بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في أصول الدين وسيرة المعصومين
صحيفة التوحيد الإلهي / الثانية / للكاملين

التحكم بالصفحة + = -

تكبير النص وتصغيره


لون النص

أحمر أزرق أخضر أصفر
أسود أبيض برتقالي رمادي

لون الخلفية


النص المفضل

لون النص والصفحة
حجم النص

الباب الخامس
تجلي الأسماء الحسنى الإلهية بمراتب الوجود وغرضه وغايته وكيفية التحلي بنورها



إشراق يتقدم :

 فينورنا معارف تجلي الأسماء الحسنى في الكون :

يا طيب : بعد إن عرفنا ضرورة الإيمان بالله تعالى وحده لا شريك له ، بل آمنا به سبحانه بكل مراتب التوحيد ومعارفه ، سواء بالذات أو بالصفات أو بالأفعال أو بالهدى والتشريع والتقنين ، وأقررنا بحيطته بوجودنا علما وقدرة ، وأذعنا بحاكمية وولايته علينا ، بل ورأينا بعين البصيرة واليقين إنه لا شيء في الوجود إلا تابع لظهور أسماءه الحسنى وصفاته العليا ، وهو الغني الحميد وكل شيء فقير له ، ولا استقلال لخلقه دونه ، وبه قوام وجوده وبقاءه ، ومنه نعيم هداه وكل كماله حتى يصل لغايته .

وبعد إن تيقنا معرفة : هي قمة معارف الوجود وأحلاها ، ورسخ في قلوبنا الإيمان بربنا المعبود الذي له الملك وله الحمد وحده لا شريك له سبحانه ، وتنورت روحنا بحياة العلم بالأسماء الحسنى والصفات العليا الإلهية ، وعرفنا أمهات الأسماء المحيطة وما يتفرع عليها ، وكيف ظهورها وبطونها وإحاطة بعض الأسماء على بعض ، حتى ظهور اسم الخالق وكل نعيم علينا وعلى كل شيء قدرة وعلم ومالكية وهدى وربوبية وقيومية وعطاء ورحمة عند التدبر فيها .

وأيقنا حقا : إنه تعالى أحاط بنا بنعم لا تحصى وهدى لا ضلال فيه ، و إن شاء الله تجلى علينا بها معرفة وحقيقة حين طلبنا علمها وآمنه به ، فنكون بقدر الوسع والطاقة متصفين بها ، كما عرفنا كثير من خصائصها التي لا يغني اللبيب والمحب لعبوديته والتوجه له من التحلي بها عن علم ومعرفة ، فيطلبه عن إيمان راسخ ويقين مطمئن ببركاتها ، ومع معرفة محكمة بكمالها الذي لا يحجب عنه شيء إلا ظرف وجود الممكن وعدم طاقته لتحمل أكثر مما فيه إلا أن يستعد لها ، ونسأل الله أن يوفقنا فنتهيأ لها ونستعد بتطهير أنفسنا لننال فيضها ونصل لمعدن العظم فتكون أرواحنا معلقة بعز قدسه .

وحان الآن يا طيب : لكي نتدبر بل نتعمق في معرفة معنى جميل آخر من بحوث التوحيد الإلهي ، وهو أنه كيف تظهر الأسماء الحسنى في الوجود الكوني وتتجلى بركاتها على كل شيء ، فيظهر الوجود ويحل في التكون نور الله وهداه ، وما هي مراتب الخلق وكيف تحيط بعض مراتب الوجود على بعض مع إحاطة الله بها وهو القيوم عليها يوصلها لكمالها ، وما هي غاية وغرض هذا الخلق المتقن في التكون والهدى ، وكيف يربي الله الرب القيوم الكون بل بالخصوص خلاصة الوجود والمنعم عليه بنعم لا تحصى ، حتى يتهيأ لتحصيل فيض الله وبركاته بتجلي الأسماء الحسنى والصفات العليا الإلهية عليه ، فيرتفع في نعيم الله وملكوت الكون ويحصل على بركاته الحقيقية الدائمة فيخلد في نعيم الله الذي لا ينفد ، أو يتعصى ويتمرد ويطغى وإن لم يكن خارج من حيطته وبعد تحت نفوذ قدرته تعالى فيلعن ويطرد ويحرم ويعذب .

فيكون يا أخي في الإيمان : هذا البحث خلاصته في ظهور وجودنا من المبدأ وكيف يجب أن نرجع له سبحانه في المعاد ، بعد أن نعرف كيف يظهر الوجود وما هي غايته ، ونجعل هذا الباب في أذكار نور تشرق علينا بأشعة هدى لمعارف نورها إن شاء الله ، وهي : الذكر الأول : ظهور نور تجلي الأسماء الحسنى في مراتب الوجود الكوني .الذكر الثاني : غاية فعل الله سبحانه وغرض الوجود حتى الوجود الإنساني . الذكر الثالث : كيف نطلب الله تعالى لنتحلى ولنتجلى بنور الأسماء الحسنى ، ونختمه بنور : حقائق الإيمان وبركاته .

وأسأل الله : لك ولي أن ينطقنا بالصواب ويلهمنا حقيقة المعرفة به وبفيضه ، ويلبسنا في حقيقة وجودنا نعيم هداه وبركاته ، وتبارك اسم ربك ذو الجلال والإكرام ، وهو الولي الحميد وبيده الخير وهو على كل شيء قدير ، آمين .

 

 

الذكر الأول

ظهور نور تجلي الأسماء الحسنى في مراتب الوجود الكوني


 

الإشراق الأول :

عظمة نور الأسماء الحسنى والصفات العليا في ظهورها بالكون:

يا طيب : قد عرفنا إن الله سبحانه وتعالى هو الذي له الأسماء الحسنى والصفات العليا الذاتية ، وإنها هي حقيقة وجوده الحي الفعال والغني بالعلم والقدرة بما لا يوصف ولا يحد ومن غير كثرة ، وجعلنا نذعن ونوقن بحيطة وجوده على كل  شيء وعلينا وبركاته بما علمنا من هذه ال معرفة المباركة ، والتي تتحير في عظمتها العقول ، ويقف له إجلالاً وتكريماً ، أهل المعقول والمنقول ، وليس هي ألفاظ بما هي لا معنى حقيقي لها ، أو معاني لا واقعية لها .

بل إنه سبحانه حقا : له وجود لا يحد بوهم وعقل ولا يعرف إلا بالإيمان به والإذعان لحيطته وعلمه وقدرته على كل شيء ، وإن الأسماء الحسنى الإلهية في الحقيقة هي تعبر عن الحقيقة الخارجية المقدسة التي لا يحيط بها شيء ، والتي تعرفنا على شيء من كمالها ومالها من الغنى والشأن العظيم ، وهي تعبر عن كماله تعالى وغناه في ذاته ولعلمه المسبق أراد سبحانه ظهور كل شيء في الوجود بأحسن صورة وأكمل إتقان ما يمكن  ، وبحث لا يمكن أن يتصور أدق وأحكم منه ، فخلق الكون ووهب لمن يشاء العلم والقدرة والحياة وكل كمال فضلاً عن نفس وجود الأشياء ، كما إنه تعالى هدى كل شيء لما يناسب شأنه وغاية وجوده .

ووفق ما يتجلى به : من نور وجوده الغني الذي له كل كمال مطلق ، والذي يعبر عنه بالأسماء الحسنى والصفات العليا ، وبالقسط والعدل تظهر ويبطن منها ما يظهر ويبطن ، فيوجد كل شيء في الكون موزون ، ولا يمكنه أن يطغى أو يفسد الوجود بنفسه من دون تقدير وقضاء مسبق ، فظهر الوجود والكون حسب علمه السابق ووفق ما قدر لكل موجود منه ، وبالظهور للأسماء الحسنى وتجليها في الكون ينال كل شيء وجوده وكماله بحسب حاله وشأنه وغايته ، ومن غير إمكان التخلف عن أمره تعالى ، ولا مانع مما يريد سبحانه ، وهو وحده لا شريك له ، له الأمر من قبل ومن بعد ، وهو على كل شيء قدير ومحيط ، وهو الواحد القهار ذو الجلال والإكرام .

ولذا يا أخي : كان الكون كله يشير ، بل وجوده وكماله ونعمه تعبير عن ظهور أسماء الله الحسنى والصفات العليا في الوجود بالعدل والإحسان ، وإنه وفق علمه المحيط بكل شيء ، فلا يكون شيء إلا بأحسن صورة مباركة ومتقنة ، فهو تعالى العدل في وجوده وصفاته ، والعادل المقسط بما يظهر ويتجلى به من الأسماء الحسنى في الوجود ، وإذا عرفنا هذا فلنتعرف بعض المعرفة على معنى ظهور نور الأسماء الحسنى الإلهية بالعدل والإحسان .


 

الإشراق الثاني :

 ظهور الأسماء الحسنى في الكون بالعدل والإحسان :

يا أخي الطيب : إن الله هو العدل في ذاته والعادل في ظهوره ، وإن ما هنا يحكي عما هناك من المجد والعظمة ويدلنا عليه بما يسع الفكر البشري في تطلعه لمعنى نور العظمة ، وهذا العدل والقسط الإلهي سواء في نفس ظهور وبطون الأسماء الحسنى الذاتية لا يظهر منها ويتجلى إلا بالحق ، لا لعب ولا لهو ولا باطل في ظهورها بل هو الحق المطلق ، وكل شيء بقدر وقضاء مسبق قد أحكم وجوده وأتقن تكوينه وأحسن صنعه ، ولحكمة وغاية يظهر ويوجد ويتكون ، أو يكمل ويتنعم ويهدى ونموا في الكمال ، أو يذبل ويموت صاعدا أو نازلا في الكمال ، أو ينتهي ويفنى ، فهو بتقدير ووزن معلوم يتنزل ويبقى ويصعد .

فالله تعالى قائم بالعدل والقسط : سواء في نفس الأسماء الحسنى الذاتية والفعلية ، أو في ظهور فيض الله في كل مراتب الوجود ، أو في تجليها في كل شيء في الكون ونعيمه وهداه ، ولذا قال الله تعالى :

{ شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ

قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } آل عمران18.

وقال الله تعالى : { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً

لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } الأنعام/115 .

 وهذا الإحكام والعدل الصادق الذي لا يتبدل : في ظهور الأشياء الكونية مُحكّم في الوجود وثابت ، وهو قانون من سنن التكوين والهدى ، لا يظهر إلا بالعدل والإحسان وحسب الاستحقاق ، ولا تخلف فيه أبدا ، يؤيده ما ذكرنا في الباب الثاني وبالخصوص في الذكر الثالث حيث عرفنا إن الآفاق الكونية تدل على وجوب الإيمان بالله وتوحيده ، وذكرنا الإتقان فيها والهدى الموزون ، بل وفي برهان النفس ، وبرهان الهدى التشريعي فضلاً عن التكويني وستعرف معارف كريمة فيه المعنى هنا .

وتفصيل الكلام في مسألة العدل الإلهي بالخصوص : وهي تُبحث في كتاب مستقل كما ستراه إن شاء الله في صحيفة العدل الإلهي ، من موسوعة صحف الطيبين ، وإنه أصل مستقل وهو الأصل الثاني من أصول الدين في المذهب الحق كما عرفت ، ولسعة بحثه وأهمية يفرد في كتاب مستقل .

وإن كان قد يقال : إن البحث يناسب اسم الله الأحسن العادل والعدل ، وهو إن كان بيان له بعض البيان ، ولكن جعلنا البحث فيه هنا دون باب معارف الأسماء الحسنى ولصفات العليا الإلهية ، وذلك لما عرفت من أن البحث فيه هنا : متعلق بالظهور في الكون وتجلي الأسماء الحسنى الإلهية حتى يصل الوجود وكل شيء فيه لغايته وإنه بالعدل والإحسان ، وينال كل موجود نصيبه ، وكما سيأتي بيان مهم لمعرفة أخرى قيمة ومناسبة لأمر كريم يخصنا وعليه يدور ذكرنا وشكرنا وعبادتنا لله ، فيكون البحث قريب منه هنا ومناسب تقدمه لنتيقن حقائق معارف ظهور عظمة الله في نور أسماء الحسنى في الكون كله وفينا بالخصوص ، فنتذكره ويكون في بالنا عند طلبه سبحانه والتوجه له بالتوسل والدعاء وكل عبادة ، ولذا يا طيب أرجو أن تضعه نور البحث هذا في بالك في كل معارف التوحيد وغيره من أصول الدين بل في سيرة المعصومين وفي الفروع.

ونوضح ما ذكرنا بشرح أشعة نور من مسائل العدل الإلهي مهمة مختصة بظهور الأسماء الحسنى وتجليها في الكون كله ، وحسب استحقاق وشأن كل شيء فيه وخلاصتها وهي :

 



 

الإشعاع الأول : الله يأمر بضرورة التحلي بالعدل والإحسان :

يا طيب : أن ظهور الكون والوجود وهداه حتى غايته هو بتجلي الأسماء الحسنى والصفات العليا الإلهية وبالعدل والإحسان ، وإن ما يظهر منها فهو يظهر لحكمة ولغاية ، وبإتقان للخلق ولوجوده كله ولهداه ، وإن الله قد سبقت رحمته غضبه ، ولهذا حسن الوجود وأستمر بأحسن ما يمكن في الصنع والتقدير والهدى والربوبية والقيومية عليه ، وحتى يصل لغاية وجوده ويحصل على كل نعيم ممكن له وبما يستحقه ، والله هو المتفضل عليه وجودا وهدى ولذا قال تعالى ما عرفت من الآيات الكريمة وقال يعلمنا تعالى :

{ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ  وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى

وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ

يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } النحل/90 .

ويستحيل : أن يأمر الله بشيء ليس له أصل من نور عظمته يتجلى به ، ويطلب من المؤمنين الطيبين التحلي به والتحقق ب نوره ، ولذا رفض الله تعالى المنكر والبغي ، وبهذا وعضنا وطلب من أن نتذكره في علمنا وعملنا .

 



الإشعاع الثاني : من لم يتحلى بالعدل يخسر بركة لأسماء الحسنى :

ويا طيب : بالآيات السابقة عرفنا ، إنه لا يمكن أن ننال من نعيم وجود وبركة الأسماء الحسنى والصفات العليا الإلهية وتجليها بالجور والغلبة ولا بالغي وبعمل المنكر ، ولا بالحيلة والمكر والخداع ، أو بدون استعداد وتهيؤ لتحصيل عطائها وبركاتها ، وإنه بتجلي الأسماء الحسنى والصفات العليا الجمالية بالعدل والإحسان يفيض كل كمال على الوجود كله وعلينا ، ويكون فيمن يحصل على نورها الخير والنعيم والهدى ، وبالخصوص الإنسان الذي هو خلاصة الوجود والمفضل على كثير مما خُلق فيه ، ولنتيقن هذا عليك بالإشعاع التالي .

 



الإشعاع الثالث : بركات الأسماء الحسنى لمن يستحق نورها :

يا طيب : إن تجلي العدل والإحسان الإلهي في الكون وهداه ، ولا يمكن أخذه منه شيء غصبا ، لأنه تعالى أمره نافذ وقدرته محيطه وعلمه خبر كل شيء ولا يظهر إلا لحكمة وبالعدل والإحسان لمن يستحق وجوده وشأنه في الكون ، وأنه سبحانه بعد أن خلق الخلق لم يتركه بل هو قائم عليه وبه وجوده وهداه ، ويمنحه كل ما يقوم به حتى يصل لغايته ، وإنه خلقه ويهبه الحسن بما يستحق ليكون بأفضل صورة ممكنة وأفضل إتقان محكم يناسب شأنه واستحقاقه .

 ولذا يا طيب : كذالك على بني الإنسان لما كان لهم نعيم من الله وهدى تكويني ونور تجلي من الله بما يستحقون بالعدل ولإحسان ، إنه على كل فرد منه لكونه مختار في طلب ما عند الله من الهدى التشريعي ، هو أن يطلب ما عنده سبحانه بلسان حاله ومقاله فيستعد ويتهيأ ل نور فيضها ، ولذا كان يجب عليه إن يقيم العبودية والطاعة مخلصة له حتى يحصل على ما عند الله من الكمال ، لأنه هكذا جرت سنة الله تعالي في تجلي فيضه وظهور نوره على العباد ، ولذا قال تعال في تجليه ونزول بركاته في الوجود :

{ أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ (17)

 لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ الْحُسْنَى

وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْا بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ }الرعد18 .

هذا مثل يضربه الله تعالى لنا : بإنه بعد خلق لخلق وإبداعه وظهور كل شيء في الكون يكون كماله ونعيم الله وتجلي بركاته عليه ، وإنها تنزل بقدر ما يتحمل كل شيء وحسب حاله وظرفه وطاقته فيأتيه فيض الله هذا في الكون كله قانون عام شامل ، وإن استجاب الإنسان فله الحسنى من نور فيض االأسماء الحسنى ، وإلا فسوء الحساب للعاصين .

 فإنه يا طيب : إن بني البشر لما كان لهم أمر اختياري في تقبل الهدى وحسب طلبه الحالي والمقالي ، يكون تجلي الله بنعيمه عليه ، وبما يصلح حاله أو يناسب شأنه ، فإنه إن كان أهل لتقبل فيض أسماء الجمال والرحمة ـ رزقنا الله منها ـ نال نصيبه منها ، وإن لم يكن يخرج منها لأسماء الجلال ، والبعد عن الرحمة أعاذنا الله منه ، وقد ذكرنا بيان وافي بأسلوب آخر في صحيفة الإمام الحسين عليه السلام في هذا المعنى ، فإن كان تطلب المزيد من هذه المعرفة فراجعها هناك .

 



الإشعاع الرابع : قانون العدل الإلهي سنة كونية محكمة حتى لنا :

يا طيب قد عرفت : حسب الآية السابقة ومما مر من ظهور وتجلي الأسماء الحسنى بالعدل والإحسان ، إن الإنسان إن كان ممن استجاب لله فقد أنتفع بنور بركات لأسماء الحسنى الإلهية ، وهكذا كان قانون العدل في سنن الكون كله ولأي شيء فيه في الآيات السابقة وما عرفت من الآيات قبلها ، وإنه من يستحق قدره يسيل عليه فيض الله ويبقى منتفع بنور الله دائما ، ويبقي تحت ظهور الأسماء الحسنى الجمالية فيتنزل عليه كمال من فيض الله ونعيمه الأبدي ، فيكون في اطمئنان نفس وراحة دائمة .

وإما إن كان : من الذين لم يستجيبوا لداعي الله وما عرفه بكل شيء في نفسه وفي الوجود من ضرورة الإيمان به وتوحيده وإطاعته بكل ما شرفنا من هدى دينه ، وإن ظرفه لم يستعد لتقبل نور الله ، وكان ممن أصروا على معصيته فلا ينتفع بالأسماء الحسنى الجمالية ولا يفيض عليه نورها دائما ، ويذهب عنه ما كان متجلي عليه منها ، ويكون تحت حيطة أسماء الله الجلالية وتظهر عليه بالغلبة والقهر والحرمان والضلال ، فيكون في ضيق النقص والحاجة ويبقى في نار الحرمان ، وإن كان يحسب نعيم الله وعطائه خير له وبركة وتفضيل له إن أعطاه شيء منه في هذه الحياة الدنيا ، فإنه في الحقيقة استدراج كما عرفت ، فيبطن ويظهر بعد ذلك بالانتقام والنقص والحرمان ويكوى به في جنهم والحاجة والعدم ، لأنه بنعمه عصاه وبكل ما أعطاه من خير تمرد عليه ، وهذا خلاف العدل وقيم الإحسان المستوجب للشكر والحمد والثناء ، بل إقامة العبودية بإخلاص له سبحانه ، والعياذ بالله من أن تبطن أسماء الرحمة التي يتجلى منها الكمال والجمال وتظهر أسماء الانتقام والعذاب الجلالية .

 ولذا يجب أن يستعد الإنسان : في حقيقية وجوده لنيل فيض الله وبركات نعمته ، وهذا القانون الإلهي الذي منح كل شيء حسب حاله وبقدر معلوم موزون له وبما يناسبه ، هو سنة إلهية في الكون وفي وجود كل شيء وهداه ، وبالخصوص للإنسان الذي خُص وتشرف بوجوب الإيمان بالله وتوحيده بكل معنى التوحيد ، ووجب عليه شرف التوجه لله وطلبه بالأسماء الحسنى وبصراط مستقيم لينال نعيمه وبركة الله ، فيبقى تحت حيطة أسماء الجمال والكمال للرحمة الإلهية وتشع عليه بهاء وسناء ونور وجلال وعز وكرامة دائمة ، وانظر قوله تعالى:

{ وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19) وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20)

وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21) وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22)

وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِ وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23)

 وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ

وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24)

 وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } الحجر25 .

فإن الله تعالى : في عين تعرضه وبيانه للثبات والإحكام والإتقان في الصنع وأنه مقدر موزون ويأتي بقدر معلوم ، يبين أن هذا لبني البشر لكي يقيموا له العبودية والطاعة ، ويجب عليهم أن يطلبوه بما علمهم وبما يناسب شأنه ، وإنه سبحانه أحياهم ويميتهم وكل شيء تحت قدرته وحيطة علمه تعالى لا يغيب عنه شيء ، وإنه خلقهم لحكمة ويجب أن يطلبوا ما عنده سبحانه لينالوا وليتنزل خيره وبركاته عليهم الآن وعند حشرهم وجزاءهم ، ولا ينفروا من خيره وبركاته بالمعصية والطغيان على أوامره وعدم إتباع هداه ؛ فيحرموا بل يلعنوا ويعذبوا .

وإذا عرفنا هذا القانون الإلهي في الكون : وبالخصوص لنا لأنه يهمنا وبه خير وجودنا وكمالنا ونعيمنا حقا ، إي عرفنا إن الله يعطي كل شيء ما يستحقه بحسب حاله ومقاله ، وهذا كلام يشمل كل الكونيات وهو تعبير عن ظهور الأسماء الحسنى الإلهية بالعدل والإحسان ، وقد شهد الله لنفسه وملائكته وأول العلم من خلقه له بهذا القانون كما عرفت في أول الآيات .

ويعرف هذا : كل من يتدبر في الكون وفي كل موجود وأحواله يراه أنه لا يستحق أحسن من هذا الحال ، وإنه حسب طلبه لفيض الله يتجلى عليه بما يناسب سعيه ، و الله عليم به يوصله لغايته حسب طلبه بحاله أو مع مقاله ,

ولكن لابد للتدبر : في هذا القانون الإلهي في الكون ومجالي ظهور الأشياء وحسنها ، وفي أنفسنا ، أن نعرف سببه الحقيقي وشأن الموجود وغاية وحسنه في تكوين وهدف وجوده ومرتبة ، وعندها نحكم له وعليه بأنه هذه النعم تصب في أي طرف له نعم دائمة ، أو للاستدارج والإمهال ولإقامة الحجة واختبار ، وبالخصوص لبني الإنسان : فنعرف نزول نعيم الله حسب حال الإنسان وما عرفنا من قوانين التكوين وسننه في نزول فيضه تعالى على المؤمنين وغيرهم ولا نغتر ، فنغفل عن حكمة الله وعظمته وعدله وإحسانه ، ونتبع الذين ظلموا لمتع أيام قليل وبشيء قليل من زينة الحياة الدنيا ، ونهجر النعيم الدائم لفيض نور الله تعالى ورضاه الذي هو غاية الوجود الماجد الكريم في جنة خلد البركات الإلهية.

 فإنه يا طيب : قد يكون المنع المؤقت للمؤمنين اختبار وبلاء لهم لزيادة المقام والشأن ، أو نعمه قد تكون استدراج للعبد ، وبالخصوص لم لمن يكن شاكر لأنعمه تعالى ، فيجب أن يكون النظر للأمور عن إيمان ومعرفة بحال الموجود مع نعم الله التي تتنزل عليه وتتجلى فيه .

 وإذا عرفنا هذا : ندخل في بحث تجلي الأسماء الحسنى في الكون فنتعرض لنور مراتب ظهور الأسماء الحسنى في الوجود ككل بكل مراتبه ، ثم نبحث في ظهورها فينا بالعدل والإحسان ، وبعده نتنور بمعرفة غايته وغرض وجود الكون بل وجودنا ، وأسأل الله أن يلهمنا ما يحب ويرضى من معرفته وهداه إنه ولي حميد وهو على كل شيء شهيد وهو السميع البصير .


تم الكتاب

15 شعبان 1423 يوم مولود إمام زماننا الحجة بن الحسن العسكر عجل الله تعالى فرجه الشريف
أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وآله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.alanbare.com