يا طيب : مر ذكر قصة حرب الأحزاب الخندق عن تفسير القمي رحمه الله ، والآن نذكرها مختصر من كتاب المناقب ، لما فيها من القصص والشعر لم يذكر هناك ، وتفاصيل جميلة لم نعرفها فيما سبق .
قال محمد بن علي المازندراني رحمه الله : قال جماعة من المفسرين في قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ .... } الأحزاب الآيات 9 - 12.
أَنَّهَا نَزَلَتْ : فِي عَلِيٍّ يَوْمَ الْأَحْزَابِ .
و لما عرف النبي صلى الله عليه وآله : اجتماعهم ، حفر الخندق بمشورة سلمان ، و أمر بنزول الذراري و النساء في الآكام .
و كانت الأحزاب : على الخمر و الغناء ، و المسلمون كأن على رءوسهم الطير ، لمكان عمرو بن عبد ود العامري ، الملقب بعماد العرب ، و كان في مائة ناصية من الملوك و ألف مقرعة من الصعاليك و هو يعد بألف فارس.
فقيل في ذلك : عمرو بن عبد ود ، كان أول فارس جزع من المداد ( أي عبر الخندق في منطقة المحفور في منطقة المداد في المدينة ) .
و كان فارس : يليل ، سمي فارس يليل ، لأنه أقبل في ركب من قريش حتى إذا كان بيليل ، و هو واد ، عرضت لهم بنو بكر .
فقال لأصحابه : امضوا فمضوا ، و قام في وجوه بني بكر حتى منعهم من أن يصلوا إليه .
و كان الخندق : المداد ( محفور في منطقة المداد ) .
و قال : و لما انتدب عمرو للبراز ، جعل يقول :
هل من مبارز ؟
و المسلمون : يتجاوزون عنه .
فركز رمحه : على خيمة النبي .
و قال : ابرز يا محمد ؟
فقال صلى الله عليه وآله : من يقوم إلى مبارزته ، فله الإمامة بعدي ، فنكل الناس عنه .
قال حذيفة : قال النبي : ادن مني يا علي .
فنزع صلى الله عليه وآله : عمامته السحاب من رأسه ، و عممه بها تسعة أكوار ، و أعطاه سيفه .
و قال : امض لشأنك .
ثم قال : اللهم أعنه .
و روي أنه لما قتل عمرو أنشد :
ضربته بالسيف فوق الهامة
بضربة صارمة هدامة
أنا علي صاحب الصمصامة
و صاحب الحوض لدى القيامة
أخو رسول الله ذي العلامة
قد قال إذ عممني عمامة
أنت الذي بعدي له الإمامة
وعن محمد بن إسحاق : أنه لما ركز عمرو رمحه على خيمة النبي .
قال : يا محمد ابرز ، ثم أنشأ يقول :
و لقد بححت من النداء
بجمعكم هل من مبارزٍ
و وقفت إذ جبن الشجاع
بموقف البطل المناجزِ
إني كذلك لم أزل
متسرعا نحو الهزاهز
إن الشجاعة و السماحة
في الفتى خير الغرائز
في كل ذلك : يقوم علي ليبارزه ، فيأمره النبي بالجلوس ،
لمكان بكاء فاطمة عليها السلام ، وعليه من جراحاته في يوم أحد ,
و قولها : ما أسرع أن ييتم الحسن و الحسين باقتحامه الهلكات .
فنزل جبرئيل عن الله تعالى : أن يأمر عليا بمبارزته .
فقال النبي : يا علي ادن مني ، و عممه بعمامته ، و أعطاه سيفه .
و قال : أمْضِ لِشَأْنِكَ .
ثم قال : اللَّهُمَّ أَعِنْهُ .
فلما توجه إليه قال النبي : خَرَجَ الْإِيمَانُ سَائِرُهُ إِلَى الْكُفْرِ سَائِرِهِ.
ورحم الله السروجي إذ قال :
و يوم عمرو العامري إذ أتى
في عسكر ملأ الفضاء قد انتشر
فكان من خوف اللعين قبل ذاك
محمد لخندق قد احتفر
نادى بصوت قد علا من جهله
يدعو عليا للبراز فابتدر
إليه شخص في الوغى عاداته
سفك دم الأقران بالعضب الذكر
فعندها قال النبي معلنا
و الدمع في خد كأمثال الدرر
هذا هو الإسلام كل بارز
إلى جميع الشرك يا من قد حضر
قال محمد بن إسحاق : فلما لاقاه علي أنشأ يقول :
لا تعجلن فقد أتاك
مجيب صوتك غير عاجز
ذو نية و بصيرة
و الصبر منجي كل فائز
إني لأرجو أن أقيم
عليك نائحة الجنائز
من ضربة نجلاء يبقى
ذكرها عند الهزاهز
و يروى له عليه السلام في أمالي النيسابوري :
يا عمرو قد لاقيت فارس بهمة
عند اللقاء معاود الأقدام
يدعو إلى دين الإله و نصره
و إلى الهدى و شرائع الإسلام
إلى قوله عليه السلام :
شهدت قريش و البراجم كلها
أن ليس فيها من يقوم مقامي
و روي أن عمرا قال : ما أكرمك قرنا.
وقال الطبري و الثعلبي : قال علي :
يا عمرو : إنك كنت في الجاهلية .
تقول : لا يدعوني أحد إلى ثلاثة إلا قبلتها ، أو واحدة منه .
قال : أجل .
قال: فَإِنِّي أَدْعُوكَ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ ، وَ أَنْ تُسْلِمَ لِرَبِ الْعَالَمِينَ .
قال : أخر عني هذه .
قال : أما إنها خير لك لو أخذتها ، ثم قال : ترجع من حيث جئت .
قال : لا تحدث نساء قريش بهذا أبدا .
قال : تنزل تقاتلني .
فضحك عمرو و قال : ما كنت أظن أحدا من العرب يرومني عليه ، و إني لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك ، و كان أبوك لي نديما .
قال : لكني أحب أن أقتلك .
قال : فتناوشا ، فضربه عمرو في الدرقة فقدها .
و أثبت فيه : السيف ، و أصاب رأسه فشجه .
و ضربه : علي على عاتقه فسقط .
و في رواية حذيفة : ضربه على رجليه بالسيف من أسفل ، فوقع على قفاه .
قال جابر : فثار بينهما قترة ، فما رأيتهما ، و سمعت التكبير تحتها .
و أنكشف أصحابه : حتى ظفرت خيولهم الخندق ، و تبادر المسلمون يكبرون ، فوجدوه على فرسه برجل واحدة ، يحارب عليا عليه السلام .
و رمى رجله : نحو علي ، فخاف من هيبتها رجلان ، و وقعا في الخندق.
و قال الطبري : و وجدوا نوفلا في الخندق ، فجعلوا يرمونه بالحجارة .
فقال لهم : قتلة أجمل من هذه ، ينزل بعضكم لقتالي .
فنزل إليه علي عليه السلام : فطعنه في ترقوته بالسيف حتى أخرجه من مراقه .
ثم جرح : منية بن عثمان العبدري ، فأنصرف و مات بمكة .
و روي : و لحق هبيرة ، فأعجزه ، فضرب علي قربوس سرجه ، و سقط درعه ، و فر عكرمة و ضرار.
فأنشأ أمير المؤمنين عليه السلام يقول:
و كانوا على الإسلام إلبا ثلاثة
و قد فر من تحت الثلاثة واحد
و فر أبو عمرو هبيرة لم يعد إلينا و ذو الحرب المجرب عائد
نهمتم سيوف الهند أن يقفوا لنا
غداة التقينا و الرماح القواصد
قال جابر : شبهت قصته بقصة داود عليه السلام ، قوله تعالى: { فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (البقرة251) } .
قالوا : فلما جز رأسه من قفاه ، بسؤال منه .
قال علي عليه السلام :
أ علي تقتحم الفوارس هكذا
عني و عنهم خبروا أصحابي
عبد الحجارة من سفاهة رأيه
و عبدت رب محمد بصوابي
اليوم تمنعني الفرار حفيظتي
و مصمم في الهام ليس بناب
أرديت عمرا إذ طغى بمهند
صافي الحديد مجرب قصاب
لا تحسبن الله خاذل دينه
و نبيه يا معشر الأحزاب.
وقال عمرو بن عبيد : لما قدم علي برأس عمرو ، استقبله الصحابة .
فقبل : أبو بكر رأسه .
و قال : المهاجرون و الأنصار رهين شكرك ما بقوا .
وذكر الواقدي و الخطيب الخوارزمي :
عن عبد الرحمن السعدي بإسناده عن بهرم بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي قال :
لمبارزة : علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود ، أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة.
وعن أبو بكر بن عياش : لقد ضرب علي ضربة ما كان في الإسلام أعز منها ، و ضرب ضربة ما كان فيه أشأم منها.
و يقال : إن ضربة ابن ملجم وقعت على ضربة عمرو.
و من كلمات السيد رحمه الله:
و في يوم جاء المشركون بجمعهم
و عمرو بن عبد في الحديد مقنع
فجدله شلوا صريعا لوجهه
رهينا بقاع حوله الضبع يجمع
و أهلكهم ربي و ردوا بغيضهم
كما أهلكت عاد الطغاة و تبع
و منها قوله رحمه الله :
و عمرو قد سقي كأسا بسلع
أقب كأنه أسد مغير
فنادى هل يرى حسب براز
و هل عند امرئ حر نكير
و منها رحمه الله :
و يوم سلع إذ أتى عاديا
عمرو بن عبد مصلتا يخطر
يخطر بالسيف مدلا كما
يخطر فحل الصرمة الدوسر
إذ جلل السيف على رأسه
أبيض عضبا حده مبتر
فخر كالجذع و أوداجه
يثغب منها حلب أحمر
ينفث من فيه دما معجلا
كأنما ناظره العصفر
و منها رحمه الله قوله :
و عمرو بن عبد قدمته شئانه
بأبيض مصقول الغرارين فصال
كان على أثوابه من نجيعه
عصير البرايا أو نضيحة جريال
غداة مشى الأكفال من آل هاشم
إلى عبد شمس في سرابيل أهوال
كأنهم و السابغات عليهم
مصاحب أجمال مشت تحت أحمال
ورحم الله ابن حماد إذ قال :
من دعاه المصطفى عند انقطاع الجبل
يوم سلع و الوغى يرمى بمثل الشعل
حين كان القوم من عمرو الكمي البطل
أين صنوي أين صهري أين من هو بدلي
أين من يكشف عني كل خطب جلل
عندها أيقن عمرو باقتراب الأجل
بحسام من كمي فالق للقلل
ثم ألقاه لقي الجسم تريب الحلل
و انثنى نحو أخيه غير ما محتفل
و غدا في الجو جبريل مليا يسأل
رافع الصوت ينادي لا فتى إلا علي
و له رحمه الله :
و سل عنه في سلع و عن عظم فعله
بعمرو و نار الحرب تذكى اضطرامها
و أفئدة الأبطال ترجف خيفة
و قد أحقب الرعب الشديد كلامها
فقام إليه من أقام بسيفه
حلائله ثكلى تطيل التزامها
ورحم الله ابن الحجاج إذ قال :
فديت فتى دعاه جبرئيل
و هم بين الخنادق في انحصار
و عمرا قد سقاه الموت صرفا
ذباب السيف مشحوذ الغرار
دعا أن لا فتى إلا علي
و أن لا سيف إلا ذو الفقار
ورحم الله المرزكي إذ قال :
و في الأحزاب جاءتهم جيوش
تكاد الشامخات لها تميد
فنادى المصطفى فيه عليا
و قد كادوا بيثرب أن يكيدوا
فأنت لهذه و لكل يوم
تذل لك الجبابرة الأسود
فسقي العامري كؤس حتف
فهزمت الجحافل و الجنود
ورحم الله غيره إذ قال :
و وقعة الأحزاب إذ طار لها
من خيفة الأبطال عقل البطل
و الناس مما نالهم في حيرة
حول رسول الله عند الدلدل
و قد بدا عمرو و عمرو بطل
تخافه نفس الكمي البطل
فذاق من سيف علي ضربة
أنسأه طعم الرحيق السلسل
مناقب آل أبي طالب عليهم السلام ج3ص134 . الاكوار جمع الكور: الدور من العمامة . البحة : خشونة و غلظ في الصوت. المناجزة : المقاتلة . الهزاهز: الحروب و الشدائد.
ضربة نجلاء : أي الواسعة العريضة الطويلة . البهمة بالضم : الشجاع الذي لا يبالى من أن يؤتى . البراجم : قوم من أولاد حنظلة بن مالك .
تناوشا : أي تناولا في القتال . الدرقة : الترس من جلود ليس فيه خشب و لا عقب. و القد : القطع . ثار الغبار : ارتفع . و القترة : الغبار. الالب : القوم تجمعهم عداوة واحد.
صممه السيف : مضى في العظم و قطعه. و نبأ السيف عن الضريبة : كل و ارتد عنها و لم يقطع.
الشلو : الجسد . و القاع : أرض سهلة. و الضبع : ضرب من السباع . السلع جبل بالمدينة . وقب الأسد أو الفحل: سمعت قعقعة نابه . الصرمة : القطعة من الإبل ما بين العشرين إلى الثلثين أو إلى الأربعين و الخمسين و الدوسر: الجمل الضخم.
ثغب الدم: سال . العصفر : صبغ اصفر اللون . الشئان جمع الشأن : الخطب . و الغرارين تثنية الغرار : حد السيف . النجيع من الدم : ما كان مائلا إلى السواد . أو دم الجوف و البرايا جمع البرى بمعنى التراب و جمع البرية: أي الخلق. إلا إن شيئا منهما لا يلائم الكلام و النسخ متوافقة على اللفظة. و النضيح فعيل بمعنى المفعول من النضح بمعنى الرش و الرشح. و الجريال صبغ احمر. السابغات جمع السابغة: الدرع الواسعة. ذكى النار: أوقدها.