هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين  في  أصول الدين وسيرة المعصومين
صحف الظهور والتجلي  /  صحيفة  سادة الوجود / الجزء الأول
 معنى السيادة وملاكها وتأريخها وظهورها بنور واهب السيادة
في مراتب التدوين
في سيد الكتب وآياته وعلومه والتكوين سيد المرسلين وآله الطيبين الطاهرين سادة المتقين
الباب الأول /
مصباح هدى / معنى السيادة وملاكها وأنواعها

 

النور الرابع

لكل شيء سيد من شأنه يناسبه وسيد لسادة النوع والأنواع كلهم

 

يا طيب : بعد ما عرفنا أس وملاك السيد الحق سواء من اللغة أو والعرف والسنة والذي أسه الأول باذل المعروف ثم مع التقى يتم أعلى معانية في الإسلام ، ولكي لا نستغرب ما عرفنا من معنى  السيد الباطل ؛ نذكر أمرا أخرا يعرفنا سعة معنى السيد لكي نتنبه لمعناه وما نريده من السيد في الدين الإسلامي الحنيف ، والسيد الذي عنده شأنا كريما عند الله سبحانه وتعالى سيد السادات وواهب السيادة لعباده ، وبهذا حين نسمع أو نقول سيد يجب أن ننتبه لنوع السيد بل لملاكه وسيد ماذا ، فنميزه من غيره ويكون معناه واضحا لدينا .

 فلذا نذكر أمرا أخرا : يعرفنا سعة معنى السيد وشموله لكل نوع وجنس في الكون ، بل لكل صنف من كل نوع لهم سيد ، ولذا عنونا هذا الإشعاع بأن لكل شيء سيد ، أي لكل نوع سيد من شأنه يناسبه .

  وبهذا نتعرف : على أن للسيد في النوع الواحد مراتب ودرجات بها يسود على غيره وإن كانوا سادة من بني نوع ، ويكون سيد السادات في نوعه ، أو على كل الأنواع سواء بشري أو ملكوتي ، فضلا عن بني نوعه من بني الإنسان .

 فنعرف شؤون تجلي الله سيد السادات : ومن وهب لهم السيادة التامة العامة في كل مراتب الوجود ، وجعله سيد سادة بني نوعه بل كل شيء خلقه ، فلذا نقدم معنى أن لكل شيء سيد حتى نصل لأعلى سيد في التكوين المخلوق . فنذكر السيد : في الطعام وأنواع، ثم نشير للسيد في الملائكة وسادتهم، ثم ندخل لمعرفة السيد في البشر ، لنتعرف بعد ذلك على ملاك السيد فيهم ، وبعده نتعرف بمختصر البيان على سيد سادة البشر بل سيد كل شيء ، ولنستوعب هذا المعنى لكلمة سيد وما يراد بها نذكر:

 

 

الإشراق الأول :

لكل شيء في الكائنات أرضية دنيوية أو علوية سماوية سيد يناسبها :

يا طيب : نتعرف على معنى أولي وهو أنه لكل شيء سيد ، وإن للبقول والخضار والثمار والتمور ولكل الطعام والشراب سيد يناسبها ، فيكون بعضها سيد في نوعه ، أو سيد في جنسه ، أو سيد لكل شيء من الجماد أو من النبات ، ثم نتعرف على سادات السماء والملائكة ، والسيد في الزمان والأيام ، والسيد في اللغات والكتب ، حتى نعرف سيادة الإنسان المفضل عليها كلها ، ثم سيادة سيد سادات بين الإنسان ، فنقتدي به لنكتسب منه السيادة في الآخرة ، بعد أن نأخذ حقائق تجلى بها تعرفنا سيادته ، فنقتدي به ونُحلي بها وجودنا لنسود بها ونملك ملاكها ونتحقق بُملكها .

وأما أولا : فإنه لكل شيء سيد ، ونتعرف على سيد البقول وما يشابهه :

عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَ أَبِي الْحَسَنِ عليهم السلام قَالا :

لِكُـلِّ شَـــيْءٍ سَـــــيِّــدٌ .

 وَ سَــيِّدُ الْبُـقُــولِ الْكُــرَّاثُ [39].

وعَنْ زِيَادٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ : الْهِنْدَبَاءُ سَــيِّدُ الْبُقُولِ [40].

يا طيب : الكراث من الخضار والهندباء من البقول ، ولكن قد يعمم اسم البقول على الخضار فيشملها ، فيكون الكراث سيد الخضار والهندباء سيد البقول ، ولعموم الكلام في الكراث تعدي معناه على البقول فيكون هو أعلى فائدة ومرتبة من الهندباء .

وعَنِ الْوَشَّاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام :

عَنْ سَــيِّدِ الْآدَامِ فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ ؟

 فَقَالَ : اللَّحْمُ ، أَ مَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : وَ لَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ [41].

وعَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ :

 الصَّـرَفَـانُ سَــيِّـدُ تُمُـورِكُمْ [42].

وقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صليه السلام : الْمَاءُ سَيِّدُ الشَّرَابِ فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ [43].

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ : الْبَنَفْسَجُ سَيِّدُ أَدْهَانِكُمْ [44].

يا طيب : إن التفاضل بين الأشياء هي سنة إلهية وقد قال الله تعالى :

{ وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ

 وَنُـفَـضِّـلُ بَعْضَـهَا عَلَى بَعْـضٍ فِي الأُكُـلِ
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4) } الرعد .

وإذا عرفنا التفاضل : بين الأمور الأرضية ونباتها والسيد فيها ، فلنتعرف على شيء من الأمور السماوية والتفاضل بينها والسيد فيها ، وفي نفس الوقت نتعرف على سيد الحيوانات وأن أفضلها الإنسان ، كما نتعرف على سادة الملائكة وسيد سادات الملائكة ، ونقدم معنى السيادة في المكان لأوسع موجودات الكون ثم نذكر ساكنيها ، فعن ابن عباس قال :

ســـيد السموات الســماء التي فيها العــرش .

 و ســــيـد الأرضين التي نحـــن عليه [45].

 

وأما سادة الملائكة وسادة سادتهم فتدبر ما ذكر العلامة المجلسي :

الكروبيون : هم القريبون منه تعالى ، من قولك كرب كذا ، أي قرب و كربت الشمس قربت للمغيب ، و كل دان قريب فهو كارب ، و المراد بقربهم منه تعالى شرف منزلتهم عنده و جلالة محلهم منه وعلو نوره الظاهر فيهم .

و منه حديث أبي العالية : الكروبيـون هم سـادة الملائكة ، و الكروبيون بالتشديد و روى التخفيف سليمان الطائي .

و في القاموس : الكروبيون ـ مخففة الراء ـ ســـادة الملائكة [46].

وسترى يا طيب : إن سيد الملائكة جبرائيل عليهم السلام فهو سيد السادة فيهم ، ولنؤكد هذا المعنى نتدبر حديثا كريما آخر :

وعن الأصبغ بن نباتة أن عليا عليه السلام سئل عن قول الله عز و جل :

{ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ (255)} البقرة .

قال : السماوات و الأرض و ما فيهما من مخلوق في جوف الكرسي ، و له أربعة أملاك يحملونه بإذن الله :

فأما الملك الأول : ففي صورة الآدميين ، و هي أكرم الصور على الله ، و هو يدعو الله و يتضرع إليه و يطلب الشفاعة و الرزق لبني آدم .

و الملك الثاني : في صورة الثــور ، و هو : ســـيـد البهائــم ، و هو يطلب إلى الله و يتضرع إليه و يطلب الشفاعة و الرزق لجميع البهائم .

و الملك الثالث : في صورة النســر ، و هو : ســـيـد الطـير ، و هو يطلب إلى الله و يتضرع إليه و يطلب الشفاعة و الرزق لجميع الطير .

و الملك الرابع : في صورة الأســد ، و هو : ســـيـد السباع ، و هو يرغب إلى الله و يطلب الشفاعة و الرزق لجميع السباع .

 و لم يكن في هذه الصور أحسن من الثور ، و لا أشد انتصابا منه ، حتى اتخذ الملأ من بني إسرائيل العجل إلها ، فلما عكفوا عليه و عبدوه من دون الله ، خفض الملك الذي في صورة الثور رأسه استحياء من الله ، أن عبد من دون الله شي‏ء يشبهه ، و تخوف أن ينزل به العذاب .

 ثم قال عليه السلام : إن الشجر لم يزل حصيدا كله حتى دعي للرحمن ولد ، أعز الرحمن و جل أن يكون له ولد ، فكادت السماوات يتفطرن منه و تنشق الأرض وتخر الجبال هدا ، فعند ذلك اقشعر الشجر وصار له شوك حذار أن ينزل به العذاب .

 فما بال قوم : غيروا سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، و عدلوا عن وصيته في حق علي و الأئمة عليهم السلام ، و لا يخافون أن ينزل بهم العذاب ، ثم تلا هذه الآية : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ }[47].

ثم قال : نحن و الله نعمة الله التي أنعم الله بها على عباده و بنا فاز من فاز [48].

نعم هم نعمة الله لعباده وأصحاب الصراط المستقيم الذين نسأل الله أن يرزقنا هداهم في كل يوم في الصلاة عشر مرات ، ونسأله أن يبعدنا عن ضلال أئمة الكفر .

وإذا عرفنا : سيد السماوات العرش وسيد الأراضي أرضنا ، وسادة النبات والحيوان والملائكة ، وإن أفضلهم سيد على صورة بني آدم ، وإن الكروبيين سادة الملائكة كلهم وجبرائيل سيدهم كلهم كما عرفت وسترى ، فلنذكر إشراق آخر  يؤكد معنى وجود سيد لكل شيء ، وإن السيد له ملاك وفضائل تخصه بها حصل على السيادة ، وإن في النوع الواحد يوجد سيد السادة وأفضلهم ، بل سيد سادة الوجود كلهم بفضل الله سيد السادات .

 

 

 

الإشراق الثاني :

سادة بني آدم نبينا وآله لملاك العبودية والتقى فيهم :

يا طيب : نؤكد ما عرفنا في الإشراق السابق بأنه لكل شيء سيد ، وبعد أن عرفنا السيد في الأشياء الأرضية والسماوية ، وإن الإنسان هو المفضل على كل شيء أرضي فهو سيد الأنواع الأرضية كما عرفت ، فلنذكر الآن سـادة بني آدم أي سـادة  بني الإنسان وسـيد سـادتهم المقدم عليهم كلهم وفيهم .

 ونضيف أيضا هنا بيان الملاك ولماذا حصل على السيادة كل سيد من بني الإنسان ، وبالخصوص سيادة نبينا الكريم وآله الطيبين الطاهرين سادات الوجود :

في كتاب نفخات الأزهار عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال :

سمعت حبيبي رسول الله ص يقول :

هبط علي جبرائيل فقال : يا محمـــد :

إن لكــل شــي‏ء ســيـدا .

فسـيد : البشر آدم . و سـيد ولد آدم أنت .

و سيد الروم صهيب . و سـيد فارس سلمان . و سـيد الحبش بلال .

 و سيد الشجر السدر . و سيد الطير النسر .

 و سـيد الشهور رمضان . و سـيد الأيام يوم الجمعة .

و سيد الكلام العربية . و سيد العربية القرآن . و سيد القرآن سورة البقرة [49].

وفي رواية أخرى في مستدرك الوسائل مشابهة لما مر وفيها بالإضافة لما عرفت :

وَ طُورُ سَيْنَاءَ سَيِّدُ الْجِبَالِ ، وَ السِّدْرَةُ سَيِّدُ الْأَشْجَارِ .

وَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ سَيِّدُ الشُّهُورِ ، وَ الْجُمُعَةُ سَيِّدُ الْأَيَّامِ .

وَ الْقُرْآنُ سَيِّدُ الْكَلَامِ ، وَ سُورَةُ الْبَقَرَةِ سَيِّدُ الْقُرْآنِ .

وَ آيَةُ الْكُرْسِيِّ سَيِّدُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، فِيهَا خَمْسُونَ كَلِمَةً فِي كُلِّ كَلِمَةٍ بَرَكَةٌ [50].

وعن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

 بلال ســيـد المـؤذنـين يوم القيامة و لا يتبعه الا مـؤمن[51].

يا طيب : إن سيد الأيام الجمعة ، وسيد الأشهر شهر رمضان وإنه سيد الأشهر الثلاثة الحرم والتي هي سادة الشهور ، هو لما في هذه الأشهر الثلاثة من الأعمال وفضل الصوم وفعل الخيرات ، كما أنه يشتد فعل الخير في رمضان فكان سيد الشهور ، وسيأتي الكلام في سيد لياليه لنعرف سيد سادت الليالي .

 كما أن سيد الكلام اللغة العربية وسيأتي الكلام في تفصيلها عند الكلام عن سيد العرب أمير المؤمنين لكونها لغة الملائكة والجنة كما سترى ، وأن في الكلام العربي سيد الكلام وله سيد وهو القرآن المجيد سيد الكتب ، ولسور القرآن سيد وهي البقرة ، ولآياته سيد هي آية الكرسي ، فهي سيد سيد سيد سيد اللغات والكتب والسور والآيات ، وذلك لما في آية الكرسي من المعاني الكريمة الواسعة في بيان تجلي نور الله في التكوين وبيان شفعاء التكوين وأولياء نور الله سبحانه ، فلمعناها الواسع صارت آية الكرسي سيد سادات الكلام ويأتي الكلام في عديلتها وشيء من معناها في النور الآتي.

 كما أن سلمان وبلال وصهيب سادة قومهم ، أو بلال يضاف له سيد المؤذنين ، لأنهم أول من أسلم منهم فهم سادة لهم وعليهم لسابقتهم ولإيمانهم ، كما أنه للأنصار سيد سعد بن عبادة وبعده سعد أبنه ، وسيدهم وسيد الكل رسول الله وأوصياءه فهم سادة العرب والعجم وقريش وسادة كل أهل الوجود فهم سادت سادة بني آدم ، وستعرف في بحثا مستقلا أن نبينا الأكرم سيد الأنبياء والمرسلين والأولين والآخرين وهكذا آله صلى الله عليهم وسلم ، كما عرفت وستعرف .

ويا طيب : إن في الشيء ملاك ومناط به يكون سيد نوعه أو سيد سادات نوعه ، وسيد سادات الأنواع ، وأصله بذل لمعروف وتجلى الخيرات منه ، وبه نفع أكثر من أفراد نوعه وبه فضل به ساد من هو في حيطته . فإن يوم الجمعة سيد الأيام ، والأشهر الثلاثة سادة الشهور و رمضان سيدها : لأنها فيها أعمال خاصة تقرب لله ، ومعاني كريمة بها تقدمت على غيرها ، وهكذا باقي الأعمال تتقدم في الفضل كلما كانت مقربة لله أكثر وبجمال أعلى ، ويبذل فيها المعروف والخير أكثر .

 

ولنؤكد هذا المعنى نذكر سبب سيادة يوم الجمعة وشهر رمضان :

عَنِ ابْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله :

إِنَّ يَـوْمَ الْجُـمُـعَـةِ سَـــيِّـدُ الْأَيَّـامِ :

يُضَاعِفُ اللَّهَ فِيهِ الْحَسَنَاتِ ، وَ يَمْحُو فِيهِ السَّيِّئَاتِ ، وَ يَرْفَعُ فِيهِ الدَّرَجَاتِ ، وَ يَسْتَجِيبُ فِيهِ الدَّعَوَاتِ ، وَ يَكْشِفُ فِيهِ الْكُرُبَاتِ، وَ يَقْضِي فِيهِ الْحَوَائِجَ الْعِظَامَ ، وَ هُوَ يَوْمُ الْمَزِيدِ ، لِلَّهِ فِيهِ عُتَقَاءُ وَ طُلَقَاءُ مِنَ النَّارِ .

مَا دَعَا بِهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَ قَدْ عَرَفَ حَقَّهُ وَ حُرْمَتَهُ ، إِلَّا كَانَ حَقّاً عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ يَجْعَلَهُ مِنْ عُتَقَائِهِ وَ طُلَقَائِهِ مِنَ النَّارِ ، فَإِنْ مَاتَ فِي يَوْمِهِ وَ لَيْلَتِهِ مَاتَ شَهِيداً ، وَ بُعِثَ آمِناً ، وَ مَا اسْتَخَفَّ أَحَدٌ بِحُرْمَتِهِ ، وَ ضَيَّعَ حَقَّهُ ، إِلَّا كَانَ حَقّاً عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ يُصْلِيَهُ نَارَ جَهَنَّمَ إِلَّا أَنْ يَتُوبَ [52].

 

شهر رمضان سيد الشهور :

وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم :

 لَمَّا حَضَرَ شَهْرُ رَمَضَانَ ، وَ ذَلِكَ فِي ثَلَاثٍ بَقِينَ مِنْ شَعْبَانَ ، قَالَ لِبِلَالٍ : نَادِ فِي النَّاسِ ، فَجَمَعَ النَّاسَ ، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ :

أَيُّهَا النَّاسُ : إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ خَصَّكُمُ اللَّهُ بِهِ ، وَ حَضَرَكُمْ . وَ هُوَ سَــيِّـدُ الشُّـهُـورِ . لَيْلَـةٌ فِيهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ . تُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ النَّارِ وَ تُفَتَّحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجِنَانِ ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ وَ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ، وَ مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ وَ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ، وَ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ فَلَمْ يَغْفِرِ اللَّهُ لَهُ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ[53] .

ويا طيب : إن فضل الأيام والشهور لما فيها من خصائص الخير وإقامة المعروف من هدى الله ، وبذل المال وإقامة الخيرات ، وفي شهر رمضان بذل النفس والجهد في الصوم وعمل الطاعات ، والإكثار من تلاوة كتاب الله والتحلي بتعاليمه .

وإذا عرفنا : أن لكل شيء سيد حتى في الملكوت فضلا عن هوام الأرض وسباعها وأشجارها وبقولها ، وعرفنا فضل المسلمين على غيرهم ، وإنهم سادة على من لم يؤمن بعد من قومهم ، كبلال وسلمان وصهيب ، نتعرف على سادة سادة المسلمين والمؤمنين من الأولين والآخرين ، كما عرفنا أن رمضان سيد الشهور الثلاثة ، وفيه ليلة هي سيد الليالي وهي ليلة القدر ، كما أن يوم الجمعة سيد الأيام والنهار .

 فإنه في بني الإنسان : ملاك السيادة فيه العلم وبذله فيسخو عن المال وإن رفيق العلم الحلم كما ستعرف فترى إن الفقهاء سادة ، وإن للأبرار سيد وللأتقياء سادة كما عرفت في الأحاديث السابقة وسترى أن سادتهم معلميهم ، وإن سادة الوجود هم من يعلم دين الله ويقيمه بحق أولا فيكون سيد المسلمين وأكثرهم معروفا ، هم سادة على غيرهم ، وهذا فضل الله يختار ويفضل به من عباده من يشاء وقد قال تعالى:

{ تِلْكَ الرُّسُــلُ فَضَّـلْنَا بَعْضَـهُمْ عَلَى بَعْضٍ (253) } البقرة .

{ وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ

قُلْ إِنَّ الْفَضْــلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73)

 يَخْتَـصُّ بِرَحْمَتِــهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74) } آل عمران.

{ وَمَا أَرْسَـــلْنَاكَ إِلَّا رَحْـمَــةً لِّلْعَالَمِينَ (107) } الأنبياء .

فإن نبينا الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم : هو المفضل وهو رحمة للعالمين بفضل الله العظيم الذي أختصه برحمته ، كما عرفت وستعرف في شرح الآيات أعلاه ، وبالخصوص فيما نذكر من بحوث مجالس سفينة النجاة الآتية ، ولنقدم بعض المصاديق التي تعرفنا سادة الوجود ، وسادة سادة أهل التكوين كلهم ، لتكون مسك أنوار هذا النور الذي عرفنا أسس وملاك روح معاني السيد وحقائقه وأنواع بل سادة لسادة الأنواع : 

فعن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :

لما أسري بي إلى السماء : ما سمعت شيئا قط هو أحلى من كلام ربي عز و جل .

قال فقلت : يا رب اتخذت إبراهيم خليلا ، و كلمت موسى تكليما ، و رفعت إدريس مكانا عليا ، و آتيت داود زبورا ، و أعطيت سليمان ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ، فما ذا لي يا رب ؟

فقال جل جلاله : يا محمد : اتخذتك خليل كما اتخذت إبراهيم خليلا . و كلمتك تكليم كما كلمت موسى تكليما .

و أعطيتك : فاتحة الكتاب ، و سورة البقرة ، و لم أعطهما نبيا قبلك .

و أرسلتك : إلى أسود أهل الأرض و أحمرهم و إنسهم و جنهم ، و لم أرسل إلى جماعتهم نبيا قبلك . و جعلت : الأرض لك و لأمتك مسجدا و طهورا ، و أطعمت أمتك الفي‏ء و لم أحله لأحد قبلها ، و نصرتك بالرعب حتى أن عدوك ليرعب منك .

و أنزلت سيد الكتب كلها : مهيمنا عليك قرآنا عربيا مبينا .

و رفعت لك ذكرك : حتى لا أذكر بشي‏ء من شرائع ديني إلا ذكرت معي[54].

فهذا هو معنى : أنه صلى الله عليه وآله سيد الأنبياء وأكرمهم وإن لم يصرح به بنص كلمة سيد له ، وإن عرّفنا سيد بعده فهو سيد السادة كما فضله الله تعالى ، وإن أحببت أن تعرف نص كلمة سيد الأنبياء له فهذا حديث ويتبعه أحاديث كثيرة :

عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال :كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إذ جاء أعرابي من بني عامر ، فوقف و سلم ، فقال : يا رسول الله جاء منك رسول يدعونا إلى الإسلام فأسلمنا ، ثم إلى الصلاة و الصيام و الجهاد فرأيناه حسنا ، ثم نهيتنا عن الزنا و السرقة و الغيبة و المنكر فانتهينا . فقال لنا رسولك علينا : أن نحب صهرك علي بن أبي طالب عليه السلام ، فما السر في ذلك ، و ما نراه عبادة ؟

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لخمس خصال :

أولها : أني كنت يوم بدر جالسا بعد أن غزونا ، إذ هبط جبرائيل عليه السلام و قال : إن الله يقرئك السلام و يقول :  باهيت اليوم بعلي ملائكتي و هو يجول بين الصفوف ، و يقول : الله أكبر ، و الملائكة تكبر معه ، و عزتي و جلالي لا ألهم حبه إلا من أحبه ، و لا ألهم بغضه إلا من أبغضه .

و الثانية : أني كنت يوم أحد جالسا و قد فرغنا من جهاز عمي حمزة ، إذ أتاني جبرائيل عليه السلام و قال : يا محمد إن الله يقول فرضت الصلاة و وضعتها عن المريض ، و فرضت الصوم و وضعته عن المريض و المسافر ، و فرضت الحج و وضعته عن المقل المدقع ، و فرضت الزكاة و وضعتها عمن لا يملك النصاب .

و جعلت حب علي بن أبي طالب ليس فيه رخصة .

الثالثة : أنه ما أنزل الله كتابا ، و لا خلق خلقا ، إلا جعل له ســـيـدا.

فالقـرآن : سيد الكتب المنزلـة .

و جبرائيـل : ســــيد الملائكة ، أو قال إسرافيل ـ الترديد من الراوي ـ.

و أنا ســــــــيـد الأنبــيــاء .

و علي ســيـــــد الأوصياء .

و لكـــل أمـــر ســـــيـد :

وحـبي وحــب علـي ســيـد ما تقرب به المتقربون من طاعة ربهم .

 الرابعة : أن الله تعالى ألقى في روعي أن حبه ، شجرة طوبى التي غرسها الله تعالى بيده .

الخامسة : أن جبرائيل قال : إذا كان يوم القيامة نصب لك منبر عن يمين العرش ، و النبيون كلهم عن يسار العرش ، و بين يديه ، و نصب لعلي عليه السلام كرسي إلى جانبك إكراما له ، فمن هذه خصائصه يجب عليكم أن تحبوه .

فقال الأعرابي : سـمـعا و طـاعــة[55] .

 الله سيد السادات سبحانه : وفق الإعرابي ، لإطاعة سيد المرسلين ، في قبول سيادة سيد الوصيين ، وذلك لما عرف سيد الوصيين ، وبهذا يكون سيد قومه بحق وتقى ودين ، وإن سيد المرسلين صاحب سيد الكلام ، كان أعبد الناس لله وأطهرهم وأزكاهم .

 نعم كان عبد الله ورسوله ، فصار سيد أهل الوجود وآله سادتهم بعده .

 وإن الإمام علي عليه السلام : صار سيدا بل سيد سادة المسلمين بعد رسول الله ، لما بذل من تعليم المعروف من دين الله ، فجاهد وضرب خراطيم الملأ حتى قالوا كلمة : لا إله إلا الله ، وهي سيد الكلام كله كما سترى ، فمنحه الله مقام سامي عند ملائكته وباها به في ملكوته ، ورزقه حبا ونعيما لقلوب المؤمنين حقا ، ولم يكن مقاما لم تتحقق فيه أسس السيادة وملاكها ، بل سيد لأنه كان فيه حقيقة معنى السيادة وأصل واقعها وبذل أس المعروف وسخاءه بأعلى تقى ودين .

وهذا فضل الله سيد السادة وواهب السيادة : الذي فضل الإنسان على كثير مما خلق وسخره له ، فقد فضل سيد البشر وآله سادة الوصيين على كل البشر ، وهم أئمتهم يوم الدين فمن قبلهم له الأمن وفضل الله ، وإلا فتدبر هذه الآيات الكريمة وأختر إمامك والإنسان على نفسه بصير ولو ألقى المعاذير ، فقد قال سبحانه وتعالى :

{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيل (70)

يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيل (71)

 وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (72) } الإسراء .

ولنعرف : إن السيد في الدين هو من يكون أفقهم وأمنحهم لمعارف الله والتجلي بنور عبودية الله ، فلنذكر نورا أخر يشرح ما عرفت من معنى السيادة بعمق فتدبر .




[39]وسائل ‏الشيعة ج25ص191ب112ح31634 المحاسن ج2ص510ب89ح 675. مكارم‏ الأخلاق ص178.

[40]الكافي ج6ص363ح5.

[41]الكافي ج6ص308ح1 .

[42]الكافي ج6ص347ح14 .

[43]الكافي ج6ص380ح1 .  

[44]الكافي ج6ص521ح1 .

[45]الدر المنثور ج‏5 ص364 الدر المنثور في تفسير المأثور ج‏6ص239 .

[46]بحار الأنوار ج87ص109.وج98ص89 ب12.

[47] {  أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً :

كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء (24)

 تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25)

وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ (26)

 يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ   وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِين وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء (27) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) } إبراهيم .

[48]تفسير القمي ج1ص85 .

[49]بحار الأنوار ج61ص30 ب 1 .

[50]مستدرك ‏الوسائل ج4ص336ب44 ح4825-27 .

[51]الدر المنثور ج‏5 ص364 الدر المنثور في تفسير المأثور ج‏6ص239 .

[52]الكافي ج3ص414ح5 .

[53]الكافي ج4ص67 ح5 .

[54]بحار الأنوار ج18ص305ب3ح11 .

[55]بحار الأنوار ج27ص128ب4 . و ج40ص46ب91. الفضائل ص147 .

 

   

أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.alanbare.com

يا طيب إلى أعلى مقام كرمنا بنوره رب الإسلام بحق نبينا وآله عليهم الصلاة والسلام


يا طيب إلى فهرس صحيفة سادة الوجود رزقنا واهب السيادة نعيم هداه بأحسن جود