هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في  أصول الدين وسيرة المعصومين
صحيفة التوحيد الإلهي / الثانية / للكاملين / شرح الأسماء الحسنى الإلهية

 

التَّوَّابُ

النور التاسع والثمانون

 

التَّوَّابُ : الذي يتجاوز عن تقصير المقصرين في حقه ، فلم يؤاخذهم بذنوبهم حين رجوعهم إليه وتوبتهم ، بل يصلح حالهم معه ويتهيئوا بعدها لكرامته ، وهو مبالغة من قابل التوب ، والتائب : المنيب الراجع للتواب ولقابل التوب والمصلح لحاله معه بتوبته ، فيعفوا عن ذنبه ، أو يغفره ، أو يستره ، ولا يؤاخذه به ويصلحه معه .

 

الإشراق الأول :

الله التواب في التجلي الخاص والعام  :

إن الله تعالى هو التواب الحق : بل يحب التوابين وهو حبيب التوابين ، وقابل التوب ، فمن يرجع لله ويصفي نفسه مع الله التواب يخلصه من كل تبعات ذنوبه ، بل يحبه ويغفر له ويستر عليه ، بل يعفو عنه ويذهب بكل آثر له ، بل يبدل سيئاته حسنات ، فسبحانه من حليم بر ودود رحيم تواب ساتر غفار عفو كريم .

فهو الله التواب الرحيم : لأنه سبحانه حين يوجد الخلق من تجلي نور أسماءه الحسنى برحمته ، فقد طهر الوجود وأصلحه وأعده لكي يستقبل بركات نوره بما يناسبه حتى يصل لأحسن غاية له ، وليكون في كل حال مستعد حتى يفيض الله عليه ما به صلاحه وكماله حتى يسعد بوجوده ويتم غرضه فينال الكرامة منه ، لأنه سبحانه ودود لطيف رءوف رحيم يحب خلقه وقد هيئهم لكرامته ولكل جميل وحسن يناسبهم ، ولذا أتقن وجودهم وأحسن تكوينهم لكي لا يكون مجال لما يفسد حقيقتهم ويبعدهم عن نيل بركات نور الأسماء الحسنى ولكل شيء بما يناسبه ، وإذا حصل ما يفسد شيء في التكوين وفي كائن تجلى عليه التواب بما يرجعه لكرامته ويصلحه حتى يوصله لأحسن غاية له، بل لحلمه بل لكرمه ورحمته ابتداء أصلح كل ما خلقه وجعله حسنه وكرمه بنور أسماءه الحسنى بحسب شأنه وجعله بأحسن صورة ممكنة يستحقها بمرتبته في الوجود ، فكيف إذا شيء أو عبد طلب الإصلاح من الله تعالى وتوجه له وعزم على التخلي عن كل فاسد ومفسد وظلم لنفسه وغيره ، فكيف لا يصلحه الله التواب الطاهر الستار الغفور بل العفو الغفار ، بل الزكي المزكي المطهر الجواد الكريم البر الودود الجليل .

 

الإشعاع الأول : التوجه لله التواب يصلح الوجود :

فالله التواب : إذا توجه له موجود وأصلح نفسه وطلب من الله التواب أن يصلحه ، جعله الله التواب مستعدا لكي ينال أكرم فيضه وبركاته ، وأصلحه ورفع كل ما يمنع من تجلي الأسماء الحسنى عليه ، إما بتجلي نور الغفور فيغر الذنب أو الستار فيستره أو العفو فيمحي أثره ، أو الغفار الكريم فيقلب سيئاته حسنات ويجعله مستعد ومتهيئ لنيل كل كرامة وخير من نور الأسماء الحسنى حتى ليجعل شأنه كبيرا جليلا عظيما في كل وجوده وصفاته وأحواله .

بل من يتوجه لله الرب الكريم الوكيل التواب والبر : بحق ويُرجع له كل وجوده ليصلحه فيتوكل عليه بكل أحوله ، ويصلح نفسه بالتوبة دائما ، والرجوع لله بالتوجه له بكل ما يقدم عليه من علم وعمل ، فيطلب صلاحه ولو من غير وجود مفسد عمله فضل عن خُلقا له ، بل بنفسه يرجع لله متوكلا عليه ابتداء ليجعله في أحسن حال لنيل كرمه ، وأفضل استعداد لتجلي رحمته ، وبأكرم حال متهيئ لما يصلحه ويكمله ، وهو يسعى بفضل الله دائما لطلب نور الكرامة والمجد والهدى منه بحق ، فإن الله فيضه عام وتوفيقه الابتدائي والثانوي بما يمد كل شيء حسب حاله وتوجه له لا مانع منه ، فحينئذ له كل رحمة وود ولطف وكرم وجود وهدى ، فيتجلى عليه الله بكل نور جمال وجلال مما يجعله لم يخطر عليه ما يفسد استعداه الأولي الفطري الذي خلقه حسن متقن كريم أبدا في طول عمره ، فيعصمه من الخطأ والفساد فيطهره بل يطهره تطهيرا ، فيكون صالحا مستعدا متهيئا بكل وجوده وأحواله لكل نور يتجلى من الأسماء الحسنى كلها ، وبأكرم وأعظم تجلي ممكن لممكن خلقه ، فيكون نبينا مرسلا أو وصيا له وأمير الأبرار وسيدهم في زمانه ويأمر المؤمنين أن يطلبوا منه جمال نوره ، فيكون قدوة لهم و يتعلموا منه ما يصلحهم ، فينالوا البر ويكونوا معه أبرارا ، فسبحانه من رب باعث تواب بر كريم جليل جواد .

 

الإشعاع الثاني: إذا تجلى الله التواب بالتجلي الخاص على عبد:

أصلحه بكل وجوده وصفاته وأفعاله وسيرته وسلوكه وعلمه وعمله ، وكل ما ينتسب له حتى يستعد ويتهيأ لينال كل كرامة ممكنة أن تتجلى من نور أسماءه الحسنى الظاهر في الوجود ، بل حتى يرفعه فيجعله أفضل قابل لنور هداه والظهور به ، فيكون إما نبيا أو مرسلا أو وصيا لنبي وإمام حق فيشرح هدى الله ويظهر بنوره بكل وجوده وبكل ما ينتسب له .

وخير من تجلى عليه الله التواب : نبينا الكريم محمد وآله الطيبين الطاهرين صلى الله عليهم وسلم ، فأصلحهم وطهرهم تطهيرا ، وتجلى عليهم بأعظم كرامة ومجد وبأتم ظهور لنور هداه وبأكمل دين علما وعملا ، بل ووجودا وصفاتا وأخلاقا وسيرة وسلوكا ، فإنه النبي كان يستغفر الله من غير ذنب ، بل لكي يعد نفسه لنزول الوحي الإلهي ولتلقي فيض الكرامة ، وإنه قد أصلح نفسه بأعلى وأجمل توجه لله تعالى وتوكل عليه وفوض الأمر إليه بأحسن توكل وتفويض لممكن ، فتهيئ بأفضل استعداد لمخلوق بتوفيق الله ليظهر نور العظمة والكرامة والمجد فيه ، والله تعالى لما علم إنه اطهر خلقه وقد وفى له في التوجه له وتطهير نفسه ، كرمه فطهره تطهيرا وطهر آله معه فخلصه من كل شائبة شرك وشك ومعصية وفساد أو شيء يبعد عن رحمته وتجلي نور الكمال من أسماءه الحسنى ، فحبه الله ووده وبره وكرمه بأعلى وأعظم نور للمكن يمكن أن يُستقبل منه ، فخص نبينا الكريم وآله بهداه والظهور به بكل حال لهم ، كما عرفت في آيات التطهير والنور والبيوت المرفوع ذكر رجالها المختصة بالنبي الكريم وآله ، وبهذا ظهرت علومهم خالصة في تعليم دين الله وبكل ما يُعرف شؤون عظمة الله حتى كان الإسلام أكمل دين قويم وبأفضل هدى وتعاليم تُصلح البشر كلهم إلى يوم القيامة ، وتهبهم الكمال بأعلى مظهر في الوجود ، وبصراط مستقيم يقود لكل نعيم دائمي خالد دنيا وآخرة ، وليس فيه ضلال أبدا ولا ذرة متصورة من غضب الله على أهل الحق فيه أبدا ، بل لهم كل كرامة وبر وفضل وتزكية وتطهير وعلم ، بل ورثوا الكتاب بحق حتى كانوا الراسخون بعلمه ، ومطهرون مثله من كل ما يخالف هدى الله ، فسبحان من رب تواب طاهر زكي رحيم ، وبر كريم صادق شهيد مجيد .

وإن الله تعالى التواب الرحيم : قد عرفنا تطهير أهل البيت في آية التطهير وعاتب من عاندهم ، وهكذا في آية المباهلة والولاية والقربى والكوثر وغيرهن ، وعرفنا أهل دينه الذين استعدوا بكل وجودهم وتهيؤا بكل علمهم وعملهم لكي ينالوا نوره التام الكامل في الوجود ويتجلوا به بأحسن مظهر لممكن كما عرفت ، حتى أمرنا أن نأتي النبي الكريم فنطلب منه أن يستغفر لنا فيغفر الله لنا ذنوبنا ويتوب علينا ، وهكذا أمر أهله أن يؤمنوا لدعائه ليرفع في آية المباهلة ، بل أمرنا أن نودهم في آية القربى ليتجلى علينا بالحسنات المضاعفة بكل بركة وخير ، بل يحققنا بنور أسمه الغفور الشكور كما عرفت في نور تجلي اسم الله الودود ، فسبحان الله الغفور الشكور التواب الرحيم البر الودود الكريم الجليل الجواد .

 

 

 

 الإشعاع الثالث : المؤمن تواب يتوجه لله التواب :

والمؤمن : يجب أن يتوب دائما ومن كل ما يبعده عن الله تعالى ومن كل فاسد أرتكبه ، لكي يعد نفسه لتتجلى عليه الأسماء الحسنى فتغفر وتعفوا وتستر ما فسد منه ، ثم تهيئه لكي تتجلى عليه الأسماء الحسنى التي تصلح وجوده بكل كرامة من الله التواب الرحيم الستار الغفور العفو الكريم الودود البر سبحانه .

فالمؤمن : تواب كثير التوبة ويتوجه لله التواب بكل وجوده ليصلحه معه ويهبه نوره بأحسن وجه ممكن ، ولم يصر على معصية ولو كانت صغيرة ولا يحبها ، ويتألم من وقوعها له أو لغيره بل حتى من عدوه ، فيرفض كل باطل وظلم وعدوان وحرام وسيء وخبيث وطغيان، وهوى نفس ليس في حلال طيب طاهر ، ويبتعد حتى في فكره عن خطرات الضلال ووساوس الشيطان وتسويل النفس ، وتسويفها عما يصلحه مع الله ، وما يوصله لكمال نور هداه ودينه ونعيمه الذي يتجلى نوره من كرم الله ومجده ، فيتوب لله ويتوكل عليه ليجعله بأتم هداه ، فيتوب إذا أخطا ولا يسوف لأنه يعلم ويعمل بقوله تعالى :

{ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ

تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (119) } النحل

ويعلم : { إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى الله لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ الله عَلَيْهِمْ وَكَانَ الله عَلِيماً حَكِيماً (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قال إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18) } النساء .

والمؤمن منتبه لا يُسلم لعدوه لأنه يتوجه لله ليخلصه :

{ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِالله إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)

إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَان

ِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ (201) ....

 وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ  (205) إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206) } الأعراف .

 

الإشراق الثاني :

كلام في التوبة وأسسها وحقائقها :

يا طيب : طلب التوبة من الله التواب من ضروريات الإسلام ، ويجب على الإنسان المؤمن أن يتوب دائما ، وفي كل يوم ، بل في كل آن ، ولو من غير معصية ، وذلك لكي يعد نفسه ويهيئها لتنال رحمة الله وكل كرامة تتجلى من الأسماء الحسنى كلها بما يناسب صلاحه واستعداده لتقبل فيض الله وتجلي كرامته ، وإن المكان الدنس الوسخ بالذنوب لا يتجلى عليه نور الأسماء الحسنى ولا كرامة من الله له ما دام مصر على البقاء في المعصية والفساد ، وغير مستعد لها ولم يتوجه لله بالتوبة ليطهر محل وجوده ومحيطه وملكه وصفاته وأفعاله وسيرته وسلوكه ، فينال الكرامة والمجد من نور الله الذي يبقى للعبد المؤمن أبدا بنعيم وسعادة وفرح وسرور ، ولا إمهال ولا استدراج فيه ، وكما يكون للعاصين الذي يُمدون ببعض العطاء الدنيوي ومُلك فاني ينغصه المرض والهم والغم في طلبه وجمعه وصرف ، ولا اطمئنان روح معه مهما كبر وبقي لسنوات عديدة في أيام عمر العاصي ، ثم له ما له من العذاب .

فإنه لكي يبقى نور الأسماء الحسنى : مع الكرامة والمجد للعبد أبدا لابد أن يكون العبد نظيفا طاهرا من الذنوب كلها ، ويخلص من تبعاتها بتجلي الله التواب عليه ، إما بغفران الذنوب أو بسترها أو تبديلها حسنات ، أو أن يعفو عنها بمحو أثرها وجعل روح الإنسان وملكه وتصرفه وسلوكه صالحا لتجلي نورا كريما منه فيكون له ثواب جزيل عظيم في مجد الله وفضله المعد لأوليائه المخلصين .

ولذا الله تعالى : عرفنا هذه الكرامة للتوبة وتطهير المحل وصلاحه وإصلاحه حتى يجعله متقبل لنور الله الكامل التام ، وبأعظم نور نزل وتجلى من الأسماء الحسنى للنبي وآله الكرام ولمن تبع الحق وسار في صراط مستقيم لهداه الذي فيه كل كرامة ونعيم ، وفي آيات كثيرة مثل آيات التطهير والفتح وتعريف شأنه الكريم .

وذلك لأن النبي وآله كانوا يستغفرون ويتوبون : ويصلحوا أنفسهم من غير ذنب ، بل يتوجهون لله تعالى بأكمل توجه وأتم طهارة في المعرفة لشؤون عظمة الله ومجده وكرامته النازلة على العباد ، ولذا نقل في هذا المجال أحديث كثيرة عن استغفار نبينا الكريم في اليوم سبعين مرة أو ثلاثمائة وستون مرة أو في كل مجلس خمسة وعشرون مرة ، أو غيرها من الألفاظ التي تعلمنا طاهرة وجوده وقدسه وصفائه مع الله تعالى وتهيئه واستعداده لنيل كرامة الله .

 وهكذا نقلت أدعية وأحاديث كثيرة : تعرفنا كيفية التوبة وآثارها وكيف تتم التوبة لله بألفاظ الاستغفار وغيرها ، حتى كانت معارف التوبة ومما يجب أن يتوب منه العبد وآثار التوبة والذنوب وزمانها وكيف تُكتب الحسنات والسيئات وكيف تمحى ، وكل ما يقال في التوبة وما يناسبها قد تُكون هذه المعارف كتاب قد تتعد أجزاءه ، ولكن هنا نذكر بعض الأحاديث ، وقد ذكرنا بعض الأدعية الطويلة في صحيفة الطيبين من موسوعة صحف الطيبين في أدعية التوبة ، فراجع صلاة الليل وما بعدها من أدعية الاستغفار ، وقد وضعت فيها ساعة في منبه يدق تنبه العبد الطيب لعمله في كل وقت ، وهل هو في طاعة الله ليشكر ربه ، أو قد خالف والعياذ بالله ليستغفر ربه ويتوب ، فإن الله تواب رحيم يغفر جهل عبده إن أخلص له فصفى محل روحه وفكره وعلمه وعمله عن المعصية والذنوب ، وحب أن يتطهر ويخرج منها صادقا لينال الكرامة عنده ، فسبحانه تواب غفور عفو غفار لمن تاب وأمن وعمل صلاحا ثم اهتدى ، أي طلب طاعته من المنعم عليهم وأهل الصراط المستقيم .

وهذه يا طيب : بعض الأحاديث في ضرورة التوبة نذكرها ، لأن التوبة مهمة في تعاليم الدين الإسلامي الحنيف الطاهر ، وضرورية جدا لإصلاح المحل الروحي والعلمي والعملي لنا،  ليتوب الله علينا ويصلحنا ، فيرفع كل فاسد من فكر وعلم وعمل من وجودنا ، وليزكينا فيهب لنا كل نور من تجلي أسماءه الحسنى وبركاتها ، ولا يستغني عبد عن التوبة والرجوع لله والإنابة إليه حتى ولو تصور نفسه لم يعص الله طرفة عين ، لأن التوبة بنفسها رجوع لله وتوكل عليه ، وفيها تفويض الأمر إليه لكي نصلح ونستعد لكل كرامة تأتي من عنده لمؤمن حب الله ، وحبه الله التواب الرحيم الذي يحب توابين ويحب المتطهرين فيهبهم بره ورحمته .

 

الإشعاع الأول :

ضرورة المبادرة للتوبة الحقيقية والإيمان بالهدى الحق  :

يا طيب : لابد للإنسان أن يتطهر بالتوبة ويرجع الله ويتضرع له فيخلص له التوبة والإنابة ، ولا يرضى ببقاء تبعات الذنوب عليه فيظهر بقبول السيئات والظلمات للأعمال القبيحة والخبيثة ، والتي تأتي من العلم والعمل الراضي بالظلم والضلال ، والطغيان عن الانصياع للحق وعدم قبول نور الله المتجلي من كمال فيض الأسماء الحسنى ، فإنه يمر عليه الزمان وليس له محل قابل لنور كرمها بل مشغول بالسيئات وجوده ، ليس له من نور الله وتزكيته وتطهيره شيء ، ويصير مظلم وجوده وله ما له ، وهذا ليس من شأن العبد المؤمن والمسلم المسلّم أمره لله ، فلذا جاءت الآيات والروايات الكثير في ضرورة التوبة وتعجليها وعدم التسويف والمماطل بالإصرار على البقاء في ظلمات المعاصي ، ومن آيات طلب التوبة :

قوله تعالى : { وَأَطِيعُوا الله وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)

 وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَالله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)

وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ

 ذَكَرُوا الله فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ الله وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135)

 أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ  (136) } آل عمران .

وقد عرفت : إن التوبة هو التوجه لله لغفر الذنوب وتبعاتها فيصلح المحل لنيل كرمه ، وإنه إذا لم يأخذ تعالى الآن بالذنب فيظهر عقابه كله وآثاره السيئة فلحلمه ، ولأن رحمته سبقت غضب ، وإنه يمهل لعله يرجع له العبد فهو الطيف الودود الكريم الحليم ، وإنه إذا تاب العبد لابد أن يأتي بالطاعة ، والطاعة هي كما عرفت في أول الآيات هو الإيمان بالله وبرسوله وما أنزل عليه ، بل قد عرفت بعده يجب أن نطيع قرباه الذين كرمهم بالتطهير وخصهم بالولاية والإمامة والهدى بعده ، وهذه المعرفة أمانة الله وأمرنا بها حين نزكي الناس وبالخصوص أئمتهم ونؤمن بأنهم هم المعرفون لدين الله بعد رسوله ولذا قال تعالى :

{ إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ الله نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ الله كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا    أَطِيعُوا الله

وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ    وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ

فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ الله وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِالله إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ الله مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً  بَلِيغًا (63)

وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ الله

وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ

جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا الله وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا الله تَوَّابًا رَحِيمًا (64) فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65) وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوْ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68)

وَمَنْ يُطِعْ الله وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا (69)

ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنْ الله وَكَفَى بِالله عَلِيمً (70) }النساء .

يا طيب : بعد إن عرفنا في الآيات قبل هذه الآيات إن يجب أن نطيع الله والرسول لتنزل علينا الرحمة ، ثم إن يجب أن نسارع في التوبة والخيرات ، وفي هذه الآيات كان أول التوبة من الضلال وقبول الإيمان بالتوجه لله وقبول دينه وإطاعة أولي الأمر بعد وجوب إطاعة الله ورسوله ، وإنه حين نختلف يجب أن نرجع لله ورسوله ، وهم الذين يعرفونا ولي الأمر وصراط الله الذي يجب أن نسلك له به ، وقد عرفت إن الله ورسوله عرفونا ولي الأمر بعد رسول الله في كثير من الآيات والروايات سواء ما ذكرنا منها هنا في شرح الأسماء الحسنى ، أو راجع كتب الإمامة المعدة في بيان ولي الأمر والإمام الحق الذي يهدي لصراط مستقيم ، وقد اصطفاه الله وعرفه هو بما وهبه من نور وجوده ، ورسوله بكثير من مواقفه وسيرته وسلوكه ، فضلا عن الآيات والروايات النازلة في شأنه الكريم ، وهذه أمانه يجب أن نحافظ على معرفتها وتعريفها والسير وفق الحق الصادع من ولي الأمر فيها .

فهذه الآيات أعلاه : كانت تعرفنا إن يجب أن نطيع ولي الأمر لنعرف منه دين الله وهداه القيم الذي يطاع به الله تعالى ، وإذا خالفناه فقد عصينا وأذنبنا بكل طاعة لتعاليم غيره وبكل مخالفة لهداه وهذه ذنوب كبيرة توجب الإصرار على عدم التوبة وعدم الطاعة لله ، وهذه موجبة لأكبر الموانع من تجلي الله التواب علينا ، وموجبة لعدم غفرانه ولعدم عفوه عنا ، بل لا تكون طاعة لنا ولا توجه لله بهداه بدون هدى ولي الأمر المختار لله تعالى ، تدبر الآيات وأعرف إن ولي الأمر حقيقة واقعة في تعاليم الدين وهو المولى و الإمام والهادي والشهيد والبر الذي يجب أن نطيعه بعد رسول الله .

وقد ذكرنا هذا بطوله يا طيب : لأنه من أسس التوبة هو الإيمان بالحق ، والدخول تحت ولاية الله المولى بكل أبعاده فأن الله التواب تعالى قال :

{ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى }طه82.

فالمهتدي : له إيمان وعمل صالح والله تعالى قد قال :

{ إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ }الرعد7.

فالله تعالى هو الهادي : ولكنه جعل له في الأرض هداة للصراط المستقيم هم الذين يوصلون لهداه ونعيمه بحق ، ولا ضلال في علمهم وعملهم ، بل هم الولاة وأئمة الحق الذين يجب أن يكون المؤمن الواقعي التائب الذي يصلح نفسه بكل علمه وعمله وتوجهه لله منهم ومعهم ، فيعمل بما علموه من الهدى الحق ، وبعد أن يرفض كل ظلام وضلال لأعدائهم وكل ما أمروا به مما يخالف هدى أولي الأمر وأئمة الحق الذين اصطفاهم الله تعالى وكرمهم بهداه حقا ، ثم يتوجه لله ليغفر ذنوبه ويتوب عليه ويصلحه ليستعد لتلقي كل كمال يتجلى من أسماءه الحسنى وفضل الله الودود البر الكريم ، ويطلب من الله ويستغفره مباشرة كما يطلب من رسوله وأئمة الحق حين الخطأ وارتكاب ذنب أن يستغفروا له ليصلحه الله ، وليعرفه هداه الذي خصهم بهم ويتوله بما كرمهم الله وبه يتوجه له وبصراط المستقيم ، كما عرفت في الآيات الأولى ، وبكل هذا يجب أن يبادر ويسارع للتوبة ، والأحاديث في التوبة وكيفيتها كثيرة وهذه قسم منها في المسارعة لطلب التوبة .

قال الإمام علي عليه السلام :

 لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل ، و يسوف التوبة بطول الأمل ،  يقول في الدنيا بقول الزاهدين و يعمل فيها بعمل الراغبين .

 بادروا في مهل البقية و أنف المشية و انتظار التوبة و انفساخ الحوبة .

 بادروا و الأبدان صحيحة و الألسن مطلقة [فصيحة] و التوبة مسموعة و الأعمال مقبولة . ألا تائب من خطيئته قبل حضور منيته .

اتقوا الله تقية [تقاة] من دعي فأجاب و تاب فأناب وحذر فحذر  وعبر فاعتبر  وخاف فأمن ، إنما الكيس من إذا أساء استغفر و إذا أذنب ندم . خير العباد من إذا أحسن استبشر و إذا أساء استغفر .

 أفضل من طلب التوبة ترك الذنب [1].

 

 

الإشعاع الثاني :

حقائق التوبة بعد الإيمان بالحق الظهور بهداه قلبا وعملا :

يا طيب : بعد إن عرفنا ضرورة المسارعة للتوبة ، ووفق الهدى الحق المأخوذ بصراط مستقيم لمعرفة جلال الله وشؤون العظمة في خلقه وتجلي كرم هداه بصراط مستقيم ، ومن المنعم عليهم والمختص تعليمه بنبينا الكريم وبعده أئمة الحق من آله الطيبين الطاهرين صلى الله عليهم وسلم ، نعرج هنا على معارف كريمة في حقائق التوبة بعد الإيمان بالهدى الحق ، وهو أنه يجب أن يظهر الإنسان بالهدى الحق ويتحقق به ظاهرا بالعمل الصالح فقد عرفت إنه قال تعالى :

{ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ  لِمَنْ تَابَ   وَآمَنَ   وَعَمِلَ صَالِحًا    ثُمَّ اهْتَدَى }طه82 .

فإن الله التواب : تواب لمن يتوب فيؤمن بالحق من معارف شؤون عظمته وولايته في الأرض وخلفاءه لتعليم هداه بصراط مستقيم فيتعلم هداه بحق ، ثم يعمل صالح ويهتدي ، فإن الله التواب يصلح العبد ليتلقى الحق من هداه ، ولذا كان على العبد إصلاح نفسه بطلب الحق ومعرفته بحق من أهله ثم العمل به لتيم له نوره .

فيا طيب : إن الله تواب ولكن بشرط أن يتوجه له العبد حقيقة فيطيعه بهداه الحق الذي يُعلمه أولي الأمر ، وإن على العبد أن يقر بذنبه لله ويرجع عن خطيئته فيعطي كل ذي حق حقه ، حق الله أو العباد ، ويتعلم أسس التوبة وشروطها ، ويعزم على ترك المعاصي ، ويسارع بالتوبة الصادقة ويعاود التوبة دائما ويلح بها ، فعندها تهدم ذنوبه وتزيل خطيئته وتصلحه مع الله التواب ، فينزل الرزق والرحمة ويطهر قلبه ، بل يمحص ويستعد لفضل الله وتجلي الأسماء الحسنى بفضل الله التواب الرحيم الكريم ، وكما عرفت في الأحاديث أعلاه ، وإن يجب أن يعرف أهم شروط الرجوع لله تعالى بما أوجب على عباده ليصلحهم لينالوا كرمه وهداه ونعمه ، وهذا حديث شريف في بيان أهم شروط التوبة بالإضافة لما عرفت :

قال كميل بن زياد : سألت أمير المؤمنين عليه السلام عن قواعد الإسلام ما هي ؟ فقال قواعد الإسلام سبعة :

فأولها : العقل و عليه بني الصبر ,

 و الثاني : صون العرض و صدق اللهجة .

 و الثالثة : تلاوة القرآن على جهته .

و الرابعة : الحب في الله و البغض في الله .

 و الخامسة : حق آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم و معرفة ولايتهم .

و السادسة : حق الإخوان و المحاماة عليهم .

 والسابعة : مجاورة الناس بالحسنى .

قلت : يا أمير المؤمنين العبد يصيب الذنب فيستغفر الله منه فما حد الاستغفار ؟

 قال : يا ابن زياد التوبة .

قلت : بس ؟

قال : لا . قلت : فكيف ؟

قال : إن العبد إذا أصاب ذنبا يقول أستغفر الله بالتحريك .

قلت : و ما التحريك ؟

قال : الشفتان و اللسان ، يريد أن يتبع ذلك بالحقيقة .

 قلت : و ما الحقيقة ؟

قال : تصديق في القلب ، و إضمار أن لا يعود إلى الذنب الذي استغفر منه .

قال كميل : فإذا فعلت ذلك فأنا من المستغفرين ؟ قال : لا .

قال كميل : فكيف ذاك ؟ قال : لأنك لم تبلغ إلى الأصل بعد .

 قال كميل : فأصل الاستغفار ما هو ؟

قال : الرجوع إلى التوبة من الذنب الذي استغفرت منه ، و هي أول درجة العابدين ، و ترك الذنب .

و الاستغفار اسم واقع لمعان ست :

أولها : الندم على ما مضى .

و الثاني : العزم على ترك العود أبدا .

و الثالث : أن تؤدي حقوق المخلوقين التي بينك و بينهم .

و الرابع : أن تؤدي حق الله في كل فرض .

و الخامس : أن تذيب اللحم الذي نبت على السحت و الحرام حتى يرجع الجلد إلى عظمه ، ثم تنشئ فيما بينهما لحما جديدا .

و السادس : أن تذيق البدن ألم الطاعات كما أذقته لذات المعاصي[2] .

وجاء عن خطبة للإمام زين العابدين : في تعريف ضرورة التوجه لله بالطاعة في خطبة كريمة نختار بعض منها قال عليه السلام فيه :

فقدموا : أمر الله و طاعته و طاعة من أوجب الله طاعته بين يدي الأمور كلها ، و لا تقدموا الأمور الواردة عليكم من الطواغيت من فتن زهرة الدنيا بين يدي أمر الله و طاعته و طاعة أولي الأمر منكم ، و اعلموا أنكم و نحن عباد الله ، يحكم علينا و عليكم سيد حاكم غدا ، و هو موقفكم و مسائلكم فأعدوا الجواب قبل الوقوف ، و المساءلة و العرض على رب العالمين ، يومئذ لا تكلم نفس إلا بإذنه .

و اعلموا : أن الله تعالى لا يصدق يومئذ كاذبا ، و لا يكذب صادقا ، و لا يرد عذر مستحق ، و لا يعذر غير معذور ، بل له الحجة على خلقه بالرسل و بالأوصياء بعد الرسل ، فاتقوا الله عباد الله .

و استقبلوا من إصلاح أنفسكم : و طاعة الله ، و طاعة من تولونه فيها ، لعل نادما و قد ندم على ما قد فرط بالأمس في جنب الله ، و ضيع من حقوق الله ، فاستغفروا الله و توبوا إليه ، فإنه يقبل التوبة و يعفو عن السيئة ، و يعلم ما تفعلون ، و إياكم : و صحبة العاصين ، و معونة الظالمين ، و مجاورة الفاسقين ، احذروا فتنتهم و تباعدوا من ساحتهم .

و اعلموا : أنه من خالف أولياء الله ، و دان بغير دين الله ، و استبد بأمره دون أمر ولي الله ؛ في نار تلتهب تأكل أبدانا قد غابت عنها أرواحها ، و غلبت عليها شقوتها ، فهم موتى لا يجدون حر النار ، فاعتبروا يا أولي الأبصار ، و احمدوا الله على ما هداكم ، و اعلموا أنكم لا تخرجون من قدرة الله إلى غير قدرته ، و سيرى الله عملكم ثم إليه تحشرون ، فانتفعوا بالعظة و تأدبوا بآداب الصالحين [3].

و جاء عن الإمام علي كلمات كريمة في تعريف التوبة ، وهي كما عرفت بعد الإيمان بالهدى الحق وطلب التخلي عن باطل ومعصية فتكون التوبة وآثارها:

التوبة :

 ندم بالقلب . و استغفار باللسان .و ترك بالجوارح . و إضمار أن لا يعود .

 من أعطي التوبة لم يحرم القبول .

من لم يقبل التوبة عظمت خطيئته . ما أهدم التوبة لعظيم الجرم الندم استغفار . الندم على الخطيئة استغفار . من ندم فقد تاب .

 المقر بالذنوب تائب ، استغفر ترزق ، من استغفر الله أصاب المغفرة .  التوبة ممحاة [منجاة] . التوبة تستنزل الرحمة . إخلاص التوبة يسقط الحوبة . التوبة تطهر القلوب و تغسل الذنوب . ثمرة التوبة استدراك فوارط النفس . حسن التوبة يمحو الحوبة . من تاب فقد أناب . يسير التوبة و الاستغفار يمحص المعاصي و الإصرار [4].

 

 

الإشراق الثالث :

أقول العلماء في التوبة وحقائقها وشروطها وبعض أنواعها :

 

الإشعاع الأول :  قول الشيخ المفيد في التوبة :

قال الشيخ المفيد رحمه الله في أوائل المقالات القول في التوبة ، و أقول في التوبة بما قدمت ذكره عن جماعة الإمامية :

و من بعد ذلك : إنها مقبولة من كل عاص ما لم ييأس من الحياة ، قال الله عز و جل : وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قال إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَ لَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَ هُمْ كُفَّارٌ . و قوله سبحانه : حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قال رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى‏ يَوْمِ يُبْعَثُونَ .

 و لست أعلم بين أهل العلم كافة في هذا الباب اختلافا .

وقال القول في حقيقة التوبة أقول :

إن حقيقة التوبة : هو الندم على ما فات على وجه التوبة إلى الله عز وجل ، و شرطها : هو العزم على ترك المعاودة إلى مثل ذلك الذنب في جميع حياته ، فمن لم يجمع في توبته من ذنبه ما ذكرناه فليس بتائب ، و إن ترك فعل أمثال ما سلف منه من معاصي الله عز و جل ، و هذا مذهب جمهور أهل العدل و لست أعرف فيه لمتكلمي الإمامية شيئا أحكيه و عبد السلام الجبائي و من اتبعه يخالفون فيه .

وقال القول : في التوبة من القبيح ، مع الإقامة على مثله في القبح :

أقول : إن التوبة من ذلك تصح ، و إن اعتقد التائب قبح ما يقيم عليه ، إذا اختلفت الدواعي في المتروك و المعزوم عليه ، فأما إذا اتفقت الدواعي فيه فلا تصح التوبة منه . و هذا مذهب جميع أهل التوحيد سوى أبي هاشم الجبائي فإنه زعم :

 أن التوبة لا تصح من قبيح ، مع الإقامة على ما يعتقد قبحه ، و إن كان حسنا ، فضلا عن أن يكون قبيحا .

 وقال القول في التوبة من مظالم العباد :

أقول : إن من شرط التوبة إلى الله سبحانه من مظالم العباد الخروج إلى المظلومين من حقوقهم بأدائها إليهم ، أو باستحلالهم منها على طيبة النفس بذلك ، و الاختيار له فمن عدم منهم صاحب المظلمة و فقده ، خرج إلى أوليائه من ظلامته أو استحلهم منها على ما ذكرناه ، و من عدم الأولياء حقق العزم على الخروج إليهم متى وجدهم و استفرغ الوسع في ذلك بالطلب في حياته و الوصية له بعد وفاته ، و من جهل أعيان المظلومين أو مواضعهم حقق العزم و النية في الخروج من الظلامة إليهم متى عرفهم ، و جهد و أجهد نفسه في التماسهم ، فإذا خاف فوت ذلك بحضور أجله وصى به على ما قدمناه .

و من لم يجد طول : لرد المظالم سأل الناس الصلة له و المعونة على ما يمكنه من ردها ، أو آجر نفسه إن نفعه ذلك وكان طريقا إلى استفادة ما يخرج به من المظالم إلى أهلها .

 و الجملة في هذا الباب : أنه يجب على الظالمين استفراغ الجهد مع التوبة في الخروج من مظالم العباد ، فإنه إذا علم الله ذلك منهم قبل توبتهم و عوض المظلومين عنهم إذا عجز التائبون عن رد ظلاماتهم ، وإن قصر التائبون من الظلم فيما ذكرناه كان أمرهم إلى الله عز و جل ، فإن شاء عاقبهم و إن شاء تفضل عليهم بالعفو والغفران ، وعلى هذا إجماع أهل الصلاة من المتكلمين والفقهاء [5].

وبعد إن عرفنا : قول المفيد رحمة الله فهذه جملة من أقوال علماء الطائفة الحق كما ذكرها العلامة المجلسي في بحار النور عن المحقق الطوسي والعلامة الحلي والشيخ الطوسي وغيرهم ، فنذكرها لتعرف أهمية بحث التوبة وكثرة الأقوال فيها ، وذلك لأنها كما عرفت تصفي المحل وتمحي المانع ليتحلى فيض الأسماء الحسنى وجمال نورها على العبد التائب حقا  .

الإشعاع الثاني :

 أقوال الطوسي والعلامة والمجلسي وغيرهم في التوبة :

الأول : في وجوب التوبة :

قال المحقق الطوسي قدس الله روحه في التجريد : التوبة واجبة لدفعها الضرر .  ولوجوب الندم على كل قبيح أو إخلال بواجب . 

وقال العلامة رحمه الله في شرحه : التوبة هي الندم على المعصية لكونها معصية ، والعزم على ترك المعاودة في المستقبل لان ترك العزم يكشف عن نفي الندم ، وهي واجبة بالإجماع . ...  و إنها تجب من كل ذنب ، لأنها تجب من المعصية لكونها معصية ، ومن الإخلال بواجب لكونه كذلك ، وهذا عام في كل ذنب وإخلال بواجب . انتهى . 

 

الثاني : اختلف المتكلمون في أنه هل تتبعض التوبة أم لا ؟

والأول : ـ تتبعض ـ أقوى لعموم  النصوص وضعف المعارض ـ تعليق : فيجوز التوبة عن بعض الذنوب فعلا وإن بقيت عليه غيرها وإن كان خلاف الأدب مع الله تعالى وليس من شأن المؤمن الكامل ولكن الله رءوف رحيم حليم ستار  ـ .

...  وعلى هذا ينبغي : أن يحمل كلام أمير المؤمنين علي عليه السلام وكلام أولاده كالرضا وغيره عليهم السلام حيث نقل عنهم نفي تصحيح التوبة عن بعض القبائح دون بعض ، لأنه لولا ذلك لزم خرق الإجماع والتالي باطل فالمقدم مثله ، بيان الملازمة : أن الكافر إذا تاب عن كفره وأسلم وهو مقيم على الكذب ، إما أن يحكم بإسلامه وتقبل توبته من الكفر أولا ، والثاني خرق الإجماع لاتفاق المسلمين على إجراء حكم المسلم عليه ، والأول هو المطلوب ، وقد التزم أبو هاشم استحقاقه عقاب الكفر وعدم قبول توبته وإسلامه ، ولكن لا يمتنع إطلاق اسم الإسلام عليه .

الثالث : اعلم أن العزم على عدم العود إلى الذنب فيما بقي من العمر لابد منه في التوبة كما عرفت ، وهل إمكان صدوره منه في بقية العمر شرط ، حتى لو زنى ثم جب وعزم على أن يعود إلى الزنا على تقدير قدرته عليه لم تصح توبته ، أم ليس بشرط فتصح ؟

الأكثر على الثاني : ـ تصح ـ ، بل نقل بعض المتكلمين إجماع السلف عليه ، وأولى من هذا بصحة التوبة من تاب في مرض مخوف غلب على ظنه الموت فيه .

 وأما التوبة عند حضور الموت : وتيقن الفوت ، وهو المعبر عنه بالمعاينة ، فقد انعقد الإجماع على عدم صحتها ، وقد مر ما يدل عليه من الآيات والأخبار . راجع كتاب البحار الجزء السادس لمعرفة المزيد .

 

الرابع : في أنواع التوبة :

 قال العلامة رحمه الله : التوبة : إما أن تكون من ذنب يتعلق به تعالى خاصة . فهذا أولاً . أو يتعلق به حق الآدمي . وهذا ثانيا .

أولاً  : فقسمين معصية الله : فعل حرام ، أو عدم أداء واجب :

فالأول  : : إما أن يكون فعل قبيح كشرب الخمر و الزنا .فيكفي في التوبة منه الندم عليه والعزم على ترك العود إليه .

وأما الثاني : أو إخلالا بواجب كترك الزكاة والصلاة ، فتختلف أحكامه بحسب القوانين الشرعية :

 فمنه ما لابد مع التوبة من فعله : أداء كالزكاة .

 ومنه ما يجب معه القضاء : كالصلاة .

 ومنه ما يسقطان عنه : كالعيدين ، وهذا الأخير يكفي فيه الندم والعزم على ترك المعاودة كما في فعل القبيح .

وأما ثانيا :  وأما ما يتعلق به حق الآدمي :

  فيجب فيه الخروج إليهم منه : فإن كان أخذ مالا وجب رده على مالكه أو ورثته إن مات ، ولو لم يتمكن من ذلك وجب العزم عليه ، وكذا إن كان حد قذف ، وإن كان قصاص وجب الخروج إليهم منه ، بأن يسلم نفسه إلى أولياء المقتول ، فإما أن يقتلوه أو يعفوا عنه بالدية أو بدونها ، وإن كان في بعض الأعضاء وجب تسليم نفسه ليقتص منه في ذلك العضو إلى المستحق من المجني عليه أو الورثة .

 وإن كان إضلالا : وجب إرشاد من أضله ورجوعه مما اعتقده بسببه من الباطل إن أمكن ذلك .

واعلم : إن هذه التوابع ليست أجزاء من التوبة ، فإن العقاب سقط بالتوبة ، ثم إن قام المكلف بالتبعات كان ذلك إتماما للتوبة من جهة المعنى ؛ لأن ترك التبعات لا يمنع من سقوط العقاب بالتوبة عما تاب منه ، بل يسقط العقاب ويكون ترك القيام بالتبعات بمنزلة ذنوب مستأنفة يلزمه التوبة منه ، نعم التائب إذا فعل التبعات بعد إظهار توبته كان ذلك دلالة على صدق الندم ، وإن لم يقم بها أمكن جعله دلالة على عدم صحة الندم .

ثم قال رحمه الله : المغتاب : إما أن يكون قد بلغه اغتيابه ، أو لا .

  ويلزم الفاعل للغيبة في الأول : الاعتذار عنه إليه لأنه أوصل إليه ضرر الغم فوجب عليه الاعتذار منه والندم عليه . وفي الثاني : ـ أو لا ـ لا يلزمه الاعتذار ولا الاستحلال منه لأنه لم يفعل به ألما . وفي كلا القسمين يجب الندم لله تعالى لمخالفة النهي ، والعزم على ترك المعاودة  .

وقال المحقق في التجريد ، وفي إيجاب التفصيل مع الذكر إشكال . وقال العلامة ذهب قاضي القضاة : إلى أن التائب إن كان عالما بذنوبه على التفصيل وجب عليه التوبة عن كل واحدة منها مفصلا ، وإن كان يعلمها على الإجمال وجب عليه التوبة كذلك مجملا .  وإن كان يعلم بعضها على التفصيل وبعضها على الإجمال ، وجب عليه التوبة عن المفصل بالتفصيل وعن المجمل بالأجمال ، واستشكل المصنف رحمه الله إيجاب التفصيل مع الذكر لإمكان الاجتزاء بالندم على كل قبيح وقع منه وإن لم يذكره مفصلا . ثم قال المحقق رحمه الله : وفي وجوب التجديد إشكال .

 وقال العلامة قدس سره : إذا تاب المكلف عن معصية ، ثم ذكرها هل ، يجب عليه تجديد التوبة ؟ قال أبو علي : نعم بناءا على أن المكلف القادر بقدرة لا ينفك عن الضدين ، إما الفعل ، أو الترك ، فعند ذكر المعصية إما أن يكون نادما عليها ، أو مصرا عليها ، والثاني قبيح ، فيجب الأول .

وقال أبو هاشم : لا يجب لجواز خلو القادر بقدرة عنهما .

ثم قال المحقق : وكذا المعلول مع العلة . وقال الشارح : إذا فعل المكلف العلة قبل وجود المعلول هل يجب عليه الندم على المعلول ، أو على العلة ، أو عليهما ؟ مثاله الرامي إذا رمي قبل الإصابة ، قال الشيوخ : عليه الندم على الإصابة لأنها هي القبيح ، وقد صارت في حكم الموجود ، لوجوب حصوله عند حصول السبب .

 وقال القاضي : يجب عليه ندمان ، أحدهم : على الرمي لأنه قبيح ، والثاني : على كونه مولدا للقبيح ، ولا يجوز أن يندم على المعلول ، لان الندم على القبيح إنما هو لقبحه ، وقبل وجوده لا قبح .

الخامس : اعلم أنه لا خلاف بين المتكلمين في وجوب التوبة سمعا .

 واختلفوا في وجوبها عقلا ، فأثبته المعتزلة لدفعها ضرر العقاب .

 قال الشيخ البهائي رحمه الله : هذا لا يدل على وجوب التوبة عن الصغائر ممن يجتنب الكبائر لكونها مكفرة ، ولهذا ذهبت البهشمية إلى وجوبها عن الصغائر سمعا لا عقلا ، نعم الاستدلال بأن الندم على القبيح من مقتضيات العقل الصحيح يعم القسمين .

 وأما فورية الوجوب : فقد صرح بها المعتزلة ، فقالو : يلزم بتأخيرها ساعة إثم آخر ، تجب التوبة منه أيضا ، حتى أن من أخر التوبة عن الكبيرة ساعة واحدة فقد فعل كبيرتين ، وساعتين أربع كبائر : الاولتان ، وترك التوبة عن كل منهما ، وثلاث ساعات ثمان كبائر وهكذا .

 وأصحابنا يوافقونهم على الفورية ، لكنهم لم يذكروا هذا التفصيل فيما رأيته من كتبهم الكلامية . 

 

السادس: سقوط العقاب بالتوبة مما أجمع عليه أهل الإسلام .

 وإنما الخلاف في أنه هل يجب على الله حتى لو عاقب بعد التوبة كان ظلما ، أو هو تفضل يفعله سبحانه كرما منه ورحمة بعباده ؟ فالمعتزلة على الأول ، والأشاعرة على الثاني ، وإلى الثاني ذهب شيخ الطائفة في كتاب الاقتصاد ، والعلامة الحلي رحمه الله في بعض كتبه الكلامية ، وتوقف المحقق الطوسي طاب ثراه في التجريد ، ومختار الشيخين هو الظاهر من الأخبار وأدعية الصحيفة الكاملة وغيرها ، وهو الذي اختاره الشيخ الطبرسي رحمه الله ، ونسبه إلى أصحابنا كما عرفت ، ودليل الوجوب ضعيف مدخول ، كما لا يخفى على من تأمل فيه .

وقال الشيخ المجلسي : أقول : أثبتنا بعض أخبار التوبة في باب الاستغفار ، وباب صفات المؤمن ، وباب صفات خيار العباد ، وباب جوامع المكارم ، وسيأتي تحقيق الكبائر والصغائر والذنوب وأنواعها وحبط الصغائر بترك الكبائر في أبوابها إن شاء الله تعالى [6] . فراجع بحار النور لتعرف هذه التفاصيل .

وبعد إن عرفنا : بعض معاني التوبة وشروطها لعامة المسلمين ، نذكر حقائق أخرى في الإيمان والتوبة التي تخص المؤمنين الكاملين ، والذي يطلبون الكمال العظيم والشأن الجليل من الله ، لا مجرد مسلم عادي كما عرفت في أول البحث .

 

 

 

الإشعاع الثالث : كلام للديلمي في التوبة النصوح و شروطها :

قال الديلمي رحمه الله في إرشاد القلوب :

قال الله تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى الله تَوْبَةً نَصُوحاً .

يعني بالنصوح : لا رجوع فيها إلى ذنب .

 و قال تعالى : إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى الله لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ الله عَلَيْهِمْ . قوله : بِجَهالَةٍ يعني بمواقع العقاب ، و قيل : بعظة الله و أخذه للعبد بعصيانه حال المواقعة .

 ثم قال سبحانه : وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قال إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَ لَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَ هُمْ كُفَّارٌ .

نفى سبحانه قبول التوبة : عند مشاهدة أشراط الموت من العاصي و الكافر ، و إنما هي مقبولة ما لم يتيقن الموت ، فإنه تعالى وعد قبوله بقوله :  وَ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَ يَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ .

و بقوله عن نفسه : غافِرِ الذَّنْبِ ، وَ قابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ .

فالتوبة : واجبة في نفسها عن القبيح و عن الإخلال بالواجب .

ثم إن كانت التوبة عن حق الله تعالى : مثل ترك الصلاة و الصيام و الحج و الزكاة و سائر الحقوق اللازمة للنفس و البدن أو لأحدهما ، فيجب على التائب الشروع فيها مع القدرة ، أو العزم عليها مع عدم القدرة عليها في وقت القدرة ، والندم على الإخلال بها في الماضي ، و العزم على ترك العود .

و إن كانت التوبة عن حق الناس : يجب رده عليهم إن كانوا أحياء و إلى ورثتهم بعد موتهم إن كان ذلك المال بعينه ، و إلا فمثله ، و إن لم يكن لهم وارث تصدق به عنهم إن علم مقداره ، و إلا فيما يغلب على ظنه مساواته ، و الندم على غصبه و العزم على ترك العود إلى مثله .

و يستغفر الله تعالى : على تعدي أمره ، و أمر رسوله ، و تعدي أمر إمام زمانه ، فلكل منهم حق في ذلك يسقط بالاستغفار .

وإن كان توبته : عن أخذ عرض أو نميمة أو بهتان عليهم بكذب ، فيجب انقياده إليهم ، و إقراره على نفسه بالكذب عليهم والبهتان ، وليستبرأ لهم عن حقهم إن نزلوا ، أو يراضيهم بما يرضون به عنه .

 و إن كان عن قتل نفس عمدا : أو جراح ، أو شي‏ء في أبدانهم ، فينقاد إليهم للخروج من حقوقهم على الوجه المأمور به من قصاص أو جراح أو دية عن نفس عمدا إن شاءوا رضوا بالدية ، و إلا فالقتل بالقتل .

و إن كانت التوبة : عن معصية من زنى أو شرب خمر و أمثاله ، فالتوبة عنه الندم على ذلك الفعل و العزم على ترك العود إليه .

 و ليست التوبة : قول الرجل أستغفر الله و أتوب إليه ، و هو لا يؤدي حقه و لا حق رسوله و لا حق الناس ، فيقول الرجل هذا من دون ذلك استهزاء بنفسه و يجر عليها ذنبا بكذبه ، كما روي أن بعض الناس اجتاز على رجل و هو يقول : أستغفر الله ، و هو يشتم و يكرر الاستغفار و يشتم ، فقال السامع له استغفر الله من هذا الاستغفار و ترجع بل أنت تهزأ بنفسك[7] .

و قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

 أيها الناس : توبوا إلى الله توبة نصوحا قبل أن تموتوا ، و بادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا ، و أصلحوا بينكم و بين ربكم تسعدوا ، و أكثروا من الصدقة ترزقوا ، و أمروا بالمعروف تحصنوا ، و انهوا عن المنكر تنتصروا .

 يا أيها الناس : إن أكيسكم أكثركم للموت ذكرا ، و إن أحزمكم أحسنكم استعدادا له ، و إن من علامات العقل : التجافي عن دار الغرور ، و الإنابة إلى دار الخلود ، و التزود لسكنى القبور ، و التأهب ليوم النشور .

 

الإشراق الرابع :

أحاديث تحذر من الذنوب والمعاصي وترغب في التوبة :

عرفت يا طيب : إن التوبة هي عن ذنب المعصية لعدم الإتيان بالواجبات ، أو عن الخطيئة و السيئة الحاصلة مما حرمه الله وأرتكبه العبد ، فكانت له ذنوب وخبائث تحيط به تسوءه الآن أو يوم القيامة ، وهي قد تبعده عن نور تجلي الأسماء الحسنى عليه ، أو كانت مانعا من وصول فيضها ، فصارت حجاب عن نور الله بل تكون نارا وعذابا شديدا له وأمور مؤذية تنغص عليه الحياة ، سواء الحياة الدنيا وإنه لو خلص منها لأرتاح و لطمئنت نفسه في الدنيا ، و لحصل على كثير من الأمور التي تساعده لتحصيل السعادة والفرح والسرور بالحق ، وعلى ما تفضل الله به على عباده من أمور الدنيا ، كما إنها في الآخرة أشد عذاب وتنغيص وإيلام لأهل الذنوب ، وكل معصية أو ذنب لحرام له آثاره السيئة الخاصة ، وهي كثيرة ولها بحثا خاصا ، وقد ذكر قسم منها في دعاء كميل فقال :

اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شي‏ء ، وبقوتك التي قهرت بها كل شي‏ء ، وخضع لها كل شي‏ء ، وذل لها كل شي‏ء ، وبجبروتك التي غلبت بها كل شي‏ء، وبعزتك التي لا يقوم لها شي‏ء ، وبعظمتك التي ملأت أركان كل شي‏ء ، وبسلطانك الذي علا كل شي‏ء ، وبوجهك الباقي بعد كل شي‏ء ، وبأسمائك التي غلبت أركان كل شي‏ء ، وبعلمك الذي أحاط بكل شي‏ء ، وبنور وجهك الذي أضاء له كل شي‏ء ، يا نور يا قدوس ، يا أول الأولين و يا آخر الآخرين :

اللهم : اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم ، اللهم : اغفر لي الذنوب التي تنزل النقم ، اللهم : اغفر لي الذنوب التي تغير النعم ، اللهم : اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء ، اللهم : اغفر لي الذنوب التي تنزل البلاء ، اللهم : اغفر لي كل ذنب أذنبته ، و كل خطيئة أخطأتها ...

إلهي و سيدي : فأسألك بالقدرة التي قدرتها ، و بالقضية التي حتمتها و حكمتها و غلبت من عليه أجريتها ؛ أن تهب لي : في هذه الليلة و في هذه الساعة كل جرم اجترمته ، وكل ذنب أذنبته ، وكل قبيح أسررته ، وكل جهل عملته ، كتمته أو أعلنته ، أخفيته أو أظهرته ، وكل سيئة أمرت بإثباتها الكرام الكاتبين الذين وكلتهم بحفظ ما يكون مني و جعلتهم شهودا علي مع جوارحي ....

أسألك : بحقك و قدسك و أعظم صفاتك و أسمائك أن تجعل أوقاتي من الليل و النهار بذكرك معمورة ، و بخدمتك موصولة ، و أعمالي عندك مقبولة حتى يكون أعمالي و أورادي‏ كلها وردا واحدا ، و حالي في خدمتك سرمدا .

يا سريع الرضا : اغفر لمن لا يملك إلا الدعاء فإنك فعال لما تشاء .

يا من اسمه دواء ، و ذكره شفاء ، و طاعته غنى .
 ارحم من رأس‏ ماله الرجاء و سلاحه البكاء .
 

يا سابغ النعم ، يا دافع النقم ، يا نور المستوحشين في الظلم،  يا عالما لا يعلم ، صل على محمد و آل محمد و افعل بي ما أنت أهله و صلى الله على محمد و الأئمة الميامين من آله و سلم تسليما .

فهذه الذنوب : التي تهتك العصم وتنزل النقم وتحبس الدعاء وغيرها الكثير مما يتفرع على المذكورة في هذا الدعاء وغيره ، فإنه لابد للإنسان المؤمن أن يتخلص منها ، وقد عرفنا الإمام في دعاء كميل : إنه هذه الذنوب يجب أن نتوب منها وعرفنا في الدعاء الكامل بعض آثارها في عذاب النار ، وكيف نتوسل بالله تعالى لأن نتخلص منها وننال المكرمات ونور تجلي الأسماء الحسنى حتى ختم عليه السلام في آخر الدعاء بقوله: يا من أسمه دواء وذكره شفاء وطاعته غنى .

وهذه العبارات الثلاثة تعرفنا : بأن الذنوب جروح في حقيقة الإنسان ، وأمراض لروحه ، ويحتاج الإنسان لدواء ، وهو التوجه لله وسؤاله التوبة وطلب الاستغفار من هذه الذنوب ، بذكر أسماءه الحسنى وصفاته العليا وتريدها ، ليشفى الإنسان من هذه الذنوب ، ثم بإطاعته في كل تعاليمه يغنى ، يعني يحصل على نور الأسماء الحسنى التي ذكرها ، فيتكامل ويسموا في عالم الحقيقة والملكوت ، وفي كرامة الله ومجده وعزه فينال خيرا كثيرا ، ولذا ختم بالصلاة على النبي وآله وطلب الكون معهم ، وأنت تعرف إنهم في المقام المحمود .

وهنا يا طيب : نذكر بعض الأحاديث التي ترغبنا في التوبة والدعاء والتوسل بالله التواب : لكي يتوب علينا فيغفر لنا ذنوبنا ، ويكفر عنا سيئاتنا ويعفوا عن تقصيرنا وقصورنا ، ولكي يرتفع كل حجاب وحاجز عن نزول جود الله النازل من تجلي نور أسماءه الحسنى التي أمرنا أن ندعو بها ونتوسل بها إليه ، فضلا عن رفع الذنوب والسيئات والخبائث التي تحيط بنا نتيجة لتضييع حق الله في عدم إطاعته أو بارتكاب المحرمات ، بل عرفت مجرد الانشغال عن الله بالنسبة للإنسان الكامل والعارف والمؤمن الطيب المخلص ،هو تقصير أو قصور عن أداء شكر المنعم ، وإن لم تسمى ذنب في عرف المسلم العادي الذي سمح الله له أن يطلب رزقه ويتعامل ويتمتع بالمباحات بفضله ومنه وكرمه ولطفه ، ولكنه بدون ذكر الله وشكره على هذه النعم تقصير وخلاف الشيم الكريمة للمؤمن الطيب ، فكم من برنامج ووسيلة و ثمر وزينة ومال وولد وزوجة ومائدة أو متعة وسرور حببناه وفرحنا به ولم نشكر الله عليها ، وهذا خلاف الأدب وتقصير في شكر المنعم والرب الكريم الرحمان ، فلذا كانت التوبة مع الشكر قرينتان ، وإن التوبة حتى ولو لم تكن عن الذنب فهي مُصلحة للحال مع الله ومنزلة للخيرات والبركات منه تعالى ،ويمكن أن تكون توبة لعدم كون أوقاتنا في الليل والنهار معمورة في خدمة الباري تعالى ، ولا إنا كنا مجدين في خشيته ، بل نطب أن نكون من المشتاقين لذكره ومن السابقين المبادرين لا من الغافلين .

ولذا يا أخي : نذكر أحاديث شريفة تعرفنا خطورة الذنوب وأهمية التوبة ، وأحاديث ترغبنا بالتوبة والاستغفار ، وتحثنا على الطاعة بنحو الاختصار ، ثم نذكر أحاديث في بعض أدعية التوبة والاستغفار المختصرة ، وتوجد أدعية كثيرة في صلاة الليل في صحيفة الطيبين ، وفي مصباح الكفعمي وغيره ، تعرفنا أهمية الاستغفار وآدابه وكيفية فراجع ، فإنه جميلة ولو تقرأها في العمر مرة لترى قصورنا فضلا عن تقصيرنا.

وما أطلنا الكلام في التوبة : إلا لأنها ضرورية جدا كشكر المنعم ، بل هي دفع الضرر وإصلاح المحل لتجلي الأسماء الحسنى ، لأنه بعض الذنوب لا ينفع معها ذكر الله ، بل كم تالي للقرآن والقرآن يلعنه ، بل يذكر الله والله يلعنه لأنه له ذنوب وتقصير لم يكن له محل ولا مجال لأن تنزل عليه رحمة الله تعالى بوجودها ، ولذا يجب المصالحة مع الله تعالى وإصلاح النفس وتهيئتها لنزول بركات الله أولا ، ثم سؤاله بالأسماء الحسنى وطلب نورها ، بل بطلب نورها نطلب أن ترفع عنا النقم وما يهتك العصم وينزل البلاء وكل مبعد عنه .

 ولذا قد قالوا : أولا التخلي ، ثم التحلي ، ثم التجلي ، أي نتخلى عن موانع كرم الله من الذنوب ، وهذا هو اسم الله التواب كرمه مشع والأسماء الحسنى المتفرعة عليه فيضها عام لطيف رحيم رءوف مصلح كل فاسد من أمورنا ويرفع كل حاجة ونقص فينا ويصلحنا مع الله ، فيغفر الذنب ويزيل السيئة بل يمحي كل اثر خبيث نتيجة لقصور الإنسان وتقصيره فيعفوا عنه ، بل يبدل سيئاته حسنات ويقلبه من البعد للقرب من رحمته وكرمه ولطفه ، ومن الذل للكرامة عنده ، ومن الخسة والدناءة والنكران والكفران والنفاق ، للمجد والشرف الرفيع والشكر للسعي والثواب الجزيل ، ولأعلى درجة مُعدة لمؤمن طيب طاهر تاب وتوجه لله تعالى يطلب كرمه وفضله .

ويا طيب : قد عرفنا وجوب التوبة بضرورة الدين ، وعرفنا إنها لابد أن تكون بعد معرفة الحق أي أولها الإيمان بالله وبكل ما أوجبه من تعاليمه التي تؤخذ بصراط مستقيم من المنعم عليهم لنعرف هدى الله الحق فنلتحق بالمنعم عليهم ، ولذا كان الإيمان بالحق ضرورة من ضرورات الدين ، وهو أس الإيمان بكل هدى الله التواب ، وما أوجبه تعالى بهذا السبيل الصادق الحق لتعلم ومعرفة دينه القيم .

 ثم نحاسب أنفسن : عما أوجبه التقصير في طاعة الله ، أو حتى اللهو بالمباح دون شكرا لله ، ونتوب منه لنلتحق بالصديقين وأئمة الهدى الطيبين الطاهرين ونرتفع في درجات الإيمان ، كما وإن الحديث في محاسبة النفس له مجال آخر وهذه الأحاديث تشير إليه بصورة ما ولا يسعه هذا المختصر .

وهذه صحيفة للكاملين في شرح الأسماء الحسنى الإلهية : الذين يحبون أن يكونوا مؤمنين طيبين بحق ، وإنه يحبون أن يتطهروا مما يجعلهم في محل العتاب مع الله أو مع أئمة الحق في يوم القيامة بل هنا في هذه الدنيا ، فإن الله شهيد وأتخذ شهداء يشهدون أعمالنا بل علمنا وإيماننا ، بل الإنسان الكامل الطيب يكون من الذين يحبون أن يخلصوا لله كسادتهم وأئمتهم الطيبين الطاهرين ، ولذا توسعنا بالبحث بما عرفت وحببنا أن نعرف نور الله المتجلي من الأسماء الحسنى فإنه :

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى الله تَوْبَةً نَصُوحً

 عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِي الله النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نورهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نورنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }التحريم8 .

{ وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ

ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ}هود3.

{ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التواب الرَّحِيمُ } البقرة128 .

فالتوبة : النصوحة تكفر السيئات وتذهب بها وتدخلنا الهدى ونعيم الجنة ومتاعها الحسن ولها كل كرامة ولذا سنذكر أحاديث ترغبنا بالتوبة وبها وتحذرنا التسويف :

الإشعاع الأول :

أحاديث تحث على محاسبة النفس والتوبة من الذنوب :

يا طيب : إن الإنسان الطيب حين يتفكر بنفسه ومحيطه ونعم الله الكثيرة فيه ، وما يقرأه عن نعم الجنة وبهجتها ، والاطمئنان الحاصل له من معرفة عظمة الله وملكه وكرمه ، وكل ما يتفكر به فيرى فيه نعم الله المشرقة بنور الأسماء الحسنى كلها ، يرى حيف أن يفوته شيء منها ، فيرى إنه لابد أن يشكر نعم الله ولا يعصيه بها أو يصرفها في غير طاعته ، وإذا قصر في حق شيء لله أو لأدمي يجب أن يصلحه ، وهذا لا يتم إلا بمحاسبة النفس ، وتذكيرها في كل يوم ما عملت وأين جلست ، وهل عاشرت البطالين ومحل المفسدين ؟ أو هل باع أو شري حرام ؟ أو هل تكلم بالحرام وشجعه ؟ أو غيرها من الأمور المبعدة عن الله تعالى ، والتي يجب على الإنسان أن يخلص منها ، ولذا كانت المحاسبة من أهم الأمور المقربة من التوبة والمحصلة لها والمصلح للنفس المهيأة لنور الكرامة إيمانا وعلما وعملا :

فعن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

أنا الشجرة ، و فاطمة فرعها ، و علي لقاحها ، و الحسن و الحسين ثمرها ، و أغصان الشجرة ذاهبة على ساقها ، فأي رجل تعلق بغصن من أغصانها أدخله الله الجنة برحمته .

قيل يا رسول الله : قد عرفنا الشجرة و فرعها ، فمن أغصانها ؟

قال : عترتي ، فما من عبد أحبنا أهل البيت ، و عمل بأعمالنا ، و حاسب نفسه قبل أن يُحاسب ، إلا أدخله الله عز و جل الجنة [8].

وقال الإمام الحسن العسكري عليه السلام : ( مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) أي قادر على إقامة يوم الدين ، و هو يوم الحساب ، قادر على تقديمه على وقته ، و تأخيره بعد وقته ، و هو المالك أيضا في يوم الدين ، فهو يقضي بالحق ، لا يملك الحكم والقضاء في ذلك اليوم من يظلم و يجور ، كما في الدنيا من يملك الأحكام .

 قال و قال أمير المؤمنين عليه السلام : ( يَوْمِ الدِّينِ ) هو يوم الحساب .

 و قال سمعت رسول الله ص يقول :

أ لا أخبركم بأكيس الكيسين و أحمق الحمقى ؟ قالوا : بلى يا رسول الله .

 قال : أكيس الكيسين من حاسب نفسه ، و عمل لما بعد الموت ، و إن أحمق الحمقى من اتبع نفسه هواها ، و تمنى على الله تعالى الأماني .

 فقال الرجل : يا أمير المؤمنين و كيف يحاسب الرجل نفسه ؟

قال : إذا أصبح ثم أمسى رجع إلى نفسه ، فقال : يا نفس إن هذا يوم مضى عليك لا يعود إليك أبدا ، و الله تعالى يسألك عنه فيما أفنيتيه ، فما الذي عملت فيه : أ ذكرت الله ، أم حمدتيه . أ قضيت حوائج مؤمن ، أ نفست عنه كربة ، أ حفظتيه بظهر الغيب في أهله و ولده ، أ حفظتيه بعد الموت في مخلفيه ، أ كففت عن غيبة أخ مؤمن بفضل جاهك ، أ أعنت مسلما . ما الذي صنعت فيه فيذكر ما كان منه .

فإن ذكر : أنه جرى منه خير ، حمد الله تعالى ، و كبره على توفيقه .

وإن ذكر : معصية أو تقصيرا ، استغفر الله تعالى ، و عزم على ترك معاودته ، و محا ذلك عن نفسه بتجديد الصلاة على محمد و آله الطيبين ، و عرض بيعة أمير المؤمنين علي عليه السلام على نفسه ، و قبوله لها ، و إعادة لعن أعدائه و شانئيه و دافعيه عن حقه .

فإذا فعل ذلك قال الله عز و جل : لست أناقشك في شي‏ء من الذنوب مع موالاتك أوليائي ، و معاداتك أعدائي[9] .

وقال الإمام علي عليه السلام :

حاسبو أنفسكم تأمنوا من الله الرهب و تدركوا عنده الرغب .

حاسب نفسك لنفسك فإن غيرها من الأنفس لها حسيب غيرك .

حاسبو أنفسكم بأعمالها ، طالبوها بأداء المفروض عليها ، والأخذ من فنائها لبقائها ، و تزودوا و تأهبوا قبل أن تبعثوا .

حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، و وازنوها قبل أن توزنوا .

من حاسب نفسه سعد ، من حاسب نفسه ربح ، من حاسب نفسه   وقف على عيوبه   و أحاط بذنوبه   و استقال الذنوب   و أصلح العيوب [10].

ولذا يجب على المؤمن : حين يحاسب نفسه يحاسبها على الطاعات وعدم التقصير بها ، بل حقوق الأخوان والأهل أن لا يكون قصر فيها ، ويحمد الله ويشكره على الطاعات وذكره ، ويتوب بحق عن عيوبه ويصلح ما يمكن منها ، ولا يفرح بذنب أبدا ، فإن حب الذنب السابق والفرح به  يدل على الإصرار وحب المحرم ، والبعد عن الله ، ولا تصح معه توبة ، وتكون توبة منافق في هذا الجانب مع إيمانه الكلي ، وكذا لا يتوب توبة المنافق فينوي حين المعصية أن يتوب منها والآن عليه أن يعجل بالمعصية ، بل ينوي أن لا يأتيها ويستعيذ بالله من الشيطان أن يزين له هواه وأمرا خبيث حرمه الله ، ويتوسل بالله أن يخلصه من فكره المحرم بقدر الإمكان ويتذكر ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ومن شر نفسه ويذكر الله بتسبيحه وتقديسه ويكثر من قول :

سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، حسبي الله ونعم الوكيل ، واستغفر الله ، وأعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، ويحمد الله ويشكره على نعم يتذكرها ، ويصلي على النبي وآله .

 لا أن يرى المعصية مغنم يمكن أن يحصل عليه ثم يتوب منه بعد ، فإنه قد ينساه أو لا يغفر إلا بعد صدق التوبة النصوح ، ولصدق النية بعده عليه أن عمل صالح كبير وطاعات ، وقد لا يقدر عليها من يكون ضعيف النفس المرتكب للمحرمات ، والذي لا يراعي حرمة الله في أحواله بل يفكر بظلم العباد أو نفسه أو عدم الطاعة لله .

 

الإشعاع الثاني :

أحاديث تعرفنا أنواع الذنوب وسببها وتحذرنا منها :

يا طيب : ذكروا إن الذنوب من سبعة إلى سبعمائة أقرب ، وإن الإصرار على الصغيرة تعتبر كبيرة ، وإن المؤمن حي غيور يستحي أن يعصي الله تعالى ، ويغار على نفسه ودينه أن يفرط به ، فلذا تراه يحب أن يأتي بالواجبات ويبتعد عن المحرمات ، وإن ذكر كل الذنوب والمعاصي يخرجنا عن الموضوع ، ولكن نذكر بعضها والإنسان على نفسه بصير يعرف حاله في طاعة الله والمحرمات المبعد عنه تعالى وعدمها ، وإن أغلب المعاصي هي بسبب هوى النفس والشهوات وحب الراحة والملك والفخر والعجب في هذه الدنيا بأي صورة كانت ، ولو تفكر الإنسان بأن كل شيء يتركه لما حرص على جمعه إلا بالحلال ، بل ينفقه بالحلال وعلى أمر طيب طاهر  ، ولما وسوس له الشيطان الرجيم اللعين ولما تزينت له الدنيا وما فيها من الحرام أو التقصير بالواجبات ، وقد كتبت بهذا كتب ككتاب عقاب الأعمال من المحاسن للبرقي وكتاب ثواب الأعمال وعقابها للصدوق وغيرها ويطول المقام بذكرها ، وإن شاء الله يأتي بحث جامع في صحيفة الإمام الحسين عليه السلام فراجع ، فلذا نذكر بعض الأحاديث في بعض الذنوب وسببها و التي تحذرنا بصورة عامة منها أو من بعضها خاصة :

فعَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قال : قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم : بَيْنَمَا مُوسَى عليه السلام جَالِساً إِذْ أَقْبَلَ إِبْلِيسُ وَ عَلَيْهِ بُرْنُسٌ ذُو أَلْوَانٍ ، فَلَمَّا دَنَا مِنْ مُوسَى عليه السلام خَلَعَ الْبُرْنُسَ وَ قَامَ إِلَى مُوسَى فَسَلَّمَ عَلَيْهِ .

 فَقال لَهُ مُوسَى : مَنْ أَنْتَ ؟ فَقال : أَنَا إِبْلِيسُ . قال : أَنْتَ فَلَا قَرَّبَ الله دَارَكَ . قال : إِنِّي إِنَّمَا جِئْتُ لِأُسَلِّمَ عَلَيْكَ لِمَكَانِكَ مِنَ الله .

قال فَقال لَهُ مُوسَى عليه السلام : فَمَا هَذَا الْبُرْنُسُ  ؟ قال : بِهِ أَخْتَطِفُ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ .

 فَقال مُوسَى : فَأَخْبِرْنِي بِالذَّنْبِ الَّذِي إِذَا أَذْنَبَهُ ابْنُ آدَمَ اسْتَحْوَذْتَ عَلَيْهِ ؟

قال : إِذَا أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ ، وَ اسْتَكْثَرَ عَمَلَهُ ، وَ صَغُرَ فِي عَيْنِهِ ذَنْبُهُ .

وَ قال قال الله عَزَّ وَ جَلَّ لِدَاوُدَ عليه السلام : يَا دَاوُدُ بَشِّرِ الْمُذْنِبِينَ وَ أَنْذِرِ الصِّدِّيقِينَ ! قال : كَيْفَ أُبَشِّرُ الْمُذْنِبِينَ وَ أُنْذِرُ الصِّدِّيقِينَ ؟

قال : يَا دَاوُدُ بَشِّرِ الْمُذْنِبِينَ أَنِّي أَقْبَلُ التَّوْبَةَ وَ أَعْفُو عَنِ الذَّنْبِ ، وَ أَنْذِرِ الصِّدِّيقِينَ أَلَّا يُعْجَبُوا بِأَعْمَالِهِمْ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ عَبْدٌ أَنْصِبُهُ لِلْحِسَابِ إِلَّا هَلَكَ .

و قيل إن إبليس قال : و عزتك ، لا أزال أغوي ، و أدعو ابن آدم على المعصية ما دامت الروح في بدنه .

فقال الله تعالى : و عزتي و جلالي لا أمنعه التوبة حتى يعزب بروحه [11].

و قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

 الغيبة أشد من الزناء . فقيل : و لم ذلك يا رسول الله ؟

فقال : صاحب الزناء يتوب فيتوب الله عليه ، و صاحب الغيبة يتوب فلا يتوب الله عليه حتى يكون صاحبه الذي يحلله[12] .

 

و عن بعض أصحاب أمير المؤمنين قال صعد أمير المؤمنين عليه السلام المنبر بالكوفة : فحمد الله و أثنى عليه ثم قال : أيها الناس إن الذنوب ثلاثة ، ثم أمسك . فقال له رجل من أصحابه : يا أمير المؤمنين قلت الذنوب ثلاثة ثم أمسكت .

 فقال عليه السلام : ما ذكرتها إلا و أنا أريد أن أفسرها ، و لكن عرض لي شي‏ء حال بيني و بين الكلام . نعم الذنوب ثلاثة : فذنب مغفور ، و ذنب غير مغفور ، و ذنب يرجى لصاحبه و يخاف عليه .

قال : يا أمير المؤمنين فبينها لنا ؟ فقال : نعم :

أما الذنب المغفور : فعبد عاقبه الله في الدنيا على ذنبه ، و الله تعالى أحلم و أكرم أن يعاقب عبده مرتين .

و أما الذنب الذي لا يغفر : فظلم العباد بعضهم لبعض إن الله أقسم قسما على نفسه ، فقال : و عزتي و جلالي لا يجوز لي ظلم ظالم ، و لو كفا بكف ، و لو مسحا بكف ، و لو نطحا بين القرناء إلى الجماء ، فيقتص العباد بعضهم من بعض حتى لا يبقى لأحد على أحد مظلمة .

فأما الذنب الثالث : فذنب ستره الله على عبده و رزقه التوبة منه ، فأصبح خائفا من ذنبه راجيا لربه ، فنحن له كما هو لنفسه ، فيرجى له الرحمة [13].

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : و التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، و المصر على الذنب مع الاستغفار يستهزئ بنفسه ، و يسخر منه الشيطان [14].

وقال الإمام علي عليه السلام : و أوحى الله تعالى إلى داود احذر أن آخذك على غرة فتلقاني بغير حجة يريد التوبة [15].

و أن الرجل إذا قال : أستغفرك يا رب و أتوب إليك ثم عاد ، ثم قال ثم عاد ، ثم قال كان في الرابعة من الكذابين [16].

عن الباقر عليه السلام قال : وجدنا في كتاب علي عليه السلام : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال على المنبر :

 و الله الذي لا إله إلا هو ، ما أعطي مؤمن قط خير الدنيا و الآخرة إلا بحسن ظنه بالله عز و جل ، و الكف عن اغتياب المؤمن .

و الله الذي لا إله إلا هو : لا يعذب الله عز و جل مؤمنا بعذاب .

 بعد التوبة و الاستغفار له ، إلا بسوء ظنه بالله عز و جل و اغتيابه للمؤمنين [17].

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

و التوبة : على أربعة خصال : ندم بالقلب ، و عزم على ترك العود

و خروج من الحقوق ، و ترك بالجوارح .

و التوبة النصوح أن يتوب فلا يرجع فيما تاب عنه[18] .

و إن أمير المؤمنين عليه السلام خطب بالبصرة فقال : بعد ما حمد الله عز و جل و أثنى عليه و صلى على النبي و آله :

المدة و إن طالت قصيرة ، و الماضي للمقيم عبرة ، و الميت للحي عظة ...

ثم قال عليه السلام : معاشر شيعتي اصبروا على عمل لا غنى بكم عن ثوابه .

 و اصبروا عن عمل لا صبر لكم على عقابه ، إنا وجدنا :

الصبر : على طاعة الله أهون من الصبر على عذاب الله عز و جل .

 اعلموا أنكم في أجل محدود ، و أمل ممدود ، و نفس معدود .

و لا بد للأجل أن يتناهى ، و للأمل أن يطوي ، و للنفس أن يحصى .

  ثم دمعت عيناه وقرأ : وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ [19].

 

 

 

الإشعاع الثالث :

يجب أن نكتب الحسنات ونزيدها ونمسح السيئات :

عَنْ فَضْلِ بْنِ عُثْمَانَ الْمُرَادِيِّ قال سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله عليه السلام يَقُولُ :

قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم :

 أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ لَمْ يَهْلِكْ عَلَى الله بَعْدَهُنَّ إِلَّا هَالِكٌ :

يَهُمُّ الْعَبْدُ بِالْحَسَنَةِ : فَيَعْمَلُهَا ، فَإِنْ هُوَ لَمْ يَعْمَلْهَا ، كَتَبَ الله لَهُ حَسَنَةً بِحُسْنِ نِيَّتِهِ ، وَ إِنْ هُوَ عَمِلَهَا كَتَبَ الله لَهُ عَشْراً .

وَ يَهُمُّ بِالسَّيِّئَةِ : أَنْ يَعْمَلَهَا ، فَإِنْ لَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْهِ شَيْ‏ءٌ ، وَ إِنْ هُوَ عَمِلَهَا أُجِّلَ سَبْعَ سَاعَاتٍ ، وَ قال صَاحِبُ الْحَسَنَاتِ لِصَاحِبِ السَّيِّئَاتِ وَهُوَ صَاحِبُ الشِّمَالِ : لَا تَعْجَلْ عَسَى أَنْ يُتْبِعَهَا بِحَسَنَةٍ تَمْحُوهَا ، فَإِنَّ الله عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ : إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ .

أَوِ الِاسْتِغْفَارِ ، فَإِنْ هُوَ قال :

 أَسْتَغْفِرُ الله : الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمَ الْغَيْبِ وَ الشَّهَادَةِ الْعَزِيزَ الْحَكِيمَ الْغَفُورَ الرَّحِيمَ ذَا الْجَلَالِ وَ الأكرم وَ أَتُوبُ إِلَيْهِ . لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْهِ شَيْ‏ءٌ.

 وَ إِنْ مَضَتْ سَبْعُ سَاعَاتٍ وَ لَمْ يُتْبِعْهَا بِحَسَنَةٍ وَ اسْتِغْفَارٍ ، قال صَاحِبُ الْحَسَنَاتِ لِصَاحِبِ السَّيِّئَاتِ : اكْتُبْ عَلَى الشَّقِيِّ الْمَحْرُومِ [20].

وعَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قال : الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ إِذَا أَذْنَبَ ذَنْباً أَجَّلَهُ الله سَبْعَ سَاعَاتٍ ، فَإِنِ اسْتَغْفَرَ الله لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْهِ شَيْ‏ءٌ ، وَ إِنْ مَضَتِ السَّاعَاتُ وَ لَمْ يَسْتَغْفِرْ كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ ، وَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُذَكَّرُ ذَنْبَهُ بَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةً حَتَّى يَسْتَغْفِرَ رَبَّهُ فَيَغْفِرَ لَهُ ، وَ إِنَّ الْكَافِرَ لَيَنْسَاهُ مِنْ سَاعَتِهِ[21] .

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إذا أذنب العبد كان نقطة سوداء على قلبه ، فإن هو تاب و أقلع و استغفر صفا قلبه منها .

 و إن هو لم يتب و لم يستغفر : كان الذنب على الذنب ، و السواد على السواد حتى يغمر القلب ، فيموت بكثرة غطاء الذنوب عليه ،و ذلك قوله تعالى : بَلْ رانَ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ ، يعني الغطاء .

 و العاقل : يحسب نفسه قد مات ، و يسأل الله الرجعة ليتوب ، و يقلع ، و يصلح ، فأجابه الله فيجد و يجتهد ، و جاء في قوله تعالى : وَ لَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى‏ دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ‏ [22].

وعَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله أَوْ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليهم السلام قال : نَّ آدَمَ عليه السلام قال : يَا رَبِّ سَلَّطْتَ عَلَيَّ الشَّيْطَانَ وَ أَجْرَيْتَهُ مِنِّي مَجْرَى الدَّمِ ، فَاجْعَلْ لِي شَيْئاً ؟

 فَقال : يَا آدَمُ جَعَلْتُ لَكَ أَنَّ مَنْ هَمَّ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بِسَيِّئَةٍ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ ، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ ، وَ مَنْ هَمَّ مِنْهُمْ بِحَسَنَةٍ ، فَإِنْ لَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ ، فَإِنْ هُوَ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْراً .

قال : يَا رَبِّ زِدْنِي ؟

قال : جَعَلْتُ لَكَ أَنَّ مَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ سَيِّئَةً ثُمَّ اسْتَغْفَرَ لَهُ غَفَرْتُ لَهُ .

قال : يَا رَبِّ زِدْنِي ؟ قال : جَعَلْتُ لَهُمُ التَّوْبَةَ ، أَوْ قال : بَسَطْتُ لَهُمُ التَّوْبَةَ حَتَّى تَبْلُغَ النَّفْسُ هَذِهِ . قال : يَا رَبِّ حَسْبِي [23].

يا طيب : إن بسط التوبة لا يعني أن نجعل الذنوب تحيط بنا ونجعلها تمنعنا من الحسنات والاستزادة منها ، لأنه بعض الذنوب تنزل النقم وتهتك العصم ولا تجعل العبد يتوجه لنفسه ليتوب ولا يعتني بعدها الله به بل يمهله لأجله ثم يعاقبه .

 

الإشعاع الرابع :

أحاديث ترغب بالتوبة وتدعوا لها :

عن الإمام علي عليه السلام قال في وصيته للإمام الحسن عليه السلام :

 اعلم : أن أمامك عقبة كئودا لا محالة مهبطا بك على جنة أو على نار ، المخف فيها أحسن حالا من المثقل ، فارتد لنفسك قبل نزولك ، و اعلم أن الذي بيده ملكوت خزائن الدنيا و الآخرة ، قد أذن بدعائك ، و تكفل بإجابتك ، و أمرك أن تسأله ليعطيك .

و هو رحيم : لم يجعل بينك و بينه ترجمانا ، و لم يحجبك عنه ، و لم يلجئك إلى من يشفع إليه لك ، و لم يمنعك إن أسأت التوبة ، و لم يعيرك بالإنابة ، و لم يعاجلك بالنقمة ، و لم يفضحك حيث تعرضت للفضيحة ، و لم يناقشك بالجريمة ، و لم يؤيسك من الرحمة .

 و لم يشدد عليك في التوبة : فجعل النزوع عن الذنب حسنة ، و حسب سيئتك واحدة ، و حسب حسنتك عشرا ، و فتح لك باب المتاب و الاستئناف ، فمتى شئت سمع نداءك و نجواك ، فأفضيت إليه بحاجتك ، و أنبأته عن ذات نفسك ، و شكوت إليه همومك ، و استعنته على أمورك ، و ناجيته بما تستخفي به من الخلق من سرك .

 ثم جعل بيدك : مفاتيح خزائنه ، فألحح في المسألة يفتح لك باب الرحمة بما أذن لك فيه من مسألته ، فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب خزائنه ، فألحح و لا يقنطك إن أبطأ [24].

وعن عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا رَفَعَهُ قال : إِنَّ الله عَزَّ وَ جَلَّ أَعْطَى التَّائِبِينَ ثَلَاثَ خِصَالٍ ، لَوْ أَعْطَى خَصْلَةً مِنْهَا جَمِيعَ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ لَنَجَوْا بِهَا .

قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ : إِنَّ الله يُحِبُّ التوابينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ .

 فَمَنْ أَحَبَّهُ الله لَمْ يُعَذِّبْهُ .

وَ قَوْلُهُ : الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ رَحْمَةً وَ عِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَ اتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَ قِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ رَبَّنا وَ أَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَ مَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَ أَزْواجِهِمْ وَ ذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَ قِهِمُ السَّيِّئاتِ وَ مَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ .

وَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ : وَ الَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ الله إِلهاً آخَرَ وَ لا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ الله إِلَّا بِالْحَقِّ وَ لا يَزْنُونَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ يَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً   إِلَّا مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ عَمَلًا صالِح فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ الله سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَ كانَ الله غَفُوراً رَحِيماً [25].

وعن الإمام أبي عبد الله عليه السلام قال : من أعطي أربعا لم يحرم أربعا ، من أعطي الدعاء لم يحرم الإجابة ، و من أعطي الاستغفار لم يحرم المغفرة ، و من أعطي التوبة لم يحرم القبول ، و من أعطي الشكر لم يحرم الزيادة ، و ذلك في كتاب الله (عز و جل) [26].    

 و قال رجل : يا رسول الله إني أذنبت ؟ فقال : استغفر الله .

 فقال : إني أتوب ثم أعود ؟ فقال : كلما أذنبت استغفر الله .

 فقال : إذن تكثر ذنوبي ؟ فقال : عفو الله أكثر ، فلا تزال تتوب حتى يكون الشيطان هو المدحور . و قال : إن الله تعالى أفرح بتوبة العبد منه لنفسه ، و قد قال : إِنَّ الله يُحِبُّ التوابينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ‏ [27]. فهيا يا طيب : نسارع بالتوبة ليتجلى علينا الله التواب فيصلحنا معه .

 

الإشعاع الخامس :

أدعية وأذكار تذكر بالتوبة وتطلب الغفران والعفو من الله :

يا طيب : تجد في صحيفة الطيبين موضعا كاملا لأدعية جميلة في طلب التوبة والاستغفار بالدعاء ، وعلى المؤمن الطيب أن يطالعها ولو بالعمر مرة ، كما إن في الأدعية اليومية وبعد الصلاة في مفاتيح الجنان وغيره كثير من الأدعية الموجبة لطلب التوبة من الله والمغفرة والعفو ، ويجب أن نتأدب بها ونعرف إن الذنب مؤاخذين به ولهذا نستغفر الله منه ونتوب ، فلا نعصي بعد التوبة فنُحرم بركات كرم الله ، فإنه لا حسنة في المعصية مهما كانت حتى ما يقال من أن بعض الحسنات تقلب السيئات حسنات ، هي حسنات لأعمال صالحة كريمة عظيمة لا الفكر بالسيئات والمعاصي ونية عملها أو عملها يقلبها حسنات ، فهذا هراء وزخرف من القول وغرور بحلم الله وتمرد على طلب رحمته ، فإن الأعمال الصالحة هي بنفسها لولا السيئات قبلها لجعلت العبد في منزلة عظيمة وولي من أولياء الله وله كرامة وشفاعة ، ولكن الآن تخلصه فقط وتحسنه بعض الشيء ، إلا من تاب وعمل صالحا .

 فإن طلب التوبة والأمر به : لا يعني أن يجعلنا منافقين ، وتكرار التوبة مستحب جدا لا لكي يجعلنا نعصي ونحب العصيان حتى حين التوبة أو بعدها ، بل للندم على القبيح ونستحي من الله ونقف ،  ولا نكون كالمستهزئين حين الذنب وبعده ، بل لكي بحق نتذكر السيئة لتسوئنا ونهجرها ، وبعد التوبة لا نعمل بها ، ولنستزاد بالتوبة صلاحا واستعدادا لنيل كرم الله وفضله ، لا فقط لرفع سيء منا أو جعله أسوءا حين الدعاء عندما لا يكون عزم حق على ترك المعاصي والذنوب ، بل ننوي أن نعصي بعد التوبة أو حين التوبة فتكون توبتنا معصية وسيئة .

فإنه بعض الناس : يتصور توبوا ، أعصوا وتوبوا ، وقد يتصور الترغيب بالتوبة الترغيب بالمعصية ، وقد يتصور كثرة الأمر بالتوبة يساعد على المعصية ، بل الأمر بالتوبة والاستغفار وطلب العفو من الله هو تأكيد في تأكيد لننتهي ، وهو أمر شديد للخلاص من المعصية،  وتحذير كبير لعدم الكون فيها ولا الفكر فيها أبدا ، بل هو لكي نحذر منها ونتعوذ بالله السميع العليم القوي العزيز منها ومن كل شر ، ونتوكل عليه ليعصمنا ويقينا من الشيطان الرجيم ومن مكره وفتنه لا لكي نمكر ونفتن الناس ونعلمهم المعصية وبالخصوص بأمر عظيم حين طلب التوبة والأمر بها ، فنسخر بالناس ونقول لهم اعصوا وتوبوا ، كما يأمر بهذا الشيطان الرجيم وأعوانه حين يعلمان الناس الوقوع بالمعصية ، ومن ثم تسويف التوبة ، وتسهيل أمر الذنب حتى حين التوبة ، فهذا ليس من أدب الدين وليست من تعاليم رب العالمين .

بل عرفت يا طيب : إنه توبوا وإن الله يحب التوابين للذين يعملون السوء بجهالة وليس بمكر في دين الله ويقوم بتعليم المعاصي للناس ويأمرهم بها وعدم الإصلاح لهم حينها ، بل توبوا يعني : أرجعوا لله بصلاح أنفسكم ، وإصلاحها بالتوبة النصوح الخالصة لتطيب أنفسكم حين تنالوا كرم الله ورحمته ، فإن الله غفور رحيم ويحب التوابين والمتطهرين الذي لا يعصون ولا يشجعون الناس على المعاصي ولا يسهلوها لهم ، بل يحذروهم منها بجد وينذرونهم التمادي في الغي بل ينذرون أنفسهم ، لا أنه يعملون عمل الشيطان ويقولون لهم ولأنفسهم أعصوا و توبوا أعصوا ثم توبوا وحتى حين التوبة فكروا بالمعصية وتساهلوا بالذنوب كالشيطان الرجيم وأعوانه .

 ويا أخي : التوبة واجبة وضرورية بشروطها وبالعزم الجدي على عدم العود لا فقط باللقلقة باللسان واللفظ دون التوجه للطلب الجدي وعن نية صادقة للتوبة ، وكما عرفت في كلمات العلماء والأحاديث والآيات التي مرت والآتية وإنه يجب تذكر الذنب ونوعه بقدر الإمكان ، وسؤال الله أن يوفقنا لعدم العودة له أبدا حين التوبة وبعدها ، ومع العزم والتصميم لعدم إتيانه بقدر الوسع والطاقة ، ونسأل الله التوفيق بالتوبة لعدم العودة له أبدا ورفع تبعات هذا العمل السيئ الذي عملناه ، وهذا معناه أستغفر الله وسؤاله العفو والتوبة ، يعني كنت جاهلا مقصرا حقيرا وأنا نادم فعلا وقصدي أن لا أعصي بهذا أبدا فضلا عن غيره ،  لا أنه قصدي أغفر هذا لأعصيك بعده ، يستغفر وهو فرح بالذنب الذي أرتكبه ولم يسئه ، فهذه معصية لا توبة .

 ويا أخي بعد الذي عرفت : توجد أبوابا كثيرة ترغب في الطاعة وتحذر المعصية في أغلب كتب الحديث وهذا قسما مختصرا منها ، فأحفظ ولو عبارة واحدة من عبارات التوبة ، وتذكر ذنوبك وأطلب التوبة من الله والعفو منها ، وصمم على عدم الرجوع لشيء من الذنوب ولا التشجيع عليها ومساعدة القوم الظالمين لأنفسهم ولغيرهم ، وتضرع لله بأن يخلصك من تبعات ذنوبك وحتى تكون بحق تحزن لأرتكابها فيما سلف وتشعر الضعة والتقصير في نفسك حين عملها وبعده لا الفرح بتذكرها .

وتقر بكل وجودك : إنك حينها لم تراعي الرب العظيم ، ولم تكن مؤدبا بالفكر والعلم والعمل بالمعصية وما يبعد عن رحمة الله العظيم الجليل الشأن ، وأنت في محضر شهوده لك ولعلمك وعملك ولكل شيء في الوجود ، وحاول أن يكون لك وردا وذكرا في التوبة ومحاسبة النفس للتخلص من الذنوب كلها عند تذكرها ، وعدم العودة لشيء منها لتكون إنسان صالحا مؤمنا بحق .

وحاول يا أخي المؤمن : تطهير نفسك بحق ، وبجد أسعى لتكون من المؤمنين الطيبين بالأخلاق الكريمة ، والأعمال الحسنة والطاعات ، وبكل تنبه ويقضه لعظمة الله وجده في أخذه للعمل بالسيئات لمن لم يتوب ، فإنه بعضها لها تبعات فورية يصعب التخلص منها ، ولذا عليك بجد واجتهاد أن تهذيب نفسك وإصلاحها بعمل صالح وبالخروج من تبعات الذنوب كلها حقا لا قولا فقط ، ولتكون من المتوجهين لله تعالى بكل صلاح إن شاء الله وتخلص من الذنوب ، وتهيئ نفسك لكرم الله بالطاعات والعبادات الواجبة ، وليكون لك طلب التوبة منفر من المعصية ومبعد عن الغفلة الموجبة للبعد عن الله أو نقصان الحظ من كرمه ونوره الواسع ، والذي يصل كل مؤمن طيب يتوجه له بحق كما أحب والآن أقراء :

عَنْ الإمام أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قال قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم : الِاسْتِغْفَارُ وَ قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا الله خَيْرُ الْعِبَادَةِ ، قال الله الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ :

 فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الله وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ[28] .

روي عن العالم عليه السلام أنه قال : المستتر بالحسنة له سبعون ضعفا ، و المذيع لها واحدة ، و المستتر بالسيئة مغفور لها ، و المذيع لها مخذول ، المقر بذنبه كمن لا ذنب له .

و إذا كان الرجل في جوف الليل في صلاته يقر لله بذنوبه ، و يسأله التوبة ، و في ضميره أن لا يرجع إليه ،  فالله يغفر له إن شاء الله [29].

و كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول في دعائه :

اللهم اغفر لي كل ذنب علي ، إنك أنت التواب الرحيم [30].

وروى في الإرشاد : ما يقبض الله عبدا إلا بعد أن يعلم منه أنه لا يتوب لو أبقاه ، كما أخبر سبحانه عن جواب أهل النار من قولهم : ربنا أرجعنا نعمل صالحا ، فقال تعالى : وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ .

 و كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

 يستغفر الله في كل يوم سبعين مرة يقول :

 أستغفر الله ربي و أتوب إليه .

و كذلك أهل بيته عليهم السلام ، و صالحوا أصحابه ،  لقوله تعالى :

وَ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ [31].

و قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

 ما من عبد أذنب ذنبا ، فقام فتطهر ، و صلى ركعتين ، و استغفر الله ، إلا و غفر له ، و كان حقيقا على الله أن يقبله ، لأنه سبحانه قال :

وَ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ الله يَجِدِ الله غَفُوراً رَحِيماً [32].

وعَنْ الإمام أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قال كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم :  يَسْتَغْفِرُ الله عَزَّ وَ جَلَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً وَ يَتُوبُ إِلَى الله عَزَّ وَ جَلَّ سَبْعِينَ مَرَّةً ، قال قُلْتُ كَانَ يَقُولُ : أَسْتَغْفِرُ الله وَ أَتُوبُ إِلَيْهِ . قال :

 كَانَ يَقُولُ : أَسْتَغْفِرُ الله ، أَسْتَغْفِرُ الله ، سَبْعِينَ مَرَّةً .

 وَ يَقُولُ : و أَتُوبُ إِلَى الله ، وَ أَتُوبُ إِلَى الله ، سَبْعِينَ مَرَّةً [33].

وعَنْ الإمام أَبِي جَعْفَرٍ  الباقر عليه السلام قال :

مَنْ قال فِي دُبُرِ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ قَبْلَ أَنْ يَثْنِيَ رِجْلَيْهِ :

أَسْتَغْفِرُ الله الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ذُو الْجَلَالِ وَ الأكرم وَ أَتُوبُ إِلَيْهِ ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، غَفَرَ الله عَزَّ وَ جَلَّ لَهُ ذُنُوبَهُ وَ لَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ [34].

وعن أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد عليهم السلام قال : من استغفر الله عز و جل بعد العصر سبعين مرة غفر الله له ذلك اليوم سبعمائة ذنب ، فإن لم يكن له فلأبيه ، فإن لم يكن لأبيه فلأمه ، فإن لم يكن لأمه فلأخيه ، فإن لم يكن لأخيه فلأخته ، فإن لم يكن لأخته فللأقرب فالأقرب [35].

وعن أبي الحسن الرضا عن أبيه عليه السلام قال كان أبو عبد الله الصادق عليه السلام يقول : من قال حين يسمع أذان الصبح :

 اللهم إني أسألك بإقبال نهارك و إدبار ليلك .

و حضور صلواتك و أصوات دعاتك .

أن تتوب علي إنك أنت التواب الرحيم ، و من قال مثل ذلك إذا سمع أذان المغرب ، ثم مات من يومه أو من ليلته تلك كان تائبا[36] .

وفي بحار الأنوار: عن فَلَاحُ السَّائِلِ ، وَ مِنَ الْمُهِمَّاتِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مَا رَوَاهُ أَبُو محمد هَارُونُ بْنُ مُوسَى عَنْ محمد بْنِ هَمَّامٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ محمد بْنِ جُمْهُورٍ الْعَمِّيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام عَنْ أَبِيهِ قال : قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم :

 مَنْ قال بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً وَاحِدَةً :

أَسْتَغْفِرُ الله  الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ  الْحَيُّ الْقَيُّومُ   الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ   ذُو الْجَلَالِ وَ الأكرم  وَ أَسْأَلُهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيَّ  تَوْبَةَ عَبْدٍ ذَلِيلٍ‏ خَاضِعٍ فَقِيرٍ  بِائِسٍ مِسْكِينٍ مُسْتَكِينٍ مُسْتَجِيرٍ  لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفْعاً وَ لَا ضَرّاً  وَ لَا مَوْتاً وَ لَا حَيَاةً وَ لَا نُشُوراً .

أَمَرَ الله تعالى الْمَلَكَيْنِ بِتَخْرِيقِ صَحِيفَتِهِ كَائِنَةً مَا كَانَتْ

ثم قال العلامة المجلسي رحمه الله : بعد ذكر هذا الدعاء قد نبهناك على صفة المستغفرين ، فانظر إلى هذا الحديث الآن عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم  و تأدب بغاية الإمكان و كن صادقا في قولك :

إنك تتوب توبة عبد ذليل : فليظهر الذل على سؤالك وعلى لسان حالك .

و قلت خاضع : فليكن الخضوع على وجه مقالك و فعالك .

و قلت فقير : فليكن صورة مسألتك صورة عبد فقير لمولى غني كبير .

و قلت بائس : فلتكن صفتك ما تعرفه من أهل البأساء إذا تعرضوا لسؤال أعظم العظماء .

و قلت مسكين : فليكن على قلبك و وجهك و جوارحك أثر المسكنة و الاستكانة بالصدق و الإنابة .

و قلت مستجير : فليكن هربك إلى الله جل جلاله في تلك الحال ، هرب من قد أحاطت به عظائم الأهوال ، فهرب إلى مولاه و استجار به استجارة من لا يملك لنفسه نفعا و لا ضرا و لا دفعا ، و انقطع إليه على كل الأحوال بالقلب و القالب و المقال و الفعال .

فإنك أيها العبد : إذا صدقت في هذه المقامات كان الله جل جلاله أهلا أن يأمر الملكين بتخريق صحيفتك من الجنايات ، فلا تحسب أنك إذا قلت ذلك و أنت غافل أو كاذب في هذه الدعاوي و الاستغفار ، أنك تكون قد سلمت من زيادة الجنايات ، بيان الحي القيوم و سائر الأوصاف بعدهما في بعض النسخ منصوب بكونهما صفة للجلالة و في بعضها مرفوع بكونها بدلا من الضمير و يجزي في أكثر الموارد هذان الوجهان فلا تغفل [37].

يا طيب : إن الله غفور رحيم توابا جليل عظيم كريم ، فلنحسن التوبة بحق وننصح بها ، وننتهي عن المعاصي والفكر بها فضلا من عملها والتشجيع عليها والأنس بها وبذكرها وتذكيرها وذكرها بفرح ، والتفكر بحال عظمة الرب وأخذه الشديد لمثقال ذرة ، فنتوب بحق من كل شيء سيء لنحصل على رحمة الله فإنه قال تعالى :

 { فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ }البقرة192.

{ أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ } التوبة126.

 

 

 

الإشعاع السادس :

نتيجة التوبة وطلب الاستغفار من الله تعالى :

يا طيب : المحل الصالح يحصل له ثمر طيب ، والوجود الطاهر يتزكى وينموا بفضل الله التواب الرحيم ، ويجب أن نخضع لله بالدعاء والتوسل بالتوبة النصوح كما عرفت ، وبالخصوص قراءة الأدعية بفهم وصدق وتمعن بمعانيها ، وبالخصوص دعاء كميل وغيره من أدعية معرفة العظمة اللاهية وطلب التوبة بل التوفيق للطاعة ، وعرفت إنها كثيرة ، ونستعيذ بالله من الدنيا وزينتها المحرمة ونطلب حلالها من غير جشع ، ونستعيذ بالله من النفس وشهواتها والشيطان ووساوسه والفكر الشيطاني الملقي للتبعات على الغير ، فنكون مثل الشيطان يلقي التبعة على الله لا على نفسه المتكبر المتعصي على الطاعة والانتهاء عن المحرم ، فإن الله بعد معصية إبليس أخرجه من محل كرامته ولكنه أمهله يتمتع بالدنيا ، لكنه بدل أن يشكر الله ويتوب ويرجع له أصر على المعصية وألقى باللوم على الله حتى في معصيته ، وهذا خلاف الإحسان وتفضل الرب المنان ، وهذه محاورة لطيفة تأدبنا بالتعوذ منه ، ومن كل سيء ، والتوبة عن المعصية ، وعدم الإصرار عليها ، لنخلص من تبعاتها إذ قال الله التواب تعالى :

{ وَإِذْ قال رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلاَئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30)

 إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) قال يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قال لَمْ أَكُنْ ِلأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33) قال فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (35) قال رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36)

 قال فَإِنَّكَ مِنْ الْمُنْظَرِينَ (37) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38)

 قال رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قال هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43)  لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (44)

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47) لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48)

نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49)

وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ (50) } الحجر .

فالعبد المخلص لله : الذي لم يصر على المعاصي والفرح بها يكون مخلص لله خالص من الأعمال والأفكار الشيطانية كلها ، وبحق يكون عبدا مؤمنا طيبا طاهرا يجبه الله ويحب الله ، لا مثل الشيطان حتى في إمهاله يصر على المعصية وتعليم العباد المعصية والأنس بها ، فالعبد الطيب يرفض كل ما يبعده عن الله ويتخلص منه ومن تبعاته بالتوبة النصوح ، ليغفر الله له كل سيئاته ويصلح نفسه مع الله فيكرمه .

 وكما قال الإمام أبي عبد الله عليه السلام : إذا تاب العبد توبة نصوحا لوجه الله ، فإن الله تعالى يستر عليه في الدنيا و الآخرة .

 فقلت : فكيف يستر الله عليه ؟ قال : ينسي ملائكته ما كتبا عليه من الذنوب ، ثم يوحي الله إلى جوارحه اكتمي عليه ذنوبه ، و يوحي إلى بقاع الأرض اكتمي ما كان يعمل عليك من الذنوب ، فيلقى الله عز و جل حين يلقاه و ليس يشهد عليه شي‏ء بشي‏ء من الذنوب[38] .

وما عرفت يا طيب : إن التشجيع للتوبة ليس حث على المعصية ، بل للخلاص من السيئات كما عرفت ، ولا للإصرار والجرأة على تعاليم الرب والبعد عنه ، بل توبة عبد فقير حقير ذليل مسكين مستكين ، والعبد ضعيف جدا ، فلا يجعل نفسه جبارا بالفكر بالمعصية وطاغية بأرتكابها ، بل يفكر بالخلاص منها دائما ، ولذا تعدد طلب التوبة والعفو وأحاديث الاستغفار والتي منها :

و عن أبي جعفر عليه السلام قال : يا محمد بن مسلم ذنوب المسلم إذا تاب منها مغفورة له ، فليعمل المؤمن لما يستأنف بعد التوبة و المغفرة .

أما و الله : إنها ليست إلا لأهل الإيمان ؟

قلت : فإن عاد بعد التوبة و الاستغفار للذنوب و عاد في التوبة ؟

فقال : يا محمد بن مسلم أ ترى العبد المؤمن يندم على ذنبه و يستغفر الله عز و جل منه و يتوب ثم لا يقبل الله توبته ؟!! 

قلت : فإن فعل ذلك مرارا يذنب ثم يتوب و يستغفر ؟ فقال : كلما عاد المؤمن بالاستغفار و التوبة عاد الله عليه بالمغفرة ، و إن الله غفور رحيم يقبل التوبة ، و يعفو عن السيئات ، و إياك أن تقنط المؤمنين من رحمة الله تعالى [39].

و قال أمير المؤمنين عليه السلام : ما كان الله ليفتح على العبد باب الدعاء و يغلق عنه باب الإجابة ، و هو يقول : ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ .

 و ما كان الله ليفتح باب التوبة و يغلق باب المغفرة ، لأنه تعالى يقول : وَ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَ يَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ .

و ما كان الله ليفتح باب الشكر و يغلق باب الزيادة ، لأنه يقول : لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ .

 و ما كان الله ليفتح باب التوكل و لم يجعل للمتوكل مخرجا ، فإنه سبحانه يقول : وَ مَنْ يَتَّقِ الله يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ‏ [40].

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أربع من كن فيه كتبه الله من أهل الجنة ، من كان عصمته شهادة أن لا إله إلا الله ، و أني محمد رسول الله ، و من إذا أنعم الله عليه بنعمة قال : الحمد لله ، و من إذا أصاب ذنبا قال : أستغفر الله ، و من إذا أصابته مصيبة قال : إنا لله و إنا إليه راجعون[41] .

و عن إبراهيم بن أبي محمود قال قلت للرضا عليه السلام : يا ابن رسول الله ما تقول في الحديث الذي يرويه الناس عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أن الله تبارك و تعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا ؟

فقال عليه السلام : لعن الله المحرفين الكلم عن مواضعه ، و الله ما قال كذلك ، إنما قال عليه السلام : إن الله تبارك و تعالى ينزل ملك إلى السماء كل ليلة في الثلث الأخير ، و ليلة الجمعة في أول الليل ، فيأمره فينادي :

أ هل من سائل فأعطيه ؟ هل من تائب فأتوب عليه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ يا طالب الخير فأقبل ، يا طالب الشر أقصر ، فلا يزال ينادي بهذا حتى يطلع الفجر ، فإذا طلع الفجر عاد إلى محله من ملكوت السماء ، حدثني بذلك أبي عن جدي عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [42].

عن جعفر بن محمد الصادق عليهم السلام عن آبائه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما من صباح إلا و ملكان يناديان يقولان : يا باغي الخير هلم ، و يا باغي الشر انته ، هل من داع فيستجاب له ؟

هل من مستغفر فيغفر له ؟ هل من تائب فيتاب عليه ؟ هل من مغموم فينفس عنه غمه ؟ اللهم عجل للمنفق ماله خلفا ، و الممسك تلفا ، فهذا دعاؤهما حتى تغرب الشمس[43] .

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن العبد إذا أصبح ، أو الأمة إذا أصبحت ، أقبل الله تعالى عليه و ملائكته ليستقبل ربه عز و جل بصلاته فيوجه إليه رحمته و يفيض عليه كرامته ، فإن وفى بما أخذ عليه ، فأدى الصلاة على ما فرضت ، قال الله تعالى للملائكة خزان جنانه و حملة عرشه قد وفى عبدي هذا ، ففوا له .

 و إن لم يف، قال الله تعالى لم يف عبدي هذا ، و أنا الحليم الكريم ، فإن تاب تبت عليه ، و إن أقبل على طاعتي أقبلت عليه برضواني و رحمتي .

 ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال الله تعالى‏ :

 و إن كسل عما أريد ، قصرت في قصوره حسنا و بهاء و جلالا ، و شهرت في الجنان بأن صاحبها مقصر .

 و قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : و ذلك أن الله عز و جل أمر جبرائيل ليلة المعراج فعرض عليَّ قصور الجنان ، فرأيتها من الذهب و الفضة ، ملاطها المسك والعنبر ، غير أني رأيت لبعضها شرفا عالية ، ولم أر لبعضها .

فقلت:يا حبيبي جبرائيل ما بال هذه بلا شرف كما لسائر تلك القصور ؟

فقال : يا محمد هذه قصور المصلين فرائضهم ، الذين يكسلون عن الصلاة عليك و على آلك بعدها .

 فإن بعث مادة لبناء الشرف من الصلاة على محمد و آله الطيبين [بنيت له الشرف‏] و إلا بقيت هكذا ، حتى يعرف سكان الجنان أن القصر الذي لا شرف له هو الذي كسل صاحبه بعد صلاته عن الصلاة على محمد و آله الطيبين .

و رأيت فيها قصور منيفة مشرقة عجيبة الحسن ، ليس لها أمامها دهليز و لا بين أيديها بستان ، و لا خلفها .

 فقلت ما بال هذه القصور لا دهليز بين أيديها و لا بستان خلف قصرها .
فقال يا محمد هذه قصور المصلين [الصلوات‏] الخمس ، الذين يبذلون بعض وسعهم في قضاء حقوق إخوانهم المؤمنين دون جميعها ، فلذلك قصورهم مسترة بغير دهليز أمامها ، و غير بستان خلفها [44].

فسارع يا أخي المؤمن : للتوبة وتطيب بكرم الله ونور الحسنات المشرقة من أسماءه الحسنى بكل كرامة ومجد للمؤمن ، وفكر بالطاعات بحق وبالإخلاص له بما أمر ، ولا تفكر بما يبعدك عن الله ، وأستغفر الله بحق كما قال أمير المؤمنين عليه السلام في معنى التوبة وحقائقها ، لا تسويف أو توبة بالظهار دون الباطن :

و سمع أمير المؤمنين رجلا يقول : أستغفر الله .

فقال : ثكلتك أمك أ و تدري ما حد الاستغفار ، الاستغفار درجة العليين ، و هو اسم واقع على ستة معان :

أولها : الندم على ما مضى .

 و الثاني : العزم على ترك العود إليه أبدا .

و الثالث : أن تؤدي إلى المخلوقين حتى تلقى الله أملس .

و الرابع : أن تعمد إلى كل فريضة ضيعتها فتؤدي حقها .

و الخامس : أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت و المعاصي فتذيبه .

و السادس : أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية ، فعند ذلك تقول : أستغفر الله[45] .

عن صفوان عن يعقوب بن شعيب قال و سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تبارك و تعالى : وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى‏ . قال : و من تاب من ظلم ، و آمن من كفر ، و عمل صالحا ، ثم اهتدى إلى ولايتنا و أومأ بيده إلى صدره [46]. ويا أخي :

إنك في دنيا لها مــدة      يقبل فيها عمل العامل‏

أ ما ترى الموت محيطا بها      يسلب منها أمل الآمل‏

تعجل الذنب بما تشتهي      وتأمل التوبـة من قابل‏

والموت يأتي أهله بغتة ما      ذاك فعل الحازم العاقل[47]

ويا طيب : { فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ

 فَإِنَّ الله يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الله لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَالله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40) } المائدة .

والإنسان : لا يعلم متى يقضي نحبه ويموت ، والموت يأتي بغتة ، وقد يكون للإنسان ذنب واحد ينغص عليه البرزخ ويوم القيامة حتى يشفع له فيتجاوز عنه الله ، لأنه مثلا كان مؤمنا وغلبت حسناته سيئاته وقص منه أو عفي عنه ، وهذه مشكلة فإنه من حُوسب فقد عُذب ونحن عذاب الدنيا لم نطيقه ، فيكف بعذاب الآخرة الشديد لأمر يمكن أن نتجاوزه ولا نرتكبه أو نصلح نفسنا مع الله بالتوبة .

 ويجب أن : لا نتوب توبة المنافق باللسان دون الجنان أو كالشيطان ، فإن الله ينظر للقلب بأنه لا يفرح بالمعصية ولا يحب معاودتها ، لا أنه ينوي أن يعصي ثم يقول استغفر ، وإن كان الاستغفار وطلب التوبة حسن على كل حال ، لكن قد يفوت الأمر وقد ننسى الاستغفار ، أو قد يكون مانع من قبول عمل صالح ، أو يكون فيه حق الغير ونغفل عن إرجاعه ، فيبقى علينا تبعاته والعياذ بالله .

ولذا يا أخي : حاول بقدر الإمكان أن لا تخوض بالباطل واللهو المبعد عن الله تعالى ، ولا أن نسن سنة سيئة تأتينا تبعاتها ونلعن كلما ذكرنا بها أو عمل بها أحد غيرنا ، فإنه من التبعات الثقيلة التي يأتي وزرها حتى لو لم نعملها بعد وتبنا منها ، فإنه لعمل الغير يأتينا تبع منها ، ولذا يجب لا نساعد على الباطل ، وإن الإيمان درجات فلا نضيع كرم الله وهذا النور الواسع من الأسماء الحسنى بسبب الذنوب لأنه عرفت إن التوبة للذين يعملون السوء بجهالة كما قال الله تعالى :

{ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى الله لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ

  فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ الله عَلَيْهِمْ وَكَانَ الله عَلِيمًا حَكِيمًا (17) وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قال إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمً }النساء18.

فإنه يجب أن نتوب عن قرب ونسارع للتوبة : فإنه لابد أن يظهر أثر التوبة باللسان والجنان وبعمل الأركان بالصالحات حقا ، لأنه عرفت في الآيات أعلاه وقبلها بقوله تعالى{ فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ الله يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ } وحينها يكرمنا الله وينزل علينا رحمته إذ قال الله:

{ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ } هود52.

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى الله تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِي الله النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نورهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نورنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} التحريم8 .

فيا الله يا تواب إنك جليل الشأن عظيم غفور رحيم عفو وأنا المقصر فأعفو عنا وأغفر لنا بحق محمد وآله الطيبين الطاهرين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين يا تواب يا الله يا جليل .

 

 



[1] غرر الحكم ص157رقم الحديث 2964، رقم2974 ، 2975 ، ص194 رقم 3790 ، 5986 ، 7474 ،ص383 رقم 8702.ص185رقم 3525 .

[2] تحف ‏العقول ص196 .

[3] الأمالي ‏للمفيد  ص203 مجلس 23حديث 23.

[4] غرر الحكم ص194ف5حديث رقم 3777 ، 3783،3784، 3795، 3797 ، 3804 ،3808، 3824 ، ص195 رقم 3831، 3834 ،3835 ، 3836 ، 3837 ، 3840 ، 3841، 3845 ، 3847 .

[5] أوائل ‏المقالات ص 85ـ87 رقم 67 ، 68 ، 69 ، 70 .

[6]بحار النور ج6ص42ب20 اختتام فيه مباحث رائقة .

[7] إرشاد القلوب ج1ص 44 ـ 46ب11.

[8] الأمالي ‏للطوسي ص611م 28 ح 1264-12 .

[9] تفسير الإمام‏ العسكري ص38شفاعة المؤمنين ح14.

[10] غرر الحكم ص236ح4738 ، 4739 ، 4740، 4741 ، 4744، 4745 ، 4748 .

[11]الكافي ج2ص314ح8.

[12] الاختصاص ص226 .

[13] إرشاد القلوب ج1ص181ب51.

[14] إرشاد القلوب ج1ص 47ب11.

[15] إرشاد القلوب ج1ص 46ب11.

[16] إرشاد القلوب ج1ص 47ب11.

[17] الاختصاص ص227 .

 

[18] إرشاد القلوب ج1ص 47ب11.

[19] الأمالي‏ للصدوق ص 108 م23ح5 .  

[20] الكافي ج2ص429ح4.

[21] الكافي ج2ص437ح3.

[22] إرشاد القلوب ج1ص 46ب11.

[23] الكافي ج2ص440ح1.

[24] تحف ‏العقول ص75  .

[25] الكافي ج2ص432ح5.

[26] الأمالي‏ للطوسي ص693م39ح1473-16 .

[27] إرشاد القلوب ج1ص 45ب11.

[28] الكافي ج2ص505ح6.

[29] الاختصاص ص142 .

[30] . إرشاد القلوب ج1ص 45ب11.

[31] إرشاد القلوب ج1ص 45ب11.

[32] إرشاد القلوب ج1 ص46ب11.

[33] الكافي ج2ص504ح5.

[34] الكافي ج2ص521ح1.

[35] لأمالي‏ للصدوق ص255م44ح8.

[36] الأمالي ‏للصدوق ص266م 45 ح9 .

[37] بحار النور ج 83 ص83 باب 40 ح9 .

[38] إرشاد القلوب ج1 ص180ب51. 

[39] إرشاد القلوب ج1ص180ب51. الكافي ج2ص434ح6.

[40] إرشاد القلوب ج1ص148ب47.

[41] الأمالي ‏للمفيد ص76 م9ح1 .

[42] الاحتجاج ج2ص410.

[43] الأمالي ‏للصدوق ص604م88ح6.

[44] تفسير الإمام ‏العسكري ص365 ح 256 .

[45] إرشاد القلوب ج1ص47ب11.   

[46] بصائر الدرجات ص 78ح6.

[47] الاختصاص ص 98  .

 

   

أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.msn313.com

يا طيب إلى أعلى مقام صفح عنا رب الإسلام بحق نبينا وآله عليهم السلام


يا طيب إلى فهرس صحيفة شرح الأسماء الحسنى رزقنا الله نورها