بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في أصول الدين وسيرة المعصومين
صحيفة التوحيد الإلهي / الثانية / للكاملين

التحكم بالصفحة + = -

تكبير النص وتصغيره


لون النص

أحمر أزرق أخضر أصفر
أسود أبيض برتقالي رمادي

لون الخلفية


النص المفضل

لون النص والصفحة
حجم النص

الباب الأول
وجوب معرفة توحيد الله
وأصول الدين بالدليل والبرهان وآثار المعرفة وثوابها


الذكر الأول
تعريف وجوب المعرفة لأصول الدين وأنواع المعتقدين


وللذكر أنوار تشرق علينا معارفها إن شاء الله:

النور الأول
تعريف أصول الدين والاعتقاد ووجوب معرفتها وأنواعها

يا طيب : هذا تعريف : لألفاظ طالما نستعملها ونستخدمها في بحوث أصول الدين والأسس الداعية لمعرفتها وبيان أهميتها ، نتدبرها معاً يا أخي لنكون على دراية بما نطلب في هذا البحث الشريف من المعرفة ، والتي هي ركن الحياة السامية ، وأغلى معرفة واقعية ، وأس الوجود ، وغايته الكاملة ، وهي التي يصبوا لها كل طالب للحق ، ويرنوا لمعرفتها كل بحاث عن الخير والنعيم ، وبها اطمئنان النفس والسعادة الحقيقية للروح وللمجتمع ولكل أبناء جنسنا ، وأهمها :

الدِّينُ : أصله دان أي خضع وأطاع وأقر ، ولما لا يكون الخضوع والطاعة والإقرار عن طيب نفس إلا جزاء لحق على المتدين أو المدان .

 فالدين : يكون هو الطاعة للحق والإيمان به علما وعملاً ، وهو الديانة .

والمراد بالدين هنا : أسم لجميع ما يعبد به الله سواء في ذلك أصول الدين أو فروعه .

وقد يطلق لفظ الدين مجازاً : على أمور أخرى بعناية أو للمناسبة لما يطاع وتقام له مراسم عبادة ، مع أنه ليس له حق الطاعة في الحقيقة ، فيشمل بعموم لفظه ومعناه كل ما يتخيل أن له حق الطاعة وإن لم يكن له حق واقعي صادقا على من يدين به ، فيشمل كل الأديان الأخرى التي يتعبد بها لما سوى الله تعالى ، وهو مثل التدين بالأديان المشركة ، أو الكافرة الوضعية التي تصب في إطاعة هوى النفس والشهوات أو الأفكار الخيالية والوهمية ووسوسة الشيطان .

وأما العقيدة : فهي كل ما يؤمن به الإنسان من أفكار ومبادئ ويلتزم بالعمل بتكاليفها ، وعقد قلبه على الإيمان بها مع العلم والعمل .

والأصل : هو ما يعتمد ويستند عليه كل شيء ومنه يبدأ وجوده وعليه تتفرع فروعه .

والاعتقاد بالدين : هو الإيمان بكل ما يفرضه حق الطاعة على الإنسان ، فيشمل المعرفة بالقلب و الإقرار باللسان و العمل بالجوارح . فعقائد الدين : ـ عندنا كمسلمين ـ هو الإيمان بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله وأولياء دينه وبكل تعاليمه التي شرف الله بها الإنسان وكلفه أن يعمل بها ليصل لسعادته ونعيمه وحقيقة عبوديته ، فهي كل ما فرض الله من أمر الدين وتبعاته وتكاليفه .

وأما حق الطاعة لله تعالى : فهو يتلخص بشكر المنعم ، أو لخوف عقابه ، أو لحب الخضوع للكمال المطلق وكل ما أمر به من غير النظر لنعيمه أو عقابه ، أو للكل مجتمعة شكرا له لأنه صاحب الحق وخالق ومنعم وخوفا منه وحبا لها .

فأصول الدين العقائدية : هي الأُسس المعتمدة للأفكار والمبادئ التي يلتزم الإنسان بها ويعقد قلبه على الإيمان بها في كل الأحوال والظروف ، ثم يتبعها بالطاعة والعمل بكل تكاليفها وأحاكم فروعها قدر الوسع والطاقة .

وأما وجوب المعرفة : فهو بمعنى لزمَ وثبتَ واستحق على الإنسان ، وفرض عليه واشتغلت ذمته بالحصول على المعرفة والعلم بشيء معين ، وعن طريق الدليل المحكم والبرهان القاطع المانع من الشك والشبهة .

فوجوب المعرفة لأصول الدين العقائدية : هو أن كل إنسان دان واعتقد بأصول فكرية ومبادئ إيمانية ، وجب علية معرفتها بالدليل والبرهان .

النور الثاني

الإيمان والعمل بأصول الدين وأنواع المعتقدين

وفيه تشرق علينا معارف لها أشعة تنورنا الهدى الحق إن شاء الله :

الإشراق الأول : الإيمان بالأصول العقائدية وأنواعها :

شعاع نور : العلم الواقعي بالعقيدة يجب تحصيله قبل الإيمان والعمل :

 يا طيب : إن إي إنسان يؤمن بعقائد معينة ويدين نفسه بها ويريد العمل بما تمليه عليه من تكاليف ، وبأي نوع منها سواء كانت العقائد دينية من شرع الله أو غيرها ، فإنه لكي يؤمن بها ؛ يجب عليه أن يعلم بأصولها ويقيم عليها البرهان القاطع والدليل المحكم ، ويجب التفكر فيها حتى يحصل له اليقين والقطع ، ولا يكون بأقل من الاطمئنان فيما يعتقده ويؤمن به ويدين به ، ثم بعد ذلك يمكنه العمل بما تمليه عليه الأصول العقائدية لدينه من مبادئ وتحمله من مسؤولية.

و إلا إذا لم يكن الإنسان : عنده دليل على ما يعتقده ولا برهان على ما يؤمن ويدين به ؛ يكون من الهمج الرعاع الذين لا يفهمون شيئا ، ومن الذين ينعقون مع كل ناعق ولا فكر لهم ولا روية ، ولا نظر معرفة في دينهم واعتقادهم ، وسرعان ما يُخدعوا عن دينهم ويتركوا إيمانهم به ، كما ويندر منهم العمل بواجباته وتكاليفه إن لم تكن موافقة لشهواتهم الدافعة للعلم والعمل .

نعم بعض المعتقدين : يسعى للدفاع عن بعض العقائد ويظهر التدين بها ، بل وتراه يُنظر لها ويؤلف فيها ويحث الناس على تطبيقها والعمل بها لا من باب الإيمان بها واعتقادها ، بل من باب الاعتقاد بالمصالح الدنيوية وللحصول على بعض المناصب وشيء من حطام الدنيا وزينتها ، أو من باب الغرور والعجب وحب الظهور ، وهذا كالتنظير والدفاع عن بعض الأحزاب الدنيوية وأهدافها والعمل فيها ، أو لخدمة بعض الحكام والتزلف لهم وتصديق أقوالهم من غير أيمان بها ، ولا إيمانا بهم ولا عقد القلب في كل الأحوال على طاعتهم، بل ليس له حبا لهم ما لم تكن صحبته لهم ودفاعه عنهم في صالح شهواته ومنافعه الشخصية ، وإن اظهر المتابعة لهم والعمل وفق مبادئهم ودعا الناس لها ولهم فهو لغرض آخر .

الإشعاع الثاني : من يدعي لا دين له متدين :

ومعناه : إن كل من يدعي لا اعتقاد عنده فهو معتقد ، فإن من الناس من يدعي أنه لا يؤمن بعقيدة ولا يتبع أحد في دينه أو معتقده ولا يهتم بشيء ، وهذا أيضاً نوع من الاعتقاد ؛ لأنه يلتزم به ويدافع عنه و إلا لما التزم به ولا دافع عنه ، وهذا معبر عن إيمانه وعقد قلبه عليه ، أو على دافع داخلي آخر من حب البروز والظهور وغيرها من مطامع الشهوات النفسانية ، فيكون هذا هو دينه الذين يدين به وهذا معتقده وإيمانه ، وفي الحقيقة اعتقاده بدين هوى نفسه ومصالحه وشهواته ومنافعه الدنيوية الآنية ، وانقلاب فكره وثباته تابع لها .

وإن الدين الإسلامي الحق : مبادئه وأحكامه ثابتة ، وواجب عقد القلب والفكر عليها على كل الأحوال ، ولا يجوز التواني فيها فكراً وإيماناً أبداً ، وإن العمل بها يكون حسب الوسع والطاقة ، وهذا تخفيف من الله تعالى عن المُكره والعاجز ، وهو غير النفاق الذي يكون فيه الإنكار القلبي دون العملي ، أو الكفر الذي فيه الإنكار القلبي والعملي .

الإشعاع الثالث : أنواع العقائد في الدنيا :

 ويا طيب إن العقائد الموجودة في هذه الدنيا : لا تخلو إما أن تكون لا دينية وتدخل فيها جميع العقائد الإلحادية سواء علمانية أو اشتراكية أو رأسمالية وما شابهها كالإباحية أو الهتلرية والهدامية الميتية وغيرها ، وإما أن تكون من العقائد الدينية المحقة ، والعقائد المخلوطة والمنحرفة عن الدين والمذهب الحق تكون تابعة للقسم الأول لأنه ليس بعد الحق إلا الضلال ، كما ويوجد مستضعفون وهم الذين ليس لهم القدرة على متابعة التدبر وتحصيل البرهان على معرفة الحق وأهله .

وتدخل في العقائد الدينية وغيرها : المواضيع المتفرعة عليها ، وهي مختلفة من ناحية الموضوع والتكاليف وما تهتم به كالسياسة والاقتصاد والثقافة والاجتماع ، وغيرها من الأمور التي تهتم بتنظيم الفرد والأسرة والمجتمع والدولة ، بالإضافة للأمور العبادية وطلب الإخلاص بها لله تعالى وطلب رضاه أو لا .

كما إن بعض العقائد : لها أدلة محكمة وبراهين قاطعة ، وبعض العقائد ركيكة الأساس ولا برهان لها ، ولا دليل لها إلا خطب وكلمات رنانة واهية الأصول ، وما بينهما عقائد مختلفة جامعة بين الحق والباطل .

الإشراق الثاني : شدة الإيمان بالمبادئ الدينية وضعفه وحقيقته :

وفيه أشعة نور :

الإشعاع الأول : شدة الإيمان بالاعتقاد تابع لرسوخه في النفس:

يا طيب : إن شدة الإيمان والالتزام بالعقائد الدينية الفكرية والعمل بما تمليه من أحكام وحدود ، أو الدفاع عنها وتحمل المسؤولية من أجلها وضعفه ، تابع لمدى رسوخ مبادئها في النفس ، ولمقدار اطمئنان الإنسان بصدقها ، والناس في ذلك مراتب ودرجات حسب معرفتهم بها وبأهمية أثارها ومنافعها الواقعية .

وقد عرفت يا أخي : أنه لا يوجد إنسان في الدنيا خالي من عقيدة ما والتدين بدين ما ، ولا يمكن أن تجد إنسان لا يتدين بمبادئ معينه ولا يؤمن بعقائد خاصة ، سواء دينية إلهية أو غير إلهية ، والناس في ما يعتقدون وبما يلتزمون بالعمل به يكون وفقاً لشدة إيمانهم الذي له مراتب متدرجة من الضعف للشدة :

 فمنهم : من تراه يترك ما يعتقده ويدين به بأبسط الأسباب المخالفة ، وينخدع عن اعتقاده بأسهل الأدلة حتى لو كانت في نفسها ركيكة لا أساس لها.

ومنهم : الساذج في اعتقاده والبسيط في إيمانه ، وما تراه يعتقده كله تقليد للآباء ولعادة مجتمعه ، وهو مثلهم ملتزم بما التزموا به من المبادئ والعقائد الدينية ، وإن كان تراه يؤمن ويعمل بها ويدافع عنها ، إلا أنه لا علم حقيقي عنده بها ولا بأدلتها وبراهينها ، بل لمتابعة أهله أو صحبه وأصدقاءه .

ومنهم : يعتقد بمبادئ مذهب معين ويعمل بما يخالفها ويحسبها منها .

وهناك المؤمنون حقا : فإن من الناس من تراه يعتقد اعتقاد حقيقي بما يدين به ، وعارف بكل حدوده وأحكامه ، ومؤمن أيمان راسخ بمبادئه ، ويعتقد أن له دليلا محكما وبرهانا قاطعا بأسسه وأهدافه وغاياته ، وله اطمئنان قوي بكل ما يدعو إليه مذهبه وما يتدين به ، فله يحيا وعليه يموت ، ولا تهزه اكبر الأدلة المخالفة عن أيمانه بما يدينه ، ولا يبعده كل ما في الدنيا عن رسوخ عقيدته ، ولا ينخدع ولا تزل قدمه عن أصول اعتقاده ، وتراه يتحمل كل مسؤولية في سبيله ، ويضحي من أجله ، ويعمل بكل ما يلقي على عاتقه من تكاليف وأحكام ، فهو مسلّم له وعالم عامل به ، وهو مطمئن بفائدته وأنه فيه كل شرف وخير وفضيلة وكرامة في الدنيا والآخرة ، أو في الدنيا فقط وإن كان مخطئ في نظر الآخرين ، لأنه قاطع بأن إيمانه بدينه يوصله للسعادة بجميع أنواعها حين تطبيق معتقده.

الإشعاع الثاني : الاعتقاد الراسخ قد يخطأ صراط الهدى والنعيم الواقعي :

يا طيب : إنك عارف إنه حتى هؤلاء المعتقدون بشدة لما يؤمنون به وقد يصلون لمرتبة اليقين : قد يكونوا مخدوعين في شدة التزامهم بعقائدهم والدفاع عنها ، وبالخصوص إذا لم يكونوا قد تحروا الدقة في سبيل وصولهم لدينهم وأحقيته ، وليس كل من استمات في الدفاع عن فكرة معينه ودين ، فهو على الحق والهدى الواقعي وحصل على السعادة الحقة ، و إلا ما أكثر من يعتقد صواب دينه ويدافع عنه بالأدلة ويقيم له البراهين ، وهو على ضلال من الصراط المستقيم لمعنى السعادة والخير والفضيلة والكرامة والعز والمجد الحقيقي الذي يجب أن يكون من شأن الإنسان الطيب وذوا العقل السليم .

وهذا الكلام يجري يا أخي فيشمل المسلمين : ممن يحاولون أن يدينون بالدين الإلهي القويم ، وإن الفرد منهم قد يكون في شدة دفاعه وقوة برهانه تراه عند تحري الصدق في أدلته وبراهينه ، إنه يخلط الحق بالباطل والضلال بالهدى ، وبكل معلومة يعتقدها ، وبكل عمل يعمله ، وبكل كلمة يقولها يهبط عن تطبيق دين الله إلى أسفل سافلين ، ومع ما يعتقده إن علمه وعمله هذا من الدين ، وذلك لأنه يحسب المعروف منكر والمنكر معروف ، غفلة عن الحق وعدم التوجه الصادق لطلب الخير والفضيلة من محلها وسبيلها المحكم ، ولعدم السعي الجاد المتقن لمعرفة السعادة الواقعية من أسبابها الحقيقية ، والتي فيها النعمة والكمال التام والعبودية الصادقة لله بصراطها المستقيم ، والذي جعله الله عند ممن أختارهم ونصبهم أئمة حق لهداية خلقه لدينه الصادق ولواقع النعيم الدائم تبعه .

فتراه : في عين استماتته في دفاعه عن معتقده ودينه وبما يراه ويحسبه لنفسه على الحق ، وإنه لا حق بعد براهينه وأدلته ، وإنه يدافع عن مبادئ دينه وفروعه الذي كرم الله تعالى به عباده ، ولكنه في الواقع هو بعيد كل البعد عن الحق ، وليس له في الحقيقية إلا عناء التعب والفكر الذي هو مليء بالمكر والحيل التي رتبها له المنتفعون به والداعين له ، سواء في سالف الزمان ، وإن انقضوا ولكن فكرهم بقى ، ويتبعه في زمانه أئمة ضلال من الذين قلدوهم وتبعوهم عن دراية بخطئهم ولكن لهم منافع ، أو لا فيحسبون أنفسهم يحسنون صنعا وهم في واقعهم مخطئون ، وهو قلدهم بدينه وآمن بفكرهم وعلمهم وعملهم ، فجرى على ضلالهم وسار في طريق معوج مبتعدا عن الصراط المستقيم للدين القويم .

فإنه مع إيمانه الراسخ : واعتقاده الذي قد يموت في سبيله ويدافع عنه ، فإنه في الواقع ليس له ذكر صادق من المذهب المرضي لله تعالى ، ولا الهدى الحق الذي فيه خير الإنسان وبركات الوجود ونعيمه الدائم ، أي إنه ليس في عبودية الله الحقيقية التي فيها كل خير وبركة ونعيم ، وإنه لو تدبر بإمعان في دينه ومذهبه يراه عين الباطل والضلال والجهل والظلام .

وحتى المجُد : في البحث عن الدين الحق ، والاعتقاد الصادق ، قد يصيب أو يخطئ ، وحسب سلوكه وصراطه الذي يطلب به الحق من الهدى ، وطريقه في البحث عن الدين القويم وأسسه وفروعه وأحكامه ، فكم من مُجد في البحث عن عقائده ويحسبها حسنى وفق نظره وفكره وما توصل له ببحثه ، وهو قد يكون في شَبه للحق من الدين ، أو لشُبه يخرج من الحق فيخطأ الدين ، أو وفقه الله فهو في صراط مستقيم في معرفة الحق ، فيزداد إيمانه ويحصل على الهدى الحق واليقين الصادق ، فيخرج من الضلال ، فيصيب الدين الواقعي الذي فيه رضا الله وكل سعادة ونعيم وخير وبركة وسعادة أبدية دائمة .

والإنسان بصورة عامة في أي حال كان : فهو بين : دعوة حق وهدى ، أو دعوة باطل وضلال ، وعليه الجد والاجتهاد والمثابرة والطلب الصحيح للسعادة الواقعية في دين صادق فيه كل نعيم للهداية والصراط المستقيم لكل خير وفضيلة وسعادة دائمة والذي هو عند أهل الحق ، والذين يؤيدهم الله وكتابه الخالد ورسوله وسيرتهم وسلوكهم وصفاتهم ، وكل أدلة الوجود الكونية والعقلية ، والفطرية الوجدانية ، والاجتماعية التطبيقية بكل أبعادها .

فإذا عرفت هذا يا أخي : فأعلم أن المطلوب منا هو الإيمان الراسخ في الدين الحق الموصل للسعادة والنعيم الدائم في عبودية الله ورضاه وجنته ، وبيانه :

النور الثالث

المطلوب هو الاعتقاد الراسخ بأصول الدين الحق

وفيه تشرق علينا معارف تنورنا الهدى الحق إن شاء الله :

الإشراق الأول : الدعوة للاعتقاد الراسخ سبيل المنظرون :

يا طيب : الاعتقاد الراسخ : الذي لا يزول والإيمان الشديد في أعلى مراتبه ، هو ما يحاول كل كاتب أن يدعوا له ، وبما يناسب عقيدته وبما يدعم مبادئه ، وذاكراً له الأدلة والبراهين بكل أسلوب يستطيعه ، وبكل بيان يعتقد إنه يفيده ، وبكل وسيلة تساعده ، سواء كانت لها حقيقية وواقعية أم لا ، ويتشبث بكل مقال يمكن أن يعينه على نشره وترويجه ، ويطلب من تابعيه وقراء مقالاته الإيمان به وتصديقه والاعتقاد به والعمل بتعاليمه .

ولذا يا أخي : ترى كل حزب : بما لديهم من القول المدعوم بالبيان المزخرف فرحون ، إلا حزب الله فإنهم هم الغالبون ، لأنهم يدعون للحق وبهدى الله يعملون ، وذلك لما ستطلع عليه من أن الحق في هدى الله وهو الهدى الصادق ، وما بعده ضلال وخلاف الحق والواقع مهما كان له من البيان والشرح ، وهذا ما ستعرفه في هذه الصحيفة الماثلة بين يديك إن شاء الله .

الإشراق الثاني : الحاكم على عقائد الناس وصدقها العقل والوجدان:

يا طيب : إن الحاكم على العقائد : في إن لها حقيقة وتوصل لكل خير وفضيلة وكرامة أم لا ، وأنها تستحق الأيمان بها أم لا ، هو نفس الإنسان : فهو على نفسه بصير وعليه معاذيره التي يقطع بها عقله ووجدانه وضميره ، فهو القاضي فيما يقرأ ويسمع ويرى .

والعاقل من بني الإنسان : عليه الإنصاف وطلب الحق وتحري الدقة في معرفة عقائده وأصول دينه ومذهبه ، فإنه من يؤمن ويتدين بما لا أصل له من برهان محكم ودليل قاطع لا يخدع إلا نفسه ، ولا يجني إلا على مستقبله وعاقبته في الدنيا والآخرة ، وهو خلاف التعقل والوجدان السليم وطلب الفطرة الطيبة ، وخلاف ما عليه العرف والمجتمع وكل مجد في نفع نفسه واقعا وصدقا .

الإشراق الثالث: الإيمان الراسخ بالله وتوحيده سبيلنا :

يا طيب : إن الاعتقاد الراسخ : والإيمان المحكم بأصول الدين الإسلامي ، ومن ثم العمل بفروعه ، هو المهم في بحثنا هنا في صحف التوحيد وفي كل موسوعة صحف الطيبين ، وإن ما نبحثه هنا في هذه الصحيفة هو الاعتقاد الديني الذي يُحمل الإنسان المسئولية ، ويلزمه بحدوده ، ويوجب عليه العمل القطعي بتكاليف الدين الجوارحية العملية الفعلية ، وعن علم بكل تفاصيل ما شرفه الله من تعاليم الدين الضرورية ، فضلاً عن الإيمان القلبي والجوانحي والفكري الذي يدور عليه بحثنا في العقائد هنا ، وهذا الاعتقاد يوصله لرضا الله ورضوانه الذي فيه اطمئنان النفس ، وبه سعادة الدنيا والآخرة والنعيم الكامل الذي لا ينغصه شيء أبدا وحقا وواقعا .

وأصول العقائد الدينية المذكورة هنا : هي ركن الدين الإسلامي وأساس الإيمان به ، ووفق تعاليم أفضل وأشرف المذاهب في الدنيا ، فهي أصيلة في وجودها ، كبيرة في أهدافها ، ويؤمن بها أُناس كثيرون لما رأوا من الحق المبين فيها ، وذلك لأن المنظرون لها والمبينين لتعاليمها هم أشرف خلق الله وسادت أهل الدنيا ، وهم المختارون والمصطفون من قبل الله تعالى ، وهم نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين ، ومن تبعهم بحق من الصادقين والطيبين من المؤمنين .

فإنه يا أخي أن المتعلمون منهم : والناشرون لتعاليمهم مجموعة كبيرة طيبة ، وطبق هدى مبادئ أئمة الحق يكتبون ، ومن تعليمهم لعقائدهم ينهلون ، ومن معارفهم لدينهم يأخذون ، وبما فهموا منهم من دين الله الحق ينشرون ويبينون ويدعون ، وكلهم يدعون لمبدأ واحد وعقيدة واحدة ، ولهم هدف واحد وغاية واحدة ، هي الوصول لرضا الله تعالى وإقامة حقيقة العبودية له كما أنزلها على خاتم رسله نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وما طلب منه أن يعلمه لعباده من غير اختلاف في هداه ولا انحراف عنه .

والمطلوب هنا هو : الإيمان بأصول الدين الإسلامي الحنيف الحقة الصادقة والواقعية : الخمسة وهي : الإيمان بتوحيد الله ، وبعدله ، وبالنبوة المرسلة من قبله ، وبخلفاء النبي من أئمة الحق ، وبالمعاد يوم القيامة ، وكل ما توجبه وتشرفنا به من تكاليف تبعها في فروع الدين العملية والعلمية الأخرى.

ويا طيب : إن هذه الصحف التي بين يديك أعدت لبيان أصول دين ، وتدعوا كل الناس لأن يؤمنوا بما مدون فيها من عقائد ومبادئ ؛ أسسها القرآن المجيد وسُنة نبينا الكريم وشرح آله الأطهار صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين ، وستذعن إن شاء الله بما فيها من الأدلة القوية المقنعة ، والبراهين الساطعة المحكمة ، والأسس الواقعية الصادقة ، وتكون من معتنقيها والمتدينين بها ، وتدعوا كل طيب لأُسسها ومبادئها ، فضلاً عن الإيمان الشديد القوي في أعلى مراتبه بها ، والاعتقاد الراسخ المحكم لما مدون فيها في أعلى منازله ، وذلك لما سترى من إنها توصل كل محب للخير والفضيلة ولرضا الله وهداه ولسعادة الدنيا والآخرة .

فتطلع يا طيب : في هذه الصحف بعين الوجدان ، وبضمير حي محب للأنصاف ، لترى أصول عقائد الدين الإسلامي الحقة ، والواقعية التي لها أقوى الأدلة ، وأعلى البراهين المحكمة على نحو الحقيقة والواقع ، لا خداع ولا غش ولا تسويف ولا كذب فيها ، ولا شك ولا شبهة في مقدماتها ولا في نتائجها .

 بل كل ما نذكره يا أخي : هنا في هذه الصُحف لأصول الدين تصدقه العقول المنصفة ، ويقطع بحقيقتها الوجدان الصاحي ، وتؤمن به الضمائر الحية ، وتلتذ به الأنفس الطاهرة ، وترنوا للمزيد منه الأسماع المحققة والعيون الفاحصة ، طالبة بذلك كله ما يسعدها من مبادئ وعقائد ، والتي بها تجد نجاتها من هَم الدنيا والآخرة وغمهما ، والفوز والفلاح والسعادة الحقيقة فيهما ، وعبودية الله ورضوانه الأكبر الذي هو غاية الوجود ، وقمة طلب العارف بالرب المعبود ، والمنصف الذي يحب أن يؤدي حق الخالق لكل موجود ، وفيها رضا الله إن شاء الله سبحانه وتعالى .

فتدبر يا أخي : في هذه الأدلة هنا ، وما نذكره من الإرشاد للحق وصراطه المستقيم ، وما فيها من علم بأصول دين الله القيم وهداه الموجب للسعادة والنعيم ، وطالعها بإنصاف ، سترى الحق معنا ، والصدق سبيلنا ، وليس كما يدعي المدعون ، ولا تجد هنا سبيل للف والدوران كما يغلب عليه فكر المنظرون لطلب الدنيا ، بل لطلاب الآخرة وهم في خطأ السبيل سائرون ، وهم يعلمون أو لا يعلمون ، أو هم في ضلال وغلط الفكر حتى في محاولة سيرهم على الصراط المستقيم الهادي لكل النعيم .

فحكّم يا طيب : وجدانك وضميرك وعقلك معنا ، وطالع الممكن لتحكم في تصديق دعوانا فتقض لنا ، وتدبر في ما نذكر وقارنه بغيره ممن يُنظر لدينه في خلافنا ، ترى الفرق بيننا في الدنيا والآخرة إن أمنت بأحد الطرفين معنا أو ضدنا ، وأسأل الله لأن يجعلك معنا ، ويقنعك بما يوصلنا لعبوديته بكل ما يحب ويرضى ، وحتى يجعلنا مع أشرف خلقه وأكرمهم، وسادت العباد وأطهرهم ، والصادقون الطاهرون المصطفون الأخيار الأبرار الذي اختارهم لهدى دينه ، نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين الصديقين صلى الله عليه وسلم أجمعين ، وهو ولي التوفيق وهو أرحم الراحمين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .

تم الكتاب

15 شعبان 1423 يوم مولود إمام زماننا الحجة بن الحسن العسكر عجل الله تعالى فرجه الشريف
أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وآله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.alanbare.com