بعد إن عرفنا يا طيب : إنه يجب على كل إنسان أن يقيم الدليل والبرهان على أصول عقائده لكي يحصل له الإيمان بها ، ولترسخ في نفسه ، ومن ثم لكي يرعى حقوقها ، وإن هذا أمر يقره الضمير الحي والوجدان الصاحي والفطرة النظيفة ، ويوجبه العقلاء والعقل السليم والعرف الطيب و الشرع المقدس .
فنذكر هنا : أسس عقلية توجب معرفة أصول الدين الخمسة والإيمان بها ، ولها دليل محكم وبرهان قاطع ، كما إنها تُعرف عقائدنا الإسلامية بعض الشيء وتبين أهم خصائصها ، وأيضاً تبين بعض الآثار النافعة التي تعود على الإنسان نتيجة لإيمانه بأصول الدين الإسلامي الخمسة التي يجب الاعتقاد بها .
وفي الذكر هذا : أنوار تشرق علينا معارف لها أشعة تنورنا الهدى الحق إن شاء الله :
إن الإنسان بطبعه وفي نفس فطرته : موجود مفكر وباحث ومفتش عن علل وأسباب الأشياء وأفعالها ومنافعها ، فلا يقع نظره على شيء منها إلا وبحث عنه في كل وجه يمكنه أن يصل إليه بعقله وتفكيره ، ولهذا تراه يتقدم في الحياة الدنيوية ويتطور ، والإنسان نفس وجوده أقرب الأشياء إليه فتراه في كثير من أوقات فراغه وراحته وتفكره يخطر في باله وتفكيره كثير من الأمور المختصة بوجوده من مبدئه إلى منتهاه ومصيره .
فترى الإنسان في كثير من الأحيان : مفكر في أصل وجوده من أين بدأ ، وهو الآن أين موقعه من الوجود وما هو المطلوب منه ، وإلى أين سيذهب ، كما يفكر كيف يمكنه أن يحصل على منافعه بأحسن وجه ، وبأفضل طريق ، وأين يكمن كماله وخير وجوده وراحته ، ففي الحقيقة الإنسان يفكر في العلل المسيطرة على وجوده من مبدئه إلى منتهاه ، فضلاً عن علل وأسباب الوجود كله ومنافعه الشخصية الآنية .
وهكذا توجد أمور كثيرة : تدعو الإنسان لمعرفة مبدأه ومنتهاه ، وما هي أفضل وظيفة له في حياته ، وذلك في كثير من المحادثات التي تدور بينه وبين أقرانه ، وبالخصوص في مجالسهم التي يتكلمون فيها عن المبدأ والمعاد والدين والاعتقاد وحقيقتهما ، وكذا ما يطرح في كثير من وسائل الإعلام المسيطرة على كثير من وقت الإنسان من بحوث قد يُ خصص الكلام فيها عن الدين والاعتقاد ، وما هي أفضل وضيفة للإنسان في حياته ، وما يرى من وجود المتدينين ومحال العبادة ، وفي تدبره في دقائق الصنعة وفي نفسه والكون والوجود ، وكثير من الأمور الأخرى التي تدعوه للبحث الجدي والصادق عن معرفة علل وجوده ومن أين بدأ وأين ينتهي ، وما يجب عليه عمله الآن ليكون إنسان كريم فاضل ، وشريف مستقيم السيرة سعيد في حياته ، وحاصل على الأمن الروحي والاطمئنان النفسي .
فالإنسان المتعقل بل حتى غير المبالي شاء أم أبى : عليه الجواب الجدي لسؤال نفسه الملح الذي يطالبه بمعرفة حقيقة حياته من مبدأها إلى منتهاها ، وكيف يجب أن يعيش سعيد سعادة حقيقية فيها الكمال الحقيقي والنعمة التامة ، وراحة البال والواقعية ، واطمئنان النفس الصادق .
وما ذكرنا يا أخي : من الأمور المذكرة للإنسان بحقيقة حياته ووجوده الذي يجب أن يكون عليه ، تجعله مجد في كثير من الأحيان في البحث عن جواب قطعي لأصله ومنتهاه ، فضلاً عن واجبه وما ينفعه في العاجل والآجل ويسعده على الحقيقة ، وهذا سبيل كل عاقل يهتم بنفسه ويحب الخير والفضيلة والكرامة الواقعية لها ، بل يشمل كل إنسان بصورة من الصورة حسب ظروفه ، ولا يخلوا إنسان في كل الزمان من مثل هذا التدبر في وجوده وواقعيته وما ينفعه .
ولا يقطع سؤال الإنسان : عن علل وجوده من مبدئه إلى منتهاه إلا أن يؤمن بأصول الدين الخمسة التي تبين : أن مبدئه من الله تعالى وهو أساس وجوده وخالقه وهاديه الهداية التكوينية والتشريعية وكل ما فيه خيره وصلاحه بالعدل والإحسان ، وإنه تعالى منزل تعاليمه على أنبياءه وبالخصوص خاتمهم نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وإن الله تعالى جعل أوصياء لخاتم النبيين من آله الطيبين الطاهرين عليهم السلام ، وهم المحافظون على هذه التعاليم بشرحها وتعليمها على الحقيقة من غير انحراف ، وعند الرجوع لهم يعصم الناس عن الاختلاف فيها ، لأنهم هم المصدر الحقيقي لبيانها بعد النبي الأكرم بتنصيب الله تعالى واختياره واصطفاءه لهم ، وذلك لما علم من أهليتهم لهداية عباده للصراط المستقيم ، وأنه تعالى هنا ويوم القيامة سيجازي بالعدل والإحسان وفق ما بينه في كتابه القرآن الكريم والسنة المطهرة ، فيجازي ويثيب المحسن والعامل بها بإحسانه ، ويعاق المسيء بإساءته في يوم القيامة والمعاد بقدرته ونقمته ، فأما إلى النعيم المقيم ، أو إلى نار الجحيم .
فمن واجب الإنسان أن يؤمن بهذه الأصول الخمسة : التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد وبالدليل المحكم وبالبرهان القاطع حتى تطمئن نفسه بسبب وجوده ومبدئه ، ويعرف هو في أين وما عليه من الواجبات ، وإلى أين سيذهب في المستقبل في المعاد ليكون في أحسن حال وأفضل نعيم خالد مقيم وفي راحة كاملة الأبدية ، وإنه هذا ما يجب عليه تحصيله واقعا من الإيمان بالعقائد الحق والدين القيم الذي يوصله لكل خير وفضيلة ، وبكل اطمئنان وبعواقبه عند إقامته .
والإنسان المؤمن : بالدليل والبرهان بهذه الأصول الاعتقادية الخمسة يكون مرتاح البال مطمئن النفس ، خلاف من ليس عنده جواب عن مبدئه ومنتهاه ، فإنه تائه في هذه الدنيا حائر في مبدئه ، وفي وما يجب عليه عمله فيها ، وفي ما يستقبله بعد الموت ، وإن شاء الله سترى أحسن جواب لهذا فيما نبحثه في صحف أصول الدين الخمسة لموسوعة صحف الطيبين ، فتدبر بحوثها يا طيب .
يا أخي : عندما يتدبر الإنسان في الوجود : وفي مخلوقات الكون يرى نفسه قد فُضل على اغلب مخلوقاته إن لم نقل جميعها ، وكرّم عليها بكثير من الأمور ، كما ويرى نفسه قد سُخر له الوجود جميعه ووضع في خدمته ، ويمكنه أن يتصرف في أغلب موجوداته وكائناته كيف شاء .
كما لو تفكر الإنسان في نفسه لرآها : تتمتع بنعم لا تحصى من الأمور التي تمكنه من الأعمال العجيبة من العقل والفكر والإرادة والتخيل والتصور والبصر والسمع والمس والشم والذوق ، وآلات التعقل والعصب والقلب والدم ، والتنفس والهضم ، وخلايا البدن وعظامه وغيرها ، وفي كيفية عملها وانسجامها وتجددها وفناءها ، ووضعها في مواضعها مع ما لها من الدقة والنظم ، وكلما يتعمق في التفكر في نفسه والوجود يزداد تعجبه من الإمكانيات الموضوعة في خدمته ليتمكن من أعماله ، وليكون في أحسان حال له وفي تمام السعادة .
ولا يمكن للإنسان القول : بأن نعم الوجود خُلقت بالصدفة ، لأنه من المحال أن توجد الصدقة خلية واحدة فضلاً عن أيجاد الشعور والإحساس والعقل والتفكر والتدبر ، والنطق والكلام ، والعواطف والشهوة والغضب ، وبكلها ليتم سعي الإنسان وليصل لما يديم حياته ، وخلق الذكر والأنثى للتكاثر ، والليل والنهار للراحة والعمل ، والشمس والقمر للضياء كل وقت بما يناسبه ليرتاح الإنسان ، وكل ما يحتاجه من كل خير وبركة ونعمة في الوجود ، وما سخر له من الطبيعة البرية والبحرية ، وموجوداتها من الماء والهواء ، والسهول والجيل والرياح والأمطار ، ولو تعدوا نعمة الله لا تحصوها .
فلو تدبرت يا أخي الكريم : في أي شيء في الوجود ودقة صنعه ومكانه المناسب ، لدلك بحق على أنه مخلوق لخالق عظيم قادر على كل شيء وعليم حكيم يهدي الوجود لغايته ، ولغرض يسعى إليه ، وإن الصدفة والطبيعة لأخس من أن توجد نفسها فضلاً من أن توجد هذا النظم ، والإتقان والإحكام في الخلقة والوجود ، وهذه الأنواع المتكاثرة المتناسبة .
والتفكر : في الأفاق والنفس والنعم التي مُتع الإنسان فيها يوجب عليه البحث عن خالق الوجود والمنعم عليه ليشكره ، لأنه هذه النعم لها خالق ولها مصدر وهي لم تخلق نفسها .
ثم إن أصل شكر المنعم واجب عقلاً : أصل قد أقره العقلاء والعقل والعرف والوجدان ، ولا منعم أفضل من الله تعالى ، فيجب على الإنسان أن يؤمن به ويشكره .
وتوضيح ذلك : أن من يُهدى إليه هدية بسيطة يجب عليه شكر صاحب الهدية عند كل العقلاء وعند كل صاحب ضمير حي ، وكلما كبرت الهدية استوجب على الإنسان شكر أكثر ، فمن يهديك نظارة شمسية أو طبية تنفعك يجب عليك شكره خصوصاً مع احتياجك لهما ، فكيف من أهداك قوة البصر والتمتع بالنظر في المناظر الخلابة والأنس بجمال الصور الجذابة في الوجود ، وببديع الخلق فيه ، فكم عليك أن تشكره ؟ بل وأعطاك السمع وقوة العقل والفكر والتذكر والتصور والتخيل ، وقوة الحب والعشق ، وآلاف القوى في روحك ، وفي بدنك من التنفس ، للهضم ودفعه ، ودقة الصنع ، وحسن الهيئة والمنظر ، واستواء الخلقة ، وجمال البشرة والمنظر ، ويمدك للتمتع بهما في كل لحظة ، ألا يجب عليك أن تشكره ، بل يجب عليك أن تعبده ، وهذا هو الحق والعدل والإنصاف .
والشكر والعبودية للخالق والمنعم : لا يتمان على الحقيقة كما عرفت إلا عن معرفة عميقة بالدليل والبرهان بالأصول الخمسة للدين الإسلامي ، ولو قصرت لحظة في عبودية المنعم للامك العقلاء وعقلك وروحك وأنبك وجدانك وضميرك ، طبعا لو كانوا طاهرين لم يدنسهم النكران وحب الدنيا وعبادة هوى النفس ، قبل العقلاء والمجتمع الواعي لموجب لشكر المنعم الحق .
وهكذا يا أخي من يهديك : بيت يجب عليك شكره ، فكيف من يهديك نعم الأرض والسماء كلها ، وسخر لك الأمطار والأشجار ، وما يدب على الأرض والبحار من نعم الدنيا ، فضلاً عن الخلود في النعيم في الآخرة ، فكم يجب عليك شكره ؟ لحد العبودية مع الإخلاص له على الحقيقة بجواب المنصفين ، وكل الناس الطيبين والخير الفاضلين .
وإذا لم تشكر المنعم عليك : مع حاجتك له لسخرت بنفسك ، وأنبك ضميرك ، وللامك العقلاء لجحودك وكفرانك ، وإذا عاندته وتماديت في غيك ودعوت لعصيانه وكفران نعمه ، مع إنك تتمتع بها وأنت في أشد الحاجة لها ، ولا يمكنك الاستغناء عنها في لحظة واحدة ؛ يكون له حق أن يحرمك منها فتحترق في نار العدم والحرمان ، وهذا حقيقية واقعة لا محالة والعياذ بالله منها ، وجعلنا الله وإياكم من الشاكرين العابدين المخلصين .
ولكي تحافظ يا طيب : على ما يمدك من نعمه في كل آن ، ولكي تطلب منه في المستقبل ليزيدك منها ، ولكي لا يحرمك منها ، يجب عليك أن تبحث عن كل تعاليمه لتطبقها وتطيعه فيها كي تنال رضاه وحبه ومن ثم التمكن في نعيمه والخلود فيه .
وإذا عرفنا يا أخي : إنه يتم الحصول على رضا الله تعالى بالإيمان بالأصول الخمسة من التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد ، وما يوجبان علينا من تكاليف ، فإذاً : يجب علينا معرفة هذه الأصول الخمسة وما ترتب علينا وفقها ، وذلك لنشكر المنعم علينا ، ولننال رضا الله تعالى في الدنيا والآخرة ، وليرسخ إيماننا فنعمل بجد لنصل لسعادتنا فيهما.
قد عرفت : إن شكر المنعم واجب عقلاً ، وهو أصل يؤمن به العقلاء ، كذلك يوجد أصل عقلائي أخر هو : دفع الضرر المحتمل واجب عقلاً .
وتقرير البحث وبيانه : إنه لو أخبرك طفل صغير تعرف أنه جاد لا يكذب إن عقرب تقترب منك لتلدغك ، لوجب عليك عقلاً أن تلتفت له لترى صدق كلامه ، ولو لم تلتفت ولدُغت ، لم تلم إلا نفسك و لأزريت بعقلك إذ لم تلتفت لنصيحة مخلصة .
بل الإنسان : يجب عليه عقلاً وفطرة أن يلتفت لإشارات محذرة ، مثل إشارات المرور على الطرق ، وغيرها من التي تُنصب أمام الدور والأماكن الممنوعة ، ويعتني بما تخبره إشاراتها ، ولو لم يلتفت لها ووقع في حفرة أو وادي عميق ، أو أصيب بمكروه وتضرر ؛ لم يلم إلى نفسه ولا يزري إلا بعقله ولسخر هو بنفسه قبل الناس الآخرين به .
والإنسان العاقل : لو أخبره عاقل مثله لا يشك في صدقه ، لوجب عليه أن يصدقه ولا أقل إنه عليه أن يتأمل كلامه ويعتني به ، فكيف لو أخبره مثل النبي الأكرم الصادق الأمين وتبعه علي ابن أبي طالب أمير المؤمنين وآلهما الطيبين الطاهرين ، وآلاف بل ملايين الأتباع والأصحاب الطيبين ، والكتاب الخالد القرآن الكريم معجزة الوجود كله ، وآلاف الأنبياء والأوصياء والصالحين والشهداء والصديقين والمؤمنين والوجود كله ، أخبروه كلهم إن الله سبحانه سوف يعاقبك في المعاد لعدم إيمانك ، وإذا لم تقم له العبودية الحقيقة عن توحيد وبإيمان صادق ، ووفق ما أنزله على خاتم رسله وبينه وشرحه آله الطاهرين.
فلو لم يصدقهم إنسان ووقع في العقاب الأليم : لظلم نفسه ثم للامها و لأزرى بعقله ، لكونه ترك الكلام الحسن للأنبياء والأوصياء والصالحين وكل الطاهرين والطيبين والصديقين ، وتبع هواه وشهواته ، وركن إلى الظن و التخرص الفكري والتخمين الوهمي على احتمال عدم جديتهم في قولهم أو كذبهم وعدم صدقهم ، وترك الدليل والبرهان العقلي الذي أوجب عليه تصديق مخبر صادق واحد حتى لو كان طفل ، فكيف بتكذيبه لهذا الجمع من الخيرين والناس الطبيين الطاهرين الصادقين . فإن عقلك والعقلاء : هما الذين أوجبا عليك دفع الضرر المحتمل للتصديق وللاعتناء بقول طفل ، أو إشارة منصوبة على طريق ، حين إخبارهم عن ضرر بسيط محتمل ، ونفس العقلاء وعقلك يوجبان عليك أن تدفع الضرر المحتمل لهذا الإخبار من الصالحين .
بل يا أخي : الحق إنه يصبح ضرر متيقن لإخبار هذه الألوف من الأنبياء والصالحين والصديقين والطيبين والطاهرين ، ويجب أن تصدقهم بأقوى الإيمان وتدين لهم بأفضل الاعتقاد ، وهو بأن الله إذا لم تتعرف عليه وتؤمن به وتقيم له العبودية وتحسن شكره وتخلص له ، فسوف يعاقبك عقاب شديد أبدي وخالد في نار تكوي الجلود وتشوي الوجوه ، ويحرمك نعيمه ورحمته ونوره .
وإذا صدقتهم بما قالوا : وجب عليك أن تؤمن إيمانا حقيقيا ، وعن علم ومعرفة راسخة وكما يريد الله تعالى منك ، ووفق الأصول الخمسة للدين الإسلامي الحنيف ، وهي : التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد ، وبما يتعلق بهما من تكاليف عن معرفة حقيقية وعلم متقن . وهذه يا طيب : كتب { موسوعة صحف الطيبين وبالخصوص : صحف أصول الدين } بين يدك تدبرها ، إن شاء الله توصلك لحقيقة ما يجب عليك من الإيمان الحقيقي في العقائد الإسلامية الحقة ، فندين بدين ومذهب واحد ، وشكر الله سعيك وأوصلك لرضاه ، وآجرنا الله وإياك بأحسن الجزاء إنه ولي حميد ومنه التوفيق ، آمين .
وفيه أشعة نور تنورنا معارف الهدى الحق إن شاء الله :
عرفنا يا طيب : إن كل إنسان له نوع من العقائد : سواء كانت دينية أو غير دينية ، وذكرنا أنه يجب عليه معرفة عقائده بالدليل المتقن والبرهان المحكم عقلاً وشرعاً ، وذلك لكي يستطيع أن يقنع نفسه بفائدة عقائده ، ويحصل له الاطمئنان للعمل وفقها بإخلاص ، وليتفانى لها ويضحي من أجلها عند الضرورة ، ولكي يكون عنده حيوية ونشاط في تطبيقها والدفاع عنها .
وعرفنا : إنه إذا لم يكن عند الإنسان دليل على عقائده لم يستطع الإيمان بها إيمان حقيقي ؛ ويمكن أن يتركها لأي سبب ، ولا يكون متحمس لها وللعمل وفقها ، وكذلك يكون من الناس الذين لا هدف لهم ولا غاية حقيقة إذا لم يكن له مبادئ وعقائد متقنه ، وتكون أفكاره تافه ولم يستطع الإبداع ولا التقدم للعمل الهادف لا في الفكر ولا في المجتمع ، وسوف يعجز عن الدوام وهو مطمئن النفس مرتاح البال في بقاء عمله خالدا مع جزاء حسن له ونعيما دائما ثوابه.
وما ذكرنا من الأمور : هي التي كانت موجبة للنظر في طلب معرفة العقائد الحقة ، وتوجب البحث عنها والتعرف عليها والإيمان بها والعمل وفقها ، ولذا يجب على المؤمنين المطالعة والتدبر في أدلة دينهم وبراهينه وحججه ليقوى إيمانهم ولترسخ عقيدتهم ، ولتطمئن نفس كل مؤمن بحسن عاقبته وفلاحه في الدنيا والآخرة ، وللعمل وفق عقائده بحيوية ونشاط ، وليحصل على المزيد من راحة البال واطمئنان النفس ، ولينتفع ويسعد أكثر في دنياه وأخرته .
وما ذكرنا من وجوب النظر والمعرفة : هو في الأصول الخمسة التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد وما يترتب عليها من أحكام وتكاليف ، وذلك لأنها أصول متكاملة إذا عرفها إنسان بالدليل والبرهان ، اطمأنت نفسه وأذعن عقله لفائدتها ، وحصل على نفع هذه العقائد ، فيتقدم للإيمان بها ويعتقد أنها تستحق الدفاع عنها والعمل وفقها عن حيوية ونشاط .
وإما إذا كانت عقائد الإنسان : غير هذه الأصول الخمسة أو آمن ببعضها ولم يؤمن بها جميعها ؛ لا يمكن أن تطمئن نفسه لعقائده ، ولا يستطيع العمل بنشاط لدينه ، ولو عمل فهو ناقص الإيمان الحقيقي إذا كان قاصر قليل الفهم ، و إلا إذا كان معاند ومتعمد لعدم الإيمان بها ، فهو مغفل مُلقي بنفسه في التهلكة والضرر الحتمي ، وتوضيح هذا وتقريره نتدبره في أشعة نور لهذا الإشراق تعرفنا الهدى الحق إن شاء الله تعالى :
يا طيب الغير مؤمن بالله تعالى : فهو ملحد ولم يستجيب لعقله ووجدانه وروحه الموجبان عليه الإيمان بالله تعالى ، وترك قول الصادقين واتبع هواه وضل ضلال مبين ، وقصر عن شكر المنعم ووقع في الضرر المحتمل .
ثم إنه لا توجد عقائد : تستحق العمل لها بجد ونشاط والدفاع عنها والتضحية لها إذا لم تكن خالصة لله تعالى ، ويخسر الإنسان نفسه والأخلاق الفاضلة وجميع القيم الحقيقية الموصلة للسعادة ، ويفقد كل خير وفضيلة وكرامة ونعمة وبركة لفقده الإيمان بالله .
كما إنه لا يمكنه : أن يقيم دليلا محكما ولا برهانا قاطعا على عدم وجوب الإيمان بالله تعالى وعلى دين خلاف دينه ومعتقد معاند له ، فضلاً من أن يؤيد معتقده المخالف للإيمان بالله تعالى ونور دينه ، وما بينه من التعليم والمعارف الصادقة التي فيها كل هدى ، والذي يكفي التدبر في أي جزء منها مما موجود في كتاب الله المجيد ، أو في سنة نبيه المطهرة لترى الحقائق الناصعة في معارف الخير والفضيلة ، والإيمان الذي ترتاح له القلوب ، وتستقر في نعيمه الأرواح ، ويهدأ عنده العقل ، ويتنسم بتعاليمه كماله وشأنه الشريف ، ولا توجد أي تعاليم في الدنيا تطمئن لها النفس والعقل والوجدان مثل تعاليم الله في كتابه الكريم وسنة نبيه المطهرة ، وما شرحه الأوصياء المعصومين من آله محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين ، تدبرها تعرف .
وما ذكرنا ليس كلام خطابي : ففضلاً عما ذكرنا من بيان ، فإنه يصدقه من يتدبر الأدلة المذكورة في باب الإيمان بالله تعالى وتوحيده ، بل كل الأدلة في موسوعة صحف الطيبين ، وبالخصوص المتعلقة منها بأصول الدين ، وليقارنها مع ما عنده من أدلة لمذهبه المخالف ، وليضع ميزان الحق من عقله ووجدانه وفطرته السليمة ، وليحكم ولا يشطط في الحكم ، يرى الحق معنا والدليل يصدقنا .
فإنه يا طيب : من أمن بالله تعالى دون عدله : أيضاً كذبته الأدلة المُقامة على عدل الله تعالى ، وكذلك لا يمكنه أن تطمئن نفسه لأعماله ، حيث إذا لم يكن الله تعالى عادل فماذا يكون ؟!
ثم من لم يؤمن بعدل الله : فهو يؤمن بالله ـ على فرض ـ ويتعب بالعمل بالتكاليف ثم لا يقام لأعماله وزنا ولا قيمة ويلقى في النار ، أو أن يحاسب حساب الكافر والكافر يحاسب حساب المؤمن ، ولا ينفع عند ذلك الإيمان بالله فضلاً عن العمل بالتكاليف ، وهذا بعينه يدعوا لعدم الطاعة والعبودية وعدم النشاط لهما ولا للدفاع عنهما ولا التضحية في سبيلهما وهذا الكفر بعينه.
يا أخي : إن في عدم الإيمان بالنبوة وبالخصوص بخاتم الأنبياء : لا يمكن للإنسان أن يحصل على تعاليم الله الحقيقة ، وتدفعه أدلة النبوة الصادقة لنبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وأدلة ختم دين الله الحق النازل على نبيه الصادق الأمين ، راجعها في صحيفة النبوة من موسوعة صحف الطيبين ، ترى حقائق كريمة تعرفنا ضرورة وجود النبوة والرسالة وختمها من الله تعالى .
وكذالك : يدخل في الضرر المحتمل من لم يؤمن بالنبوة ، لعدم تصديقه خاتم المرسلين وشواهد نبوته ، وهكذا لا يكون عنده اطمئنان ولا نشاط لعبادة وفق دين مخالف للإسلام ، إلا أن يكون قاصر أو غافل عن الإسلام وأدلته القوية على أصول دينه وتعاليمه وبراهينه المحكمة ، والتي تبين إنه فيه تمت تعاليم الله التي توصل عباده لعبوديته ولكل خير وفضيلة بالكمال والتمام الواقعي .
والإنسان الذي لم يأخذ تعاليمه من الإسلام : ما حجته إن أخذها من غيره من الأديان ، وللإسلام كتاب سماوي خالد يعجز الإنسان بأن يأتي بمثله غير محرف ، وإنه قد أيد الله تعالى به نبيه الصادق وجعل كل أحكامه فيه ، واعتنى الله تعالى بالإسلام وبالحفاظ على تعاليمه وسنة نبيه ، وهذا لا يوجد عند أي دين أخر ، ثم إن من يؤمن بدين معين ولا يؤمن بدين قبله على أن الله نسخ تعاليمه السابقة بالدين الجديد ، لا حجة له في دينه وتعاليمه وعالميته وأحقيته ، وإذا آمن على نحو النسخ فدينه غير الإسلام قد نسخ بما أنزل الله على خاتم رسله نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما نسخ دينه الأديان السابقة .
ثم هذا دين وله نبي كريم : علينا مراجعته ومعرفة تعاليمه وحججه ويقارنها مع دينه ، ويرى حقيقة تعليمة الواسعة وكثرتها التي شملت الحياة كلها ، ولم يوجد مثله في غيره من الأديان ، وتابع سنته في الموسوعة تعرف حقه .
يا أخي إن في عدم الإيمان بالإمامة والخلافة المختارة من قبل الله تعالى : يمنع الإنسان من الحصول على تعاليم الله الحقيقية ، ويعتقد إن الله تعالى أنزل تعاليمه ولم يهمه الحفاظ عليها بصادقين مختارين من قبله ، وقد أعدهم إعداد خاص لهداية من يرغب بالعبودية الحقيقية له ، ولم يريد أن تعرف أحكامه كما هي ، ولا الحفاظ عليها بعد نزولها مع علمه سبحانه باختلاف الناس وحبهم لشهواتهم ، وقد سبق أن حُرفت كل الأديان قبل الإسلام .
فإنه لو كان إنسان عادي : يعلم إن عمله يخرب في كل مره يعمله ، لفكر ألف مرة بكيفية حفظه قبل عمله مرة أخرى ، فكيف برب العالمين المخبر بكتابه الكريم عن اختلاف الناس ، لا يحافظ على تعاليمه ، ولا يصونها بثقاة يختارهم على علم على العالمين ليهدوهم لدينه المبين ، ويصون دينه من الاختلاف والانحراف ويعصم عبادة الطيبين بهم ، ويهدهم بأناس قد أختارهم وأصطفاهم وعرفهم لهم ليهتدوا بهم للصراط المستقيم ، والذي جعله عند المنعم عليهم نبينا وآله الطيبين الطاهرين صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين .
وفي الحقيقة من لم يؤمن بالإمامة بعد النبوة : يكون قد أنكر بأن الله يريد أن يهدي عباده المؤمنين بأوصياء نبيه ومختارين من قبله للهداية الصحيحة ووفق الصراط المستقيم ، وأعَتقد إن الله يريد أخذ دينه من أي إنسان يدعي العلم والمعرفة وعنده لباقة وقوة خطابه وقوة إقناع ولو كان يدمج الحق بالباطل و ولو يخلط بين الهدى والضلال من فكره وقياسه واستحسانه ، وهذا خلاف وحدة الدين ، ولتفرق الناس مذاهب مختلفة ولهم عبادة وتعاليم مختلفة وإن ادعوا وحدة دينهم ، ويجب أن نقول كلها مرادة لله تعالى مع اختلافها الواسع ، وإثبات هذا دونه خرط القتاد ، وإدخال جمل في ثقب ابره ثم إخراجه سالماً أهون من إثباته .
كما إنه تكذيب لله ولرسوله : وذلك لعدم إطاعة ما أمروا به وما أقاموا من براهين محكمة في سنة الله في الأمم الماضية للإمامة وللوصاية للأنبياء فيهم ، وما ذكره في كتابه المجيد من وجود أئمة حق وأئمة باطل ، وفي سنة وأقوال الرسول الكريم من بيعة الغدير وغيرها ، والتي تُثبت بما لا يقبل الشك وجوب إتباع الإمام علي وولده عليهم السلام من بعده كخلفاء لرسول الله وأوصياء وأئمة حق وهدى للمسلمين ، وهذه إشارة لدليل الإمامة وسيأتيك بحث أكثر تفصيلا في صحيفة الإمامة من موسوعة صحف الطيبين بإذن الله وراجع صحيفة الثقلين منها تعرف حقائق كريمة .
كما إن عدم وضع حاكم من قبل الله تعالى بعد النبي الأكرم : يبين للناس تعاليمهم يكون حد وتقيّيد لحاكمية الله ، وهو القول بعدم اهتمامه بدينه وهو شرك جلي من الإنسان ، وذلك لأنه يتبع حاكم قد يعدل أو يظلم أو يقول بما لم ينزل الله به من سلطان وخلاف تعاليمه الحقة ، وقد يتبع ما حُرف على طول الزمان ، ولا يطمئن للتعاليم التي بين يديه ، ولا يمكنه العمل لها بجد وإخلاص إلا أن يكون قليل الفهم أو قاصر ، هذا وبراهين إثبات الإمامة تمنع هذا القول ، أقصد قول عدم الإيمان بالإمامة وعدم وجوب معرفة الإمام الحق المنصوب من قبل الله بعد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عن دليل محكم وبرهان قوي .
يا طيب إن عدم الإيمان بالمعاد في يوم القيامة : أيضاً يكون مثل سابقه ، يجعل الإنسان لا يلتزم بالعمل بالتكاليف ولا حتى الإيمان بالله عزّ وجل ، لأنه إذا لا ثواب على عملها ولا عقاب على تركها ، ولا اهتمام منه تعالى بالإيمان والعمل بها يحث العباد عليها ، ولا أجر ولا فائدة تُرغب العباد بالطاعة واحترام تعاليم الدين ، فلماذا يُتعب الإنسان نفسه بالإيمان بها ، ولِما يلتزم بها عملا و يعتبرها تكاليفه ، ولِما يضحي من أجلها ولم يطلبها الله منه ، ولا فائدة تعود عليه ولا نفع يحصل له ، بل الحقيقة تكون لا ضرر يُدفع ولا شكر منعم يحصل مع عدم الإيمان بالمعاد ، وهذا هدم لقواعد الدين وأسسه وأصوله .
فمع عدم الإيمان بالمعاد : ترى الإنسان لا يؤمن بالله ولا يعمل بتعاليمه بنشاط وجد إذ العمل بها وعدمه سواء ، ثم إنه تكذيب لله ولرسله بما اخبروا من المعاد والجزاء ، وعدم الإيمان بالمعاد يهدم كل طاعة ، ويعدم عمل الخير والتضحية والفداء من أجل العقيدة والدعوة لها ، ويكون سبب لفناء الدين وإطفاء نوره .
وكم في الناس : مثل نبينا الكريم يحب ويود أن يكون عبداً شكورا ، فقط يعبد للشكر ، أو مثل الإمام علي عليه السلام يخاطب رب العزة فيقول :
إلهي ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك ، ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك.
فإنك تدبر في الناس : مع الترغيب والترهيب والوعد والوعيد تجد قول الله يصدع في الناس : قليل من عبادي الشكور ، فكيف يوجد الإيمان الشديد والراسخ في الناس ، أو الشاكر لله والعابد له والمدافع عن الدين الحق النازل على خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم ؛ عند عدم الإيمان بالمعاد ، وعند عدم الثواب الذي لا يبيد في الجنة وعدم خوف العقاب الشديد في النار.
ولما عرفت يا طيب : وجب علينا معرفة أصول الدين مجتمعة خمستها ، وبالدليل والبرهان ، ومن دون التبعيض بالاعتقاد بها ، وعدم جواز الأخذ ببعضها دون بعض ، وللمزيد من معارفها راجع صحف أصول الدين كلا في صحيفتها في موسوعة صحف الطيبين ، أو في كتب العقائد الحقة لعلماء الدين ، ويكفي أن تراجع كتب الأستاذ جعفر السبحاني أو غيرها لتعرف الاعتقاد الحق وأهله .
يا أخي الطيب : لو عرف إنسان : إن هناك بستان وفيها كثير من الورود والأزهار والرياحين والثمار الطيبة ، والطيور الجميلة والماء العذب الرقراق ، والهواء الصافي المنعش ، ولها منظر جميل زاهي وبهاء حسن وضاء ، وإنها كثير الزوار وكلهم يمدحون ما فيها ، وكثير منهم يعتني بأمرها ويداوم على زيارتها ، لحصل لكل إنسان لم يزرها حب الإطلاع عليها والرغبة لرؤية ما فيها .
والدين الإسلامي بأصوله الخمسة : وما يتعلق بها في الحقيقة بستان وروضة معارف وعلوم ، هي أجمل ما خلق الله من التعاليم والمعارف والأحكام المدبرة للعباد ، وفيها الأخلاق الفاضلة والآداب الحسنة ، ومعارف التطهير الروحي والإقناع العقلي ، وإنه بحق يستحق الزيارة والإطلاع عليه وعلى معارفه ، فإن زوار الإسلام بل المقيمين في هذا البستان الكبير خمس أهل الأرض ، وهم أكثر من مليار مسلم ، والمداومين عليه بالزيارة والبقاء في هذا البستان نسبة يعتد بها عقلاً ، وهي كافية لمن عنده أقل شوق وغريزة لحب الإطلاع لأن يكون عنده داعي لرؤية بستان الإسلام الحنيف ومعرفة ما فيه من دين قيم وعقائد جميلة .
وهذه يا طيب : معارف وأصول دين الإسلام الحنيف بين يديك : تستحق الزيارة والتدبر فيها ، وفيها أجمل ما خلق الله من المعنويات والعلوم الروحية ، وجميع التعاليم النافعة والجالبة للسعادة والكرامة الدنيوية والأخروية ، وبصوره لطيفه وشفافة ، تعجب ناظرها ، ويحب المنصف اقتناءها ، ويشتاق العاقل للبقاء فيها ، ومطمئن النفس المؤمن بها ، وفي راحة وكرامة الباقي فيها.
وهذا يكفي لكل إنسان واعي : وعنده ذوق سليم وغريزة حب الإطلاع ؛ أن يقرأ ويتدبر وينظر التعاليم الإسلامية كلها ، وبالخصوص أصولها الخمسة ثم اعتناقها ، كما أنه ستجد سبب شريف وله أثر منيف يدعوك للإقامة فيها عند زيارتها وتجعلها في ملكك الروحي والعقلي والبدني وتقتنيها بكل أبعادها ، فراجع ما كتب أهل الحق من علماء المذهب الصادق أتباع نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين في معارف أصول الدين ، أو راجع وتدبر فيما بين يدك وأمامك من صحيفة التوحيد وأخواتها في باقي أصول الدين ، ونسأل الله أن تعجبك أدلته وبراهينه وتعتنقها وتدافع عنها وتنشرها .
ثم يا طيب : إنك ترى إن الإنسان يزور المتاحف لرؤية آثارها ، وتعاليم الإسلام وآثاره عريقة بل ماجدة وتليدة تستحق الزيارة ، وهكذا من عنده حب المطالعة ، فهذه تعليم الدين الإسلامي وبالخصوص أصول دينه يمتدحها الكثير ويتدين بها ويدافع عنها أمة منهم يعتد بها ، فهي تستحق المطالعة لمعرفة أراء أصحابها ومعتنقيها ، ولتحكم لهم أو عليهم ، ويا ترى أيحق لهم التعبد بها واعتناقها والدفاع عنها والتضحية في سبيلها أم لا ؟!
وما ذكرنا : في هذا الأمر الأخير وإن كان شبيه بالدعوة لمحبي الإطلاع من غير المسلمين ، لكن في الحقيقة هو فيه دعوة للمؤمنين أيضاً ، فإذا كان عقلاً على محب الإطلاع وشوق المعرفة وعشق الجمال والخير والفضيلة ، زيارة أصول الدين الإسلامية وما يتعلق بها لرؤية ما فيها ، فأهلها أولى بها وأحق بالمداومة على زيارتها بين فترة وأخرى وتجديد العهد معها ، وليتذكروا ما فيها لأن الذكرى تنفع المؤمنين ، ويستأنس بذكر الله وتعاليمه كل الطيبين .
والحق يقال : فإنه بتعاليم الله وبالخصوص معرفته وذكره تطمئن القلوب به ، وتسكن النفوس له ، وفي معرفة الله الحق ترتاح العقول ، ويفرح الإنسان المؤمن بالحقيقة والصفاء الروحي الذي يحصل له من معرفة أصول دين الله بل ومن فروعه ، ويتخلص من هم المعارف المادية والأمور الدنيوية المتعبة للأعصاب والمثيرة للهموم ، وتجلبه للنظر في حسن العاقبة وقلة التنافس على زينة الدنيا أو الحرص عليها وتحويلها لغيره دون الانتفاع الحقيقي بها ، وتدعوه للسعي لأمور ذو قيم أعلى وأهداف أسمى ، بل ويجعل سعيه في تعلم العلوم الدنيوية واقتناء زينة الحياة الدنيا لخدمة عقائده وأصول دينه .
بل والأهم : إن الموجب على المؤمن لأن يطلع على أمور دينه ، وهو ما عرفت إنه لكي يرسخ في نفسه ولتظهر أثاره في أفعاله وليكون له الهمة والجد من أجل العمل له وبه ، ويكون عنده هدف في الحياة سامي ينظر له بعين الإعجاب والتقدير ، وذلك بعد أن يُصدق بفائدته ويقطع بصدق دليله وحقيقة برهانه ، ومن ثم يكون عنده الجد والنشاط للسير في كل مجالات الحياة بفرح وسرور لما عنده من القيم العالية ، ولما ينتظره من المستقبل المشرق في كل الظروف وأصعب الأحوال ، فتهون عليه الدنيا وزينتها ، ولا يتحسر على شيء فاته منها إن لم يكن في خدمة دينه واعتقاده الشريف السامي .
وأين من ينتظر ويأمل : رضا الله ونعيمه المقيم وكل خير وفضيلة وكرامة وهو على هدى واضح ونور حقيقي يضيء له سبيله في الحياة على كل حال ، ومن ثم يُكرم بالحشر والنشر مع أشرف الناس وأنبلهم وخير البشر وأفضلهم ، وفي مقام عالي ورفيع فيه الحور العين والولدان المخلدين والنور والقصور ، والهواء المنعش لا برد فيه ولا حرور وفيه كل ما لذ وطاب .
وأين كون إنسان أخر :لم يؤمن بالله ولا ينتظر هداه ونعيمه ورحمته ، فيكون في أحسن أحواله لا اطمئنان له بمستقبله مهما كان له من قوة ، وفي كل ما هو فيه من خيرات الدنيا ونعيمها لا يأمن العجز والكبر والمرض ومن ثم العدم والفناء وبعدها العذاب الشديد .وهذا أمر واقعي وحقيقي وجدي : بأن يكون المؤمن يعيش السعادة والاطمئنان الروحي في أتعس الأحوال وأفضلها ، ويسعى في فرح واقعي في صميم قلبه وإن أظهر الحزن على عدم إيمان الناس وخسرانهم ، وتألم لما يفوته من تضييع بعض حق الطاعة وشكر المنعم .
وبين الكافر : والغير المبالي بأمور الدين والاعتقاد الحق الذي يعيش عدم الاستقرار ، والحسرة على كل شيء مر من عمره وعلى زينة الحياة الدنيا إذا لم يملكها أو ملكها وسيتركها لغيره ، ويتألم تألم شديد في مرضه وكبره وعجزه وانتظاره للخسران لكل شيء ، وترك كل ما جمعه لغيره من غير التنعم به تنعم واقعي لم يشغله شيء عنه من هم جمعه وصرفه والمحافظة عليه والفكر به بأعز أحوال عمره وفي عز ثمرة شبابه وعمره .
وذلك لكونه : كان مشغول طول عمره لجمع تلك الزينة والمال والبناء ، ومن ثم تركه في أتعس حال من العجز والكبر والمرض ، وهكذا حال من يرثه وينميه لغيره ، ولم يطلب به رضا الله تعالى وحسن ثوابه ونعيمه الواقعي ، فهو شاء أم أبى في حزن وحسرة وهمّ في طول عمره ، وإن أظهر الفرح الكاذب الوهمي بالرقص والموسيقى والغناء وشرب الخمر وارتكاب المحرمات وكل ما يلهه عن الدنيا وزينتها واقعا .
فإن الفرق البعيد : بين من يجمع للفناء ويبني للخراب ويتحسر على كل ما فاته من الخسران ، من إنسان مطمئن بأن كل ما يجمع فهو يجمعه وينميه للبقاء ويبنيه للعمران الدائم والنعيم المقيم في ثواب رب العالمين .
فلذا يا طيب ويا أخي المؤمن : أنت أحق بتعالم الإسلام التي فيها كل خير وكرامة وفضيلة وشرف وعزة من غيرك لتطلع عليها ولتعلمها ولتؤمن بها ولتعمل بها ولتنشرها ولتدافع عنها ولتدعوا لها ، وهذه صحف كريمة في أصول الدين الإسلامي الحنيف ، تدبرها ومتع نظرك فيها ، وقل ربي زدني علماً ، وعلمني ما لم أعلم ، وأهدني لصراطك المستقيم بحق محمد وآله الطيبين الطاهرين ، إنك أرحم الراحمين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .
15 شعبان 1423 يوم مولود إمام زماننا الحجة بن الحسن العسكر عجل الله تعالى فرجه الشريف
أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وآله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.alanbare.com