هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في  أصول الدين وسيرة المعصومين
صحيفة التوحيد الإلهي / الثانية / للكاملين / شرح الأسماء الحسنى الإلهية : الجزء الثالث

الشَّافِي
النور التاسع والتسعون

الإشراق الخامس :

ظهور نور الله الشافي في الثقلين كتاب الله وأئمة الحق عترة النبي :

سُبْحَانَ الشافي الْمُعَافِي يَا شَافِي لَا شفاء إِلَّا شِفَاؤُكَ‏ العظيم اللطيف الشافي :

يا طيب بنور الله الشافي : لكي نعرف حقائق نور الله الشافي الظاهر في التكوين والهدى في أعلى مراتبه وبلطف عظيم شافي ، لابد لنا أن نتحقق بمعرفة أعظم تجلي له في أعلى وأجل وأكرم وأمجد وأفضل وأحلى نور لظهوره وتجليه ، وهي معرفة نور الله في الثقلين النفيسين الغاليين الذين جعلهم الله في الوجود المفضل ليشفى بهم عباده المؤمنون حقا ، وبمعرفتهم يحصلون على نوره الشافي ، وتتجلى عليهم هدى وتكوين كل حقائق الأسماء الحسنى وبنورها العظيم اللطيف الشافي .

فإن نور الله العظيم اللطيف الشافي : تجلى بأعلى نور له في كتابه المجيد القرآن الحكيم ، ونبيه الكريم وآله الطيبين الطاهرين صلى الله عليهم وسلم ، فهم الراسخون بنور علم الله الشافي والمتحلين به وبكل شيء ظهر لهم من علم وتعليم وعمل وسيرة وسلوك ، ومن لم يعرف هذا المعنى لا نور شافي له ، ولم يكن له واقع من تجلي نور الله الشافي ، وقد تحققنا هذا المعنى بأجمل الأدلة المتقنة في كل الأسماء الحسنى ، فكان أحدهما يشهد للآخر ويعرفه ، والآن سنرى هذا بنور شافي يشفي العقول اللبيبة عن البحث في معرفة أعظم تجلي لنور الله الشافي في الكائنات والهدى .

وبمعرفة أعظم نور الله الشافي : ومحله العظيم اللطيف ، يمكن أن نتيقن ونتحقق كل ما أظهر فيهم ومنهم نور الله الشافي بكل عظمة ، فنعرف حقائق كتاب الله وهداه العظيم الشافي حقيقة وجودية علمية ناطقة بالحديث الحق عن نوره الشافي ، بل نراه علما عمليا وسيرة فعليه في سلوك نور الله الشافي في الإنسان المفضل الحق على كل مفضل في الكائنات ، وبعد ما عرفنا حقائق الأدلة لتجلي نور الأسماء الحسنى بأعلى مظهر لها ، فلنعرف وصفهما وبأعلى معرفة عظمية لطيفة شافية في أشعاعين :

 

الإشعاع الأول :

ظهور نور الله الشافي في القرآن العظيم اللطيف الشافي:

اللهمَّ : وَ كَمَا أَنْزَلْتَهُ شفاء لِأَوْلِيَائِكَ ، وَ شَقَاءً عَلَى أَعْدَائِكَ ، وَ عَمًى عَلَى أَهْلِ مَعْصِيَتِكَ ، وَ نوراً لِأَهْلِ طَاعَتِكَ ، اللهمَّ : فَاجْعَلْهُ لَنَا حِصْناً مِنْ عَذَابِكَ ، وَ حِرْزاً مِنْ غَضَبِكَ ، وَحَاجِزاً عَنْ مَعْصِيَتِكَ ، وَعِصْمَةً مِنْ سَخَطِكَ ، وَدَلِيلًا عَلَى طَاعَتِكَ ، وَنوراً يَوْمَ نَلْقَاكَ نَسْتَضِي‏ءُ بِهِ فِي خَلْقِكَ، وَنَجُوزُ بِهِ عَلَى صِرَاطِكَ ، وَنَهْتَدِي بِهِ إِلَى جَنَّتِكَ.

قال الله الشافي تعالى :{ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شفاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ
وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارً (82) } الإسراء .

وقد أنزل كلام الله الشافي والرحمة للمؤمنين : في كتابه اسمه القرآن وهو مقترن بمن مكنهم بمعارفه وعلمه ، وهم يعلموه للناس فقال الله الشافي سبحانه :{ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (2) } الجمعة .

فالقرآن : الذي هو شفاء ورحمة هو كتاب الله ، وبتلاوة رسول الله وتعليم آياته يكون فيه شفاء فيزكي الأنفس المؤمنة ، وينميها في الكمال ويهبها الحكمة في التصرف النبيل الحسن الذي يرضي الله ، كما وأنه في زمان وبعد رسول الله ظهوره الشافي مختص بناس يجب أن يطاعوا لا أن يحسدوا ويعاندون ويهجروا ، فإن هذا الملك العظيم الشافي يكون شافي حين يعلمه ويتلوه أهله ، فيعرفوا حقائقه للمؤمنين المتبعين لهم ، والناس في زمن رسول الله هم من آله آل إبراهيم عليهم السلام كما قال تعالى :

{ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ الله مِن فَضْلِهِ
فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم
مُّلْكًا عَظِيمً
(54)
 فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55) }النساء .

{ هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ
آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ
وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ
فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ
يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ (7) رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (8) } آل عمران .

وصاحب اللب الذي يتذكر هذا : لا بد له من البحث عن ناس راسخون بعلم الكتاب يعلموه حقا ولا يحسدهم ، وأنه لابد أن يكونوا حقا مقترنين بالقرآن وعدله والناطقون بعلومه بحق ، ويشهد لهم كتاب الله بالتطهير والتزكية وبما علم وأمر نبيه بالصلاة عليهم معه وأن يقرنهم به ، وقد عرفت هذه المعاني في اسم الله اللطيف والعظيم ، بل في كل معاني أسماء الله الحسنى ، وحينها من يتبع الراسخون بعلم الكتاب والذين لهم الملك العظيم من الكتاب والحكمة بتعليمه ، يخلص من الحسد ويكون مؤمنا ويكون له كتاب الله القرآن هو :

{ ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هدى لِّلْمُتَّقِينَ (2)
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُوْلَئِكَ عَلَى هدى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)} البقرة .

ويا طيب بنور الله الشافي : ولنتعرف بمن قُرن بهم القرآن الذي هو شفاء ورحمة ، على شأنه الكريم وعظمته الشافية بكل لطف ، وبكلامهم ترى علو نوره المجيد حقا ، وإن شاء الله تجد بحثا أوسعا ببلاغة منطقهم لتعريف الكتاب في صحيفة الثقلين ، فالآن نذكر الكلام الطيب الذي يعرف به الراسخون بالعلم نبينا وآله الطيبين الطاهرين صلى الله عليهم وسلم ، كتاب الله الشافي المقترن بهم ليكون لنا شفاء ورحمة وهدى حقا ونورا واقعا ، فنقيم به الصلاة وكل تعاليم الغيب حقا ، فنفلح ونشفى بفضل الله الشافي في بيان هداه وأهله وما يشفي به المؤمنون حقا بكل ما ظهروا به .

ظهور نور  الشافي بوصف شافي لعظمة القرآن ولطفه بكلام من خص به:

قال قرين القرآن والناطق بالحق مولى الموحدين الإمام علي عليه السلام :

تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ : فَإِنَّهُ أَحْسَنُ الْحَدِيثِ ، وَ تَفَقَّهُوا فِيهِ فَإِنَّهُ رَبِيعُ الْقُلُوبِ ،
 وَ اسْتَشْفُوا بِنورهِ فَإِنَّهُ شفاء الصُّدُورِ ،
وَ أَحْسِنُوا تِلَاوَتَهُ فَإِنَّهُ أَنْفَعُ الْقَصَصِ ، وَ إِنَّ الْعَالِمَ الْعَامِلَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ ، كَالْجَاهِلِ الْحَائِرِ الَّذِي لَا يَسْتَفِيقُ مِنْ جَهْلِهِ ، بَلِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ أَعْظَمُ ، وَ الْحَسْرَةُ لَهُ أَلْزَمُ ، وَ هُوَ عِنْدَ الله أَلْوَمُ [66].

وَ مَا جَالَسَ هَذَا الْقُرْآنَ أَحَدٌ : إِلَّا قَامَ عَنْهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ ، زِيَادَةٍ فِي هدى ، أَوْ نُقْصَانٍ مِنْ عَمًى .

وَاعْلَمُوا : أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ الْقُرْآنِ مِنْ فَاقَةٍ، وَلَا لِأَحَدٍ قَبْلَ الْقُرْآنِ مِنْ غِنًى.

 فَاسْتَشْفُوهُ : مِنْ أَدْوَائِكُمْ ، وَ اسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى لَأْوَائِكُمْ ،
 فَإِنَّ فِيهِ شفاء مِنْ أَكْبَرِ الدَّاءِ
،
وَ هُوَ الْكُفْرُ وَ النِّفَاقُ وَ الْغَيُّ وَ الضَّلَالُ ،
 فَاسْأَلُوا الله بِهِ وَ تَوَجَّهُوا إِلَيْهِ بِحُبِّهِ ، وَ لَا تَسْأَلُوا بِهِ خَلْقَهُ ، إِنَّهُ مَا تَوَجَّهَ الْعِبَادُ إِلَى الله تعالى بِمِثْلِهِ .

 وَ اعْلَمُوا : أَنَّهُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ ، وَ قَائِلٌ مُصَدَّقٌ ، وَ أَنَّهُ مَنْ شَفَعَ لَهُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُفِّعَ فِيهِ ، وَ مَنْ مَحَلَ بِهِ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صُدِّقَ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ يُنَادِي مُنَادٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، أَلَا إِنَّ كُلَّ حَارِثٍ مُبْتَلًى فِي حَرْثِهِ وَ عَاقِبَةِ عَمَلِهِ ، غَيْرَ حَرَثَةِ الْقُرْآنِ ، فَكُونُوا مِنْ حَرَثَتِهِ وَ أَتْبَاعِهِ ، وَ اسْتَدِلُّوهُ عَلَى رَبِّكُمْ ، وَ اسْتَنْصِحُوهُ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ، وَ اتَّهِمُوا عَلَيْهِ آرَاءَكُمْ ، وَ اسْتَغِشُّوا فِيهِ أَهْوَاءَكُمْ [67].

وكلام أهل البيت في تعريف القرآن وتعريفه لهم كثير جدا راجع صحيفة الثقلين .

ظهور نور الله الشافي في نور القرآن الشافي لما في الصدور و الأمراض :

يا طيب : إن كتاب الله شافي حقا ، وقد عرفت بعض مواصفاته، وهذه أحاديث تعرفنا وصفات تشفينا وكيفيتها ، و بمختصر أحاديث من خصوا به ليعلمونا :

عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عَنْ آبَائِهِ عليهم السلام  قَالَ :

شَكَا رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ وَجَعاً فِي صَدْرِهِ ؟ فَقَالَ صلى الله عليه وآله وسلم :

اسْتَشْفِ بِالْقُرْآنِ فَإِنَّ الله عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ وَ شفاء لِما فِي الصُّدُورِ [68].

وعَنْ عَبْدِ الله بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ رُقْيَةِ الْعَقْرَبِ وَ الْحَيَّةِ وَ النُّشْرَةِ وَ رُقْيَةِ الْمَجْنُونِ وَ الْمَسْحُورِ الَّذِي يُعَذَّبُ ؟  فَقَالَ :

يَا ابْنَ سِنَانٍ : لَا بَأْسَ بِالرُّقْيَةِ وَ الْعُوذَةِ وَ النُّشْرَةِ إِذَا كَانَتْ مِنَ الْقُرْآنِ ، وَ مَنْ لَمْ يَشْفِهِ الْقُرْآنُ فَلَا شَفَاهُ الله ، وَ هَلْ شَيْ‏ءٌ أَبْلَغُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنَ الْقُرْآنِ ، أَ لَيْسَ الله يَقُولُ : وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شفاء وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ، أَ لَيْسَ يَقُولُ الله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى‏ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ الله ، وَ سَلُونَا نُعَلِّمْكُمْ وَ نُوقِفْكُمْ عَلَى قَوَارِعِ الْقُرْآنِ لِكُلِّ دَاءٍ [69].

وعن كتاب فقه الإمام الرضا عليه السلام : في القرآن شفاء من كل داء [70]. داووا مرضاكم بالصدقة، واستشفوا له بالقرآن، فمن لم يشفه القرآن فلا شفاء له [71].

وقال أبو عبد الله عليه السلام : ما اشتكى أحد من المؤمنين شكاة قط فقال بإخلاص نية و مسح موضع العلة :{ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شفاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ
وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارً } إلا عوفي من تلك العلة أية علة كانت ، و مصداق ذلك في الآية حيث يقول شفاء و رحمة للمؤمنين [72].

 

ظهور نور الله الشافي في آيات خاصة به وكيفية التداوي به :

عن النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ لِجَابِرٍ : أَ لَا أُعَلِّمُكَ أَفْضَلَ سُورَةٍ أَنْزَلَهَا الله فِي كِتَابِهِ ؟ قَالَ : بَلَى عَلِّمْنِيهَا . فَعَلَّمَهُ الْحَمْدَ أُمَّ الْكِتَابِ ،
ثُمَّ قَالَ : هِيَ شفاء مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلَّا السَّامَ وَ السَّامُ الْمَوْتُ[73] .
وعن حمران عن أبي عبد الله عليه السلام قال : اشتكى رجل إلى أمير المؤمنين ؟

 فقال عليه السلام : له سل من امرأتك درهما من صداقها ، فاشتر به عسلا ، فاشربه بماء السماء ، ففعل ما أمره به فبرأ ، فسأل أمير المؤمنين عليه لسلام عن ذلك أ شي‏ء سمعته من النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : لا ، و لكني سمعت الله يقول في كتابه : « فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ‏ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئ » و قال : « يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شفاء لِلنَّاسِ » و قال : « وَ نَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً » فاجتمع الهني‏ء و المري‏ء و البركة و الشفاء ، فرجوت بذلك البرء [74].

عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قَالَ : كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم : إِذَا كَسِلَ أَوْ أَصَابَتْهُ عَيْنٌ أَوْ صُدَاعٌ ، بَسَطَ يَدَيْهِ فَقَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَ الْمُعَوِّذَتَيْنِ ، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ ، فَيَذْهَبُ عَنْهُ مَا كَانَ يَجِدُهُ [75].

وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : وَ مَنْ أَصَابَهُ فَزَعٌ عِنْدَ مَنَامِهِ فَلْيَقْرَأْ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ [76].

وعَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم عَنْ جَبْرَائِيلَ عليه السلام : فِي صَلَاةِ الرِّزْقِ رَكْعَتَانِ ، تَقْرَأُ فِي الْأُولَى : الْحَمْدَ مَرَّةً وَ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَ الْإِخْلَاصَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، وَ فِي الثَّانِيَةِ : الْحَمْدَ مَرَّةً وَ الْمُعَوِّذَتَيْنِ كُلَّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ [77].

ظهور نور الله الشافي بتلاوة القرآن المجيد على المرضى :

ويقول الدكتور احمد القاضي في مقال له علي موقع البلاغ :

حتى وقت قريب: لم يكن هناك اهتمام زائد بالقوة الشفائية للقرآن ، والتي وردت الإشارة إليها في القرآن وفي تعاليم الرسول , كيف يحقق القرآن تأثيره ؟ وهل هذا التأثير عضوي أم روحي أم خليط من الاثنين معا ؟

 ولمحاولة الإجابة على هذا السؤال : قال الدكتور احمد القاضي بدأت في إجراء البحوث القرآنية في عيادات " أكبر " في مدينة بنما سيتي بولاية فلوريدا .

 كان هدف المرحلة الأولى : من هذه الأبحاث هو إثبات ما إذا كان للقرآن أي أثر على وظائف أعضاء الجسد وقياس هذا الأثر إن وجد . واستعملت أجهزة المراقبة الإلكترونية المزودة بالكمبيوتر لقياس أية تغيرات فسيولوجية عند عدد من المتطوعين الأصماء أثناء استماعهم لتلاوات قرآنية . وقد تم تسجيل وقياس أثر القرآن عند عدد من المسلمين المتحدثين بالعربية وغير العربية ، وكذلك عند عدد من غير المسلمين .

وبالنسبة للمتحدثين : بغير العربية ، مسلمين كانوا أو غير مسلمين . تليت على هؤلاء المتطوعين مقاطع من القرآن باللغة العربية ، ثم تليت عليهم ترجمة هذه المقاطع باللغة الإنجليزية .

 وفي كل هذه المجموعات : أثبتت التجارب المبدئية ، وجود أثر مهدئ مؤكد للقرآن في 97 % من التجارب المجراة . وهذا الأثر ظهر في شكل تغيرات فسيولوجية تدل على تخفيف درجة توتر الجهاز العصبي التلقائي . انتهى ما ذكر عن القرآن .

وقال أخر : الإيمان الديني يزيد فرص الشفاء من الأمراض : قال بروفسور كريس بوياتزيس ، الأخصائي النفسي من جامعة " باكنيل "عن الدراسة التجريبية لقد اكتشفنا رابطاً مثيراً بين الإيمان الديني و فرص التعافي ، فكلما زاد إيمان المريض بالدين زادت ثقته في مقدرته الشخصية على كمال المهام و العمل[78].

ظهور نور الله الشافي بالدعاء بآيات من القرآن الكريم :

قال الله تعالى : { وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ
 لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
(204) وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً
وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ (205) } الأعراف .

{ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء (38) }آل عمران .

{ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5)} الممتحنة .

{ وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرً (80) } الإسراء .{ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) } طه .

{ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89)} الأنبياء .

{ قُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ (29) قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (39) } المؤمنون .

{ وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ (98)   قُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118) } المؤمنون .

{ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) } القصص .

{ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30) } العنكبوت .

{ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15)} الأحقاف .

{ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28) } نوح .

{ إِنَّ الله وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمً
(56)} الأحزاب .

يا طيب : بعد أن عرفنا عظمة نور الله الشافي الظاهر في القرآن بكثير من المظاهر اللطيفة سواء بتلاوته ، أو حفظه ، أو بمعارف تفسيره والاطمئنان بعظمة خالقه ومنزله على نبي الرحمة ، وما عرفه آله صلى الله عليهم وسلم عن خصائصه وأهميته في حياة الإنسان ، وأنه في معارف كتاب الله ومن أول نزوله إلى اليوم كتبت في تفسيره وعجائب تأثيره في الأرواح الكثير من الحقائق المعرفة لعظمة لطفه الشافي ، فضلا عن التفاسير الشارحة له ، وبكلها ترى تجليه الشافي في البيان والمعارف التي يريها ويشهد لها ، ونحنى اخترنا مختصرا من مواضيع فيها تصريف كلمة الشافي ونزول البركة فقط ، ولم نتعرض للمسائل العلمية والإعجاز الكريم فيه ، والشامل لجوانب كثيرة علمية وبلاغية ومعنوية أو تأريخ وسنن أو أحكام وتعاليم هدى لكل معارف الحياة .

وبهذا المختصر للمتدبر يرى المنصف حقا : نور الله الشافي وبأعلى وأعظم تجلي شافي لطيف ظهر فيه ، سواء شافي في البيان أو في معارف هداه العلمية أو العملية أو الأحكام أو التشافي به وطلب الخير وبالتجربة الحقة لمن يطبقها ، وفي كل البحوث التي تعقد في معجزاته ودلائله تراه حقا فيه تبيانا لكل شيء ، كما وأنه في كل موضوع وبحث نأتي للخبير به والعارف العالم به ، وهكذا سلكنا في ذكر الأحاديث الشارحة له فتعلمناها من الراسخين بعلمه سواء معارف الأرض والكون كما عرفت في شرح اسم الله العظيم ، أو لطافت ظهور الكون والهدى في اللطيف، أو الشفاء الروحي والبدني وآثاره الواقعية كما هنا في اسم الله الشافي ، وبها تراه يهدي لنا حقا واقعا شفاء ورحمة وبركة وحكمة وهدى ونورا ومظهرا عظيما لطيفا شافيا من بركات لله سبحانه .

وإذا عرفنا عظمة نور الله الشافي في كتابه : فلنتدبر في قرناء القرآن الشافي ، ومظهرا أخرا عظيما لطيفا من ظهور نور الله الشافي في أفضل خلقه المتحقق بالكتاب بكل وجوده علما وعملا وتعليما وسيرة وسلوكا وصفاتا ، وهم نبينا الكريم وآله الطيبين الطاهرين الراسخون بعلمه والمطهرون مثله صلى الله عليهم وسلم .

 

 

الإشعاع الثاني :

ظهور نور الله الشافي في أئمة الحق وبكل عظمة لطيفة :

سُبْحَانَ الشافي الْمُعَافِي ، يَا شَافِي لَا شفاء إِلَّا شِفَاؤُكَالعظيم اللطيف الشافي
  يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ ، وَ
اكْشِفْ مَا بِي مِنْ مَرَضٍ ، وَ أَلْبِسْنِي العافية الْكَافِيَةَ الشافيةَ فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ ، وَ امْنُنْ عَلَيَّ بِتَمَامِ النِّعْمَةِ  .

يا طيب بنور الله الشافي : فضل نبينا وآله المطهرون الواجب التسليم له والصلاة عليهم لا ينكر ، ويجب الإيمان بأنهم هم أئمة الحق ، وإن أعدائهم هم أئمة الباطل والضلال ولهم النار ، لأنه لا يجتمع المتعاندان والمتضادان ولا المتقابلان في محل واحد ، وفي الجنة المهتدي بإمام حق خصه الله بهداه ذو الصراط المستقيم ، وأنعم عليه بفضله الأعظم وكرمه بالتطهير والتصديق، فكان صاحب كتابه العظيم ، وقد لطف به فجعله مظهرا تاما لنوره الشافي في بيان هداه ، وما يخلص العباد من الريب والشك في معارف الدين ، بل بهم يطمئن الإنسان ويشفى مَن يطلب الحقيقة ولا دليل بين له عليها فيخلص من مرض الضلال وآثاره.

وإن قصة الإمامة مستمرة في تأريخ الدين : وهي مستمرة إلى يوم القيامة ، بل حتى في القيامة والجنة ، وإن لم يكن هناك طاعة وعبادة ولكن ندعى بأئمة الحق إن شاء الله دون المعاندين لنا ومكذبينا ، وقد عرفت آيات الإمامة في كثير من بحوث الأسماء الحسنى ، وأن الأئمة لهم مواصفات لا يمكن أن يتصف بها كل أحد ، فهم المطهرون بنور الله الشافي الظاهر فيهم بكل لطف عظيم ، وهم مصدقون بآيات المباهلة والولاية وغيرهن ، وهنا لنعرف قصة الإمامة نذكر آيتين تعرفنا أن الهدى للإمام ومعه لا شقاء ولا ضلال وله الجنة ، وإن المعرض عن هدى الله عند أئمة الحق ، والتابع لأئمة خلافهم في المعارف فهو أعمى هنا وفي الآخرة ، نعم يحشر أعمى كما عرفت في اسم الله العظيم واللطيف وسترى حاله هنا .

ولذا هنا لا نقيم أدلة الإمامة : ولكن نذكر بيان شافي لمواصفات الإمام الحق الذي لا يمكن أن يدعيها أحد ويصدقه كتاب الله الشافي إلا آل محمد صلى الله عليهم وسلم فتدبر :

قال الله الشافي تعالى في قصة أدم أبو البشر عليه السلام : { ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهدى (122) قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هدى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125)  قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (طه127) } طه .

{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيل (70) يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِـمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (71) وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (72) } الإسراء .

وذكر الصدوق في الأمالي :  ورد على الحسين عليه السلام رجل يقال له : بشر بن غالب فقال : يا ابن رسول الله  أخبرني عن قول الله عز و جل : { يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ } قال : إمام دعا إلى هدى فأجابوه إليه ، و إمام دعا إلى ضلالة فأجابوه إليها ،هؤلاء في الجنة ، و هؤلاء في النار ، و هو قوله عز و جل : { فَرِيقٌ فِي الجنة وَ فَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ }[79].

وعن عيسى بن داود عن أبي الحسن موسى عن أبيه عليهم السلام قال :

 نزلت هذه الآية :

{ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شفاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ
وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ } لآل محمد {  إَلاَّ خَسَارً (82) } الإسراء ، فالقرآن شفاء و رحمة للمؤمنين ، لأنهم المنتفعون به ، و خسار و بوار على الظالمين ، لأن فيه الحجة عليهم ، و لا يزيدهم إلا خسارا في الدنيا و الآخرة ، و ذلك هو الخسران المبين [80].

 

ولمعرفة هذه الحقيقة إليك مواصفات الإمام ببيان عظيم لطيف شافي :

عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ كُنَّا مَعَ الرِّضَ عليه السلام بِمَرْوَ فَاجْتَمَعْنَا فِي الْجَامِعِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي بَدْءِ مَقْدَمِنَا ، فَأَدَارُوا أَمْرَ الْإِمَامَةِ ، وَ ذَكَرُوا كَثْرَةَ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِيهَ ، فَدَخَلْتُ عَلَى سَيِّدِي عليه السلام :

فَأَعْلَمْتُهُ خَوْضَ النَّاسِ فِيهِ ،
 فَتَبَسَّمَ عليه السلام ،  ثُمَّ قَالَ :

يَا عَبْدَ الْعَزِيزِ : جَهِلَ الْقَوْمُ وَ خُدِعُوا عَنْ آرَائِهِمْ ، إِنَّ الله عَزَّ وَ جَلَّ لَمْ يَقْبِضْ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وآله وسلم ، حَتَّى أَكْمَلَ لَهُ الدِّينَ ، وَ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ فِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ بَيَّنَ فِيهِ الْحَلَالَ وَ الْحَرَامَ ، وَ الْحُدُودَ وَ الْأَحْكَامَ ، وَ جَمِيعَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاسُ كَمَلًا ، فَقَالَ عَزَّ وَ جَلَّ : { مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ }الأنعام38.

وَ أَنْزَلَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ : وَ هِيَ آخِرُ عُمُرِهِ صلى الله عليه وآله وسلم :
 { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينًا }المائدة3، وَ أَمْرُ الْإِمَامَةِ مِنْ تَمَامِ الدِّينِ .

وَ لَمْ يَمْضِ صلى الله عليه وآله وسلم : حَتَّى بَيَّنَ لِأُمَّتِهِ مَعَالِمَ دِينِهِمْ ، وَ أَوْضَحَ لَهُمْ سَبِيلَهُمْ ، وَ تَرَكَهُمْ عَلَى قَصْدِ سَبِيلِ الْحَقِّ ، وَ أَقَامَ لَهُمْ عَلِيّاً عليه السلام : عَلَماً وَ إِمَاماً ، وَ مَا تَرَكَ لَهُمْ شَيْئاً يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْأُمَّةُ إِلَّا بَيَّنَهُ ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الله عَزَّ وَ جَلَّ لَمْ يُكْمِلْ دِينَهُ ؛ فَقَدْ رَدَّ كِتَابَ الله ، وَ مَنْ رَدَّ كِتَابَ الله ، فَهُوَ كَافِرٌ بِهِ .

هَلْ يَعْرِفُونَ قَدْرَ الْإِمَامَةِ وَ مَحَلَّهَا مِنَ الْأُمَّةِ : فَيَجُوزَ فِيهَا اخْتِيَارُهُمْ .

إِنَّ الْإِمَامَةَ : أَجَلُّ قَدْراً ، وَ أَعْظَمُ شَأْناً ، وَ أَعْلَى مَكَاناً ، وَ أَمْنَعُ جَانِباً ، وَ أَبْعَدُ غَوْراً ، مِنْ أَنْ يَبْلُغَهَا النَّاسُ بِعُقُولِهِمْ ، أَوْ يَنَالُوهَا بِآرَائِهِمْ، أَوْ يُقِيمُوا إِمَاماً بِاخْتِيَارِهِمْ .

إِنَّ الْإِمَامَةَ : خَصَّ الله عَزَّ وَ جَلَّ بِهَا إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ عليه السلام بَعْدَ النُّبُوَّةِ وَ الْخُلَّةِ ، مَرْتَبَةً ثَالِثَةً ، وَ فَضِيلَةً شَرَّفَهُ بِهَا ، وَ أَشَادَ بِهَا ذِكْرَهُ ، فَقَالَ : { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا } فَقَالَ الْخَلِيلُ عليه السلام سُرُوراً بِهَا : { قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي }، قَالَ الله تَبَارَكَ وَ تعالى : { لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}البقرة124 ، فَأَبْطَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ
 إِمَامَةَ كُلِّ ظَالِمٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَ صَارَتْ فِي الصَّفْوَةِ .

ثُمَّ أَكْرَمَهُ الله تعالى : بِأَنْ جَعَلَهَا فِي ذُرِّيَّتِهِ أَهْلِ الصَّفْوَةِ وَ الطَّهَارَةِ ، فَقَالَ : { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73) } الأنبياء ، فَلَمْ تَزَلْ فِي ذُرِّيَّتِهِ يَرِثُهَا بَعْضٌ عَنْ بَعْضٍ ، قَرْناً فَقَرْناً .

 حَتَّى وَرَّثَهَا الله تعالى :النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله ، فَقَالَ جَلَّ وَ تعالى : { إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَالله وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ } آل عمران68 ، فَكَانَتْ لَهُ خَاصَّةً ، فَقَلَّدَهَا صلى الله عليه وآله عَلِيّاً عليه السلام بِأَمْرِ الله تعالى عَلَى رَسْمِ مَا فَرَضَ الله ، فَصَارَتْ فِي ذُرِّيَّتِهِ الْأَصْفِيَاءِ ، الَّذِينَ آتَاهُمُ الله الْعِلْمَ وَ الْإِيمَانَ بِقَوْلِهِ تعالى : { وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ الله إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ }الروم56 .

فَهِيَ ( الإمامة ) : فِي وُلْدِ عَلِيٍّ عليه السلام خَاصَّةً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، إِذْ لَا نَبِيَّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله ، فَمِنْ أَيْنَ يَخْتَارُ هَؤُلَاءِ الْجُهَّالُ .

 إِنَّ الْإِمَامَةَ : هِيَ مَنْزِلَةُ الْأَنْبِيَاءِ ، وَ إِرْثُ الْأَوْصِيَاءِ ، إِنَّ الْإِمَامَةَ خِلَافَةُ الله ، وَ خِلَافَةُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وآله وسلم ، وَ مَقَامُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، وَ مِيرَاثُ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ عليه السلام .

 إِنَّ الْإِمَامَةَ : زِمَامُ الدِّينِ ، وَ نِظَامُ الْمُسْلِمِينَ ، وَ صَلَاحُ الدُّنْيَا ، وَ عِزُّ الْمُؤْمِنِينَ .

إِنَّ الْإِمَامَةَ : أُسُّ الْإِسْلَامِ النَّامِي ، وَ فَرْعُهُ السَّامِي .

بِالْإِمَامِ : تَمَامُ الصَّلَاةِ ، وَ الزَّكَاةِ ، وَ الصِّيَامِ ، وَ الْحَجِّ ، وَ الْجِهَادِ ، وَ تَوْفِيرُ الْفَيْ‏ءِ ، وَ الصَّدَقَاتِ ، وَ إِمْضَاءُ الْحُدُودِ ، وَ الْأَحْكَامِ ، وَ مَنْعُ الثُّغُورِ ، وَ الْأَطْرَافِ .

الْإِمَامُ : يُحِلُّ حَلَالَ الله ، وَ يُحَرِّمُ حَرَامَ الله ، وَ يُقِيمُ حُدُودَ الله ، وَ يَذُبُّ عَنْ دِينِ الله ، وَ يَدْعُو إِلَى سَبِيلِ رَبِّهِ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ، وَ الْحُجَّةِ الْبَالِغَةِ .

الْإِمَامُ : كَالشَّمْسِ الطَّالِعَةِ الْمُجَلِّلَةِ بِنورهَا لِلْعَالَمِ ، وَ هِيَ فِي الْأُفُقِ بِحَيْثُ لَا تَنَالُهَا الْأَيْدِي وَ الْأَبْصَارُ .

الْإِمَامُ : الْبَدْرُ الْمُنِيرُ ، وَ السِّرَاجُ الزَّاهِرُ ، وَ النور السَّاطِعُ ، وَ النَّجْمُ الْهَادِي ، فِي غَيَاهِبِ الدُّجَى ، وَ أَجْوَازِ الْبُلْدَانِ ، وَ الْقِفَارِ ، وَ لُجَجِ الْبِحَارِ .

الْإِمَامُ : الْمَاءُ الْعَذْبُ عَلَى الظَّمَإِ ، وَ الدَّالُّ عَلَى الْهدى ، وَ الْمُنْجِي مِنَ الرَّدَى .

الْإِمَامُ : النار عَلَى الْيَفَاعِ الْحَارُّ لِمَنِ اصْطَلَى بِهِ ، وَ الدَّلِيلُ فِي الْمَهَالِكِ ، مَنْ فَارَقَهُ فَهَالِكٌ .

الْإِمَامُ : السَّحَابُ الْمَاطِرُ ، وَ الْغَيْثُ الْهَاطِلُ ، وَ الشَّمْسُ الْمُضِيئَةُ ، وَ السَّمَاءُ الظَّلِيلَةُ ، وَ الْأَرْضُ الْبَسِيطَةُ ، وَ الْعَيْنُ الْغَزِيرَةُ ، وَ الْغَدِيرُ وَ الرَّوْضَةُ .

الْإِمَامُ : الْأَنِيسُ الرَّفِيقُ ، وَ الْوَالِدُ الشَّفِيقُ ، وَ الْأَخُ الشَّقِيقُ ، وَ الْأُمُّ الْبَرَّةُ بِالْوَلَدِ الصَّغِيرِ ، وَ مَفْزَعُ الْعِبَادِ فِي الدَّاهِيَةِ النَّآدِ .

الْإِمَامُ : أَمِينُ الله فِي خَلْقِهِ ، وَ حُجَّتُهُ عَلَى عِبَادِهِ ، وَ خَلِيفَتُهُ فِي بِلَادِهِ ، وَ الدَّاعِي إِلَى الله ، وَ الذَّابُّ عَنْ حُرَمِ الله .

الْإِمَامُ : الْمُطَهَّرُ مِنَ الذُّنُوبِ ، وَ الْمُبَرَّأُ عَنِ الْعُيُوبِ ، الْمَخْصُوصُ بِالْعِلْمِ ، الْمَوْسُومُ بِالْحِلْمِ ، نِظَامُ الدِّينِ ، وَ عِزُّ الْمُسْلِمِينَ ، وَ غَيْظُ الْمُنَافِقِينَ ، وَ بَوَارُ الْكَافِرِينَ .

الْإِمَامُ : وَاحِدُ دَهْرِهِ ، لَا يُدَانِيهِ أَحَدٌ ، وَ لَا يُعَادِلُهُ عَالِمٌ ، وَ لَا يُوجَدُ مِنْهُ بَدَلٌ ، وَ لَا لَهُ مِثْلٌ ، وَ لَا نَظِيرٌ مَخْصُوصٌ بِالْفَضْلِ كُلِّهِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ مِنْهُ لَهُ وَ لَا اكْتِسَابٍ ، بَلِ اخْتِصَاصٌ مِنَ الْمُفْضِلِ الْوَهَّابِ ، فَمَنْ ذَا الَّذِي يَبْلُغُ مَعْرِفَةَ الْإِمَامِ ، أَوْ يُمْكِنُهُ اخْتِيَارُهُ .

هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ : ضَلَّتِ الْعُقُولُ ، وَ تَاهَتِ الْحُلُومُ ، وَ حَارَتِ الْأَلْبَابُ ، وَ خَسَأَتِ الْعُيُونُ ، وَ تَصَاغَرَتِ الْعُظَمَاءُ ،و َتَحَيَّرَتِ الْحُكَمَاءُ ، وَ تَقَاصَرَتِ الْحُلَمَاءُ ، وَ حَصِرَتِ الْخُطَبَاءُ ، وَ جَهِلَتِ الْأَلِبَّاءُ ، وَ كَلَّتِ الشُّعَرَاءُ ، وَ عَجَزَتِ الْأُدَبَاءُ ، وَ عَيِيَتِ الْبُلَغَاءُ ، عَنْ وَصْفِ شَأْنٍ مِنْ شَأْنِهِ، أَوْ فَضِيلَةٍ مِنْ فَضَائِلِهِ ، وَأَقَرَّتْ بِالْعَجْزِ وَ التَّقْصِيرِ ، وَ كَيْفَ يُوصَفُ بِكُلِّهِ ، أَوْ يُنْعَتُ بِكُنْهِهِ ، أَوْ يُفْهَمُ شَيْ‏ءٌ مِنْ أَمْرِهِ ، أَوْ يُوجَدُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ وَ يُغْنِي غِنَاهُ ، لَا كَيْفَ وَ أَنَّى ، وَ هُوَ بِحَيْثُ النَّجْمِ مِنْ يَدِ الْمُتَنَاوِلِينَ ، وَ وَصْفِ الْوَاصِفِينَ ، فَأَيْنَ الِاخْتِيَارُ مِنْ هَذَا ، وَ أَيْنَ الْعُقُولُ عَنْ هَذَا ، وَ أَيْنَ يُوجَدُ مِثْلُ هَذَا .

أَ تَظُنُّونَ : أَنَّ ذَلِكَ يُوجَدُ فِي غَيْرِ آلِ الرَّسُولِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم ، كَذَبَتْهُمْ وَ الله أَنْفُسُهُمْ ، وَ مَنَّتْهُمُ الْأَبَاطِيلَ ، فَارْتَقَوْا مُرْتَقاً صَعْباً دَحْضاً ، تَزِلُّ عَنْهُ إِلَى الْحَضِيضِ أَقْدَامُهُمْ .

رَامُوا إِقَامَةَ الْإِمَامِ : بِعُقُولٍ حَائِرَةٍ بَائِرَةٍ نَاقِصَةٍ ، وَ آرَاءٍ مُضِلَّةٍ ، فَلَمْ يَزْدَادُوا مِنْهُ إِلَّا بُعْداً ، قَاتَلَهُمُ الله أَنَّى يُؤْفَكُونَ ، وَ لَقَدْ رَامُوا صَعْباً ، وَ قَالُوا إِفْكاً ، وَ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيداً ، وَ وَقَعُوا فِي الْحَيْرَةِ إِذْ تَرَكُو الْإِمَامَ عَنْ بَصِيرَةٍ ، وَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ ، فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ، وَ كَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ .

 رَغِبُوا عَنِ اخْتِيَارِ الله : وَ اخْتِيَارِ رَسُولِ الله ، وَ أَهْلِ بَيْتِهِ ، إِلَى اخْتِيَارِهِمْ ، وَ الْقُرْآنُ يُنَادِيهِمْ : { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ الله وَتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ } القصص68،  وَ قَالَ عَزَّ وَ جَلَّ : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِينًا } الأحزاب36 ، وَ قَالَ : { مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا يَتَخَيَّرُونَ (38) أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ (39) سَلْهُم أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ (40) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (41)}القلم .

وَ قَالَ عَزَّ وَ جَلَّ : {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَ }محمد24 .  أَمْ : طُبِعَ الله عَلى‏ قُلُوبِهِمْ ، فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ ، أَمْ قالُوا سَمِعْنا وَ هُمْ لا يَسْمَعُونَ ، إ ِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ الله الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ ، وَ لَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَ لَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَ هُمْ مُعْرِضُونَ ، أَمْ قالُوا : سَمِعْنا وَ عَصَيْن بَلْ هُوَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ ، وَ الله ذُو الْفَضْلِ العظيم .

فَكَيْفَ لَهُمْ بِاخْتِيَارِ الْإِمَامِ ؟ .

وَ الْإِمَامُ : عَالِمٌ لَا يَجْهَلُ ، وَ رَاعٍ لَا يَنْكُلُ ، مَعْدِنُ الْقُدْسِ وَ الطَّهَارَةِ ، وَ النُّسُكِ وَ الزَّهَادَةِ ، وَ الْعِلْمِ وَ الْعِبَادَةِ .

مَخْصُوصٌ بِدَعْوَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وآله وسلم ، وَ نَسْلِ الْمُطَهَّرَةِ الْبَتُولِ ، لَا مَغْمَزَ فِيهِ فِي نَسَبٍ ، وَ لَا يُدَانِيهِ ذُو حَسَبٍ ، فِي الْبَيْتِ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَ الذِّرْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ ، وَ الْعِتْرَةِ مِنَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وآله وسلم ، وَ الرِّضَا مِنَ الله عَزَّ وَ جَلَّ .

شَرَفُ الْأَشْرَافِ : وَ الْفَرْعُ مِنْ عَبْدِ مَنَافٍ ، نَامِي الْعِلْمِ ، كَامِلُ الْحِلْمِ ، مُضْطَلِعٌ بِالْإِمَامَةِ ، عَالِمٌ بِالسِّيَاسَةِ ، مَفْرُوضُ الطَّاعَةِ ، قَائِمٌ بِأَمْرِ الله عَزَّ وَ جَلَّ ، نَاصِحٌ لِعِبَادِ الله ، حَافِظٌ لِدِينِ الله .

إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَ الْأَئِمَّةَ :  يُوَفِّقُهُمُ الله ، وَ يُؤْتِيهِمْ مِنْ مَخْزُونِ عِلْمِهِ وَ حِكَمِهِ مَا لَا يُؤْتِيهِ غَيْرَهُمْ ، فَيَكُونُ عِلْمُهُمْ فَوْقَ عِلْمِ أَهْلِ الزَّمَانِ ، فِي قَوْلِهِ تعالى : { أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهدى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ }يونس35.  وَ قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَ تعالى : { يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ }البقرة269 ، وَ قَوْلِهِ فِي طَالُوتَ : { إِنَّ الله اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَالله يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَالله وَاسِعٌ عَلِيمٌ } البقرة247.

وَ قَالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وآله وسلم : { أَنزَلَ الله عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ عَظِيمً } النساء113.

و قَالَ فِي الْأَئِمَّةِ : مِنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّهِ وَ عِتْرَتِهِ وَ ذُرِّيَّتِهِ صلى الله عليه وآله وسلم : { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ الله مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرً }النساء55.

وَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اخْتَارَهُ الله عَزَّ وَجَلَّ لِأُمُورِ عِبَادِهِ : شَرَحَ صَدْرَهُ لِذَلِكَ ، وَ أَوْدَعَ قَلْبَهُ يَنَابِيعَ الْحِكْمَةِ وَأَلْهَمَهُ الْعِلْمَ إِلْهَاماً، فَلَمْ يَعْيَ بَعْدَهُ بِجَوَابٍ، وَلَا يُحَيَّرُ فِيهِ عَنِ الصَّوَابِ.

فَهُوَ مَعْصُومٌ : مُؤَيَّدٌ ، مُوَفَّقٌ مُسَدَّدٌ ، قَدْ أَمِنَ مِنَ الْخَطَايَا وَ الزَّلَلِ وَ الْعِثَارِ ، يَخُصُّهُ الله بِذَلِكَ لِيَكُونَ حُجَّتَهُ عَلَى عِبَادِهِ ، وَ شَاهِدَهُ عَلَى خَلْقِهِ ، { ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَالله ذُو الْفَضْلِ العظيم }الحديد21 .

فَهَلْ يَقْدِرُونَ : عَلَى مِثْلِ هَذَا فَيَخْتَارُونَهُ ؟ أَوْ يَكُونُ مُخْتَارُهُمْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَيُقَدِّمُونَهُ ؟

 تَعَدَّوْ وَبَيْتِ الله : الْحَقَّ ، وَنَبَذُوا كِتَابَ الله وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ، وَ فِي كِتَابِ الله الْهدى ، وَ الشفاء ، فَنَبَذُوهُ ، وَ اتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ، فَذَمَّهُمُ الله ، وَ مَقَّتَهُمْ ، وَ أَتْعَسَهُمْ ، فَقَالَ جَلَّ وَ تعالى : { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هدى مِنَ الله إِنَّ الله لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }القصص50 ، وَ قَالَ : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } محمد8 . وَ قَالَ : { كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ الله وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} غافر35، وَ صَلَّى الله عَلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً [81].

 

فيا طيب : بنور الله الشافي من يعرف هذه الموصفات بأئمته على طول تأريخ الدين هو الفائز بالهدى والجنة وفضل الله العظيم اللطيف الشافي في الدارين حقا ، ومن تلجج وشك في أئمة فهو أعمى وأضل سبيلا في الدارين ، وبالله العظيم اللطيف الشافي الذي له الأسماء الحسنى ، إن لأعتقد بكل يقين يؤيده الدين بكلام الله الشافي وسنة نبيه التي فيها شفاء من العمى والضلال ، وبسيرة أئمة الحق ، أن نبينا وآله هم أئمة الحق حقا ، وبكل يقين يهدي إلى صراط الله المستقيم ، ولا يوجد أئمة حق في الإسلام غيرهم ومهام أخترع الناس لغيرهم من مناقب ومهما حكموا المسلمين وتسموا بأسماء .

ولذا حقا يحب أن نؤمن : أن ذكر آل محمد شفاء ككتاب الله سبحانه ، وهم أعظم مظهر للطف الله الشافي الظاهر في الوجود في الدارين ، وحقا ما جاء في :

تَفْسِيرُ الْإِمَامِ الحسن العسكري عليه السلام قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم : فَإِنَّ الله عَزَّ وَ جَلَّ جَعَلَ ذِكْرَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ شفاء لِلصُّدُورِ ، وَ جَعَلَ الصَّلَاةَ : عَلَيْنَا مَاحِيَةً لِلْأَوْزَارِ وَ الذُّنُوبِ ، وَ مُطَهِّرَةً مِنَ الْعُيُوبِ ، وَ مُضَاعِفَةً لِلْحَسَنَاتِ [82].

وقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : ذِكْرُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ شفاء ،
مِنَ الْوَعْكِ ، وَ الْأَسْقَامِ ، وَ وَسْوَاسِ الرَّيْبِ ، وَ حُبُّنَا رِضَى الرَّبِّ تَبَارَكَ وَ تعالى
[83].

عَنْ عَبْدِ الله بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام : قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم :

 الصَّلَاةُ عَلَيَّ وَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِي تَذْهَبُ بِالنِّفَاقِ [84].
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله في حق الإمام علي :

 هذا البيان الشافي ، و صاحب العلم الكافي ،
 أنا مدينة الحكمة و هذا بابها ، فمن أراد الحكمة و العلم فليأت الباب [85].

وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ :

 لَا تَذْهَبْ بِكُمُ الْمَذَاهِبُ فَوَ الله مَا شِيعَتُنَا إِلَّا مَنْ أَطَاعَ الله عَزَّ وَ جَلّ [86].

أي إذا عرفنا السبيل والصراط المستقيم : فيجب أن نعبد الله وحده لا شريك له بهدى علمه أئمة الحق ، فنسير عليه دنيا وآخره ، وندخل الجنة التي وعد الله العظيم اللطيف الشافي لعباده الصالحين حقا كما في الإشراق الآتي إن شاء الله .


[66] نهج ‏البلاغة ص164فضل القرآن .

[67] نهج‏ البلاغة ص252  فضل القرآن .

[68] الكافي ج2ص600كتاب فضل القرآن ح 7 .

[69] وسائل ‏الشيعة ج6ص236ب41ح7822 .

[70] فقه ‏الرضا ص342ب91 .

[71] فقه‏ الرضا ص342ب91 .

[72] طب ‏الأئمة ص 28 . وسائل ‏الشيعة ج2ص424ب14ح2537 .

[73] وسائل ‏الشيعة ج6ص232ب37ح7813.

[74] تفسير العياشي ج1ص219س4ح18 .

[75] وسائل‏ الشيعة ج6ص231ب37ح7809 . عن طِبِّ الْأَئِمَّةِ .

[76] وسائل‏ الشيعة ج6ص447ب12ح8405 .

[77]وسائل‏ الشيعة ج8ص124ب22ح10224 .

[78] المصدر : جريدة الشرق اللبنانية .

[79] الأمالي ‏للصدوق ص153ح1 .

[80] تأويل‏ الآيات ‏الظاهرة ص283 .

[81] الكافي ج1ص199ح1 من بَابٌ نَادِرٌ جَامِعٌ فِي فَضْلِ الْإِمَامِ وَ صِفَاتِهِ .

[82] مستدرك‏ الوسائل ج12ص392ب23ح14385-1 .عن تفسير الإمام‏ العسكري ص584ح 348.

[83] بحار الأنوار ج26ص227ب 1ح2 ، عن المحاسن للبرقي .

[84] الكافي ج2ص492ح8 .

[85] تفسير الإمام ‏العسكري ص : 497.

[86] الكافي ج2ص73ح1 .

 

   

أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.msn313.com

يا طيب إلى أعلى مقام صفح عنا رب الإسلام بحق نبينا وآله عليهم السلام


يا طيب إلى فهرس صحيفة شرح الأسماء الحسنى رزقنا الله نورها