هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في  أصول الدين وسيرة المعصومين
صحيفة التوحيد الإلهي / الثانية / للكاملين / شرح الأسماء الحسنى الإلهية : الجزء الثالث

اللَّطِيفُ
النور الثامن والتسعون

الإشراق الثالث

ظهور لطف الله اللطيف الخبير في أئمة الحق لهداية عباده :

يا لطيف بلطفك اهتدينا :

يا طيب بلطف الله : بعد الإيمان بالله ، وأنه خبير بكل ما يصلح عباده ، وأنه له الكمال المطلق الفياض ، ولا يعجزه شيء يريده في إيجاد خلقه وهداه ، ولما تيقنا إن الله خالق الوجود حكيم وله الأسماء الحسنى بكل كمال مطلق عظيم واسع لا يحد ، عرفنا أنه لابد أن يطهر لطف هذه الأسماء الحسنى في التكوين ، إيجادا للخلق ، وبهدى تام كامل تكويني وتشريعي .

ولذا كان بعد الإيمان بالله : وبكل نور أسماءه الحسنى المشرقة في الوجود بكل عظمة ولطف وعن خبرة بخلقه ، أن نبحث عن نبي معصوم من الخطأ يوحي له دينه فيبلغه بأحسن وجه ممكن ، ومن غير خلاف لما يريد به صلاح العباد ، ولذا لخبرته بعباده يظهر لطفه بهم ، فيختار أحسنهم علما وعملا وتحملا وصبرا لتبليغ دينه لهم ، فيلطف به ويوحي له أمره فيجعله رسوله للعباد ، وهو أكمل عباد الله في زمانه .

ولما الله اللطيف : كان عالما بأن عباده فيهم المؤمنون الطيبون الذين يحبون أن يطيعوه مخلصين له الدين ، وفي العباد هناك كفار ومشركين ومنافقين يتربصون بالدين الدوائر ، وطغاة يحبون الظهور بالمعرفة والدين ولو ظاهرا من غير إخلاص واقعي ولا علم صادق بهداه ولا معرفة حقيقة به ، بل يظهرون بالكلام المنمق وبالظاهر الخداع و العلم المملى من أفكارهم واستحسانهم وقياسهم وما به مصالحهم وما يوسوس الشيطان، ولبيان فهمهم يستخدمون المكر والحيلة والخداع والتضليل ، ويعينهم قوم آخرين من سلاطين الضلال وحكام الكفر والنفاق والمنخدعون بهم فينفذوا مآربهم .

كان لابد للطيف الخبير : العالم بالضمائر والمطلع على الخفيات ، أن ينجي عباده الطيبين من المغرضين بالدين ، بأن يضع لهم أئمة دين صادقين مصدقين طيبين طاهرين مخلصين ، ويختارهم بخبرته ويُعرفهم بكل سبيل ممكن يجده من يتلطف لدينه ، ويجد بالبحث عن معرفة الصادقين ويميزهم من غيرهم ، فيتبعهم ويخلص الطاعة لله بدينهم .

ولذا كان : خلق الخلق البديع التكوين والدقيق الصنع كما عرفت ، وتسخير كل شيء لخلاصة التكوين المفضلين وهم العباد المكلفين ، وجعل الدين لهم بلطفه ليهتدوا لما به صلاحهم وإقامة شكره ليزدادوا من فضله ورحمته، ورفع رسوله للمحل الأعلى .

 مع وجود المغرضين والطغاة المحرفين والمنحرفين عن الدين وأئمة الكفر والنفاق .

 وعدم نصب الله اللطيف للإمام المعصوم : الذي يعرف دينه بعد رسوله خلاف غرض الخلقة وخلاف لطفه الظاهر في كل شيء تكوينا وهدى ، ولا يتحمله عقل عاقل يرى دقة الخلق كله ، ولا يصدق به وجدان إنسان طيب منصف يعرف قليل من عظمة الله اللطيف الشافي في كل شيء أوجده بأحسن وجه ممكن تكوينا وهدى .

ولذا يا طيب : كان مسألة وجود هدى الله العظيم اللطيف الشافي ووجود نبي مبلغ عن الله ووجود الإمام بعده وهو خليفته ووصيه في أمته ، من المسائل المتقنة الدليل والبينة البرهان وهي موجبة في الوجدان ، ويؤمن بها كل من له فطرة سليمة تبحث عن هدى الله الحق من إمام حق بعد نبيه الحق .

ويعتقد إن الله بلطفه الشافي : وتدبيره المحكم لا يخلي زمان من حجة بالغة على عباده ، ولا يدع شرح كتابه المقدس للمغرضين الضالين وأئمة الكفر، بل يجعل أئمة حق ، ويُعرفهم نبيه ورسوله الكريم بكل بيان بيّن وواضح ، ويعرفهم بكتابه وبكثير من الآيات كما عرفت في الإشراق السابق وما مر من نور الأسماء الحسنى كلها .

فالآن يا طيب : بعد الذي عرفت ، نذكر أدلة عقلية تعرفنا لطف اللطيف الشافي سبحانه ، وأدلة من سنة ممن لطفه به فجعله أكرم رسله وآخرهم وخاتمهم ، وهي أحاديث تعرفنا لطف الله بنا، لأنه لم يتركنا نتبع كل مدعي للإمامة وكل معرف للدين ولم يكن له سلطان ، بل عرف لنا الإمام الحق سبحانه بأجمل بيان دقيق لطيف ، فلنتدبر بعض الأدلة العقلية والأحاديث ، وأسأل الله اللطيف التوفيق لنا ولكم .

 

الإشعاع الأول :

العقل والوجدان يعرفنا إن الإمامة لطف من ظهور اللطيف على العباد :

يا لطيف ألطف بنا ووفقنا لما تحب وترضى :

يا طيب : قد عرفت إن الله بلطفه الخبير بكل شيء هو الذي أختار لنا أئمة حق بعد نبيه الحق يعرفنا بهم دينه ، وما يحب من العبودية له وما يرضى من الشكر ، فضلا عن آداب الطهارة للمظهر والبدن والنفس ، وحسن المعاملة والمعاشرة والأخلاق الفاضلة الكريمة ، فكانوا هم مظهر لكل ما تجلى من نور أسماءه الحسنى بأعلى عظمة ولطف شافي ، وبكل سلوكهم وتصرفهم فضلا عن علمهم وعملهم ، وبهذا يتم لطف التكوين المسخر للإنسان المفضل فيه ، وذلك حين يتبع أئمة الحق فيظهر لطف الله به حقا تكوينا وهدى ، وبهذا تتم غاية حسنة للوجود ويكون له معنى بظهور نور لطف خلقه المطيع، والذي له كرامة الأبد بأعلى جمال وحسن من لطف الله الشافي العظيم .

وإلا لو جعل : كل متسلط على حكم يحق له أن يدعي الإمامة والخلافة على المسلمين بعد رسوله وحتى لو كان له شيطان يعتريه أو كل الناس أعلم منه حتى ربات الحجول والمخدرات بالبيوت ممن لم يطلعن على أخبار الناس فضلا عن تفاصيل الوحي ، فكيف بربك يكون الدين وهل يصح نسبته لرب العالمين ، وهو يظهر فكره تعاليم واستحسانه هدى ، ويأمر بما لم ينزل الله به سلطانا لأنه ليس له عناية من الله ورسوله ، ولا علم حق ظهر له يشرح حاله في تعريف شأن عظمة الله ولطفه ولا مسألة من مسائل التوحيد ، فضلا عن بيان كريم لمسائل الدين وشرح هدى رب العالمين ، فضلا عن شرح كتابه وبيان مجمله ومتشابهه ، ولا هو له دعوة بمعارف الدين بل يطلب من الناس أن يقوموه إن أخطاء ، وحين يخطئ ويُنبه يغضب ويعاقب ويمنع من الكلام الصحابة المتقدمين بل يقصيهم عن المدينة ويبعدهم عن المشاورة ، بل يمنع التحديث بسُنة الرسول حتى حرم كتابتها وروايتها حتى بقية بعده أكثر من مائة سنة لا يروون سنة رسول الله وتعاليمه ، ويقولون كتاب الله يكفينا ، وهم يعلمون فكرهم ويشرحوه بقياسهم وما تسول لهم أنفسهم ويوسوس لهم ابليسهم ومصالح حكمهم ، وكأنهم مشرعون كرسول الله أو لهم وحي من الله .

فإن من تسلط على الحكم بعد نبي الرحمة : لم ترى لهم دعوا في علم كما عرفت من كلام الإمام علي عليه السلام في أول الإشراق الأول هنا ، بل كان يخصه رسول الله بأوقات خاصة يعرفه تفاصيل دينه ، وهو الذي عرف عظمة الله بكل لطافة وحكمة ، ولم يأتي بعده أحد إلا كان مقلدا له ، وإذا خالفه كان معاند للحق ضال .

فبربك مَن يُظهر : ببيان شؤون عظمة الله ، وشرح هداه ، أحق أن يتبع أم من يعتقد أن بيعته فلته وكل الناس أعلم منه ؟ وهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ؟ وإن دين الله هو العلم وأول آياته نزلت تعرف القلم وأن معجزته هي كتاب الله وكلامه الكريم فيه .

فإن الله اللطيف : صحيح كتابه معجز وفيه تبيان كل  شيء ، ولكنه لم يُعرف تفاصيل العبادات ولا كثير من شؤون المعاملات وتفاصيلها ، بل حتى كثير من شرح شؤون عظمته ولطفه ، وإنما جعل رسوله الكريم هو المبين له وهو الذي شرح عدد الصلاة وأوقاتها وواجباتها وأركانها ، وهكذا الصوم والحج والزكاة وغيرها من العبادات ، والله اللطيف أمر بطاعته وأمر بإتباعه وأتباع أولي الأمر حين بيان تفاصيلها ، ولم يكن ذو علم حق في كل تفاصيل دين الله بعد نبيه وله أهلية شرح كتابه حقا إلا من طهره الله اللطيف ، وزكاه بأية المباهلة وبكثير من الآيات ، وبين أنهم سادت أهل الجنة وهم كوثر الخير وورثة الكتاب المطهر وهم الراسخون بعلمه ، وأمر بودهم وهم قربى رسوله الكريم ، فهم الذين كان لهم أهلية بيان دين الله وشرح كتابه بكل إتقان ، وهم الذين خصهم الله بلطفه وكرمه وبالإمامة حقا ، وأختارهم بعلم واصطفاهم بخبره لبيان دينه حقا ، فلطف بهم ، وخصهم بشرح هداه بعد رسوله ، لا كل أحد ومدعي يمكنه بيان حقائق هدى الله وشؤون عظمته .

ولذا يا طيب : نبين في هذا الإشعاع بعض الأدلة العقلية ، ثم نبين حديث الثقلين في الإشعاع الآتي ، ثم نبين علمهم وسعته في الإشعاع الثالث ، وذلك لنعرف مدى خبرتهم بدين الله ، وكيف لطف الله الخبير بهم حتى جعلهم أئمة لدينه حقا .

ويا طيب : في الآيات في الإشراق السابق أن الإمامة من ضمن هدى التكوين هي من لطف الله اللطيف الخبير ، وكذا كان البيان في الإشعاع بعده ، ولذا هنا لا نكرر البحث ولو بأسلوب أخر لأنه واضح هناك حسب آيات كتاب الله اللطيف تعالى .

ولكن هنا نذكر : أدلة عقلية أعتمد عليها علماء تبعوا أئمة الحق لبيان أحقيتهم في طلب الله وفق دين أولياءه ،  والذين لطف بهم فجعلهم أئمة صادقين بلطفه ، وإنه ترى في كل كتب الإمامة ترشدك لمعنى كريم ، وهو إن الإمام كالنبوة لطف من الله.

فكما أن الله الخبير اللطيف : أختار نبي ليلطف بعباده فيرشدهم لهداه ، فنفس هذا اللطف هو الذي أوجب وجود الإمام ، لأنه يعرف لطف الله وحكمته وأن خلقه للخلق وجعل الهدى لهم لابد أن يكون متقن دقيق محكم أبدا ما دام يطلب العبادة منهم ، وهذا لا يتم إلا بوجود الإمام على طول الزمان إلى يوم القيامة مادام هناك إنسان مشرف بهدى الله الحق ومطالب بعبودية لله بدين واحد صادق لا اختلاف فيه .

وإن وجود الإمام الحق : به يتم إتقان الخلق ، وبهداه الذي خصه به اللطيف تحصل غاية العباد الواقعية ، وبتعاليمه التي هي عين تعاليم أنزلها الله يشكر الله ويطاع ويعبد ويعرف الحلال من الحرام وما يه صلاح العباد بالعدل والإحسان ، وبه حافظ عليها من الاختلاف ، ويرجع له لمعرفة الصدق من المذاهب المختلفة والأقوال المتناقضة ، سواء في التوحيد وشؤون العظمة أو في العبادات والمعاملات والأخلاق .

وإن المتدبر المنصف : وهو يرى الدقة في التكوين وإتقان الصنع في كل شيء ، يفكر بغرض الخلقة ولطف رب العالمين العظيم الخبير الشافي ، ولا يسعه وفق وجدانه الصاحي وضميره المنصف وفطرته السليمة وعقله المتدبر ، أن يخلي دين الله من إمام صادق حقا ومختار من الله اللطيف يعصم به عباده من المغرضين والاختلاف في دينه .

ويا طيب : ذكر العلماء كثير من الأدلة والبراهين في أن نصب الإمام لطف من الله ، ونختار منها ما ذكره العلامة الحلي رحمه الله في الألفين ، وهو فيه ألف دليل على إمامة الإمام علي عليه السلام ، وألف دليل على بطلان قول من أنكر وردا لقوله ، ولكنه للأسف لم يصل لنا منه إلى ألف وثمانية وثلاثون من أدلة الإثبات والتي كان منها ما نختار منه فتدبر :

البحث الرابع : في أن نصب الإمام لطف :

اعلم أن الإمام : الذي حددناه ، إذا كان منصوب ( من الله ) ، يقرب المكلف بسببه من الطاعات و يبعد عن المقبحات ، و إذا لم يكن كذلك ( منصوبا من الله ) كان الأمر بالعكس ، و هذا الحكم ظاهر لكل عاقل بالتجربة ، و ضروري لا يتمكن أحد من إنكاره ، و كل ما يقرب المكلفين إلى الطاعة ، و يبعدهم عن المعاصي يسمى لطفا اصطلاح ، فظهر من ذلك أن كون الإمام منصوبا ممكنا ، لطف في التكاليف الواجبة ، و ما سيأتي في وجوب نصب الإمام يدل على أنه لطف أيضا .

 

البحث الخامس : لا يقوم غير الإمامة مقامها : لوجوه :

 الوجه الأول : ما ذكره القدماء ، و هو أن اتفاق العقلاء في كل صقع و في كل زمان على إقامة الرؤساء ، يدل على عدم قيام غيرها ( الإمامة ) مقامها .

الوجه الثاني : أن الغالب على أكثر الناس القوة الشهوية و الغضبية و الوهمية ، بحيث يستبيح كثير من الجهلة لذلك اختلال نظام النوع الإنساني في جنب‏ تحصيل غاية القوة الشهوية له أو الغضبية ، و يظهر لذلك التغالب و التنازع و الفساد الكلي ، فيحتاج إلى رادع لها ، و هو لطف يتوقف فعل الواجبات و ترك المحرمات عليه ، و هو : إما داخلي ، أو خارجي .

 فالأول الداخلي : ليس إلا القوة العقلية ، و إلا لكان الله تعالى مخلا بالواجب في أكثر الناس ، و هذا محال ، لأنه إن امتنع معه الفعل ، و كان من فعله تعالى ، كان إلجاء ، و هو ينافي التكليف .

و إن كان من فعل المكلف : نقلنا الكلام إليه ، و إن كان مما يختار معه المكلف فعل الواجبات و ترك المعاصي ،  بحيث يوجب الداعي لذلك ، و يوجب المصارف عن ضده ، و إن جاز معه الفعل بالنظر إلى القدرة لا بالنظر إلى الداعي ، كما في العصمة ، فالتقدير خلاف ذلك في الأكثر ، و الواقع ضد ذلك في غير المعصوم .

 و لأن البحث على تقدير عدمه ، و لهذا أوجبنا الإمامة ، و لأنه يلزم إخلاله تعالى بالواجب .

و إن لم يكن كذلك لم نجد نفعا في ردعها ، و هو ظاهر و الواقع يدل عليه .

و الثاني ( إن كان الرادع ) : إن كان من فعله تعالى بحيث كلما أخل المكلف بواجب أو فعل حراما أرسل الله عليه عقابا أو مانعا ، أو في بعض الأوقات ؛ كان إلجاء ، و هو باطل .

 و إن كان من فعله تعالى الحدود و من فعل غيره كإقامته ، و هو المطلوب ، لأن ذلك الغير يجب أن يكون معصوما مطاوعا ، ليتم له ذلك ، فلا يقوم غيره مقامه ، و لأنه إن وجب وصوله كل وقت يحتاج إليه لزم الجبر ، و إلا ، فإما أن يكون من فعل الله تعالى بغير وساطة أحد من البشر ، بأن ينزل به عذابا إذا فعل ، أو آية عند عزمه ؛ و التقدير عدمه . أو بتوسط البشر ، فهو مطلوبنا .

الوجه الثالث : أن تحصيل الأحكام الشرعية في جميع الوقائع من الكتاب و السنة و حفظها ، لا بد له من نفس قدسية ، تكون العلوم الكسبية بالنسبة إليها كفطرية القياس ، معصومة من الخط ، و لا يقوم غيرها مقامها في ذلك ، إذ الوقائع غير متناهية و الكتاب و السنة متناهيان ، و لا يمكن أن تكون هذه النفس لسائر الناس ، فتعين أن تكون لبعضهم ، و هو الإمام ، فلا يقوم غيره مقامه .

الوجه الرابع : المطلوب من الرئيس أشياء :

1-  جمع الآراء على الأمور الاجتماعية : التي مناط تكليف الشارع فيها الاجتماع ، كالحروب ، و الجماعات ، فإنه من المستبعد ، بل المحال أن يجتمع آراء الخلق الكثير على أمر واحد ، و على مصلحة واحدة ، و أن يعرف الكل تلك المصلحة ، و يتفقوا عليها ، و أن يجتمعوا من البلاد المتباعدة ، و أن تتفق دواعيهم على الحرب و مدته و جهته ، و المهانات و المصلحة في جميع الأوقات ، فإن الاتفاقي لا يكون دائما و لا أكثريا ، و لا يقوم غير الرئيس في ذلك مقام الرئيس و هو ظاهر .

2-  التقريب المتقدم : فيما يحتاج فيه إلى الاجتماع ، فإن الناس لا يتفقون على مقدم ، فيؤدي إلى الاختلاف ، و هو نقض للغرض ، فلا بد أن يتميز بآية من الله تعالى ، و يكون منزها من كل عيب ، و يكون معصوم لئلا تنفر الطباع عنه .

3-  حفظ نظام النوع عن الاختلال : لأن الإنسان مدني بالطبع ، لا يمكن أن يستقل وحده بأمور معاشه لاحتياجه للغذاء و الملبوس و المسكن و غير ذلك‏ ، من ضرورياته التي تخصه و يشاركه غيره من أتباعه فيها ، و هي صناعة لا يمكن أن يعيش الإنسان مدة بصنعها ، فلا بد من الاجتماع بحيث يحصل المعاون الموجب لتسهيل الفعل ، فيكون كل واحد يفعل لهم عملا يستفيض منه أجرا ، ولا يمكن النظام إلا بذلك ، و قد يمتنع المجتمعون من بعضها ، فلا بد من قاهر يكون التخصيص منوطا بنظره ، لاستحالة الترجيح من غير مرجح ، و لأنه يؤدي إلى التنازع .

4-  الطباع البشرية : مجبولة على الشهوة و الغضب و التحاسد و التنازع ، و الاجتماع مظنة ذلك ، فيقع بسبب الاجتماع الهرج و المرج ، و يختل أمر النظام ، فلا بد من رئيس يقهر الظالم ، و ينصر المظلوم ، و يمنع عن التعدي و القهر ، و يستحيل عليه الميل و الحيف ، و إنما قصده الإنصاف ، و يخاف من عقوبته العاجلة ، فإن أكثر الناس أطوع لها من الآجلة ، لأنا نبحث على هذا التقدير ، بحيث يقاوم خوفه شهوته و غضبه و حسده ، و غير الرئيس لا يقوم مقامه في ذلك ، لما تقدم ، و أيضا فإنه معلوم بالضرورة .

5-  الحدود لطف : أمر الشارع بها ، فلا بد لها من مقيم ،و غير الرئيس يؤدي إلى الهرج و المرج و الترجيح بلا مرجح ، فلا يقوم غيره ـ الإمام ـ مقامه في ذلك .

6-  الوقائع : غير محصورة ، و الحوادث غير مضبوطة ، و الكتاب و السنة لا يفيان بها ، فلا بد من إمام منصوب من قبل الله تعالى معصوم من الزلل و الخطأ ، يعرفنا الأحكام و يحفظ الشرع ، لئلا يترك بعض الأحكام أو يزيد فيها عمدا أو سهوا ، أو يبدلها ، و ظاهر أن غير المعصوم لا يقوم مقامه في ذلك .

 7-  تولية القضاء : الذين يجب العمل بحكمهم في الدماء و الأموال و الفروج ، و سعاة الزكوات الأمناء على أموال الفقراء و أمراء الجيوش الواجبي الطاعة في الحروب ، و بذل النفس و القتل و الولاة ، أمر ضروري لنظام النوع ، و لا بد أن يكون منوطا بنظر واحد ، لاستحالة الترجيح من غير مرجح ، و الواقع اختلاف الآراء ، و تضاد الأهواء ، و غلبة الشهوات ، و تغاير المرادات ، و اتفاق الخلق من أنفسهم ابتداء على واحد في هذه المناصب متعسر ، بل متعذر ، و في كل زمان على شخص واحد بالشرائط التي يستحق معها ذلك ممتنع ، فإن الاتفاقي يستحيل أن يكون أكثريا أو دائميا ، فذلك الواحد الذي يناط تولية هؤلاء بنظره ، لا بد أن يكون واجب الطاعة من قبل الله تعالى ، و يستحيل من الحكيم إيجاب طاعة غير المعصوم في مثل هذه الأمور الكلية ، التي بها نظام النوع ، و عدم اختلاله ، و ظاهر أن غيره ، لا يقوم مقامه على التقادير التي يبحث عنها .

 8-  الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر : لطف ، لا يقوم غيره مقامه لوجوبه من غير بدل ، فالأمر لطف واجب لا يقوم غيره مقامه ، لامتناع تحقق الإضافة بدون تحقق المضافين ، و لا بد أن ينتهي إلى معصوم لا يجوز عليه الخطأ بوجه من الوجوه ، و لا السهو ، و إلا لجاز أمره بالمنكر و نهيه عن المعروف ، فلم يبق وثوق بقوله ، فانتفت فائدة التكليف به ، و لأنه :

إما أن يكون : كل واحد من الخلق مأمورا بأمر الآخر و نهيه ، من غير أن يكون هناك رئيس ، يأمر الكل و ينهاهم ، أو مع رئيس ؟ و الأول باطل ، و إلا لوقع الهرج و المرج ، و لانتفى الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، إذ الغالب أن يرضى الواحد بترك تأليم غيره ليترك تأليمه ، لأنا نبحث على تقدير غلبة القوة الشهوية و الغضبية على القوة العقلية ، في أكثر الناس الذين يحصل بسبب تخليتهم على قواهم الشهوية و الغضبية ، المفتضية لعدم التفاتهم إلى الشرائع ، اختلال نظام النوع .

فتعين الثاني : فلا يقوم غير الرئيس في ذلك مقامه ، و لا بد أن يكون ذلك الرئيس من قبل الله تعالى، بحيث تجب طاعته وجوبا عاما ، ولا بد أن يكون معصوما .

9-  العلم بالأحكام يقينا لا ظنا بالاجتهاد : لأن المصيب واحد على ما بيناه في كتبنا الأصولية ، و قد تتعارض الأدلة و تتساوى الأمارات ، و يستحيل الترجيح بلا مرجح ، و تتساوى أحوال العلماء بالنسبة إلى المقلدين ، فلا بد من‏ عالم بالأحكام يقينا لا ظنا بالأمارة ، ليرجع إليه من يطلب العلم و يطلب الصواب يقينا .

 الوجه الخامس : أن نظام النوع لا يحصل إلا بحفظ النفس و العقل و الدين و النسب ، و المال ، فشرع للأول : القصاص ، و أشار إليه بقوله تعالى ، وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ . و للثاني : تحريم المسكر ، و الحد عليه . و للثالث : قتل المرتد و الجهاد . و للرابع : تحريم الزنا ، و الحد عليه . و للخامس : قطع السارق و ضمان المال . و هذه أمور مهمة ، يجب حكمها في كل شريعة في كل زمان ، و لا يتم إلا بمثول ، لذلك يكون عارفا بكيفية إيجابه و كمية الواجب و محله و شرائطه ، و لا يقوم غيره مقامه في ذلك ، و لا بد أن يمتاز عن بني نوعه بنص إلهي و معجز ظاهر ، لاستحالة الترجيح من غير مرجح ، و لجواز اجتماع جميع الآراء على غيره ، لاختلاف الأهواء ، و لأنه لو لا ذلك لأدى إلى الهرج و المرج .

 الوجه السادس : أن قيام البدل مقامه لا يتصور إلا في حال عدمه ، و قد تقرر حصول العلم الضروري أن التقريب و التبعيد عند عدم نصب الإمام أو تمكينه ، على عكس ما ينبغي ، فيستحيل أن يكون له بدل [17].

السابع و الستون :

 الإمام المعصوم لطف عام : و النبي لطف خاص ، و انتفاء العام شر من انتفاء الخاص ، فإذا استحال عدم إرسال الرسل منه تعالى ، فاستحالة عدم نصب الإمام المعصوم ، من باب مفهوم الموافقة ، كتحريم التأفيف الدال على تحريم الضرب [18].

الدليل التاسع والتسعون :

الله تعالى لطيف بعباده : رحيم في غاية اللطف و الرحمة ، و الإمام المعصوم : طريق أمن للمكلف من الخوف ، و الإمام غير المعصوم طريق خوف ، و هو ظاهر ؛ فلا يناسب نصب الإمام غير المعصوم ؛ لطف الله و رحمته بعباده ، و إرادته إسلامهم و هدايتهم ، و المناسب للطف و الرحمة ، الإمام المعصوم ، فتعين نصبه [19].

الدليل الخامس و التسعون :

قال الله تعالى : { وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ   وَالله يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (216)} البقرة .

 وجه الاستدلال : أن معرفتهم لذلك ( لما يحبوا وهو شر ويكرهوا وهو خير ) لطف لهم ، لوجود الداعي إلى الشر ، و هو المحبة ، و انتفاء الصارف ، و هو علم كونه شرا ، و وجود الصارف عن الخير و هو انتفاء الداعي و هو العلم ، لأنه حكم بأن الله يعلم و أنتم لا تعلمون ، فلا بد من شيئين :

أحدهم : من يعلم ذلك ليعلمهم ذلك .

و ثانيهم : من يمنعهم مما يضرهم و يحثهم على ما ينفعهم ، لأن ذلك لطف ، و اللطف على الله تعالى واجب ( بلطفه ولابد من ظهور نور اسمه اللطيف وقد ذكره في كتابه وجاءت به الأحاديث ) ، فإن لم يكن معصوما كان مساويا لهم في الحاجة ، و هو محال ، لأنه يلزم إقامة غير السبب ، بل قد يكون سبب ضده مقامه ، و هو محال ، فتعين أن يكون معصوم ، و هذا حكم عام في كل زمان ، و محال أن يخلو زمان من اللطف ، و إلا لزم الترجيح بلا مرجح ، و لا يمكن ذلك في النبي لكونه خاتم الأنبياء ، و لم يعمر ، فتعين أن يكون الإمام ، لأنه القائم مقامه ، فالإمام معصوم ، فلا يخلو منه زمان ، و هو المطلوب [20].

يا طيب : إن العلامة الحلي رحمه الله رقم الأدلة كل مائة ، ثم يبدأ من الواحد لتسهيل المطالب في مائة أولى وثانية وهكذا ، وما مر كان يسير منها لم يتجاوز عدد الأصابع فإن أحببت تمام الألف لمعرفة لطف الله في نصب الإمام وعصمته ، فراجع ما ذكر والكتاب موجود في سي دي النور والانترنيت والمكتبات . وإن كل كتب الشيعة التي تتحدث عن الإمامة ترى فيها معاني ، تعرفنا أن وجود الإمام لطف وعصمته لطف من الله ، فراجع مثلا ، كتاب أوائل ‏المقالات ، تقريب‏المعارف  ، الفصول ‏المختارة ، النكت ‏الاعتقادية ،  نهج ‏الحق ، وغيرها الكثير جدا وكلا له أسلوبه .

ونختار من كتاب الصراط المستقيم ، في عصمة الإمام ، أمورا منها :

لو جاز الخطأ على الإمام : لزم إفحامه ، لأن الرعية لا تتبعه إلا في ما علمت صوابه ، و هو الحافظ للشرع ، فلا يعلم صوابه إلا منه ، فيدور .

 كل من حكم بإمامته : علم منه تقريب الطاعة ضرورة ، و لا شي‏ء من غير المعصوم يعلم منه ذلك ضرورة ، فلا شي‏ء ممن يعلم إمامته بغير معصوم ضرورة . فلزم كل من علمت إمامته معصوم ، إذ السالبة المعدولة تستلزم الموجبة المحصلة مع تحقق الموضوع .

غير المعصوم : لا يمكن العلم بإمامته ، لجواز معصيته ، و كل من لا يمكن العلم بإمامته ، لا يقع التكليف بإتباعه ، لعدم إطاعته .

غير المعصوم : إن كفى في تقريب نفسه من طاعة ربه ، لم يحتج إلى إمام مطلقا ، فاستغنت عنه الرعية مع ذلك الفرض إذا ، و إن لم يكف في تقريب نفسه ، كيف يصلح لتقريب غيره ؟!

 الإمام : يجب أن يخشى منه بالضرورة ، للأمر بطاعة أولي الأمر ، و لقوله تعالى : { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)} النور ، و لا شي‏ء من غير المعصوم يجب أن يخشى منه ، لأنه ظالم ، و كل ظالم لا يُخشى ، لقوله تعالى { إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ (150) } البقرة ، فالناتج لا شي‏ء من الإمام بغير معصوم بالضرورة [21].

ويا طيب : إن وجود الإمام لطف سواء في ظهوره أو في حال غيبته ، فإن الله اللطيف له في خلقه شؤون ، وهو الذي يقرر متى ما يشاء ظهور ولي دينه ، أو إخفائه خوفا عليه من القتل ، وبالخصوص إذا كان أخر ولي دين أعده لإقامة العدل ودولة الحق ، والتي وعد المؤمنين والمستضعفين ، ولا فرق في أن وجوده لطف في الحالين ظهورا أو بطونا ، ولتعرف هذا المعنى ، نذكر ما ذكره الشيخ الطوسي رحمه الله :

 

دليلنا في حال وجود الإمام بعينه .

 هو الدليل حال غيبته ، في أن في الحالين الإمام لـطـف .

فلا نقول : إن زمان الغيبة خلا من وجوب رئيس ، بل عندنا أن الرئيس حاصل ، و إنما ارتفع انبساط يده ( حال غيبته ) لما يرجع إلى المكلفين على ما بيناه ( من عدم إطاعته من الغالب أو الاعتداء عليه وبالخصوص ، وهو في تقدير الله أخر إمام في الأرض من الذرية الطاهرة المصطفاة ) ، لا لأن انبساط يده خرج من كونه لطف ، بل وجه اللطف به قائم ( حتى حال غيبته ) ، و إنما لم يحصل لما يرجع إلى غير الله ( فمن الله تعالى وجوده بلطفه ، ومن غيره عدم إطاعته أو الاعتداء عليه كان سبب بطونه بعض البطون ولطفت معرفته للكل العباد ، كما أن تلطف توقع ظهوره حتى يظهر دولة العدل ، وتوقع ظهور العدل بفضل الله حين ظهوره ، هو عبادة خاصة مراده ومحببة لله تعالى ، وهذا لطف قد يوازي لطف الظهور ، أو يفوق عليها للعلم بقتله من كثرة المعاندين ، وكما قتل من قبل أجداده وكثير من الأنبياء مثل يحيى أو أردوا قتل عيسى وهو من أولي العزم فرفعه الله ) .

 فجرى مجرى أن يقول قائل : كيف يكون معرفة الله تعالى لطف مع أن الكافر لا يعرف الله ؟ فلما كان التكليف على الكافر قائما ، و المعرفة مرتفعة ، دل على أن المعرفة ليست لطفا على كل حال ، لأنها لو كانت كذلك لكان ذلك نقض ؟

 و جوابنا : في الإمامة كجوابهم في المعرفة ، من أن الكافر لطفه قائم بالمعرفة ، و إنما فوت نفسه بالتفريط في النظر المؤدي إليها ، فلم يقبح تكليفه .

 فكذلك نقول الرئاسة : لطف للمكلف في حال الغيبة ، و ما يتعلق بالله من إيجاده حاصل ، و إنما ارتفع تصرفه و انبساط يده لأمر يرجع إلى المكلفين ، فاستوى الأمران ، و الكلام في هذا المعنى مستوفى أيضا بحيث ذكرناه [22].

وقد ذكرنا بحثا : أكثر تفصيلا في صحيفة الإمام الحجة من موسوعة صحف الطيبين فراجع ، وحقيقة أنه من لطف الله الخبير أن يلطف الإمام حين يستهان به ولا يطاع من أغلب خلقه ، بل قد يُعتدا عليه أو يقتل كما قتل آبائه عليهم السلام ، بل قتل كثير من الأنبياء قبله ، والله لما عرف أن العباد لا يستحقون إماما ظاهرا أمره بالغيبة لكي يظهره حين يقرر أن يقيم عدله في أرضه بالمعجزة والتأييد المطلق ، وإن الآن لا كراه في الدين ولا إجبار على الإيمان ، وفي زمانه مَن لم يؤمن يُقتل أو يحارب حتى يؤمن ، وإنه في زمانه يظهر عيسى فيصلي خلفه ، وتوجد ملاحم وفتن كثيرة قبل ظهور وحينه وبعده تعبر عن قاطعية الله في ظهور دينه على الدين كله بظهور مطلق محكم تام ، راجع الكتب التي فصلت بحوث أخر الزمان وأيام الظهور للإمام الحق .

وإن لطف وخُفي وبَطن الإمام الحق الثاني عشر : كان بعد أن بينت تعاليم الله بتوسط أحد عشر إمام حق من أبائه ، وهم أئمة الحق وولاة أمر الله كلا في زمانه لمدة مائتين وخمسين سنة بعد الهجرة وبعد وجده رسول الله ، وحُددت كل معالم الدين بمعارفهم التي شرحوها وعينوا الوكلاء لهم ، فبطونه ولَطُفَ عن المعرفة لكل الناس وعن أنظار كل العباد ، هو بأمر الله اللطيف ، والذي حب أن يطاع كما أمر من تعاليمه التي عرفت ضرورة وجود الإمام في الأرض ، وأنه لا يُخلي العباد من حجة معصوم مهما كان الأمر حتى لو قرر كل أهل الأرض قتله فضلا عن أغلبهم .

 وما دامت ليلة القدر : والتي ينزل بها الروح بأمره على ولي أمره إلى يوم القيامة ، وإن آية : يوم ندعو كل أناس بإمامهم ، يوم القيامة دالة على ضرورة وجود الإمام الحق بعينه ، ومن يؤمن بكتاب الله تعالى لابد له أن يؤمن بضرورة وجود الإمام ، وقد عرفت كثيرة من الأدلة في هذا الموضوع ، في كل شرح الأسماء الحسنى فراجع ، وراجع الكتب المعتنية بمعارف الإمام المهدي عليه السلام وعجل الله ظهوره الشريف .

وإذا عرفنا اللطف العقلي : في ضرورة وجود الإمام وأنه لطف من الله بعباده لكي يرشدهم لما أمر من دينه وشرفهم من تعاليمه التي فيها صلاحهم ، وحتى الإمام الحجة هو له بيان خاص وأسلوب معين في إيصال ما يجب على المؤمنين عمله ، ولو بتعليم بعضهم ممن يكونوا أهلا وصالحين أتقياء في نشر تعاليمه الضرورية من طريقهم أو بوسيلة معينه يختارها لهم ، وبتطبيقها هم والمؤمنون أتباعهم يتجلى عليهم نور الأسماء الحسنى أبدا ، وبعد هذه المعرفة المختصرة في ضرورة وجود الإمام وعصمته بلطف الله ، نذكر أحاديث تعرفنا تقارن كتاب الله وإمام الحق أبدا بلطف الله الخبير ، الذي ظهر لطفه دائما لعباده ، وبها نعرف لطفا آخر من لطف الله في ضرورة وجود الصادق الناطق بكتابه على طول الزمان فتدبر .

 

 

الإشعاع الثاني :

لطف الله اللطيف الخبير ظهر لنا بحديث الثقلين إلى يوم القيامة:

يا لطيف ألطف بنا ووفقنا لما تحب وترضى :

يا طيب : إن لطف الله ظاهر في كل شيء تكوينا وهدى ، وبالخصوص لعباده الطيبين بتعريفهم كل سبيل ممكن من كتابة وسنة نبيه بضرورة وجود الإمام المعصوم بعد نبيه ، وضرورة الاقتداء به ليعتصم به الناس المؤمنون حقا من الاختلاف أو الخلاف لهداه الحق وما يحب أن يُعبد به ، وإن حديث الغدير وحديث الثقلين مقرونان بالذكر ، وإن كان حديث الثقلين أعم لأنه حدث به رسول الله في أكثر من واقعه ، بل بكل مناسبة يرى فيها صالحا بأن يحدث المسلمين بالخليفة بعده ، وبالإمام الحق الذي يجب أن يطاع حين فقده ، وولي أمر الله الذي أختاره الله واصطفاه اللطيف الخبير بعلمه ، فخصه بما لم يخص غيره من لطفه ، وبه يعتصم المؤمنون حقا من الخلاف لما له من المواصفات في الفهم والعلم والتطبيق لكل ما أمر به الله اللطيف ، حتى كان يستحق هذا المنصب العظيم اللطيف بأمر الله تعالى وببيانه وببيان رسوله .

 وقد عرفت : كثير من كلام الله اللطيف في تعريف الإمام في الآيات السابقة في كل الأنوار ، وعرفت بعض الأدلة العقلية والوجدانية بما فيه الكفاية لكي تتيقن لطف الله بنا حين عرّف لنا وليه بكل عظمة ولطف شافي ، وهذا دليل أخر ذكره نبي الرحمة في واقعة شريفة يمكن أن تراجعها في كتاب الغدير للعلامة الأميني رحمه الله ، أو في كتاب إحقاق الحق ، أو في كتاب المراجعات ومستدركه أو عبقات الأنوار أو غيرها .

وهذا نص متفق عليه : ذكره عدة رواة وكلا له أسلوبه، ثم تأتي بعده روايات كريمة تحدثنا عن وقائع كريمة أخرى ومهمة حدث بها نبي الرحمة بهذا الحديث ، وأيضا علل تبليغه بضرورة إتباع ولي الله بعده بالأسمين الشريفين اللطيف الخبير وظهوره بتعيينه، ليلطف الله بعباده ، بعد أن خبرهم وعرف حالهم وأحسنهم فجعله إماما لهم :

عن عامر بن واثلة عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال :

لما رجع : رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حجة الوداع و نحن معه ، أقبل حتى انتهى إلى الجحفة ، فأمر أصحابه بالنزول ، فنزل القوم منازلهم ، ثم نودي بالصلاة ، فصلى بأصحابه ركعتين ، ثم أقبل بوجهه إليهم ، فقال لهم :

إنه قد نبأني اللطيف الخـبيـر :

 أني ميت و أنكم ميتون ، و كأني قد دعيت فأجبت ، و أني مسئول عما أرسلت به إليكم ، و عما خلفت فيكم من كتاب الله و حجته ، و أنكم مسئولون فما أنتم قائلون لربكم ؟

قالوا نقول : قد بلغت و نصحت و جاهدت ، فجزاك الله عنا أفضل الجزاء .

ثم قال لهم : أ لستم تشهدون أن لا إله إلا الله ، و أني رسول الله إليكم ، و أن الجنة حق ، و أن النار حق ، و أن البعث بعد الموت حق ؟ فقالوا : نشهد بذلك .

قال : اللهم اشهد على ما يقولون ، ألا و إني أشهدكم ، أني أشهد أن الله مولاي ، و أنا مولى كل مسلم ، و أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فهل تقرون لي بذلك و تشهدون لي به  ؟ فقالوا : نعم نشهد لك بذلك ؟

فقال : ألا من كنت مولاه ، فإن عليا مولاه ، و هو هذا ، ثم أخذ بيد علي فرفعها مع يده حتى بدت آباطهما .

ثم قال : اللهم وال من والاه ، و عاد من عاداه ، و انصر من نصره ، و اخذل من خذله ، ألا و إني فرطكم ، و أنتم واردون على الحوض ، حوضي غد ، و هو حوض عرضه ما بين بصرى و صنعاء ، فيه أقداح من فضة عدد نجوم السماء ، ألا و إني سائلكم غدا ما ذا صنعتم ، فيما أشهدت الله به عليكم في يومكم هذا إذا وردتم علي حوضي ، و ما ذا صنعتم بالثقلين من بعدي ، فانظروا كيف تكونون خلفتموني فيهما حين تلقوني .

قالوا : و ما هذان الثقلان يا رسول الله ؟ قال :

أما الثقل الأكبر : فكتاب الله عز و جل ، سبب ممدود من الله و مني في أيديكم ، طرفه بيد الله و الطرف الآخر بأيديكم ، فيه علم ما مضى و ما بقي إلى أن تقوم الساعة .

و أما الثقل الأصغر : فهو حليف القرآن ، و هو علي بن أبي طالب و عترته ،  و إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض [23].

 

و عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس قال : سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام و سأله رجل عن الإيمان ، فقال : يا أمير المؤمنين أخبرني عن الإيمان لا أسأل عنه أحدا غيرك و لا بعدك ؟

فقال علي عليه السلام : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم و سأله عن مثل ما سألتني عنه ، فقال له مثل مقالتك‏ ، فأخذ يحدثه ، ثم قال له اقعد . فقال له‏ : آمنت ، ثم أقبل علي عليه السلام على الرجل فقال  : أ ما علمت أن جبرائيل أتى رسول الله في صورة آدمي ، فقال له : ما الإسلام ؟

فقال : شهادة أن لا إله إلا الله ، و أن محمدا رسول الله ، و إقام الصلاة ، و إيتاء الزكاة ، و حج البيت ، و صيام شهر رمضان ، و الغسل من الجنابة .

فقال : و ما الإيمان ؟  قال : تؤمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله ، و بالحياة بعد الموت ، و بالقدر كله خيره و شره و حلوه و مره‏ .

 فلما قام الرجل قال : رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، هذا جبرائيل جاءكم ليعلمكم دينكم ، فكان كلما قال له رسول الله  شيئا ، قال له : صدقت .

قال فمتى الساعة قال : ما المسئول عنها بأعلم من السائل . قال : صدقت .

ثم قال علي عليه السلام : بعد ما فرغ من قول جبرائيل صدقت ، ألا إن الإيمان بني على أربع دعائم : على اليقين ، و الصبر ، و العدل ، و الجهاد .

فاليقين منه على أربع شعب : على الشوق ، و الشفق ، و الزهد ، و الترقب .

 فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات ، و من أشفق من النار اتقى المحرمات ، و من زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات ، و من ارتقب الموت سارع في الخيرات .

و الصبر على أربع شعب : على تبصرة الفطنة ، و تأول الحكمة ، و معرفة العبرة ، و سنة الأولين .

 فمن تبصر الفطنة تبين في الحكمة ، و من تبين في الحكمة عرف العبرة ، و من عرف العبرة تأول الحكمة ، و من تأول الحكمة أبصر العبرة ، و من أبصر العبرة فكأنما كان في الأولين .

و العدل منه على أربع شعب : على غوامض الفهم ، و غمر العلم ، و زهرة الحكم ، و روضة الحلم .

فمن فهم فسر جمل العلم ، و من علم عرضه شرائع الحكمة ، و من حلم لم يفرط في أمره ، و عاش به في الناس حميدا .

و الجهاد على أربع شعب : على الأمر بالمعروف ، و النهي عن المنكر ، و الصدق في المواطن ، و الغضب لله ، و شنئان الفاسقين .

فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن، ومن نهى عن المنكر أرغم أنف الفاسق، ومن صدق في المواطن قضى الذي عليه ، و من شنأ الفاسقين و غضب لله غضب الله له .

 و ذلك الإيمان و دعائمه و شعبه .

قال له : يا أمير المؤمنين ما أدنى ما يكون به الرجل مؤمن ، و أدنى ما يكون به كافرا ، و أدنى ما يكون به ضال ؟

قال : قد سألت فاسمع الجواب : أدنى ما يكون به مؤمن :

أن يعرفه الله نفسه فيقر له بالربوبية و الوحدانية ، و أن يعرفه نبيه فيقر له بالنبوة و بالبلاغة ، و أن يعرفه حجته في أرضه و شاهده على خلقه فيقر له بالطاعة .

قال يا أمير المؤمنين : و إن جهل جميع الأشياء غير ما وصفت ؟

قال : نعم ، إذا أمر أطاع ، و إذا نهي انتهى .

و أدنى ما يكون به كافر :  أن يتدين بشي‏ء ، فيزعم أن الله أمره به مما نهى الله عنه ، ثم ينصبه دينا ، فيتبرأ و يتولى ، و يزعم أنه يعبد الله الذي أمره به ، و أدنى ما يكون به ضالا ، أن لا يعرف حجة الله في أرضه ، و شاهده على خلقه ، الذي أمر الله بطاعته ، و فرض ولايته .

فقال يا أمير المؤمنين : سمهم لي ؟

قال عليه السلام : الذين قرنهم الله بنفسه و نبيه ، فقال :

{ أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ (59) } النساء .

قال : أوضحهم لي ؟  قال : الذين قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : في آخر خطبة خطبها ، ثم قبض من يومه  ، إني قد : تركت فيكم أمرين ، لن تضلوا ما تمسكتم بهما ، كتاب الله ، و أهل بيتي .

فإن اللطيف الخبـيـر :

 قد عهد إلي : أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كهاتين ، و أشار بإصبعيه المسبحتين ، و لا أقول كهاتين ، و أشار بالمسبحة و الوسطى ، لأن إحداهما قدام الأخرى ، فتمسكوا بهما لا تضلوا ، و لا تقدموهم فتهلكوا ، و لا تخلفوا عنهم فتفرقوا ، و لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم .

قال : يا أمير المؤمنين سمه لي ؟

قال : الذي نصبه رسول الله بغـديـر خـم ، فأخبرهم أنه أولى بهم من أنفسهم ، ثم أمرهم‏ أن يعلم الشاهد الغائب منهم .

فقلت : أنت هو يا أمير المؤمنين ؟

قال عليه السلام : أنا أولهم و أفضلهم ، ثم ابني الحسن من بعدي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، ثم ابني الحسين من بعده أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، ثم أوصياء رسول الله حتى يردوا عليه حوضه ، واحدا بعد واحد .

فقام الرجل : إلى علي عليه السلام فقبل رأسه ، ثم قال : أوضحت لي و فرجت عني و أذهبت كل شي‏ء في قلبي [24].

وعن أبي سعيد الخدري : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :

 إني أوشك أن أدعى فأجيب ، فإني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله عز و جل و عترتي : كتاب الله حبل ممدود بين السماء و الأرض .  و عترتي أهل بيتي .

 و إن اللطيف الخبيـر :

 أخبرني ، أنهما لن يفترقا، حتى يردا علي الحوض، فانظروا بما ذا تخلفوني فيهما[25].

وعن عمرو بن أبي المقدام : عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : و الذي بعثني بالحق : بشيرا ما استقر الكرسي و العرش ، و لا دار الفلك ، و لا قامت السماوات و الأرض ، إلا بأن يكتب عليها : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، علي أمير المؤمنين .

و أن الله تعالى : لما عرج بي إلى السماء .

 اختصني باللـطـف بـذاتـه : قال : يا محمد. قلت : لبيك ربي وسعديك.

فقال : أنا المحمود و أنت محمد ، شققت اسمك من اسمي ، و فضلتك على جميع بريتي ، فانصب أخاك عليا علما لعبادي ، يهديهم إلى ديني .

يا محمد : إني قد جعلت عليا ، أمير المؤمنين ، فمن تأمر عليه لعنته ، و من خالفه عذبته ، و من أطاعه قربته ، يا محمد إني جعلت عليا إمام المسلمين ، فمن تقدم عليه خزيته ، و من عصاه سجنته ، إن عليا سيد الوصيين ، و قائد الغر المحجلين ، و حجة الله على الخليقة أجمعين [26].

 

الإشعاع الثالث :

لطف الله اللطيف في تعليم الإمام ليعلمنا هداه مستمر ليوم القيامة:

يا لطيف ألطف بنا وزدنا علما :

يا طيب بلطف الله تعالى : عرفت في الإشراق الأول إن الله سبحانه وتعالى لعظمته لطف عن المعرفة به وأنه لا تدركه الأبصار . وهو يدرك الأبصار ، لأنه خالق كل شيء ومحيط به وبه يقوم ، فظهر علمه الخبير في كل شيء يدلنا على ربوبيته لكل شيء وتدبيره له بعلمه ، وبالخصوص خلاصة الوجود وهو الإنسان ، الذي ظهرت خبرته ولطفه به بأعلى تكوين في العالم الأدنى ، وفضله على ما فيه ، وسخر له كل شيء من نعمه في السماء والأرض وهداه بأعظم خلقه ، وذلك ليعبده ويشكره بما يعلمه من دينه، حتى يستمر عليه فيضه إلى يوم القيامة بأعلى تجلي عظيم لطيف شافي.

ويا طيب : عرفت أن الله اللطيف بعباده ولعلمه بباطن أمورهم وأفكارهم وكل ما يعلمون ويعملون ، وهو العارف بهم قبل خلقهم وبعده ، ولذا يختار ويصطفي من علم أنه أحسنه في تعلم وتعليم وتطبيق هداه كله بأعلى مظهر ممكن ، فيلطف به بعلمه ويعلمه ما لم يعلم غيره ، فيجعله إماما ووليا له، وقد مرت أنوارا عرفتنا علم أئمة الحق الذين خصهم الله بلطفه فعلمهم ما لم يعلم غيره في اسم الله العليم والحكيم والخبير والوارث وغيرها ، وهنا نؤكد أهمية علم الإمام في إمامته وعصمته وولايته على الناس.

كما وإن الله اللطيف الخبير تعالى : عرفنا أهمية العلم في كتابه ولم يساويه بمن لا يعلم ، بل دينه هو دين العلم من أول نزوله ، وحتى أخر لحظة من عمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يبلغ العلم ، وعرفت أهمية العلم وثوابه في اسم الله العظيم ، وهنا نبين بالإضافة لما عرفت علم أئمة الحق ، وبالخصوص الإمام الأول علي بن أبي طالب وما خصه الله ورسوله بالعلم ، وكيف علم آله صلى الله عليهم وسلم ، ونقدم له أحاديث وراثة العلم لهم ، فتدبر .

عن علي بن موسى الرضا قال حدثنا أبي موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام  عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :

خلق الله عز و جل : مائة ألف نبي و أربعة و عشرين ألف نبي ، أنا أكرمهم على الله و لا فخر ، و خلق الله عز و جل مائة ألف وصي و أربعة و عشرين ألف وصي ، فعلي أكرمهم على الله و أفضلهم [27].

وعَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله عليه السلام يَقُولُ :

 إِنَّ فِي عَلِيٍّ عليه السلام : سُنَّةَ أَلْفِ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ، وَ إِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي نَزَلَ مَعَ آدَمَ عليه السلام لَمْ يُرْفَعْ ، وَ مَا مَاتَ عَالِمٌ فَذَهَبَ عِلْمُهُ ، وَ الْعِلْمُ يُتَوَارَثُ [28].

وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم : إِنَّ أَوَّلَ وَصِيٍّ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ هِبَةُ الله بْنُ آدَمَ ، وَ مَا مِنْ نَبِيٍّ مَضَى إِلَّا وَ لَهُ وَصِيٌّ ، وَ كَانَ جَمِيعُ الْأَنْبِيَاءِ مِائَةَ أَلْفِ نَبِيٍّ وَ [ أربعة ] وعِشْرِينَ أَلْفَ نَبِيٍّ ، مِنْهُمْ :

خَمْسَةٌ أُولُو الْعَزْمِ : نُوحٌ ، وَ إِبْرَاهِيمُ ، وَ مُوسَى ، وَ عِيسَى ، وَ مُحَمَّدٌ .

 وَ إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ هِبَةَ الله لِمُحَمَّدٍ : وَ وَرِثَ عِلْمَ الْأَوْصِيَاءِ ، وَ عِلْمَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ، أَمَا إِنَّ مُحَمَّداً وَرِثَ عِلْمَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَ الْمُرْسَلِينَ .

 عَلَى قَائِمَةِ الْعَرْشِ مَكْتُوبٌ : حَمْزَةُ أَسَدُ الله وَ أَسَدُ رَسُولِهِ وَ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ ، وَ فِي ذُؤَابَةِ الْعَرْشِ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ، فَهَذِهِ حُجَّتُنَا عَلَى مَنْ أَنْكَرَ حَقَّنَا ، وَ جَحَدَ مِيرَاثَنَا ، وَ مَا مَنَعَنَا مِنَ الْكَلَامِ ، وَ أَمَامَنَا الْيَقِينُ ، فَأَيُّ حُجَّةٍ تَكُونُ أَبْلَغَ مِنْ هَذَا [29].

 

وأما كيف تعلم علي وآله من النبي بلطف زائد على غيره وظهر له لطف الله فتدبر :

فعن أبان بن أبي عياش ، عن سليم بن قيس الهلالي قال :

قلت لأمير المؤمنين عليه السلام : إني سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئا من تفسير القرآن ، وأحاديث عن نبي الله صلى الله عليه وآله غير ما في أيدي الناس ، ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم ، ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ، ومن الأحاديث عن نبي الله صلى الله عليه وآله أنتم تخالفونهم فيها ، وتزعمون أن ذلك كله باطل ، أفترى الناس يكذبون على رسول الله صلى الله عليه وآله متعمدين ، ويفسرون القرآن بآرائهم ؟ قال : فأقبل علي فقال : 

قد سألت فافهم الجواب :

إن في أيدي الناس : حقا وباطلا ، وصدقا وكذبا ، وناسخا ومنسوخا ، وعاما وخاصا ، ومحكما ومتشابها ، وحفظا ووهما ، وقد كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله على عهده ، حتى قام خطيبا ، فقال :

أيها الناس : قد كثرت علي الكذابة ، فمن كذب علي متعمدا ، فليتبوأ مقعده من النار ، ثم كذب عليه من بعده .

وإنما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس :

رجل منافق : يظهر الإيمان ، متصنع بالإسلام ، لا يتأثم ، ولا يتحرج أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله متعمد ، فلو علم الناس أنه منافق كذاب ، لم يقبلوا منه ولم يصدقوه ، ولكنهم قالوا : هذا قد صحب رسول الله صلى الله عليه وآله ورآه وسمع منه ، وأخذوا عنه ، وهم لا يعرفون حاله ، وقد أخبر الله عن المنافقين بما أخبره ،  ووصفهم بما وصفهم ، فقال عز وجل :

{ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ (4) } المنافقون .

ثم بقوا بعده : فتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور والكذب والبهتان ، فولوهم الإعمال ، وحملوهم على رقاب الناس ، وأكلوا بهم الدنيا ، وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصم الله ، فهذا أحد الأربعة . 

ورجل سمع من رسول الله شيئا : لم يحمله على وجهه ، ووهم فيه ، ولم يتعمد كذبا ، فهو في يده ، يقول به ويعمل به ويرويه ، فيقول : أنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله ، فلو علم المسلمون أنه وهم لم يقبلوه ، ولو علم هو أنه وهم لرفضه . 

ورجل ثالث : سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله شيئا أمر به ، ثم نهى عنه ، وهو لا يعلم ، أو سمعه ينهى عن شيء ، ثم أمر به ، وهو لا يعلم ، فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ ، ولو علم أنه منسوخ لرفضه ، ولم علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه . 

وآخر رابع : لم يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله ، مبغض للكذب ، خوفا من الله ، وتعظيما لرسول الله صلى الله عليه وآله ، لم ينسه ، بل حفظ ما سمع على وجهه ، فجاء به كما سمع ، لم يزد فيه ولم ينقص منه ، وعلم الناسخ من المنسوخ ، فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ .

 فإن أمر النبي صلى الله عليه وآله : مثل القرآن ، ناسخ ومنسوخ ، وخاص وعام ، ومحكم ومتشابه ، قد كان يكون من رسول الله صلى الله عليه وآله الكلام له وجهان : كلام عام وكلام خاص مثل القرآن ، وقال الله عز جل في كتابه : { مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا (7) } الحشر ، فيشتبه على من لم يعرف ولم يدر ما عنى الله به ورسوله صلى الله عليه وآله .

 وليس كل أصحاب : رسول الله صلى الله عليه وآله ، كان يسأله عن الشيء فيفهم ، وكان منهم من لا يسأله ولا يستفهمه ، حتى أن كانوا ليحبون أن يجيء الإعرابي والطاري فيسأل رسول الله صلى الله عليه وآله حتى يسمعوا . 

وقد كنت أدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله : كل يوم دخلة ، وكل ليلة دخلة ، فيخليني فيها ، أدور معه حيث دار .

 وقد علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله : أنه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيري ، فربما كان في بيتي يأتيني رسول الله صلى الله عليه وآله ، أكثر ذلك في بيتي ، وكنت إذا دخلت عليه بعض منازله ، أخلاني وأقام عني نسائه ، فلا يبقى عنده غيري ، وإذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم تقم عني فاطمة ولا أحد من بني .

 وكنت إذا سألته : أجابني ، وإذا سكت عنه وفنيت مسائلي ابتدأني .

فما نزلت : على رسول الله صلى الله عليه وآله آية من القرآن ، إلا أ قرأنيها وأملاها عليّ ، فكتبتها بخطي ، وعلمني : تأويلها وتفسيرها ، وناسخها ومنسوخها ، ومحكمها ومتشابهها ، وخاصها وعامها .

ودعا الله : أن يعطيني فهمها ، وحفظها ، فما نسيت آية من كتاب الله ، ولا علما أملاه علي وكتبته ، منذ دعا الله لي بما دعا ، وما ترك شيئا علمه الله من حلال ولا حرام ، ولا أمر ولا نهي كان أو يكون ، ولا كتاب منزل على أحد قبله من طاعة أو معصية إلا علمنيه وحفظته ، فلم أنس حرفا واحدا .

 ثم وضع يده على صدري: ودعا الله لي أن يملا قلبي علما وفهما وحكما ونورا.

فقلت : يا نبي الله بأبي أنت وأمي منذ دعوت الله لي بما دعوت لم أنس شيئا ، ولم يفتني شيء لم أكتبه ، أ فتتخوف علي النسيان فيما بعد ؟

فقال : يا أخي لست أتخوف عليك النسيان و لا الجهل ، و قد أخبرني الله أنه قد استجاب لي فيك ، و في شركائك الذين يكونون من بعدك .

قلت : يا نبي الله و من شركائي ؟

قال : الذين قرنهم الله بنفسه و بي ، الذين قال في حقهم : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ (59) } النساء  .

فإن خفتم التنازع في شي‏ء فأرجعوه إلى الله وإلى الرسول وإلى أولي الأمر منكم .

قلت : يا نبي الله و من هم ؟

قال : الأوصياء ، إلى أن يردوا عليّ حوضي كلهم هاد مهتد ، لا يضرهم كيد من كادهم ، و لا خذلان من خذلهم ، هم مع القرآن ، و القرآن معهم ، لا يفارقونه و لا يفارقهم ، بهم ينصر الله أمتي ، و بهم يمطرون ، و يدفع عنهم بمستجاب دعوتهم .

فقلت : يا رسول الله سمهم لي ؟

 فقال : ابني هذا و وضع يده على رأس الحسن ،  ثم ابني هذا و وضع يده على رأس الحسين ، ثم ابن ابني هذا و وضع يده على رأس الحسين ، ثم ابن له على اسمي اسمه محمد ، باقر علمي و خازن وحي الله ، و سيولد عليّ في حياتك .

يا أخي : فأقرئه مني السلام ، ثم تكملة ألاثني عشر إماما من ولدك .

يا أخي : فقلت يا نبي الله سمهم لي ، فسماهم لي رجلا رجلا منهم .

 و الله يا أخا بني هلال : مهدي هذه الأمة الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا ، كما ملئت ظلما و جورا ، و الله إني لأعرف جميع من يبايعه بين الركن و المقام ، و أعرف أسماء الجميع و قبائلهم[30] .

 

وعَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام فَقُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنِّي أَسْأَلُكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ هَاهُنَا أَحَدٌ يَسْمَعُ كَلَامِي ؟

 قَالَ فَرَفَعَ أَبُو عَبْدِ الله عليه السلام : سِتْراً بَيْنَهُ وَ بَيْنَ بَيْتٍ آخَرَ ، فَاطَّلَعَ فِيهِ ، ثُمَّ قَالَ : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ .

قَالَ : قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنَّ شِيعَتَكَ يَتَحَدَّثُونَ ، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم عَلَّمَ عَلِيّاً عليه السلام ، بَاباً يُفْتَحُ لَهُ مِنْهُ أَلْفُ بَابٍ .

 قَالَ فَقَالَ : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، عَلَّمَ رَسُولُ الله عَلِيّاً أَلْفَ بَابٍ .
 يُفْتَحُ مِنْ كُلِّ بَابٍ أَلْفُ بَابٍ .
    قَالَ قُلْتُ : هَذَا وَ الله الْعِلْمُ .

 قَالَ : فَنَكَتَ سَاعَةً فِي الْأَرْضِ ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّهُ لَعِلْمٌ وَ مَا هُوَ بِذَاكَ . قَالَ : ثُمَّ قَالَ : يا أَبَا مُحَمَّدٍ ، وَ إِنَّ عِنْدَنَا الْجَامِعَةَ وَ مَا يُدْرِيهِمْ مَا الْجَامِعَةُ .

قَالَ قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ وَ مَا الْجَامِعَةُ ؟ قَالَ : صَحِيفَةٌ طُولُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً بِذِرَاعِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم وَ إِمْلَائِهِ ، مِنْ فَلْقِ فِيهِ وَ خَطِّ عَلِيٍّ بِيَمِينِهِ ، فِيهَا كُلُّ حَلَالٍ وَ حَرَامٍ ، وَ كُلُّ شَيْ‏ءٍ يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَيْهِ ، حَتَّى الْأَرْشُ فِي الْخَدْشِ وَ ضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَيَّ ، فَقَالَ : تَأْذَنُ لِي يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ؟ قَالَ قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّمَا أَنَا لَكَ ، فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ . قَالَ : فَغَمَزَنِي بِيَدِهِ ، وَ قَالَ : حَتَّى أَرْشُ هَذَا كَأَنَّهُ مُغْضَبٌ .

 قَالَ قُلْتُ : هَذَا وَ الله الْعِلْمُ .

قَالَ : إِنَّهُ لَعِلْمٌ ، وَ لَيْسَ بِذَاكَ ، ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً . ثُمَّ قَالَ : وَ إِنَّ عِنْدَنَا الْجَفْرَ وَ مَا يُدْرِيهِمْ مَا الْجَفْرُ ؟ قَالَ قُلْتُ : وَ مَا الْجَفْرُ ؟ قَالَ : وِعَاءٌ مِنْ أَدَمٍ فِيهِ عِلْمُ النَّبِيِّينَ وَ الْوَصِيِّينَ ، وَ عِلْمُ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ مَضَوْا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ .

قَالَ قُلْتُ : إِنَّ هَذَا هُوَ الْعِلْمُ .

قَالَ : إِنَّهُ لَعِلْمٌ ، وَ لَيْسَ بِذَاكَ ، ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً ، ثُمَّ قَالَ : وَ إِنَّ عِنْدَنَا لَمُصْحَفَ فَاطِمَةَ عليه السلام ،  وَ مَا يُدْرِيهِمْ مَا مُصْحَفُ فَاطِمَةَ . قَالَ قُلْتُ : وَ مَا مُصْحَفُ فَاطِمَةَ عليه السلام ؟ قَالَ : مُصْحَفٌ فِيهِ مِثْلُ قُرْآنِكُمْ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، وَ الله مَا فِيهِ مِنْ قُرْآنِكُمْ حَرْفٌ وَاحِدٌ .

قَالَ قُلْتُ : هَذَا وَ الله الْعِلْمُ .

قَالَ : إِنَّهُ لَعِلْمٌ وَ مَا هُوَ بِذَاكَ ، ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً  ثُمَّ قَالَ : إِنَّ عِنْدَنَا عِلْمَ مَا كَانَ وَ عِلْمَ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ .

 قَالَ قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ هَذَا وَ الله هُوَ الْعِلْمُ .

قَالَ : إِنَّهُ لَعِلْمٌ وَ لَيْسَ بِذَاكَ . قَالَ قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ فَأَيُّ شَيْ‏ءٍ الْعِلْمُ ؟

 قَالَ : مَا يَحْدُثُ بِاللَّيْلِ وَ النَّهَارِ الْأَمْرُ مِنْ بَعْدِ الْأَمْرِ ، وَ الشَّيْ‏ءُ بَعْدَ الشَّيْ‏ءِ ، إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [31].

يا طيب : هذا لطف الله الظاهر بعلمه بأعظم لطف في التكوين ، وهو يخص أكرم عباد الله في كل الوجود ، ولا يشك أحد أن نبينا وآله هم أكرم خلق الله من أول البشرية حتى أحرها ويوم القيامة ، وأن لهم أعلى معارف الله والظهور بها بلطفه ، وهذا ليس على الله بعزيز ولا يمنع من الظهور به مانع ، بل هذا أعلى تجلي للعلم في التكوين لأكرم عباده على طول الزمان ، ومن لم يصدق ويصدق بعلم غيرهم حتى لو كان نبينا من الأنبياء السابقين فليمت على دينه المحرف ، وإلا دين الله واحد وهو الإسلام ولن يقبل من أحد غيره وهو ما خص به نبينا وآله وورثه لهم ، وظهر فيهم بكل تصرف لهم وتعليم وسيرة وسلوك ، وتدبر اسم الله الشهيد والعليم والخبير والوارث وغيرها التي تكلمنا فيها عن علمهم بنص كتاب الله العليم اللطيف الخبير .

ويا يطيب : قد ذكرنا في الاسم العظيم وفي بحوث صحيفة الإمام الحسين أهمية العلم ، وإن أهل البيت هم معلمي أهل كل مراتب الوجود قبل تنزلهم لهذا العالم ، وذلك بفضل الله العظيم اللطيف الشافي عليهم .

 

والآن نحن نقترب من نهاية شرح الأسماء الحسنى التي من أحصاها دخل الجنة .

فلنتعرف على نتائج علمهم ومن تعلم مهم فطبقه : فإنهم لعلمهم وتعليمهم والظاهر بكل سيرة وتصرف لهم كانت هلم الكرامة من الله سبحانه وتعالى ، وقبل الدخول في بحوث يوم القيامة نتدبر أحاديث كريمة تعرفنا بعض شأنهم الكريم هناك وكيف خصهم الله اللطيف الخبير بالكرامة فيها ، ولما ظهر لهم من العبودية الخالصة له ، فتدبر الحديث التالي :

روي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مسجده ، إذ جاء أعرابي فسأله عن مسائل في الحج و غيره ، فلما أجابه ، قال :

يا رسول الله : إن حجيج قومي ، ممن شهد ذلك معك ، أخبرنا أنك قمت بعلي بن أبي طالب بعد قفولك من الحج ، و وقفته بالشجرات من خــم ، فافترضت على المسلمين طاعته و محبته ، و أوجبت عليهم جميعا ولايته ، و قد أكثروا علينا في ذلك ، فبين لنا يا رسول الله ، أ ذلك فريضة علينا من الأرض لما أدنته الرحم و الصهر منك ، أم من الله افترضه علينا و أوجبه من السماء ؟

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : بل الله افترضه و أوجبه من السماء ، و افترض ولايته على أهل السماوات و أهل الأرض جميعا .

يا أعرابي : إن جبرائيل هبط علي يوم الأحزاب ، و قال : إن ربك يقرئك السلام ، و يقول لك : إني قد افترضت حب علي بن أبي طالب و مودته على أهل السماوات و أهل الأرض ، فلم أعذر في محبته أحدا ، فمر أمتك بحبه ، فمن أحبه فبحبي و حبك أحبه ، و من أبغضه فببغضي و بغضك أبغضه .

أما إنه : ما أنزل الله عز و جل كتابا ، و لا خلق خلقا ، إلا و جعل له سيد ، فالقرآن سيد الكتب المنزلة ، و شهر رمضان سيد الشهور ، و ليلة القدر سيدة الليالي ، و الفردوس سيد الجنان ، و بيت الله الحرام سيد البقاع ، و جبرائيل سيد الملائكة ، و أنا سيد الأنبياء ، و علي سيد الأوصياء ، و الحسن و الحسين سيدي شباب أهل الجنة ، ولكل امرئ من عمله سيد ، و حبي و حب علي بن أبي طالب سيد الأعمال ، و ما يتقرب به المتقربون : من طاعة ربهم .

يا أعرابي : إذا كان يوم القيامة ، نصب لإبراهيم منبر عن يمين العرش ، و ينصب لي منبر عن شمال العرش ، ثم يدعى كرسي عال يزهر نورا ، فينصب بين المنبرين ، فيكون إبراهيم على منبره ، و أنا على منبري ، و يكون أخي علي على ذلك الكرسي  ، فما رأيت أحسن منه حبيبا بين خليلين .

يا أعرابي : ما هبط علي جبرائيل إلا و سألني عن علي .

 و لا عرج إلا و قال : اقرأ على علي مني السلام [32].

وعن سعد بن مالك : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :

يا علي : أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي ، تقضي ديني ، و تنجز عداتي ، و تقاتل بعدي على التأويل ، كما قاتلت على التنزيل .

يا علي : حبك إيمان ، و بغضك نفاق .

 و لقد نبأني اللطيف الـخـبـيـر :

أنه يخرج من صلب الحسين ، تسعة من الأئمة ، معصومون مطهرون ، و منهم مهدي هذه الأمة ، الذي يقوم بالدين في آخر الزمان ، كما قمت في أوله [33].

وعن هشام بن محمد عن أبيه قال : لما قتل أمير المؤمنين عليه السلام رقي الحسن بن علي عليه السلام : فأراد الكلام فخنقته العبرة ، فقعد ساعة ثم قام ، فقال :

الحمد لله : الذي كان في أوليته وحدانيا ، و في أزليته متعظما ، باللاهية متكبرا ، بكبريائه و جبروته خلق ، جميع ما خلق على غير مثال كان سبق مما خلق .

ربـنـا اللطيف : بلـطـف ربوبيته ، و بعلم خبره فتق ، و بأحكام قدرته خلق جميع ما خلق ، و لا زوال لملكه و لا انقطاع لمدته ، فوق كل شي‏ء علا ، و من كل شي‏ء دنا ، فتجلى لخلقه من غير أن يكون يرى ، و هو بالمنظر الأعلى ، احتجب بنوره و سما في علوه ، و استتر عن خلقه .

و بعث إليهم شهيدا عليهم : و أبعث فيهم النبيين مبشرين و منذرين ، ليهلك من هلك عن بينة ، و يحيى من حي عن بينة ، و ليعقل العباد عن ربهم ما جهلوه ، فيعرفوه بربوبيته بعد ما أنكروه .

 و الحمد لله : الذي أحسن الخلافة علينا أهل البيت ، و عند الله نحتسب عزاءنا في خير الآباء ، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، و عند الله نحتسب عزاءنا في أمير المؤمنين ، و قد أصبت به الشرق و الغرب ، و الله ما خلف درهما و لا دينارا ، إلا الأربعمائة درهم أراد أن يبتاع لأهله خادما .

و لقد حدثني : جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أن الأمر يملكه اثنا عشر إماما من أهل بيته و صفوته ، ما منا إلا مقتول أو مسموم ، ثم نزل عن منبره ، و دعا بابن ملجم لعنه الله ، فأتي به ، فقال : يا ابن رسول الله ، استبقني ركن لك ، و أكفيك أمر عدوك بالشام ، فعلاه الحسن عليه السلام بسيفه ، فاستقبل السيف بيده ، فقطع خنصره ، ثم ضربه ضربة على يافوخه فقتله لعنه الله [34].

يا طيب : إنا لله وإنا إليه راجعون ، فبعد إن عرفنا لطف الله في أسمائه الحسنى وظهوره في التكوين ، وبالخصوص بهداه حتى كانت الإمام لطف من الله اللطيف في تدبير خلقه ، حتى كانت أهم أحاديث الإمامة تعلل باسم الله اللطيف الخبير ، وتعلمنا أن الله لخبرته بخلقه قبل الخلق وبعده أختار أحسنهم طاعة له فأختاره إماما لهم ، ولما عرفنا لطف ظهور أئمة الحق في علومهم في تعليم لطف الله اللطيف ، وما ألطف المؤمن بهم ليتعلموا دينهم منهم ، وأن تبع قتلة أعداء أئمة الحق وقتلتهم وكان مخالف لهم ليس يتبع لطف الله فلا لطف الله في الآخرة ، وإن لطف الله في الدنيا والآخرة هو لمن تبع لطف الله في الدنيا ، وما علم من هداه فتبعه وتحقق به بلطف فكان له لطف الله في الآخرة ، فلنتابع لطف الله في الآخرة كما عرفت أن ظهور أسماء الحسنى بكل لطف شافي عظيم للمؤمنين ، وقد بحثنا أحوال الإنسان حال الموت وفي البرزخ ، وحان الآن أن تعرف على لطف الله الخفي والظاهر لنا في يوم القيامة وأسأل الله أن يحققنا به كله إنه هو العظيم اللطيف الشافي سبحانه وتعالى .


[17] الألفين ص15 .

[18]الألفين ص : 35

[19] الألفين  ص301د99 .

[20]الألفين ص401 .

[21]الصراط المستقيم ج 1 ص120الفصل الثالث .

[22]للغَيبة للطوسي ص : 8

[23]الخصال ج1ص65 السؤال عن الثقلين يوم القيامة ح 98 .

[24]كتاب ‏سليم‏ بن ‏قيس رحمه الله ص 613ح8 . الكافي ج2ص414 ح1 .

[25]معاني‏ الأخبار ص90باب معنى الثقلين و العترة ح2 . العمدة  ص71ف 11ح88 .

[26]التحصين ‏لابن ‏طاووس ص567ب22 .

[27]الخصال ص641ج2 ح18 .

[28] الكافي ص222ج1ح4 .

[29]الكافي ص224ج1 باب أن الأئمة ورثوا علم النبي و جميع الأنبياء ح2.

[30]أصول الكافي ج1ص63ح1 . ‏ كتاب ‏سليم‏ بن‏ قيس ص 621.

[31] الكافي ص238ج1ح1.

[32]تأويل ‏الآيات‏ الظاهرة ص829 سورة الإخلاص .

[33]كفاية الأثر ص134 .

[34]كفاية الأثر ص160 .

 

   

أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.msn313.com

يا طيب إلى أعلى مقام صفح عنا رب الإسلام بحق نبينا وآله عليهم السلام


يا طيب إلى فهرس صحيفة شرح الأسماء الحسنى رزقنا الله نورها