هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في  أصول الدين وسيرة المعصومين
صحيفة التوحيد الإلهي / الثانية / للكاملين / شرح الأسماء الحسنى الإلهية

الشكور

النور السادس والتسعون

 

الشكور : كثير الشكر مبالغة من الشاكر : وهو المُظهر لحسن النعمة وتحسين فعل المحسن باللسان أو بالفرح به قلبا والمظهر لها فعلا مع المحبة لها ، فالشكر : عِرْفانُ الإِحسان و نَشْرُه ، وهو كرد للجميل من الفعل أو للمعروف حتى ولو كلمة طيبة بإظهار فضله باللسان أو تعريفه حسنه بإظهار المودة له .

 

الإشراق الأول :

الله الشكور حقا بالشكر العام والخاص :

والله تعالى هو الشكور حق : لأنه تعالى غني بجمال مطلق غير متناهي ولا يوصف في العظمة واللطف في نور بهائه وسناءه ، فلا يحاط به ، فهو شكور لوجوده بوجوده وبما يظهر به على عباده من نور رحمته وإحسانه وكرمه ، فيزيد من يتوجه له ويحب نعمه ، فيكون في عين تكريمه له شكورا له وشاكرا ، ومن يشكر فعل الشكور سواء في تكوينه أو في ما يمده به من النعم ، يشكره الله الشكور ، فيمده بنور أسماءه الحسنى بما يصلحه حتى يكون حامدا له بكل وجوده ومظهرا لنعمة بأحسن الشكر له ، فسبحان الله الشكور المشكور الشاكر ، والشكر لله حقا على كل شيء من نعمه ، والحمد له على كل حال بما يصلحنا به من حكمته التي تعدنا لأكرم نعيما مقيما تاما كاملا وأعظمه وألطفه ، فسبحان الله الشكور الحميد الغفور والعظيم اللطيف الشافي .

فالله تعالى شكور : في وجوده العظيم وفيما يتجلى به من نور الأسماء الحسنى سواء بالابتداء حين التكوين أو حين مده لما خلق حتى يصل لأحسن كمال يناسبه ، فهو مشكورا وشاكرا وهو الشكور ، فيشكر سعي من يصلح نفسه لتقبل فيضه فيزيده من نعمه بأعظم نعمه له ولكل شيء يناسب شأنه في قبول شكر الله والظهور به شكرا له ، حتى يكون المخلوق شاكر بل شكورا بل مشكورا بتوفيق الله الشكور العظيم .

 

الإشعاع الأول :

ظهور الله الشكور بالشكر الخاص :

وخير من تجلى الله الشكور عليه : بالشكر هو من مكنه من معارف شؤون عظمته ومن دينه وما علمه من هداه لعلمه بالإخلاص له به تحليا وظهورا ، فجعله معلم له بكل وجوده طاعة وعبادة له وعن يقين به وبإخلاص له ، حتى كان طاهر من كل شرك ، ومتوجه له بكل وجوده وعلمه وتعليمه وفعله وسلوكه ، وهذا ما خص به الأنبياء والأوصياء كلا في زمانه ، وكان أكرمهم نعما وأفضلها هو نبينا الكريم وآله الطيبين الطاهرين ، حتى أمر الله نبينا وعلمنا نعمته عليه فقال له : وأما بنعمة ربك فحدث ، أو قال له : إنك على خلق عظيم ، بل طهره وآله بآية التطهير وأمر بودهم في آية المودة ، فشكر من ودهم فتبعهم في دينهم ، فكان له تجلي نور اسم الله الغفور الشكور كما علل آية المودة بالغفور الشكور ليبين الله الشكور حسن حبهم والاقتداء بهم بما يعلموا من دينه كما عرفت في النور السابق وغيره وما كما سيأتي تفصيله .

فظهور الله الديان الغفور الشكور : لأئمة الدين نبينا وآله الطيبين الطاهرين صلى الله عليه وآله وسلم ولمن يتبعهم بالاسم الحسن الشكور ، والذي هو عبارة عن رضا الرب وحمده لعباده المخلصين حقا بدينه الذي علمه لهم وعلموه لعباده فملكهم له في الدنيا كتاب وحكمة وعلما وعملا ، ولهم بالآخرة تمجيد وكرامة بما لا يفوقها مظهر لتجلي كرم وإحسان وفضل نور الأسماء الحسنى ، وبنور بهي وذو أجمل سناء وملكا عظيما هنيء بما لا يوصف ، لهم بأنفسهم في تملكهم في ذاتهم ومحيطهم في ملكوت الرب وجنته ، وبهذا يمكن معرفة بملكهم للحوض وللواء الحمد والمقام المحمود وأعلى وأكبر وأعظم ملك الجنة ، وذلك لشكرهم لله وحمده والظهور بدينه بكل حال لهم ، فكان لهم الملك العظيم يوم الدين ، وهم المشكورون من الله الشكور بالظهور عليهم بالنعم بأجل نور ممكن يتحمله مخلوق في ذلك اليوم العظيم اللطيف بل واليوم ، وهو لهم ولمن تبعهم حقا فشكر الله بما علموه من دينه ، وليخسئ من عاندهم وقتلهم وحارب دينهم من الأولين والآخرين .

والله الغفور الشكور : قد غفر للنبي الأكرم ما تقدم من ذنبه وما تأخر فطوى فراشه وأخذ بالعبادة أكثر من السابق ، فسؤل عن ذلك فقال ألا أكون عبدا شكورا ، وأدعية أهل البيت وتعاليمهم في التوجه لله وعبادتهم المخلصة لله بكل حال ، لدليل عظيم على شكرهم لله وشكر الله لهم ، وقد عرفت حالهم في سورة الدهر حين الحديث عن إعطائهم إفطارهم لا يبتغون من أحدا شكرا ، بل يطلبون الله فشكر سعيهم بنزول هذه السورة التي تعرف شأنهم العظيم ، والذي شكر الله الشكور بها سعيهم ونشر فضلهم بمعارف سورة الإنسان وبغيرها ، وقد مر كلام في تعريف هذه المعاني في نور الله الودود والوفي وغيره فراجع وأنظر ما سيأتي .

فسبحان الله الشكور : والحمد لله حقا ، فإنه يفعل بعباده بحكمة ولخبرة بحالهم فيوصلهم لأحسن حال لهم في كل الأحوال التي تمر بهم ، فيظهر صدقهم في طاعته وشكره مخلصين له الدين ، وفي جميع أحوال اليسر والعسر والمرض والصحة فلا فرق لهم فيحمد فعلهم ويحمدون فعله ويشكروه ويشكرهم ، بل يُنعم عليهم بالهدى والدين فيمكنهم منه فيشكرون هداه بإطاعتهم له ، وبدون النظر لحالهم في الدنيا أبدا ، فيرون أنهم بنعمة الله الأبدية فيشكرون الله الشكور ، فالشكر لله على نعمه أبدا ، والحمد له سرمدا ، وسبحان الله الغفور الشكور والحكيم الحميد والمعين العظيم اللطيف الشافي.

وسيأتي في الاسم الحسن العظيم مقام شكرهم وتسبيحهم في العوالم العالية .

 

الإشعاع الثاني :

المؤمن شاكر لله ومشكور سعيه :

والمؤمن : يشكر الله وحده لا شريك له ويشكر من أجرى على يده نعمه فيوصله بما أنعم الله عليه فينعمه معه حقا ، وبالخصوص في دينه ، فيشكر الله في أي حال كان ويحمده على نعمة الهداية لأنها بها تمام النعيم الأبدي ، فيرى نعمة الله عليه في كل وجوده من علمه لحواسه ونظره وسمعه وبصره وكل أعضائه وتصرفه وقدرته ، وما يظهر من أحوله من قدرته وعلمه بسيرته وسلوكه ، فيشكر الله الذي علمه وأقدره بكل وجوده وبكل ما نعمه ومكنه فيصرف نعمه في طاعته ومظهرا لشكره ، فيرى عظمة الله العظيم في نعيمه المعد لمن تدين له بدينه ، فيخلص له الطاعة بدين من أمر بودهم ، وشكر من كرف الحسنات وأقترفها بما علمه لهم من دينه القيم الحق الله الديان الشكور العظيم .

فيكون المؤمن : من المشكور سعيهم مع أئمة الحق الذين أختارهم الله واصطفاهم ، فيكون محب للمنعم عليهم ولكل نعم الهداية التي علموها له ، فيود الهداة للصراط المستقيم فيصير معهم بفضل الله الشكور في الدنيا والآخرة ، وفي كل مقام أعده لهم ، فيرضى بكل حال يصلحه الله به ويحمده بكل حال ويشكره على نعمه كلها .

فالمؤمن : يكون فرحا بنور الله الشكور بكل حال له ، ومظهرا لشكره بكل حال له ، فيتعلم دينه ويصرف نعمه الروحية عقلا وفكرا وعلما والمادية بدننا وزمانا وملكا خارجيا في طاعة ربه الشكور ، فيكون بكل شيء له مظهرا للإيمان وعن يقين بفضل الشكور ومنّه عليه بدينه ، وبكل ما مكنه ، فيكون علمه وعمله مخلصا له وصالحا قولا وفعلا حتى يكون من الموقنين المتقين المتورعين ، ويراه واجب حقا ودينا واقعا لابد من الظهور به ، فيكون متعرضا بكل وجوده لشكر الديان العظيم اليوم وفي يوم الدين ، فينال شكر الشكور حقا حتى ليكون مع أئمة الدين في ملك عظيم .

 

الإشراق الثاني :

الشكر لله الشكور لسبب التوحيد وأصل الإيمان وبيان له :

يا طيب : شكر المنعم واجب عقلا ، وإن من لم يشكر المخلوق الذي هو صاحب نعمة عليه حقا لم يشكر الخالق ، وكفران النعم إذا كانت نعم حقا مذموم عقلا وشرعا وجدانا وفطرتا وإنصافا ، ولذا كان الظهور بنعم الديان وبكل هدى دينه فضلا عن النعم المادية بالحق وبما يرضى سبحانه فضلا عن الإيمان به وبكل ما أوجبه ، واجبا جدا لأنه من شكر المنعم الشكور ، وهو من ظهور نور الشكور على العبد وتعريفه حرمة النعم وحقها ، وهو دين يقره العقلاء والشرع والوجدان والضمير ، وتطمئن به النفس الطيبة وترتاح له الروح الطاهرة .

ولذا بعد أن عرفنا شيء عن دين الديان : نتعرض هنا لذكر أهم موارد الشكر من الظهور به ، وبما لم نتطرق إليه هناك ، فنذكر هنا بعض البيان عن وجوبه عقلا ودلالته على الواحد الأحد الشكور الديان العظيم حقا واقعا ، وكيفية الشكر وأهميته والترغيب به إيمانا يقينيا وبروح وله ونفسنا مطمئنة ، فنذكر فضل الشكر وثوابه ، و موارد الشكر بصورة عامة على كل نعمة ، ثم نذكر أهم النعم التي يجب دائما تذكرها وشكرها ، فنذكر موارد الشكر ، وكيفية سجدت الشكر وأهم أذكاره وأدعيته لنتحقق بها إن شاء الله مخلصين الدين لله الواحد الأحد الديان الشكور العظيم .

ونخصص هذا الإشراق : لفضيلة الشكر وأهمية عقلا ووجدانا ، وبنقل بعض الكلام عن العلماء الأعلام ، ثم تأتي مشارق نور تنورنا باقي المعارف من ضرورة الشكر شرعا بنص الكتاب المجيد التي ذكرناها ، فتدبر بها يا طيب ، فإنه الظهور بالدين في أحسن وأجمل مظاهره ، والتي من تحقق بها يكون له ملكا عظيما كريما لطيفا شافيا لا ينغصه شيء أبدا في نفسه وبكل محيطه ، وهو من الله الديان الشكور العظيم اللطيف الشافي :

 

الإشعاع الأول :

تذكرة في أهمية شكر لله الشكور بعد الإيمان به :

قد ذكروا : في علم الكلام والفلسفة وبكل معارف علم الاجتماع والضمير والوجدان وما تطلبه الفطرة من الكمال ، إن شكر المنعم واجب عقل ، ويكون هو أول دليل للإيمان بالله تعالى وبرهان يدعونا لشكره وطاعته وعبوديته  ، وقد ذكرنا في الجزء الأول وفي بابه الأول بعض الشرح له فراجع .

 وإنه يا طيب : قد عرفنا إن التوحيد أوله هو التوجه لعظمة الخالق في نعمه ، وطلب الكمال التام من كلها بقدر تهيئنا لتحصيل نورها المشرق من تجلي الأسماء الحسنى ، ولذا كان الموحد والعابد المتدين من أهم الأمور عليه بعد الإيمان بالله تعالى واليقين بعظمته وبأنه خالق كل شيء أن يشكر نعمه ، لأنه يدعوه كل شيء للظهور بمظهر الشاكر لله تعالى ، وإن الله من يشكره يعني توجه له بنعمه ، وطاعته بما تفضل عليه فيزيده إن شكره ، ويمنحه من جوده بما يجعله غارق بكرمه حتى يحصل له ملكا عظيما فيعجز عن شكره ولا يتمكن أن يعبر عنه بلفظ أبدا ، إلا بالقول الحمد لله أو بالشكر لله ، أو يكون من العارفين والقادرين على الكلام فيعبر عن شكر الله بما سيأتي من أدعية الشكر وأورادها .

ولذا كان علينا أن نشكر الله : على كل نعمة لأنه نعم الله لا تحصى ، وعلى العاقل التوجه لله ويستعد ليحصل على نعمه أبدا ، لا مؤقتا فيكفر بالنعم والعياذ الله حين عصيانه به فيبتعد عن نورها ، ويجعل حاجب على نفسه فلا تتجلى عليه ، ويكون ليس له القابلية لتحصيل فيضها وبهاء سنائها وكرم مجدها وجودها ، وهذا واضح في التعرض لنعمة كل منعم من عباد الله ، فكيف بالله الشكور حقا ، وبهذا عاملنا الديان الشكور .
 فقال الله الشكور تعالى : إن تعدوا نعمة الله لا تحصوه .

 وقال : وإن شكرتم لأزيدنكم  ،    واشكروا لي ولا تكفرون .

وبهذا عرفنا عقلا وشرع : إنه بالشكر للنعم من ضرورة العقل ، وبالخصوص عند التدبر فيما سخر لنا خالق كل شيء ، فعرفنا إن الكمال منه وحده تعالى ، ومن يستعد له يحصل على الزيادة ، وإن الحرمان بالكفر بالنعم ، لأنه يصرفها في غير ما يصلحها لا بنفسها ولا مع المنعم ليتسمر عليه بنعمه ، ولذا المتنكر لنعم المنعم ولم يشكره ، ويصر على عناده يكون له العذاب والنكال والخسران والحرمان وضيق المكان في وجوده وفي محيطه حتى يحترق به ويلتهب عليه نارا أبد ، ومن يتوجه لله بنعمه ويصرف نعمه في طاعته ويشكره فيظهر حبه لها والتوجه له بها ، فله كل كرامة ومجد ونور مشرق من الأسماء الحسنى .

ولذا جاء الشكر : مرافق للتوحيد وهو عين الإيمان والتدين بدين الديان كله ، وهو ضروري في معارف الدين وبه يتوجه لله رب العالمين بالعبودية سواء بلفظ الشكر أو بغيره من الطاعات ، فيدين لله بدينه فيشكر الله ، والله يوفق من يتوجه له ويشكر سعيه فيزيده بنعمه حتى تكون أبدية له ، وهو الشكور الديان العظيم اللطيف الشافي ، فيكرمه بما يجعل نعيمه هنا محيطة به وتُنور وجوده ، وفي ملكوته أبديا له خالص من كل ما ينغصها من شوب المادة وضيق المكان ، فيتسع ملكه حتى يكون عظيما لطيفا ، وكله حبور وسرور وفرح بكرامة الرب الديان المجيد الشكور ، والحميد المتعال العظيم اللطيف الشافي .

وذكروا يا طيب : في كتب الكلام والفلسفة أدلة كثيرة على وجوب شكر المنعم وقد عرفت بيان طيب في الباب الأول من صحيفة التوحيد للكاملين في هذا المعنى ، وهذا بعض ما ذكر القوم في هذا المعنى نذكره لتطمئن النفس بمعارف النور من ضرورة شكر المنعم عقلا وشرعا فترغب به عن يقين :

 

 

الإشعاع الثاني :

شكر المنعم واجب عقلا  بتقرير العلماء :

ذكر في كنز الفوائد : قال شيخنا المفيد رحمه الله هذه أقسام تحيط بالمفروض من المعارف ، لأنه أول ما يجب على العبد معرفة ربه جل جلاله ، فإذا علم أن له إلها ، وجب أن يعرف صنعه ، و إذا عرف صنعه عرف به نعمته ، فإذا عرف نعمته وجب عليه شكره ، فإذا أراد تأدية شكره وجب عليه معرفة مراده ليطيعه بفعله ، و إذا وجب عليه طاعته وجب عليه معرفة ما يخرجه عن دينه ليتجنبه ، فتخلص له به طاعة ربه ، و شكر إنعامه .

 

وذكر في كنز الفوائد : إن سأل سائل :

فقال : ما نعمة الله تعالى عليك ؟ فقل : خلقه إياي حيا لينفعني .

فإن قال : و لم زعمت أن خلقه إياك حيا أول النعم ؟ فقل : لأنه خلقني لنفعي و لا طريق لنيل النفع إلا بالحياة التي يصح معها الإدراك .

فإن قال : ما النعمة ؟ فقل : هي المنفعة إذا كان فاعلها قاصدا لها .

فإن قال : ما المنفعة ؟ فقل : هي اللذة الحسنة أو ما يؤدي إليها .

فإن قال : لم شرطت أن تكون اللذة حسنة ؟

 فقل : لأن من اللذات ما لا يكون حسنا .

 فإن قال : لم قلت أو ما يؤدي إليها ؟

 فقل : لأن كثيرا من المنافع لا يتوصل إليها إلا بالمشاق كشرب الدواء الكريه و الفصد ، و نحو ذلك من الأمور المؤدية إلى السلامة و اللذات ، فتكون هذه المشاق منافع لما يؤدي إليه في عاقبة الحال .

 و لذلك قلنا : إن التكليف نعمة حسنة لأنه به ينال مستحق النعيم الدائم و اللذات .

فإن قال : فما كمال نعم الله تعالى ؟

فقل : إن نعمة تتجدد علينا في كل حال ، و لا يستطاع لها الإحصاء .

فإن قال : فما تقولون في شكر المنعم ؟ فقل : هو واجب .

 فإن قال : فمن أين عرفت وجوبه ؟ فقل : من العقل و شهادته و واضح حجته و دلالته ، و وجوب شكر المنعم على نعمته مما تتفق العقول عليه ، و لا تختلف فيه .

 فإن قال : فهل أحد من الخلق يكافئ نعم الله تعالى بشكر أو يوفي حقها بعمل ؟ فقل : لا يستطيع أحد من العباد من قبل أن الشيء ، إنما يكون كفوا لغيره إذا سد مسده ، و ناب منابه ، و قابله في قدره ، و ماثله في وزنه . و قد علمنا أنه ليس شي‏ء من أفعال الخلق تسد مسد نعم الله عليهم ، لاستحالة الوصف لله تعالى بالانتفاع ، أو تعلق الحوائج به إلى المجازاة .

 و فساد مقال : من زعم أن الخلق يحيطون علما بغاية الإنعام من الله تعالى عليه و الإفضال ، فيتمكنون من مقابلتها بالشكر على الاستيفاء للواجب و الإتمام . فيعلم بهذا تقصير العباد من مكافاة نعم الله تعالى عليهم ، و لو بذلوا في الشكر و الطاعات غاية المستطاع ، و حصل ثوابهم في الآخرة تفضلا من الله تعالى عليهم و إحسانا إليهم .

و إنما سميناه استحقاقا في بعض الكلام : لأنه وعد به على الطاعات ، و هو الموجب له على نفسه بصادق وعده ، و إن لم يتناول شرط الاستحقاق على الأعمال . و هذا خلاف ما ذهب إليه المعتزلة ، إلا أبا القاسم البلخي فإنه يوافق في هذا المقال ، و قد تناصرت به مع قيام الأدلة العقلية عليه الأخبار[1] .

  

وقال العلامة الحلي في نهج الحق :

 الحق أن وجوب معرفة الله تعالى مستفاد من العقل : و إن كان السمع قد دل عليه بقوله : فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الله ، لأن شكر المنعم واجب بالضرورة ، و آثار النعمة علينا ظاهرة ، فيجب أن نشكر فاعله ، و إنما يحصل بمعرفته ، و لأن معرفة الله تعالى واقعة للخوف الحاصل من الاختلاف ، و دفع الخوف واجب بالضرورة .

و قالت الأشعرية : إن معرفة الله تعالى واجبة بالسمع لا بالعقل .

 فلزمهم ارتكاب الدور المعلوم بالضرورة بطلانه لأن ، معرفة الإيجاب تتوقف على معرفة الموجب، فإن من لا نعرفه بشي‏ء من الاعتبارات البتة، نعلم بالضرورة أنا لا نعرف أنه أوجب .

 فلو استفيدت معرفة الموجب من معرفة الإيجاب لزم الدور المحال .

و أيضا لو كانت المعرفة إنما تجب بالأمر : لكان الأمر بها ، إما أن يتوجه إلى العارف بالله تعالى ، أو إلى غير العارف ، و القسمان باطلان .

 فتعليل الإيجاب بالأمر محال .

 أما بطلان الأول : فلأنه يلزم منه تحصيل الحاصل ، و هو محال .

 و أما بطلان الثاني : فلأن غير العارف بالله تعالى يستحيل أن يعرف أن الله قد أمره ، و أن امتثال أمره واجب .

 و إذا استحال أن يعرف أن الله تعالى قد أمره و أن امتثال أمره واجب .

 استحال أمره ، و إلا لزم تكليف ما لا يطاق[2] .

 

 

 

الإشراق الثالث  :

شكر المنعم سبحانه واجب شرعا بنص كلام الله الشكور :

إن الله الشكور سبحانه : يرشدنا بكل طريق ويدلنا بكل سبيل ممكن حق ، لمعرفة أهمية نور ظهور أسمه الشكور لنتحلى به ، ولنظهر به حقا واقعا صادقا فيحققنا به ظهورا ، فيكون المتدين بنعمة هدى الشكور ودينه شكورا بنفسه وبكل شيء ينتسب له ، فيكون العبد المؤمن مظهرا لاسم الله الشكور .

 فإنه يا طيب : بعد إن عرفنا في الإشراق الأول إن الله الشكور لكماله الواسع يُظهر نور التكوين ، ويمده ليبقى بنعمه ، ويتوسع نوره بقدر ما يتحمله عالم الإمكان بدنياه وملكوته وجبروته ، وبما ظهر من إشراق نوره المقدس والأقدس يتجلى أشرف وأتم ظهور لنوره في الوجود ، وبأحسن خلقه وأفضلهم شكرا له تحملا وظهورا ، وهذا المعنى حكاه الله الشكور في كثير من الآيات الكريمة من كلامه المجيد ، نذكر بعضها لنعرف تجليه سبحانه بنور اسمه الشكور الدائم الشكر في الدنيا وفي الآخرة العليا على أكرم عباده من الأنبياء والرسل ، وبالخصوص نبينا الكريم وآله صلى الله عليهم وسلم وعلى من تبعهم .

فيظهر نور الشكور : بشكرهم له بكل وجودهم علما وعملا ، وقولا وفعلا هنا ، حتى لا يتصور أحسن من ظهور شكرهم أبدا ، فكان نور الشكور حقا خالصا شكره لهم وفيهم ومنهم ، وبأجمل وأحلى وأحسن نور وبهاء ، وهذه بعض أشعة لنور الشاكر المشكور الشكور سبحانه في ظهور نوره بالتكوين ، وبأحسن خلقه وأشرفهم مظهرا ، فنتدبر معانية وحقائقه الواقعة في كتاب الله ، ثم يأتي تدبر أخر في ظهور اسم الله الشكور من سيرة أكرم الشاكرين في الوجود ، وبقولهم وتعريفهم في الإشراق الآتي إن شاء الله الديان الشكور العظيم اللطيف الشافي :

 

 

الإشعاع الأول :

الشكور يشكر من يهفوا ويود دينه الحق وسبيله :

يا طيب : إن الله تعالى ديان شكور عظيم : قد عرفت في النور السابق وقبله ، إنه تعالى أرشدنا لنور دينه ونعيم هداه وما يوصل للسعادة التامة أبدا ، فعرفنا كل ما يقرب له لتحصيل نور الأسماء الحسنى ، حتى كان حليم تواب وغفور شكور عظيم ولطيف شافي ، فإنه لا يأخذ على الذنب مباشرة ويمهل ولا لا يهمل ، ومن يرجع له وينيب إليه يغفر ذنوبه ويصلحه فيشفيه من كل منغص  ، وإن عمل صالحا بدينه الذي نزله حقا بما علمه الذين أنعم عليهم وشكر سعيهم فهو شاكر عليم وغفور وشكور له . فيهب الوهاب الشكور لمن يتوجه لها حقا ، وبود وحب لدينه الحق ، كل توفيق للتحقق بدينه وتعاليمه بنور أبدي ، وبملك عظيم لا ينغصه شيء كما ستعرف في شرح نور العظيم اللطيف الشافي وهنا .

 فعرّفنا سبحانه : دليل الإيمان به وسُبل الوصول لمعارف شؤون عظمته و لدينه بصراط مستقيم ، وذلك لكي نتحلى بنور شكره وعبوديته ، وعرفنا شكره لأكرم عباده ورضاه عنهم وكرامته عليهم ، فدلنا على دينه الذي يُشكر من يتحقق بمعارف من شكرهم ومكنهم منها وعلمها لهم فعلمونا بها لنشكره .

وبهذا الطريق : الواضح البين من الله الرائي العليم المبين نتعرف بحق على كيفية الحصول على شكره بدين من شكرهم وظهر شكره فيهم ، وإن لم يكن حقا لنا ولكنه شكور ، وبلطفه توجهنا له بدينه حقا ، وسرنا على صراطه المستقيم ليشكر سعينا وليغفر ذنوبنا، وهو الغفور الشكور العظيم اللطيف الشافي.

وهذه بعض الآيات : نتدبر بها لنعرف بالإضافة للدليل العقلي والوجدان الداعي لشكر المنعم ، كيف نشكره باللفظ وبكل طاعة وسبيل ذو صراط مستقيم ، وموصل لنعيم هداه وملكه العظيم بشكره لنا حين نقتدي بمن شكرهم وظهر شكره فيهم حقا ، فنود شكره ونهفو لما علموه ، فيشكر سعينا كما شكرهم . وقد قال الله الشكور تعالى : يعرفنا نعمه في الكون وعلى بعض عباده المصطفين الأخيار وأكرم عباده في الوجود شكرا له بفضل شكره لهم .

 فقال الديان الشكور : يعرفنا ما نشكره به من الصلاة والإنفاق في سبيله ، وبما كرمنا من نعمة التي لا تحصى والمسخرة لنا ، وبدين الذي عرفنا سبيله ممن شكرهم ، وأوجب أن نهفو ونهوى لهم فنود دينهم الذي علمه لهم ، فتدبر كلامه العظيم اللطيف الشافي في البيان ، وفي الحجية البالغة المعرفة لتعريف سبيل شكره :

{ قُلْ لِعِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ (31)
ـ هذا دينه وما يشكر به سبحانه . وهذه نعمه : ـ
الله
الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ
وَأَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ .

وَسَخَّرَ لَكُمْ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمْ الأَنهَارَ (32)

وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَار (33)

وَآتَاكُـــمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُـــوهُ

وَإِنْ تَعُــدُّوا نِعْمَــةَ الله لاَ تُحْصُوهَـا

إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)

ـ وبعد معرفة نعمه ، هذا سبيل دينه الذي يجب أن نشكره به عند من عرف شكرهم وعظمتهم حين شرفهم بدينه ليشكروه بما يحب ويرضى ـ

وَإِذْ قال إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ

 أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ

فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36)

 رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّـتـِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ

رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ

فَاجْعَلْ أَفْئِــدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْــوِي إِلَيْهِـمْ

وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ

 لَعَلَّهُـمْ يَـشْـكُـــرُونَ (37) رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى الله مِنْ شَيْءٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ (38)

الْحَمْــدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39)

رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِنْ ذُرِّيَّـتِــي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40)رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41) } إبراهيم .

فهذه نعم الله التي لا تحصى :  التي ذكرت في هذه الآيات وتجد غيرها الكثير كافيه لكي نعيش بنعيم حقا ، إن تصرفنا من غير بخل وتقتير ولا إسراف ولا تبذير ، ومن غير ظلم وبخس للميزان وغش ، فابتعدنا عن المحرمات وتصرفنا وفق هدى الله و أقمنا دينه ، وأنفقنا سرا وعلنا نطلب رضاه بعد أن نقيم الصلاة .

وهذا أبو الأنبياء إبراهيم : هو من أكرم عباد الله الشاكرين لله والمرضي شكره من الشكور ، فعرفه لنا وشكره وكرمه وذريته الكرام بالإمامة حتى يوم القيامة ، وكان شاكرا كل من تبع أئمة الحق من ذريته ، فكان حقا مظهرا كريما لنور الشكر في الوجود ، هو وذريته الطيبين الطاهرين من أئمة الدين ، ومن تبعهم حقا مخلصا بدينهم وشكر لله به سواء كان من ذريته أو من غيرهم ، فحمدوا الله وشكروه ، وقد جاءت آيات أخرى تعرفنا شكره إذ قال الله الشكور تعالى يعرف شكره :

{ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)

 شاكرا ِلأَنْعُمِــهِ اجْتَبَـاهُ وَهَـدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم (121)

وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122)

 ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْــكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفً

 وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123) } النحل .

فكما عرفت في نور الله الوفي : إن نبي الله إبراهيم ، طلب أن يكون من ذريته أئمة ويكون لهم الكتاب والحكمة ، وأن لا يضلوا ولا يعبدوا صنم طرفة عين حتى يستحقوا هذا المقام من الإمامة للناس ، فيعلمهم الله ما يشكروه به بإقامة دينه الحق ، وإنه منهم يتعلم الناس شكره بدينه الحنيف كما يُعرفهم الأئمة لهم من ذريته المخلصين الذين لم يسجدوا لصنم أبدا ، وكانوا يعلمون هداه ويعلموه حقا من غير شك ولا ريب ، وعرفت إن الأئمة كانوا هم الشاكرون ولم يشركوا بعبادة صنم أضل الناس ، ولم يُضلوا الناس عن معرفة شؤون عظمته ودينه الحق الذي يُشكر من يعبده به حقا .

وهذا ما عرفنا الله تعالى في آيات المجموعة الثانية والأولى : بأنه شاكر ويرجوا أن يكون من ذريته شاكرون ، وأن يرزقهم ليشكروه ، وهذا هو ما عرفنا في الآيات أعلاه عن نبينا الكريم محمد وآله مع جدهم في دين واحد ، فهم ذرية إبراهيم الذين يجب أن نهـفـو لهم ونهواهم ، فيجب أن نودهــم ونحب دينهم وهداهم الذي نسأل الله أن يهدينا به لصراطهم المستقيم ، وهذا نعيم الله لهم من الكتاب والحكمة وتوريثه لملكه لهم في الدنيا كما عرفت في اسم الله الوارث .

 ففي الإسلام نبينا وآله صلى الله عليه وآله وسلم : هم الذين كانوا معلمي دين الله الشكور وما يشكر به من ذرية إبراهيم وإسماعيل عليه السلام ، وإنهم لم يشركوا ولم يضلوا عن التوجه له وإقامة دينه حقا ، ولم يعبدوا ولم يسجدوا لصنم أبدا حتى قبل الإسلام ، وخلافهم غيرهم من ذرية إبراهيم الذين أظلهم الشيطان وكانوا تحت ولايته في الجاهلية فلم يشكروا الله حقا لعبادتهم للأصنام فلم يستحقوا الإمامة ، وإن خالفوا أئمة الحق من ذرية إبراهيم وحاربوهم فهم ليس من الشاكرين حتى لو تسموا بأئمة المسلمين وأمراء المؤمنين زورا وبهتانا لغصبهم خلافة رسول الله بفلته .

والآيات من كلام الله أعلاه والآتية : لإقامة الدعاء وإقامة الصلاة والعمل الصلاح الذي يرضاه ، وبه يظهر بالشكر على من يظهر به حقا , فإنها صادقة حقا في نبينا وآله وفيهم ، أو ممن تبعهم فعرف دين الله حقا منهم ، وقد كان حقا ممن حبهم وودهم وكان فؤاده يهواهم ويهفوا لهم ، فيشكر الله على نعمة الهداية بصراط المنعم عليهم وأصحاب الصراط المستقيم كما في سورة الفاتحة التي نتلوها كل يوم ، وقد عرفت هذا المعنى في شكر الله لمن يتبع نبينا وآله في قوله تعالى :

{ ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ الله عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ

 قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْـــــرًا إِلاَّ

الْمَـــــــوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى 

 وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا  

 إِنَّ الله غَفُورٌ شَكُورٌ (23) } الشورى.

فقد عرفنا الله الشكور الغفور : معنى أن نهوى ونود فنحب قربى النبي كما طلب نبيه إبراهيم وكما طلب نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، فعرفنا : إن أجر الرسالة مناسب لها ، وهو يتم بتعريف دين الله وشرحه بعد نبي الرحمة ، وبه يعصم الناس من الاختلاف ، لأنه تبع أئمة دين الديان الشكور ، فكان ممن شكر الله بدين المنعم عليهم بالإسلام حقا وشكره الله الشكور ، ومن ضل عنهم كفر بأنعم الله ودينه وهداه  ولم يكن شاكرا لأنعم الله الشكور العظيم اللطيف .

 

الإشعاع الثاني :

شكر الشكور لمن يقيم دينه بدين أئمة شكرهم دون غيرهم:

يا طيب : الكلام في شكر الله تعالى لعباده وهو الشكور الحميد العظيم والغفور الشكور العليم ، هو الكلام عن توجه عباده مخلصين له الدين بصراط مستقيم ، ولهذا يشكر سعيهم سبحانه ويهب لهم ملكا عظيما من نعيم وهدى الكتاب والحكمة أو ملكوت الجنة ، فمن يتوجه له حقا بما علمه أئمة الدين المصطفين الأخيار تمكن من شكر الله الشكور بما يحب ويرضى فيشكره الله الشكور ، وبتجلي الشكور ظهر شكره عليه فكان العبد شكورا بنور الشكور.

وبهذا علمنا : إن الله يشكرنا إن أقمنا دينه الذي علمه لمن اجتباهم وأختارهم لدينه فخصهم بالكتاب والحكمة ، لعلمنا إنه لم يوحي لنا ولا لأحد إلا ممن عرّفه الله بالفضل الكبير وعرفنا مناقبه وشأنه العظيم عنده ، فعرفنا شكره لهم وتبين شكر سعيهم ، وحينها إن اقتدينا بهم يكون لنا نصيب من شكره وظاهر بنا نور الشكور حقا ، ويكون لنا ملكا في أنفسنا وفي كل ما يُحطنا في الجنة بما لا يوصف من الملك الكبير ، ومع أئمة الحق الذين أنعم الله عليهم وشكر سعيهم وشكر سعي كل من يتوجه له بدينه الذي خصه بهم .

وهذه يا متدين يا شاكر لأنعم الله : آيات كريمة تعرفنا إنه من طلب الله حقا ، وسعى بجد لدينه فعرفه بحق ، ولم يضل بضلال من أغواهم الشيطان وأئمة الكفر والنفاق ، فهو يكون شاكر قد تحقق بفضل الله الشاكر والشكور حتى ظهر فيه نوره ، فشكر الله والله شكره بتوفيقه لدينه وبإقامته بما يحب ويرضى .

ولذا قال الله الشكور تعالى : يعرفنا إنه من يطلبه ويسعى له بجد ، يجعله إمام حق لما يُعلم دينه ويشكر به بما يحب ، فيعلمه ويصطفيه بدينه فيشكر الله ويشكره الله ويهبه ولمن تبعه ملك من ملكه العظيم في الدنيا والآخرة :

{ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاَهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18)

 وَمَنْ أَرَادَ الآخِـــرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِــنٌ

فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُـهُــمْ مَشْكُــــــورًا (19) 

كُلاًّ نُمِدُّ هَؤُلاَءِ وَهَؤُلاَءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20)

انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ

وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيل (21)} الإسراء.

وبهذا عرفنا الله الشكور سبحانه : إن نعمه في الدنيا لكل من يطلبها ، ولكنه تُحظر على من يضل عن سبيله ، ولم يسعى بجد لمعرفة دينه الحق بصراط مستقيم من المنعم عليهم أبدا ومن فضلهم تفضيلا ورفع درجتهم كما عرفنا هذا في آيات كثيرة ،  سواء آيات النور ورجال البيوت المرفوعة الذي أذن أن يرفع ذكرهم وما يشكرون الله به من دينه الحق ، فكان نبينا وآله صلى الله عليهم وسلم نور الله المشرق بالنعيم الأبدي لكل من يتحقق بهداهم ، فيشكر الله به ويشكره الله الشكور كما عرفت في نور الوفي ، وكما إنه تعالى عرفنا هذا في قوله تعالى لنبي الرحمة :

{ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ }الضحى11 .

 وقال له : { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ }الشرح4 .

وهذا معنى علمي وبيان عملي : لظهور الله الشكور على من يشكره فزاده بنشر مناقبه وفضائله وطلب منا في سورة الفاتحة أن نطلب صراطه المستقيم عند المنعم عليهم من النبي وآله ، لأنهم هم أهل البيت المرفوع ذكره والمنعم عليهم وكوثر الخير ، وهذا معنى الصلاة عليهم معه صلى الله عليه وآله وسلم ، وبكثير من الآيات عرفنا شأنهم العظيم الكريم ، فهذا شكر كبير من الله لهم وبيان ظهور الشكور فيهم حقا واقعا في الدنيا قبل الآخرة ولكل العباد نشرهُ ، وبهذا صار يظهر الله الشكور  لكل من تبعهم فاقتدى بهم وتعلم منهم ، فشكر الله بدينهم وبهداهم الحق ، فيكون حقا شاكرا لأهم أنعم الله وهي نعمة الهداية ، فيكون له إيمانا وعملا صالح ويظهر له الغفور الشكور كما عرفت في آية المودة لأنه قد هفا لهم وهوى ودهم وحب هداهم ودينهم وتحقق به مخلصا لله بدينه ، فشكره به فشكره الله وله الحسنى ومقام صدق عند مليك مقتدر شكور ديان .

وقد عرفنا يا طيب : إن تفاضل الدرجات وعلو المنزلة كما في الآيات أعلاه مورد الشرح ، هو إما في الرزق سواء رزق مادي أو رزق دين وهدى ، فإن الرزق المادي لمن يطلب الدنيا والآخرة مقسوم وحسب الطلب يزاد ، ولكن رزق الهدى والملك العظيم هدى ودين ، وملك نعيم ملكوت الجنة بملك ونعيم تام كامل أبدي فهو فقط للمهتدين الشاكرين لله حقا بدينه الحق ، والذي خصه بالشاكرين حقا والمنعم عليهم بالكتاب والحكمة هنا ، ولم ينقلبون عنه ، ولذا جعل سبحانه دينه عند أئمة الحق وعرفنا بعد آيات كريمة خواص من يتوجهون له مخلصين ، فجعل منهم أئمة إلى يوم القيامة وهم نبينا وآله الكرام ، فتدبر هذه الآيات الكريمة تعرف سبيل الله الشاكر وكيف يظهر بالشكور ، لتشكره بكل وجودك ، وبما يحب ويرضى من شكره الواجب على كل العباد ، فوهبهم شكره ونعيمه الأبدي إذ قال الله الشكور :

{ تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61)

 وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً

لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَــذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُــكُـــورًا (62)

ـ فهذا نعيم الله مسخر لمن أراد أن يشكر الله فيذكره بدينه الحق فكان من عباد الرحمان ، وهذه أوصافهم ، وهم أئمة حق محققون في الإسلام ، لأنه الله أمر نبينا وكل المسلمين بالدعاء ، وعرفت خص بأولي الفضل وكوثر الخير نبينا وآله صلى الله عليهم وسلم ، ومن يدعوا بهذا الدعاء يكون معهم ويصح عليه من عباد الرحمان الذي تعلم دينه حقا ممن خصهم الله وأصفاهم بدينه ، فيشكر الله ويتعبد به فيكون معهم وله شكر من الله الغفور الشكور وإلا فل ، ولذا قال ـ

وَعِبَادُ الرَّحْمَانِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قالوا سَلاَمًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِين يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) والَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ الله إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)

إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ الله غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى الله مَتَابًا (71) وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)

وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانً (73)

وَالَّذِينَ يَقُولُونَ

رَبَّنَا هَـبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُـــرَّةَ أَعْيُنٍ

وَاجْعَـلْنَا لِلْمُتـَّقِــيــنَ إِمـــَامــًا (74)

أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَمًا (75)

خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76) قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)} الفرقان .

وبهذا علمنا : الله الشكور إن الفضل والتفضيل العظيم لمن اصطفاهم وجعلهم أئمة ، ومن تبعهم يكون شاكر ، وعلما أنه لا أحد يمكنه أن يزكي نفسه مطلقا بالتقوى فضلا من دعوى أنه إمام المتقين حقا وله بينه ، إلا نبينا وآله سادت أهل الجنة والمطهرون بفضل الله تطهيرا ، ويشهد لهم كتاب الله ورسوله وعلمهم وسيرتهم وعرفت كثير من الآيات في حقهم ، وهذا ذكرى لمن أراد أن يتذكر فضل الله الذي عرفه بفضلهم ، وجعل أعظم خصائص دينه لهم ، ومن يقتدي بهم يكون من عباد الرحمان معهم لأن إمام الحق واحد في كل زمان كما عرفت في قوله :

 { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ

وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّـلْنَاهُـمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70)

يــَوْمَ نَدْعُــو كُلَّ أُنــَاسٍ بِـإِمَـامِـهِــمْ

فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (71)

وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيل (72)}الإسراء .

فإنه في هذه الآيات لكريمة : من سورة الإسراء وهي تابعة لآيات المجموعة الأولى ، تعرفنا وإن كان الإنسان مفضل لكن هناك فيهم أئمة يدعون بهم يوم القيامة ، وهم أعلى درجة وفضلوا تفضيل على الإنسان المفضل كما عرفت في آيات المجموعة الأول التي كان التفاضل فيها بين العباد ، وهنا تفضيل الإنسان على كثير من خلق الله بإمامه الحق الذي يدعى به يوم القيامة ، وكان عبد الله الشكور وشكره بدينه ، وبشرعه الحق توجه له وشكره ، فشكره الشكور وفضله ، ولم يكن ضال أعمى عن هدى أئمة الحق.

 وكما عرفت في الآيات : قبل هذه ، والتي عرفنا بها كيفية التوجه له من عباد الرحمان الذين فيهم أئمة ، وهم كوثر الخير وقرة عين للنبي الكريم الذي يدعو ويعلم الدين ولم يمر على آيات الله صما وعميانا وهو معلمها والظاهر بها .

 وبهذا عرفنا الله الديان الشكور : سبيل دينه وعرف إنه في الدين قرة عين وإمام للمتقي من تلك الذرية الطاهرة للنبي وآله بما صبروا ، و إن الإمام الحق لم يعبد صنم ، ويكون حقا شاكر لأنعم الله وذكره مرفوع ، وأمر أن يحدث بنعم الله عليه والصلاة عليه وعلى آله ، وباهل بهم ، وطهرهم ورفع ذكرهم ، وجعل نور الكتاب والحكمة وذكره يشرق منهم ، كما عرفت .

وهذه شعائر الله التي يشكر بها : تؤخذ من نبينا وآله أئمة الحق ، فإنها شعائر الله التي لم تبدل وهي كما علمها الله لنبيه إبراهيم وحافظ عليها بالأخيار والأئمة من آله الذين عرفهم أئمة في طول الزمان، وتحقق بها التابعين لهم فعرفوا منهم مناسكهم وشرعهم ودين الله الشكور الذي عرفه لهم ، و الذي يشكروه به كما في قول تعالى وهو الشكور لإبراهيم ولنبينا ولآله ولكل من تبعهم حقا ، فقال سبحانه يعرفنا أئمة الحق ومنصبهم العظيم الطاهر في تبليغ الدين وتعاليمه التي بها تعرف مناسك الله ، وشرعه الذي يعبد به ، ويشكر حقا بما يحب :

{ وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ

قال إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا

 قال وَمِنْ ذُرِّيَّتِي

قال لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ(124)

 وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى

وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي

لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)

وَإِذْ قال إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ

قال وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)

وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ

رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)

رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ

وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَ وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)

رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ

يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ

 إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)} البقرة .

فهذه الإمامة والكتاب والحكمة والشعائر ودين الله في الإسلام : يعرف من نبينا ومن كان إمام حق عرفه الله من ذرية إبراهيم ، ولم يظلم نفسه ولم يسجد لصنم أبدا ، لأن الإمامة منفية عمن سجد لصنم وظلم نفسه ، فلا يكون إمام أبدا ، وكما عرفت في دعاء إبراهيم إذ نفى أن يدعوا للعاصي سواء فعلا أو في أخر عمره ، والله لأهمية الإمامة منعها ممن ظلم وكفر وأشرك بعبادة صنم ولو زمانا في حياته ، ولذا خصت تخصصا بعلي ابن أبي طالب كرمه الله وجه الذي لم يسجد لصنم وهو خليفة رسول الله وولي دينه ، وآله المطهرون سادت أهل الجنة ونعيمها ، فهم أئمة الحق والهداة للصراط المستقيم حقا صلى الله عليهم وسلم .

فخصت الإمامة : وتعريف دين الله على طول الزمان بالطيبين الطاهرين الذين طهرهم وطهر بيته بهم من الأصنام ، وطهر كتابه فجعلهم معلمين له ومعلمين شعائر الله ودينه الحق ، الذي به يشكر وبه يتجلى نور الشكور ، إذ عرفه العبد المؤمن وتولاه وشكره فظهر به نوره .

 وهذا هو في الإسلام : مختص شكر الله الشكور لأئمة الحق ولمن تبعهم بحق ولم يضل بمن خالفهم أو أضله عنهم المبعدون عن شكر الله حقا ، لأنه شكر الله بدينه الواحد والمختص بالطاهرين الطيبين نبينا وآله ولمن أخلص لله بدينه الحق ، فتعلم منهم فشكر الله الشكور به ، ولذا قال الله الديان الشكور العظيم اللطيف يعرفنا شعائرنا التي نشكر بها :

{ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ الله فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ الله شاكر عَلِيمٌ }البقرة158 .

وقد عرفت يا طيب : كيف طهر الإمام علي عليه السلام الكعبة من الأصنام حين فتح مكة ، وكيف بلغ سورة براءة في مكة في زمان رسول الله فطهرها من المشركين بأمر الله ، ومنع الله ورسوله غيره ممن عبد صنم من تبليغها ليعرفه للناس بعدم الأهلية لتبليغ شعائر الله حقا ولا دينه الذي يشكر به ، فلم يكن إمام حق ، وعرف الله إمام المؤمنين حقا الذي يُعلم شعائر الله ودينه ومن يستحق الإمامة في تبليغ شرع الله الشكور فيشكر من يشكره بإطاعته به .

 وإن الإمام علي عليه السلام : مُطهر بآية التطهير مع النبي وآله بنص الآية وبيته المرفوع ذكره مع النبي ، وهو نفس النبي الذي باهل به يوم المباهلة ، وإنه لم يسجد لصنم أبدا فلم يظلم نفسه ، فخصه وآله آل نبينا من ذرية إبراهيم صلى الله عليهم وسلم بالإمامة بعد نبي الرحمة ، وأمر بودهم فشكر سعيهم وسعي من يقبل تبليغ دين الله منهم فشكره به ، لأنه قد عرفت إن بدين الله الديان يشكر ، وإن أجر المودة والهوي لهم وحب دينهم كان أجر لرسالة النبي ، وهو مناسب للتبليغ لدينه ولتعاليمه ولتعريف الحكمة في شؤون عظمة الله تعالى به ، وبه يتجلى اسم الله على من يؤمن بتعاليمهم ويعمل صالح بها فيتحلى باسم الغفور الشكور كما عللت آيات المودة للقربى ، لأنه حقا عبد الله الشكور وشكر بشرعه ودينه الذين بلغه من عرف فضلهم وأمر بودهم والهوي لحبهم .

وإن حكمة الإمام علي ومعارفه في شؤون عظمة الرب : عرفها الداني والقاصي ، وإن معارف شؤون عظمة الله ودينه الحق يعرف به تحققا وبتعاليمه قولا ، فراجع نهج البلاغة أو ما ذكرنا من كلامه في الجزء الأول في أدلة التوحيد ، وهو العالم بعظمة الله والمعلم لها بعد نبي الرحمة ، ولم يوجد لأحد مثله مثل معارفه وزهده حقا ولا في فضله ومناقبه ، ولا في علو سيرته وسلوكه المشكور ، وسيأتي شيئا منها ، والله خص معارفه وخشيته لمن شكره حقا بعد معرفته بعظيم المعرفة .

 ولذا قال الله الشكور تعالى :

{ أَلَمْ تَرَى أَنَّ الله أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنْ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنْ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ

 إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ الله عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)

إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ الله وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29)

لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) } فاطر.

فهذا يا شاكر لأنعم الله : شرع الله الذي يشكر به بما يحب ويرضى عند العلماء من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو مستمر إلى يوم القيامة إمام بعد إمام عالم بشرع الله ومعلم له ولشؤون عظمته وما يشكر به ، فمن تحقق مؤمنا وعمل صالحا بشرعه كان الله غفور شكور له ، فيهبه مع أئمة الحق المصطفين ملكا عظيما لطيفا شافيا فيتجلى فيه الشكور في الدنيا والآخر ، وبه كل نعيم أبدي يُفرح القلب وتقر به العين ، فسبحان الله الشكور الغفور العظيم اللطيف .

وعرفت أن نبينا : هو معلم هدى الله ، وكل من تعلم منه كان له أجره ، وكان أجمل أجر لنبينا الكريم لما علم وظهر به من علم الله أن أمر بمودة قرباه والاقتراف من حبهم ، لنزداد بالحسنات وتضاعف لنا كلما كرفنا من الاقتداء بهم فنقتبس علما وهدى يُشكر به الله ، وبهذا يتجلى علينا الله الشكور بالشكر ، ويكون أجر مودة القربى وأجر الرسالة والعلم والعلماء والمتعلمون منهم والمقتدون بهم كله تعليله باسم الله الغفور الشكور ، سواء في آية مودة القربى أو هنا في أية العلماء الشاكرون لله بهداه ويخشوه ويخافون القصور من عدم شكره بما يحب ، فضلا عن التقصير والمعاندة وعدم قبول الحق حين علمه لنا بأئمة حق عرفهم لنا بكل سبيل ، لنشكره به فيشكرنا .

 

الإشعاع الثالث :

شكر الله الشكور لمن يقيم معارف دينه الحق :

يا طيب : إن الله عليم وغفور شكور لمن يقيم دينه فيهب له ملكا عظيما شافيا في يوم القيامة كما هو ترتيب الأسماء الحسنى في الحديث مورد الشرح ، ولذا هنا نركز على معارف اسم الله الشكور الذي يظهر بالعبد الشاكر لهدى الدين ولنعيمه بأي نوع كان في شكر الله بحق ، فيكون شاكر لأنعم الله سواء بمقاله أو بما يظهر عليه من نعيمه الحق ، وهو ملك الدين من الكتاب والحكمة أو بالمادة في البدن والمحيط مما سخر له من الكونيات التي تحيطه ليستطيع بها عبادة الله وشكره ، وعرفت إن أعلى نعيم يتوجه به لله الشكور هو بشكر أئمة الدين لأنهم علماء ، وأقاموا شكر الشكور مطهرون من غير شرك ولا شك ولا ريب أبدا فكانوا شاكرين حقا ، وهكذا يتجلى الشكور على من يهوى دينهم ويحبه ويودهم لما عندهم من المعارف الكريمة لنور الله المتجلي في خلقه نعيما وملكا عظيما فيشكره بإقامته .

وقد عرفت معارف كريمة عن علم الإمام علي في اسم الله الوارث : بل في الاسم الأعظم الله في أول شرح الأسماء الحسنى ، وعرفت أهمية العلم بالكتاب وبعض آثاره في توفيق الله للعالم به ، وإنه بهداه يكون متحقق بشكر الله والله يشكره لسعيه ، وإن كان بما مكنه الله الشكور شكر الله بأعلى وأعظم شكر ، وهذا كان لمن عنده علم الكتاب تبليغا أوليا كنبينا ، أو علم شرح وتبليغ لإمام بعده من آله كان راسخ بعلمه فيكون هو موردا لشكر الله بتطبيقه ، فلذا كان ود أهل البيت سبب لمعرفة علم الكتاب ودينه الله وشؤون عظمة الله والعلم بالكتاب ، وبهذا يقام دين الله فيشكر الله به والله يشكر سعيهم ولمن تعلم منهم ، وهذا ما عرفته في الآيات أعلاه من سورة فاطر ، والذي تمامها الآيات التالية وهي في توريث الكتاب لمن فضلهم الله تعالى كما في قول الله الغفور الشكور :

{ وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا

لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ الله بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31) ثُمَّ

 أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ : الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا

فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ

وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ الله ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)

 جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33)

 وَقالوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ

إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34)

الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)

وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِير (37) } فاطر.

وبهذا عرفنا الغفور الشكور : الذي علل شكره لمن يعمل صالح بدينه الحق فضاعف لهم الحسنات فشكرهم حقا وغفر ذنوبهم بل يبدلها حسنات ، ولكن بدين أئمة الحق الذين ورثوا الكتاب وكانوا سباقون بالخيرات ، ولذا خصهم بدينه فبلغوه كما في آية المودة كان اسم الغفور الشكور تعليل لسبب ود قربى النبي وأهل بيته ، كأجر لما بلغ من الكتاب ، وفي آية العلماء وتوريث الكتاب كان التعليل بالاسمين الكريمين الغفور الشكور وإنهم يرثون الكتاب حقا بأعلى مرتبة لأنهم السباقون بالخيرات وهم يصبحون أئمة ومعلمين وشارحين لعلمه ، ليُشكر الله بهداه الحق للقسمين الآخرين ممن ورثوا الكتاب : أي للمؤمن المقتصد ، وللظالم نفسه وإن هجر الكتاب ومعارف أهله ، مع عناية الله به وطلبه منه التحقق به لأنه نزل في بلده أو على عشيرته أو وصله علمه ومعارفه فعرف العالمون به ، ولكنه رفض الانقياد لهم وإطاعتهم أو أنقلب على الدين بعد وفاة رسول رب العالمين .

وإن الغفور الشكور : يشكر السعي الذي يرضاه ، وهو لمن إقام دين المنعم عليهم ومن تفضل عليهم بملك الكتاب والحكمة حقا فكانوا علماء به وراسخون به علما طاهرا من أي خلاف وضلال ، وظهرت في معارفهم معاني حقة لشؤون العظمة وفي تعريف علو الله ومجده حقا ، وفي تعريف هداه الصادق بعلمهم وعملهم وسيرتهم وسلوكهم شكرا له وبكل عبودية تحققوا بها فعلموها علما وعملا وسيرتا وسلوكا .

 ولو تدبرت حال كل المسلمين : لم ترى لهم علم مع زهد حق فضلا عن الثبات والشجاعة في الدفاع عن الدين بكل وجودهم وبأصعب الأحوال ولم يفروا فيها ، كما للإمام علي وآله بعد نبي الرحمة صلى الله عليهم وسلم ويكفي التدبر ما لاقوا بجهادهم في سبيل تعريف الحق من دين الله الذي يجب أن يُشكر به ، وبهذا نعرف إنهم أئمة الحق الذين كانت تلك الآيات أعلاه تعرفهم بالذين يقيمون الصلاة وبوفاء النذر والخوف من الله وإنهم علماء حق يخشون الله ويرجون فضله بكل وجودهم ، وإنهم هم السابقون بالخيرات لما عندهم من علم حق بالخير ومورده ، وكيف يتوجه به لله بإخلاص يشكر الله به السعي ، ويغفر أي تقصير فلا يجعل لهم تقصير أصلا .

وبهذا عرفنا الله الشكور أئمة الحق : وكيف نود دينهم الذي عرفه لهم ، لنشكره به وننال رضاه ، وهذا نفسه عرفنا شكره لهم في الدنيا والآخرة في سورة الدهر الإنسان النازلة في حقهم باتفاق المسلمين .

إذ قال الله الشكور الغفور :

{ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكرا  وَإِمَّا كَفُورًا (3)

إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلاً وَأَغْلاَلاً وَسَعِيرًا (4)

إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5)

عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7)

إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُورً(9)

وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جزَاءً

وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُـــــــــورً }الإنسان22 .

 فعرفنا الله الشكور : شكر نبينا وآله له وطلبهم له مخلصين له الدين وسباقهم بالخيرات ، وإن ميراث الكتاب لهم وعرّف شكره لهم ، وإن من يقتدي بهم يشكره الله كما في آية المودة وهنا أيضا طالبنا بشكره بحق كما يشكره أحسن خلقه الأبرار الطيبون الطاهرون المخلصون له الدين ، لأنه منهم يعرف شرع الله ودينه الحق فيشكر به ، والله الشكور يشكر من يتحقق به ويسعى بجد لمعرفته ولتطبيقه فيشكر الله به ، فيُنعمه أبدا بأجمل نعيمه وهو شكرا لما ظهر بالشكر له .

والله شكور : ويجزي الشاكرين الثابتين على دينه والصابرين في هداه ، ولكن من يكفر فعليه كفره ويكون من الطواغيت الذين كفروا بأنعم الله ، وإن من يثبت وثبت مع النبي وبعده مع أئمة الحق الشاكرين ، يشكره الله وسيجزي الله الشاكرين الذين يودون الشاكرين فيهوهم ويحبوهم ويحبون دينهم ويوده ، وبتعاليمهم يطيعون الله وينفقون على من تولى الشاكرين ، وينشرون دينه بكل وجودهم سيرة وسلوكا وعلما وعملا بما علمه الشاكرون ، ومقتدين بهم ومتأسين ، ولم ينقلبوا عن دين الله الديان الذي يشكر به ، والذي هو عند أئمة الدين الشاكرين للشاكر العليم ، وهذا ما أمرنا به الله وعلمنا به الشكور ونبهنا له إذ قال :

{ وَمَا محمد إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ الله شَيْئًا

وَسَيَجْزِي الله الشاكريــنَ (144)

وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُؤَجَّلاً

 وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَ

وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشاكرينَ (145) } آل عمران.

وبهذا الطريق البين يشكر الله الشكور : العبد ، وبه يعبد الله حقا ويذكره كما يحب ، وبقلب مسلما للحق من هداه الذي يشكر من يطيعه به ، وهو مذعن للحقيقة من تعاليم الديان سبحانه ، فيقيم دينه بصراط مستقيم حتى يشكره الله الشكور ، فتُزاد الحسنات ويشكر السعي ويغفر كل ما يمنع من رضاه العظيم وملكه المقيم في النعيم في يوم الدين ، وهنا يوفق الله العبد للتوبة إن كان حقا يطلب الله بسعي جدي غير مرائي ولا كاذب كما عرفت في النور السابق .

 وهذا المعنى نفسه عرفه الله في معارف أخرى : وهو لمن بقي مع نبينا ومحب له بعده وحفظه بحفظ أهله ودينه الذي علموه فتعلمه منهم ، ولم يعادي ذرية أنبياء الله محمد وإسماعيل وإبراهيم الطيبين الطاهرين وأئمة الحق للمسلمين ، بل حبهم وودهم ولم ينقلب عليهم ، وبهذا عرفنا سبيل كل الأمم الذين أمرهم الله بأتباع الحق والانصياع لدينه الواقعي من معلميه الصادقين ، والذين عرّف صدقهم بكثير من المعجزات ، وبفطرتهم الطالبة للكمال الحق من الكاملين في سيرتهم وسلوكهم وعلمهم ، فقال سبحانه من شكور لطيف عظيم شافي :

{ أَلَمْ تَرَى أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ الله لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَــــكُــورٍ (31) وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوْا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ

وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا  لاَ يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئً

 إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ

فَلاَ تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَ وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِالله الْغَرُورُ (33) } لقمان .

وهذا كان قانون عام : في تعريف ضرورة شكر الله الشكور بدينه الحق ممن اصطفاهم ، فورثهم كتابه وسبقوا بالخيرات في تعليم دينه الله وتطبيقه ليشكر به حقا ، وإنه خسر من كفر أنعم الله وأنقلب عن دينه فعلم غير شرع الله في كل زمان كان ، فلم يتبع الحق وغر بدين من أغراهم وغرهم المنقلبون ، وبقي من رجع للحق من دين الله ولم يغتر بدين الآباء أو المجتمع ، بل طلب دين وشرع الله الشكور الحق فشكر الله به واقعا كما علموه ولذا قال الشكور :

{ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا

وَاعْتَصَمُوا بِالله

وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ الله الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمً (146) مَا يَفْعَلُ الله بِعَذَابِكُمْ

 إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ الله شاكرا عَلِيمً (147) } النساء .

وعرفت إن العصمة تكون بإمام حق منصوب من الله : والله هو العاصم بمن عرّف فضلهم وشكرهم فعرّف دينه عندهم ، وإلا المسلمون اختلفوا في شرع الله وكلا يعرف رب مختلف عن الآخر في شؤون عظمته ، فضلا عن دينه وشرعه ، وأنت أمامك دين الراسخون بعلم الله وأئمة الحق السباقون بالخيرات الذين شكرهم الله وأنعم عليهم بهداه الذي شكروه به حقا .

ولذا طلب منا في سورة الفاتحة : أن نستعين به بحق فنبحث بجد واجتهاد عن معارف أئمة الحق ، فنشكر الله بدينهم الحق ، ليشكر سعينا ، ونكون بحق شاكرين ، وقد شكرنا الله بما يحب ، فيشكرنا بملك عظيم في الآخرة بل هنا فيوفقنا ، لا مجرد الجد في العبادة بأي دين وتعليم لمجرد علمها من كان ضال وتبعه الآباء أو رأى النبي وأنقلب وغرته الدنيا وزينتها فطمع بالملك وتبع أئمة الضلال يوعظ لهم بالقياس والرأي ، وبكل ما يشجعه لأن يكون إمام لهم ولمن تبعهم فصار إمام مخالف لأئمة الحق ولتعاليم الله ، فإنهم مهما كانوا لا يغنون من الله شيء إن كانوا لم يعرفوا شرع الله حقا من المنعم عليهم ، والذي عرف الله الشكور فضلهم الكبير وجعلهم أئمة دين صادقين مصدقين عرفهم بكل سبيل .

وإن الله الشكور : لا يرضى بشكره بدين من أضلهم المنقلبون عن دين الله ، وعن معارف منحرفة عن شرع أئمة الإسلام الذين شكر الله سعيهم ، وإن شكر الله فقط لمن ودهم فشكره بدينهم ، وبهذا يظهر نور الغفور الشكور ، وبهذا يتجلى الغفور الشكور لمن يؤمن به وبدينه وشرعه وسبيله وصراطه المستقيم حقا من المنعم عليهم فيعمل صالحا به ، ولذا من كان مخلصا مستعينا بالله معتصما به بما عرفه من سبيله وصراطه المستقيم عند المنعم عليهم ، يكون قد شكر الله والله يشكره ، وإلا يكون ممن قال الله الشكور يحكي عن عدوه في قوله :

قال فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16)

ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ

وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكرينَ (17) قال اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18) }الأعراف .

وقال الله تعالى :{ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65)

 بَلْ الله فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشاكرينَ (66)} الزمر .

 ويا طيب : عرفت سبيل شكر الله وشرعه الذي يشكر به ، وأنت مخير لا إكراه في الدين وما يشكر به الشكور ، وهذا إشراق أخر لشكر أئمة الحق للشكور بالحديث ، ثم نذكر معارف الشكور لنتيقن ظهور الشكور فيهم حقا .

 

 

 

الإشراق الرابع :

شكر الله للنبي وآله في الدنيا والآخرة وشكرهم له :

يا طيب : إن ما يشكر به الله الشكور لنحصل على شكره ، يجب أن نقيم دينه الحق ، فهو ديان يدين كل إنسان بحسب شأنه في طلبه بوجوده و بهداه ، فمن كان مستعد له بما علمه وهداه فهو يشكره ، ويمكنه من ملكه العظيم اللطيف الشافي في الدنيا كتاب وحكمة فيجعله عالما بشؤون عظمته ودينه ، بل معلما له وظاهرا به بكل وجوده وتصرف له ، فيقيم دين الديان الشكور وهو يشكره حتى يشفي غليله بما يحب من الكرامة والمجد والجود عليه وبملك عظيم لا يوصف حتى يرضى ، فتكون آخر دعواه أن الحمد لله ولا حمد بعده ولا شكر يمكن أن يذكره أكثر من هذا ، لعجزه عن شكر الله وحمده بما هو أهله ، بل حتى شكره يكون بفضله وتفضيله حين الظهور بدينه وإقامة عبوديته أو حين الإيمان به وتعلم هداه أو في ثوابه في الدنيا والآخرة بالكرامة لهم بتوفيقهم لشكره .

وكل من كان مقيم لدين الله بأحسن توجه له : وأخلص عبودية يكون هو الشاكر الأكثر والأفضل ، وهذا ما حكاه الله عنى نبينا وآله وجدهم إبراهيم وغيرهم من الأنبياء ، وبهذا طلب منا أن نتعلم دينه منهم فنشكره بمثل شكرهم ، ولذا كان علينا ودهم وبهداهم ودينهم نعمل صالحا يرضاه فيشكرنا عليه كما عرفت في تعليل آية المودة التي هي أجر تعليم الدين والظهور به بالاسمين الكريمين الغفور الشكور ، بأن يصلح وجودنا وينعم عليه بنور الأسماء الحسنى حسب توجنها له بصراطه المستقيم وحسب استعانتنا به حقا بطلب دينه والتحقق به نستعد لنور شكره فيظهر فينا .

وقبل أن نذكر : أحاديث كريمة تعرفنا أهمية الشكر وخصائصه ، نذكر بعض أحوال نبينا وآله ، ولنعرف شيء من شكرهم لله وشكره لهم ، ثم نذكر تعاليمهم في الشكر لله ، بعد أن تعرفنا في الإشراق السابق كيف ظهر شكر الشكور سبحانه فيهم .

يا طيب : إن عبادة نبينا الكريم : حكاها الله في كتابه المجيد في كثير من الآيات التي تعرف شأنه العظيم ، وأنه كان في كل أحواله كان مخلصا لله ولا يسعنا ذكر كل أخلاقه وعبادته ويكفي أن تراجع صحيفة النبوة لتعرف بعض أحواله ، ويكفي أن نذكر إن حقا يخشى الله وهو أعلم إنسان في الوجود بدينه الله الشكور وتعليمه والظهور به حتى شكره الله وعرج به لأعلى مراتب الملكوت حتى شجرة المنتهى وشاهد أعظم ملكوت الرب في الدنيا قبل الآخرة ، ويكفي لمعرفة عبادة نبينا ما ذكروا من أن :

 نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : إذا قام إلى الصلاة سمع لخوفه أزيز كأزيز المرجل على الأثافي من شدة البكاء ، و قد آمنه الله تعالى من عقابه فأراد أن يتخشع ، و قام على أطراف أصابعه عشر سنين حتى تورمت قدماه ، و اصفر وجهه من قيام الليل ، فأنزل الله تعالى :

طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى.

و كان صلى الله عليه وآله يبكي حتى يُغشى عليه ، فقيل له : أ ليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر .

 قال : أ فلا أكون عبدا شكورا . و كذلك كانت عبادة وصيه عليه السلام في مقاماته[3] .

وهذا هو شكر الله على هداه ونعيمه : بإقامة دينه والتوجه له مخلصين له الدين وعرفت حال النبي وتعظيم الله ومدحه في كثير من الآيات ، بل مدحه في آله وشكر سعيهم في سورة الدهر وفي آيات النور والبيوت المرفوعة بذكر الله أو آية الولاية للإمام علي وإيتاء الزكاة في الركوع وغيرها ، وما ذكر عن آله تجده في صحفهم إن شاء الله ولكن نذكر بعض الحالات عن عباداتهم ، ونبدأ بعبادة الإمام علي وحاله في التوجه لله ، لتعرف أئمة الحق وشكرهم ليكونوا لك قدوة في معرفة الله الشكور وظهوره في الشاكرين حتى شكروه بأحسن وجه ممكن .

 

 

الإشعاع الأول :

حالات من ظهور  الشكور في الإمام علي وشكره لله :

يا طيب : كان نبينا رحمة للعالمين وسراج منير يُريهم دين الديان وكيفية شكره ، وعرفنا حالة له وقد شكره وآله الله الشكور سبحانه بكل نعيم نشره في هداه لهم وبهم ، وما ذكره من تعريف مناقبهم وفضائلهم وتمكينهم من الظهور بها ، وعرفت حالة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم .

وهذه حالات لتلميذه و وصية وخليفته إمام الحق : علي بن أبي طالب صلى الله عليه وآله وسلم ، لنعرف أئمة الحق الشاكرين الظاهر بهم اسم نور الشكور ، وذلك لنقتدي بهم متيقنين ونتعلم منهم سبل شكر الله وإقامة دينه الذي يشكر به بعد نبي الرحمة ، ونتوق لمعارف عبودية الله منهم بعد نبي الرحمة لأنهم أئمة حق ، وقد خالفهم الناس في كيفية شكر الله وإقامة دينه في كثير من الأحكام ومعارف شؤون العظمة .

والله الديان الشكور : دينه واحد قد نزل من الواحد الأحد ولا يشكر إلا ما يرضاه من الدين ذو الصراط المستقيم من هدى المنعم عليهم حقا ، وشكر سعيهم وعرف شكره لهم وعرفوا شكرهم له بكل وجودهم ، وقد عرفت بعض الآيات الخاصة بهم وهذه حالات عملية في سيرتهم ، تشرح ما عرفنا من فضلهم ومناقبهم وسبب شكر الله لهم ونشر فضائلهم وتعريفهم بالإمامة والولاية ، واختياره لهم بعد نبيه وظهور شكره فيهم ولهم ولمن ودهم وحبهم وهوى للتعلم منهم ، فتابع أحوالهم واقتدى بهم ورضي بدينهم وتعبد لله به وشكره به .

 فهذه يا طيب : بعض الحالات لآل النبي ونذكر بعض من مظاهر الشكور في الإمام علي عليه السلام فتدبر وأعرف إمامك الحق وأشكر الله بدينه ، وأهجر كل ما يخالفه فإنه لا شكر فيه ولو تعبد ألاف السنين به فقد ورد :

عن محمد بن قيس عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال :

و الله إن كان علي عليه السلام : ليأكل أكل العبد ، و يجلس جلسة العبد ، و إن كان ليشتري القميصين السنبلانيين فيخير غلامه خيرهما ، ثم يلبس الآخر ، فإذا جاز أصابعه قطعه ، و إذا جاز كعبه حذفه .

و لقد ولى خمس سنين : ما وضع آجرة على آجرة ، و لا لبنة على لبنة ، و لا أقطع قطيعا ، و لا أورث بيضاء و لا حمراء ، و إن كان ليطعم الناس خبز البر و اللحم ، و ينصرف إلى منزله و يأكل خبز الشعير و الزيت و الخل .

 و ما ورد عليه أمران : كلاهما لله رضى ، إلا أخذ بأشدهما على بدنه ، و لقد أعتق ألف مملوك من كد يده تربت فيه يداه ، و عرق فيه وجهه ، و ما أطاق عمله أحد من الناس ، و إن كان ليصلي في اليوم و الليلة ألف ركعة ، و إن كان أقرب الناس شبها به علي بن الحسين ،  و ما أطاق عمله أحد من الناس بعده .

و سمع رجل من التابعين أنس بن مالك يقول : نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب عليه السلام :

( أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَ قائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَ يَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ ) .

قال الرجل : فأتيت عليا عليه السلام لأنظر إلى عبادته ، فأشهد بالله لقد أتيته وقت المغرب ، فوجدته يصلي بأصحابه المغرب ، فلما فرغ منها جلس في التعقيب إلى أن قام إلى عشاء الآخرة .

ثم دخل منزله : فدخلت معه ، فوجدته طول الليل يصلي و يقرأ القرآن إلى أن طلع الفجر ، ثم جدد وضوءه و خرج إلى المسجد ، و صلى بالناس صلاة الفجر ثم جلس في التعقيب إلى أن طلعت الشمس ، ثم قصده الناس فجعل يختصم إليه رجلان ، فإذا فرغا قاما و اختصم آخران ، إلى أن قام إلى صلاة الظهر ، قال : فجدد لصلاة الظهر وضوءه ثم صلى بأصحابه الظهر ، ثم قعد في التعقيب إلى أن صلى بهم العصر ، ثم أتاه الناس فجعل يقوم رجلان و يقعد آخران يقضي بينهم و يفتيهم ، إلى أن غابت الشمس .

فخرجت و أنا أقول : أشهد بالله أن هذه الآية نزلت فيه [4] .

 

وعن أبيه الربيع بن يونس حاجب المنصور ، و كان قبل الدولة كالمنقطع إلى جعفر بن محمد عليه السلام ، قال : سألت جعفر بن محمد بن علي عليهم السلام على عهد مروان الحمار ، فقلت : يا سيدي أخبرني عن سجدة الشكر التي سجدها أمير المؤمنين عليه السلام ما كان سببها ؟

فحدثني عن أبيه محمد بن علي ، قال حدثني أبي علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي ، عن أبيه علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال :

إن رسول الله صلى الله عليه و آله : وجهه في أمر من أمره فحسن فيه بلاؤه ، و عظم فيه عناؤه ، فلما قدم من وجهه ذلك أقبل إلى المسجد و رسول الله صلى الله عليه و آله قد خرج لصلاة الظهر ، فصلى معه ، فلما انصرف من الصلاة ، أقبل على رسول الله صلى الله عليه و آله فاعتنقه رسول الله صلى الله عليه و آله ، ثم سأله عن سفره ذلك و ما صنع فيه ؟

فجعل علي عليه السلام يحدثه و أسارير وجه رسول الله صلى الله عليه و آله تلمع نورا و سرورا بما حدثه ، فلما أتى علي عليه السلام على حديثه .

قال له رسول الله صلى الله عليه و آله : أ لا أبشرك يا أبا الحسن ؟

 قال : بلى فداك أبي و أمي ، فكم من خير بشرت به .

قال : إن جبرائيل عليه السلام هبط علي في وقت الزوال . فقال لي :

 يا محمد ، هذا ابن عمك علي وارد عليك ، و إن الله تعالى أبلى المسلمين به بلاء حسنا ، و إنه كان من صنيعه كذا و كذا ، فحدثني بما أنبأتني به ، ثم قال لي :

 يا محمد ، إنه من نجا من ذرية آدم بالله عز و جل ، فنجا من تولى شيث بن آدم وصي أبيه آدم ، و نجا شيث بأبيه آدم ، و نجا آدم بالله عز و جل ، و نجا من تولى سام بن نوح وصي نوح ، و نجا سام بأبيه نوح ، و نجا نوح بالله عز و جل ، و نجا من تولى إسماعيل أو قال إسحاق وصي إبراهيم خليل الله ، و نجا إسماعيل بأبيه إبراهيم ، و نجا إبراهيم عليه السلام بالله عز وجل، ونجا من تولى يوشع وصي موسى بيوشع، ونجا يوشع بموسى، ونجا موسى بالله عز وجل، ونجا من تولى شمعون وصي عيسى بشمعون ، ونجا شمعون بعيسى ، ونجا عيسى بالله عز وجل ، ونجا يا محمد من تولى عليا وزيرك في حياتك ، و وصيك عند وفاتك ، و نجا علي بك ، و نجوت أنت بالله عز وجل .

يا محمد : إن الله جعلك سيد الأنبياء ، و جعل عليا سيد الأوصياء و خيرهم ، و جعل الأئمة من ذريتكما إلى أن يرث الله الأرض و من عليها .

 فسجد علي عليه السلام : و جعل يقلب وجهه على الأرض شـكــرا[5] .

فيا طيب : هذا شكر الإمام علي لله الشكور في زهده وعبادته وجهاده وشكره بتقليب وجهه على التراب شكرا لله ، لعلم الله الشكور به أختاره إمام حق وحليفة صدقه بنشر فضله ومناقبه في كل قوة وشجاعة وعبادة وعدل ظهر به شاكر لأنعم الله في كل سيرة وتصرف به ، وبهذا يعرف شأن أئمة الحق فيقتدى بهم ، ونتيقن إنهم لإخلاصهم لله الشكور ، شكرهم الله الشكور وعرف وبين ونشر فضلهم بأحسن وجه سواء في كلامه في كتابه المجيد أو في كلام نبيه وتعريفه ، وهذا في حال كان مع النبي ، وعرّفه حاله فيما يكون عليه بعد سنوات من وفات النبي الأكرم .

وبهذا نعرف إخلاص إمام الحق وآله : في كل الأحوال ، وشكرهم لله الشكور في أصعب الظروف فضلا عن صبرهم ، بل جعلوا موارد الصبر شكرا حتى في العسر ومداولة للأيام ، وبهذا نعرف أهمية حكمة الله في عباده فنصبر ونشكر الله على البلاء وفي كل الأحوال ، و لا ننفر من قضاء الله وقدره حين البلاء ، فقد عرفت إن الحمد على حكمة الله فينا في كل حال وبالخصوص في النعم فضلا عن البلاء ، والشكر من الشكور الرضا بما قضى الله والفرح به لأنه به أجرا عظيما ، وهذا مورد كريم للإمام علي يعرفنا شكره لله الشكور على كل حال :

فعن علي بن صالح المكي ، عن محمد بن عمر بن علي ، عن أبيه ، عن جده عليه السلام قال : لما نزلت على النبي صلى الله عليه و آله :

« إِذا جاءَ نَصْرُ الله وَ الْفَتْحُ » فقال لي :

يا علي : لقد جاء نصر الله و الفتح ، فإذا رأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ، فسبح بحمد ربك و استغفره إنه كان توابا .

 يا علي : إن الله تعالى قد كتب على المؤمنين الجهاد في الفتنة من بعدي ، كما كتب عليهم جهاد المشركين معي .

فقلت : يا رسول الله و ما الفتنة التي كتب علينا فيها الجهاد ؟

 قال : فتنة قوم يشهدون أن لا إله إلا الله و أني رسول الله ، و هم مخالفون لسنتي و طاعنون في ديني .

فقلت : فعلى م نقاتلهم يا رسول الله ، و هم يشهدون أن لا إله إلا الله ، و أنك رسول الله ؟

فقال : على إحداثهم في دينهم ، و فراقهم لأمري ، و استحلالهم دماء عترتي .  قال فقلت : يا رسول الله ، إنك كنت وعدتني الشهادة فسل الله تعجيلها لي .

 فقال : أجل قد كنت وعدتك الشهادة ، فكيف صبرك إذا خضبت هذه من هذا و أومى إلى رأسي و لحيتي .

 فقلت : يا رسول الله ، أما إذا بينت لي ما بينت ، فليس هذا بموطن صبر ، لكنه موطــن بشــــرى و شـكــــر .

فقال : أجل فأعد للخصومة ، فإنك تخاصم أمتي .

 قلت : يا رسول الله ، أرشدني الفلج .

قال : إذا رأيت قومك قد عدلوا عن الهدى إلى الضلال فخاصمهم ، فإن الهدى من الله و الضلال من الشيطان .

 يا علي : إن الهدى هو إتباع أمر الله دون الهوى و الرأي ، و كأنك بقوم قد تأولوا القرآن و أخذوا بالشبهات فاستحلوا الخمر و النبيذ و البخس بالزكاة و السحت بالهدية . فقلت : فلما هم إذا فعلوا ذلك ، أ هم أهل فتنة أو أهل ردة ؟

 فقال : هم أهل فتنة يعمهون فيها إلى أن يدركهم العدل .

 فقلت : يا رسول الله ، العدل منا أم من غيرنا ؟

فقال : بل منا ، بنا فتح الله ، و بنا يختم ، و بنا ألف الله بين القلوب بعد الشرك ، و بنا يؤلف بين القلوب بعد الفتنة .

 فقلت‏ : الحمــــد لله على ما وهب لنا من فضله [6].

وهذا شــكـــر : الإمام علي لله في السراء والضراء بحق الشكر الذي لا يتوانى به في أصعب الظروف ، ولا يخرج عن شكر الله في شيء من حاله ، ولم يطلب شكر الناس بدل شكر الله ، فإنه بعد أيام تداول الفتن كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولكنه عليه السلام لم يتغير في إقامة العدل والإنصاف في شكر الله وإقامة دينه بما يحب ويرضى ، ولتعرف بعض حاله ، أنظر قصته مع أخيه عقيل كيف أحمى حديدة وقربها منه وقال له لا أعطي بغير حق ، وإن نار جهنم أشد حرا ، وهكذا فيمن أعطاه هدية فقد رده لأنه يريد بها خدعه ويطلب منصب غير مؤهل له وشأن ليس هو له أهلا  ، وذكر كل ما يعرفنا إخلاصه لله وشكره له بما يحب ، ولم يداهن في دين الله أبدا ،  والكثير من ظهوره بدين الله شكر لله إن شاء الله تعرفه في صحيفته .

 ولكن إليك يا أخي هذه الحالة : لتعرف أهمية العدل وضرورة النصر للحق وأن لا يفرط في أمر الله وإقامة دينه وشكره وعبوديته لتعرف إمام الحق تلميذ رسول الله فتأخذ دينك منه وتقدي به وبآله آل رسول الله ، وإن كان تعريف الله فيما عرفت من الآيات يكفي ، ولكن نذكر هذا لنتيقن بعض الشرح لما عرفه الشكور من نشر مناقبهم وبيان نعيمه الذي مكنهم به من دينه وإقامته بحق بكل الأحوال فشكرهم به:

فعن ربيعة و عمارة و غيرهما : أن طائفة من أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مشوا إليه عند تفرق الناس عنه ، و فرار كثير منهم إلى معاوية طلبا لما في يديه من الدنيا ، فقالوا له : يا أمير المؤمنين أعط هذه الأموال ، و فضل هؤلاء الأشراف من العرب و قريش على الموالي و العجم ، و من تخاف خلافه عليك من الناس و فراره إلى معاوية .

فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام : أ تأمروني أن أطلب النصر بالجور ، لا و الله لا أفعل ما طلعت شمس و ما لاح في السماء نجم ، و الله لو كانت أموالهم لي لواسيت بينهم ، فكيف و إنما هي أموالهم .

قال : ثم أرم أمير المؤمنين عليه السلام طويلا ساكتا ، ثم قال :

من كان له مال : فإياه و الفساد ، فإن إعطاء المال في غير حقه تبذير و إسراف ، و هو و إن كان ذكرا لصاحبه في الدنيا ، فهو يضيعه عند الله عز و جل ، و لم يضع رجل ماله في غير حقه و عند غير أهله إلا حرمه الله شـكـرهـم . و إن كان لغيره ودهم ، فإن بقي معه من يوده ، و يظهر له الشكر ، فإنما هو : ملق وكذب يريد التقرب به إليه لينال منه مثل الذي كان يأتي إليه من قبل ، فإن زلت بصاحبه النعل ، واحتاج إلى معونته أو مكافأته ، فشر خليل وألأم خدين .

و من صنع المعروف فيما آتاه الله : فليصل به القرابة ، و ليحسن فيه الضيافة ، و ليفك به العاني ، و ليعن به الغارم ، و ابن السبيل ، و الفقراء ، و المجاهدين في سبيل الله ، و ليصبر نفسه على النوائب و الخطوب.

 فإن الفوز بهذه الخصال أشرف مكارم الدنيا ، و درك فضائل الآخرة [7].

فهذا يا طيب ظهور الإمام علي في شكر الله تعالى : وبتعاليم الحق وبيان لما قال رسول الله في أحول سلطان المسلمين وما يجب عليه وعليهم اتجاهه إن عدل فيه ، بأن يشكروه على إقامة دين الله، فإنه جاء عن النبي صلى الله عليه و آله  قال :

السلطان ظل الله في الأرض : يأوي إليه كل مظلوم .

 فإن عدل كان له الأجر ، و على الرعية الشكر ، و إن جار كان عليه الوزر و على الرعية الصبر حتى يأتيهم الأمر[8] .

ولكن لم يُشكر الإمام علي بعد عدله : إلا من بقي يشكر الله بما أمره من دينه عند الشاكرين حقا دون المنافقين وأئمة الضلال ومن تبعهم ، ولتعرف هذا راجع الغدير وموسوعة الإمام علي لتعرف حاله ، ولتعرف مناقب أكثر عنه راجع صحف الطيبين في صحيفته عليه السلام ، فتعرف ما نشر رسول الله والله من فضله ومناقبه ، فشكره بأحسن الذكر وعرفه بالإمامة والولاية بكل سبيل ممكن ، وقد عرفت الكثير من شكر الله له وهذا الإشعاع يعرفنا شكر الله للنبي وللإمام علي ولآله كلهم فجعلهم أئمة حق إلى يوم الدين بالإضافة لما عرفت فتدبر :

 

 

الإشعاع الثاني :

شكر الله للنبي ولعلي في آلهم وبيان مقامهم الكريم :

يا طيب : إن شكر الله هو الكرامة بدينه ونعيم الهداية وملك الجنة ، وهو في بيان ونشر كرامات الله للأنبياء وللأوصياء من أئمة الحق  ولمن تبعهم ، وأعلاه شكرا و منزلة وشأنا وجاه لأهل أعلى دين ، وهم بالخصوص أئمة الحق نبينا وآله صلى الله عليهم وسلم ، وذلك لأنهم كانوا أخلص من توجه لله واستعد لتقبل فيضه وكرمه ، والله شكور إذا أحب عبد كرمه بأعلى كرامة وأشاد به في ملئ أعلى وخصه بأفضل نور يتجلى من فضله وجوده فيشكره به ويظهر شكره فيه .

 وهذه قصة زواج النور من النور : وبيان لنعمة الله على أولياءه ، وللمؤمن في حور العين مثل هذا في كل يوم ، وإن كان بصورة متنوعة أخرى و حسب استعداد العبد في الصلاة ، لأنه بعد الصلاة تشرف الجنة وحور العين والنار على العبد ، فإن قال اللهم أعوذ بالله من النار أعاذه ـ وإن قال أسألك الجنة أعطاه الله ، وإن قال زوجني من الحور العين زوجه ، وإن الحور العين لتتعجب من مؤمن لم يسأل الله بعد الصلاة الزواج بهن ، ويقلن لم يعرف حسننا ولو عرف كرامة الله لطلب الزواج منا ، فما أزهده بالحسن وبإجابة دعاء الله له وفضله عليه وشكره للتوجه له بالصلاة .

وقد عرفت عبادة الإمام علي عليه السلام وشكره لله بكل وجوده : وبكل أحواله ، فنذكر بعض كرامة الله له وشكره له ببيان زواج الإمام علي من فاطمة بعد غزوة أحد ، وقد شكر الله سعيه وكرم الله النبي بآله بكل كرامة ، ومثلها للعبد المؤمن الصادق في كثير من أعمال العبودية وثواب شكر الله بها  ، ولكن نحكي كرامة الله لأئمتنا ولنعرف إننا نحيط بهم إن تعبدنا لله بدينهم في كل كرامة ، والله هو المتفضل المنان الشكور العظيم اللطيف الشافي .

عن حامد بن محمد عن عمرو بن هارون عن الصادق عن أبيه عن آبائه عن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال : لقد هممت بتزويج فاطمة عليه السلام ابنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم حينا ، و لم أتجرأ أن أذكر ذلك للنبي ، و إن ذلك اختلج في صدري ليلي و نهاري حتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله .

فقال :  يا علي  .

قلت : لبيك يا رسول الله . قال : هل لك في التزويج . قلت : رسول الله أعلم . و إذا هو يريد أن يزوجني بعض نساء قريش ، و إني لخائف على فوت فاطمة ، فما شعرت بشي‏ء إذ أتاني رسول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال لي : أجب النبي و أسرع . فما رأينا رسول الله أشد فرحا منه اليوم .

قال : فأتيته مسرعا ، فإذا هو في حجرة أم سلمة ، فلما نظر إلي تهلل وجهه فرحا و تبسم حتى نظرت إلى بياض أسنانه يبرق . فقال : أبشر يا علي ، فإن الله عز و جل قد كفاني ما قد كان همني من أمر تزويجك .

فقلت : و كيف ذلك يا رسول الله ؟

قال : أتاني جبرائيل و معه من سنبل الجنة و قرنفلها ناولنيهما ، فأخذتهما و شممتهما . فقلت : ما سبب هذا السنبل و القرنفل ؟

فقل : إن الله تبارك و تعالى أمر سكان الجنان من الملائكة و من فيها أن يزينوا الجنان كلها ، بمغارسها و أشجارها و ثمارها و قصورها ، و أمر ريحها فهبت بأنواع العطر و الطيب ، و أمر حور عينها بالقراءة فيها بسورة طه و طواسين و يس و حمعسق ، ثم نادى مناد من تحت العرش ، ألا إن اليوم يوم وليمة علي بن أبي طالب عليه السلام ، ألا إني أشهدكم أني قد زوجت فاطمة بنت محمد من علي بن أبي طالب رضى مني بعضهما لبعض .

 ثم بعث الله تبارك و تعالى : سحابة بيضاء فقطرت عليهم من لؤلؤها و زبرجدها و يواقيتها ، و قامت الملائكة فنثرت من سنبل الجنة و قرنفلها ، هذا مما نثرت الملائكة ، ثم أمر الله تبارك و تعالى ملكا من ملائكة الجنة ، يقال له راحيل و ليس في الملائكة أبلغ منه ، فقال : اخطب يا راحيل ، فخطب بخطبة لم يسمع بمثلها أهل السماء و لا أهل الأرض .

 ثم نادى مناد : ألا يا ملائكتي و سكان جنتي ، باركوا على علي بن أبي طالب عليه السلام حبيب محمد صلى الله عليه وآله وسلم و فاطمة بنت محمد ، فقد باركت عليهما ، ألا إني زوجت أحب النساء إلي من أحب الرجال إلي بعد النبيين و المرسلين .

فقال راحيل الملك : يا رب و ما بركتك فيهما بأكثر مما رأينا لهما في جنانك و دارك ؟

فقال عز و جل : يا راحيل إن من بركتي عليهما أن أجمعهما على محبتي ، و أجعلهما حجة على خلقي ، و عزتي و جلالي ، لأخلقن منهما خلقا ، و لأنشأن منهما ذرية أجعلهم خزاني في أرضي ، و معادن لعلمي ، و دعاة إلى ديني ، بهم أحتج على خلقي بعد النبيين و المرسلين .

فأبشر يا علي : فإن الله عز و جل أكرمك كرامة لم يكرم بمثلها أحدا ، و قد زوجتك ابنتي فاطمة على ما زوجك الرحمن ، و قد رضيت لها بما رضي الله لها ، فدونك أهلك ، فإنك أحق بها مني .

 و لقد أخبرني جبرائيل : أن الجنة مشتاقة إليكما ، و لو أن الله عز و جل قدر أن يخرج منكما ما يتخذه على الخلق حجة لأجاب فيكما الجنة و أهلها .

 فنعم الأخ أنت : و نعم الختن أنت ، و نعم الصاحب أنت ، و كفاك برضى الله رضى .

قال علي عليه السلام فقلت : يا رسول الله بلغ من قدري حتى أني ذكرت في الجنة ، و زوجني الله في ملائكته .

 فقال صلى الله عليه وآله وسلم : إن الله عز و جل إذا أكرم وليه و أحبه ، أكرمه بما لا عين رأت و لا أذن سمعت ، فأحياها الله لك يا علي .

 فقال علي عليه السلام :

رب أوزعنــي أن أشـــكر

 نعمتــك التي أنعمــت عليَّ.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :  آمين[9] .

فيا طيب : إن الله إذا كرم وليه أحبه وحببه لعباده وكرمه في نفسه وآله ، وهذا تكريم الله للنبي وللإمام علي في زواجه ، وأنظر تكريمه في ونزول صحيفة الإمامة لهم ، فإنه ما عرفت من الآيات وإنه لابد من إمام حق ندعى به يوم القيامة ، وإن دعاء : هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرت أعين واجعلنا للمتقين إمام و آية المباهلة والتطهير والبيت المرفوع والكوثر ، لها حقائق كريمة في تعريف هذا الشأن بالنص الخاص لكل أئمة الحق إلى يوم القيامة ، وهذا شرح لما عرفت من الآيات في تعريف أئمة الحق وتكريم الله لهم وشكره لهم ونشر مناقبهم وتعريف فضلهم لمن تبع الحق ولم ينقلب مع المنقلبين ، بل في كل الأحوال وفي تداول الأيام كلها ثبت ملازم لأهل البيت عليهم السلام وتابع لأئمة الحق ، وهذا حديث كريم يعرفنا شيء عن صحيفة الإمامة وشكر الله للنبي وتعريف فضله في أهله في سورة الكوثر والتطهير والإمامة والولاية فتدبر وتيقن معارف الحق :

 عن محمد بن سنان : عن سيدنا أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام قال : قال أبي لجابر بن عبد الله : لي إليك حاجة أريد أخلو بك فيها ، فلما خلا به في بعض الأيام ، قال له : أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أمي فاطمة عليها السلام .

 قال جابر : أشهد بالله لقد دخلت على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله لأهنئها بولدها الحسين عليه السلام ، فإذا بيدها لوح أخضر من زبرجدة خضراء ، فيه كتاب نور من الشمس ، و أطيب من رائحة المسك الأذفر .

فقلت : ما هذا يا بنت رسول الله ؟

فقالت : هذا لوح أهداه الله عز و جل إلى أبي ، فيه اسم أبي و اسم بعلي و اسم الأوصياء بعده من ولدي ، فسألتها أن تدفعه إلي لأنسخه ففعلت .

فقال له : فهل لك أن تعارضني به ؟ قال : نعم .

 فمضى جابر إلى منزله : و أتى بصحيفة من كاغد ، فقال له : انظر في صحيفتك حتى أقرأها عليك ، و كان في صحيفته مكتوب :

بسم الله الرحمن الرحيم :

 هذا كتاب من الله العزيز العليم ، أنزله الروح الأمين على محمد خاتم النبيين .

  يا محمد : عظم أسمائي ، و اشكر نعمائي : و لا تجحد آلائي ، و لا ترج سواي ، و لا تخش غيري ، فإنه من يرجو سواي و يخشى غيري أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين .

يا محمد: إني اصطفيتك على الأنبياء ، وفضلت وصيك على الأوصياء .

 و جعلت الحسن : عيبة علمي من بعد انقضاء مدة أبيه .

 و الحسين : خير أولاد الأولين و الآخرين فيه تثبت الإمامة .

ومنه تعقب : علي زين العابدين ، و محمد الباقر لعلمي و الداعي إلى سبيلي على منهاج الحق ، و جعفر الصادق في العقل و العمل تنشب من بعده فتنة صماء ، فالويل كل الويل للمكذب بعبدي و خيرتي من خلقي موسى ، و علي الرضا يقتله عفريت كافر يدفن بالمدينة التي بناها العبد الصالح إلى جنب شر خلق الله ، و محمد الهادي إلى سبيلي الذاب عن حريمي و القيم في رعيته حسن أغر ، يخرج منه ذو الاسمين علي و الحسن‏ .

 و الخلف محمد يخرج في آخر الزمان على رأسه غمامة بيضاء تظله من الشمس ، ينادي بلسان فصيح يسمعه الثقلين و الخافقين ، و هو المهدي من آل محمد ، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جور [10].

يا طيب : إن الإمامة مستمرة مادامت ليلة القدر وينزل بها الروح بأمر الله على أئمة صبروا في دين الله و ظهور دينه بكل حال لهم فشكروا الله ، ومن صدقه كتاب الله في تعريف كوثر الخير المطهرون الثابتون الواجب إطاعتهم ومودتهم وتوليهم كأئمة دين به يشكر الله الديان الشكور ، ويسير به لنعيم الله الأبدي ، فهو يحصل على شكر الله إن أقام دين أولياءه وأئمة الحق الذين مكنهم منه وعرفوه ، فهذا هو الحق وحقيقة ظهور الأسماء الحسنى بنور البهاء والهدى والنعيم على العبد ، فيكون مظهرا لدين الله الشكور حقا .

وإلا من ينكر فضل أئمة الحق لأكرم في دين الشكور : وتشريف الله لنبيه وتكريمه وشكره له في آله ، وبجعلهم أئمة حق صادقين مصدقين مطهرين ، ويصدق بمعجزات الأنبياء السابقين و التابوت لبني إسرائيل ولنبي الله سليمان وداود ، أو المسيح عليه السلام وإحياء الموتى ونزول المائدة وهي حق ، دون تكريم الله المسلمين في آل نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ، فليمت يهوديا أو نصراني ، وهذا أفضل من معاندة أئمة الحق وعدم تصديق فضل الله عليهم ودعوة الناس لمنع ذكر مناقبهم وفضله العظيم عليهم بتخصيصهم بأعظم دين يشكر به .

فإنه فيمن يدعي الإسلام : يصرف آية التطهير والمباهلة والكوثر وآيات أولي الأمر ، ويحرف معاني تبليغ سور البراءة ، أو الدهر والقدر وغيرهن عن بيان فضل النبي في آله وكرامتهم عند الله ، وشكره لهم وتعريفنا ما نشكر به حين معرفة أهل دين الله من أئمة الحق ، فينكر كل مناقبهم ويصرفها عن بيان شكر الله لهم ونشره لفضلهم ولعلو قدرهم ، ويحاول أن يصطنع غيرهم أئمة بل رضوا بأئمة الضلال ودين من أفتى لهم وعرف فكره دين خلطه بالحق وألبسه لباس الإسلام .

أو هناك من يحصر المنعم عليهم في الأمم السابقة : حتى في حين قراءة سورة الفاتحة في الصلاة ، والصلاة والسلام على النبي وآله في التشهد ، ولم يعتبره من هدى الله ونعيمه الحق الذي يشكر من يطلب هدى الله منهم ، وإنه بيان لمحل نعيمه الحق للمسلمين من أئمة المسلمين وأهل نعيمه بحق ، وإنه هو بيان لولايتهم وإمامتهم .

فإنه مثل هذا وإن تسمى مسلم : فهذا يتبع دين سابق لا دين المنعم عليهم في الإسلام ، ولا شكر الله بدينه القيم الذي خص تعليم الكتاب والحكمة والتوريث الحق لأئمة منعم عليهم في الإسلام ، بل تبع من عاندهم وحاربهم فظلم نفسه ومن تبعه ، وهو الضلال وخلاف الحق ، ولا شكر له ولو عبد الله ألف سنة ، لأنه لم يعرف نعيم الله الحق ودينه الواقعي الذي يكون سبب لشكر العباد وتكريمهم بالنعيم وصراطه المستقيم بعد إن استعانوا به حقا فهداهم له .

فإنه سورة الفاتحة : التي تطالبنا بالهداية لصراط المنعم عليهم ليس فقط لمن سبق الإسلام من المنعم عليهم بهدى الله من الأنبياء السابقين ومن تبعهم ، فإنه وإن كان صراطهم واحد ولكن دين الله الإسلام عند نبينا وأئمة الحق بعده ، ولا يرضى دين محرف سواء سابقا عليه أو نفس الإسلام يُحرف ، فلا شكر لمن يتبع من ضل عن المنعم عليهم حقا في الإسلام  .

وإن شكر المنعم واجب عقل : هو حين معرفة من أنعم عليهم ونعرف نعمه عليهم ، وأهما الكتاب والحكمة وهو ملك الله العظيم في الدنيا ولذا قال الله تعالى يعرفنا قانون عام في نزول الكتاب والحكمة على أولي الأمر وبه يُعرف ويعبد ويطاع ويشكر .

وهذه يا طيب : آيات الكتاب والحكمة التي جاء بها النبي وبها يُعرف شؤون العظمة اللهية في دين الله ، وقد سألها نبي الله إبراهيم وعرفت هي لناس في المسلمين مُنعم عليهم مطهرون حقا لا كل أحد يدعيها ، ولذا قال تعالى :

{ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ الله مِنْ فَضْلِهِ

 فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ

وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمً (54)

 فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ

وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ الله كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56)

وَالَّذِينَ آمَنُو وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاَّ ظَلِيلاً (57)

 إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا

وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ

إِنَّ الله نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ الله كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا  (58)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا :  أَطِيعُوا الله   وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ

وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ

فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59) } النساء .

فهذا الكتاب والحكمة ودين الله الذي يشكر به : يعرف عند المنعم عليهم ومن عندهم ملك الله العظيم ، وهم أولي الأمر وأئمة الحق المنعم بهدى الله وتشريفه لهم بشكرهم وذكره لفضلهم ، وليس إلا نبينا وآله ، وعرفت ثبات أئمة الحق في كل الأحوال سواء ما ذكرنا في الحروب أو في العبادة ، وبما ظهروا في شكر الله بما يحب فشكرهم الله وعرف شأنهم الكريم ، ولم يوجد مثل هذه العبادة لمن حكم المسلمين غير أهل البيت عليهم السلام في كل أحوالهم ، راجع صحفهم وسيرتهم ترى حقائق كريمة عن عبادتهم وشكرهم لله .

وقبل أن نذكر فضل الشكر: نذكر حديث مختصر في عبادة الإمام علي بن الحسين عليه السلام لتعرف شكرهم لله ، وإن الله أختارهم أئمة وولاة أمر لأنهم أفضل من ظهر بدينه فقد ذكر في المناقب :

 وأتت فاطمة بنت علي بن أبي طالب عليه السلام إلى جابر بن عبد الله فقالت له : يا صاحب رسول الله إن لنا عليكم حقوقا ، ومن حقنا عليكم إذا رأيتم أحدنا يهلك نفسه اجتهادا ، أن تذكروه الله وتدعوه إلى البقيا على نفسه ، وهذا علي بن الحسين بقية أبيه الحسين ، قد انخرم أنفه ، و نقبت جبهته ، و ركبتاه ، و راحتاه أذاب نفسه في العبادة .

 فأتى جابر إلى بابه و استأذن ، فلما دخل عليه وجده في محرابه ، قد أنصبته العبادة ، فنهض علي فسأله عن حاله سؤالا خفيا ، أجلسه بجنبه ، ثم أقبل جابر يقول : يا ابن رسول الله أ ما علمت أن الله خلق الجنة لكم و لمن أحبكم ، و خلق النار لمن أبغضكم و عاداكم ، فما هذا الجهد الذي كلفته نفسك .

 فقال له علي بن الحسين : يا صاحب رسول الله ، أ ما علمت أن جدي رسول الله قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر ، فلم يدع الاجتهاد ، و تعبد هو بأبي و أمي حتى انتفخ الساق و ورم القدم ، و قيل له أ تفعل هذا ، و قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر .

 قال : أ فلا أكون عبدا شكور .  

فلما نظر إليه جابر و ليس يغني فيه قول قائل ، يا ابن رسول الله البقيا على نفسك فإنك من أسرة بهم يستدفع البلاء ، و تستكشف اللأواء ، و بهم تستمسك السماء .

 فقال يا جابر : لا أزال على منهاج أبوي مؤتسيا بهما حتى ألقاهما ، فأقبل جابر على من حضر ، فقال : لهم ما رئي من أولاد الأنبياء مثل علي بن الحسين إلا يوسف بن يعقوب ، و الله لذرية علي بن الحسين أفضل من ذرية يوسف[11] .

 

 

 

الإشراق الخامس :

أحاديث ترغبنا في شكر الله الشكور وتحثنا على شكره :

يا طيب : علينا أن نحكم بالعدل وأن نؤدي الأمانة إلى أهلها ، كما عرفت في الآيات السابقة ، فنعرف بها تمييز أئمة الحق والدين ونتخذ المنعم عليهم حقا أئمة وولاة أمر ، ولا نتبع كل ضال مضل ولو تحكم على رقاب المسلمين بالسيف أو بالخداع والمكر والحيلة وبوعاظ سلاطين يخترعون له فضائل .

فإنه الإنسان بنفسه بصير : ويجب عليه أن يستعين بالله حقا فيطلب صراط المنعم عليهم في الإسلام ويتبعهم ، وإن فيما ذكرنا من الأدلة كان كافي في معرفة ظهور الأسماء الحسنى الإلهية في نبينا وآله صلى الله عليه وآله وسلم ، ويجب على المؤمن أن يقتدي بهم ، فيهتدي لدين الله الديان الشكور الحق فيشكر الله به ، وإلا يكون من الضالين والمغضوب عليهم ممن ينحرف عن هدى الله الذي علمه وحب أن يشكر به ، وهو أهم نعم الله التي يجب أن يشكر بها .

فإنه يا طيب : قد قرن الشكر مع الإيمان فكان نصفه ونصفه الأخر صبر ، فالشكر على النعم والصبر على البلاء ، ولما كان الإنسان يتنفس ويعيش بكل شيء له ، بنعمة الله وإنها متجلية له في كل شيء في الكون ، وفي كل خلية في وجوده ، وإن أهم نعمة هي نعمة الهداية ، ولذا أمرنا الله تعالى في الصلاة كل يوم خمس مرات أن نطلب منه أن يحققنا بها ، وهي تعرف بمعرفة هدى الله عند المنعم عليهم ، وإنه قد سخر للعبد ما في السماوات والأرض ، ليتنعم بشكر الله ويظهر عبوديته بحق مخلصا له الدين ، ويدين ويشكر بدين يرضاه حقا لا مختلف فيه ولا ضلال ولا شك فيه ، بل طاهر عرفه الطاهرون المطهرون .

وهذه أشعة نور : من كلماتهم حكيمة بليغة تعرفنا أهمية الشكر لله الشكور ليشكرنا ، وما يجب أن نشكر به الله تعالى الشكور ، فتدبر يا طيب .

 

الإشعاع الأول :

الشكر لله الشكور ركن التوحيد وأس الإيمان بالله تعالى :

وحقا : إن من تحقق بنعمة الهداية ووحد الله وعرف شؤون عظمته وهداه عند المنعم عليه ، فهو لا يخلوا من نعم الله أبدا في أي حال له ، ولذا وجب شكر الله على كل حال حتى كان الشكر مرافق لحمد الله ، وذلك لحكمته في ما يصلح عبده ليكون مخلصا له متوجه له وذاكرا له ، فلا يفعل به إلا ما به صلاحه وإصلاحه ، ولذا وجب شكر الله تعالى حتى كان هو الإيمان وبدون شكر الله على نعمه وبدينه كان لا معنى للإيمان ، ولذا جاءت عبارات حكيمة تعبر عنه وتعرفه .

 ومنها ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

الإيمان نصفان : نصف صبر ، و نصف شكر [12].

و قوله : وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ : أَنِ اشْكُـرْ لِلَّهِ .

وَ مَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُـــرُ لِنَفْسِهِ ، وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ حَمِيدٌ [13].

وقد قال الإمام الحسين عليه السلام في مقارنة التوحيد للشكر عن أبيه علي بن أبي طالب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليهم وسلم يقول :

التوحيد : ثمن الجنة ، و الحمد لله : وفاء شكـــر كل نعمة .

 و خشية الله : مفتاح كل حكمة ، و الإخلاص : ملاك كل طاعة [14].

وفي الحديث القدسي قال الله تعالى :

يا داود قل لعبادي ، يا عبادي : من لم يرض بقضائي .

و لم يشكــر على نعمائي ، و لم يصبر على بلائي ، فليطلب ربا سوائي[15] .

وهذه كلمات حكيمة عن الغرر للإمام علي عليه السلام يعرفنا بها معارف كريمة في شكر الله ، وأهميته في التوحيد لله وحده والإيمان به وتعلم هداه وكل ما يصلح المؤمن مع الله ، فيقيم دينه الحق ، فيظهر بشكر الله ويتجلى به نور الشكور فيكون شاكرا لأنعمه كلها ، فتدبر بها يا طيب :

أول ما يجب عليكم : لله سبحانه ، شكـــــر أياديه ، و ابتغاء مراضيه .

الإيمان : صبر في البلاء ، و شـكــــر في الرخاء .

المؤمن : بين نعمة و خطيئة ، لا يصلحهما إلا الشكر و الاستغفار .

المؤمن : إذا نظر اعتبر ، و إذا سكت تفكر ، و إذا تكلم ذكر .

 و إذا أعطي شكـــــر ، و إذا ابتلي صبر .

نعم الله سبحانه : أكثر من أن تشكر ، إلا ما أعان الله عليه .

 و ذنوب ابن آدم أكثر من أن تغفر ، إلا ما عفا الله عنه[16] .

إن الزهادة : قصر الأمل ، و الشكر على النعم ، والورع عن المحارم ، فإن عزب [غرب‏] ذلك عنكم ، فلا يغلب الحرام صبركم ، و لا تنسوا عند النعم شكركم ، فقد أعذر الله سبحانه إليكم ، بحجج مسفرة ظاهرة ، و كتب بارزة العذر واضحة .

شـكـــر العالم : على علمه ، عمله به ، و بذله لمستحقه [17].

أحمق الناس من يمنع البر ، و يطلب الشكر .

 و يفعل الشر ، و يتوقع ثواب الخير [18].

 

 

 

الإشعاع الثاني :

ضرورة الشعور بالتقصير أمام نعم الله والإخلاص بالشكر :

يا طيب : بعد إن عرفنا عقلا وشرعا إن شكر المنعم واجب ، وعرفنا ضرورة شكر الله بما يحب ويرضى من دينه الحق الذي عرفه لنا بأكرم خلقه وأطيبهم وأطهرهم وأشرفهم ، فمجدوه وحمدوه وشكروه وسبحوه بأحسن إخلاص وتوجه له ، فشكرهم وعرفهم لنا بكل سبيل ، وأمرنا بودهم والإقتداء بهم وقبول تعاليمهم حتى اليقين فنشكره ونعبده بها .

فيجب علينا شكر الله بإخلاص له بدينه الحق : وأن نشعر بالتقصير التام أمام كرمه ونعمه ، وإنه مهما عملنا فلا يمكن لنا أن نؤدي شكر نعمة واحده من نعمه ، وإن حتى شكر هذه النعمة بفضله وبنعمته علينا ، وإن شكرنا يستوجب شكرا آخر ، ولذا وجب علينا الإقرار بالعجز أمام عظمته ونعمه ، وإنه شكور كريم جواد رحيم لطيف بعباده ، وبالخصوص لمن يتوجه له حقا مخلصا وعارفا بشؤون عظمته وكبير نعمه في كل شيء من وجود الكون المسخر للإنسان ، فيُوفقه للتوجه له بأحسن وجه ممكن ، ويوفر له كل شيء ليشكره ويقيم هداه بما به صلاحه .

كما وإن الشكور قد وفر للإنسان : نعمة العقل والفكر والسمع والبصر والأعضاء الداخلية والخارجية ، والتي يعجز العلم عن تشريح واحده منها ، ومعرفة كل خصائصها يستوجب كتب وتخصص ، بل بقسم من معارفها يأخذ الإنسان دكتوراه وبمعرفة يسيرة لجزء منه يأخذ دكتوراه لقطعه وبروفسور لعلاجه ، وهو موهبة من الله وكرم نعيم في آلاف منها للإنسان ، بل في كل شيء مكنه منه من الثمار والأشجار ، والجو اللطيف ، وتقلب الليل والنهار للراحة والعمل ، وما جعل كل شيء مطيع له بالمعالجة فيستخدمه لراحته ، كلها نعم كثيرة لا تحصى وليس هنا مورد تعدادها ، وفي دعاء الإمام الحسين في يوم عرفة بيان عظم لها فأدعي به ولو مرة بالعمر يا طيب ، فإنه دعاء كريم يعرفنا عجائب كريمة من نعم الله الواجب شكره عليها .

 ولذا يجب أن نشعر بالتقصير أمام مواهب الله ونعمة : سواء كانت مادية مما في بدننا أو تحيطنا ، أو هداية حسن بها الفرد في نفسه وخلُقه وفي مجتمعة ، ومع ربه فيزيده ، وفي الكون فيصلح معه ويصلح له ، فضلا عما يأتي من نعيم مقيم في أعظم مجد وشرف وكرامة لا ينغصه شيء في يوم القيامة ، وفي الجنة التي لا يوصف نعيمها والمعدة للشاكرين لله تعالى والمتوجهون لعبودية بإخلاص .

 ولذا جاءت معارف كريمة : تعرفنا هذا المعنى فتدبر بها يا طيب لتعرف عظمة الخالق وقصر وتقصير المخلوق أمامه الذي سخر له نعمة الهداية والمادة لكي يعطيه المزيد ، وليتفضل عليه حتى يرقى على منزلة الملائكة ، ويكون خدمه الولدان المخلدين وزوجاته الحور العين ، وله الماء المعين وكل كرامة من رب العالمين الديان الشكور العظيم اللطيف الشافي .

وإذا عرفت هذه المعرفة اليسيرة : إليك غرر الكلام والمعارف بهذا الشأن ، الذي يجب أن نتوجه به لشكر رب العالمين ، وهو عن أئمة الحق عليهم السلام ، بعد إن عرفنا كلام الرب الشكور الديان اللطيف في مشارق النور الأولى :

كان علي بن الحسين عليه السلام : إذا قرأ هذه الآية :

{ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَا }إبراهيم34.

 يقول : سبحان من لم يجعل في أحد من معرفه نعمة إلا المعرفة بالتقصير عن معرفته ، كما لم يجعل في أحد من معرفة إدراكه أكثر من العلم أنه لا يدركه .

 فشكر عز وجل : معرفة العارفين بالتقصير عن معرفة شكره ، فجعل معرفته بالتقصير شكرا ، كما علم علم العالمين أنهم لا يدركونه فجعله إيمانا ، علما منه أنه قد وسع العباد فلا يتجاوز ذلك .

 فإن شيئا من خلقه لا يبلغ مدى عبادته ، وكيف يبلغ مدى عبادته ، ومن لا مدى له ولا كيف ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا [19].

وعن الإمام أبي الحسن الكاظم عليه السلام أنه قال :

عليك بالجد ، و لا تخرجن نفسك من حد التقصير في عبادة الله و طاعته ، فإن الله تعالى لا يعبد حق عبادته[20] .

وعن كتاب مصباح الشريعة قال الإمام الصادق عليه السلام :

 في كل نفس من أنفاسك شـكــر لازم لك : بل ألف أو أكثر ، و أدنى الشكر رؤية النعمة من الله تعالى من غير علة يتعلق القلب بها دون الله عز و جل ، و الرضا بما أعطى ، و أن لا تعصيه بنعمته ، و تخالفه بشي‏ء من أمره و نهيه بسبب نعمته .

 فكن لله عبدا شاكرا على كل حال : تجد الله ربا كريما على كل حال .

 و لو كان عند الله تعالى عبادة تعبد بها عباده المخلصون ، أفضل من الشكر على كل لأطلق لفظة فيهم من جميع الخلق بها ، فلما لم يكن أفضل منها خصها من بين العبادات ، و خص أربابها فقال :

 وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشكور .

 و تمام الشكر : الاعتراف بلسان العجز خالصا لله عز و جل بالعجز عن بلوغ أدنى شكره ، لأن التوفيق في الشكر نعمة حادثة يجب الشكر عليها ، و هي أعظم قدرا و أعز وجودا من النعمة التي من أجلها وفق له .

 فيلزمك على كل شكــر ، شكــرا أعظم منه إلى ما لا نهاية له ، مستغرقا في نعمه عاجزا قاصرا عن درك غاية شكره ، فأنى يلحق العبد شكر نعمة الله ، و متى يلحق صنيعه بصنيعه و العبد ضعيف لا قوة له أبدا إلا بالله تعالى عز و جل ، و الله تعالى غني عن طاعة العبد ، فهو تعالى قوي على مزيد النعم على الأبد .

 فكن لله عبدا شاكرا على هذا الوجه ترى العجب [21].

 

وعن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله :

« اتَّقُوا الله حَقَّ تُقاتِهِ » ؟

قال : يطاع فلا يعصى ، و يذكر فلا ينسى ، و يشــكر فلا يكفر [22].

وعن عمران بن سليم عن طاوس اليماني قال كان علي بن الحسين سيد العابدين عليه السلام يدعو بهذا الدعاء :

إلهي و عزتك و جلالك و عظمتك : لو أني منذ بدعت فطرتي من أول الدهر عبدتك دوام خلود ربوبيتك ، بكل شعرة في كل طرفة عين سرمد الأبد ، بحمد الخلائق و شكــرهم أجمعين .

 لكنت مقصرا في بلوغ أداء شكــر أخفى نعمة من نعمك علي ، و لو أني كربيت معادن حديد الدنيا بأنيابي ، و حرثت أرضها بأشفار عيني ، و بكيت من خشيتك مثل بحور السماوات و الأرضين دما و صديدا ، لكان ذلك قليلا في كثير ما يجب من حقك عليَّ .

و لو أنك إلهي : عذبتني بعد ذلك بعذاب الخلائق أجمعين ، و عظمت للنار خلقي و جسمي ، و ملأت جهنم و أطباقها مني حتى لا يكون في النار معذب غيري ، و لا يكون لجهنم حطب سواي ، لكان ذلك بعدلك عليَّ ، قليلا في كثير استوجبته من عقوبتك[23] .

 

وقال جابر :  لقيت عليا عليه السلام يوما ، فقلت : كيف أصبحت يا أمير المؤمنين ؟  قال : أصبحنا و بنا من نعم الله و فضله ما لا نحصيه مع كثير ما نحصيه ، فما ندري أي نعمة أشـكـــر ، أ جميل ما ينشر ، أم قبيح ما يستر [24].

قال موسى عليه السلام : إلهي كيف استطاع آدم أن يؤدي شكر ما أجريت عليه من نعمتك خلقته بيدك ، و أسجدت له ملائكتك ، و أسكنته جنتك.

، فأوحى الله تعالى إليه : أن آدم علــم أن ذلك كله مني .

فذلك شكــــره [25].

و عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال :

الزاهد عندنا : من علم فعمل ، و من أيقن فحذر ، و إن أمسى على عسر حمد الله ، و إن أصبح على يسر شكــر الله ، فهو الزاهد [26].

نعم يا طيب : لا يمكن أن نخرج من عهدة نعم الله فنشكرها عليه ، سواء في تفضله بنعم الكون وما في أنفسنا علينا ، أو بمنه وهداه وتيسيره له بأوضح دين وبيان كريم في كلامه المجيد وفي سنة الكون ونبيه وسيرة أئمة الحق ، فإن الله غفور شكور ، ويضاعف الحسنات ، وهذه حُسن فعل المحسن وجوده وكرمه علينا في كل شيء ، وإذا عرفنا شيء من معارف الحق عن عدم إمكان الخروج عن عهدت شكر الله بما يستحق ، وبكلام أئمة الحق ، نذكر كلام موالي لهم يشرح بيان فضل الله علينا في هداه وشكره لنا لأقل توجه له بالطاعة .

وقد قال الشيخ المفيد رحمه الله : قال الله تعالى :

 ( مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِه ) يعني له عشر أمثال ما يستحق عليها  ( وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى‏ إِلَّا مِثْلَها وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ ) يريد أنه لا يجازيه بأكثر مما يستحقه، ثم ضمن بعد ذلك العفو و وعد بالغفران .

فقال سبحانه : ( وَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى‏ ظُلْمِهِمْ ) .

وقال سبحانه : ( إِنَّ الله لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ).

و قال سبحانه : ( قُلْ بِفَضْلِ الله وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ) .

 و الحق الذي للعبد : هو ما جعله الله تعالى حقا له ، و اقتضاه جود الله و كرمه ، و إن كان لو حاسبه بالعدل ، لم يكن له عليه بعد النعم التي أسلفها حق ، لأنه تعالى ابتدأ خلقه بالنعم ، و أوجب عليهم بها الشكر .

و ليس أحد من الخلق : يكافئ نعم الله تعالى عليه بعمل ، و لا يشكره أحد إلا و هو مقصر بالشكر عن حق النعمة .

و قد أجمع أهل القبلة : على أن من قال : إني وفيت جميع ما لله تعالى علي ، و كافأت نعمه بالشكر ، فهو ضال ، و أجمعوا على أنهم مقصرون عن حق الشكر ، و أن لله عليهم حقوقا لو مد في أعمارهم إلى آخر مدى الزمان لما وفوا لله سبحانه بما له عليهم ، فدل ذلك على أن ما جعله حقا لهم ، فإنما جعله بفضله و جوده و كرمه .

و لأن حال العامل الشاكر : بخلاف حال من لا عمل له في العقول ، و ذلك أن الشاكر يستحق في العقول الحمد ، و من لا عمل له ، فليس في العقول له حمد ، و إذا ثبت الفضل بين العامل و من لا عمل له ، كان ما يجب في العقول من حمده ، هو الذي يحكم عليه بحقه ، و يشار إليه بذلك ، و إذا أوجبت العقول له مزية على من لا عمل له ، كان العدل من الله تعالى معاملته بما جعله في العقول له حقا . و قد أمر الله تعالى بالعدل ، و نهى عن الجور ، فقال تعالى : إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ[27].

 

 

الإشعاع الثالث :

الظهور بالشكر والحمد لله على النعم كلها عبادة حسنة:

يا طيب : إن الله تعالى شكور عظيم لطيف شافي ، وإنه وإن كان نعم الله لا تحصى ، وإن إقامة الواجبات بعمل ركعات لكل ركعة دقيقة في سبعة عشر ركعة ودقيقة في مجموع الصلوات الخمس، وهي ليس شيء يذكر في يوم المؤمن العابد الشاكر ، فيكون من الذاكرين وبالخصوص حين يلحقها ببعض التعقيب فيشكر الله بها على توفيقه للإيمان به وللتوجه له وعن عدم الغفلة عنه ، فيبقى ما بينه لا يرتكب محرم ويكف نفسه عن اللؤم في عمل الخبائث والسيئات ، وهي ليست عمل بل عدم عمل فلا مئونة بها ولا فعل حتى فكري ، بل رفض المكر والحيلة والخداع والغش  والغيبة والنميمة والبهتان وعدم عملها والفكر بها ، وهي راحة للنفس .

فيكون نفس هذا الوجود الطيب الطاهر : العامل للواجبات البسيطات بطلب الحلال الطيب الكريم والرافض للسيئات الخبيثات ، نفس هذا الوجود حسن كريم مجيد شكور ، وإن الظهور بكلمة الشكر بعد الصلاة أو حينها أو حين تذكر نعمة وهي لكي يزيدها الله الشكور بالخيرات ، وهذا الشعور في الكون مع الله بالعدل والإحسان بطلب فضله ، نفسه شكر لله دائم وكثير ، وبه يحسن وجوده العبد ويكرمه الله بعظيم ملكه وملكوته في الدنيا والآخرة .

ولذا بعد يجب أن نكون مع الله بالشعور بالتقصير معه أبدا : أنه يجب شكر الله بعمل الواجب الطيب الحلال ورفض المحرم الخبيث السيئ ، وهو صبر عن الحرام وعدم التورط به ، وشكر على نعم الله ، وهذا يكفي ، ولذا سنذكر مراتب وموارد للشكر نبدأ بحال بسيط يسير من الشكر والحمد ، ثم نذكر أهم فوائده ونرغب به ، ونذكر له موارد مهمة بها يكون لنا أنس مع الله ونشعر برعايته لنا حين يفقد كثير من الناس الاطمئنان والراحة في هذا الدنيا ومشاكلها.

فإنه عرفت : إن الندم على الفعل المحرم توبة ، كذلك العلم بأن نعم الله علينا لا تحصى هو شكرا له منا ، فلذا نذكر يسير الشكر والحمد ونرغب به لطلب المزيد ونذكر بعض موارده فأقرأه ولو مرة بالعمر لتعرف كرم الشكور فتشكره .

ويا طيب : الشكر لله هو الحمد لله ، وهو الرضا برضى الله ونشر فضله بكل حال من العبد المتدين ، وفرقوا بأن :

الشكر لله : هو على النعمة بأي نعمة كانت من النعم التي لا تحصى .

والحمد لله : هو على حكمة تصرفه بالعبد بما يصلحه بالخصوص بنعمة أو بغيرها ، فكان معنى الحمد أو سع من وجه .

 ولكن من يعرف عظمة الله وحكمته حق : يرى شكره على كل حال هو من شؤون العبد المتوكل على الله بكل أموره ، والراضي بقضائه بأي يحال ، فيكون الشكر عنده مساوي للحمد في كل حال فيها ، وهذا ما نراه في كثير من الأدعية لأئمة الحق واستخدام أحدهما بدل الآخر الدال على شدة الرضى بما قسم الله لهم ، وإظهار الفرح والسرور به ، ونشره بالجنان واللسان والعلم والقول والفعل ، وبكل مظاهر السيرة والسلوك ، وقد تكلمنا بعض الكلام عن الحمد لله في نور الله الحميد الحفي بنا ، وهو الشكور الذي كرمنا بأعظم دين وملك في الآخرة ، فسبحانه من شكور عظيم لطيف شافي لمن طلبه وتوكل عليه في كل حال وشكره وحمده أبدا.

والله لم يطالب الكثير : وإن كان الجلوس معه بمناجاته بنفسه لذيذ جميل ، يشعر الإنسان بالراحة معه ، وبه تفريغ الهموم والتيقن بتحصيل المطلوب وصلاح الحال في كل الأحوال ، فيتقين نعمة الأبد وعظيم الملك حتى لو كان يعبد الله حبا له من غير طمع لا في مادة ولا خوف عقاب على فرض إنه لم يعصي ، وإن الله لم يطالب بكثير من الواجبات بل طالب التوجه له في بعض الأوقات والتحقق بالأعمال الصالحات ، وحرم الخبائث والأعمال الطالحات ، وحلل الطيبات حتى يشكر سعينا ويبين صلاحنا فيكرمنا بأفضل المكرمات ، وإن شكر النعمة تكفي له ألفاظ قليلات ، ويكفي قول :

 الشكر لله على كل نعمة ، أو : الحمد لله ، ولذا جاء :

قال علي بن الحسين عليه السلام : من قال : الحمــد لله .

 فقد شكـــــر كل نعمة لله عز و جل [28].

وعن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول :

شكر كل نعمة ، و إن عظمت أن تحمد الله عز و جل[29] .

وعَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قال :

 شُكْرُ النِّعْمَةِ ، اجْتِنَابُ الْمَحَارِمِ .

وَ تَمَامُ الشكر : قَوْلُ الرَّجُلِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [30].

عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من قال أربع مرات إذا أصبح :

 الحمد لله رب العالمين ، فقد أدى شكر يومه .

و من قالها إذا أمسى فقد أدى شكر ليلته [31].

نفرت بغلة لأبي جعفر عليه السلام فيما بين مكة و المدينة فقال :

 لئن ردها الله علي لأشكرنه حق شكره ، فلما أخذها قال :

 الحمد لله رب العالمين ، ثلاث مرات ، ثم قال ثلاث مرات :

 شكـرا لله   [32] .

وعن إسماعيل بن يسار قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول :

 إياكم و الكسل ، إن ربكم رحيم يشكـر القليل .

 إن الرجل ليصلي الركعتين تطوعا يريد بهما وجه الله عز و جل ، فيدخله الله بهما الجنة . و إنه ليتصدق بالدرهم تطوعا يريد به وجه الله عز و جل فيدخله الله به الجنة ، و إنه ليصوم اليوم تطوعا يريد به وجه الله تعالى فيدخله به الجنة [33].

وعن أبي حمزة الثمالي قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول :

 العبد بين ثلاثة : بلاء ، و قضاء ، و نعمة .

 فعليه في البلاء من الله الصبر فريضة .

 و عليه في القضاء من الله التسليم فريضة .

 و عليه في النعمة من الله عز و جل الشكر فريضة[34] .

وقال الإمام علي عليه السلام في غرر الحكم : معارف كريمة في كلمات قصيرة بليغة يعرفنا ضرورة شكر الله تعالى ، وإن واجب عقلا على كل حال ، ولو بما عرفت من الكلام اليسر بالعبادة بطاعته والتسليم له بميسور الواجبات وبالكف عن المحرمات ، لكن الشكر واجب مفروض كما عرفت وكما قال :

الشكر مفروض . الشكر مأخوذ على أهل النعم .

عقل المرء نظامه ، و أدبه قوامه ، و صدقه إمامه ، و شكره تمامه.

قد أوجب الدهر شكره على من بلغ سؤله .

في كل بر شكر . في الرخاء تكون فضيلة الشكر[35] .

 

 

 

الإشراق السادس :

الظهور بالشكر والحمد لله على النعم يبارك فيها ويزيدها:

يا طيب : إن إقامة دين الله الديان الشكور والإتيان بالواجبات وطلب الحلال الطيب ، أو كف النفس عن المحرمات والخبائث والأعمال السيئة ، هو شكرا لله حتى ولو لم يكن بلفظ الشكر ، ولكن بعض الأمور في الدين هي من أركان الإيمان ، ولابد من الظهور بها ليصدق المؤمن في إيمانه ، لأنه ستعرف إن الإيمان هو : هو معرفة بالقلب ، وقولا باللسان ، وعملا بالأركان .

فلابد أن نظهر الشكر : بعد الإقرار بالشهادة لله ولرسوله وبما أتى به من عنده وفرض علينا في معرفة الحق من سبيله الصادق من أئمة الهدى ، وإن شكر الله وحمده على نعمة باللسان بعد الإيمان بأن كل الكون وما فيه حتى وجودنا وإيماننا ، هو من نعمه التي لا تحصى علينا ، هو أن نظهر هذا المعنى بالطاعات والعبادات ، وبالخصوص الشكر الذي هو ذكر قولي بعد ما عرفت بعض أبعاده من ضرورة التدين بكل دين الله الديان ، ومن ثم شكره على هذا التوفيق ، وعلى نعمة الهداية ، وعلى كل نعمة معنوية في أنفسنا ، أو مادية في بدننا ، أو تحيطنا في ملك ملّكه الله لنا من زينة الحياة الدنيا بالحلال فكان طيبا ونعيما حقا .

وإن المؤمن : لا يخلو لا من نعمة الهداية والراحة المعنوية ، ولا عن الأمور المادية التي تعينه على التوجه لله ، ولذا كان لا يستغني عن الشكر لله والظهور به دائما ، لأن نفس نعمة الله الحاصلة كثيرة ، وإن شكر زاده الله وبارك عليه وهذا ما يجب أن نتيقن به ، وبالخصوص بعد معرفتنا بعظمة الله ، وإن الله من يشكره يزيده كما عرفت في ظهور نور اسم الله الوفي ، وفي كل ما ذكر في شرح الأسماء الحسنى وكيفية ظهورها في الكون بصورة عامة أو خاصة ، أو فيما يجب على العبد المؤمن من التحقق بها من نورها أو التعرض لها لتحصيل كرمها.

فإنه يا طيب : قد عرفنا إن التحقق بنور الأسماء الحسنى هو أن يكون نورها ظاهرا في العبد ، أي إن العبد المؤمن حقا يسعى بجد ويهيئ نفسه بكل ما يسعه لأن يكون نورها فيه حقا لا فقط أسما يعرف الله وعظمته ، بل يجب أن يسعى بجد لأن يكون هذا النور فيه بكل كرامة ومجد وبهاء وبأعظم تجلي وأكرم شأن من ظهوره حتى يكون ظهورا عظيما فينا ولنا شافيا .

 ولذا كان علينا بعد الواجب الذي يجعنا في نور الله تعالى ورضاه بصورة عامة كما لكل المؤمنين .

يجب أن نكون من المؤمنين العارفين بشؤون العظمة الإلهية : والتحقق بنورها العظيم الوسع حقا دين وكتاب وحكمة علما ، وعملا بتطبيق دين الله الخالص الحق الذي عرفه أئمة الدين الواقعين ، ونجعل كل نعم الله المادية في خدمة شكر الله وطاعته ، وذلك لكي نتحلى ونتجلى بنور الأسماء الحسنى في أنفسنا وفي محيطنا بأعلى وأعظم تجلي لها يمكن أن يحصل عليه عبد مخلوق لله تعالى .

ولذا يا طيب : يجب أن نطهر أنفسنا بالتوبة والرجوع لله بكل وجودنا كما عرفت في اسم الله التواب ، ثم الرضا بقضاء الله وقدره فنصبر ونطيع الله على كل حال وفي كل حال فنحمد الله، ثم نشكره تعالى على كل نعمه ، فنقيم دينه بكل ما مكننا بما يحب ويرضى ، ولذا يجيب أن نزداد شكرا لله بحسب الوسع والطاقة وندرب أنفسنا على الشكر لله أبدا وبكل شيء مظهرين دينه .

ومن يسعى لهذه الحالة يا طيب : للكون في خدمة الشكور بشكره بكل وجوده وبكل ما يملك ، وإن كان لما لله من العظمة بالنسبة للعارف بكبرياء الله ومجده لا يمكن شكره بما هو أهله ، لكن أعلم أنه لا يحرمنا المزيد من كرمه وفضله بل يتفضل علينا حتى نعجز عن وشكره ونكون قاصرين مقصرين حقا ، ولكن في فضل الله وكرمه وعظمة رحمته وللمؤمن شكر من نور الأسماء الحسنى وله مزيد من الشكور ، وهذه أحاديث كريمة في فضل الشكر والترغيب به و تشوقنا لشكر الشكور سبحانه وتفرحنا بعلو مجده حقا ويطمئن الذاكر بفضله :

 

الإشعاع الأول : الشكور أعطانا الشكر ومن شكر زاده :

قال الإمام جعفر بن محمد عليه السلام : من أعطي أربعا لم يحرم أربعا .

 من أعطي الدعاء : لم يحرم الإجابة ، و من أعطي الاستغفار : لم يحرم التوبة ، و من أعطي الشكر : لم يحرم الزيادة ، و من أعطي الصبر : لم يحرم الأجر [36].

عن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال :

 يا معاوية من أعطي ثلاثة لم يحرم ثلاثة : من أعطي الدعاء أعطي الإجابة ، و من أعطي الشكر أعطي الزيادة ، و من أعطي التوكل أعطي الكفاية ، فإن الله عز و جل يقول في كتابه : ( وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ ) ، و يقول : ( لَئِنْ شَكَــرْتُـمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ) ، و يقول : ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ‏ ) [37].

وعن موسى بن إسماعيل قال حدثنا أبي عن أبيه عن جده جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

ما فتح الله لعبد باب مسألة فخزن عنه باب الإجابة ، و لا فتح لعبد باب عمل فخزن عنه باب القبول ، و لا فتح لعبد باب شكر فخزن عنه باب الزيادة[38] .

عن مالك بن أعين الجهني قال : أوصى علي بن الحسين عليهما السلام بعض ولده فقال :

 يا بني اشكــر الله فيما أنعم عليك ، و أنعم على من شكــرك .

 فإنه لا زوال للنعمة إذا شكرت عليه ، و لا بقاء لها إذا كفرتها ،
 و
الشاكر بشكره أسعد منه بالنعمة التي وجب عليه الشكر به
، و تلا يعني علي بن الحسين عليهما السلام قول الله تعالى :
 « وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَـــرْتُمْ لَأَزِيـدَنَّكُمْ » إلى آخر الآية [39].

وعن أبي جعفر محمد بن علي صلوات الله عليهم قال :

من أعطي الدعاء لم يحرم الإجابة ، و من أعطي الشكر لم يمنع الزيادة ، و تلا أبو جعفر عليه السلام : « وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ » .[40]

 

الإشعاع الثاني : بالشكر تدوم النعم وتزداد وتُحصن :

يا طيب : إذا عرفنا كلام الله وما شرح أهل البيت من أن الشكر يوجب الزيادة وإن كان الشكر مفروض علينا عقلا وعرفا ووجدانا وشرعا ولابد لظهوره من للمؤمن ، ولكن هذه كرامة على كرامة ، فضل في فضل حتى يعظم العبد عند الله وينال رضاه والمزيد له في جنة الخلد ، وسيجزي الشاكرين بكرم وبكل نور ممكن يتحمله العبد وأستعد له ، وذلك لكي يفيض عليه من الأسماء الحسنى في الدنيا نعيم هدى ومعنى أو مادة بما لا يلهيه عن الله تعالى والتوجه له لينال النور الأكبر والأعظم اللطيف الشافي في يوم القيامة :

ثم إنه وإن كان جزاء الأعمال والإيمان : يدخل تحت أسم الله المجازي أو المثيب ، ولكنها ترجع إلى اسم الله الشكور وتدخل تحت حيطته ، ولكونه العبد أتى بما أمر الله والله تعالى لأنه أوعد الثواب يكون له أسم المثيب والمجازي كجزاء للطاعة ، ولكن واضح من أن أي ثواب على أي عمل هو شكر ذلك العمل ورضى به ، وهو نفسه زيادة لنعمه على العبد حتى لا يبقى مجال للشكر ، فيحل في دار لا عبادة فيها وفقط نعيم مقيم أبدي للمؤمن الشاكر حقا .

ولكي نرغب بالشكر : حتى نحصل على أعلى مقام من رضا الرب سبحانه ونور الكمال التام من كل مجد وثواب أعده لعباده الشاكرون حقا ، نذكر كلاما طيبا للإمام علي عليه السلام في غرر الحكم : يعرفنا أهمية الشكر وفضيلة الشكر و الترغيب في الشكر ، ويدعونا للشكر وللمزيد من الشكر حتى يكون العبد حقا شاكرا ، وله ظهور حق من أسم الله الشكور العظيم اللطيف الشافي المثيب المجازي سبحانه :

قال الإمام علي عليه السلام :

من شكـر الله سبحانه : وجب عليه شكــر ثان .

 إذ  وفقه لشكـره ، و هو شكــر الشكر [41].

خير الناس : من إذا أعطي شكر ، و إذا ابتلي صبر ، و إذا ظلم غفر [42].

من أدام الشكر استدام البر . الشكر مغنم . الشكر زينة للنعماء .

الكريم : يشكر القليل ، و اللئيم يكفر الجزيل .

الشكر : ترجمان النية ، و لسان الطوية [43].

في شكر النعم دوامها . من شكر دامت نعمته . مع الشكر تدوم النعمة .

الشكر : على النعمة جزاء لماضيها ، و اجتلاب لآتيها .

استدم الشكر : تدم عليك النعمة .

عليكم بدوام الشكر ، ولزوم الصبر ، فإنهما : يزيدان النعمة ، و يزيلان المحنة[44] .

الشكر زيادة . اشكر تزد . اغتنموا الشكر فأدنى نفعه الزيادة .

من شكر استحق المزيد .

ثمرة الشكر زيادة النعم . حسن الشكر يوجب الزيادة .

خير الشكر ما كان كافلا بالمزيد[45] .

دوام الشكر عنوان درك الزيادة . سبب المزيد الشكر .

شكر النعمة يقضي بمزيدها ، و يوجب تجديدها .

شكر النعم يضاعفها و يزيدها . في الشكر تكون الزيادة .

كافل المزيد الشكر . من شكر استحق الزيادة .

من كثر شكره تضاعفت نعمه . من ألهم الشكر لم يعدم الزيادة[46] .

من شكر الله زاده .

ما كان الله سبحانه ليفتح على أحد باب الشكر ويغلق عليه باب المزيد .

من شكر النعم : بجنانه ، استحق المزيد قبل أن يظهر على لسانه .

أبلغ ما تستمد به النعمة الشكر ، و أعظم ما تمحص به المحنة الصبر .

الشكر حصن النعم . الشكر زينة الرخاء ، و حصن النعماء .

شكر نعمة سالفة يقضي بتجدد نعم مستأنفة .

ما حصنت النعم بمثل الشكر . ما حرست النعم بمثل الشكر [47].

 

الإشعاع الثالث : تحذير من عدم الشكر و كفران النعم :

يا طيب : إن ترك الشكر مذموم وهو من كفران النعيم ولذا قال الإمام علي عليه السلام في غرر الحكم :

شكر النعم يوجب مزيدها ، و كفرها برهان جحودها .

إذا وصلت إليكم أطراف النعم ، فلا تنفروا أقصاها بقلة الشكر .

قلة الشكر تزهد في اصطناع المعروف .

من لم يشكر الإحسان لم يعده الحرمان . من قل شكره زال خيره .

من لم يشكر النعمة منع الزيادة .

نعمة لا تشكر كسيئة لا تغفر.

شر الناس من لا يشكر النعمة و لا يرعى الحرمة .

من لم يشكر النعمة عوقب بزوالها [48].

شكر النعم عصمة من النقم .

شكر النعمة أمان من تحويلها و كفيل بتأييدها .

شكر النعمة أمان من حلول النقمة .

ليكن الشكر شاغلا لك على معافاتك مما ابتلي به غيرك .

من شكر من أنعم عليه فقد كافأه .

من كثر شكره كثر خيره [49].

 

الإشعاع الرابع : شكر المنافق لا يتجاوز لسانه :

وقال الإمام علي عليه السلام يصف المنافق ، بأن المنافق :

يقول في الدنيا بقول الزاهدين : و يعمل فيها بعمل الراغبين ، يظهر شيمة المحسنين ، و يبطن عمل المسيئين ، يكره الموت لكثرة ذنوبه ، و لا يتركها في حياته ، يسلف الذنب  و يسوف بالتوبة ، يحب الصالحين  و لا يعمل أعمالهم ، و يبغض المسيئين و هو منهم ، يقول لم أعمل فأتعب بل أجلس فأتمني ، يبادر دائبا ما يفنى  و يدع أبدا ما يبقى .

يعجز عن شكــر ما أوتي : و يبتغي الزيادة فيما بقي ، يرشد غيره و يغوي نفسه ، و ينهى الناس بما لا ينتهي ، و يأمرهم بما لا يأتي ، يتكلف من الناس ما لم يؤمر ، ويضيع من نفسه ما هو أكثر ، يأمر الناس ولا يأتمر ، و يُحذرهم و لا يحذر .

يرجو ثواب ما لم يعمل : و يأمن عقاب جرم متيقن .

يستميل وجوه الناس بتدينه : و يبطن ضد ما يعلن ، يعرف لنفسه على غيره ، و لا يعرف عليها لغيره ، يخاف على غيره بأكثر من ذنبه ، و يرجو لنفسه أكثر من عمله ، يرجو الله في الكبير ، و يرجو العباد في الصغير ، فيعطي العبد ما لا يعطي الرب [50].

  ولذا يا طيب :

 الحازم من شكـر النعمة مقبلة ، و صبر عنها و سلاها مولية مدبرة[51].

وأعلم يا أخي :

إن من شكـر على غير إحسان [معروف‏] ، ذم على غير إساءة[52] .

من شُكـر : على الإساءة سُخر به . لا تأمن عدوا و إن شكـر[53] .

 

 

 

 

الإشراق السابع :

أهم موارد الشكر والظهور به شكرا لله الشكور :

يا طيب : إن الله الديان الشكور متفضل منان منعم بنعم لا تحصى ، وبكل حال للإنسان لا يخلو فيه من نعمه يستوجب عليه شكر الله تعالى ، بل كان الظهور بنعمه هو شكرا لها ، لأن دين الله الذي يصلحنا معه ومع تجلي كرمه أبدا وفي الدنيا والآخرة هو من أفضل النعم وأكرمها ، لأنه نعمة الروح وصفائها في نفسها ومع الله والوجود كله ،  فتتنور بنور كل كرم ومجد من ظهور الأسماء الحسنى ، ولذا كان أجمل وأكرم ظهور لشكرنا لله هو الظهور بنور ما كرمنا من نعمة سواء نعمة الهداية أو نعمة المادة ، وهو ظهور عملي بعد الظهور العلمي ، ولذا كان إقامة الدين شكرا لله الشكور ، والشكر باللفظ شكرا لله، والدعاء شكرا لله الشكور ، والتجمل بالنعم شكرا للمنعم .

 بل يا طيب : شكر من تفضل الله عليه وشكره بالظهور بما أنعم الله عليه فعلمنا دين الله أو منحنا نعمة من نعمه هو شكرا لله وحب لنعمه وهداه ، وقد عرفت أنه أمرنا بود أئمة الدين وأن نهوى خصال من ظهر به وعلمنا له ، فوجب شكره وشكر الله على التوفيق لمعرفته بمن خصه ، بل نعمة المادة الحلال الطيبة من العبد إذا تفضل بها على عبد أخر وجب شكرها ، لأنه من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق ، وهو في حقيقة شكر لله وتعليم للمنعم بها للشكر ليشكر الله على ما تفضل عليه به وكما شكره العباد ، والله الشكور بالشكر أولى لمن أنعم عليه كما حق علينا شكره فكيف بالشكور المنعم بكل النعم وبما وفق .

 ولذا كانت موارد الشكر كثيرة : وهي كما عرفت الظهور بكل نور الله الذي جعله دين وحق له أو لغيره وصار لنا ، فيجب إظهاره وحكاية فضله والظهور بهذا الإحسان من المتفضل المنان بالنعم ، ولذا نذكر هنا أهم موارد الشكر التي تعرفنا كيفية الظهور به علما وعملا ، بعد إن عرفنا أهمية الشكر وسبيله معارفه وما يرغبنا به ويحثنا على تحصيل فضله ، وما يحذرنا من التقصير به .

فنذكر الآن أهم موارد الشكر : من غير الواجبات العبادية أو هجر المحرمات ، بل الظهور بالشكر بنفس الشكر وبالنعم ، فنذكر أولا الظهور بالنعم شكر لها وبيان لفضل الله علينا وشكره ببيان إحسانه فينا بصورة عامة في مواد شكر المعروف منه ومن كل أحد ، ثم نذكر ضرورة شكر أولي الأمر الذين علمونا الشكر والشكر في موارد استخدام نعم الله ، ثم نذكر الشكر المحبب لله في أجمل مواده من سجدة الشكر وأدعية ، وأسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الشاكرين حقا بما يحب ويرضى من الشكر ، فإنه أرحم الراحمين وشكور عظيم ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين يا شكور الشكر لك ولك الحمد .

 

الإشعاع الأول :

الظهور بالنعم والمعروف من أهم موارد الشكر :

يا طيب : الظهور بالنعم هو بيان لفضل المنعم سبحانه وهو شكرا له وبيان لكرمه علينا ، وبالخصوص نعمة الهداية والأخلاق الحسنة ، ومظاهر الدين وصلاحه تعاليمه ليرغب به الناس وليتحلوا به ، وكذا الظهور من غير عجب ولا تكبر بالنعم المادية وغيرها ، بل بما يناسب شأن المؤمن فيقوم بالواجبات من بذل المعروف ، وإن الكلام فيما يخرج عن الدين والشكر بالمن أو الأذى أو التكبر وغيرها ليس مورد بحثنا وإنها من مواد كفران النعم ، بل نذكر هنا مواد الشكر بآداب الدين والظهور بالشكر ببيان نعم رب العالمين بما يحب ويرضى .

ولذا قال الإمام علي عليه السلام : في غرر الحكم لبيان ضرورة الظهور بالنعم والمعرف ، معارف كريمة بها يحصل لنا شكر لله الشكور وشكره :

إذا نزلت بك النعمة ، فاجعل قراها الشكر .

من شكــر المعروف ، فقد قضى حقه .

لن يذهب من مالك ما وعظك ، و حاز لك الشكر .

أنعم تُشكـر : و أرهب تحذر ، و لا تمازح فتحقر .

اشكـر : من أنعم عليك ، و أنعم على من شكــرك .

 فإنه لا زوال للنعمة إذا شكـرت ، و لا بقاء لها إذا كفرت .

إظهار الغنى من الشكر .

أكثر النظر إلى من فضلت عليه ، فإن ذلك من أبواب الشكر .

أحسن شكــر النعم : الإنعام به[54] .

إن مكرمة : صنعتها إلى أحد من الناس إنما أكرمت بها نفسك ، و زينت بها عرضك ، فلا تطلب من غيرك شـكــر ما صنعت إلى نفسك .

 ما توسل أحد إلي بوسيلة : أجل عندي من يد سبقت مني إليه ، لأربيها عنده باتباعها أختها ، فإن منع الأواخر يقطع شكر الأوائل .

المعروف : غل لا يفكه إلا شكـــر أو مكافاة .

 الشكر أعظم قدرا من المعروف ، لأن الشكر يبقى و المعروف يفنى .

أحسن السمعة شكــر ينشر .

بفعل المعروف يستدام الشكر . ذو الإفضال مشكور السيادة .

كثرة الصنائع : ترفع الشرف ، و يستديم الشكر [55].

لن يستطيع أحد أن يشكر النعم بمثل الإنعام به [56].

الشكر أحد الجزاءين[57] .

تجنبوا المنى : فإنها تذهب ببهجة نعم الله عندكم .

 و تلزم استصغارها لديكم ، و على قلة الشكر منكم [58].

إنما ينبغي لأهل العصمة و المصنوع إليهم في السلامة : أن يرحموا أهل المعصية و الذنوب ، و أن يكون الشكر على معافاتهم ، هو الغالب عليهم و الحاجز لهم [59].

 صير الدين حصن دولتك : و الشكر حرز نعمتك ، فكل دولة يحوطها الدين لا تغلب ، و كل نعمة يحرزها الشكر لا تسلب [60].

أحسن تشكر .ما اكتسب الشكر بمثل بذل المعروف .

أولى الناس بالاصطناع : من إذا مطل صبر ، وإذا منع عذر ، وإذا أعطي شكر .

لا يزهدنك في اصطناع المعروف : قلة من يشكره ، فقد يشكرك عليه من لا ينتفع بشي‏ء منه ، و قد يدرك من شكر الشاكر أكثر مما أضاع الكافر .

 من منّ بمعروفه أسقط شكره [61].

 من شكر إليك معروفك فقد سألك .

زيادة الشكر ، و صلة الرحم تزيدان النعم ، و تفسحان في الأجل .

نظيرك بحسن الإخاء .

اعدل فيما وليت ، اشكر الله‏ فيما أوليت [62].

شكر إلهك بطول الثناء . شكر من فوقك بصدق الولاء . .

شكر المؤمن يظهر في عمله .

شكر الإحسان من أثنى على مسديه ، و ذكر بالجميل موليه .

سلاح الموقن الصبر على البلاء و الشكر في الرخاء [63].

ثلاث من كن فيه : فقد رزق خير الدنيا و الآخرة ، هن : الرضا بالقضاء ، و الصبر على البلاء ، و الشكر في الرخاء [64].

إن لله تعالى : في كل نعمة حقا من الشكر ، فمن أداه زاده منها ، و من قصر عنه خاطر بزوال نعمته .

النعمة موصولة بالشكر ، و الشكر موصول بالمزيد ، و هما مقرونان في قرن ، فلن ينقطع المزيد من الله سبحانه ، حتى ينقطع الشكر من الشاكر .

شكـــر الله يدر النعم [65].

حق الله سبحانه عليكم في اليسر : البر والشكر ، وفي العسر الرضا والصبر [66].

وعن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام أنه كان يقول : إنما المعروف زرع من أنمى الزرع ، و كنز من أفضل الكنوز ، فلا يزهدنك في المعروف كفر من كفره ، و لا جحود من جحده ، فإنه قد يشكرك عليه من يسمع منك فيه ، و قد تصيب من شكر الشاكر ما أضاع منه العبد الجاحد [67].

وعن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال : اعلم أن ما بأهل المعروف من الحاجة إلى اصطناعه ، أكثر مما بأهل الرغبة إليهم فيه ، و ذلك أن لهم ثناءه و ذكره و أجره ، و اعلم أن كل مكرمة تأتيها أو صنيعة صنعتها إلى أحد من الخلق ، فإنما أكرمت بها نفسك ، و زينت بها عرضك .
 فلا تطلبن من غيرك شكر ما صنعت إلى نفسك[68] .

عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال : إن الله تبارك و تعالى خص رسوله بمكارم الأخلاق فامتحنوا أنفسكم فإن كانت فيكم ، فاحمدوا الله عز و جل و ارغبوا إليه في الزيادة منه ، فذكرها عشرة : اليقين ، و القناعة ، و الصبر ، و الشكر ، و الحلم ، و حسن الخلق ، و السخاء ، و الغيرة ، و الشجاعة ، و المروءة [69].

يا طيب : إذا عرفنا حرمة النعم والمعروف الذي يسدى إلينا سواء من الله أو من عباده ، وإنه يجب أن شكر ليخرج الإنسان من بعض حقه ، وأفضله هو الظهور به كما عرفت بعد شكر من أسداه إلينا ، نذكر ضرورة شكر من أجرى الله نعمه علينا لنشكره ، ثم نذكر موارد شكر الله المحببة بنفسها ، لنكون متأدبين بأهم آداب الدين وتعاليم رب العالمين الديان الشكور العظيم الطيف الشافي :

 

الإشعاع الثاني :

شكر الله على نعمة الهداية ومن أجرى علينا نعمه :

يا طيب : إن من أهم موارد شكر المعروف المسدى إلينا من أهل المعروف ، هو معروف أهل الدين لأنه الإنسان بدونه لا يساوي شيء في قيم العدالة الربانية بل والإنسانية المؤمنة الطيبة ، وهي التي تعرفنا الحق من دين الله الذي يشكر به ، ثم تأتي بعد ذلك شكر النعمة المادية ومن أجرى الله تعالى علينا نعمه ، وبالخصوص الأبوين الذين يغذون العبد حتى يتمكن من شكر المعروف بكل صوره ، ولذا نذكر هنا أهم موارد شكر النعم والمعروف ، شكر أبوي الدين وأبوي الدنيا ، وبالخصوص الشكر لأبوي الدين لنشكر معروفهم ونعرف حرمتهم فنعرف دين الله وشكره ، وإن كان قد عرفنا في المشارق الأولى فضل الله عليهم حتى كانوا أجمل مظهر للشكر بكل وجودهم كما عرفت .

ولكن هنا نذكر ضرورة شكر أبوي الدين : أولا ، ثم يأتي مورد شكر أوبي الدنيا وإن كانوا مؤمنين فيكون لهم حقوق مضاعفة حق الدين والدنيا .

وهكذا يجب شكر من أسدى لنا معروف وهو من مكنه الله ليجري علينا نعم الله سواء نعم الهداية كتعليم أو كلمة طيبة أو معاملة شريفة لخلق كريم أو نعم المادة كالإحسان والتفضل وإن كان مر قسما كبيرا مما يرغب بفضلها ويعرف قيمة الشكر على البر والمعروف .

 و الشكر يتلخص : إما على النعم المادية أو نعم الهداية ، وهو الشكر لمن هدانا الله بهم للإسلام ولهم حق العلم والتعليم والجاه وما بذلوا من الكلمات الطيبة ، ثم يأتي الشكر على النعم المادية الطيبة الحلال فقط ، وإلا التمكين من الحرام لا شكر عليه بل له اللوم والعتاب والهجران والمقاطعة ، وكلها ترجع لنعم الدين ولمعارف هداه وفضل الله الذي مكننا من دينه ونعمة الهداية وما يجري في خدمتها والله الغفور الشكور .

 ولذا قال نبي الله نوح عليه السلام كما عن أبي جعفر عليه السلام قال :

 كان نوح إذا أمسى و أصبح يقول :

أمسيت أشهد أنه ما أمسى بي من نعمة في دين أو دنيا .

 فإنها من الله وحده لا شريك له ، له الحمد علي بها كثيرا ، و الشكر كثيرا ، فأنزل الله : إِنَّهُ كانَ عَبْـداً شَـكُــور ، فهذا كان شكــره [70].

وعن علي بن أبي طالب عليه السلام قال :

 كان رسول الله صلى الله عليه وآله ، مكفرا لا يشكر معروفه .

 و لقد كان معروفه : على القرشي و العربي و العجمي ، و من كان أعظم معروفا من رسول الله صلى الله عليه وآله على هذا الخلق ، و كذلك نحن أهل البيت مكفرون لا يشكــروننا ، و خيار المؤمنين مكفرون لا يشكر معروفهم [71].

و عن أبي جعفر ع في قول الله :

« إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ» إلى قوله « لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ » ؟

قال فقال أبو جعفر : نحن هـــم و نحن بقيــة تلك الذريــــة[72] .

عن يونس بن كثير عن علقمة قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أوصني جعلت فداك ؟ فقال : أوصيك بتقوى الله ، و الورع ، و العبادة ، و طول السجود ، و أداء الأمانة ، و صدق الحديث ، و حسن الجوار ، صلوا عشائركم ، و عودوا مرضاكم ، و احضروا جنائزهم .

 كونوا لنا زين : و لا تكونوا علينا شينا ، أحبونا إلى الناس ، و لا تبغضونا إليهم ، جروا إلينا كل مودة ، و ادفعوا عنا كل قبيح .

 ما فينا من خير فنحن أهله : و ما قيل فينا من شر فو الله ما نحن كذلك ، لنا حق في كتاب الله ، و قرابة من رسول الله ، و ولادة طيبة ، فهكذا قولوا .

 أنتم و الله : على المحجة البيضاء ، فأعينونا بورع و اجتهاد ، ما على من عرفه الله بهذا الأمر جناح ، ألا يعرفه الناس به .

إنه من عمل للناس : كان ثوابه على الناس ، و من عمل لله كان ثوابه على الله ، و لا تجاهد الطلب جهاد المغالب ، و لا تتكل على المستسلم .

 فإن ابتغاء الفضل من السنة ، و الإجمال في الطلب من العفة .

 و ليست العفة بدافعه رزقا ، و لا الحرص بجالب فضلا ، فإن الرزق مقسوم ، و الأجل موقوف ، و الحرص يورث الإثم .

 لا يفقدك الله من حيث أمرك ، و لا يراك من حيث نهاك .

ما أنعم الله : على عبد بنعمة فشكـرها بقلبه ، إلا استوجب المزيد قبل أن يظهر شكرها على لسانه ، من قصرت يده عن المكافأة ، فليطل لسانه بالشكر ، ومن حق شكر نعمة الله ، أن يشكر بعد شكره من جرت تلك النعمة على يده [73].

وعن أصبغ بن نباتة أنه سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن قول الله عز و جل :

 « أَنِ اشْكُرْ لِي وَ لِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ » .

 قال : الوالدان اللذان أوجب الله لهما الشكر ، هما اللذان ولدا العلم و ورثا الحكم  و أمر الناس بطاعتهم[74] .

و عن زياد بن المنذر قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام ، و سأله جابر عن هذه الآية : ( اشْكُرْ لِي وَ لِوالِدَيْكَ ) ؟

قال : رسول الله و علي بن أبي طالب صلى الله عليهم وسلم [75].

و قال الحسن بن علي عليه السلام : عليك بالإحسان إلى قرابات أبوي دينك محمد و علي ، و إن أضعت قرابات أبوي نسبك ، و إياك و إضاعة قرابات أبوي دينك بتلافي قرابات أبوي نسبك ، فإن شكر هؤلاء إلى أبوي دينك محمد و علي عليه السلام أثمر لك من شكر هؤلاء إلى أبوي نسبك .

 إن قرابات أبوي دينك : إذا شكروك عندهما بأقل قليل نظرهما لك يحط عنك ذنوبك و لو كانت مل‏ء ما بين الثرى إلى العرش ، و إن قرابات أبوي نسبك إن شكروك عندهما ، و قد ضيعت قرابات أبوي دينك لم يغنيا عنك فتيلا [76].

وإذا عرفنا يا طيب : معروف أئمة الدين والظهور به وشكرهم عليه ، وهو من آداب الدين ، بل هو دين الديان الشكور وتعليم خُلق الإسلام ، وذلك لأنه بعلمهم وسيرتهم تظهر تعاليمه و، هو إن كل حركة لهم وقول مظهر لشكر الله وللظهور بنعمه تعالى ، فنشر مكارمهم هو بيان لنشر كرم الله وفضله عليهم وعلينا ، لأنه عرفنا ديننا الحق بصراط مستقيم عند المنعم عليهم حقا ، وهذا ما نطلبه من الهدى من الله في كل يوم في الصلاة حين قراءة الفاتحة ، وإذا عرفنا ضرورة شكر معروف أهل الدين وأئمة الحق بل والعلماء كما سيأتي .

 

نذكر معروف أبوي الدنيا : وفضلهم وضرورة شكر معروفهم الذي مكنهم الله منه ، ورزقهم أبن بار شكور الله بكل مظاهر نعمه وحسب أمره إن شاء الله.

وعن إسحاق بن عمار قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إن الله ليصلح بصلاح الرجل المؤمن ولده و ولد ولده ، و يحفظه في دويرته و دويرات حوله ، فلا يزالون في حفظ الله لكرامته على الله ، ثم ذكر الغلامين فقال :

« وَ كانَ أَبُوهُما صالِحاً » ، أ لم تر أن الله شكر صلاح أبويهما لهم[77] .

عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : إن الله عز و جل أمر بثلاثة مقرون بها ثلاثة أخرى ، أمر بالصلاة و الزكاة فمن صلى و لم يزك لم تقبل منه صلاته ، و أمر بالشكر له و للوالدين فمن لم يشكر والديه لم يشكر الله ، و أمر باتقاء الله و صلة الرحم فمن لم يصل رحمه لم يتق الله عز و جل[78] .

وعن محمد بن سنان أن الرضا عليه السلام :

كتب إليه حرم الله عقوق الوالدين لما فيه من الخروج من التوفيق لطاعة الله تعالى ، و التوقير للوالدين ، و تجنب كفر النعمة ، و إبطال الشكر ، و ما يدعو من ذلك إلى قلة النسل و انقطاعه ، لما في العقوق : من قلة توقير الوالدين ، و العرفان بحقهم ، و قطع الأرحام ، والزهد من الوالدين في الولد و ترك التربية لعلة ترك الولد برهما[79].

و قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إنما أتخوف على أمتي من بعدي ثلاث خصال : أن يتأولوا القرآن على غير تأويله ، أو يتبعوا زلة العالم  ، أو يظهر فيهم المال حتى يطغوا و يبطروا ، و سأنبئكم المخرج من ذلك :

أما القرآن فاعملوا بمحكمه و آمنوا بمتشابهه ، و أما العالم فانتظروا فيئته و لا تتبعوا زلته ، و أما المال فإن المخرج منه شكر النعمة و أداء حقه [80].

وقال أمير المؤمنين عليه السلام : من صنع مثل ما صنع إليه فقد كافأ ، و من أضعف كان شكــورا ، و من شكـــر كان كريم ، و من علم أن ما صنع إنما صنع لنفسه لم يستبط الناس في برهم ، و لم يستزدهم في مودتهم .

 فلا تطلبن غيرك شكر ما أتيته إلى نفسك و وقيت به عرضك ، و اعلم أن طالب الحاجة إليك لم يكرم وجهه عن وجهك فأكرم وجهك عن رده [81].

وعن محمود بن أبي البلاد قال سمعت الرضا عليه السلام يقول :

 من لم يشكــر المنعم من المخلوقين ، لم يشكـــر الله عز و جل [82].

وعن أبو عبد الله محمد بن عبيد الله بن راشد الطاهري الكاتب ، في دار عبد الرحمن بن عيسى بن داود ابن الجراح و بحضرته إملاء يوم الثلاثاء لتسع خلون من جمادى الأولى سنة أربع و عشرين و ثلاث مائة ، قال حملني علي بن محمد بن الفرات في وقت من الأوقات برا واسعا إلى أبي أحمد عبيد الله بن عبد الله بن طاهر، فأوصلته إليه، و وجدته على‏ إضاقة شديدة ، فقبله و كتب في الوقت بديهة :

أياديك عندي معظمات جلائل    طوال المدى شكري لهن قصير

فإن كنت عن شكري غنيا فإنني   إلى شــكر ما أوليتني لفقير

قال فقلت : هذا أعز الله الأمير حسن . قال : أحسن منه ما سرقته منه . فقلت : و ما هو ؟ قال حديثان حدثني بهما أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي ، قال حدثني أبو الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام قال حدثني أبي ، عن جدي جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن جده أمير المؤمنين قال : قال النبي صلى الله عليه و آله وسلم :  أسرع الذنوب عقوبة كفران النعمة .

 و حدثني أبو الصلت بهذا الإسناد قال قال النبي صلى الله عليه و آله :

 يؤتى بعبد يوم القيامة : فيوقف بين يدي الله عز و جل ، فيؤمر به إلى النار . فيقول : أي رب أمرت بي إلى النار و قد قرأت القرآن ؟!

فيقول الله : أي عبدي إني أنعمت عليك فلم تشكـــر نعمتي .

 فيقول : أي رب أنعمت علي بكذا فشكرتك بكذا ، و أنعمت علي بكذا و شكرتك بكذا ، فلا يزال يحصي النعمة و يعدد الشكر .

 فيقول الله تعالى : صدقت عبدي ، إلا أنك لم تشكر من أجريت لك نعمتي على يديه ، و إني قد آليت على نفسي أن لا أقبل شكــر عبد لنعمة أنعمتها عليه ، حتى يـشـكــــر من ساقها من خلقي إليه .

قال : فانصرفت بالخبر إلى علي بن الفرات ، و هو في مجلس أبي العباس أحمد بن محمد بن الفرات ، و ذكرت ما جرى ، فاستحسن الخبر و انتسخه ، و ردني في الوقت إلى أحمد أبي عبيد الله بن عبد الله ببر واسع من بر أخيه ، فأوصلته إليه ، فقبله و سر به ، و كتب إليه :

شكريك معقود بإيماني            حكم في سري و إعلاني‏

عقد ضمير و فم ناطق            و فعل أعضاء و أركان‏

فقلت : هذا أعز الله الأمير أحسن من الأول .

 فقال : أحسن منه ما سرقته منه . قلت : و ما هو ؟

قال: حدثنا أبو الصلت عبد السلام بن صالح بنيشابور، قال حدثني أبو الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام ، قال حدثني أبي موسى الكاظم ، قال حدثني أبي جعفر الصادق ، قال حدثني أبي محمد بن علي الباقر ، قال حدثني أبي علي بن الحسين ، قال حدثني أبي الحسين السبط ، قال حدثني أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، قال : قال النبي صلى الله عليه و آله  :

الإيمان عقد بالقلب ، و نطق باللسان ، و عمل بالأركان .

قال : فعدت إلى أبي العباس بن الفرات فحدثته بالحديث فانتسخه . قال أبو أحمد و كان أبو الصلت في مجلس أخي بنيشابور و حضر مجلسه متفقهة نيشابور و أصحاب الحديث منهم ، و فيهم إسحاق بن راهويه ، فأقبل إسحاق على أبي الصلت ، فقال يا أبا الصلت ، أي إسناد هذا ما أغربه و أعجبه ، قال :

هذا سعوط المجانين الذي إذا سعط به المجنون برئ بإذن الله تعالى [83].

يا طيب : شكر النعم من الحقوق الواجب أدائها على العبد ، والله سبحانه كرم عباده بالدين والهدى ، وبالمال وزينة الدنيا ليكون في خدمة الدين ، ومن مكنه الله بالعمل بما أمره يكون شاكرا لأنعم الله وظاهر بمعروفه ، وهو من أجمل الشكر لله ويجب أن يشكر عليه إذا وصل للعبد شيء منه ، وهنا ليس موارد ذكر للحقوق كلها ، فإن في رسالة الحقوق للإمام زين العابدين معارف كريمة فإن أحببت معارفها فراجعها ، وذكرنا جملة شريفة ومعارف لطيفة واسعة في صحيفة الطيبين بدل صحيفة الأبرار والمقربين من موسوعة صحف الطيبين ، فإن أحبب المزيد فراجعها .

وهنا ذكرنا بصورة عامة ضرورة شكر : أولي الهداية وأبوي الدين والدنيا والعلماء ، ومن أسدى معروفا لنا لنعرف أهم موارد الشكر التي أوجبها الديان الشكور سبحانه ، وبعد إن عرفنا موارد شريفة لشكر المعروف وأهميته بصورة عامة ، نأتي لذكر أصل الشكر الواجب حقا من المنعم الأول والخالق الأعظم الذي مكن العباد من كل شيء ، وسخر لنا كل الوجود لنقيم عبوديته ودينه ، فنتعرض لأهم موارد شكره وهو الديان الشكور العظيم اللطيف الشافي.

 

الإشعاع الثالث  :

شكر الله الشكور على العافية ونعم الدنيا  :

يا طيب : إن أهم ما يشكر عليه الله بعد نعمة الهداية ، هو الشكر على نعمة الصحة والأمان ، وهو الشكر على العافية وعدم البلاء والمصائب في البدن والمال بصورة عامة ، ولذا كانت العافية من أهم الأمور التي يجب أن يشكر عليها الله تعالى ، ولذا جاءت أحديث كريمة تعرفنا أهمية العافية وضرورة الشكر عليها نذكر قسما مهم منها ، ثم نذكر الشكر على النعم المادية المحيطة بنا :

عن محمد بن حرب الهلالي أمير المدينة يقول سمعت الصادق جعفر بن محمد عليه السلام يقول :

العافية نعمة خفية : إذا وجدت نسيت ، و إذا فقدت ذكرت .

قال و سمعت الصادق عليه السلام يقول :

العافية نعمة يعجز الشكر عنه[84].

و قال الرضا عليه السلام : رأى علي بن الحسين عليه السلام رجلا يطوف بالكعبة ، و هو يقول : اللهم إني أسألك الصبر . قال : فضرب علي بن الحسين عليه السلام على كتفه ، ثم سألت البلاء ، قل :
اللهم : إني أسألك العافية ، و الشكر على العافية [85].

وعن حسين بن زيد بن علي قال : دخلت مع أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام على رجل من أهلنا و كان مريضا ، فقال له أبو عبد الله عليه السلام :

 أنساك الله العافية ، و لا أنساك الشكر عليها .

فلما خرجنا من عند الرجل قلت له : يا سيدي ، ما هذا الدعاء دعوت به للرجل . فقال لي : يا حسين ، العافية ملك خفي .

 يا حسين : إن العافية نعمة إذا فقدت ذكرت ، و إذا وجدت نسيت .

 فقلت له : أنساك الله العافية لحصولها ، و لا أنساك الشكر عليها لتدوم له .

 يا حسين : إن أبي أخبرني عن النبي صلى الله عليه و آله أنه قال :

 يا صاحب العافية ، إليك انتهت الأماني [86].

وعن أحمد بن موسى بن سعد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : كنت معه في الطواف فلما صرنا معه بحذاء الركن اليماني أقام عليه السلام فرفع يديه ثم قال :

 يا الله ، يا ولي العافية ، و يا خالق العافية ، و يا رازق العافية ، و المنعم بالعافية ، و المنان بالعافية ، و المتفضل بالعافية علي و على جميع خلقك ، يا رحمان الدنيا و الآخرة و رحيمهما ، صل على محمد و آل محمد ، و ارزقنا العافية ، و دوام العافية ، و تمام العافية ، و شكر العافية في الدنيا و الآخرة ، يا أرحم الراحمين [87]. آمين ورحم الله من قال آمين  .

  وَ رَوَى هَارُونُ بْنُ خَارِجَةَ عَنْ محمد بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قال كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام :

إِذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ إِلَى بَعْضِ أَمْواله ، اشْتَرَى السَّلَامَةَ مِنَ الله عَزَّ وَ جَلَّ بِمَا تَيَسَّرَ لَهُ ، وَ يَكُونُ ذَلِكَ إِذَا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ ، فَإِذَا سَلَّمَهُ الله عَزَّ وَ جَلَّ وَ انْصَرَفَ حَمِدَ الله تعالى وَ شَكَرَهُ ، وَ تَصَدَّقَ بِمَا تَيَسَّرَ لَهُ [88].

وعن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال :

 إن أحدكم : إذا مرض دعا الطبيب و أعطاه ، و إذا كانت له حاجة إلى سلطان رشا البواب و أعطاه .

 و لو أن أحدكم إذا قدحه أمر : فزع إلى الله تعالى و تطهر و تصدق بصدقة قلّت أو كثرت ، ثم دخل المسجد فصلى ركعتين فحمد الله و أثنى عليه ، و صلى على النبي و أهل بيته ، ثم قال : اللهم إن عافيتني من مرضي ، أو رددتني من سفري ، أو عافيتني مما أخاف من كذا و كذا ، لأتاه الله ذلك ، و هي اليمين الواجبة ، و ما جعل الله تعالى عليه في الشكر [89].

 

الإشعاع الرابع :

شكر النعم المادية :

يا طيب : بعد إن عرفنا ضرورة أن نسأل الله العافية في كل شيء والأمن والآمان في الدنيا والآخرة ونشكره عليها ، نذكر موارد لكيفية شكر الله في صرف النعم المادية التي نبتلي بها كل يوم وهو الأكل والشرب ، وإلا موارد الشكر كثيرة وقد ذكرنا جملة كبيرة منها في صحيفة الإمام الرضا عليه السلام عند الكلام عن عبادته وخلقه ، وكذا تجد جملة منها في صحيفة النبوة عن خُلق النبي الكريم وشكره على كل شيء ، وإن شاء الله نذكر جملة أخرى في صحيفة الطيبين في الجزء الثاني موارد أخرى ، ولكن هنا نذكر مورد مهم يتكرر يجب أن نشكر الله به على نعمة وهو الشكر على ما نغذي به بدننا من الحال الطيب المقسوم الذي كرمنا به ويخرجه منا ، وأدعيته كثيرة نذكر يسير منه ويجب أن نشكر الله على كل حال فلا نضجر إن ضيق علينا .

 بل نسأل الله العافية و كرمه : ويجب أن نسعى لرزقه ، فلذا نذكر هذا الحديث والشكر في موارد يسيرة أخرى ، ثم أدعية الشكر على المائدة :

عن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : علامة الصابر في ثلاث : أوله : أن لا يكسل ، و الثانية : أن لا يضجر ، و الثالثة : أن لا يشكو من ربه تعالى ، لأنه إذا كسل فقد ضيع الحق ، و إذا ضجر لم يؤد الشكر ، و إذا شكا من ربه عز و جل فقد عصاه [90].

الشكر لله الشكور على الذرية :

عَنْ مُرَازِمٍ عَنْ أَخِيهِ قال : قال رَجُلٌ لِأَبِي عَبْدِ الله عليه السلام :

 وُلِدَ لِي غُلَامٌ ، فَقال : رَزَقَكَ الله شُكْـرَ الْوَاهِبِ ، وَ بَارَكَ لَكَ فِي الْمَوْهُوبِ ، وَ بَلَغَ أَشُدَّهُ ، وَ رَزَقَكَ الله بِرَّهُ [91].

 

الحقوق المادية صدقة وزكاة :

عن سماعة قال : إن الله فرض للفقراء من أموال الأغنياء فريضة لا يحمدون بأدائها و هي الزكاة ، بها حقنوا دماءهم ، و بها سموا مسلمين ، و لكن الله فرض في الأموال حقوقا غير الزكاة ، و مما فرض الله في المال غير الزكاة قوله :

« الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ الله بِهِ أَنْ يُوصَلَ » ، و من أدى ما فرض الله عليه فقد قضى ما عليه ، و أدى شكر ما أنعم الله عليه من ماله ، إذا هو حمده على ما أنعم عليه ، بما فضله به من السعة على غيره ، و لما وفقه لأداء ما افترض الله و أعانه عليه [92].

يا طيب : إخراج الحقوق والصدقة في الأموال هو من الشكر لله بإقامة دينه والتفضل على المؤمنين ويشكر عليه العبد وبه يؤدى شكر الله بعد نعمة الهداية وإقامة العبادة ، وكذا الأنفاق على الأهل والضيف والأصدقاء له آداب وشكر لله تعالى للتوفيق بإقامة الحقوق وهذا بعض أدعية وآداب الشرب والأكل :

عن جعفر عن أبيه يرفعه قال :

 الطاعم الشاكر ، له من الأجر مثل أجر الصائم المحتسب .

و المعافى الشاكر ، له من الأجر كأجر المبتلى الشاكر .

و الغني الشاكر ، له من الأجر كأجر المحروم القانع[93] .

وعن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده علي بن الحسين ، عن أبيه عن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال :

 تفقدت النبي صلى الله عليه وآله وسلم : غير مرة ، و هو إذا شرب تنفس ثلاث ، مع كل واحدة منها تسمية إذا شرب ، و يحمد إذا انقطع ، فسألته عن ذلك ؟ فقال : يا علي شكر الله تعالى بالحمد ، و تسمية من الداء [94].

و قال صلى الله عليه وآله وسلم :

إذا شرب أحدكم فليشرب في ثلاثة أنفاس .

 يحمد الله في كل منه ، الأول : شكر للشربة .

 و الثاني : مطردة للشيطان ، و الثالث : شفاء لما في جوفه [95]

وعنه عن بعض أصحابنا رفعه قال : إذا شربت ماء زمزم فقل :

 اللهم اجعله علما نافعا و رزقا واسعا و شفاء من كل داء و سقم ، و كان أبو الحسن عليه السلام يقول إذا شرب من زمزم :

 بسم الله الحمد لله الشكر لله [96].

وفي طب الأئمة روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال :

اذكروا الله عز و جل عند الطعام و لا تلغوا فيه ، فإنه نعمة من نعم الله يجب عليكم فيها شكره و حمده ، أحسنوا صحبة النعم قبل فراقها ، فإنها تزول و تشهد على صاحبها بما عمل فيه [97].

  وعن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

 إذا وضعت المائدة حفها أربعة أملاك .

 فإذا قال العبد : بسم الله ، قالت الملائكة : بارك الله لكم في طعامكم ، ثم يقولون للشيطان اخرج يا فاسق لا سلطان لك عليهم ، فإذا فرغوا قالوا : الحمد لله رب العالمين، قالت الملائكة : قوم قد أنعم الله عليهم فأدوا شكر ربهم .

 فإذا لم يسم ، قالت الملائكة للشيطان : ادن يا فاسق فكل معهم ، و إذا رفعت المائدة و لم يذكر الله ، قالت : الملائكة قوم أنعم الله عليهم فنسوا ربهم [98].

 

وقال الإمام الحسن بن علي عليه السلام :

 في المائدة اثنتا عشرة خصلة يجب على كل مسلم أن يعرفها ، أربع منها فرض ، و أربع منها سنة ، و أربع منها تأديب .

 فأما الفرض : فالمعرفة و الرضا و التسمية و الشكر .

و أما السنة : فالوضوء قبل الطعام ، و الجلوس على الجانب الأيسر ، و الأكل بثلاث أصابع ، و لعق الأصابع .

 و أما التأديب : فالأكل مما يليك ، و تصغير اللقمة ، و المضغ الشديد ، و قلة النظر في وجوه الناس[99] .

عن معاوية بن عمار قال قال أبو عبد الله عليه السلام : في ثوب يلبسه : اللهم اجعله ثوب يمن و بركة ، اللهم : ارزقني فيه شكر نعمتك ، و حسن عبادتك ، و العمل بطاعتك ، الحمد لله الذي رزقني ما أستر به عورتي ،  أتجمل به في الناس [100].

جاء في مكارم الأخلاق الدعاء عند الكحل :

 اللهم : إني أسألك بحق محمد و آل محمد أن تصلي على محمد و آل محمد ، و أن تجعل النور في بصري ، و البصيرة في ديني ، و اليقين في قلبي ، و الإخلاص في عملي ، و السلامة في نفسي ، و السعة في رزقي ، و الشكر لك أبدا ما أبقيتني [101].

ويا طيب : جاء في كل شيء شكرا ودعاء خاصا به ، وليس هنا موارد ذكرها كلها ، وإنه يتسع به البحث كثير وأن توسعنا شكر لله ، وإنه كان من الشكر لله ، ولكن عرفت إن نعم الله لا تحصى ولها شكرا يناسبها أو دعا خاص ، ولكن عرفت إنه أجمل الذكر : هو الحمد لله  ، والشكر لله ، وبالتسبيحات الأربعة :

سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر .

وتوجد أذكار كثيرة أخرى : إن شاء الله نتعرض لها في صحيفة العارفين وبالقسم الثاني من صحيفة الطيبين ، وأسأل الله شكره على كل حال فإن نعمه لا تحصى علينا ، وبعد إن عرفنا هذا نذكر أهم مورد للتحقق بالشكر والظهور به ، وهو الدعاء في سجدة الشكر ، وبعدها بعض الأدعية ، وهي في الحقيقة ترطب القلب وتريح النفس ، وتشعرنا بالتوجه لله الشكور وتحصيل كرامته وفيضه ، وهي من أجمل الذكر وأجل الشكر ، فتدبر بها يا يطيب .

 

 

 

 

الإشراق الثامن :

في سجدة وصلاة الشكر وأدعيته :

يا طيب : كلمات قليلات كافية لشكر الله وهي كقول الحمد لله على كل حال ، أو شكرا لله حين تذكر أي نعمه ، ولكن من يحب الله حقا ويعرف شؤون عظمته وعظمة ملكه وما يهب لمن يشكره من الكمال والجمال والبهاء ، يشعر في كل آن إنه مقصر في إطاعة الله أبدا في أي أسلوب ذكره ، ولو تفرغ لشكره ومهما فعل لكان مقصر في طاعته وشكره ، وعرفت دعاء الإمام علي بن الحسين عليه السلام في موضوع الشعور بالتقصير أمام عظمة نعم الله تعالى وإنه لا يؤدى حقها أبدا ، ولكن الله رحيم يكتفي بالقليل ويقبل اليسر ، وهذا لطف منه وبيان لكبريائه وعظمته و لطفه ورأفة ورحمة وحبه ووده لعباده .

ولكن كلامنا هنا : وفي كل نور الشكور هو الترغيب بالشكر والحث عليه ليحصل لنا الأنس مع الله حقا فيكون لنا خير جليس ، وخير ذاكر ومذكور وخير شاكر ومشكور ، وهو لمن يريد الملك العظيم اللطيف الشافي ، والكون مع المحبون بل المتحلين بعظيم المثوبات وقضاء الحاجات وللمزيد من النعم في الدارين ، بل مع المستأنسون مع الرب الجليل فيخرون لعظمته وشأنه عبودية وشكرا ، دون طلب ثوابه ولا خوف عقابه ، يقتدون بمولاهم أمير المؤمنين فيترنمون عن حب ويقولون :

 إلهي عبدناك حبا لك، لا خوفا من نارك ولا طمعا بجنتك، ولكن وجدناك أهلا للعبادة فعبدناك .

ومع ذلك : ما عرفناك حق معرفتك ولا عبدناك حق عبادتك .

 وندع : من نسى الله فأنساهم أنفسهم ولم يطلبوا الراحة والأنس مع الرب الجليل المجيد العظيم الأعلى الديان الشكور الحق ، فكان لهم نصيب كفران النعيم والعياذ بالله أو نسيانها حالا وحالات فكانوا في أضعف الإيمان ، وأين من طلب الدنيا ، ممن طلب الآخرة والعقبى في الكرامة عند ملك مقتدر وبمقعد صدق يحف بنبي الرحمة وآله الشهداء الصديقين عند عرش الرحمان في أعلى مكان في جنة الخلد وجبروت الرب فضلا عن ملكوته .

ويا طيب : عرفت إن شكر الله الديان الشكور العظيم لكي نحصل على شكره ، هو بإطاعته بكل تعاليمه بعد الإيمان به ، وعرفت فضله وأهمية الشكر لأنه حقيقة الإيمان ومظهر تحقق نور الأسماء الحسنى بأجمل وأعلى تحلي بنا ، وهو التجلي بنورها , وبه يتم إخلاص العبودية لله بكل دينه القيم مع الشكر الموجب للمزيد من كرامته .

ولذا يا شكور يا طيب بدين الرب : يجب أن نراقب موارد الشكر وحالاته لنتحقق بها فورا وعن علم ومعرفة ، وإنه لابد من مراعاتها ومعرفة أدعيتها الخاصة لنكون في أجمل أحولا الشكر وأحلى موارد الظهور به في إظهار نور الشكور علينا قولا بل عملا ، ولذا نذكر قسما منها خاصا بعد إن عرفنا أهم موارده ، وهذه سجدة الشكر وأدعيتها التي فيها لفظ الشكر أو الحمد بالخصوص ، وإلا كل دعاء وكل توجه لله هو فيه معنى الشكر حتى الطلب منه ، ولكن للفظ الشكر والحمد جمالا لا يوصف ، فنذكر بعض أدعيته وأذكاره ، وجرب سجدة الشكر وشكر الله في أي وقت كان ، ترى جمالها في نفسك وفرحا وسرورا بروحك لم تره في كثير من العبادات والطاعات فضلا عن غيرها .

وقبل أن نذكر سجدة الشكر وأدعية الشكر : نذكر معرفة مهمة في إن شكر الله وحمده يحصل من المؤمن في كل يوم إن كان حقا مجدا في طلب دين الله بصراط مستقيم وسعى بكل وجوده لمعرفة سبيله بحق ، فنذكر ببعض ما عرفنا في الإشراق الأول وبعده لسبيل الشكر و أهم موارد الشكر وألفاظه اليسيرة ، ثم ندخل في مورد الشكر بسجدة الشكر وأدعيتها ، وأسأل الله القبول لكم ولنا وهو الشكور العظيم اللطيف الشافي وأرحم الراحمين ، آمين :

 

 

الإشعاع الأول :

الشكر بقراءة الفاتحة ولفظ الحمد :

يا طيب : إن الدعاء وقراءة القرآن وإقامة الواجبات والظهور بالنعم والمعروف بكل ما وفق الله من فضله الطيب الحلال الطاهر ، هو شكر الله إما علمي أو عملي ، وإن تلاوة كتاب الله فيه معارف عظيمة ، وبالخصوص تلاوة سورة الفاتحة في الصلاة فهي حمد وشكر لله بعد تمجيده بأوسع أسماءه الحسنى الله الرحمن الرحيم ورب العالمين ومالك يوم الدين ، وفيها للصادق إعانة ونصر من الله للتوفيق لدينه وللهداية بالعلم والعمل به ، كما فيها بُعد وطرد من رحمته للمغضوب عليهم وللضالين عن سبيله .

ولكن عرفت إن الحمد والشكر والاستعانة : بتلاوة الفاتحة أو غيرها من سورة القرآن ، هو للمجد الساعي بحق لمعرفة صراط الله المستقيم من المنعم عليهم بهداه ودينه من الكتاب والحكمة ، وممن عرفهم بالشكر كما عرفتهم ، فشكروا الله بدينه وشكرهم فعرّهم أئمة دين ، وإلا من يكون من الطرف الآخر تكون حتى عبادته وشكره وبال عليه ، ويحرف الناس المقتدين به عن الصراط المستقيم ، وهذا عين الانحراف عن الحق والكون في الجحيم حتى في موارد الحمد والشكر والاستعانة والعياذ بالله ممن لا يفقه دينه ولم تعلم معارفه بحق ، ولذا ذكر فضل عظيم لقراءة القرآن بحق وطلب الله به عبادة وشكرا .

 فإنه جاء عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام قال : سمع بعض آبائه عليه السلام : رجلا يقرأ أم القرآن . فقال : شكــر و أجــر .

 ثم سمعه يقرأ قل هو الله أحد ، فقال : آمن و أمن .

 ثم سمعه يقرأ إنا أنزلناه فقال : صدق و غفر له .

 ثم سمعه يقرأ آية الكرسي فقال : بخ بخ نزلت براءة هذا من النار[102] .

يا طيب : عرفت إن الحمد بسورة الحمد هو شكر لله ، وطلب الإعانة لمعرفة سبيل الواحد الأحد الصمد ودينه الواحد الذي يقصد ويعبد به الله ويشكر ، والذي نزل به الروح الأمين الذي ينزل إلى يوم القيامة على مُعرفي سبيل الله وأئمة الحق في ليلة القدر بعد نبي الله ، ولم يترك الله دينه للطواغيت ولكل من يتسلط فيخرجون عباد الله من النور للظلمات كما في آيات الكرسي كما تحكيه هذه السورة وآية الكرسي.

 بل ولاية الله مستمرة : وفي أرضه لأولي الأمر الذين شكر الله سعيهم وأخرجهم من الظلمات كلها إلى النور الأبدي ، فطهرهم ورفع ذكرهم وأمرهم بتعريف نعمة الله عليهم في كثير من سورة القرآن وآياته ومواقفهم ، مثل سورة الكوثر والضحى والانشراح والدهر والتوبة والأحزاب والمائدة وغيرهن مما عرفت شرحهن في المشارق أعلاه فضلا عن آيات المباهلة والتطهير والنور والبيوت المرفوع ذكر رجالها حتى كان نور الله لهم وولايته وإمامة دينه لهم .

ولذا كان في تلاوة هذه السورة ما عرفت من المعارف : وفيها شكر وتولي لنبينا وآله المنعم عليهم ، وتنفر وغضب على المعاندين ، ولذا جاء :

عن الإمام أبي جعفر بن محمد عليهم السلام قال :

من لم يغضب في الجفوة ، لم يشكر النعمة [103].

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال : من احتمل الجفاء لم يشكر النعمة [104].

وإن الله تعالى : أوعد العذاب على كفران نعمه ، بل جعل من لم يستعن به لتحصيل نعمة الهداية ضالا مغضوبا عليه ، ويشكر ويعين من يستعين به لتحصيلها من المنعم عليهم ، والذين أنعم عليهم بهداه كما في سورة الفاتحة ، ويهديه للصراط المستقيم الموصل لكل نعيم ، فيشكره على شكره وهو الشكور الحميد.

وإذا عرفنا سبيل شكر الله حق : فأعلم يا طيب إن الشكر كما يكون في موارد الأنس بالأدعية الكبيرة وأعمال الطاعات الطويل زمانها كصوم شهر رمضان أو الحج أو الأنفاق في سبيل الله المال الخطير ،، وسجدات طويلة ذوات أدعية كثيرة، وصلاة الليل في كل يوم في نصف الليل ، كذلك يتم بالظهور في كل آن بالعلم فقط بأن كل نعمة من الله وحده لا شريك له والإقرار له فقط ، بكلمة :

شكرا لله ، أو إلهي لك اشكر ، أو الحمد لله ، أو إلهي محمودا مشكورا ، حين تذكر نعمة ، أو لكي لا نكون غافلين ، وبعد كل عمل طيب نشكره على التوفيق لإنجازه حتى لو كان في مصالحنا الشخصية ، بل حتى حين القيام والقعود ، أو شرب ماء وأكل غذاء ، فيخرج العبد به عن الغفلة ، والله الشكور يقبل اليسير ويعفو عن الكثير فقط بهذا التوجه ولمن يزيد يزده الله ، فالشكر لله الشكور .

ونذكر هنا أحاديث يسيرة : في ضرورة الشكر والتحذير من كفران النعم ، ثم نذكر أحاديث في الشكر البسيط المختصر المرضي لله ، ثم ندخل فيما وعدنا من سجدة الشكر وأدعيتها ، وأما أهمة الشكر والتحذير من الغفلة وكفران النعم :

فعن عبيد الله بن الوليد الوصافي ، قال سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام يقول : ثلاث لا يضر معهن شي‏ء :

الدعاء عند الكربات ، و الاستغفار عند الذنب ، و الشكر عند النعمة [105].

وعرفت إن في نور الديان إن :  الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنَ الْكُفْرِ : كُفْرُ النِّعَمِ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ تعالى يَحْكِي قَوْلَ سُلَيْمَانَ عليه السلام :
 هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَ أَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ
 وَ مَنْ
شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ
وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ .
وَ قال : لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ، وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ .
وَ قال : فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ، وَ اشْكُرُوا لِي ، وَ لا تَكْفُرُونِ [106].
وأما يسير الحمد المرضي لله فهو :

عَنْ مُعَمَّرِ بْنِ خَلَّادٍ قال سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِ يَقُولُ :

مَـنْ حَمِـــدَ الله عَلَى النِّعْمَـــةِ  فَقَــدْ شَـــكَرَهُ .

وَ كَانَ الْحَمْـــدُ أَفْضَــــلَ مِـنْ تِـلْكَ النِّعْمَـــةِ [107].

عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ قال : خَرَجَ أَبُو عَبْدِ الله عليه السلام مِنَ الْمَسْجِدِ وَ قَدْ ضَاعَتْ دَابَّتُهُ . فَقال : لَئِنْ رَدَّهَا الله عَلَيَّ لَأَشْكُرَنَّ الله حَقَّ شُكْرِهِ ، قال : فَمَا لَبِثَ أَنْ أُتِيَ بِهَا ، فَقال : الْحَمْدُ لِلَّهِ .

فَقال لَهُ قَائِلٌ : جُعِلْتُ فِدَاكَ أَ لَيْسَ قُلْتَ : لَأَشْكُرَنَّ الله حَقَّ شُكْرِهِ .

 فَقال أَبُو عَبْدِ الله عليه السلام : أَ لَمْ تَسْمَعْنِي قُلْتُ : الْحَمْدُ لِلَّه [108]

 وعَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قال : فِيمَا أَوْحَى الله عَزَّ وَ جَلَّ إِلَى مُوسَى عليه السلام ، يَا مُوسَى : اشْكُرْنِي حَقَّ شُكْرِي . فَقال : يَا رَبِّ وَ كَيْفَ أَشْكُرُكَ حَقَّ شُكْرِكَ ، وَ لَيْسَ مِنْ شُكْرٍ أَشْكُرُكَ بِهِ إِلَّا وَ أَنْتَ أَنْعَمْتَ بِهِ عَلَيَّ ؟

 قال : يَا مُوسَى الْآنَ شَكَرْتَنِي حِينَ عَلِمْتَ أَنَّ ذَلِكَ مِنِّي [109].

يا طيب : هذا الإيمان بأن نعمة الله لا تحصى وإن كل شيء منه تعالى ، فيشكر على التوفيق للطاعة ، وما علمنا من صراطه المستقيم وهداه القويم من الواحد الأحد وشكره بالحمد لله والشكر لله ، حين تحصيل نعمة أو إتمام عمل ، فهو كافي لمني يطلب الله الشكور ، ويحب شكر الله وبتعرض لفضله والله يقبل اليسير ويشكر الكثير.

ولكن من يزيد في الشكر : يزيده الله ، كما أنه يستحب الشكر الآني للنعم ، وتوجد كثير من الآيات والروايات ترغب بالطاعات كصلاة الليل وذكر الأدعية الطويلة وبعد الصلاة وبالمناسبات الخاصة وليالي الجمع وأيامها والأعياد ، كشكر لله .

 

 

الإشعاع الثاني :

الحمد لله الشكور في سجدة الشكر وأدعيتها :

يا طيب : عرفنا حالات الشكر اليسير اللفظ الكثير الثواب ، والله يشكر ويزيد من يشكر بأي شكر ، فإنه مجرد أن نعرف إن كل نعم الوجود مسخرة لنا من الله حتى شكرنا له هو من نعمه يكتفي به الله الشكور شكرا إن آمنا به حقا ولم نعصه بنعمه ، بل نصرفها بما يكون في طاعته وخدمة دينه ، ونكف النفس الآمرة بالسوء عن السيئات والأعمال الطالحة الخبيثة ، بل لا نفكر بها بل نستغفر الله منها حين خطورها في ذهننا فضلا عن عملنا لها ، وهذا الإيمان والفكر بالعمل الصالح وحب الخير ، وإن أمكن المسارعة له هو حتى بالفكر به ، له ثواب جزيل وهو شكر لله على نعمه بل ونشر الشكر بالنفس أو بين العباد بعمل الخيرات وله شكرا من الشكور .

 ولكن يا طيب : إن للإنسان حالات سواء كان غنيا ماديا أو فقيرا و عالما أو جاهلا  ومعافى أو مريضا ، هناك حالات تحصل له ، يضيق معها فسيح الوجود ويصغر عنده الكون الكبير الواسع فلا يسعه ولا يشبع روحه فرحا ، بل يكون في أجمل مناظره في غصة ويشعر بالحزن والحسرة فيه ، وهناك قد تكون للإنسان مشاكل لا يطيق تحملها ، ونعم يريد أن يعبر عن فرحه بها أو يبث حزنه وغربته وهمه وما به من الضيق، وأوقات يريد بها الأنس مع المنعم الكبير الحق ، ولا يقنع معها القلب الوله بعظمة الرب بما قال من الكلمات كلها ويعتقد التقصير بعد ، وهذا نفسه شكر لله وإظهار الحب وشعور عظمة الرب ، وهذا بعينه تراه بسجدة الشكر فتحلى بها يا طيب ، وبالخصوص بعد الصلاة أو حصول النعم وما وفقك الله له وأسألك الدعاء .

و إن سجدة الشكر : لم تحدد بالفظ الشكر فقط ، بل كل توجه لله وعرفان لحقه ولنعمته وطلب رحمته يكون فيه نوع من الشكر له ، ولذا جاءت أدعية في سجدة الشكر بدون لفظة الشكر ، وإن كان يغلب على سجدة الشكر ترديد الشكر لله بلفظه ، ولذا نذكر عدة أنواع من ذكر سجدة الشكر لأوقات مختلفة وأدعية متنوعة ، بعضها يسير اللفظ قليل الكلمات ، وبعضها طويل نسبيا ، فأختر واحدة منها أو أكثر ، وأشكر ربك بالمناسب للحالك والموافق لاستعدادك وغرضا وكن من الشاكرين ولك مزيد الشكر من الشكور:

 

   أهمية سجدة الشكر للشكور في الدين وثوابها الجزيل المزيد :

عَنْ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَرْطَأَةَ عَنْ كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ قال قال أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : يَا كُمَيْلُ : إِنَّهُ لَا تَخْلُو مِنْ نِعْمَةِ الله عَزَّ وَ جَلَّ عِنْدَكَ وَ عَافِيَتِهِ .

فَلَا تَخْلُ : مِنْ تَحْمِيدِهِ ، وَ تَمْجِيدِهِ ، وَ تَسْبِيحِهِ ، وَ تَقْدِيسِهِ ، وَ شُكْرِهِ ، وَ ذِكْرِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ [110].....

وعن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَجَّاجِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام أَنَّهُ قال :

مَنْ سَجَدَ سَجْـدَةَ الشكر ، وَ هُوَ مُتَوَضِّئٌ  .

 كَتَبَ الله لَهُ بِهَا عَشْرَ صَلَوَاتٍ ، وَ مَحَا عَنْهُ عَشْرَ خَطَايَا عِظَامٍ [111].

عن مرازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

سجدة الشكر : واجبة على كل مسلم .

 تتم بها صلاتك ، و ترضي بها ربك ، و تعجب الملائكة منك .

 و إن العبد إذا صلى ثم سجد سجدة الشكر : فتح الرب تبارك و تعالى الحجاب بين العبد و بين الملائكة ، فيقول :

يا ملائكتي انظروا إلى عبدي أدى فرضي و أتم عهدي .

 ثم سجد لي شاكرا على ما أنعمت به عليه .

يا ملائكتي : ما ذا له ؟ قال فتقول الملائكة : يا ربنا رحمتك ؟

 ثم يقول الرب تبارك و تعالى : ثم ما ذا له ؟ فتقول الملائكة : يا ربنا له جنتك . فيقول الرب تبارك و تعالى : ثم ما ذا له ؟ فتقول الملائكة : كفاية ما يهمه .

 فيقول الرب تبارك و تعالى : ثم ما ذا له ؟

قال : فلا يبقى شي‏ء من الخير إلا قالته الملائكة .

 فيقول الله تبارك و تعالى : يا ملائكتي ثم ما ذا له ؟

فتقول الملائكة : يا ربنا لا علم لنا . قال فيقول الله تبارك و تعالى :

أشـكـر لــه كما شـكـر لـي ، وأقبل عليه بفضلي و أريه وجهي [112].

 

وعن أبي عبد الله عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من سجد سجدة حط عنه بها خطيئة ، و رفع له بها درجة .

وعن معاوية بن عمار قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام و هو يقول :

 إن العبد إذا أطال السجود حيث لا يراه أحد .

 قال الشيطان : وا ويلاه أطاعوا و عصيت و سجدوا و أبيت .

 

وعن زيد الشحام قال قال أبو عبد الله عليه السلام :

 أقرب ما يكون العبد إلى الله و هو ساجد [113].

 

يا طيب : إن شكر الله موجب للمزيد من كرمه وفضله ، وسجدة الشكر تتم بكلمات يسيرة ، وبكل دعاء ، فإذا عرفنا بعض فضلها ، نذكر كيفية التوجه فيها ، ثم نذكر كيفيتها وأنواعها ، وبعض أدعيتها وما يقال بها شكرا لله الشكور .

 

 

الإخلاص لله بسجدة الشكر والتوجه له بكل الفكر والوجود :

يا طيب : ذكرنا أنواع من الثواب لسجدة الشكر وفضل كثير متفاوت الدرجات لمن يأتي بها ، وذلك يكون حسب توجه العبد وإخلاصه في العبادة بسجدة الشكر وطولها بكلمات كريمة يعبر بها عن الإخلاص لله ، بل حتى القصيرة منها للعارف بعظمة الله وكرمه حقا ، وهي حسب حال العبد مع الله وشكره لمعروفه والإقرار به ، سواء في طول السجود وكثرة التوجه ، أو نفس الإخلاص والإقرار القلبي والمراقبة والعرفان بكون كل شيء منه وهو المتفضل المنان ، ويجب شكره تعالى على كل حال ، فيكون شاكر بلفظ الشكر وبحاله في كل حال .

 وذكروا في هذا المعنى كلمات شريفة : نذكرها بالإضافة لما عرفت من ضرورة الشعور بالتقصير والقصور بفضل الرب ، وعدم إمكان شكر نعمه كلها ولا حتى نعمة واحدة ، لأنه حتى الشكر بتوفيقه ولشكره لحسن نية العبد بالشكر قد كرمه الشكور بالتوجه له ، ولكنه عرفت يقبل هذا التوجه ويرضى باليسير ويثيب الكثير ، ويعطي المزيد ، وهو المتفضل المنان الشكور لمن يزيد في التوجه له ويخلص له ، وقد ذكروا في كيفية التوجه لله بسجدة الشكر كلاما جميلا نذكره وهو نافع للمؤمن الطيب ، قالوا :

  قال تعالى : ( وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ الله أَحَد ) .

 فقالوا في قوله : وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ : السجود على سبعة أعظم فريضة : الجبهة ، و اليدين ، و الركبتين ، و طرف أصابع الرجلين . و المعنى أنه لا ينبغي أن يسجد بهذه الأعضاء لأحد سوى الله .

 أي أن الصلاة : لا تجب إلا لله لأنها عبادة ، و العبادة غاية الشكر ، و الشكر يجب على النعمة .

 و غاية الشكر : التي هي العبادة تجب على أصول النعمة ، و هي خلق الحياة و القدرة و الشهوة و غيرها مما لا يدخل تحت مقدور القدر ،  و لا يقدر على أصول النعمة غير الله ، فلا تجب العبادة إلا له تعالى .

 و قال تعالى : فَلا تَدْعُوا مَعَ الله أَحَد ، أي لا تراءوا أحدا ، نهاهم الله عن الرياء في الصلاة حتى لا يراءوا بها غيره ، فإنها لا تكون مقبولة إلا إذا كانت خالصة لله تعالى . و السجود على هذه الأعضاء السبعة واجب ، و وضع الأنف على الأرض سنة ، و كنايتهم  فيه الإرغام بالأنف سنة .

و قال بعضهم : الأنف و الجبهة عظم واحد فلا تقبل صلاة لا يصيب الأنف منها ما يصيب الجبهة ، و هذا لشدة تأكيد الندب في ذلك [114].

و في فلاح السائل قال : فإذا فرغت من ذلك فاسجد سجدة الشكر : سجدة من يعرف أنه يريد زيادة القرب من المالك المعبود بالخضوع و السجود ، و لكن متأهبا كما يتأهب العبد الحقير إذا أراد التقرب من مولاه العظيم الكبير .

فكن على أقل المراتب حاضر القلب مجتمع الخواطر ، و إلا فأنت سجدت على الغفلة كالهالك أو المخاطر .

و انظر كيف كان سجود مولانا الكاظم عليه السلام : و ما تضمن من الذل و العبودية كما نرويه لك ، و هو قدوة يدعو إلى الله جل جلاله و يهدي إليه ، و لا تقل ما أقدر على سلوك ذلك السبيل ، و قل لنفسك :

ويحك كيف تقولين ما أقدر : و لو وقفت بين يدي سلطان جليل كنت على صفة عبد ذليل ، فمثل ما تذلين للملوك من مماليك مولاك ، كذا يكون تذللك له ، فإنك إن كنت ما ترينه فإنه يراك ، فلو كنت ما تقدرين ما عملت ذلك التذلل مع المملوك من مماليك سلطان العالمين ، و لو قالوا لك ما عليك منا خوف و أنت من الآمنين، ما زادك ذلك إلا تذللا لهم وخضوعا في حضرتهم لتتقربي إليهم و إلى محبتهم .

فلا تعذر نفسك : إذا كانت منزلة المملوك من العباد ارفع عندها من حرمة سلطان الدنيا و المعاد ، و إذا الخواص يكون سجودهم على ما سيأتي [115].

 

كيفية سجدة الشكر وما يذكر به الشكور فيها :

يا طيب : إن للمؤمن الشكور حالات من شكر في كل أحواله وحسب ظروفه ، ولكل حال توجد سجدة مناسبة يمكنه بها أن يشكر الله ، سواء بعد الصلاة أو بدونها ، وسواء على نعمة أو لتوفيقه لعمل معين أو عبادة وصلاة وخير ما ، أو حب التقرب لله وود الإقرار له على الهداية وما فيه كرامته وجاه عنده أو في أهله وماله ورزقه ، وآلاف النعمة تحيط بنا ، وآلاف الأحوال تحصل لنا ، وحسب الزمان المتوفر أو الذي نوفره لشكر الله بالدعاء وغيره ، أو بسجدة الشكر وذكره بها ، وفي كيفية إتيانها أدعية كثيرة يمكن أن ترى قسم منها في كتب الأدعية كمفاتيح الجنان وغيره ، أو تراجع ما ذكرنا في صحيفة الطيبين ، وإليك بعض أدعية الشكر .

ولما كان للإنسان أحوال : بين الإقبال والإدبار ، وبين قدرة التوجه والانشغال ولو يجب تفريغ النفس بعض الشيء للتوجه لعظمة الرب وتدريب النفس لذكر الله وشكره ، حتى يصدق العبد إيمانه ويقينه وإخلاصه في طلب الرب المتعال ، فتوجه له في زمان ما ولو بعد الصلاة فيشكره على توفيقه ونعمه ، ونذكر أنواع من سجدة الشكر تناسب جميع الأحوال ، فأختار منها ما تحب يا طيب حسب حالك ، وأشكر الله بمثلها أو بأي دعاء وطلب تريده ، ونسألك الدعاء وأسال الله القبول لك ولنا ، والتوفيق لما يحب ويرضى حتى يجعلنا بأحسن حال معه في جميع الأحوال ، وهو الغفور الشكور العظيم المتعال ، فقد ورد علي بن الحسن بن علي بن فضال عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال :

  السجدة بعد الفريضة شكرا لله تعالى ذكره : على ما وفق العبد من أداء فرضه ، و أدنى ما يجزى فيها من القول أن يقال :

شكرا لله شكرا لله . ثلاث مرات .

 قلت : فما معنى قوله شكرا لله ؟

قال يقول : هذه السجدة مني شكرا لله على ما وفقني له من خدمته و أداء فرضه ، و الشكر موجب للزيادة ، فإن كان في الصلاة تقصير تم بهذه السجدة[116] .

وفي أمالي الصدوق قال : و ينبغي للمصلي أن يسبح بتسبيح فاطمة الزهراء عليه السلام في دبر كل صلاة فريضة ، و هي :  أربع و ثلاثون تكبيرة ، و ثلاث و ثلاثون تسبيحة ، و ثلاث و ثلاثون تحميدة ، فإنه من فعل ذلك بعد الفريضة قبل أن يثني رجليه غفر الله له ، ثم يصلي على النبي و الأئمة ، و يدعو لنفسه بما أحب .

و يسجد بعد فراغه من الدعاء : سجدة الشكر : يقول فيها ثلاث مرات : شكرا لله ، و لا يدعها إلا إذا حضر مخالف للتقية [117].

و كان علي عليه السلام يقول في سجدة الشكر بعد الفريضة :

 وعظتني فلم أتعظ ، و زجرتني عن محارمك فلم أنزجر ، و غمرتني أياديك فما شكرت عفوك ، عفوك يا كريم [118].

وهذه كانت سجدة قصيرة: وهذه لمن وفقه الله أطول في الذكر ولو يجربها العبد مرة في العمر يشعر بلذتها زمنا طويلا ويشتاق لها دائما ، فإنه مفرحة للنفسه ومبهجة للروح ومنسية لكل هم وغم ، فجرب لن تخسر وأسألك الدعاء :

وعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَفْصٍ الْمَرْوَزِيِّ قال : كَتَبْتُ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليه السلام فِي سَجْدَةِ الشكر ؟

فَكَتَبَ إِلَيَّ : مِائَةَ مَرَّةٍ : شُكْراً شُكْر .

وَ إِنْ شِئْتَ : عَفْواً عَفْو [119].

وهذا حديث : لسجدة شكر من غير صلاة لمن يحب :

وقال أبو عبد الله عليه السلام : أيما مؤمن سجد لله سجدة لشكر نعمة من غير صلاة ، كتب الله بها عشر حسنات ، و محا عنه عشر سيئات ، و رفع له عشر درجات في الجنان[120] .

وعَنْ عَلِيِّ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ أَحْمَرَ قال : كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام فِي بَعْضِ أَطْرَافِ الْمَدِينَةِ ، إِذْ ثَنَى رِجْلَهُ عَنْ دَابَّتِهِ :

فَخَرَّ سَاجِداً فَأَطَالَ وَ أَطَالَ ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَ رَكِبَ دَابَّتَهُ .

 فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ قَدْ أَطَلْتَ السُّجُودَ ؟

فَقال : إِنَّنِي ذَكَرْتُ نِعْمَةً أَنْعَمَ الله بِهَا عَلَيَّ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَشْكُرَ رَبِّي [121].

 

وهذه حالة مستحبة في سجدة الشكر لمن يحب أن يأتي بها :

وعَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَاقَانَ قال رَأَيْتُ أَبَا الْحَسَنِ الثَّالِثَ عليه السلام :

سَجَدَ سَجْدَةَ الشكر ، فَافْتَرَشَ ذِرَاعَيْهِ فَأَلْصَقَ جُؤْجُؤَهُ ، وَ بَطْنَهُ بِالْأَرْضِ . فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ ؟ فَقال : كَذَا نُحِبُّ [122].

 

وهذه أكمل سجدة شكر للعارفين وبها يظهر عمل للمتيقنين :

و كان الإمام الكاظم عليه السلام يقول : في سجدة الشكر :

رب : عصيتك بلساني ولو شئت و عزتك لأخرستني .

 وعصيتك ببصري ولو شئت و عزتك لأكمهتني .

وعصيتك بسمعي ولو شئت و عزتك لأصممتني .

وعصيتك بيدي ولو شئت وعزتك لكنعتني .

وعصيتك بفرجي ولو شئت و عزتك لعقمتني .

و عصيتك برجلي و لو شئت و عزتك لجذمتني .

و عصيتك بجميع جوارحي التي أنعمت بها علي ، و لم يكن هذا جزاءك مني .

ثم كان عليه السلام يقول : العفو العفو ، ألف مرة .

 ثم يلصق خده الأيمن بالأرض و يقول : بصوت حزين ثلاثا :

بؤت إليك بذنبي ، عملت سوءا و ظلمت نفسي .

فاغفر لي ذنبي‏ ، فإنه لا يغفر الذنوب غيرك يا مولاي .

 ثم يلصق خده الأيسر بالأرض و يقول ثلاثا :

ارحم من أساء و اقترف و استكان و اعترف .

 ثم يرفع رأسه ويقول : اللهم أعط محمدا و آل محمد السعادة في الرشد ، و إيمان اليسر ، و فضيلة في النعم ، و هناءة في العلم حتى تشرفهم على كل شريف ، الحمد لله ولي كل نعمة ، و صاحب كل حسنة ، و منتهى كل رغبة ، و قاضي كل حاجة ، لم يخذلني عند شديدة ، و لم يفضحني بسوء سريرة ، فلسيدي الحمد كثيرا .

ثم قل : اللهم لك الحمد كما خلقتني  و لم أك شيئا مذكورا ، رب أعني على أهوال الدنيا و بوائق الدهر ، و نكبات الزمان و كربات الآخرة ، و مصيبات الليالي و الأيام ، و اكفني شر ما يعمل الظالمون في الأرض ، و في سفري فاصحبني ، و في أهلي فاخلفني ، و فيما رزقتني فبارك لي ، و في نفسي لك فذللني ، و في أعين الناس فعظمني ، و إليك فحببني ، و بذنوبي فلا تفضحني ، و بعملي فلا تبسلني ، و بسريرتي فلا تخزني ، و من شر الجن و الإنس فسلمني ، و لمحاسن الأخلاق فوفقني ، و من مساوي الأخلاق فجنبني .

إلى أن من تكلني يا رب المستضعفين : و أنت ربي ، إلى عدو ملكته أمري ، أم إلى قريب فيخذلني ، أم إلى بعيد فيتجهني ، فإن لم تكن غضبت علي يا رب فلا أبالي ، غير أن عافيتك أوسع لي ، و أحب إلي ، و أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له السماوات و الأرض ، و كشفت به الظلمة ، و صلح عليه أمر الأولين و الآخرين  من أن تحل علي غضبك ، أو تنزل بي سخطك ، لك الحمد حتى ترضى ، و بعد الرضا ، و لا حول و لا قوة إلا بك [123].

 

وهذه سجدات شكر خاصة في نصف الليل :

وعن عبد الرحمن بن سالم عن المفضل عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال : إذا قام العبد نصف الليل بين يدي ربه جل جلاله فصلى له أربع ركعات في جوف الليل المظلم .

 ثم سجد سجدة الشكر بعد فراغه ، فقال : ما شاء الله ، ما شاء الله ، مائة مرة ، ناداه الله جل جلاله من فوقه : عبدي إلى كم تقول : ما شاء الله ما شاء الله ، أنا ربك و إلي المشية ، وقد شئت قضاء حاجتك ، فسلني ما شئت [124].

 

وهذه صلاة شكر خاصة لقضاء الحاجة كتلك :

عَنْ هَارُونَ بْنِ خَارِجَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قال :

قال فِي صَلَاةِ الشكر : إِذَا أَنْعَمَ الله عَلَيْكَ بِنِعْمَةٍ ، فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ :

تَقْرَأُ فِي الْأُولَى : بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ، وَ قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ .

وَ تَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ : بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ، وَ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ .

وَ تَقُولُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى : فِي رُكُوعِكَ وَ سُجُودِكَ :

الْحَمْدُ لِلَّهِ ، شُكْراً شُكْراً وَ حَمْداً .

وَ تَقُولُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ : فِي رُكُوعِكَ وَ سُجُودِكَ :

 الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي اسْتَجَابَ دُعَائِي وَ أَعْطَانِي مَسْأَلَتِي [125].

وذكروا : أنواع أخرى وأذكار وأدعية أخرى لسجدة الشكر راجع الكتب الموسعة في الدعاء مثل الإقبال ومصباح الكفعمي وغيره ونكتفي بهذا ونذكر بعض أدعية الشكر ونسألك الدعاء وأسأل الله الشكور أن يستجيب لك.

 

الإشعاع الثالث :

أدعية مختارة لشكر الله الشكور :

يا طيب : كل شيء تتوجه به لله حتى الطلب منه هو توفيق منه ويشكر عليه سبحانه ، فضلا عن شكره على نعمة التي لا تحصى ، وهنا كذلك يجب الإخلاص بالدعاء والتوجه به لله وحده ، وحسب حال العبد ، وحسب الزمان والليالي والأيام والساعات والأوقات ، ظهر عصر مغرب عشاء ليل نصف الليل نهار فجر ضحى ولكل ساعة دعاء ، والعبد يأتي ما يستطيع منها ولو لواحد منها يشكر بها الله ، وهو أفضل ألف مرة من الغفلة ، ومن زاد التوجه كرمه الله بنور يصلحه في وجوده ومحيطه في نعيم أبدي .

وثواب الشكر بالذكر والدعاء : كثير وكبير وعظيم جدا ، ذكرنا منه طرفا جميلة في صحيفة الطيبين ومختصة به كتب الأدعية ومر قسم منه أول الإشراق هذا ، وهنا نذكر الدعية وأذكار بها نؤدي شكر النعم كلها ، وهي جامعة وقصيرة ، ونتدرج بها من أقلها لفظا حتى دعاء واسع الكلمات ، والمؤمن حسب حاله وإقبال نفسه وزمانه يختار المناسب له ويذكر الله به ، والله يقبل اليسير ويشكر القليل ، ويجازي بالثواب الكبير العظيم الطيف الشافي كما سترى في الأسماء الحسنى الآتية :

فقد قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم :

 أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ ، وَ كَانَ مِنْ قَرْنِهِ إِلَى قَدَمِهِ ذُنُوباً بَدَّلَهَا الله حَسَنَاتٍ :

 الصِّدْقُ ، وَ الْحَيَاءُ ، وَ حُسْنُ الْخُلُقِ ، وَ الشكر [126].

يا طيب : علمت أن الذنوب تُبدل حسنات ،بالشكر وبالأعمال الصالحة ، فكيف من عمل صالحا من غير ذنوب ، فإنها تربى وتضاعف آلاف المرات ، ومن كانت له هذه الأخلاق العظيمة حقا ، فإنها تعصمه من الذنب والفكر به ، وأما شكر الله وحمده فهو :

 

قال زين العابدين عليه السلام من قال :

الحمد لله : فقد أدى شكر كل نعمة لله عز و جل[127] .

 

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال : من قال إذا أصبح أربع مرات :

 الحمد لله رب العالمين .

 فقد أدى شكر يومه ، و من قالها إذا أمسى فقد أدى شكر ليلته [128].

 

وعن زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

 من قال الحمد لله كما هو أهله .

 شغل الله كتاب السماء . قيل : و كيف يشغل كتاب السماء ؟

قال : يقولون : اللهم إنا لا نعلم الغيب .

فقال : فيقول : اكتبوها كما قالها عبدي و علي ثوابه[129] .

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال : من قال في كل يوم سبع مرات :

 الحمد لله : على كل نعمة كانت أو هي كائنة .

 فقد أدى شكر ما مضى و شكر ما بقي [130].

وعَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْفَضْلِ قال : قال أَبُو عَبْدِ الله عليه السلام :

 إِذَا أَصْبَحْتَ وَ أَمْسَيْتَ ، فَقُلْ عَشْرَ مَرَّاتٍ :

اللهمَّ : مَا أَصْبَحَتْ بِي مِنْ نِعْمَةٍ أَوْ عَافِيَةٍ مِنْ دِينٍ أَوْ دُنْيَا .

فَمِنْكَ : وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ ، لَكَ الْحَمْدُ ، وَ لَكَ الشكر بِهَا عَلَيَّ يَا رَبِّ حَتَّى تَرْضَى ، وَ بَعْدَ الرِّضَا .

فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذَلِكَ : كُنْتَ قَدْ أَدَّيْتَ شُكْرَ مَا أَنْعَمَ الله بِهِ عَلَيْكَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ [131].

 

وعن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له : ما عنى الله بقوله لنوح : « إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُور » ، فقال : كلمات بالغ فيهن ، و قال : كان إذا أصبح و أمسى قال :

 اللهم : أصبحت أشهدك أنه ما أصبح بي من نعمة في دين أو دنيا ، فإنه منك وحدك لا شريك لك ، و لك الشكر بها علي يا رب حتى ترضى ، و بعد الرضا . فسمي بذلك عبدا شكورا [132].

 

في دعاء أبي ذر رحمه الله المعروف في السماء قوله :

 اللهم إني أسألك الإيمان بك ، و التصديق بنبيك ، و العافية عن جميع البلاء ، و الشكر على العافية ، و الغنى عن شرار الناس [133].

وعن محمد بن أبي عمير عن محمد الجعفي عن أبيه قال : كنت كثيرا ما أشتكي عيني فشكوت ذلك إلى أبي عبد الله ع فقال أ لا أعلمك دعاء لدنياك و آخرتك وتكفي به وجع عينك . قلت : بلى .

قال تقول في دبر الفجر ودبر المغرب :

 اللهم : إني أسألك بحق محمد و آل محمد عليك ، أن تصلي على محمد و آل محمد ، و أن تجعل النور في بصري ، و البصيرة في ديني ، و اليقين في قلبي ، و الإخلاص في عملي ، و السلامة في نفسي ، و السعة في رزقي ، و الشكر لك أبدا ما أبقيتني [134].

وعرفت يا طيب : أدعية العافية وأهميتها فراجعها إن أحببت فإنها مهمة ومنها ما قال الصادق عليه السلام : العافية نعمة خفية ، إذا وجدت نسيت ، و إذا فقدت ذكرت ، و العافية نعمة يعجز عنها الشكر[135] .

وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

اللهم إني أسألك العافية ، و شكر العافية ، و تمام العافية في الدنيا و الآخرة [136].

و عن الإمام الصادق عليه السلام و عن غيره :

 أنه لما تفرق الناس عن النبي صلى الله عليه وآله يوم أحد قال :

 اللهم لك الحمد ، و إليك المشتكى ، و أنت المستعان .

 فنزل جبرائيل عليه السلام و قال : يا محمد لقد دعوت بدعاء إبراهيم حين ألقي في النار ، و دعا به يونس حين صار في بطن الحوت ، قال و كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعوا في دعائه :

 اللهم اجعلني صبورا ، و اجعلني شكورا ، و اجعلني في أمانك [137].

 

  المؤمن الشكور : كما يجب شكر الله تعالى على نعمة كلها ، كذلك يجب بعد أن يندم على الذنب ، وأن لا يتلذذ بتذكر المعصية والبعد عن طاعة الله بترك الواجب أو بارتكاب المحرم ، فيكون نفس التوبة بدل الرجوع عن الذنب معصية ، بل يجب أن يصلح نفسه مع الله ويذكر تقصيره ويشكره على التوبة والرجوع له ، وحبا لما أحبه فوجهه ليصلح نفسه فيكره ما حرمه ، ليصلح العبد المؤمن نفسه ويهيئها للمزيد من ثواب الله الشكور ولذا جاء :

 عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام  أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ :

يَا مَنْ يَشْكُرُ الْيَسِيرَ : وَ يَعْفُو عَنِ الْكَثِيرِ ، وَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .

 اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي ذَهَبَتْ لَذَّتُهَا وَ بَقِيَتْ تَبِعَتُهَ[138].

ومر في نور التواب : معارف الإنابة لله والرجوع له ليصلحنا حتى يجعلنا في كل أحوالنا في طاعة ، وحتى نعرف بيقين لذة التوجه له تعالى بالذكر والدعاء حتى نقول عن يقين بكل وجودنا :

يَا مَنْ ذِكْرُهُ شَرَفٌ لِلذَّاكِرِينَ ، يَا مَنْ شُكْرُهُ فَوْزٌ لِلشاكرينَ ، يَا مَنْ حَمْدُهُ عِزٌّ لِلْحَامِدِينَ ، يَا مَنْ طَاعَتُهُ نَجَاةٌ لِلْمُطِيعِينَ ، يَا مَنْ بَابُهُ مَفْتُوحٌ لِلطَّالِبِينَ ، يَا مَنْ سَبِيلُهُ وَاضِحٌ لِلْمُنِيبِينَ ، يَا مَنْ آيَاتُهُ بُرْهَانٌ لِلنَّاظِرِينَ ، يَا مَنْ كِتَابُهُ تَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ، يَا مَنْ رِزْقُهُ عُمُومٌ لِلطَّائِعِينَ وَ الْعَاصِينَ ، يَا مَنْ رَحْمَتُهُ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [139].

يا طيب : إن كل الأدعية سواء بذكر الأسماء الحسنى أو غيرها تعبر عن التوجه لله وفيها معنى شكره ، ولكن اخترنا هنا ما كان أقربها للشكر أو بلفظ الشكر ، لنكون حقا متدينين بدين الشكور ، بل شاكرين حقا بمعارف الشكور وبالمعرفة لنور الأسماء الحسنى ، وإنه ذكر الله بالأسماء الحسنى هو طلب نورها والمزيد منها ، وهو يحصل بشكر الله مباشرة وبكل دعاء أيضا ولكن لكل أمر خصوصياته وقربه .

وعرفت يا أخي : إن الله أختار أولياء يعرفونا ما نذكره به ، وما يحب من الدعاء بأكمل بيان وبأفضل أسلوب وبأبلغ تعبير وبأفصح كلام يحبه سبحانه ، وهذه خصوصية من يذكر الله ويعبده بدين أئمة الحق المصطفين الأخيار صلى الله عليه وآله وسلم ، فيكون بأحسن أحوال التوجه مع الله وبما يناسب حاله ، لأنه عرفت إنه هناك خصوصيات للتوجه لله يرضاها ويعجل ثوابها .

ولمعرفة المزيد : راجع أدعية الأيام والسنة ومراقباتها ، وهذا حال الشكر وألفاظه ، ونختار لك يا طيب أدعية من الصحيفة السجادية للإمام زين العابدين عليه السلام ، قال فيها يعرف الشكر لله بلفظ الشكر ويعرف بها معانية وما هي حقيقته ، وإلا قد عرفت إن كل طاعة لله هي شكر وكل توجه لله ومعرفة لفضله بالقلب هو شكر ، وإن للشكر مراتب وأحوال يجب أن تظهر  .

وما أحلى التوجه للشكور بنفس لفظ الشكر : فإنه نفسه له شأن في الإقرار بفضله الله بأحلى كلام ، وأحسن تعبير يشعر به الفرح بنعم الله والرضا بقضائه وطلب المزيد من فضله والتوجه له عارفين بأن كل نعمة منه وحده لا شريك له ، ولذا جاءت عنه أدعية كريمة يعرفنا بها حقائق من شكر الشكور.

فهذه يا شكور : أدعية للإمام علي بن الحسين من الصحيفة السجادية زبور آل محمد عليهم السلام ، فيها لفظ الشكر نختار منها بعض الأدعية ودعاء الشكر وللمزيد راجعها إن أحببت، ونسألك الدعاء وأسأل الله القبول لك ولي :

يَا مَنْ ذِكْرُهُ شَرَفٌ لِلذَّاكِرِينَ ، وَ يَا مَنْ شُكْرُهُ فَوْزٌ لِلشاكرينَ .

 وَ يَا مَنْ طَاعَتُهُ نَجَاةٌ لِلْمُطِيعِين َ، صَلِّ عَلَى محمد وَ آلِهِ .

 وَ اشْغَلْ قُلُوبَنَا بِذِكْرِكَ عَنْ كُلِّ ذِكْرٍ ، وَ أَلْسِنَتَنَا بِشُكْرِكَ عَنْ كُلِّ شُكْرٍ ، و جَوَارِحَنَا بِطَاعَتِكَ عَنْ كُلِّ طَاعَةٍ [140].

وقال عليه السلام :

فَلَكَ الْحَمْدُ : عَلَى مَا وَقَيْتَنَا مِنَ الْبَلَاءِ ، وَ لَكَ الشكر : عَلَى مَا خَوَّلْتَنَا مِنَ النَّعْمَاءِ ، حَمْداً يُخَلِّفُ حَمْدَ الْحَامِدِينَ وَرَاءَهُ ، حَمْداً يَمْلَأُ أَرْضَهُ وَ سَمَاءَهُ .

 إِنَّكَ الْمَنَّانُ بِجَسِيمِ الْمِنَنِ ، الْوَهَّابُ لِعَظِيمِ النِّعَمِ ، الْقَابِلُ يَسِيرَ الْحَمْدِ ، الشاكر قَلِيلَ الشكر ، الْمُحْسِنُ الْمُجْمِلُ ذُو الطَّوْلِ ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، إِلَيْكَ الْمَصِيرُ[141].

وقال عليه السلام :

اللهمَّ : يَا مَنْ لَا يَرْغَبُ فِي الْجَزَاءِ ، وَ يَا مَنْ لَا يَنْدَمُ عَلَى الْعَطَاءِ ، وَ يَا مَنْ لَا يُكَافِئُ عَبْدَهُ عَلَى السَّوَاءِ ، مِنَّتُكَ ابْتِدَاءٌ ، وَ عَفْوُكَ تَفَضُّلٌ ، وَ عُقُوبَتُكَ عَدْلٌ ، وَ قَضَاؤُكَ خِيَرَةٌ , إِنْ أَعْطَيْتَ لَمْ تَشُبْ عَطَاءَكَ بِمَنٍّ ، وَ إِنْ مَنَعْتَ لَمْ يَكُنْ مَنْعُكَ تَعَدِّيا ً.

تَشْكُـــرُ مَنْ شَكَـــرَكَ وَ أَنْتَ أَلْهَمْتَهُ شُكْـــرَكَ .

وَ تُكَافِئُ مَنْ حَمِـــدَكَ وَ أَنْتَ عَلَّمْتَهُ حَمْـــــدَكَ [142].

 

وقال الإمام زين العابدين عليه السلام في دعاء الشكر :

اللهمَّ : إِنَّ أَحَداً لَا يَبْلُغُ مِنْ شُكْـــرِكَ غَايَةً : إِلَّا حَصَلَ عَلَيْهِ مِنْ إِحْسَانِكَ مَا يُلْزِمُهُ شُكْـــــراً . وَ لَا يَبْلُغُ مَبْلَغاً مِنْ طَاعَتِكَ وَ إِنِ اجْتَهَدَ إِلَّا كَانَ مُقَصِّراً دُونَ اسْتِحْقَاقِكَ بِفَضْلِكَ .

فَأَشْكَــرُ عِبَادِكَ عَاجِزٌ عَنْ شُكْــرِكَ : وَ أَعْبَدُهُمْ مُقَصِّرٌ عَنْ طَاعَتِكَ ،  لَا يَجِبُ لِأَحَدٍ أَنْ تَغْفِرَ لَهُ بِاسْتِحْقَاقِهِ ، وَ لَا أَنْ تَرْضَى عَنْهُ بِاسْتِيجَابِهِ ، فَمَنْ غَفَرْتَ لَهُ فَبِطَوْلِكَ ، وَ مَنْ رَضِيتَ عَنْهُ فَبِفَضْلِكَ .

تَشْكُــرُ يَسِيرَ مَا شَكَــرْتَهُ : وَ تُثِيبُ عَلَى قَلِيلِ مَا تُطَاعُ فِيهِ ، حَتَّى كَأَنَّ شُكْــرَ عِبَادِكَ الَّذِي أَوْجَبْتَ عَلَيْهِ ثَوَابَهُمْ ، وَ أَعْظَمْتَ عَنْهُ جَزَاءَهُمْ ، أَمْرٌ مَلَكُوا اسْتِطَاعَةَ الِامْتِنَاعِ مِنْهُ دُونَكَ فَكَافَيْتَهُمْ ، أَوْ لَمْ يَكُنْ سَبَبُهُ بِيَدِكَ فَجَازَيْتَهُمْ  .

 بَلْ مَلَكْتَ يَا إِلَهِي أَمْرَهُمْ : قَبْلَ أَنْ يَمْلِكُوا عِبَادَتَكَ ، وَ أَعْدَدْتَ ثَوَابَهُمْ قَبْلَ أَنْ يُفِيضُوا فِي طَاعَتِكَ ، وَذَلِكَ أَنَّ سُنَّتَكَ الْإِفْضَالُ ، وَعَادَتَكَ الْإِحْسَانُ ، وَسَبِيلَكَ الْعَفْوُ .

فَكُلُّ الْبَرِيَّةِ مُعْتَرِفَةٌ : بِأَنَّكَ غَيْرُ ظَالِمٍ لِمَنْ عَاقَبْتَ ، وَ شَاهِدَةٌ بِأَنَّكَ مُتَفَضَّلٌ عَلَى مَنْ عَافَيْتَ ، وَ كُلٌّ مُقِرٌّ عَلَى نَفْسِهِ بِالتَّقْصِيرِ عَمَّا اسْتَوْجَبْتَ ، فَلَوْ لَا أَنَّ الشَّيْطَانَ يَخْتَدِعُهُمْ عَنْ طَاعَتِكَ مَا عَصَاكَ عَاصٍ ، وَ لَوْ لَا أَنَّهُ صَوَّرَ لَهُمُ الْبَاطِلَ فِي مِثَالِ الْحَقِّ مَا ضَلَّ عَنْ طَرِيقِكَ ضَالٌّ .

فَسُبْحَانَكَ : مَا أَبْيَنَ كَرَمَكَ فِي مُعَامَلَةِ مَنْ أَطَاعَكَ أَوْ عَصَاكَ .

تَشْكُرُ لِلْمُطِيعِ مَا أَنْتَ تَوَلَّيْتَهُ لَهُ : وَ تُمْلِي لِلْعَاصِي فِيمَا تَمْلِكُ مُعَاجَلَتَهُ فِيهِ ، أَعْطَيْتَ كُلًّا مِنْهُمَا مَا لَمْ يَجِبْ لَهُ ، وَ تَفَضَّلْتَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِمَا يَقْصُرُ عَمَلُهُ عَنْهُ ، وَ لَوْ كَافَأْتَ الْمُطِيعَ عَلَى مَا أَنْتَ تَوَلَّيْتَهُ لَأَوْشَكَ أَنْ يَفْقِدَ ثَوَابَكَ ، وَ أَنْ تَزُولَ عَنْهُ نِعْمَتُكَ ، وَ لَكِنَّكَ بِكَرَمِكَ جَازَيْتَهُ عَلَى الْمُدَّةِ الْقَصِيرَةِ الْفَانِيَةِ بِالْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ الْخَالِدَةِ ، وَ عَلَى الْغَايَةِ الْقَرِيبَةِ الزَّائِلَةِ بِالْغَايَةِ الْمَدِيدَةِ الْبَاقِيَةِ .

 ثُمَّ لَمْ تَسُمْهُ الْقِصَاصَ : فِيمَا أَكَلَ مِنْ رِزْقِكَ الَّذِي يَقْوَى بِهِ عَلَى طَاعَتِكَ ، وَ لَمْ تَحْمِلْهُ عَلَى الْمُنَاقَشَاتِ فِي الْآلَاتِ الَّتِي تَسَبَّبَ بِاسْتِعْمَالِهَا إِلَى مَغْفِرَتِكَ ، وَ لَوْ فَعَلْتَ ذَلِكَ بِهِ لَذَهَبَ بِجَمِيعِ مَا كَدَحَ لَهُ وَ جُمْلَةِ مَا سَعَى فِيهِ جَزَاءً لِلصُّغْرَى مِنْ أَيَادِيكَ وَ مِنَنِكَ ، وَ لَبَقِيَ رَهِيناً بَيْنَ يَدَيْكَ بِسَائِرِ نِعَمِكَ ، فَمَتَى كَانَ يَسْتَحِقُّ شَيْئاً مِنْ ثَوَابِكَ ، لَا مَتَى ، هَذَا يَا إِلَهِي حَالُ مَنْ أَطَاعَكَ ، وَ سَبِيلُ مَنْ تَعَبَّدَ لَكَ .

 فَأَمَّا الْعَاصِي أَمْرَكَ : وَ الْمُوَاقِعُ نَهْيَكَ ، فَلَمْ تُعَاجِلْهُ بِنَقِمَتِكَ لِكَيْ يَسْتَبْدِلَ بِحَالِهِ فِي مَعْصِيَتِكَ حَالَ الْإِنَابَةِ إِلَى طَاعَتِكَ ، وَ لَقَدْ كَانَ يَسْتَحِقُّ فِي أَوَّلِ مَا هَمَّ بِعِصْيَانِكَ كُلَّ مَا أَعْدَدْتَ لِجَمِيعِ خَلْقِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ ، فَجَمِيعُ مَا أَخَّرْتَ عَنْهُ مِنَ الْعَذَابِ وَ أَبْطَأْتَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ سَطَوَاتِ النَّقِمَةِ وَ الْعِقَابِ ، تَرْكٌ مِن‏ حَقِّكَ ، وَ رِضًى بِدُونِ وَاجِبِكَ .

 فَمَنْ أَكْرَمُ يَا إِلَهِي مِنْكَ : وَ مَنْ أَشْقَى مِمَّنْ هَلَكَ عَلَيْكَ ، لَا مَنْ فَتَبَارَكْتَ أَنْ تُوصَفَ إِلَّا بِالْإِحْسَانِ ، وَ كَرُمْتَ أَنْ يُخَافَ مِنْكَ إِلَّا الْعَدْلُ ، لَا يُخْشَى جَوْرُكَ عَلَى مَنْ عَصَاكَ ، وَ لَا يُخَافُ إِغْفَالُكَ ثَوَابَ مَنْ أَرْضَاكَ ، فَصَلِّ عَلَى محمد وَ آلِهِ ، وَ هَبْ لِي أَمَلِي ، وَ زِدْنِي مِنْ هُدَاكَ مَا أَصِلُ بِهِ إِلَى التَّوْفِيقِ فِي عَمَلِي ، إِنَّكَ مَنَّانٌ كَرِيمٌ [143].

 



[1] كنز الفوائد ج1ص220.

[2] نهج‏ الحق ص51 .

[3] الخرائج‏ والجرائح ج2ص915 .

[4] الأمالي ‏للصدوق ص281م47ح14.

[5] الأمالي ‏للطوسي ص591 م25ح1226-15 .

[6] . الأمالي‏ للطوسي ص : 66ح 96-5 . وذكره في الأمالي ‏للمفيد ص 288م34ح7.

[7] الأمالي‏ للمفيد ص175 م22ح6 .

[8] الأمالي ‏للطوسي ص634 م31ح1307-9 .

[9] الأمالي ‏للصدوق ص558م83ح1 .

[10] الأمالي‏ للطوسي  ص291 م11ح 566-13 .

[11] المناقب ح4 ص148.

[12] جامع ‏الأخبار ص35ف18 . تحف ‏العقول ص 48 .

[13] تفسير القمي ج2ص161مواعظ لقمان لابنه .

[14] الأمالي‏ للطوسي ص569م22 ح1178ـ4 .

[15] جامع‏ الأخبار ص113ف70.

[16] غرر الحكم ص181ح3389 . ص 87 ح 1446 . ص90 ح1527 . وح1539 . ص194ح3788 . ص276 ح6060.

[17] غرر الحكم ص44 ح133 .

[18] غرر الحكم ص77ح 1254 .

[19] الكافي ج8ص394 ح592 .

[20] كنز الفوائد ج : 1 ص : 223.

[21] مصباح‏ الشريعة ص24 الباب العاشر في الشكر .

[22] تفسير العياشي ج1ص194آية  3 من سورة آل عمران ح 120 .

[23] الأمالي‏ للصدوق ص299 م49ح15 .

[24] الأمالي ‏للطوسي  ص640م32ح1325-11 .

[25] جامع ‏الأخبار ص127ف85 .

[26] الجعفريات ص232 باب البر و سخاء النفس و طيب الكلام .

[27] تصحيح ‏الاعتقاد ص103 .

[28] جامع‏ الأخبار ص127ف85.

[29] الخصال ج1ص21ح73 . الكافي ج2ص 95 باب الشكر ح11. مكارم‏ الأخلاق ص307 .

[30] الكافي ج2ص95باب الشكر ح10.

[31] مكارم‏ الأخلاق ص 308 .

[32] مكارم ‏الأخلاق ص307 .

[33] ثواب‏ الأعمال ص39.من‏ لا يحضره ‏الفقيه ج1ص209ح631.الأمالي‏ للطوسي ص693 م39ح1473-16.

[34] الخصال ج1ص86ح 17 .

[35] غرر الحكم ص277ح6104 . وح6109 . ح 6123 . ح 6126 . وح6125 . وح6124.

[36] الخصال ج1ص202ح16 .

[37] الخصال ج1ص101ح 56.

[38] الجعفريات ص222 باب فضل الدعاء في أثر صلاة الفريضة .

[39] الأمالي‏ للطوسي ص501م18ح1096-3 .

[40] الأمالي ‏للطوسي ص452م16ح 1008-  14 .

[41] غرر الحكم ص278 ح 6133 .

[42] غرر الحكم ص277ح 6120 .

[43] غرر الحكم ص277 وح 6096 . وح6105 . وح6106 .  وح6107 . وح6108 .

[44] غرر الحكم ص278 ح6143 . وح6146 . وح6147 . ص278ح 6138. وح6139 . وح6142.

[45] غرر الحكم ص 279 وح6167 . وح6169 .  وح6170 . وح6174 . وح6175 . وح6176 .

[46] غرر الحكم ص279ح6177 . وح6178 . وح6179 . وح6182 . وح6184 . وح6186 . وح6187 . وح6188 . وح 6189.

[47] غرر الحكم ص279ح6192 . ص280 ح6194 . وح6193 .ص 278 ح 6151 .ص278ح6148 . وح6149 .ص278ح6152.وح 6154. وح6155.

[48] غرر الحكم ص 279ح6181 . ص280ح6204. وح6205 . وح6208 .  وح 6209 . وح6210 . وح6212 ص322ح 7488 . ص323 ح7509 .

[49] غرر الحكم ص280 ح6195 . وح6196 .  وح6197 . وح6199 . وح6200 . وح6202 .

[50] غرر الحكم ص459 ح10501 . ص459 ح 10512. 

[51] غرر الحكم ص475 ح 10886 .

[52] غرر الحكم ص467 ح10738.

[53] غرر الحكم  ص482 ح11111 . ص483  ح11136 . 

[54] غرر الحكم ص 277ح 6119 . ص278 ح6129 . ص371 ح8404 . ص380ح 8590 .ص278ح6150 .ص279 ح6157 . وح6158. وح6159 .

[55] غرر الحكم   ص382 ح8695 . ص383 ح8730 .  ص385 ح8775 . ص277 ح6111 .  ص277 ح6114 . ص 385 ح8800 .  ص385 ح8803 . ص386 ح8807 .

[56] غرر الحكم ص279ح6162 . وح6163 . وح6164 . وح6165 . وح6166 .

[57] غرر الحكم ص 277 ح 6110 .

[58] غرر الحكم ص314 ح 7298 .

[59] غرر الحكم ص318ح 7340 .

[60] غرر الحكم ص343ح 7863 .

[61] غرر الحكم  ص386 ح8821 . ص386 ح8836 .  ص387 ح8844 . ص389 ح8916 .  ص390 ح8936 .

[62] غرر الحكم  ص390 ح 8966 . ص406 ح9304 .  ص414 ح9432 . ص446 ح10208 .

[63] غرر الحكم ص 282ح 6285. 

[64] غرر الحكم ص282 ح6283 .

[65] غررالحكم ص279 . ح6180 وح6172 . ح6168 .

[66] غرر الحكم ص371 ح8394 

[67] الجعفريات ص235 باب البر و سخاء النفس و طيب الكلام .

[68] الجعفريات ص236 باب البر و سخاء النفس و طيب الكلام .

[69] الأمالي‏ للصدوق ص221م39ح8.

[70] تفسير القمي ج2ص13.

[71] علل ‏الشرائع ج2ص560ب353ح 3 .

[72] تفسير العياشي ج2ص231آية 14 من سورة إبراهيم ح35 .

[73] بشارة المصطفى ص 222 .

[74] تفسير القمي ج2ص148 الآية 29 سورة العنكبوت .

[75] تفسير فرات ‏الكوفي  ص 325من سورة لقمان ح442 .

[76] تفسير الإمام‏ العسكري ص334 ح204 .

[77] تفسير العياشي ج2ص337 آية 18 من سورة الكهف ح63 .

[78] الخصال ج1ص156ح 196 .

[79] علل‏ الشرائع ج2ص479ب229ح1 .

[80] الخصال ج1ص164ح 216 .

[81] الخصال ج1ص258ح132 .

[82] عيون‏ أخبار الرضا عليه السلام ج2ص24ب31ح 2 .

[83] الأمالي ‏للطوسي ص : 450ح 1005-11 .

[84] الأمالي ‏للصدوق ص229م40ح13 .

[85] الدعوات ص114ح 261 .

[86] الأمالي‏ للطوسي ص632م31ح1302-4 .

[87] عيون ‏أخبار الرضا عليه السلام ج2ص16ب30ح 37 .

[88] من‏ لا يحضره ‏الفقيه ج2ص270باب افتتاح السفر بالصدقة ح2408.

[89] مكارم‏ الأخلاق ص325 في صلاة الحاجة .

[90] علل‏ الشرائع ج2ص498ب253ح1 .

[91] الكافي ج6ص17 باب التهنئة بالولد ح1.

[92] تفسير العياشي ج2ص210الأية 13 من سورة الرعد ح36 .

[93] قرب‏ الإسناد ص36.

[94] الجعفريات ص161 باب شرب الماء .

[95] مكارم‏ الأخلاق ص151 .

[96] المحاسن ج2ص574ب2ح23 .

[97] مكارم ‏الأخلاق ص140ف3.

[98] المحاسن ج2ص431ب34ح 258 .

[99] الأمان ص59ف4. والمحاسن ج2ص459ب53ح 401 .

[100] مكارم ‏الأخلاق ص99 في الدعاء عند اللبس .

[101] مكارم ‏الأخلاق  ص47 .

[102] الأمالي‏ للصدوق ص606م88ح10.

[103] الأمالي‏ للطوسي ص283م10ح550-  88 .  الخصال ج1ص11ح38 .

[104] الخصال ج1ص11ح37 .

[105] الأمالي‏ للطوسي ص204م7ح 349-51 .

[106] الكافي ج2ص389باب وجوه الكفر .

[107] الكافي ج2 ص96باب الشكر ح13.

[108] الكافي ج2ص97باب الشكر ح18.

[109] الكافي ج2ص98 باب الشكر ح27.

[110] مستدرك ‏الوسائل ج1ص121ب17ح152-5 راجع بشارة المصطفى ص 25 وفيها بيان عظيم في الإمامة ومعنى الشكر الحقيقي .

[111] من ‏لا يحضره ‏الفقيه ج1ص332 باب سجدة الشكر ح 972.

[112] مكارم‏ الأخلاق ص286 في سجدة الشكر .

[113] ثواب‏ الأعمال ص34 .

[114] فقه‏ القرآن ج1ص109.

[115] فلاح ‏السائل ج186  الفصل التاسع عشر .

[116] علل ‏الشرائع ج2ص360ب79ح1.

[117] الأمالي ‏للصدوق ص643م93 .

[118] المصباح ‏للكفعمي ص29 ف6.

[119] الكافي ج3 ص326 ح18. عيون ‏أخبار الرضا عليه السلام ج1ص280ب28ح 23.

[120] ثواب ‏الأعمال ص35 .

[121] الكافي ج2ص98باب الشكر ح26.

[122] الكافي ج 3ص324ح15 . وأنظر تهذيب ‏الأحكام ج2ص85 ح8ح80 .

[123] المصباح ‏للكفعمي ص26 ف6.

[124] الأمالي ‏للصدوق ص 239م42ح6 .

[125] الكافي ج3ص481 باب صلاة الشكر ح1 . مكارم ‏الأخلاق ص327 .

[126] الكافي ج2ص107باب الحياء ح7.

[127] مكارم ‏الأخلاق ص327.

[128] ثواب ‏الأعمال ص 13 .

[129] ثواب‏الأعمال ص : 13 .

[130] ثواب‏ الأعمال ص9 .

[131] الكافي ج2ص99 باب الشكر ح28.

[132] تفسير العياشي ج2ص280 آية 17 من سورة بني إسرائيل ح19.

[133] الأمالي ‏للصدوق ص345م55 .جامع ‏الأخبار  ث132ف90.

[134] الأمالي‏ للمفيد ص179م22ح9 . الكافي ج2ص549ح11.

[135] مكارم‏ الأخلاق ص327 .

[136]مكارم‏ الأخلاق ص351 .

[137] مهج‏ الدعوات ص69 .

[138] الكافي ج2ص589ح28.

[139] فقرة من دعاء الجوشن الكبير.

[140] الصحيفة السجادية ص  62  دعاء 11 فقرة 1 .

[141] الصحيفة السجادية ص160دعاء 36 فقرة6 و7 .

[142] الصحيفة السجادية ص192دعاء45 فقرة 1ـ7.

[143] الصحيفة السجادية ص 162دعاء37.

   

أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.msn313.com

يا طيب إلى أعلى مقام صفح عنا رب الإسلام بحق نبينا وآله عليهم السلام


يا طيب إلى فهرس صحيفة شرح الأسماء الحسنى رزقنا الله نورها