هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في  أصول الدين وسيرة المعصومين
صحيفة التوحيد الإلهي / الثانية / للكاملين / شرح الأسماء الحسنى الإلهية : الجزء الثالث

اللَّطِيفُ
النور الثامن والتسعون

الإشراق الرابع :

ظهور لطف الله لنبي الرحمة وآله ولأوليائهم في يوم القيامة :

يَا لَطِيفَ اللُّطَفَاءِ فِي أَجَلِّ الْجَلَالَةِ ، وَ يَا أَعْلَى الْأَعْلَيْنِ فِي أَقْرَبِ الْقُرَب‏ .

يَا لَطِيفُ يَا الله ، يَا جَلِيلُ ، يَا الله لَكَ الأسماء الحسنى ، وَالْأَمْثَالُ الْعُلْيَا وَ الْكِبْرِيَاءُ وَ الْآلَاءُ ، أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّد . يَا لَطِيفَ التَّدْبِيرِ ، يَا مَنْ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَفْسِيرٍ ، يَا حَنَّانُ يَا مَنَّانُ ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّد .

يَا لَطِيفُ يَا الله : الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ وَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ ، وَ عَلَى أَئِمَّةِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ آلِهِ كُلِّهِمْ ، وَ عَجِّلْ فَرَجَهُمْ ، وَ ضَاعِفْ أَنْوَاعَ الْعَذَابِ عَلَى أَعْدَائِهِمْ ، وَ ثَبِّتْ شِيعَتَهُمْ عَلَى طَاعَتِكَ وَ طَاعَتِهِمْ ، وَ عَلَى دِينِكَ وَ مِنْهَاجِهِمْ ، وَ لَا تَنْزِعْ مِنْهُمْ سَيِّدِي شَيْئاً مِنْ صَالِحِ مَا أَعْطَيْتَهُمْ .

اللهمَّ : أَلْحِقْنِي بِصَالِحِ مَنْ مَضَى ، وَ اجْعَلْنِي مِنْ صَالِحِ مَنْ بَقِيَ ، وَ اخْتِمْ لِي عَمَلِي بِأَحْسَنِهِ إِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ، اللهمَّ : إِذَا فَنِيَ عُمُرِي ، وَ تَصَرَّمَتْ أَيَّامُ حَيَاتِي ، وَ كَانَ َلابُدَّ لِي مِنْ لِقَائِكَ .

فَأَسْأَلُكَ يَا لَطِيفُ : أَنْ تُوجِبَ لِي مِنَ الجنة مَنْزِلًا يَغْبِطُنِي بِهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُون‏.

يَا لَطِيفُ : أَغِثْنِي وَ أَدْرِكْنِي بِحَقِّ لُطْفِكَ الْخَفِيِّ .

يَا لَطِيفُ يَا لَطِيفُ : أَسْتَلْطِفُ الله اللطيف لِمَا أَخَافُ وَ أَحْذَرُ تَغْيِيرَهُ أَنْ يُيَسِّرَ .

يَا لَطِيفُ : الْطُفْ لِي فِي كُلِّ مَا تُحِبُّ وَ تَرْضَى‏ ، وَ أَعِنِّي عَلَى هَوْلِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَ أَخْرِجْنِي مِنَ الدُّنْيَا سَالِماً ، وَ زَوِّجْنِي مِنَ الْحُورِ الْعِينِ .

حَسْبِيَ الله الْكَرِيمُ عِنْدَ الْمَوْتِ ، حَسْبِيَ الله الرَّءُوفُ عِنْدَ الْمُسَاءَلَةِ فِي الْقَبْرِ ، حَسْبِيَ الله الْكَرِيمُ عِنْدَ الْحِسَابِ ، حَسْبِيَ الله اللطيف عِنْدَ الْمِيزَانِ ، حَسْبِيَ الله الْعَزِيزُ الْقَدِيرُ الْقُدُّوسُ عِنْدَ الصِّرَاطِ ، حَسْبِيَ الله الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ،
 عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ، وَ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ العظيم .

 

لنستعد لتجلي لطف الله المهيب العظيم للطيف الشافي في يوم القيامة :

استعد يا مسكين : لهذا اليوم العظيم شأنه ، المديد زمانه القاهر سلطانه ، القريب أوانه ، يوم ترى السماء فيه قد انفطرت ، و الكواكب من هوله قد انتثرت ، و النجوم الزاهرة قد انكدرت ، و الشمس قد كورت ، و الجبال قد سيرت ، و العشار قد عطلت ، و الوحوش قد حشرت ، و البحار قد سجرت ، و النفوس إلى الأبدان قد زوجت ، و الجحيم قد سعرت ، و الجنة قد أزلفت .

يوم ترى : الأرض قد زلزلت فيه زلزالها ، و الجبال قد نسفت ، و الأرض قد مدت ، و أخرجت الأرض أثقالها ، يوم يحمل الأرض و الجبال فدكتا دكة واحدة ، يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم ، فيومئذ وقعت الواقعة ، و انشقت السماء فهي يومئذ واهية ، و الملك على أرجائها و يحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية .

يوم تسير الجبال : و ترى الأرض هامدة ، يوم ترج فيه الأرض رجا ، و تبس الجبال بسا فكانت هباء منبثا ، يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ، و تكون الجبال كالعهن المنفوش ، يوم تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت ، و تضع كل ذات حمل حملها ، و ترى الناس سكارى و ما هم بسكارى و لكن عذاب الله شديد ، يوم تبدل الأرض غير الأرض و السماوات ، و برزوا لله الواحد القهار .

يوم : تنسف الجبال فيه نسفا فتترك قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا و لا أمتا ، يوم تنشق فيه السماء فتكون وردة كالدهان ، فيومئذ لا يُسأل عن ذنبه أنس و لا جان ، يوم يمنع الفصحاء فيه من الكلام ، و لا يسأل فيه عن الأجرام ، بل يؤخذ بالنواصي و الأقدام ، يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا ، و ما عملت من سوء تود لو أن بينها و بينه أمدا بعيدا ، يوم تعلم فيه كل نفس ما أحضرت ، و تشهد بما قدمت و أخرت ، يوم تخرس فيه الألسن ، و تنطق الجوارح [35] .

للَّهُمَّ َلا تُلْحِقَنَ بِالْمُكَذِّبِينَ بِيَوْمِ الدِّينِ : وَاجْعَلْ لَنَا قَدَمَ صِدْقٍ مَعَ النَّبِيِّينَ ، وَ تَجْعَلُ لَنَا مَعَ الْمُتَّقِينَ إِمَاماً إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، يَوْمَ يُدْعَى كُلُّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ، وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَةِ الْهُدَاةِ الْمَهْدِيِّينَ ، وَأَحْيِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا عَلَى الْوَفَاءِ بِعَهْدِكَ ، وَمِيثَاقِكَ الْمَأْخُوذِ مِنَّا .

{ بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) أهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (7) } الفاتحة .

{ رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194)

فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ الله وَالله عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195) } آل عمران .

عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام فِي قَوْلِ الله جَلَّ وَ عَزَّ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَ ما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا الله ؟ فَقَالَ : إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دُعِيَ بِالنَّبِيِّ ، وَ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَ بِالْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ ، فَيُنْصَبُونَ لِلنَّاسِ ، فَإِذَا رَأَتْهُمْ شِيعَتُهُمْ ، قَالُوا : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَ مَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لَا أَنْ هَدَانَا الله ، يَعْنِي هَدَانَا الله فِي وَلَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ [36].

يا يطيب بلطف الله : إنه يوم عظيم مع لطف الله بالمؤمنين ، فإنه فيه خمسين موقفا ، لا ينجى فيها أحد إلا بلطف الله وفضله ، وتفصيله إن شاء الله في كتاب المعاد من موسوعة صحف الطيبين ، ولكن هنا نذكر لطف الله بن ، ونحن نقترب من شرح الأسماء الحسنى، وأسأل الله أن يدخلنا بنورها الجنة من حين الموت ويلحقنا بنبينا وآله .

 

الإشعاع الأول :

لطائف تعرفنا لطف الله لأوليائه و أن الحساب للمؤمنين يوم القيامة :

يا لطيف : بنورك اهتدينا ، وبلطفك عرفنا أئمة الحق ، فوفقنا لإطاعتهم لنعبدك بدينك الحق القيم الذي علموه لنا ، وبكل ما ألطفتهم به فظهروا به علما وعملا وسيرة وسلوكا وأخلاقا وصفاتا ،  حتى تجعلنا معهم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، وقد سلم لله اللطيف العزيز الحكيم مالك يوم الدين بكل ما أمره من إطاعة أولي أمره ، فصلى عليهم وسلم لهم تسليما وعبدك مخلصا بدينهم .

يا طيب بلطف الله : إن يوم القيامة ، هو يوم الكرامة لنبينا محمد وآله وللأنبياء والمرسلين السابقين ، ولكل من تبعهم حقا فأخلص لله بدينهم .

 وقد عرفت يا أخي ، إن أكرم دين ومقام هو ما خص الله به نبينا وآله وكل من تبعهم ، ولا يقبل الله عبوديته بدين ولا بتعاليم غيرهم ، حتى لو كان مخترعها يسمى مسلم ، وحتى لو أدعى الإمامة والخلافة وتابعه كثير من الناس ووعُظ له وعُرف بالمقام العالي ليُنال ما عنده ، أو خدعه آلاف ممن أدعى العلم ممن كان قبله ، وظهر له الكلام المنمق والمبهرج الذي يُعرف به غير أئمة الحق أئمة ويُعلم فكرهم دين وقياسهم هدى.

ويا طيب بلطف الله : ليس هذه دعوى ، فإن يوم الدين هناك نشر وحشر وحوض وحساب وميزان وشفاعة وصراط ، وفيها وفيما بينها مواقف عظيمة تقف فيها القلوب وجلة من خشية الله ، وقد كشف فيها البصر لعظيم تجلي نور لطفه لأوليائه وانتقامه من أعدائهم وبأعلى مظهر لهيبته ولطفه، وأنا وإياكم مسئولين فيه عن عمرنا فيما أفنيناه وعن مالنا من أين اكتسبنها وفيما صرفناها وعن حب أولياء الله .

 وهو يوم عظيم لطيف شافي : لتجلي قدرة الله وبأوسع وأعظم وأعلى مظهر لحقائق المقام العالي والكريم من الله اللطيف العظيم الشافي ، وبكل نور أسمائه الحسنى الجمالية لأوليائه وأحبائه ، وليس هم إلا نبينا الأكرم المصطفى الأمجد البشير محمد ثم آله ومن تبعهم حقا صادقا ، أو كان من أتباع أولياء الله السابقين .

 وهو يوم : خسة وذل لمن أدعى الإمامة بغير حق ، سواء كان كافرا أو مشركا أو منافقا أو تابعا لهم ، ولكل مَن لم يتلطف لنفسه فيعرف دين الله الحق أو لم يجد للتحقق به وقد مكنه الله من كل نعمه ، ولم يكن من المستضعفين أو الصغار الغير مكلفين ، كما وإن وأشد العذاب يكون للمعاندين ومحرفي الكتاب ومانعي الناس من معرفة الحق وأهله ولمن نصب العداء لأولياء الله حقا .

ويا طيب : هنا مختصر من بيان هذا اليوم العظيم وتفصيله إن شاء الله في صحيفة المعاد ، وما نذكره هنا بعض مواقف اللطف من الله اللطيف العظيم الشافي لمن تبع أئمة الحق ، والذين ظهروا بكل نور أسمائه الله الحسنى هدى ونعيم ، تعلما وتحققا وتحليا وتجليا وظهور ، وقد عرفت هذا المعنى لمحل ظهور نور الله بأعظم تجلي ولطفه في كل مراتب الوجود وهو لمن ، سواء فيما سبق في هذا النور لإشراق اسم الله اللطيف ، أو ما عرفت من شرح الأسماء الحسنى السابقة ، وقد وردت به كثير من الآيات والأحاديث ، وهذا بيان لمواعظ الحق بأحاديث حق تعرفنا الشأن الكريم لأئمة الحق وأتباعهم ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ويستبعد .

فالمستبعد : على نفسه بصير ولو ألقى معاذيره وهو يخادع نفسه ليظهر مظاهر التعبد بتعاليم أناس ليس لهم الدين الحق إلا دعوى فقط ، ولكونهم تسلطوا بعد نبي الرحمة فنصبوا الوعاظ وعرفوا الناس دين مختلط بالفكر والقياس والاستحسان منهم .

وأسأل الله العظيم اللطيف الشافي : أن يوفقنا للحق ويجعلنا مع أئمة الحق الذين عرفهم الله بكتابه الحق بكل بيان لطيف حق ، وأمرنا بالكون مع المنعم عليهم الصادقين المصدقين الطيبين الطاهرين ، والذين يؤيدهم الله في كتابه والنبي بسنته وعلمهم الحق اللطيف الخبير بدين الله اللطيف ، وسيرتهم الصالحة الكريمة ، وكل مظهر من لطف الله بهم ، وقد ظهروا به بلطفه :

فعن مورق العجلي عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال : كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم في منزل أم سلمة ، و رسول الله  يحدثني ، و أنا أسمع ، إذ دخل علي بن أبي طالب عليه السلام :

 فأشرق وجهه نورا : فرحا بأخيه و ابن عمه ، ثم ضمه إليه ، و قبل بين عينيه ، ثم التفت إلي فقال : يا أبا ذر أ تعرف هذا الداخل علينا حق معرفته ؟

قال أبو ذر فقلت : يا رسول الله ، هذا أخوك ، و ابن عمك ، و زوج فاطمة البتول ، و أبو الحسن و الحسين سيدي شباب أهل الجنة .

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

يا أبا ذر : هذا الإمام الأزهر ، و رمح الله الأطول ، و باب الله الأكبر ، فمن أراد الله فليدخل الباب .

يا أبا ذر : هذا القائم بقسط الله ، و الذاب عن حريم الله ، و الناصر لدين الله ، و حجة الله على خلقه ، إن الله عز و جل لم يزل يحتج به على خلقه في الأمم ، كل أمة يبعث فيها نبيا .

يا أبا ذر : إن الله عز و جل ، جعل على كل ركن من أركان عرشه ، سبعين ألف ملك، ليس لهم تسبيح ولا عبادة إلا الدعاء لعلي وشيعته، والدعاء على أعدائه.

يا أبا ذر : لو لا علي ما بان حق من باطل ، و لا مؤمن من كافر ، و لا عُبد الله ، لأنه ضرب رءوس المشركين حتى أسلموا و عُبد الله ، و لو لا ذلك لم يكن ثواب و لا عقاب ، و لا يستره من الله ستر ، و لا تحجبه من الله حجاب .

و هو الحجاب و الستر : ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

 { شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ الله يَجْتَبـِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ (13) [37]} الشورى .

يا أبا ذر : إن الله تبارك و تعالى تفرد بملكه و وحدانيته ، و فردانيته في وحدانيته ، فعرف عباده المخلصين لنفسه ، و أباح لهم جنته ، فمن أراد أن يهديه عرفه ولايته ، و من أراد أن يطمس على قلبه أمسك عنه معرفته .

يا أبا ذر : هذا راية الهدى ، و كلمة التقوى ، و العروة الوثقى ، و إمام المتقين ، و ضياء أوليائي ، و نور من أطاعني ، و هو الكلمة التي ألزمها الله المتقين ، فمن أحبه  كان مؤمنا ، و من أبغضه كان كافرا ، و من ترك ولايته كان ضالا مضلا ، و من جحد ولايته كان مشركا .

يا أبا ذر : يؤتى بجاحد ولاية علي يوم القيامة ، أصم أعمى أبكم ، فيكبكب في ظلمات القيامة ، و في عنقه طوق من نار ، و لذلك الطوق ثلاثمائة شعبة ، على كل شعبة منها شيطان ، يتفل في وجهه ، و يكلح في جوف قبره إلى النار .

قال أبو ذر : فقلت زدني بأبي أنت و أمي يا رسول الله ؟

فقال : نعم ، إنه لما عرج بي إلى السماء فصرت إلى سماء الدنيا ، أذن ملك من الملائكة ، و أقام الصلاة فأخذ بيدي جبرائيل ، فقدمني و قال لي :

 يا محمد صل بسبعين صفا من الملائكة ، طول الصف ما بين المشرق و المغرب ، لا يعلم عددهم إلا الله الذي خلقهم عز وجل ، فلما قضيت الصلاة أقبل إلي شرذمة من الملائكة يسلمون عليَّ ، و يقولون : لنا إليك حاجة ، فظننت أنهم يسألوني الشفاعة ، لأن الله عز و جل فضلني بالحوض ، و الشفاعة على جميع الأنبياء .

فقلت : ما حاجتكم ملائكة ربي ؟  قالوا : إذا رجعت إلى الأرض فأقرئ عليا منا السلام ، و أعلمه بأنا قد طال شوقنا إليه .

 فقلت : ملائكة ربي تعرفوننا حق معرفتنا ؟

فقالوا : يا رسول الله ، و لم لا نعرفكم ، و أنتم أول خلق خلقه الله من نور ، خلقكم الله أشباح نور من نور في نور من نور [38].

 

يا طيب : فإن آمنت بهذا الحديث وبأمثاله المعرف لأئمة الحق ومقامهم الشامخ الذي تدعوا وتستغفر لمحبيهم ملائكة العرش وتسلم عليهم ملائكة السماء ، وإن الكرامة معد لهم ولأوليائهم يوم القيامة بلطف الله الشافي ، فيجيب أن تعبد الله اللطيف بدينهم وتتبع كل ما عرفوا من هداه وما ظهروا به من تعاليم وخُلق وسيرة ، وتخلص لله العظيم الشافي بدينه ، وحينها ينفعك إيمانك وتكون مؤمن بالله حقا .

 وإلا فأن عاندت : وتبعت أئمة الكفر المعاندين لأئمة الحق وأتباعهم ومن حاربهم وقتلهم وعاندهم ، فإنه أتباع غير أئمة الحق سميته إماما أم قلت تبعه الآباء وهو رجل صالح عالم فاضلا واخترعت له الآلاف من الألقاب ، والمناقب الكثيرة أنت أو من سبق ، وهو معاند لأئمة الحق ، فلا نصيب له و لك بدين الله ولا في عبودية الله مهما أدعيت أو أظهر من مظاهر العبادة والتورع عن محارمه .

فإنه بحق أقول : لا حظ لك في يوم القيامة من لطف الله العظيم الشافي ، ولا مجاملة ولا لأحد عند الله كرامة فضلا عن قرب لغير أولياءه حقا ، فإنه يوم عظيم ، ولطف الله كان ويكون لمن ظهر بدين علّمه من اصطفاهم وأختارهم وكان ناصر لهم وظاهرا وباطنا له بهدى علموه ومخلصا له به .

ويا طيب : إن قنعت بهذا فهو ، وستؤمن بكل ما ذُكر من الثواب العظيم اللطيف الشافي لنبينا محمد وآله ولمن تبعهم يوم القيامة ، وإلا فأنت وشأنك وأنا بريئا منك وأنت بريء من نبينا وآله ومن كل طيب ، لأنه لا ثواب لغير أولياءه حقا ، وإليك كلام الإمام زين العابدين عليه السلام لتطمئن نفسك إن قبلت الحق :

 

عن الحسن بن محبوب قال أخبرنا عبد الله بن غالب الأسدي عن أبيه عن سعيد بن المسيب قال : كان علي بن الحسين عليه السلام ، يعظ الناس ، و يزهدهم في الدنيا ، و يرغبهم في أعمال الآخرة بهذا الكلام في كل جمعة في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله ، و حفظ عنه و كتب ، كان يقول :

أيها الناس : اتقوا الله ، و اعلموا أنكم إليه ترجعون ، فتجد كل نفس ما عملت في هذه الدنيا من خير محضرا ، و ما عملت من سوء تود لو أن بينها و بينه أمدا بعيدا ، و يحذركم الله نفسه ، ويحك ابن آدم الغافل و ليس بمغفول عنه .

ابن آدم : إن أجلك أسرع شي‏ء إليك ، قد أقبل نحوك حثيثا يطلبك ، و يوشك أن يدركك ، و كان قد أوفيت أجلك ، و قبض الملك روحك ، و صرت إلى منزل وحيدا ، فرد إليك فيه روحك ، و اقتحم عليك فيه ملكاك منكر و نكير لمساءلتك ، و شديد امتحانك .

ألا و إن أول ما يسألانك : عن ربك الذي كنت تعبده ، و عن نبيك الذي أرسل إليك ، و عن دينك الذي كنت تدين به ، و عن كتابك الذي كنت تتلوه ،
و عن إمامك الذي كنت تتولاه ، ثم عن عمرك فيما أفنيته ، و مالك من أين اكتسبته ، و فيما أتلفته ، فخذ حذرك ، و انظر لنفسك ، و أعد للجواب قبل الامتحان ، و المساءلة و الاختبار .

فإن تك مؤمنا تقيا : عارفا بدينك ، متبعا للصادقين ، مواليا لأولياء الله ، لقاك الله حجتك ، و أنطق لسانك بالصواب ، فأحسنت الجواب ، فبشرت بالجنة و الرضوان من الله ، و الخيرات الحسان ، و استقبلتك الملائكة بالروح و الريحان .

و إن لم تكن كذلك : تلجلج لسانك، ودحضت حجتك ، و عميت عن الجواب ، و بشرت بالنار ، و استقبلتك ملائكة العذاب ، بنـزل من حميم ، وتصلية جحيم .

 فاعلم ابن آدم : أن من وراء هذا ما هو أعظم ، و أقطع و أوجع للقلوب .

 يـوم القيـامـة : ذلك يوم مجموع له الناس ، و ذلك يوم مشهود ، و يجمع الله فيه الأولين و الآخرين ، ذلك يوم ينفخ فيه في الصور ، و تبعثر فيه القبور .

 ذلك يوم الآزفة : إذ القلوب لدى الحناجر كاظمة ، ذلك يوم لا يقال فيه عثرة ، و لا تؤخذ من أحد فيه فدية ، و لا تقبل من أحد فيه معذرة ، و لا لأحد فيه مستقبل توبة ، ليس إلا الجزاء بالحسنات ، و الجزاء بالسيئات .

فمن كان من المؤمنين : و عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من خير ، وجده .

 و من كان من المؤمنين : عمل في هذه الدنيا ، مثقال ذرة من شر ، وجده .

فاحذروا : أيها الناس من المعاصي والذنوب، فقد نهاكم الله عنها ، وحذركموها في الكتاب الصادق والبيان الناطق، ولا تأمنوا مكر الله وشدة أخذه ، عندما يدعوكم إليه الشيطان اللعين من عاجل الشهوات واللذات في هذه الدنيا، فإن الله يقول : { إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ(201)}الأعراف.

فأشعروا قلوبكم : خوف الله ، و تذكروا ما قد وعدكم الله في مرجعكم إليه من حسن ثوابه ، كما قد خوفكم من شديد العقاب ، فإنه من خاف شيئا حذره ، و من حذر شيئا نكله ، فلا تكونوا من الغافلين المائلين إلى زهرة الحياة الدنيا ، فتكونوا من الذين مكروا السيئات ، و قد قال الله تعالى :

{ أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ الله بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ (47) } النحل.

فاحذروا : ما قد حذركم الله ، و اتعظوا بما فعل بالظلمة في كتابه ، و لا تأمنوا أن ينزل بكم بعض ما تواعد به القوم الظالمين في الكتاب .

تالله لقد : وعظتم بغيركم ، و إن السعيد من وعظ بغيره ، و لقد أسمعكم الله في الكتاب ما فعل بالقوم الظالمين من أهل القرى قبلكم ، حيث قال :

 { وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ (12) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13) } الأنبياء .

فلما أتاهم العذاب : { قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14) فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (15) } الأنبياء .

و ايم الله : إن هذه لعظة لكم و تخويف إن اتعظتم و خفتم .

ثم رجع إلى القول : من الله في الكتاب على أهل المعاصي و الذنوب ، فقال :
{ وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (46) } الأنبياء.

فإن قلتم أيها الناس : إن الله إنما عنى بهذا أهل الشرك ، فكيف ذاك ؟ وهو يقول : { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا
وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47) } الأنبياء .

اعلموا عباد الله : أن أهل الشرك لا تنصب لهم الموازين ، و لا تنشر لهم الدواوين ، و إنما تنشـر الدواوين لأهــل الإســـلام ، فاتقوا الله عباد الله .

و اعلموا : أن الله لم يختر هذه الدنيا و عاجلها لأحد من أوليائه ، و لم يرغبهم فيها ، و في عاجل زهرتها ، و ظاهر بهجتها ، و إنما خلق الدنيا ، و خلق أهلها ، ليبلوهم أيهم أحسن عملا لآخرته .

و ايم الله : لقد ضرب لكم فيها الأمثال ، و صرف الآيات لقوم يعقلون ، فكونوا أيها المؤمنون من القوم الذين يعقلون ، و لا قوة إلا بالله ، و ازهدوا فيما زهدكم الله فيه من عاجل الحياة الدنيا ، فإن الله يقول و قوله الحق :

{ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ
كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
(24) } يونس .

فكونوا عباد الله : من القوم الذين يتفكرون ، و لا تركنوا إلى الدنيا ، فإن الله قد قال لمحمد نبيه صلى الله عليه وآله وسلم و لأصحابه : { وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النار (113) } هود .

 و لا تركنوا إلى زهرة الحياة الدنيا .

و ما فيها ركون : من اتخذها دار قرار ، و منزل استيطان ، فإنها دار قلعة و بلغة ، و دار عمل ، فتزودوا الأعمال الصالحة منها ، قبل أن تخرجوا منها ، و قبل الإذن من الله في خرابها ، فكان قد أخربها الذي عمرها أول مرة و ابتدأها ، و هو ولي ميراثها .

و أسأل الله : لنا و لكم العون على تزود التقوى و الزهد فيها ، جعلنا الله و إياكم من الزاهدين في عاجل زهرة الحياة الدنيا ، و الراغبين العاملين لأجل ثواب الآخرة ، فإنما نحن به و له [39].

 

 

 

الإشعاع الثاني :

أحاديث لطيفة تعرفنا عظمة يوم القيامة ولطفه العام :

وهذا حديث آخر : طويل عن أمير المؤمنين عليه السلام في جواب مدعي التناقض والشاك في كتاب الله ، وما أجابه به لشبهه كلها ، فنختصره ونختار منه ما كان في جوابه عما كان يتصوره في آيات يوم القيامة وأحواله ، فبين له مواقف القيامة وأحوالها ، فقال عليه السلام :

و أما قوله عز وجل : { يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38) } النبأ . و قوله : { وَالله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) } الأنعام . و قوله : { يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النار وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ (25) } العنكبوت .و قوله :{ إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النار (64) } ص . و قوله : { لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ (28) } ق . و قوله : { الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65) } يس .

فإن ذلك في مواطن غير واحد : من مواطن ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة . 

 يجمع الله عز و جل الخلائق يومئذ .

 وفي مواطن يتفرقون : و يكلم بعضهم بعضا ، و يستغفر بعضهم لبعض أولئك الذين كان منهم الطاعة في دار الدنيا للرؤساء و الإتباع . و يلعن أهل المعاصي الذين بدت منهم البغضاء و تعاونوا على الظلم و العدوان في دار الدنيا ، المستكبرين و المستضعفين يكفر بعضهم ببعض ، و يلعن بعضهم بعضا ، و الكفر في هذه الآية البراءة ، يقول : يبرأ بعضهم من بعض ، و نظيرها في سورة إبراهيم قول الشيطان : { إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ (22) } إبراهيم . ، و قول إبراهيم خليل الرحمن : { كَفَرْنَا بِكُمْ (4) } الممتحنة . يعني تبرأنا منكم .

ثم يجتمعون في موطن آخر : يبكون فيه ، فلو أن تلك الأصوات بدت لأهل الدنيا ، لأذهلت جميع الخلق عن معايشهم ، و لتصدعت قلوبهم إلا ما شاء الله ، فلا يزالون يبكون الدم .

 ثم يجتمعون في موطن آخر : فيستنطقون فيه فيقولون : { وَالله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ }، فيختم الله تبارك و تعالى على أفواههم ، و يستنطق الأيدي و الأرجل و الجلود ، فتشهد بكل معصية كانت منهم ، ثم يرفع عن ألسنتهم الختم فيقولون لجلودهم :{ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا الله الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ (21) } فصلت .

ثم يجتمعون في موطن آخر : فيستنطقون فيفر بعضهم من بعض ، فذلك قوله عز وجل : { يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36)} عبس .

 فيستنطقون : فلا يتكلمون .

إلا من أذن له الرحمن و قال صوابا ، فيقوم الرسل صلى الله عليه وآله وسلم : فيشهدون في هذا الموطن ، فذلك قوله : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا (41)} النساء .

ثم يجتمعون في موطن آخر : يكون فيه مقام محمد و هو المقام المحمود ، فيثني على الله تبارك و تعالى بما لم يثن عليه أحد قبله ، ثم يثني على الملائكة كلهم ، فلا يبقى ملك إلا أثنى عليه محمد ، ثم يثني على الرسل بما لم يثن عليهم أحد قبله ، ثم يثني على كل مؤمن و مؤمنة ، يبدأ بالصديقين و الشهداء ، ثم بالصالحين ، فيحمده أهل السماوات و الأرض ، فذلك قوله :

 { عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودً (79) } الإسراء ، فطوبى لمن كان له في ذلك المقام حظ ، و ويل لمن لم يكن له في ذلك المقام حظ و لا نصيب .

ثم يجتمعون في موطن آخر : ويدال بعضهم من بعض ، وهذا كله قبل الحساب .

فإذا أخذ في الحساب : شغل كل إنسان بما لديه‏ ، نسأل الله بركة ذلك اليوم .

قال فرجت عني: فرج الله عنك يا أمير المؤمنين، وحللت عني عقدة فعظم الله أجرك .

فقال عليه السلام : و أما قوله عز و جل : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) } القيامة . و قوله : { لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللطيف الْخَبِيرُ (103) } الأنعام . و قوله : { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) } النجم .و قوله : { يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110) } طه .

فأما قوله : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) } ، فإن ذلك في موضع ينتهي فيه أولياء الله عز وجل بعد ما يفرغ من الحساب ، إلى نهر يسمى الحيوان فيغتسلون فيه ، و يشربون منه ، فتنضر وجوههم إشراقا ، فيذهب عنهم كل قذى و وعث ، ثم يؤمرون بدخول الجنة ، فمن هذا المقام ينظرون إلى ربهم كيف يثيبهم ، و منه يدخلون الجنة ، فذلك قوله عز وجل من تسليم الملائكة عليهم
 { سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِـبْـتُـمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)} الزمر ، فعند ذلك أيقنوا بدخول الجنة و النظر إلى ما وعدهم ربهم ، فذلك قوله : { إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ }، وإنما يعني بالنظر إليه النظر إلى ثوابه تبارك وتعالى .

..........

فقال عليه السلام : و أما قوله تبارك و تعالى : { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا  (47) } الأنبياء .، فهو ميـزان العـدل ، يؤخذ به الخلائق يوم القيامة ، يَدِين الله تبارك و تعالى الخلق بعضهم من بعض ، بالموازين ( و في غير هذا الحديث : الموازين هم الأنبياء و الأوصياء ) .

 و أما قوله عز و جل : { أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) } الكهف ، فإن ذلك خاصة .

 وأما قوله : { فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الجنة يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40) }غافر.

فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :

قال الله عز و جل : لقد حقت كرامتي ، و قال مودتي لمن يراقبني ، و يتحاب بجلالي ، إن وجوههم يوم القيامة من نور على منابر من نور ، عليهم ثياب خضر .

 قيل : من هم يا رسول الله ؟

قال : قوم ليسوا بأنبياء و لا شهداء ، و لكنهم تحابوا بجلال الله ، و يدخلون الجنة بغير حساب ، نسأل الله عز و جل أن يجعلنا منهم برحمته .

 و أما قوله : فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ و خَفَّتْ مَوازِينُهُ [40]، فإنما يعني الحساب توزن الحسنات و السيئات ، و الحسنات ثقل الميزان ، و السيئات خفة الميزان .

فقال عليه السلام : و أما قوله : { قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11) } السجدة . و قوله : { الله يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا (42) } الزمر . و قوله : { تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ (61) } الأنعام . و قوله : { الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ (28) } النحل . و قوله : { الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ  (32) } النحل .

فإن الله تبارك و تعالى : يدبر الأمور كيف يشاء ، و يوكل من خلقه من يشاء بما يشاء ، أما ملك الموت ، فإن الله يوكله بخاصة من يشاء من خلقه ، و يوكل رسله من الملائكة خاصة بمن يشاء من خلقه ، و الملائكة الذين سماهم الله عز ذكره ، وكلهم بخاصة من يشاء من خلقه ، إنه تبارك و تعالى يدبر الأمور ، كيف يشاء ، و ليس كل العلم يستطيع صاحب العلم أن يفسره لكل الناس ، لأن منهم القوي و الضعيف ، و لأن منه ما يطاق حمله ، و منه ما لا يطاق حمله إلا من يسهل الله له حمله و أعانه عليه من خاصة أوليائه ، و إنما يكفيك أن تعلم : أن الله هو المحيي المميت ، و أنه يتوفى الأنفس على يدي من يشاء من خلقه من ملائكته و غيرهم .

قال : فرجت عني فرج الله عنك يا أمير المؤمنين و نفع الله المسلمين بك .

فقال علي عليه السلام للرجل : إن كنت قد شرح الله صدرك بما قد تبينت لك ، فأنت و الذي فلق الحبة و برأ النسمة من المؤمنين حقا .

فقال الرجل : يا أمير المؤمنين كيف لي أن أعلم بأني من المؤمنين حقا ؟

قال عليه السلام : لا يعلم ذلك إلا من أعلمه الله على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، و شهد له رسول الله بالجنة ، أو شرح الله صدره ليعلم ما في الكتب التي أنزلها الله عز و جل على رسله و أنبيائه .

قال : يا أمير المؤمنين و من يطيق ذلك ؟

قال عليه السلام : من شرح الله صدره ، و وفقه له ، فعليك بالعمل لله ، في سر أمرك ، و علانيتك ، فلا شي‏ء يعدل العمل [41].

وعن حفص بن غياث قال ، قال أبو عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام :

إذا أراد أحدكم : ألا يسأل الله شيئا إلا أعطاه ، فلييأس من الناس كلهم ، و لا يكون له رجاء إلا من عند الله عز و جل ، فإذا علم الله ذلك من قلبه لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه .

 ألا فحاسبو : أنفسكم قبل أن تحاسبوا .

 فإن للقيامة : خمسين موقفا ، كل موقف مثل ألف سنة مما تعدون ، ثم تلا هذه الآية  { فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } [42].

يا طيب : بلطف الله بعد أن تعرفنا على يوم القيامة بالجمال ، فنحشر له بلطف الله إن شاء الله اللطيف الشافي ، ونقف فيه برحمته وإلى كرامته في أول موقف :

 

 

 

الإشعاع الثالث :

أحوال النشر والحشر لنرد يوم القيامة بلطف الله إن شاء الله :

يا من لطفه مقيم وإحسانه قديم أسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب:

يا طيب بلطف الله : آيات وأحاديث أحوال النشر والحشر ويوم القيامة كثيرة ، وهنا بيان مختصر يعرفنا لطف الله بالمؤمنين حقا ، ولم نذكر أحوال المحرومين إلا عرضا في حديث يتعرض للطرفين فنذكره كله ، لأنا إن شاء الله في حال التحقق بنور الأسماء الحسنى وإن من أحصاها دخل الجنة ، وما يهمنا من يحب دخول النار ، وبعد أن ذكرنا أحوال الموت والبرزخ في اسم الله العظيم ، نذكر هنا أحاديث تعرفنا لطف وهيبة يوم القيامة بمختصر الحديث والقول الجامع الكريم ممن عرفهم الله اللطيف لطفه لنكون معهم وقربهم في ذلك اليوم العظيم اللطيف الشافي لهم ولنا إن شاء الله :

وبعد ما عرفنا بعض الهيبة واللطف ليوم القيامة خاصة : نذكر هنا بعض أحوال تتقدمه وفيه لندخل مستعدين لما ينالنا من اللطيف إن شاء الله حين ننشر ونحشر مع نبي الرحمة وآله الطيبين سادت أهل الجنة وأكرم خلق الله في ذلك اليوم ، وأسأل الله التوفيق له ليلطفنا بكل كرامه أعدها لهم ، فإنه هو العظيم اللطيف الشافي :

فعن عبد العظيم بن عبد الله الحسني : عن أبيه ، عن أبان مولى زيد بن علي ، عن عاصم بن بهدلة ، عن شريح القاضي قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام لأصحابه يوما و هو يعظهم :

ترصدوا مواعيد الآجال : و باشروها بمحاسن الأعمال ، و لا تركنوا إلى ذخائر الأموال ، فتخليكم خدائع الآمال .

إن الدنيا : خداعة صراعة ، مكارة غرارة سحارة، أنهارها لامعة ، وثمراتها يانعة ، ظاهرها سرور، وباطنها غرور ، تأكلكم بأضراس المنايا ، وتبيركم بأتلاف الرزايا، لهم بها أولاد الموت ، و آثروا زينتها ، فطلبوا رتبتها ، جهل الرجل ، و من ذلك الرجل المولع بلذاتها ، و الساكن إلى فرحتها ، و الآمن لغدرتها ، دارت عليكم بصروفها ، و رمتكم بسهام حتوفها ، فهي تنزع أرواحكم نزعا ، و أنتم تجمعون لها جمعا .

للموت تولدون : و إلى القبور تنقلون ، و على التراب تنومون ، و إلى الدود تسلمون، و إلى الحساب تبعثون.  يا ذا الحيل و الآراء ، و الفقه و الأنباء ، اذكروا مصارع الآباء ، فكأنكم بالنفوس قد سلبت ، و بالأبدان قد عريت ، و بالمواريث قد قسمت ، فتصير يا ذا الدلال و الهيئة و الجمال إلى منزلة شعثاء ، و محلة غبراء .

 فتنوم على خدك في لحدك ، في منزل قل زواره ، و مل عماله .

 حتى تشق عن القبور و تبعث إلى النشور :

فإن ختم لك بالسعادة : صرت إلى الحبور ، و أنت ملك مطاع ، و آمن لا يراع ، يطوف عليكم ولدان كأنهم الجمان بكأس من معين بيضاء لذة للشاربين .

 أهل الجنة : فيها يتنعمون ، و أهل النار فيها يعذبون ، هؤلاء في السندس و الحرير يتبخترون ، و هؤلاء في الجحيم و السعير يتقلبون ، هؤلاء تحشى جماجمهم بمسك الجنان ، و هؤلاء يضربون بمقامع النيران ، هؤلاء يعانقون الحور في الحجال ، و هؤلاء يطوقون أطواقا في النار بالأغلال ، في قلبه فزع قد أعيا الأطباء و به داء لا يقبل الدواء .

 يا من يُسلم : إلى الدود و يهدى إليه ، اعتبر بما تسمع و ترى ، و قل لعينيك تجفو لذة الكرى ، و تفيض من الدموع بعد الدموع تترى ، بيتك القبر بيت الأهوال و البلى ، و غايتك الموت . يا قليل الحياء ، اسمع يا ذا الغفلة و التصريف ، من ذي الوعظ و التعريف .

 جعل يوم الحشر : يوم العرض و السؤال ، و الحباء و النكال ، يوم تقلب إليه أعمال الأنام ، و تحصى فيه جميع الآثام ، يوم تذوب من النفوس أحداق عيونه ، و تضع الحوامل ما في بطونها ، و يفرق بين كل نفس و حبيبها ، و يحار في تلك الأهوال عقل لبيبها ، إذ تنكرت الأرض بعد حسن عمارتها ، و تبدلت بالخلق بعد أنيق زهرتها ، أخرجت من معادن الغيب أثقالها ، و نفضت إلى الله أحمالها .

 يوم : لا ينفع الجد إذ عاينوا الهول الشديد فاستكانوا ، و عرف المجرمون بسيماهم فاستبانوا ، فانشقت القبور بعد طول انطباقه ، و استسلمت النفوس إلى الله بأسبابها ، كشف عن الآخرة غطاؤه ، و ظهر للخلق أنباؤها ، فدكت الأرض دكا دكا، و مدت لأمر يراد بها مدا مدا ، و اشتد المثارون إلى الله شدا شدا .

 و تزاحفت الخلائق إلى المحشر زحفا زحفا : و رد المجرمون على الأعقاب ردا رد ، و جد الأمر ويحك يا إنسان جدا جدا ، و قربوا للحساب فردا فردا ، و جاء ربك و الملك صفا صفا ، يسألهم عما عملوا حرفا حرف .

 فجي‏ء بهم عراة الأبدان : خشعا أبصارهم ، أمامهم الحساب ، ومن ورائهم جهنم يسمعون زفيرها ويرون سعيرها  فلم يجدوا ناصرا ولا وليا يجيرهم من الذل .

 فهم يعدون سراعا إلى مواقف الحشر : يساقون سوقا ، فالسماوات مطويات بيمينه كطي السجل للكتب ، و العباد على الصراط وجلت قلوبهم ، يظنون أنهم لا يسلمون ، و لا يؤذن لهم فيتكلمون ، و لا يقبل منهم فيعتذرون ، قد ختم على أفواههم ، و استنطقت أيديهم و أرجلهم بما كانوا يعملون .

يا لها من ساعة : ما أشجى مواقعها من القلوب حين ميز بين الفريقين ، فريق في الجنة ، و فريق في السعير ، من مثل هذا فليهرب الهاربون ، إذا كانت الدار الآخرة ، لها يعمل العاملون[43].

 

 

الإشعاع الرابع :

مواقف لطف الله في يوم القيامة لنبينا وآله وشيعتهم :

يا لطيف لا حول ولا قوة إلا بك وأنت العلي العظيم أجعلنا مع نبيك وآله :

يا طيب بلطف الله إن شاء الله : هذه أحاديث لطف الله بنبينا وآله وكل الأنبياء والمرسلين ومن تبعهم حقا ، وفيه نتعرف على مواقف الكرامة لهم وجعلنا الله منهم ، فإنه يوم عظيم في مظاهر نور الأسماء الحسنى كلها وبأعظم تجلي لطيف شافي للمؤمنين ، وبه يكون مقام العز والمجد لهم من الله العظيم اللطيف الشافي ، وبأعلى مظهر ممكن يتحمله الخلق والإبداع فيه بما لا يمكن أن يتصوره بشر مكرم فضلا عن غيره ، وسنرى هنا بعضه وتمامه في أخر بحث نور اسم الله الشافي في الجنة إن شاء الله :

 

مختصر الحشر وأول مواقف الكرامة لنبينا الأكرم في القيامة :

قال الله اللطيف تعالى :

{ إِنَّمَا إِلَهُكُمُ الله الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمً (98)

كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا (99) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (100) خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا (101)

 يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (103) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا (104)  وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107)

 يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ

وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ  فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسً (108)

يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلً (109) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110) وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمً (111) وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112) وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113) } طه .

عن أبي الورد قال : سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام يقول :

إذا كان يوم القيامة :

 جمع الله الناس : في صعيد واحد من الأولين و الآخرين عراة حفاة .

فيوقفون على طريق المحشر : حتى يعرقوا عرقا شديدا ، و تشتد أنفاسهم .

فيمكثون بذلك ما شاء الله : و ذلك قوله تعالى { فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسا } .

قال ثم ينادي مناد من تلقاء العرش : أين النبي الأمي ؟

قال فيقول الناس : قد أسمعت كلا فسم باسمه .

قال فينادي : أين نبي الرحمة محمد بن عبد الله ؟

قال فيقوم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : فيقف أمام الناس كلهم حتى ينتهي إلى حوض طوله ما بين أيلة و صنعاء فيقف عليه ، ثم ينادي بصاحبكم فيقوم أمام الناس فيقف معه ، ثم يؤذن للناس فيمرون .

قال أبو جعفر عليه السلام : فبين وارد يومئذ ، و بين مصروف .

 فإذا رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من يصرف عنه من محبينا أهل البيت ، بكى ، و قال : يا رب شيعة علي ، يا رب شيعة علي .

 قال : فيبعث الله إليه ملكا ، فيقول له : ما يبكيك يا محمد ؟

قال : و كيف لا أبكي ، لأناس من شيعة أخي علي بن أبي طالب أراهم قد صرفوا تلقاء أصحاب النار ، و منعوا من ورود حوضي .

قال فيقول الله عز و جل : يا محمد إني قد وهبتهم لك ، و صفحت لك عن ذنوبهم ، و ألحقتهم بك و بمن كانوا يتولون من ذريتك ، و جعلتهم في زمرتك و أوردتهم حوضك ، و قبلت شفاعتك فيهم ، و أكرمتك بذلك .

ثم قال أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين عليه السلام : فكم من باك يومئذ و باكية ، ينادون يا محمداه ، إذا رأوا ذلك ، فلا يبقى أحد يومئذ كان يتولانا و يحبنا إلا كان في حزبنا و معنا و ورد حوضنا [44].

يا طيب : بعد أن عرفنا بعض المعرفة لأول مواقف القيامة وكرامة الله لنبينا وكيف ورود الناس للحوض ، وشفاعة نبينا ليرد مواليه وشيعته ، نفصل بعض الشيء ورود الناس للحوض ولمن يشفع نبي الرحمة بفضل الله اللطيف به وبنا إن شاء الله .

 

دعوة الناس بأئمتهم للورود على الحوض :

يا طيب : قد عرفت إن الله اللطيف يدعوا الناس حسب أئمتهم فيردون على النبي الأكرم الحوض ، أئمة حق ، وأئمة ضلال ، ولذا نذكر أحاديث تذكرنا هذا الأمر أولا ، ثم نذكر ورود الرايات على رسول الله على الحوض وبعض شؤون الماء وصفائه والكرامة فيه ، وأحوال من يرده من الشيعة لأئمة الحق عليهم السلام .

قال رسول الله ص في قول الله عز و جل : { يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ
ـ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (71) وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (72) } الإسراء .

قال : يدعى كل قوم بإمـام زمانهم ، و كتاب ربـهـم ، و سـنة نبيهم [45].

عن الفضيل قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله : { يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ } ؟  قال : يجيء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قومه ، و علي في قومه ، و الحسن في قومه ، و الحسين في قومه ، و كل من مات بين ظهراني إمام جاء معه .

و عن إسماعيل بن همام قال قال الرضا عليه السلام : في قول الله « { يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ } . فقال : إذا كان يوم القيامة ، قال الله : أ ليس عدل من ربكم أن تولوا كل قوم من تولوا ؟ قالوا : بلى. قال فيقول: تميزوا ، فيتميزون[46].

 

وأما أحوال أهل الرايات الواردين يوم القيامة على النبي :

 فعن مالك بن ضمرة عن أبي ذر رحمة الله عليه قال : لما نزلت هذه الآية :

{ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ } قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

يرد علي أمتي يوم القيامة على خمس رايات :

فراية مع عجل هذه الأمة : فأسألهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي ؟

 فيقولون : أما الأكبر : فحرفناه و نبذناه وراء ظهورنا . و أما الأصغر : فعاديناه و أبغضناه و ظلمناه ، فأقول : ردوا النار ظمآء مظمئين مسودة وجوهكم .

 ثم يرد علي راية مع فرعون هذه الأمة : فأقول لهم : ما فعلتم بالثقلين من بعدي ؟ فيقولون : أما الأكبر : فحرفناه و مزقناه و خالفناه . و أما الأصغر : فعاديناه و قاتلناه ، فأقول : ردوا النار ظمآء مظمئين مسودة وجوهكم .

 ثم ترد عليَّ راية مع سامري هذه الأمة : فأقول لهم : ما فعلتم بالثقلين من بعدي ؟ فيقولون : أما الأكبر فعصيناه و تركناه . و أما الأصغر : فخذلناه و ضيعناه و صنعنا به كل قبيح ؟ فأقول : ردوا النار ظمآء مظمئين مسودة وجوهكم .

ثم ترد عليَّ راية ذي الثدية : مع أول الخوارج و آخرهم ، فأسألهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي ؟ فيقولون : أما الأكبر ففرقناه [فمزقناه‏] و برئنا منه . و أما الأصغر : فقاتلناه و قتلناه ، فأقول : ردوا النار ظمآء مظمئين مسودة وجوهكم .

 ثم ترد علي راية مع إمام المتقين : و سيد الوصيين ، و قائد الغر المحجلين ، و وصي رسول رب العالمين . فأقول لهم : ما فعلتم بالثقلين من بعدي ؟

 فيقولون : أما الأكبر فاتبعناه و أطعناه . و أما الأصغر : فأحببناه و واليناه و وازرناه و نصرناه حتى أهرقت فيهم دماؤنا .

 فأقول : ردوا الجنة رواء مرويين مبيضة وجوهكم ، ثم تلا رسول الله :

{ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ

فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ الله هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) } آل عمران‏ [47].

 

تفصيل ورود الموالين بلطف الله وشيعة أمير المؤمنين على الحوض  :

يا طيب : بعد ورود راية إمام الحق بلطف الله على الحوض لرسول الله ، نفصل بحث جمعنا معه بلطف الله، بهذا الحديث الذي يعرفنا لطف الله العظيم بنا إن شاء الله.

وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال :

أنا و رسول الله صلى الله عليه وآله : على الحوض ، و معنا عترتنا ، فمن أرادنا فليأخذ بقولنا ، و ليعمل بأعمالنا ، فإنا أهل البيت لنا شفاعة .

 فتنافسوا في لقائنا على الحوض : فإنا نذود عنه أعداءنا ، و نسقي منه أولياءنا ، و من شرب منه لم يظمأ أبدا .

 و حوضنا : مترع فيه مثعبان أبيضان ينصبان من الجنة ، أحدهما : من تسنيم ، و الآخر : من معين ، على حافتيه الزعفران ، وحصباه الدر والياقوت ، وهو الكوثر.

 و إن الأمور إلى الله : و ليس إلى العباد ، و لو كان إلى العباد ما اختاروا علينا أحدا ، و لكنه يختص برحمته من يشاء من عباده .

فاحمدوا الله : على ما اختصكم به من بادئ النعم ، و على طيب المولد ، فإن ذكرنا أهل البيت شفاء من العلل و الأسقام ، و وسواس الريب ، و إن حبنا رضا الرب ، و الآخذ بأمرنا و طريقتنا معنا غدا في حظيرة القدس .

 و المنشط و المنتظر لأمرنا : كالمتشحط بدمه في سبيل الله ، و من سمع واعيتنا فلم ينصرنا أكبه الله على منخريه في النار .

 نحن الباب : إذا بعثوا فضاقت ، بهم المذاهب نحن باب حطة ، و هو باب الإسلام ،  من دخله نجا ، و من تخلف عنه هوى ، بنا فتح الله ، و بنا يختم ، و بنا يمحو الله ما يشاء ، و بنا يثبت ، و بنا ينزل الغيث ، فلا يغرنكم بالله الغرور .

 لو تعلمون : ما لكم في القيام بين أعدائكم و صبركم على الأذى ، لقرت أعينكم .

 و لو فقدتموني : لرأيتم أمورا يتمنى أحدكم الموت مما يرى من الجور و الفجور و الاستخفاف بحق الله و الخوف ، فإذا كان كذلك ، فاعتصموا بحبل الله جميع و لا تفرقوا ، و عليكم بالصبر و الصلاة و التقية .

و اعلموا : أن الله تبارك و تعالى يبغض من عباده المتلون ، فلا تزولوا عن الحق و ولاية أهل الحق ، فإنه فإن من استبدل بنا هلك ، و من اتبع أمرنا لحق ، و من سلك غير طريقنا غرق ، فإن و إن لمحبينا أفواج من رحمة الله ، و إن لمبغضينا أفواج من عذاب غضب الله ، طريقنا القصد ، و في أمرنا الرشد .

 إن أهل الجنة : ينظرون إلى منازل شيعتنا ، كما يرى الكوكب الدري في السماء ، لا يضل من اتبعنا ، و لا يهتدي من أنكرنا ، و لا ينجو من أعان علينا ، و لا يعان من أسلمنا ، فلا  تخلفوا عنا لطمع دنيا ، و حطام زائل عنكم ، و تزولون عنه ، فإنه من آثر الدنيا علينا ، عظمت حسرته غدا ، و كذلك قال الله تعالى :

{ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ الله وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) } الزمر .

سراج المؤمن : معرفة حقنا ، و أشد العمى من عمى فضلنا ، و ناصبنا العداوة بلا ذنب ، إلا أنا أن دعوناه إلى الحق ، و دعاه غيرنا إلى الفتنة ، فآثرها علين .

لنا رايـة الحـق : من استضاء بها كنته ، و من سبق إليها فاز ، بعلمه أنتم عمار الأرض الذين استخلفكم الله فيها ، لينظر كيف تعملون ، فراقبوا الله فيما يرى منكم ، و عليكم بالمحجة العظمى ، فاسلكوها :

{ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِالله وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء
 وَالله ذُو
الْفَضْلِ العظيم (21)
} الحديد .

و اعلموا أنكم : لن تنالوها إلا بالتقوى .

و من ترك الأخذ : عمن أمر الله بطاعته ، قيض الله له شيطانا فهو له قرين ، ما بالكم قد ركنتم إلى الدنيا ، و رضيتم بالضيم ، و فرطتم فيها فيه عزكم و سعادتكم و قوتكم على من بغى عليكم ، لا من ربكم تستحيون ، و لا أنفسكم تنظرون ، و أنتم في كل يوم تضامون ، و لا تنتبهون من رقدتكم ، و لا ينقضي  فترتكم ، ما ترون دينكم يبلى ، و أنتم في غفلة الدنيا ، قال الله عز ذكره : { وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النار وَمَا لَكُم مِّن دُونِ الله مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ (113)} هود[48].

يا طيب : عرفت لطف الله للمؤمنين حقا ، وإن الحساب لهم تبدأ كرامته متجلية لهم من حين الموت ، ولمن يخلص لله بدين أئمة الحق ، وإلا من يخلط عملا صالحا وسيء فهو يخلط له التهويل والبشرى ، وحسب حاله وشدة طاعة وعصيانه يحسب له مثقال الذرة ، إلا من يتوب ويعمل صالحا ، وإن إن بقي له ذنب فيخلص منه حسب حاله إما حين الموت أو في البرزخ أو حين النشر فيرى أهواله أو في الحشر أو يستمر حتى يحاسب وبعدها تأتي الشفاعة العامة ، أو قد يشفع له مع أهل الحوض إن لم تكون ذنوبه من الكبائر أو كانت له كبائر وتاب منها وبقيت له صغائر نسي التوبة منها .

 وأما الباقين ممن عاند الحق : وأئمة الكفر وأتباعهم والناصبين الحرب لأئمة الحق وأتباعهم ، فقد عرفت يبقون في العذاب وليس لهم حظ من الحوض ولا من مما سترى من مواقف الكرامة للنبي وآله ولمن أطاع الله مخلصا بدينه ، وأما بقائهم في المحشر خمسين ألف سنة ، فهو ليروا عدل الله ولطفه وإحسانه لمن أطاعة ، ويتحسروا على عصيانهم وإصرارهم على العناد للحق ، وهم في أشذ الضنك وفي أصعب الأحوال ، كما عرفت من مواصفات يوم القيامة العامة وسيأتي بعض التفصيل .

وأما المواقف الكريمة : الأخرى ، لنبي الرحمة وآله ولنا معهم إن شاء الله بلطفه ، فهي بعد موقف الحوض فهو موقف الكرامة عند العرش ليجزون أعلى ثواب ونور مشرق بالكرامة من كل الأسماء الحسنى ، وأما بعض تفاصيله فهي :

 

أول دعوة لطف وكرامة من لطف الله للنبي وآله وتجليلهم عند العرش:

وعن عطية العوفي عن مخدوج بن زيد الذهلي : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : آخى بين المسلمين ، ثم قال :

يا علي : أنت أخي ، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى ، غير أنه لا نبي بعدي .

أ ما علمت يا علي : أنه أول من يدعى به يوم القيامة يدعى بي ، فأقوم عن يمين العرش ، فأكسى حلة خضراء من حلل الجنة . ثم يدعى : بأبينا إبراهيم عليه السلام ، فيقوم عن يمين العرش في ظله ، فيكسي حلة خضراء من حلل الجنة ، ثم يدعى بالنبيين بعضهم على أثر بعض ، فيقومون سماطين عن يمين العرش في ظله ، و يكسون حللا خضراء من حلل الجنة .

ألا و إني أخبرك يا علي : أن أمتي أول الأمم يحاسبون يوم القيامة .

ثم أبشرك يا علي : أن أول من يدعى يوم القيامة يدعى بك ، هذا لقرابتك مني ، و منزلتك عندي ، فيدفع إليك لوائي ، و هو لواء الحمد ، فتسير به بين السماطين ، و إن آدم و جميع من خلق الله يستظلون بظل لوائي يوم القيامة ، و طوله مسيرة ألف سنة ، سنانه ياقوتة حمراء ، قصبه فضة بيضاء ، زجه درة خضراء ، له ثلاث ذوائب من نور ، ذوابة في المشرق ، و ذوابة في المغرب ، و ذوابة في وسط الدنيا ،
مكتوب عليها ثلاثة أسطر :

الأول : بسم الله الرحمن الرحيم ، و الآخر : الحمد لله رب العالمين ، و الثالث : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، طول كل سطر مسيرة ألف سنة ، و عرضه مسيرة ألف سنة ، فتسير باللواء ، و الحسن عن يمينك ، و الحسين عن يسارك ، حتى تقف بيني و بين إبراهيم في ظل العرش ، فتكسى حلة خضراء من حلل الجنة ، ثم ينادي مناد من عند العرش ، نعم الأب أبوك إبراهيم ، و نعم الأخ أخوك علي .

ألا و إني أبشرك يا علي : أنك تدعى إذا دعيت ، و تكسى إذا كسيت ، و تحيا إذا حييت[49] .

يا طيب : بعد أن عرفنا الموقف الأول لحلل الكرامة لنبينا وللأنبياء كلهم ، ثم التحاق الإمام علي وآله به ، يرتفعون في الدرجات على الكل وهو حامل لواء الحمد ، فتبدوا به صفحة للمفلحين ممن قال لا إله إلا الله ، فيفوز معهم ويفرح بما يرى من علو درجتهم وما يهب الله لهم من الكرامات العظيمة التي تفوق كل كرامة ولطف ، وأعلم يا طيب ، إن بين موقف وموقف ما شاء الله من الأحوال للناس والزمان وطوله ، وكلا له شأنه ، وكل أئمة تحاسب مع نبينها وإمامها كما عرفت ، ونحن مع نبينا وآله إن شاء الله ، فتدبر لطف الله الآتي لتعرف هذا المقام حتى لنلتحق بهم بعده :

 

لطف الله للنبي وآله وارتفاعهم للوسيلة وتسليم المفاتيح لهم :

عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إذا سألتم الله عز و جل ، فاسألـوه لي الوسـيلـة .

 قال فسألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم : عن الوسيلة ؟

فقال صلى الله عليه وآله وسلم : هي درجتي في الجنة ، و هي ألف مرقاة ما بين المرقاة إلى المرقاة حضر الفرس الجواد شهرا ، و هي ما بين مرقاة جوهرة إلى مرقاة زبرجد ، و مرقاة ياقوتة إلى مرقاة ذهب إلى مرقاة فضة .

فيؤتى بها يوم القيامة : حتى تنصب مع درجة النبيين ، فهي في درج النبيين كالقمر بين الكواكب ، فلا يبقى يومئذ نبي و لا صديق و لا شهيد ، إلا قال : طوبى لمن كانت هذه الدرجة درجته .

فيأتي النداء من عند الله عز وجل يسمع النبيين وجميع الخلق :

 هـذه درجــة محـمـد .

فأقبل و أن : يومئذ مؤتزر بريطة ، و عليَّ تاج الملك ، و إكليل الكرامة .

و علي بن أبي طالب : إمامي ، و بيده لوائي ، و هو لواء الحمد ، مكتوب عليه : لا إله إلا الله ، المفلحون هم الفائزون بالله .

و إذا مررنا بالنبيين قالوا : هذان ملكان مقربان ولم نعرفهما ولم نرهما .

و إذا مررنا بالملائكة ، قالوا : هذان نبيان مرسلان .

حتى أعلو الدرجة : و علي يتبعني ، حتى إذا صرت في أعلى درجة منها ، و علي أسفل مني بدرجة ، و لا يبقى يومئذ ،  نبي ، و لا صديق ، و لا شهيد ، إلا قال : طوبى لهذين العبدين ما أكرمهما على الله .

 فيأتي من قبل الله عز و جل : يسمع النبيين و الصديقين و الشهداء و المؤمنين ، هذا حبيبي محمد، وهذا وليي علي ، طوبى لمن أحبه ، والويل لمن أبغضه وكذب عليه.

ثم قال رسول الله : فلا يبقى يومئذ أحد أحبك يا علي ، إلا استروح إلى هذا الكلام ، و بيض وجهه ، و فرح قلبه .

و لا يبقى أحد : ممن عاداك ، أو نصب لك حربا ، إلا اسود وجهه ، و اضطربت قدماه .

 و بينا أنا كذلك : إذا ملكان قد أقبلا إلي .

 أما أحدهما : رضوان خازن الجنان . و أما الآخر : فمالك خازن النيران .

 فيأتي رضوان فيقول : السلام عليك يا أحمد . فأقول : السلام عليك من أنت ، فما أحسن وجهك و أطيب ريحك ؟ فيقول : أنا رضوان خازن الجنان ، و هذه مفاتيح الجنة بعث بها إليك رب العزة ، فخذها يا أحمد ؟ فأقول : قد قبلت ذلك من ربي ، فله الحمد على ما فضلني به ، أدفعها إلى أخي علي بن أبي طالب .

 ثم يرجع فيدنو مالك فيقول : السلام عليك يا أحمد . فأقول : السلام عليك أيها الملك ، من أنت ، فما أقبح وجهك و أنكر رؤيتك ؟ فيقول : أنا مالك خازن النار ، و هذه مقاليد النار بعث بها إليك رب العزة ، فخذها يا أحمد . فأقول : قد قبلت ذلك من ربي ، فله الحمد على ما فضلني به ، أدفعها إلى أخي علي بن أبي طالب ، ثم يرجع مالك .

فيقبل علي بن أبي طالب : و معه مفاتيح الجنة و مقاليد النار ، حتى يقف على حجرة جهنم ، و قد تطاير شررها ، و علا زفيرها ، و اشتد حرها ، و علي آخذ بزمامها ، فتقول : جزني يا علي فقد أطفأ نورك لهبي .

 فيقول لها علي : قري يا جهنم ، خذي هذا ، و اتركي هذا ، خذي هذا عدوي ، و اتركي هذا وليي .

 فجهنم يومئذ : أشد مطاوعة لعلي من غلام أحدكم لصاحبه ، و إن شاء يذهبها يمنة ، و إن شاء يذهبها يسرة ، و لجهنم يومئذ أشد مطاوعة لعلي فيما يأمرها به من جميع الخلائق [50].

يا طيب : بعد أن يصل النبي وآله لأعلى مقام في القيامة ، وبعد الحصول على أعلى كرامة أعدة لمخلوق خلقه الله العظيم اللطيف الشافي ، وهي درجة الوسيلة ، عرفت أنه وهبه كرامات كثيرة من النور والبهاء والمجد والعزة وحتى مفاتيح الجنة ومقاليد النار ، والتي يفرح بها كل مؤمن حقا ، وطبعا يحزن أعداء الله ولهم الخزي .

يأتي موقف آخر من التكريم لنبينا وآله : وبه يعرف شأنهم الكريم كلهم ، فيشكرون الله العظيم بخطب بليغة ويجازيهم الله الجزاء الأوفى ، ويبين شأنهم لكل العباد سواء أنبياء أو غيرهم كما عرفت وتدبر شأن آل نبينا معه في هذا الحديث الآتي :

 

موقف لطف الله بنبينا وأوصياءه وفاطمة الزهراء وشيعتهم :

عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام قال : قال جابر لأبي جعفر عليه السلام : جعلت فداك يا ابن رسول الله حدثني بحديث في فضل جدتك فاطمة عليه السلام ، إذا أنا حدثت به الشيعة فرحوا بذلك ؟

قال أبو جعفر : حدثني أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : إذا كان يوم القيامة نصب للأنبياء و الرسل منابر من نور ، فيكون منبري أعلى منابرهم يوم القيامة ، ثم يقول الله :

 يا محمد اخطب ، فأخطب خطبة لم يسمع أحد من الأنبياء و الرسل بمثلها .

ثم ينصب للأوصياء : منابر من نور ، و ينصب لوصيي علي بن أبي طالب في أوساطهم منبر من نور ، فيكون منبره أعلى منابرهم ، ثم يقول الله : يا علي اخطب ، فيخطب خطبة لم يسمع أحد من الأوصياء بمثلها .

ثم ينصب لأولاد الأنبياء و المرسلين : منابر من نور .

 فيكون لابني و سبطي و ريحانتي أيام حياتي منبران من نور .

 ثم يقال لهم : اخطبا فيخطبان بخطبتين لم يسمع أحد من أولاد الأنبياء و المرسلين بمثلهما .

ثم ينادي المنادي : و هو جبرائيل ، أين فاطمة بنت محمد ، أين خديجة بنت خويلد ، أين مريم بنت عمران ، أين آسية بنت مزاحم ، أين أم كلثوم أم يحيى بن زكريا ، فيقمن .

فيقول الله تبارك و تعالى : يا أهل الجمع لمن الكرم اليوم ؟

فيقول : محمد و علي و الحسن و الحسين و فاطمة ، لله الواحد القهار .

فيقول الله جل جلاله : يا أهل الجمع إني قد جعلت الكرم لمحمد و علي و الحسن و الحسين و فاطمة ، يا أهل الجمع طأطئوا الرءوس ، و غضوا الأبصار .

 فإن هذه فاطمة تسير إلى الجنة : فيأتيها جبرائيل بناقة من نوق الجنة مدبجة الجنبين ، خطامها من اللؤلؤ المحقق الرطب ، عليها رحل من المرجان ، فتناخ بين يديها فتركبها ، فيبعث إليها مائة ألف ملك ، فيصيروا على يمينها ، ويبعث إليها مائة ألف ملك يحملونه على أجنحتهم ، حتى يصيروها على باب الجنة .

 فإذا صارت عند باب الجنة ، تلتفت .

 فيقول الله : يا بنت حبيبي ما التفاتك ، و قد أمرت بك إلى جنتي ؟

 فتقول : يا رب أحببت أن يعرف قدري في مثل هذا اليوم .

 فيقول الله تعالى : يا بنت حبيبي ارجعي ، فانظري من كان في قلبه حب لك ، أو لأحد من ذريتك ، خذي بيده فأدخليه الجنة .

قال أبو جعفر : و الله يا جابر ، إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها و محبيها ، كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الردي .

 فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنة : يلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا . فإذا التفتوا . يقول الله : يا أحبائي ما التفاتكم ، و قد شفعت فيكم فاطمة بنت حبيبي ؟

فيقولون : يا رب أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم .

فيقول الله : يا أحبائي ارجعوا و انظروا من أحبكم لحب فاطمة ، انظروا من أطعمكم لحب فاطمة ، انظروا من كساكم لحب فاطمة ، انظروا من سقاكم شربة في حب فاطمة ، انظروا من رد عنكم غيبة في حب فاطمة ، خذوا بيده و أدخلوه الجنة .

قال أبو جعفر : و الله لا يبقى في الناس إلا شاك أو كافر أو منافق ، فإذا صاروا بين الطبقات ، نادوا كما قال الله تعالى : { فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101) فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102) } الشعراء  . قال أبو جعفر : هيهات هيهات منعوا ما طلبوا : { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28) } الأنعام [51].

 

العبور الصراط بلطف الله ورحمته مع نبينا وآله بعد معرفتهم بنا :

يا طيب بلطف الله : بعد أن عرفنا المقام الكريم العظيم اللطيف الشافي لنبينا وآله وشيعتهم الذين عرفوهم ومن عرفهم بالإحسان ، حان الآن العبور على الصراط المستقيم للمنعم عليهم ، والذي من تمسك به هنا مخلصا لله بهداه ، عبر بسرعة البرق عليه ولا يعرف حساب ولا هم يحزنون ولهم الفرح الأكبر ، ونترك الكلام عمن يحاسب من المؤمنين لبعض المشاكل خلقها لنفسه بسبب حق نفسه أو الغير حتى تأتيه شفاعة فتنجيه ، وقد يدخل النار بعضهم ثم يخلص بفضل شفاعة النبي الأكرم ، وإنه لو كان لإنسان مثقال ذرة يحاسب عليها له أو عليه ، ويرى خيرها المؤمن ، ويرى شرها الظالم لنفسه بطغيانه وتمرده على هدى الله اللطيف عند المنعم عليهم أو لظلم العباد.

ونحن هنا : في بيان لطف الله تعالى لمن أخلص له بدين أئمة الحق وشفعوا له في أول مراتب الشفاعة لكونه كان صالحا ، ونترك تفصيل مسائل فرار العباد من أحبائهم في الدنيا ، وتظلم العباد من بعضهم البعض أو شفاعتهم لهم ، والحساب وتطاير الكتب وغيرها لباقي عباد الله ، لأنه محلها إن شاء الله في صحيفة المعاد .

ونحن الآن في لطف الله : المتجلي بأعلى مظهر من كل أسماءه الحسنى لنبينا وآله ولشيعتهم حتى يردوا الجنة ، لأنهم تحققوا بها مخلصين لله الدين ، وعرفوا نصيبهم وما لهم وما عليهم فاستحقوا مراتب من الكرامة عظيمة لطيفة شافية ، حتى صاروا يحفوا بالنبي وآله ومعهم يسيرون حيث ما ساروا ، لا يعرفون حزن ولا هول ولا خوف مما عرفت من شدة وعظمة يوم القيامة ، ونسأل الله أن يجعلنا معهم ونعبر معهم على الصراط المستقيم إلى الجنة ، وأسأل الله التوفيق لكم ولنا حتى نكون في هذه الأحول ولا نرى شدة ولا ضنك مما يصيب بعض المؤمنين فضلا عن الكفار والمعاندين .

 

عن منهال بن عمرو عن رزين بن حبيش قال: سمعت عليا عليه السلام يقول :

إن العبد إذا دخل حفرته ، أتاه ملكان اسمهما منكر و نكير ، فأول من يسألانه عن ربه ، ثم عن نبيه ، ثم عن وليه ، فإن أجاب نجا ، و إن عجز عذباه .

فقال له رجل : لمن عرف ربه و نبيه و لم يعرف وليه ؟

فقال عليه السلام : { مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ الله فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (143) } النساء .

 و قد قيل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم : من الولي يا نبي الله ؟

قال : وليكم في هذا الزمان علي ، و من بعده وصيه ، و لكل زمان عالم يحتج الله به ، لئلا يكون كما قال الضُلال قبلهم حين فارقتهم أنبياؤهم : { رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى (134) } طه .

تمام ضلالتهم جهالتهم بالآيات : و هم الأوصياء ، فأجابهم الله : { قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى (135) } طه . فإنما كان تربصهم أن قالوا : نحن في سعة عن معرفة الأوصياء ، حتى نعرف إمام ، فعرفهم الله بذلك .

و الأوصياء أصحاب الصراط : وقوف عليه لا يدخل الجنة إلا من عرفهم و عرفوه ، و لا يدخل النار إلا من أنكرهم و أنكروه ، لأنهم عرفاء الله ، عرفهم عليهم عند أخذ المواثيق عليهم ، و وصفهم في كتابه ، فقال جل و عز :

{ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ (46) } الأعراف .

 هم الشهداء على أوليائهم : و النبي الشهيد عليهم ، أخذ لهم مواثيق العباد بالطاعة ، و أخذ النبي عليهم المواثيق بالطاعة ، فجرت نبوته عليهم ، وذلك قول الله :

{ ـ إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40) ـ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدً (41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ الله حَدِيثًا (42) } النساء .[52].

يا طيب : وبعد أن يعرفنا أئمتنا أئمة الحق إن شاء الله وبلطفه ، نسير معهم على الصراط فنعبر للجنة ، وكيف السبيل والصراط بحديث آخر :

عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال :

 قال النبي صلى الله عليه وآله : أخبرني الروح الأمين :

أن الله لا إله غيره : إذا وقف الخلائق وجمع الأولين والآخرين ، أتى بجنهم تقاد بألف زمام ، أخذ بكل زمام مائة ألف ملك من الغلاظ الشداد ولها هدة وتحطم ، وزفير وشهيق ، وإنها لتزفر الزفرة ، فلولا أن الله عز وجل أخرها إلى الحساب لأهلكت الجميع ، ثم يخرج منها عنق يحيط بالخلائق البر منهم والفاجر .

 فما خلق الله عبدا من عباده : ملك ولا نبي ، إلا وينادي يا رب نفسي نفسي .

 وأنت تقول : يا رب أمتي أمتي .

 ثم يوضع عليها صراط : أدق من الشعر وأحد من السيف .

 عليه ثلاث قناطر :  الأولى : عليها الأمانة والرحم . والثانية : عليها الصلاة . والثالثة : عليها عدل رب العالمين لا إله غيره .

 فيكفلون الممر عليه : فتحبسهم الرحمة والأمانة ، فإن نجوا منها حبستهم الصلاة ، فإن نجوا منها كان المنتهى إلى رب العالمين جل ذكره .  وهو قول الله تبارك وتعالى : { إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14) } الفجر .

والناس على الصراط : فمتعلق تزل قدمه وتثبت قدمه ، والملائكة حولها ينادون : يا كريم يا حليم اعف واصفح وعد بفضلك وسلم ، والناس يتهافتون ، فيها كالفراش ، فإذا نجا ناج برحمة الله تبارك وتعالى ، نظر إليها فقال : الحمد لله الذي نجاني منك بعد يأس بفضله ومنه إن ربنا لغفور شكور[53] .

 

 

وفد الله يوم القيامة إلى الجنة من غير حساب :

يا طيب : عرفنا بعض أحوال المسير على الصراط للناس بصورة عامة ، ولكن عرفت إن شاء الله نحن نتحقق مع نبينا وآله بأعلى لطف الله العظيم الشافي المتجلي بأعظم كرامة ومجد لأوليائه ولا يكون عبورنا مثل الباقين ، بل نحف بنبينا وآله صلى الله عليهم وسلم بكل عظمة وبهاء إن شاء الله ، ولتعرف مسير المكرمين العظماء بعد ما عرفت شأنهم الجليل في أعلى مقام ، تدبر الحديث الآتي :

عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سأل علي عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن تفسير قوله :

{ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدً (85)

 وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدً (86) } مريم .

قال : يا علي أن الوفد لا يكون إلا ركبانا ، أولئك رجال اتقوا الله فأحبهم الله ، و اختصهم ، و رضي أعمالهم ، فسماهم الله المتقين .

 ثم قال يا علي : أما و الذي فلق الحبة و برأ النسمة ، إنهم ليخرجون من قبورهم ، و بياض وجوههم كبياض الثلج ، عليهم ثياب بياضها كبياض اللبن ، عليهم نعال الذهب شراكها من لؤلؤ يتلألأ .

 و في حديث آخر قال : إن الملائكة لتستقبلهم بنوق من نوق الجنة ، عليها رحائل الذهب مكللة بالدر و الياقوت ، و جلالها الإستبرق و السندس ، و خطامها جدل الأرجوان ، وأزمتها من زبرجد ، فتطير بهم إلى المحشر ، مع كل رجل منهم ألف ملك من قدامه وعن يمينه و عن شماله ، يزفونهم زفا حتى ينتهوا بهم إلى باب الجنة الأعظم .

و على باب الجنة شجرة : الورقة منها يستظل تحتها مائة ألف من الناس .

 و عن يمين الشجرة عين مطهرة مزكية : فيسقون منها شربه فيطهر الله قلوبهم من الحسد ، و يسقط عن أبشارهم الشعر ، و ذلك قوله :

 { وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورً (21) } الإنسان . من تلك العين المطهرة ، ثم يرجعون إلى عين أخرى عن يسار الشجرة ، فيغتسلون منها و هي عين الحياة ، فلا يموتون أبدا ، ثم يوقف بهم قدام العرش ، و قد سلموا من الآفات ، و الأسقام ، و الحر و البرد أبدا .

 قال فيقول الجبار : للملائكة الذين معهم ، احشروا أوليائي إلى الجنة ، و لا تقفوهم مع الخلائق ، فقد سبق رضائي عنهم ، و وجبت رحمتي لهم .

 فكيف أريد أن أوقفهم مع أصحاب الحسنات و السيئات ؟

فتسوقهم الملائكة إلى الجنة : فإذا انتهوا إلى باب الجنة الأعظم ، ضربوا الملائكة الحلقة ضربة ، فتصر صريرا فيبلغ صوت صريرها كل حوراء خلقها الله و أعدها لأوليائه ، فيتباشرن إذا سمعن صرير الحلقة ، و يقول بعضهن لبعض : قد جاءنا أولياء الله ، فيفتح لهم الباب ، فيدخلون الجنة ، فيشرف عليهم أزواجهم من الحور العين و الآدميين ، فيقلن : مرحبا بكم ، فما كان أشد شوقنا إليكم ، و يقول لهن : أولياء الله مثل ذلك .

 فقال علي عليه السلام : من هؤلاء يا رسول الله ؟

فقال صلى الله عليه وآله وسلم : يا علي هؤلاء شيعتك و شيعتنا المخلصون لولايتك ، و أنت إمامهم ، و هو قول :

{ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدً (85)

 وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86) } مريم [54].

 

 

كلمة أخير بلطف الله عن أحوال يوم القيامة :

يا طيب بلطف الله : إن شاء الله نعبر مع الوفود بكل كرامة عظيمة شافيه إلى الجنة ، ومجللين مكرمين معززين وبالنور الساطع بأعلى بهاء بفضل الله المتجلي علينا بأعلى كرامة ، حتى يجعلنا مع نبي الرحمة العظيم الكريم وآله الطيبين الطاهرين صلى الله عليهم وسلم ، وذلك بعد أن يوفقنا حقا ويهدينا واقعا لصراطهم المستقيم هنا والذي جعله بيد المنعم عليهم ، فنتحقق به بأعلى عبودية خالصة له سبحانه ، ومن ثم يهب لنا ما عرفنا من الكرامة والمجد والبهاء معهم بفضله ولطفه الشافي العظيم .

ويا طيب : إن يوم القيامة هو يوم المجد والكرامة ، ومثله في تكريم الله اللطيف لنبينا وآله ولمن تبعهم ، هو مثل ملك يريد أن يكرم قادة جيشه وجيشه كله المنتصر في حرب عالمية أولى وثانية وثالثة وألف بل على كل الكواكب فوصل للعرش مكرما ، وخلص من كل مشاكل الدنيا ، ومع إطلاع الملك على القادة وأتباعهم ، وعلى حقائقهم بأعظم الأجهزة الدقيقة المتطورة جدا ، وفوق التصور حتى تحصي نياتهم وأفكارهم فضلا عن أعمالهم وتصرفها ، ويراها كلها تطلبه ومخلصه له وتحب لطفه وعطفه ورحمته وفضله وتتوق لتكريمه ومجده ، بل تحبه حبا مخلصا ويعبدوه بكل أوامره طاعة تامة كاملة ، ويستغفرون من غير تقصير ، ويطلبون عفوه من غير تفريط .

والآن بعد هذه المعارك العظمى : لزخارف الدنيا كلها وما فيها من المشاكل وهم على إخلاصهم ، وهو الملك القدير يريد أن يكرم أولياءه وأحباءه وقادة جيشه وأئمتهم بكل كرامة ، وهو العلي القدير والعليم الخبير واللطيف الكريم وله كل الأسماء الحسنى ، ويريد أن يريهم قدرته الخارقة العظيمة اللطيف الشافية بكل مجد يتحمله الوجود الكوني الجبروتي فضلا عن الملكوتي ، وبأعلى مقام ومجد أعده لهم لما عرف من إخلاصهم وتفانيهم في طاعته .

كما أنه : يريد أن يذل من عاداه وحاربهم ومنع من معرفة تنصيبه لهم ، فلم يطعهم وكان إمام ضلال أمام أئمة الحق الذين نصبهم ، أو تابع لإمام ضلال مع علمه بأن الملك العظيم عنده قادة وأئمة حق قد نصبهم ولم يكن من المستضعفين .

فإن الملك العظيم القادر العليم : كما يكرم أولياءه والأئمة والقادة الذين نصبهم بأعلى كرامة ومجد يمكن أن يشرق من أسماءه الحسنى ، والذي يبين عظمته ونوره المشرق بأعلى كرامة لأوليائه وأتباعهم ، كذلك يكون أعد أعلى عذاب وأعظم تنكيل وتبكيت وتهويل وانتقام للأسرى الذين جاءوا قهرا مقيدين في الموقف الذي يريد أن يبين فيه عظمته ومجده وقدرته ، والذي جمع الكل فيه وأقامهم أمام عزه وكبرياءه.

قسم في محل الكرامة وبأعلى مقام : ويحيط بهم أتباعهم والمخلصين له بتعاليمه التي علمها من اصطفاهم وأختارهم ، ولهم كل مجد وبهاء وخلع وحلي وحلل . كما أنه لأعدائه وأعدائهم أعظم تنكيل وغل ونار وتهويل .

وهذا هو حال يوم القيامة : فإن الله العظيم الشافي يظهر به بأعلى مظهر ولذا سمى نفسه مالك يوم الدين ، فإن يوم الدين هو يوم القيامة ، وهو يوم الكرامة والمجد لنبي الرحمة وآله ولمن سار على صراطهم المستقيم ، ولهم يظهر لطف الله العظيم الشافي وقد عرفت بعضه ، كما لأعدائهم النار والنكال والخزي والعار نتركهم لعذاب الله ولا ندخل تفصيلهم ، إلا في صحيفة المعاد من موسوعة صحف الطيبين إن شاء الله .

ويا طيب : توجد تفاصيل كثير لأحوال ومواقف يوم القيامة لا يسعها هنا التفصيل ، وإن شاء الله كما عرفت في صحيفة المعاد ، كما وتوجد أعمال كثيرة تخفف عن المؤمن أهوال يوم القيامة ، حتى لو كان لم يحصل على الشفاعة من أول موقف ، وفيها أحاديث كثيرة إن شاء الله يأتي تفصيلها في صحيفة المعاد ، وقد مر قسما منها في اسم الله العظيم .

وأسأل الله العظيم اللطيف الشافي : أن يجعلنا مع أئمة الحق وقادة الصدق في أعلى مقام أعده لأوليائه وأن يوفقنا له إنه أرحم الراحمين وهو العظيم اللطيف الشافي .


[35]مجموعة ورام ج1ص294 صفة يوم القيامة و دواهيه .

[36] الكافي ج1ص418ح33 .

[37] تمام الآيات : { وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ (14) فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ الله مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ الله رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الله يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15)

وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي الله مِن بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (16) الله الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (18)

الله لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ : يَرْزُقُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ (19) مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ (20) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ الله وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ (22)

ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ الله عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ الله غَفُورٌ شَكُورٌ (23) } الشورى .

[38]تأويل ‏الآيات ‏الظاهرة ص831سورة الإخلاص .

[39] الأمالي ‏للصدوق ص504م 76 ح1 .

[40]إشارة للآيات : { فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) } القارعة .

[41] التوحيد ص 255ح5 .

[42]الأمالي‏ للطوسي ج2ص36م2ح 7 -38.

[43]الأمالي‏ للطوسي ص651م34 ح1353-3.

[44]الأمالي ‏للمفيد ص290م43ح8 ،  الأمالي ‏للطوسي  ص67م3ح 97-6, ، بشارة المصطفى ص 3.

[45]عيون ‏أخبار الرضا عليه السلام ج2ص33ب31ح61 .

[46] تفسير العياشي ج2ص304سورة بن إسرائيل 17حديث 114، 125 .

[47] تفسير القمي ج1ص110.

[48]تفسير فرات ‏الكوفي  ص366و من سورة الزمر 499-366 .

[49] الأمالي ‏للصدوق ص324ج52ح13 .

[50]بشارة المصطفى ص 22 .

[51]تفسير فرات‏ الكوفي ص299ح403 -298.

[52] بصائر الدرجات ص16ب498ح9 .

[53]الكافي ص312ج8ح486. الهدة : صوت وقع الحائط ونحوه والتحطم : التلظي ، ويقال : تحطم الرجل غيظا أي تلظى . والمرصاد : الطريق والمكان يرصد فيه العدو .   التهافت : التساقط قطعة قطعة .

[54] تفسير القمي ج : 2 ص : 54 مكان الشيعة في الحشر  .

 

 

   

أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.msn313.com

يا طيب إلى أعلى مقام صفح عنا رب الإسلام بحق نبينا وآله عليهم السلام


يا طيب إلى فهرس صحيفة شرح الأسماء الحسنى رزقنا الله نورها