنا الله الباعث شأن المبعوث العظيم صلى الله عليه وآله وسلم وإنه عنده الكتاب والحكمة والتي هي ملك الله العظيم كما عرفت في آية :

{ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ الله مِنْ فَضْلِهِ

فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا } النساء54 .

 وإن الناس المحسودون في زمان نبينا وبعده هم : هو وآله صلى الله عليهم وسلم ، وإنه لهم كان شأن تعليم الكتاب والحكمة إمام بعد إمام إلى يوم القيامة .

وبمعرفة هذه الحقائق من تجلي الله الباعث : وما بعث به فبر الأبرار وطلبنا الكون معهم ، بل حبب لنا أن نتوفى ونبعث معهم لأنه بهم نتزكى ونتطهر بعد أن طهرهم تطهيرا وآتاهم الكتاب والحكمة وكل معارف دينه القيمة فحبوه وحبهم وأمرنا بحبهم ليحبنا إن أخلصنا له بدينهم .

 وبهذا بعث الله نبينا الكريم : وجعل آله الطيبين محافظين لتعاليمه طاهرين عما يخالف تعريف شؤون عظمته ودينه إلى يوم الدين ، فكانوا أئمة الحق والأبرار الكرام الذين ثبتوا معه وبعده في كل موقف ومشهد ، فسبحانه من رب عظيم وباعث بار كريم وفي ، بعث أكرم رسول ودين وجعل كرام آله صلى الله عليهم وسلم معلمين لعباده المؤمنين الطيبين.

ويا طيب : هذه سورة الجمعة التي فيها صلاة الجمعة في يوم الجمعة والذي هو عيدا للمؤمنين ، وما فيه من مكارم خطبة صلاة الجمعة التي تعرف البر من الله وما يطاع به من تعاليم الأبرار الذين جعلهم الله تعالى البر أئمة محافظين على ما بعث به أكرم الرسل ، وفيها الله الباعث البر تعالى يعرفنا كيف خص نبينا الأكرم فبعثه بالكتاب والحكمة بل ويزكي ويطهر عباده من الشرك وظلم النفس ، وإنه هو الملك العظيم الذي شرفه في الدنيا به ، بل ويبعثه عليه في الآخرة كما ستعرف وهو العزيز الحكيم الحميد ، وبهذه السورة نعرف الثابتين معه وبالخصوص أميرهم وإمامهم ووصيه وخليفته أمير المؤمنين فتجلى عليه بأكرم بعث للتشريف بعد بعث رسوله بل جعله قرينه ووليه وأخيه ووزيره والهادي بعده كما عرفت ، وقد قال الله الباعث تعالى :

{ بسم الله الرحمن الرحيم : يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ

 الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)

هُوَ الَّذِي بَــــعَـــــــثَ فِي الأُمِّيِّينَ

رَسُـــولاً مِنْهُـمْ

يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُـزَكِّيـهِـمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِـتَــابَ وَالْحِكْـمَــةَ

وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ (2) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ

وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)

ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَالله ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4)

مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ الله وَالله لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5)

قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوْا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (6) وَلاَ يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَالله عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ

 ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (8)

يَا أ َيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ الله وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ الله وَاذْكُرُوا الله كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)

وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمً قُلْ مَا عِنْدَ الله خَيْرٌ مِنْ اللهوِ وَمِنْ التِّجَارَةِ وَالله خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11) } الجمعة .

وهذا بعث الله الباعث : وما بعث به أعظم مبعوث في الوجود وأكرمهم وأعظمهم هدى ودين وخُلق وبكل وجوده وصفاته صلى الله عليه وآله وسلم ، فكان له أشرف ما تجلى وأكرم ما خص من نور تجلي أسماءه الحسنى وصفاته العليا وبكل نور واسع وأكمل بر له وبه يهدي به عباد الله البر الباعث ، ويُعلم به كيفية الظهور بهداه ويزكينا ، ليبعثنا نحف به في المقام المحمود ، إن صدقنا وآمنا وعلمنا وعملنا بنور هداه حقا وقد قال الله الباعث البار لنبينا المبعوث :

{ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَـكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودً (79) وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80) وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81) } الإسراء .

ويا طيب : لكي نحف بالمقام المحمود مع نبينا وآله صلى الله عليه وآله وسلم حين نبعث ، فلابد أن ندخل من باب الحق بصدق فنقتني ونحب الكتاب والحكمة وناسها الذين خصوا بها ، ولا نحسدهم أو نحب من نحسدهم ، بل نأخذ ديننا وما بعث الله به نبينا وكرمنا به من الثابتين مع النبي الكريم في المواقف المشهودة ، والتي حكاها الله كما عرفت في بدر وأحد وخيبر وحنين ، وبالخصوص يوم الكتاب والحكمة كما عرفت في سورة الجمعة فإنه حكى الله بها نزول دينه وبعث نبينا بهداه ، وحكى عن ناس في المسلمين مثل اليهود يحملون أسفارا ونزل على نبيهم كتاب وورثوه ولكن لم يفقهوه بل مثل الحمار يحمل أسفار ، بل حكى الله اختلافهم عن رسول الله وفروا من هداه كما في سورة الجمعة لبيع وتجارة ولهو وتركوه ، قائما يصلى هو ونفر قد ثبتوا معه في صلاة الجمعة وكلهم يقر لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب بالإمامة بعده ، وكانوا هؤلاء النفر القليل الثابتين مع رسول الله وعلي بعده يقرون لهم بالولاية والتسليم المطلق، ولم ينحرفوا عنهم ولم يرضوا بأن يقصوه من خلافة رسول الله ودافعوا عنه بكل ما آتاهم الله من قوة ، راجع الباب الأخير من صحيفة النبوة .

ولكن عهد الله أن يختبر العباد : ويداول الأيام بين الناس ليصدق المؤمنون الثابتون مع الأبرار حقا ويكونون معهم لا ممن يهجرهم لأقل دنيا أو خوف ، كما هجروا النبي وفروا للتجارة وفي المواقف الصعبة في غزواته ، فتركوه للهب الأسنة والرماح ، لولا وليه وأخيه يدور حوله يذب عنه ويحتمي به بما قواهم الله من السكينة ، وهذه صلاة الجمعة وسورتها تعرفنا بحق أهل الكتاب والحكمة الأبرار الذين لهم ملك القلوب والدين والهدى وهو ملك الله العظيم كما عرفت .

والله ملك الدنيا يداوله : فتبع ملوك الدنيا ناس حتى لو كان ليس بحق به و غصبوا بل تعدوا على خلافة رسول الله وحتى على مالك الملك الخاص في فدك وغيرها من حقوق رسول الله وبيت بنته بعد وفاته، ومنعوا الحسن أن يدفن في بيت أمه فاطمة صلى الله عليهم وسلم ، وهكذا تمادوا فقتلوا أهل البيت في كربلاء بل في كل وقت نصبوا لهم الحرب في يوم السقيفة وفي يوم فدك والجمل وصفين والنهروان وغيرها .

وقد فاز من عرف حكمة الله : في التمحيص وبلائه لأوليائه وعباده ليعرف الثابتين في المواقف الصعبة مع أولياءه الذين أمر بودهم وملكهم الكتاب والحكمة ، وما برهم الله البر بهداهم الحق فعبدوه به مخلصين له الدين ، ممن تبع أهل الدنيا وزينتها ولو ليس لهم حق وقد عرفت آيات الانقلاب وهذه آيات التمحيص والبلاء للمسلمين فيصفى منهم المؤمنون المخلصون ويفوز من تولى الأبرار وأئمة الحق وقد قال تعالى :

{ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ (2)وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ الله الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)}العنكبوت.

{ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ الله أَضْـغَـانَـهُـمْ (29) وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ  فَلَعَرَفْتَهُمْ  بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَالله يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) وَلَنَبْلُوَنَّكُـــمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31) وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِــــي لَهُمْ خَيْرٌ ِلأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (178)

مَا كَانَ الله لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ

مِنْ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ الله لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ

 وَلَكِنَّ الله يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِالله وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179) } آل عمران .

فهذه آيات كريمة : تعرفنا بأنه قد يُملك الله من لم يثبت أو لم يكن مؤمن ، ويملكه ويملي له لتظهر أضغانه وخبثه وليزداد إثما هو ومن ينصره في زمانه أو بعده من أتباعه ومن نصره بالسيف والقلم والكلام ، ولكنه العاقبة للمتقين ويتخذ من المتقين شهداء كما عرفت في حقيقة اسم الله الشهيد وفي قوله تعالى :

{إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ

وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُـــدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ

وَلِيَعْلَمَ الله الَّذِينَ آمَنُوا

وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَالله   لاَ يُحِــبُّ الظَّالِمِينَ (140)

وَلِيُمَحِّــصَ الله الَّذِينَ آمَنُوا    وَيَمْحَـــقَ الْكَافِرِينَ (141)

 أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ الله الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَتَمَنَّوْن الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143)

وَمَا محمد إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انـْقـَلَـبـْتـــُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ الله شَيْئًا وَسَيَجْزِي الله الشَّاكِرِينَ (144)} آل عمران .

فهذه آيات كريمة : تعرفنا إنه الله يداول الأيام بين الناس ، ومن المؤمنين المتقين الثابتين يأخذ شهداء يشهدون صدق المؤمنين الثابتين معهم ، فيمحص سبحانه ويختبر ويبتلي ليأخذ شهداء ، وهم أئمة الدين الثابتون مع رسول الله وبعده ، ولم يفروا من هداه لا في يوم الجمعة ولا في حنين ولا في خيبر ولا في أحد  ، بل كانوا قادة المؤمنين وأئمتهم الأبرار المطهرون الذي اصطفاهم الله وأختارهم وهم آل النبي وقرباه وأميرهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، وراجع تفسير سورة الجمعة لتعرف أمير الثابتين مع النبي وسيد الباقين مع النبي بل توفى النبي وهو في حضنه يفتح له أبواب العليم ، وقد ذكر تفسير سورة الجمعة المفسرون والرواة وعرفونا إنه كان الثابت ، وفر للهو والتجارة من تحكم على المسلمين بعد رسول الله وبقي علي ، ومن تبعه يأخذ الحكمة من بابها علم رسول الله فيدخل مدينته بحق ، فيستقي معارف الكتاب والحكمة فيبر في عبوديته ويبره الله بكرامته فيجعله يتوفى مع الأبرار .

وحينها حين يبعث الناس : يأتي شهيد الأمة والمأخوذ من الثابتين ليشهد لهم لأنهم أخذوا هدى الله الهادي منه فكانوا مهتدين به وهاديهم بعد رسول الله كما عرفت في قوله تعالى : إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ، وإن علي بن أبي طالب الثابت في كل المواقف بحق هو الهاد والشهيد بإذن الله بعد رسول الله وهو أخيه وصيه ، وهو الذي يعرف من ثبت معه بعد إن اتخذه الله شهيدا على المؤمنين ووليا وأميرا لهم بحق ، فيصدقهم ويتكلم في الموقف يأذن به الرحمان فيقول صوابا ولم يزكي غير المؤمنين حقا ، فيُعرف الثابتين معه والمهتدون بهديه بإذن الله ، ويطرد ممن أنقلب عنه فيخسر كل وجوده .

كما قال الله الباعث الشهيد : الذي يتخذ شهداء من الثابتين وهم أئمة المؤمنين وأميرهم من آل محمد صلى الله عليهم وسلم ويبعثهم تعالى فيؤذن لهم بالكلام والشفاعة كما عرفت في اسم الله المولى وفي آيات الكرسي وفي قوله :

{ وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا

ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (84) وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُو الْعَذَابَ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ (85) وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قالوا رَبَّنَا هَؤُلاَء شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ (86) وَأَلْقَوْا إِلَى الله يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (87) الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ الله زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ العَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88)

 وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنفُسِهِمْ

وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاَء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)

 إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَــاءِ ذِي الْقُــرْبَـى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ الله إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلاَ تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ الله عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ الله يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلاَ تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ الله بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) وَلَوْ شَاءَ الله لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (93) وَلاَ تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ الله وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94) وَلاَ تَشْتَرُوا بِعَهْدِ الله ثَمَنًا قَلِيلاً إِنَّمَا عِنْدَ الله هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (95) مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ الله بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (96) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) } النحل .

والله هذه الآيات مع سورة الجمعة وما شابهه : تعرفنا أئمة الحق الذين ندعى بهم يوم القيامة وهم شهداء الله على عباده بعده وبعد رسوله حيث يبعث من كل أمه شهيد من أنفسهم يؤخذ ، ويأتي رسول الله شهيد عليهم كلهم وهو صاحب الكتاب والحكمة وآله وقرباه الذين أمرنا أن نأتيهم ، لا القربى المبعدون عن الله لو كان مخالف لرسول الله .

 بل قربى النبي وآله : الصادقون أهل آية المباهة والأبرار ، هم باب مدينة رسول الله والأبرار الذين طهرهم معه وجعلهم في نور أسماء الحسنى يتجلون بتعريف دينه بكل ثبات ، وبكل وجودهم وتصرفهم لم يلههم مله عن ذكر الله كما عرفت في آيات البيوت المرفوعة، والتي هي بعد آيات نور الله المشرق من بكل كرامة من أسماءه الحسنى كما عرفت في اسم الله النور وهو في بيت النبي الأكرم كما عرفت في قوله تعالى :

{ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ

 يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36)

رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمْ الله أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالله يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38) }النور.

والمؤمن : الذي يبعثه الله يدعى بإمامه ويشهد له ويشهد له رسول الله فيكون معه يحف به في المقام المحمود ، وله الجزاء الأوفى لأنه حب القربى وأخذ دين الله منهم لأنهم اصطفاهم الله فبرهم وجعلهم أبرار ، وحب أن يحشر معهم و على صراطهم المستقيم لكل نعيم الله دنيا وآخرة وهو ثابت معهم لم ينقلب ولم يفر ، وقد نجح في اختبار الدنيا ولم يتبع كل متسلط معاند لأئمة الحق وآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم .

فإنه يعرف إن الله الباعث الشهيد البار المولى : له في خلقه شؤون ويداول الأيام بين الناس ويريد الثبات مع الثابتين في يوم الجمعة وفي كل المواقف ويراجع تفسيرها ، فيتولى من ثبت ويعرف أميرهم وإمامهم بعد رسول الله ومن أقر له الثابتون ، بل الله أتخذه شهيد وولي وإمام حق وخليفة ووزير من آل النبي وقرباه فيحبه ، ويأخذ دينه منه كله ويدخل بصدق لمدينة حكمة وعلم رسول الله ، ولم يخلطه بفكر المنقلبون وأبتاعهم ومن يزكي الظالمين الغاصبون لإرث آل محمد والحكومة الظاهرية ، بل يتبع الحق والحكومة الدائمة لهم فيحشر معهم بارا عند المقام المحمود .

فالمؤمن يوم البعث : يبعث مع الشهداء وأئمة الحق والهداة بالكتاب والحكمة ولم يحب من يحسدهم ولا يحب أن يحشر مع من ظلم آل محمد ومن حاربهم ، ولا من تبع من ضل عن أئمة الحق ، والمنقلبون مع المنقلبين والذين يعبدون الله على حرف فيتبع أهل الدنيا ومن تسلط بدون فكر ويخدع بظاهر تسلطهم ، بل المؤمن يجد في معرفة الحق ويعرف إن هذه الدنيا دار بلاء واختبار ، وفاز حزب الله الذين أميرهم ولي الله الذي أعطى الزكاة وهو راكع وهو باب مدينة علم الله وهداه وآله معه المحافظون على معارف الكتاب والحكمة بحق ، ولم يفر ولا ينقلب أبدا عن الصراط المستقيم للمنعم عليهم الأبرار ، ولم يتولى الضالين المغضوب عليهم من أعداء نبينا وآله الكرام .

فالمؤمن : يتدبر الآيات كلها التي عرف معناها في كل شرح الأسماء الحسنى وبالخصوص في اسم الله الباعث ويعرف الثابتين أهل الكتاب والحكمة مع رسول الله وبعده فكانوا شهداء بعده وأئمة حق ، فيأتي القـربى ويأخذ منهم هداه ليشكره الله ويتوفه مع الأبرار .

والمؤمن يسأل الله البر : أن يبعثه مع أئمة الحق ويدعى بهم ليكون معهم فيشهدوا له بإيمانه ويكرمه معهم ويجعله يحف بهم ومعهم في كل موقف في يوم القيامة الطويل : على الحوض ، وتحت لواء الحمد ، وعند المقام المحمود ، وعلى ضفاف الكوثر ، وفي فردوس الجنان ، يحف بأئمة الحق الشهداء الأبرار أولياء الله عند مليك مقتدر ، وله مقام صدق عنده ، وذلك لأنه الآن في الدنيا آمن بالله البر الباعث الشهيد الحسيب وحسب نفسه وحاسبها بحق  ، ولم يحسب أن يترك سدى أبدا ولا أنه يمكنه أن يعبد الله بفكر كل مدعي للإمامة ولو تسلط ظاهرا وبذل المال للوعاظ ليزكوه ويصححوا فعله وفكره وظلمه حتى في قتال وقتل سيدا شباب أهل الجنة وأمير المؤمنين .

والمؤمن : لا يتخذ المضلين عضدا ولم ينصر ضلالهم وفكرهم ويبرر فعلهم وتصرفهم الظالم ويقول حرب سلطه لا حرب دين ، ويعبد الله بخلاف الكتاب والحكمة والهدى الواقعي فيهما ، والذي خص به أئمة الحق ، ويتوب من كل من فعل مخالف لهم ، ويسأل الله أن يبعثه تائبا عابدا صالح برا تقيا يجعله مع أئمة الحق وشهداءه الفضيلة والكرامة والمجد الإلهي ، ويحب أن يبعث معهم فيتدبر كتاب الله وسنة نبيه والأبرار ، ويعرف تفسير ما ذكر في كل الأسماء الحسنى وهنا في أسمه الباعث ، وكل آيات المعاد فيؤمن بالله تعالى بما يحب ويرضى حتى يحب أن يحشر مع الأبرار وأئمة الحق وشهداء الله على عباده ويؤمن بما قال الله الباعث تعالى :

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنْ الْبَـعْـثِ

 فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ( 5)

 ذَلِكَ بِأَنَّ الله هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6)

 وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ الله يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7)

 وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي الله بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُنِيرٍ (8) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ الله   لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (10)

وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ الله عَلَى حَرْف ٍفَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) يَدْعُوا مِنْ دُونِ الله مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13)

 إِنَّ الله يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ : جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (14) مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنصُرَهُ الله فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15) وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ الله يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ الله يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17)

أَلَمْ تَرَى أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ : مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنْ الله فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18)

 هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ : فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22)

 إِنَّ الله يُدْخِلُ : الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23)

 وَهُدُوا إِلَى الطَّيّـِبِ مِنْ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24)} الحج.

فالمؤمن : طيب يحب الطيبين ويعرف إن الصراط الحميد والقول الطيب للشهداء الأبرار وأئمة الحمد ، والذين عليهم الرسول شهيد ، والله الباعث البر من ورائهم محيط وشهيد ، فيتخذ الأخيار فيبرهم ويجعلهم أئمة يهدون للصراط الحميد وصراط المنعم عليهم الأبرار الذين خصهم البر الباعث الشهيد بالكتاب والحكمة ، وأمر الناس بودهم ليهدوهم للصراط المستقيم ولكل نعيم معهم في المقام المحمود عند الله الحميد ، والذي بعث رسوله وجعله آله المقربون معه ومعهم من تبعهم بهداه فعمل صالحا فودهم معه ، ليشكر الله الشكور الغفور سعيهم ويغفر ذنوبهم كما عرفت في آيات القربى وفي سورة الحمد والجمعة وغيرها ، ولم يكن يحمل أسفار كالحمار لا يهمه من ركبه وتسلط عليه فيسير به ويخدم ضلاله حتى يلاقي أجَله السيئ وقد عرفت عذابه.

بل المؤمن : يكون من الذين شكرهم الله وبرهم ، وجعلهم مع النبي وآله في صراط محمود منعم عليهم أبرار ، حميد مشكور سعيهم وتجاوز عن كل قصور لهم ، بل عمن حبهم فيبعثهم شهداء الحق لعباده المؤمنين ، وهو الشهيد الذي يصدقهم .

 فيا الله يا باعث يا شهيد يا ولي يا تواب : بحق من اصطفيت من خلقك واخترتهم وبررتهم بالكتاب والحكمة ، برنا بمولاتهم ، والدخول من بابهم لمدينة رضاك وبرك بصراط مستقيم لكل هدى ونعيم لهم ، فتجعلنا مع نبينا وآله الطيبين الطاهرين صلى الله عليهم وسلم ، قد تبت علينا وغفرت لنا وتشكر سعينا وتحمد فعلنا فتجعلنا نحف بالمقام المحمود عندك آمنين مكرمين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين ، يا باعث يا شهيد يا وفي يا تواب إنك الله الولي الحميد الباعث الشهيد الغفور التواب .

 

   

أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.msn313.com

يا طيب إلى أعلى مقام صفح عنا رب الإسلام بحق نبينا وآله عليهم السلام


يا طيب إلى فهرس صحيفة شرح الأسماء الحسنى رزقنا الله نورها