هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في  أصول الدين وسيرة المعصومين
صحيفة التوحيد الإلهي / الثانية / للكاملين / شرح الأسماء الحسنى الإلهية : الجزء الثالث

الشَّافِي
النور التاسع والتسعون

 

الإشراق السادس

ظهور نور الله الشافي في الجنة وأبعدنا عن ظلمات النار :

سُبْحَانَ الشافي الْمُعَافِي‏ : اللهمَّ أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ ، وَ اجْعَلْ ثَوَابَ مَنْطِقِي وَ ثَوَابَ مَجْلِسِي  رِضَاكَ عَنِّي ، وَ اجْعَلْ عَمَلِي وَ دُعَائِي  خَالِصاً لَكَ ، وَ اجْعَلْ ثَوَابِيَ الجنة بِرَحْمَتِكَ ، اللهمَّ اكْفِنِي مَئُونَةَ الدُّنْيَا وَ كُلَّ هَوْلٍ دُونَ الجنة ، وَ أَلْبِسْنِي العافية حَتَّى تَهْنِئَنِي الْمَعِيشَةُ بِرَحْمَتِكَ .

يا طيب بنور الله الشافي : في الدنيا والآخرة ، جعلنا الله مع من نتولى من أئمة الحق صلى الله عليهم وسلم ، وأبعدنا الله عن أئمة الضلال وكل مبعد عن طاعته وغفلة عن ذكره ، وعن كل سهو يبعد عن التوجه له بما يحب ويرضى ، وها نحن نتمم بحمد الله وفضله العظيم اللطيف الشافي ، شرح أسماء الله الحسنى التي من أحصاها دخل الجنة ، ونحن في بحث إشراقها الأخير كتابتا ، واسأل الله العظيم اللطيف الشافي أن يحقق نورها فينا أبد علما وعمل وبكل عظمة ولطف شافي ظهرت به في الوجود .

فحان الآن يا مؤمن : أن نظهر أشعة نور الله الشافي في الجنة ، فحقا كان حديثا مطهرا عظيما لطيفا شافيا في معارف تجلي أسماء الله الحسنى ، سواء في ترتيبه الشافي في بيان مراتب تجلي الأسماء الحسنى ، أو في معناها المتسلسل في الظهور حتى يدخلنا الجنة بكل عظمة ولطف شافي ظهر في التكوين من نور أسماء الله الحسنى ، وبأعلى وأعظم وألطف ظهورا شافيا في مواهب الكمال ، ودافعا ورافعا لكل نقص وحاجة .

وبعد أن عرفنا : عظمة ظهور ملك الله في الموت في اسم الله العظيم ، ولطفه بنا إن شاء الله في يوم القيامة في اسمه اللطيف ، نذكر هنا مختصرا كريما شافيا من أوصاف الجنة التي أسأل الله أن يجعلنا وإياكم فيها أبدا وبكل عظمة تجلى بها لطفه الشافي .

فهذه يا طيب : أشعة نور تعرفنا نور الله الشافي الظاهر بكل عظمة لطيفة للمؤمنين ، وبها نعرف ما أشفانا الله الشافي من لطيف ملكه العظيم وما خلصنا منه .

 

الإشعاع الأول :

ظهور نور الله العظيم اللطيف الشافي بوصفه لحقائق الجنة :

قال الله الشافي سبحانه وتعالى قي كتابه القرآن الشافي :

{ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ
ادْخُلُواْ الجنة بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
(32) } النحل .
{ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الجنة زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا
وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)
وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ
 نَتَبَوَّأُ مِنَ الجنة حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ
(74) } الزمر .
{ وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25) } البقرة .

{ وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَالله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ الله فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ الله وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) } آل عمران .

{ تِلْكَ حُدُودُ الله وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ العظيم (13)} النساء .

{ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيل (57) } النساء .

{ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الجنة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا الله لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الجنة أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (43)

وَنَادَى أَصْحَابُ الجنة أَصْحَابَ النار أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ الله عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ (45) وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الجنة أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاء أَصْحَابِ النار قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47)

 وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ الله بِرَحْمَةٍ ادْخُلُواْ الجنة لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ (49) وَنَادَى أَصْحَابُ النار أَصْحَابَالجنة أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله قَالُواْ إِنَّ الله حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50) } الأعراف .

{ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ الله وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ (التوبة21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ الله عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22) ...

وَعَدَ الله الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ الله أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ العظيم (72) التوبة

{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللهمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10) } يونس .

{ وَالله يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (25)
 لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ
أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الجنة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26) } يونس .

{ وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ
تَجْرِي
مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ
(23)} إبراهيم .

{ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ (47) لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَ نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48) نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) } الحجر .

{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31) } الكهف .

{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108) } الكهف .

{ إِنَّ الله يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23)  وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24) } الحج .

{ إِنَّ أَصْحَابَ الجنة الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ (57)
 سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ (58) } يس .

{ وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (39) إِلَّا عِبَادَ الله الْمُخْلَصِينَ (40) أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ (41) فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ (42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43)
عَلَى
سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ (44) يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِن مَّعِينٍ (45) بَيْضَاء لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ (46) لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ (47)
 
وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ (49) } الصافات
.

{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا الله ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالجنة الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ (32)} فصلت .

{ الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الجنة أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الجنة الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (الزخرف72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73) } الزخرف .

{ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (الدخان52)
يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ
عَذَابَ الْجَحِيمِ (56) فَضْلًا مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ العظيم (57)} الدخان .

{ مَثَلُ الجنة الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَ أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ
وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ
وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ
كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النار وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ (15)} محمد .

{ وَأُزْلِفَتِ الجنة لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ
 ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34)
لَهُم مَّا يَشَــاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْـنـَا مَـزِيـدٌ (35)
} ق .

يا طيب : إن أوصاف الجنة كثرة في كتاب الله الشافي ، وكان هذا قسما منها ، رزقنا الله منها ورفع درجتنا في أعلى عليين مع نبينا وآله الطيبين الطاهرين .

 

 

الإشعاع الثاني :

ظهور نور الله الشافي للمؤمنين من النار دون الكافرين أصحابها :

{ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النار وَأُدْخِلَ الجنة فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)} آل عمران .

{ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّ عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامً (65) إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66)} لفرقان .

يا طيب : شفانا الله وإياكم من النار وغضب الجبار ، إن ختامة كلامنا هو في بيان أنه من تحلى بنور أسماء الله الحسنى يدخل الجنة ، ويشفى غليله بما يحب من الكمال والنور والجمال والبهاء والمجد في الجنة ، وليس كلامنا عن النار ، ولكن نذكر هنا بعض الآيات التي تعرفنا النار وعذاب الكفار وأشباههم من المنافقين والمشركين ، لنعرف ما خلّصنا الله منه بعدما عرفنا صراطه المستقيم عند المنعم عليهم فأتبعناه ، وكنا محلا صالحا لتجلي نور الله التام العظيم بلطفه الشافي كما عرفت .

 فنذكر : بعضا يسيرا من مصائب أهل النار وبلائهم ، لنعرف ما يدفع الله الشافي عن المؤمنين من النقص والحاجة ، وما لهم من الكمال في الجنة ، فبعد أن عرفنا بعض أوصاف أهل الجنة والكمال والبهاء لهم ، فلنذكر ما خلصهم الله العظيم بلطفه الشافي منه مما يبتلي به أعدائهم في النار ، والعياذ بالله منها ، فتدبر واسأل الله الخلاص منها :

{ وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ (14) } النساء .

{ وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا أُوْلََئِكَ أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى الله كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُواْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ الله قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ  (37)

 قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النار كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النار قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِن لاَّ تَعْلَمُونَ (38) وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ (39) إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الجنة حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41) } الأعراف .

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ (35)}التوبة .

{ وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ الله مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27) } يونس .

{ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا (29) } الكهف .

{ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22)} الحج.

{ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) } الزمر .

{ فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27) ذَلِكَ جَزَاء أَعْدَاء الله النار لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاء بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (28) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (29) } .

{ إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76) وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ (77) } الزخرف .

{ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِالله العظيم (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِؤُونَ (37) } الحاقة .

{ إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلْطَّاغِينَ مَآبًا (22) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25) جَزَاء وِفَاقًا (النبأ26) إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابً (29) فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30) } النبأ .

{  أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ الله إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26) قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ (29) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ
هَــلِ امْتَـلَأْتِ
وَتَـقُـــولُ هَــلْ مِـن مَّــزِيـــدٍ (30) } ق .

 

الإشعاع الثالث :

ظهور نور الله الشافي في الجنة للمؤمنين بنص أحاديث أئمة الدين  :

قال الإمام علي عليه السلام :

ذكــر الآخـــرة دواء و شــفـاء  . كل بـلاء دون النار عـافيـة [87].

و كان النبي صلى عليه وآله يدعو و يقول : أسألك تمـام العافية .

 ثم قال تمام العافية : الفــوز بالجنة ، و النجاـة من النار [88].

يا طيب : أسأل الله العظيم اللطيف الشافي لكم ولي العافية في الدنيا والآخرة ، والفوز بالجنة وبكل ما أعده لأوليائه في أعلى مراتبها بحق أسماءه الحسنى ومن حققهم بها بأعلى نور صلى الله عليهم وسلم حتى ليجعلنا معهم ونحف بهم  ، وأعوذ بالله من النار وكل عذاب وشر أعده لأعدائه في الدنيا والآخرة .

 وبعد أن عرفنا : أوصاف الجنة والنار بنص كتاب الله الشافي في البيان ، نتذاكر نص أحاديث يسيرة تصف الجنة وتعرفنا بعض أحوالها ، وهي شافية إن شاء الله في بيان أهم مواصفاتها ، وإن الكتاب ليس بحث في مواصفات المعاد ولا الجنة والنار بالخصوص وكل ما ذكر من نعيم الجنة للمؤمنين وعذاب النار للطاغين ، ولكن نذكر نتيجة بحثنا في الأسماء الحسنى التي من أحصاها دخل الجنة بلطف الله العظيم الشافي.

والجنة : هي العافية والشفاء التام من كل منغص وحاجة ونقص، بل هي الكمال الشافي والجمال العالي والمقام السامي والروح والريحان وهي جنة نعيم وفردوس وعدن لمن يوفقه الله لها ، وإن تمام البحث في المعاد إن شاء الله في صحيفة المعاد ، وبعد ما عرفنا أهم أوصاف الجنة من الكتاب الله العظيم الشافي بلطفه الذي يخلصنا إن شاء الله من النار نذكر بعض الأحاديث في وصف الجنة من أهلها ونترك النار لأهلها .

تذكرة : بنور الله الشافي للمؤمنين عند الموت واعتقادنا بالجنة  :

عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قَالَ قُلْتُ لَهُ :

 إِنَّ أَخِي بِبَغْدَادَ وَ أَخَافُ أَنْ يَمُوتَ فِيهَا ؟

قَالَ : مَا تُبَالِي حَيْثُ مَا مَاتَ ، أَمَا إِنَّهُ لَا يَبْقَى أَحَدٌ فِي شَرْقِ الْأَرْضِ وَ لَا فِي غَرْبِهَا ، إِلَّا حَشَرَ الله رُوحَهُ إِلَى وَادِي السَّلَامِ .

قَالَ قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ وَ أَيْنَ وَادِي السَّلَامِ ؟

قَالَ : ظَهْرُ الْكُوفَةِ ، أَمَا إِنِّي كَأَنِّي بِهِمْ حَلَقٌ حَلَقٌ قُعُودٌ يَتَحَدَّثُونَ[89] .
عن سدير الصيرفي قال كنت عند أبي عبد الله عليه السلام : فذكروا عنده المؤمن ، فالتفت إلي فقال : يا أبا الفضل أ لا أحدثك بحال المؤمن عند الله ؟

قلت : بلى فحدثني .

قال : إذا قبض الله روح المؤمن صعد ملكاه إلى السماء ، فقال : ربنا عبدك فلان و نعم العبد ، كان لك سريعا في طاعتك ، بطيئا في معصيتك ، و قد قبضته إليك فما ذا تأمرنا من بعده . قال فيقول الله لهما : اهبطا إلى الدنيا ، و كونا عند قبر عبدي ، فاحمداني ، وسبحاني ، وهللاني ، وكبراني ، واكتبا ذلك لعبدي حتى أبعثه من قبره.

ثم قال : أ لا أزيدك ؟ فقلت : بلى فزدني .

فقال : إذا بعث الله المؤمن من قبره خرج معه مثال يقدمه أمامه ، فكلما رأى المؤمن هولا من أهوال القيامة ، قال له المثال : لا تحزن و لا تفزع ، و أبشر بالسرور و الكرامة من الله عز و جل ، فما زال يبشره بالسرور و الكرامة من الله عز و جل.

 حتى يقف بين يدي الله جل جلاله : فيحاسبه حسابا يسيرا ، و يأمر به إلى الجنة ، والمثال أمامه ، فيقول له المؤمن : رحمك الله ، نعم الخارج خرجت معي من قبري ، ما زلت تبشرني بالسرور و الكرامة من الله عز و جل ، حتى رأيت ذلك ، فمن أنت ؟ فيقول له المثال : أنا السرور الذي كنت تدخله على أخيك المؤمن في الدنيا
خلقني
الله منه لأسـرك
[90].

وعن عطاء بن يسار عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال : يوقف العبد بين يدي الله تعالى،فيقول : قيسوا بين نعمي و بين عمله ، فتغرق النعم العمل .

فيقول : هبوا له النعم و قيسوا بين الخير و الشر منه ، فإن أستوى العملان أذهب الله الشر بالخير و أدخل الجنة ، و إن كان له فضل أعطاه الله بفضله ، و إن كان عليه فضل و هو من أهل التقوى لم يشرك بالله تعالى و اتقي الشرك به ، فهو من أهل المغفرة يغفر الله له برحمته و يتفضل عليه بعفوه [91].

وعن كتاب العقائد : اعتقادنا في الجنة : أنها دار البقاء ، و دار السلامة ، لا موت فيها ، ولا هرم ولا سقم ، ولا مرض ولا آفة ولا زمانة ، ولا غم ولا هم ، ولا حاجة و لا فقر ، و إنها دار الغناء و السعادة ، و دار المقامة و الكرامة ، لا يمس أهلها فيها نصب ، و لا لغوب لهم ، فيها ما تشتهي الأنفس و تلذ الأعين ، و هم فيها خالدون .

و إنها دار : أهلها جيران الله و أولياؤه ، و أحباؤه و أهل كرامته ، و هم أنواع على مراتب ، منهم : المتنعمون بتقديس الله و تسبيحه و تكبيره في جملة ملائكته . و منهم المتنعمون بأنواع المآكل و المشارب و الفواكه ، و الأرائك و حور العين ، و استخدام الولدان المخلدين ، و الجلوس على النمارق و الزرابي ، و لباس السندس و الحرير ، كل منهم إنما يتلذذ بما يشتهي و يريد ، حسب ما تعلقت عليه همته ، و يعطى ما عبد الله من أجله .

و اعتقادنا في الجنة و النار : أنهما مخلوقتان ، و إن النبي صلى الله عليه وآله : قد دخل الجنة و رأى النار حين عرج به [92].

 

ظهور نور الله الشافي في أوصاف الجنة وملكها للمؤمن بحديث جامع :

عن محمد بن إسحاق عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال : سأل علي عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قول الله عز وجل : ذ

{ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَانِ وَفْدًا } مريم85 .

 فقال : يا علي إن الوفد لا يكون إلا ركبانا أولئك رجال اتقوا الله فأحبهم الله واختصهم ورضي أعمالهم فسماهم المتقين ، ثم قال له : يا علي أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنهم ليخرجون من قبورهم ، وإن الملائكة لتستقبلهم بنوق من نوق العز عليها رحائل الذهب مكللة بالدر والياقوت ، وجلائلها الإستبرق والسندس ،  وخطمها جدل الأرجوان ، تطير بهم إلى المحشر مع كل رجل منهم ألف ملك ، من قدامه وعن يمينه وعن شماله .

فيزفونهم زفا حتى ينتهوا بهم إلى باب الجنة الأعظم : وعلى باب الجنة شجرة ، إن الورقة منها ليستظل تحتها ألف رجل من الناس .

 وعن يمين الشجرة عين مطهرة مزكية قال : فيسقون منها شربة فيطهر الله بها قلوبهم من الحسد ويسقط من أبشارهم الشعر ، وذلك قول الله عز وجل :
 ( وسقاهم ربهم شرابا طهورا ) الانسان21 ، من تلك العين المطهرة .

 قال : ثم ينصرفون إلى عين أخرى عن يسار الشجرة ، فيغتسلون فيها ، وهي عين الحياة ، فلا يموتون أبدا .

 قال : ثم يوقف بهم قدام العرش ، 
وقد سلموا : من الآفات ، والأسقام ، والحر ، والبرد أبدا .

 قال : فيقول الجبار جل ذكره للملائكة الذين معهم : احشروا أوليائي إلى الجنة ، ولا توقفوهم مع الخلائق ، فقد سبق رضاي عنهم ، ووجبت رحمتي لهم ، وكيف أريد أن أوقفهم مع أصحاب الحسنات والسيئات .

 قال : فتسوقهم الملائكة إلى الجنة ، فإذا انتهوا بهم إلى باب الجنة الأعظم ضرب الملائكة الحلقة ضربة ، فتصر صريرا يبلغ صوت صريرها كل حوراء أعدها الله عز وجل لأوليائه في الجنان ، فيتباشرون بهم إذا سمعوا صرير الحلقة .

فيقول بعضهن لبعض : قد جاءنا أولياء الله ، فيفتح لهم الباب فيدخلون الجنة ، وتشرف عليهم أزواجهم من الحور العين والآدميين ، فيقلن :  مرحبا بكم ، فما كان أشد شوقنا إليكم ، ويقول لهن أولياء الله : مثل ذلك .

 فقال علي عليه السلام : يا ر سول الله أخبرنا عن قول الله عز وجل :
{ لَكِنْ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَعْدَ الله لاَ يُخْلِفُ الله الْمِيعَاد }الزمر20  بماذا بنيت يا رسول الله ؟

 فقال صلى الله عليه وآله وسلم : يا علي ، تلك غرف بناها الله عز وجل لأوليائه بالدر والياقوت والزبرجد ، سقوفها الذهب ، محبوكة بالفضة ، لكل غرفة منها ألف باب من ذهب ، على كل باب منها ملك موكل به ، فيها فرش مرفوعة بعضها فوق بعض من الحرير و الديباج بألوان مختلفة ، وحشوها المسك والكافور والعنبر ، وذلك قول الله عز وجل : { وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ } الواقعة34 ، إذا ادخل المؤمن إلى منازله في الجنة ، و وضع على رأسه تاج الملك والكرامة ، ألبس حلل الذهب والفضة والياقوت والدر المنظوم في الإكليل تحت التاج .

 قال : وألبس سبعين حلة حرير بألوان مختلفة ، وضروب مختلفة منسوجة بالذهب والفضة واللؤلؤ والياقوت الأحمر ، فذلك قوله عز وجل : { يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ }الحج23.

فإذا جلس المؤمن على سريره اهتز سريره فرحا : فإذا استقر لولي الله عز وجل منازله في الجنان ، استأذن عليه الملك الموكل بجنانه ليهنئه بكرامة الله عز وجل إياه ، فيقول له خدام المؤمن من الوصفاء والوصائف : مكانك ، فإن ولي الله قد اتكأ على أريكته ، وزوجته الحوراء تهيأ له ، فاصبر لولي الله .

قال : فتخرج عليه زوجته الحوراء من خيمة لها تمشى مقبله ، وحولها وصائفها ، وعليها سبعون حلة منسوجة بالياقوت واللؤلؤ والزبرجد ، وهي من مسك وعنبر ، وعلى رأسها تاج الكرامة ، وعليها نعلان من ذهب مكللتان بالياقوت واللؤلؤ ، شراكها ياقوت أحمر ، فإذا دنت من ولي الله ، فهم أن يقوم إليها شوقا ، فتقول له : يا ولي الله ليس هذا يوم تعب ولا نصب ، فلا تقم ، أنا لك وأنت لي .

قال : فيعتنقان مقدار خمسمائة عام من أعوام الدنيا ، لا يملها ولا تمله .

قال ، فإذ فتر بعض الفتور من غير ملالة ، نظر إلى عنقها ، فإذا عليها قلائد من قصب من ياقوت أحمر ، وسطها لوح صفحته درة مكتوب فيها : أنت يا ولي الله حبيبي وأنا الحوراء حبيبتك ، إليك تناهت نفسي وإلي تناهت نفسك .

 ثم يبعث الله إليه : ألف ملك يهنئونه بالجنة ، ويزوجونه بالحوراء ، قال : فينتهون إلى أول باب من جنانه فيقولون للملك الموكل بأبواب جنانه : استأذن لنا على ولي الله ، فإن الله بعثنا إليه نهنئه ، فيقول لهم الملك : حتى أقول للحاجب ، فيعلمه بمكانكم .

قال : فيدخل الملك إلى الحاجب ، وبينه و بين الحاجب ثلاث جنان حتى ينتهي إلى أول باب ، فيقول للحاجب : إن على باب العرصة ألف ملك أرسلهم رب العالمين تبارك وتعالى ليهنئوا ولي الله ، وقد سألوني أن آذن لهم عليه ، فيقول الحاجب : إنه ليعظم علي أن أستأذن لأحد على ولي الله ، وهو مع زوجته الحوراء ، قال : وبين الحاجب وبين ولي الله جنتان ، قال : فيدخل الحاجب إلى القيم فيقول له :
 إن على باب العرصة ألف ملك أرسلهم رب العزة يهنئون ولي الله ، فاستأذن لهم ، فيتقدم القيم إلى الخدام فيقول لهم : إن رسل الجبار على باب العرصة وهم ألف ملك ، أرسلهم الله يهنئون ولي الله ، فأعلموه مكانهم .

قال : فيعلمونه ، فيؤذن للملائكة ، فيدخلون على ولي الله وهو في الغرفة ، ولها ألف باب ، وعلى كل باب من أبوابها ملك موكل به ، فإذا أذن للملائكة بالدخول على ولي الله ، فتح كل ملك بابه الموكل به .

 قال : فيدخل القيم كل ملك من باب من أبواب الغرفة . قال : فيبلغونه رسالة الجبار جل و عز وذلك قول الله تعالى : { وَالْمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ } الرعد24 .

قال : وذلك قوله عز وجل : { وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرً } الإنسان20 ، يعنى بذلك ولي الله ، وما هو فيه من الكرامة والنعيم والملك العظيم الكبير ، إن الملائكة من رسل الله عز ذكره يستأذنون في الدخول عليه ، فلا يدخلون عليه إلا بإذنه ، فلذلك الملك العظيم الكبير .

 قال : والأنهار تجري من تحت مساكنهم وذلك ، قول الله عز وجل : { تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ }البقرة25 ، والثمار دانية منهم وهو قوله عز وجل : { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيل } الإنسان 14، من قربها منهم يتناول المؤمن من النوع الذي يشتهيه من الثمار بفيه وهو متكئ .

وإن الأنواع من الفاكهة ليقلن لولي الله : يا ولي الله كلني قبل أن تأكل هذا قبلي ، قال : وليس من مؤمن في الجنة إلا وله جنان كثيرة معروشات وغير معروشات ، وأنهار من خمر ، وأنهار من ماء ، وأنهار من لبن ، وأنهار من عسل ، فإذا دعا ولي الله بغذائه أتي بما تشتهي نفسه عند طلبه الغذاء ، من غير أن يسمى شهوته .

قال : ثم يتخلى مع إخوانه ، ويزور بعضهم بعضا ، ويتنعمون في جناتهم في ظل ممدود في مثل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، وأطيب من ذلك .

لكل مؤمن : سبعون زوجة حوراء ، وأربع نسوة من الآدميين ، والمؤمن ساعة مع الحوراء ، وساعة مع الآدمية ، وساعة يخلو بنفسه على الأرائك
 متكئا ينظر بعضهم إلى بعض .

وإن المؤمن ليغشاه شعاع نور : و هو على أريكته ، ويقول لخدامه : ما هذا الشعاع اللامع لعل الجبار لحظني ،  فيقول له خدامه : قدوس قدوس جل جلال الله ، بل هذه حوراء من نسائك ممن لم تدخل بها بعد قد أشرفت عليك من خيمتها شوقا إليك ، وقد تعرضت لك ، وأحبت لقاءك ، فلما أن رأتك متكئا على سريرك تبسمت نحوك شوقا إليك ، فالشعاع الذي رأيت والنور الذي غشيك هو من بياض ثغرها وصفائه ونقائه ورقته .

 قال : فيقول ولي الله : ائذنوا لها فتنزل إلي فيبتدر إليها ألف وصيف وألف وصيفة يبشرونها بذلك ، فتنزل إليه من خيمتها وعليها سبعون حلة منسوجة بالذهب والفضة ، مكللة بالدر والياقوت والزبرجد ، صبغهن المسك والعنبر بألوان مختلفة ، يرى مخ ساقها من وراء سبعين حلة طولها سبعون ذراعا وعرض ما بين منكبيها عشرة أذرع ، فإذا دنت من ولي الله أقبل الخدام بصحائف الذهب والفضة ، فيها الدر والياقوت والزبرجد فينثرونها عليها ، ثم يعانقها وتعانقه فلا يمل ولا تمل . 

قال : ثم قال أبو جعفر عليه السلام : أما الجنات المذكورة في الكتاب فإنهن جنة عدن وجنة الفردوس وجنة نعيم ، وجنة المأوى ، قال : وإن لله عز وجل جنانا محفوفة بهذه الجنان وإن المؤمن ليكون له من الجنان ما أحب واشتهى ، يتنعم فيهن كيف يشاء وإذا أراد المؤمن شيئا أو اشتهى إنما دعواه فيها إذا أراد أن يقول : سبحانك اللهم ، فإذا قالها : تبادرت إليه الخدم بما اشتهى من غير أن يكون طلبه منهم أو أمر به .

وذلك قول الله عز وجل : { دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللهمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ } يونس10 ، يعني الخدام قال : { وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } يونس10 ، يعنى بذلك عندما يقضون من لذاتهم من الجماع والطعام والشراب ، يحمدون الله عز وجل عند فراغتهم .

وأما قوله : { أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ } الصافات41 ،  قال : يعلمه الخدام فيأتون به أولياء الله قبل أن يسألوهم إياه ، وأما قوله عز وجل : { فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ } الصافات42، قال : فإنهم لا يشتهون شيئا في الجنة إلا أكرموا به [93].

رزقنا الله الشافي : لطفه العظيم في الجنة وبأعلى مظهر نور فيها وأكرمه . آمين .

 

ظهور نور الله الشافي بكرامات خاصة للمؤمنين :

يا طيب : بالإضافة لما عرفت من ظهور نور الله الشافي بالكمال التام للمؤمنين في الجنة ، نذكر بعض الكرامات والأحوال الخاص التي يكرم بها أهل الجنة :

عن الإمام علي عليه السلام قال : إن للجنة ثمانية أبواب ، باب يدخل منه النبيون و الصديقون ، و باب يدخل منه الشهداء و الصالحون ، و خمسة أبواب يدخل منها شيعتنا و محبونا ، فلا أزال واقفا على الصراط ، أدعو و أقول : رب سلم شيعتي و محبي و أنصاري ، و من تولاني في دار الدنيا .

 فإذا النداء من بطنان العرش : قد أجيبت دعوتك و شفعت في شيعتك ، و يشفع كل رجل من شيعتي ، و من تولاني و نصرني ، و حارب من حاربني ، بفعل أو قول ، في سبعين ألف من جيرانه و أقربائه ، و باب يدخل منه سائر المسلمين ممن شهد أن لا إله إلا الله ، و لم يكن في قلبه مقدار ذرة من بغضن أهل البيت [94].

وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لما دخلت الجنة ، رأيت فيها شجرة تحمل الحلي و الحلل ، أسفلها خيل بلق ، و أوسطها الحور العين ، و في أعلاها الرضوان .

قلت : يا جبرائيل لمن هذه الشجرة ؟ قال : هذه لابن عمك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، فإذا أمر الله تعالى الخليقة بدخول الجنة ، يؤتى بشيعة علي حتى ينتهي بهم إلى هذه الشجرة ، فيلبسون من الحلي و الحلل ، و يركبون الخيل البلوق ، و ينادي مناد : هؤلاء شيعة علي صبروا في الدنيا على الأذى فحيوا اليوم بهذا [95].

 

وعن سماعة عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ما خلق الله خلقا إلا جعل له في الجنة منزلا وفي النار منزلا ، فإذا دخل أهل الجنة الجنة ، و أهل النار النار .

 نادى مناد : يا أهل الجنة أشرفوا ، فيشرفون على أهل النار ، و ترفع لهم منازلهم فيها ، ثم يقال لهم : هذه منازلكم التي لو عصيتم الله لدخلتموها ، يعني النار .

 قال : فلو أن أحدا مات فرحا ، لمات أهل الجنة في ذلك اليوم ، فرحا لما صرف عنهم من العذاب .

 ثم ينادي مناد : يا أهل النار ارفعوا رءوسكم ، فيرفعون رءوسهم ، فينظرون منازلهم في الجنة و ما فيها من النعيم ، فيقال لهم : هذه منازلكم التي لو أطعتم ربكم لدخلتموها . قال : فلو أن أحدا مات حزنا لمات أهل النار حزنا .

فيورث : هؤلاء منازل هؤلاء ، و يورث هؤلاء منازل هؤلاء ، وذلك قول الله : { أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ
هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)} المؤمنون[96].

 

وعن أبي جعفر محمد بن علي‏ عليهم السلام في قوله تعالى‏ :

{ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29)} الرعد .

فبلغني أن طوبى : شجرة في الجنة ثابتة في دار علي بن أبي طالب عليه السلام ، و هي له و لشيعته ، و على تلك الشجرة : أسفاط ، فيها حلل من سندس و إستبرق ، يكون للعبد منها ألف ألف سفط ، في كل سفط مائة ألف حلة ، ليس منها حلة إلا مخالفة للون الأخرى ، إلا أن ألوانها كلها خضر من سندس و إستبرق ، فهذا أعلى تلك الشجرة .

و وسطها : ظلهم  يظل عليهم ، يسير الراكب في ظل تلك الشجرة مائة عام قبل أن يقطعها .

و أسفله : ثمرها متدل على بيوتهم ، يكون منها القضيب مثل القصبة ، فيها مائة لون من الفواكه ، ما رأيت و لم تر ، و ما سمعت و لم تسمع ( بمثلها ) ، متدل على بيوتهم ، كلما قطعوا منها ، ثم ينبت مكانه ، يقول الله تعالى : { لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33)  } الواقعة .

و تدعى تلك الشجرة طوبى : و يخرج نهر من أصل تلك الشجرة ، فيسقي جنة عدن ، و هي قصر من لؤلؤة واحدة ، ليس فيها صدع و لا وصل ، لو اجتمع أهل الإسلام كلها على في‏ ذلك القصر لهم فيه سعة ، لها ألف ألف باب ، وفي كل باب مصراعين من زبرجد و ياقوت ، عرضها اثنا عشر ميلا ، لا يدخلها إلا نبي أو صديق أو شهيد، أو متحاب في الله، أو ضيف من المؤمنين ، تلك منازلهم و هي جنة عدن [97].

 

وعن أبي جعفر و أبي عبد الله عليهم السلام قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي : يا علي إنه لما أسري بي ، رأيت في الجنة نهرا : أبيض من اللبن ، و أحلى من العسل ، و أشد استقامة من السهم ، فيه أباريق عدد النجوم ، على شاطئه قباب الياقوت الأحمر و الدر الأبيض ، فضرب جبرائيل بجناحيه إلى جانبه ، فإذا هو مسكة ذفرة ، ثم قال : و الذي نفس محمد بيده ، إن في الجنة لشجرا يتصفق بالتسبيح بصوت لم يسمع الأولون و الآخرون بمثله .

يثمر ثمرا : كالرمان ، يلقى الثمرة إلى الرجل فيشقها عن سبعين حلة ، و المؤمنون على كراسي من نور ، و هم الغر المحجلون ، أنت إمامهم يوم القيامة ، على الرجل منهم نعلان ، شراكهما من نور ، يضي‏ء أمامهم حيث شاءوا من الجنة ،.

فبينا هم كذلك : إذ أشرفت عليه امرأة من فوقه ، تقول : سبحان الله ، يا عبد الله أ ما لنا منك دولة .

 فيقول : من أنت ؟ فتقول : أنا من اللواتي ، قال الله تعالى :

{ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) } السجدة , ثم قال : و الذي نفس محمد بيده ، إنه ليجيئه كل يوم سبعون ألف ملك يسمونه باسمه و اسم أبيه [98].

 

وعن ثوير عن علي بن الحسين عليه السلام قال : إذا صار أهل الجنة في الجنة ،
 و دخل ولي الله إلى جناته و مساكنه ، و اتكأ كل مؤمن منهم‏ على أريكته ،
حفته خدامه ، و تهدلت عليه الثمار ، و تفجرت حوله العيون ، و جرت من تحته الأنهار ، و بسطت له الزرابي ، و صففت له النمارق ، و أتته الخدام بما شاءت شهوته من قبل أن يسألهم ذلك .

و قال عليه السلام : و يخرج عليهم الحور العين من الجنان ، فيمكثون بذلك ما شاء الله .

ثم إن الجبار يشرف عليهم فيقول لهم : أوليائي و أهل طاعتي و سكان جنتي في جواري ، ألا هل أنبئكم بخير مما أنتم فيه ؟ فيقولون : ربنا و أي شي‏ء خير مما نحن فيه ، نحن‏ فيما اشتهت أنفسنا و لذت أعيننا من النعم في جوار الكريم .

 قال : فيعود عليهم القول ، فيقولون : ربنا نعم ، فأتنا بخير مما نحن فيه .

 فيقول لهم تبارك و تعالى : رضاي عنكم و محبتي لكم، خير وأعظم مما أنتم فيه.

 قال فيقولون : نعم يا ربنا رضاك عنا و محبتك لنا خير لنا و أطيب لأنفسنا .

 ثم قرأ علي بن الحسين عليه السلام هذه الآية : { وَعَدَ الله الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ
وَرِضْـوَانٌ مِّـنَ الله أَكْبَـرُ ذَلِكَ هُـوَ الْفَـوْزُ العظيم (72) } التوبة [99] .

 

نور الله الشافي لأوصاف الجنة بكلام أمير المؤمنين وتلميذه :

قال الإمام علي عليه السلام :

وَ أَوْصَاكُمْ بِالتَّقْوَى : وَ جَعَلَهَا مُنْتَهَى رِضَاهُ ، وَ حَاجَتَهُ مِنْ خَلْقِهِ .

فَاتَّقُوا الله : الَّذِي أَنْتُمْ بِعَيْنِهِ ، وَ نَوَاصِيكُمْ بِيَدِهِ ، وَ تَقَلُّبُكُمْ فِي قَبْضَتِهِ ، إِنْ أَسْرَرْتُمْ عَلِمَهُ ، وَ إِنْ أَعْلَنْتُمْ كَتَبَهُ ، قَدْ وَكَّلَ بِذَلِكَ حَفَظَةً ، كِرَاماً لَا يُسْقِطُونَ حَقّاً ، وَ لَا يُثْبِتُونَ بَاطِلًا .

 وَ اعْلَمُوا : أَنَّهُ مَنْ يَتَّقِ الله ؛ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً مِنَ الْفِتَنِ ، وَ نوراً مِنَ الظُّلَمِ .

 وَ يُخَلِّدْهُ فِيمَا اشْتَهَتْ نَفْسُهُ : وَ يُنْزِلْهُ مَنْزِلَ الْكَرَامَةِ عِنْدَهُ ، فِي دَارٍ اصْطَنَعَهَا لِنَفْسِهِ ، ظِلُّهَا عَرْشُهُ ، وَ نورهَا بَهْجَتُهُ ، وَ زُوَّارُهَا مَلَائِكَتُهُ ، وَ رُفَقَاؤُهَا رُسُلُهُ .

 فَبَادِرُوا الْمَعَادَ : وَ سَابِقُوا الْآجَالَ ، فَإِنَّ النَّاسَ يُوشِكُ أَنْ يَنْقَطِعَ بِهِمُ الْأَمَلُ ، وَ يَرْهَقَهُمُ الْأَجَلُ ، وَ يُسَدَّ عَنْهُمْ بَابُ التَّوْبَةِ ، فَقَدْ أَصْبَحْتُمْ فِي مِثْلِ مَا سَأَلَ إِلَيْهِ الرَّجْعَةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، وَ أَنْتُمْ بَنُو سَبِيلٍ عَلَى سَفَرٍ ، مِنْ دَارٍ لَيْسَتْ بِدَارِكُمْ ، وَ قَدْ أُوذِنْتُمْ مِنْهَا بِالِارْتِحَالِ ، وَ أُمِرْتُمْ فِيهَا بِالزَّادِ .

وَ اعْلَمُوا : أَنَّهُ لَيْسَ لِهَذَا الْجِلْدِ الرَّقِيقِ صَبْرٌ عَلَى النار ، فَارْحَمُوا نُفُوسَكُمْ فَإِنَّكُمْ قَدْ جَرَّبْتُمُوهَا فِي مَصَائِبِ الدُّنْيَا ، أَ فَرَأَيْتُمْ جَزَعَ أَحَدِكُمْ مِنَ الشَّوْكَةِ تُصِيبُهُ ، وَ الْعَثْرَةِ تُدْمِيهِ ، وَ الرَّمْضَاءِ تُحْرِقُهُ ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ بَيْنَ طَابَقَيْنِ مِنْ نَارٍ ؟ ضَجِيعَ حَجَرٍ ، وَ قَرِينَ شَيْطَانٍ ؟

أَ عَلِمْتُمْ : أَنَّ مَالِكاً إِذَا غَضِبَ عَلَى النار ، حَطَمَ بَعْضُهَا بَعْضاً لِغَضَبِهِ ، وَ إِذَا زَجَرَهَا تَوَثَّبَتْ بَيْنَ أَبْوَابِهَا جَزَعاً مِنْ زَجْرَتِهِ .

 أَيُّهَا الْيَفَنُ الْكَبِيرُ : الَّذِي قَدْ لَهَزَهُ الْقَتِيرُ ، كَيْفَ أَنْتَ إِذَا الْتَحَمَتْ أَطْوَاقُ النار بِعِظَامِ الْأَعْنَاقِ ، وَ نَشِبَتِ الْجَوَامِعُ حَتَّى أَكَلَتْ لُحُومَ السَّوَاعِدِ .

فَالله الله : مَعْشَرَ الْعِبَادِ ، وَ أَنْتُمْ سَالِمُونَ فِي الصِّحَّةِ قَبْلَ السُّقْمِ ، وَ فِي الْفُسْحَةِ قَبْلَ الضِّيقِ ، فَاسْعَوْا فِي فَكَاكِ رِقَابِكُمْ ، مِنْ قَبْلِ أَنْ تُغْلَقَ رَهَائِنُهَا ، أَسْهِرُوا عُيُونَكُمْ ، وَ أَضْمِرُوا بُطُونَكُمْ ، وَ اسْتَعْمِلُوا أَقْدَامَكُمْ ، وَ أَنْفِقُوا أَمْوَالَكُمْ ، وَ خُذُوا مِنْ أَجْسَادِكُمْ ، فَجُودُوا بِهَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ، وَ لَا تَبْخَلُوا بِهَا عَنْهَا .

فَقَدْ قَالَ الله سبحانه : إِنْ تَنْصُرُوا الله يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ .

وَ قَالَ تعالى : مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَ لَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ، فَلَمْ يَسْتَنْصِرْكُمْ مِنْ ذُلٍّ ، وَ لَمْ يَسْتَقْرِضْكُمْ مِنْ قُلٍّ ، اسْتَنْصَرَكُمْ : وَ لَهُ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ  وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ، وَ اسْتَقْرَضَكُمْ : وَ لَهُ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ  وَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ .

وَ إِنَّمَا أَرَادَ : أَنْ يَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ، فَبَادِرُوا بِأَعْمَالِكُمْ ، تَكُونُوا مَعَ جِيرَانِ الله فِي دَارِهِ ، رَافَقَ بِهِمْ رُسُلَهُ ، وَ أَزَارَهُمْ مَلَائِكَتَهُ ، وَ أَكْرَمَ أَسْمَاعَهُمْ ، أَنْ تَسْمَعَ حَسِيسَ نَارٍ أَبَداً ، وَ صَانَ أَجْسَادَهُمْ أَنْ تَلْقَى لُغُوباً وَ نَصَباً ، ذلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ ، وَ الله ذُو الْفَضْلِ العظيم .

أَقُولُ : مَا تَسْمَعُونَ ، وَ الله الْمُسْتَعانُ عَلَى نَفْسِي وَ أَنْفُسِكُمْ ، وَ هُوَ حَسْبُنَا وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ [100].

 

وقال الإمام علي عليه السلام في صفة الجنة :

فَلَوْ رَمَيْتَ : بِبَصَرِ قَلْبِكَ ، نَحْوَ مَا يُوصَفُ لَكَ مِنْهَا ، لَعَزَفَتْ نَفْسُكَ عَنْ بَدَائِعِ مَا أُخْرِجَ إِلَى الدُّنْيَا ، مِنْ شَهَوَاتِهَا وَلَذَّاتِهَا ، وَزَخَارِفِ مَنَاظِرِهَا ، وَلَذَهِلَتْ بِالْفِكْرِ فِي :

اصْطِفَاقِ أَشْجَارٍ : غُيِّبَتْ عُرُوقُهَا فِي كُثْبَانِ الْمِسْكِ ، عَلَى سَوَاحِلِ أَنْهَارِهَا ، وَ فِي تَعْلِيقِ كَبَائِسِ اللُّؤْلُؤِ الرَّطْبِ ، فِي عَسَالِيجِهَا وَ أَفْنَانِهَا ، وَ طُلُوعِ تِلْكَ الثِّمَارِ مُخْتَلِفَةً فِي غُلُفِ أَكْمَامِهَا . تُجْنَى مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ : فَتَأْتِي عَلَى مُنْيَةِ مُجْتَنِيهَا .

 وَ يُطَافُ عَلَى نُزَّالِهَ : فِي أَفْنِيَةِ قُصُورِهَا ، بِالْأَعْسَالِ الْمُصَفَّقَةِ ، وَ الْخُمُورِ الْمُرَوَّقَةِ . قَوْمٌ : لَمْ تَزَلِ الْكَرَامَةُ تَتَمَادَى بِهِمْ ،
حَتَّى حَلُّوا دَارَ
الْقَرَارِ ،
وَ أَمِنُوا نُقْلَةَ الْأَسْفَارِ .

فَلَوْ شَغَلْتَ قَلْبَكَ أَيُّهَا الْمُسْتَمِعُ : بِالْوُصُولِ إِلَى مَا يَهْجُمُ عَلَيْكَ مِنْ تِلْكَ الْمَنَاظِرِ الْمُونِقَةِ ، لَزَهِقَتْ نَفْسُكَ شَوْقاً إِلَيْهَا ، وَ لَتَحَمَّلْتَ مِنْ مَجْلِسِي هَذَا
إِلَى مُجَاوَرَةِ أَهْلِ الْقُبُورِ ، اسْتِعْجَالًا بِهَا ،
 
جَعَلَنَا الله وَ إِيَّاكُمْ مِمَّنْ يَسْعَى بِقَلْبِهِ إِلَى مَنَازِلِ الْأَبْرَارِ بِرَحْمَتِهِ
[101]. آمين .

 

وعن عبد العزيز بن رفيع عن أبي ظبيان عن ابن عباس أنه قال :

دار السلام : الجنة ، و أهلها لهم السلامة ، من جميع : الآفات ، و العاهات ، و الأمراض ، والأسقام .

 و لهم السلامة : من الهرم ، و الموت ، و تغير الأحوال عليهم .

و هم المكرمون : الذين لا يهانون أبدا ، و هم الأعزاء : الذين لا يذلون أبدا ، و هم الأغنياء : الذين لا يفتقرون أبدا ، و هم السعداء : الذين لا يشقون أبدا ، و هم الفرحون المستبشرون : الذين لا يغتمون ، و لا يهتمون أبدا ، و هم الأحياء : الذين لا يموتون أبدا .

فهم في قصور : الدر و المرجان ، أبوابها مشرعة إلى عرش الرحمن ، { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ (23)
سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) } الرعد[102] .

 

يا طيب : هذه هي معارف عظمة الله اللطيف الشافي تعالى ، بأعلى معرفة علمية ممكنة للبشر حسب ما تعلمت ، ولكي تكون بحق في حقيقة وجود الإنسان المؤمن ظاهرا وباطنا ، يجب أن تكون هذه الأسماء الحسنى الكريمة لله العظيم اللطيف الشافي المتجلي بالوجود حسب شأن الموجود وكرامته عند الله تعالى ، متجلية فيه وقد تحلى بها بكل واقعه ، وبكل هدى تُشرفه به ونور يعرفه معناها ، فيكون فيه حقيقة من أسماء الجمال والجلال مما به خيره وصلاحه ، فيكون إنسانا كاملا ومن المكرمين المفضلين على كثير من خلق الله ، بل بحق يرتفع لمرتبة العارفين بالله ، بل الربانين الذين يعلمون معارف الله بكل حركة لهم وسكون وعلم وعمل وسيرة وسلوك ، ولا يلههم مله عن ذكر الله وتعريف نور هداه وتجلي أسماءه الحسنى حتى في سكونهم ، فهم متوجهون له تعالى ذاكرون لعظمته عارفين بهيمنته على القلوب الوله له والمجذوبة لعظمته .

وهذه المعارف : لا ترسخ كعلم إلا بالتدبر بها ، ولا تكون إيمانا حقيقيا إلا بالتسليم لها تسليما مطلقا ، وبإيمان راسخ قوي جدا ، يُري المؤمن الكامل عظمة الله تعالى في كل شيء جمالا ورحمة وهدى وبرا وإحسانا ، فيتوق للتحقق بنور أسماءه الحسنى وصفاته العليا ، وينفر عن كل ما يبعد عن رحمة الله ورأفته وحفاوته بالمؤمن الطيب الذي طابت ذاته وحسنت صفاته وصلحت أعماله ، وشفي من كل نقص .

وحينها من تحقق بأسماء الله الحسنى : كان قريب من الله وفي اشرف ملكه نور وبهاء وحسن ، فيسكنه الملكوت بل الجبروت ، فيكون حافا بعرش الرحمان في جنة السماوات العلى حول المقام المحمود ، عند لواء الحمد وعلى ضفاف الكوثر مع نبينا الأكرم محمد وآله الطيبين الطاهرين الصديقين الشهداء والصالحين .

 فإن نور الله لهم ولكل من كان على منهجهم : وسار على صراطهم المستقيم المختص بالمنعم عليهم به من الحفي الرحيم المجيد الحميد العزيز الجبار الحنان المنان العلي الأعلى العليم القدير الحي القيوم والعظيم اللطيف الشافي الذي له الأسماء الحسنى ، فيهبه بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من الإيمان واليقين والاطمئنان بكرامته وفضله في كل حال له في هذه الدنيا ، فيكون قريب حتى يقرب بمن له مقام قاب قوسين أو أدنى دنوا واقترابا من العلي الأعلى ، والذي معه آله الطيبين الطاهرين وشيعتهم ومحبيهم بكل وجودهم وكلا له رتبته ، ولهم ما عرفت من ملك الله العظيم اللطيف الشافي في الجنة بكل كرامة ومجد، وله مزيد من النور بما لا يوصف ، وله ما لا يعرف مما أخفي لهم من قرة الأعين ورضا الرب العظيم اللطيف الشافي .

وقد عرفت يا طيب : إن معرفة الله بما هو مستحلية ، ولكن نتدبر ملكه وعظمته في كل شيء أنار الوجود به ، وبالخصوص أعظم خلقه وأفضلهم في الكرامة والمجد عنده ، وهم ممن أختصهم بدينهم وأنعم عليهم بصراطه المستقيم ، و بهذا نتعرف على ما يحب من العظمة واللطف الشافي المختص بمن تجلى عليهم بالتجلي الخاص وبالراعية التامة لمِا كان لهم من الاستعداد والتوفيق من الله تعالى ، وهكذا بالتدبر بما ملّكهم من الكتاب والحكمة فعرفوه لنا وهو الملك العظيم في الدنيا كما عرفت ، وما ملكهم في الجنة ففصلوا حقيقته لنا بفضل الله العظيم اللطيف الشافي بهم وبنا الذي عرفنا بهم .

 وبمعرفة : حالهم وصفاتهم وعلومهم ، نعرف بحق معرفة عظمة الله ولطفه الشافي وبما تجلى به نور أسماءه الحسنى من الملك ، والهدى الذي يحب أن يعبد به ، والذي هو نور الحياة الخالدة لمن يتحقق بتعاليمهم ويطبقها ، وإنه من لم يعرف حقيقة تجليها ومحله بحق في هذه الدنيا ومن هم أهل الكرامة لها ، والذين تخصصوا بها وخصته العناية الكبرى من الله العظيم اللطيف الشافي حقا ، لا يمكن له أن يصل بحق لنور الله بما يتجلى عليه بالجمال والرحمة ، بل يخرج من لطف الله تعالى ورحمته الشافية ، ويدخل تحت هيمنة الجلال والكبرياء فيتجلى الله عليه بالشدة والقهر بكل عظمة وتجبر ، حتى لو حسب نفسه يعبد الله ، لأن الله تعالى هو الذي يقرر كيف تظهر أسماءه الحسنى ويتجلى نورها لمن يطلبه بحق ، لا بالهوى وبتقليد الآباء والمنحرفين وأهل الضلال ومن دخلوا تحت ولاية الشيطان وهو النفس في السابق أو الآن وتبعهم من تبعهم ، فيقول أنا أعبد الله ، ويعبد بما علمه من ضل قبله وعرّفه الضلال وعلمه خلاف ما أمره الله ، فإنه مبعد عن رحمة الله ومقرب من نقمته وتجلي أسماء القهر عليه .

ولذا يا أخي : تمام الإيمان هو إطاعة الله والتسليم له بالكمال والتمام ، وهو حين التسليم لمن خصهم بهداه ودينه والاتصال بهم والصلاة عليهم بود وحب ، والتعلم منهم بحق معرفة ظهور عظمة الله وتجلي الأسماء الحسنى بكل لطفها الشافي في كل معرفة ظهرت لهم بعلمهم وعملهم و بسيرتهم وسلوكهم ، وإلا فلا لا دين ولا معرفة بالله ولا إيمان من أئمة غيرهم ، بل عبادة أب أو قوم ضالين وفكر مغضوب عليه لأئمة كفر ومنافقين ، وحتى لو ظهر بمظهر العبادة لله ، فإنه يُبعد عن صراط الله المستقيم العزيز الحميد الذي لا يؤخذ من نور أسماءه الحسنى إلا بما أحب لمن أحب وودّ وأمر بودهم ولمن ودهم وتبعهم وصلى عليهم وسلم لهم ، وهم نبينا وآله صلى الله عليهم وسلم ومن حبهم وتبعهم حقا ، وهذه معارفهم وملك الله ونعيمه لهم ولمن تولاهم ، فهو الذي خصهم بنور تجلي الأسماء الحسنى ، ومنهم يؤخذ ويتعلم الوصول لنورها من معارف عظمة الله وهداه ، والسلام على من أتبع الهدى .

وبعد هذه المعرفة للكاملين : تأتي معرفة علمية للعارفين وتقسيمات أخرى للطالبين من الكاملين ، وذلك لكي يأنسوا أكثر بمعرفة تجلي شؤون العظمة لله بلطفها الشافي ، و بالتحقق بها والكون تحت حيطة وهيمنة الأسماء الحسنى الجمالية والجلالية كلها بما يناسب ظهورها ، يكون هو عين الإيمان بأعلى مراتبه ، وسمي بمعرفة العارفين أو الكاملين ، وليس العلم وحده هو مناط نور الله وظهوره بكل كمال له .

ويا أخي الطيب : إن اكتفيت بهذه المعرفة وهي بحق كافية للكاملين ، بل يكون من الربانيين فضلا عن العارفين لمن تحقق بمعناها وطلب نورها بحق ، فتتجلى الأسماء الحسنى بأكمل تجلي لها إن طلبها بحق وتابع ما تشرفه به ، فيقيم هدى الله وكل ما أحب ويبتعد عن كل ما حرم ونهى ويُبعد عنه .

 وللمؤمنين مراتب : فإما تنتقل للتحلي بعلم العارفين في صحيفة التوحيد الثالثة من صحف التوحيد من موسوعة صحف الطيبين ، وهي علم تشريفي لبيان تجلي الأسماء وتقسيمها ، ولذكر بعض مظاهرها لا أكثر ، أي معرفة عليمة أكثر من عمليه ، أو تنتقل لمعارف العدل والنبوة والإمامة والمعاد في الموسوعة ، أو لمعارف من تجلت بهم الأسماء الحسنى بأكمل تجلي عظيم لطيف شافي ، فتتعرف على سيرتهم وكيفية ظهور الأسماء الحسنى بالعدل والإحسان فيهم ، فتقرأ سيرة وسلوك صحف نبينا وآله الطيبين الطاهرين صلى الله عليهم وسلم أجمعين ، وهذه موسوعة صحف الطيبين بين يديك فتدبر ما تم منها مشكورا ، وتابع ما يتم آجرك الله الجنة وأعظم ملكه اللطيف الشافي ، فإنه أرحم الراحمين وله الأسماء الحسنى ، ونورها للطالبين لا مانع منه .

ورزقنا الله وإياكم : رحمته وبره وإحسانه وكرمه ولطفه بحفاوة الرب العظيم القيوم ، والذي له الأسماء الحسنى بكل عظمة ولطف شافي ، وأسأله أن يرعانا ويدبر أمرنا بما يحب ويرضى ، ولا يكلنا لأنفسنا طرفة عين أبدا ، بل يجعلنا ممن توكل عليه حقا وفوض إليه أمره بيقين المخلصين نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين صلى الله عليهم وسلم ، فهو الموفق للصواب ، ورزقنا الجنة وإياكم حتى يجعلنا في أعلاها درجة بكرمه وفضله ، جعلنا مع أئمتنا وولاة أمره وديننا ، إنه أرحم الراحمين الذي له الأسماء الحسنى بأعلى عظمة ولطف شافي ، وهو العلي العظيم اللطيف الشافي سبحانه وتعالى ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .

 



[87]غرر الحكم ص 146ح 2648. ص 169ح 3333.

[88] الدعوات ص84ح 212.

[89] تهذيب ‏الأحكام ج1ص466ب23ح170 .

[90] ثواب‏ الأعمال ص200ثواب المؤمن بعد موته .الأمالي‏ للمفيد ص177م22ح8 .الأمالي ‏للطوسي ص195م7ح35-333 .

[91] كنز الفوائد ج : 1 ص : 223.

[92] بحار الأنوار ج8ص200ب23ح204 .

[93] الكافي ج8ص 96 ح69 حديث الجنان والنوق .

[94] الخصال ج2ض407ح6 .

[95] التحصين ‏لابن‏ طاوس ص540ب4.

[96] تفسير القمي ج2ص89س23.

[97] تفسير فرات ‏الكوفي ص210من سورة الرعد حديث 210-285.

[98] لمحاسن ج1ض180ب41ح 172 .

[99] تفسير العياشي ج2ض96ح88 .

[100] نهج‏ البلاغة ص266 .

[101] نهج ‏البلاغة ص 240 .

[102] معاني ‏الأخبار ص 177ج1 .

   

أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.msn313.com

يا طيب إلى أعلى مقام صفح عنا رب الإسلام بحق نبينا وآله عليهم السلام


يا طيب إلى فهرس صحيفة شرح الأسماء الحسنى رزقنا الله نورها