هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في  أصول الدين وسيرة المعصومين
صحيفة التوحيد الإلهي / الثانية / للكاملين / شرح الأسماء الحسنى الإلهية : الجزء الثالث
الْعَظِيمُ
النور السابع والتسعون

الإشراق الثاني :

الله عظيم لا يحد ولا يوصف ولا يحاط علما بعظمته :

يا طيب : إن كان سعة الوسع تقاس بالمساحة ، أو الكبر يقاس بالامتداد أو بالقِدم ، والجلالة إن كانت تقاس بالشأن والرفعة ، أو العلو بالارتفاع والتعالي ، فالله عظيم وأعظم من أن يقاس بخلقه لا المادي ولا المجرد في الجبروت فضلا عن الملكوت ، فهو أعظم من الوصف في الذات والصفات وضلت عنده النعوت ، فهو واسع النور وكبير لا يوصف ، وجليل لا يحد ، وعلي لا يصل لمعرفته أحد ، فهو العظيم حقا في كل شيء ينتسب له حتى في فعله فالله عظيم لا يحد به ، ولكن لخلقه الحد في بعض مراتبه الدانية في عالم الشهادة وتحت السماء الدنيا محدود متكاثر فيحد ويشخص في عالم المادة ، ويتوسع في عالم الملكوت وإن كان مجرد ويكاد يفقد الحد في عالم الجبروت فيصعب تصور وجود الحد له ، ولذا لا تحد معرفة الله في العظمة والمجد حتى في فعله ، فسبحان الله العظيم الأعظم الأعز الأجل الأكرم .

ويا طيب : لكي نستشعر بعض عظمة الله تعالى فنرجو نور كرمه ولطفه الشافي لأنه عظيم ، ولكي نخاف عذابه وانتقامه لأنه شديد عظيم فنخشاه بحق ، ولكي نخضع حقا بالقول والفعل والبدن له  بل لتخشع له أرواحنا فتنال أعظم نور ممكن من كرمه ، نتكلم بعض الكلام عن عظمة الله سبحانه وتعالى في تجلي نور أسماءه الحسنى ، وإن كان هذا الشرح كله بأجزائه وبما يأتي في صحيفة التوحيد للعارفين لم ولن يبين شيء من عظمته سبحانه ، ولا حقا كبيرا لشرح وبيان معاني الأسماء الحسنى ، ولا تجليها وظهورها في الكون وجودا وهدى كفعل له تعالى مشرق من نورها ، ولذا نجعل البحث في بيان بعض عظمتها بالإضافة لما عرفت ، وفي تجليه التكويني وعظمته فعلا وفي تجليها في الهدى العظيم بعده ، وتأتي التكملة في بيان العظمة في نور اللطيف الشافي بمن كان شكورا ديانا للعظيم الشكور .

وقبل التفكر بالكون العظيم بكل مراتبه : ببعض المعرفة الدالة على العظيم سبحانه وتعالى وعظمته ، نذكر بعض المعارف التي ترشدنا لعدم الإحاطة بالله تعالى ، وإن الإنسان العاقل عليه التفكر في خلق الله تعالى وعظمته فيعرف بعض المعرفة لشيء عن علو الله الكبير وعظيم جلاله الذي لا يوصف ، وهذا ما سنتعرف عليه في هذا النور العظيم لله في كل مشارقه ، ولكن نقدم كلام الله ومن أختارهم واصطفاهم لتعريف شأنه العظيم الجليل في كل أشعة نورها ، فنقول أولا إن الله العظيم لا يعرف إلا بما عرف به نفسه مما عرفت من الأسماء الحسنى وقوله تعالى :

{ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ    وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110)

 وَعَنَتْ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ   وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمً (111) } طه .

فنعرف إن الله العظيم : وإن منع العقول من الإحاطة به وتعالى عن المعرفة التامة بجلال نوره وشأنه العظيم الكبير العلي الأعلى ، ولكنه سمح للمخلصين المصطفين الأخيار من خلقه أن يعرفونا شيئا مما عرفهم من شأنه العظيم بقوله تعالى :

{ سُبْحَانَ الله عَمَّا يَصِفُونَ (159)

إِلاَّ عِبَادَ الله الْمُخْلَصِينَ (160) } الصافات .

وهذا المعنى للآيتين الكريمتين : ورد في الروايات الآتية عن الأطايب الأطهار من آل محمد صلى الله عليهم وسلم فعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ:

إِيَّاكُمْ وَ التَّفَكُّرَ فِي الله .

وَ لَكِنْ إِذَا أَرَدْتُمْ أَنْ تَنْظُرُوا إِلَى عَظَمَتِهِ

فَانْظُرُوا إِلَى عَظِيمِ خَلْقِهِ [2].

وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

 إن الله عظيم رفيع : لا يقدر العباد على صفته ، و لا يبلغون كنه عظمته ، لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار ، و هو اللطيف الخبير .

 و لا يوصف : بكيف و لا أين و لا حيث .

 فكيف أصفه بكيف : و هو الذي كيف الكيف حتى صار كيفا ، فعرفت الكيف بما كيف لنا من الكيف .
أم كيف أصفه بأين :
و هو الذي أين الأين ، حتى صار أينا فعرفت الأين بما أين لنا من الأين .
أم كيف أصفه بحيث
: و هو الذي حيث الحيث حتى صار حيثا ، فعرفت الحيث بما حيث لنا من الحيث .

 فالله تبارك و تعالى داخل في كل مكان ، و خارج من كل شي‏ .

 لا تدركه الأبصار ، و هو يدرك الأبصار .

لا إله إلا هو العلي العظيم و هو اللطيف الخبير [3].

وقال الإمام علي عليه السلام :

( الْحَمْدُ للهِ : الَّذِي بَطَنَ خَفِيَّاتِ الاَُْمُورِ ، وَدَلَّتْ عَلَيْهِ أَعْلاَمُ الظُّهُورِ ,

 وَامْتَنَعَ عَلَى عَيْنِ الْبَصِيرِ .

 فَلاَ عَيْنُ مَنْ لَمْ يَرَهُ تُنْكِرُهُ .

 وَلاَ قَلْبُ مَنْ أَثْبَتَهُ يُبْصِرُهُ .

 سَبَقَ فِي الْعُلُوِّ فَل شَيءَ أَعْلَى مِنْهُ ، وَقَرُبَ فِي الدُّنُوِّ فَلاَ شَيْءَ أَقْرَبُ مِنْهُ ، فَلاَ اسْتِعْلاَؤُهُ بِاعَدَهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ ، وَلاَ قُرْبُهُ سَاوَاهُمْ في المَكَانِ بِهِ .

 لَمْ يُطْلِعِ الْعُقُولَ عَلَى تَحْدِيدِ صِفَتِهِ ، ولَمْ يَحْجُبْهَا عَنْ وَاجِبِ مَعْرِفِتِهِ ،

 فَهُوَ الَّذِي تَشْهَدُ لَهُ أَعْلاَمُ الْوُجُودِ ، عَلَى إِقْرَارِ قَلْبِ ذِي الْجُحُودِ ،

تعالى الله عَمَّا يَقولُ الْمُشَبِّهُونَ بِهِ وَالْجَاحِدُونَ لَهُ عُلوّاً كَبِيراً ! ) .

 

وعن الإمام الحسين عليه السلام قال :

 أن أمير المؤمنين عليه السلام استنهض الناس في حرب معاوية في المرة الثانية ، فلما حشد الناس قام خطيبا فقال :

 الحمد لله : الواحد الأحد ، الصمد المتفرد ، الذي لا من شي‏ء كان ، و لا من شي‏ء خلق ما كان ، قدرته بان بها من الأشياء ، و بانت الأشياء منه ، فليست له صفة تنال ، و لا حد ، يضرب له الأمثال .

كَلَّ دون صفاته تعبير اللغات : و ضل هنالك تصاريف الصفات ، و حار في ملكوته عميقات مذاهب التفكير ، و انقطع دون الرسوخ في علمه جوامع التفسير ، و حال دون غيبه المكنون حجب من الغيوب .

و تاهت في أدنى أدانيها طامحات العقول في لطيفات الأمور .

فتبارك الله : الذي لا يبلغه بعد الهمم ، و لا يناله غوص الفطن .

و تعالى الله : الذي ليس له وقت معدود ، و لا أجل ممدود ، و لا نعت محدود ، و سبحان الذي ليس له أول مبتدأ ، و لا غاية منتهى ، و لا آخر يفنى ، سبحانه هو كما وصف نفسه ، و الواصفون لا يبلغون نعته .

حد الأشياء كلها عند خلقه إياه : إبانة لها من شبهه ، و إبانة له من شبهها ، فلم يحلل فيها فيقال هو فيها كائن ، و لم ينأ عنها فيقال هو منها بائن ، و لم يخل منها فيقال له أين .

لكنه سبحانه : أحاط بها علمه ، و أتقنها صنعه ، و أحصاها حفظه ، لم يعزب عنه خفيات غيوب الهوى ، و لا غوامض مكنون ظلم الدجى ، و لا ما في السماوات العلى و الأرضين السفلى ، لكل شي‏ء منها حافظ و رقيب .

و كل شي‏ء منها بشي‏ء محيط ، و المحيط بما أحاط منها الله الواحد الأحد الصمد : الذي لم تغيره صروف الأزمان ، و لم يتكأده صنع شي‏ء كان ، إنما قال لما شاء أن يكون كن فكان ، ابتدع ما خلق بلا مثال سبق ، و لا تعب و لا نصب ، و كل صانع شي‏ء فمن شي‏ء صنع ، و الله لا من شي‏ء صنع ما خلق ، و كل عالم فمن بعد جهل تعلم ، و الله لم يجهل و لم يتعلم .

أحاط بالأشياء علما : قبل كونها ، فلم يزدد بكونها علما ، علمه بها قبل أن يكونها ، كعلمه بعد تكوينها ، لم يكونها لشدة سلطان ، و لا خوف من زوال و لا نقصان ، و لا استعانة على ضد مثاور ، و لا ند مكاثر ، و لا شريك مكايد ، لكن خلائق مربوبون ، و عباد داخرون .

فسبحان الذي : لا يئوده خلق ما ابتدأ ، و لا تدبير ما برأ ، و لا من عجز و لا من فترة بما خلق ، اكتفى علم ما خلق ، و خلق ما علم لا بالتفكر ، و لا بعلم حادث أصاب ما خلق ، و لا شبهة دخلت عليه فيما لم يخلق ، لكن قضاء مبرم ، و علم محكم ، و أمر متقن .

توحد بالربوبية : و خص نفسه بالوحدانية ، و استخلص المجد و الثناء ، فتمجد بالتمجيد ، و تحمد بالتحميد ، و علا عن اتخاذ الأبناء ، و تطهر و تقدس عن ملامسة النساء ، و عز و جل عن مجاورة الشركاء ، فليس له فيما خلق ضد ، و لا فيما ملك ند ، و لم يشرك في ملكه أحد الواحد الأحد الصمد ، و المبيد للأبد ، و الوارث للأمد ، الذي لم يزل و لا يزال ، وحدانيا أزليا ، قبل بدء الدهور ، و بعد صرف الأمور ، الذي لا يبيد و لا يفقد ، بذلك أصف ربي .

 فلا إله إلا الله من عظيم ما أعظمه : و جليل ما أجله ، و عزيز ما أعزه ، و تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا [4].

وإذا عرفنا إنه لا يحاط بعظمة الله علما : إلا الإيمان بكبرياء عظمته وجلال علوه ، فلنتدبر كما أمرنا الله بعلو عظمته في تجلي نوره بخلقه ، وبعلوم ومعارف كتابه المجيد ومعارف من أصطفى من عباده المخلصون في عظيم خلقه بكل مراتبه ، فنبدأ بذكر شيء من مراتب التكوين الأدنى لنستأنس بمعاني العظمة ، ثم نرتفع بمعرفة أعظم بمعارف الملكوت والجبروت بعض المعرفة ، ثم نرجع لنعرف شأن الهداية في الخلق وعظمتها وأهميتها ولطفها الشافي من الضلال والموصل لنا نور الله العظيم حقا .


[2] الكافي ج1ص93ح7باب النهي عن الكلام في الكيفية .

[3] التوحيد  ص115ب 8ح 14 . و الكافي ج1ص 103 باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به حديث2 .

[4] التوحيد ص41 ب2ح 3. و الكافي ج1ص134باب جوامع التوحيد حديث 1 .

 

 

   

أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.msn313.com

يا طيب إلى أعلى مقام صفح عنا رب الإسلام بحق نبينا وآله عليهم السلام


يا طيب إلى فهرس صحيفة شرح الأسماء الحسنى رزقنا الله نورها