هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين  في  أصول الدين وسيرة المعصومين
صحف الظهور والتجلي  /  صحيفة  سادة الوجود / الجزء الأول
 معنى السيادة وملاكها وتأريخها وظهورها بنور واهب السيادة
في مراتب التدوين
في سيد الكتب وآياته وعلومه والتكوين سيد المرسلين وآله الطيبين الطاهرين سادة المتقين
الباب الأول /
سفينة نجاة / المجلس الثاني

الذكر الثاني

نور الله السيد يتجلى في سادة التكوين في كل مراتب الوجود

 

الإشراق الأول :

سيد السادات خالقنا وأفضل نعمه علينا الهداية بتعاليم سادة الوجود :

يا طيب : ما عرفنا من اسم الله السيد في الذكر السابق بطلبنا من الله الرب الصمد مالكنا نعمه ، وناديناه بيا سيدنا يا سيد يا سيدي يا سيد السادات ، هو في الحقيقة إجابته لما هدانا وعلمنا من دينه وإقامة عبادته , وإن كان نتيجة العبادة رضاه ونزول نعمه الدائمة علينا ، فنعبده لأنه إلهنا ومولانا وربنا : أي سيدنا لأنك عرفت أن روح معنى الله الصمد المقصود والــرب الإله المعبود هو السيد الواجب الطاعة لما له من الحق الذاتي والصفاتي والفعلي علينا ، وهو تفضل علينا وخلقنا فهو مالكنا ، بل وربانا وأنعم علينا ولم يتركنا همج وفي ضلال ، ولذا ناديناه بيا سيدي فتوجهنا له ليرنا مصالحنا وينزل علينا نعمه ، وهو عين ما قال سيد السادات :

{ وَقَالَ رَبُّـكُـمُ ادْعُـونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ
إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِـبَـادَتِـي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60) } غافر .

فإن دعاء الرب سيدنا وإقامة عبوديته : هو لما وهبنا من النعم سبحانه ، ونطلب منه المزيد بل أعلاها بندائنا يا سيدي كما عرفت في الأدعية السابقة ، لأنه تجلي السيد الله الرب على عبد هو جعله في أعلى نعمه لأنه عظيم ونعمه كثيرة لا تحصى ، ويجعلها مستمرة دنيا وآخرة لا منقطعة فقط لأيام ، وهذا ما يجب أن نؤمن به .

 فنقر ببذل الله الرب السيد : حين ندعوه ونقيم عبادته فنطلب منه لينزل علينا معروفه أي نعمه ، فضلا عما ابتدأ من النعم بخلقه للكائنات بأحسن خلق ، وجعل هاديا فيها و به تمام النعمة وبه نعرف صراطه المستقيم فنتعلم منه ، وكما عرفنا في أخر المصباح للباب الأول بأن العلم وليلة القدر سيد الليالي ويتنزل بها الروح على سيد أهل التكوين في زمانه وهو سيد العباد والمتقين والمؤمنين أي إمامهم وولي أمر الله فيهم ، و إنه مادام خلق وعباد يعبدون لابد من ولي أمر لله ، وهو سيدهم يأتيه من الله سيد السادات أمر الروح بما يعلمه مصالح العباد ، وما به خيرهم وهذه أعلى النعم النازلة من الله السيد العظيم ، ولذا قدمها الله تعالى في معارف نعمه التي لا تحصى والتي أوجب علينا بها ذكره وشكره وطلب المزيد منه بمعرفة حقة ، فقد قال سيد السادات سبحانه في سيد الكلام والكتب :

 { بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)

 يُنَـزِّلُ الْمَلآئِكَــةَ بِالْــرُّوحِ مِنْ أَمْـــرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبــَادِهِ
أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّـــــــهُ لاَ إِلَـــــهَ إِلاَّ أَنَـاْ فَاتَّقُونِ
(2)

 خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالحق تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3) خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ (4)

وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (7)

 وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (8) وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9)

 هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10)

 يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11)

 وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12)

وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13)

 وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14)

 وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15)

وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)

أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (17)

وَإِن تَعُـدُّواْ نِعْمَـةَ اللّهِ لاَ تُحْصُـوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (18)

.......   وَلَقَدْ بَعَثْـنَا فِي كُلِّ أُمَّـةٍ رَّسُـولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ

وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ   فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ 

 وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)} النحل .

يا طيب : عرفت في الآيات الأولى أن الروح ينزل بأمر الله ، و هو أول النعم وأعظمها وعد سبحانه نعم كثيرة حتى أنها لا تحصى وقد ذكر قسما منها ، وتمام النعمة هو نعمة الهداية ، ولهذه النعمة سبحانه وتعالى أمرنا أن نذكره ونشكره ، ولا نكفر به ولا بهذه النعمة التي لها حقة الطاعة لنهتدي بها حين نقتدي بالمنزل عليه هداه وهو سيدنا ، أي لما علمنا من دنيه ، وبه حقيقة النعمة ، وإلا الإنسان بدون نعمة الهداية يكون أضل من الحيوان ، وبدون تقوى ودين يكون أقسى من الحجر ، بل يكون طاغية ، ولذا يختم بآيات النعم بأنه بعد أن عرفنا عظمة الله ونعمه أن لا نطغى ونبعد الطاغوت والهوى بدل نعم الله ، ولمعرفة ما ذكرنا كخالصة أتلو قوله تعالى :

{ وَلأُتِـــمَّ نِعْـمَـتِـي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَـدُونَ (150)

 كَمَا أَرْسَـلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُـو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَـا وَيُزَكِّيكُـمْ وَيُعَلِّمُكُـمُ الْكِتَـابَ وَالْحِكْمَـةَ وَيُعَلِّمُكُـم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ (151)

فَـاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُـمْ وَاشْكُـرُواْ لِي وَلا تَكْفُـرُونِ (152)} البقرة .

أخر الآيات السابقة : نِعم الله كثيرة لا تحصى وأهمها نعمة الهداية وبتوسط سادة العباد الذين يتنزل عليهم الروح من كل أمر في سيد الليالي بسيد العلم المختص بهم ، و يجب أن لان نطغى على ما يرينا سيد العباد من دين الله وهداه ، وهنا في الآيات الأخير أوجب شكره وذكره لما وهبنا من هذه النعمة المباركة وهي نعمة الهداية بسادات العباد الذين خصهم بالكتاب والحكمة وأنهم يزكونا ومن الشرك يطهروننا بتعاليمهم ، فنذكر الله ونشكره بإقامة دينه الحق فيتم الإخلاص له، وقد قال سبحانه :

{ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ

فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا (54)}النساء.

ولا ناس : محسودين بما فضلهم الله من نعمة الحكمة وتعليم الكتاب إلا نبينا وآله الكرام ، وهذا هو الملك العظيم هو معرفة عظمة الله وعلوم أنزلها على سادة أهل التكوين وبذلهم لها لعباد الله ، وهذا معنى السيادة كما كانت لأبيهم إبراهيم وآله من قبل بل هم آله وامتدادا له ولهم ملك الله العظيم حقا بدون منازع سواء أطاعهم الناس أو لا ، فهم سادة لهم ملاك السيادة بفضل الله حقا واقعا وصادقا يقينا لا شك فيه .

وبهذا يا طيب : عرفنا نزول الروح بأمر الله في ليلة القدر أو في أول آيات النعمة وأخرها في هذا الإشراق ، وفي الآيات الأخيرة بأن الله طلب منا ذكره وشكره لأنه علمنا برسوله الكتاب والحكمة ، وفي الآيات أعلاه أن الكتاب والحكمة لناس وهم نبينا وآله المطهرون الذي علمنا الله ورسوله ضرورة الصلاة عليهم مع رسول الله والتسليم لهم ، لأنهم لهم أعلى نعمة وهي الملك العظيم أي الكتاب والحكمة وإنها لناس خاصين لهم أعلى وأتم نور الله السيد سبحانه ، فيجب أن نتعلم منهم أي نقصدهم ونأخذ منهم دين الله ونتربى بما نقتدي بهم ونتعلم منهم إخلاص العبودية لله ، فهم سادة التكوين ويوصلونا بما فضلهم الله لنيل نور الله السيد بأعلى تجلي ، ويؤيد ما ذكرنا بالإضافة لما عرفت نزول آية تمام النعمة وكمال الدين ورضا الرب في يوم الغدير ، وهو يوم تنصيب سيد الحكماء والأوصياء بعد سيد المرسلين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام سيدا ووليا وإماما للمسلمين ، وهي بقوله تعالى :

{ الْيَـوْمَ أَكْمَلْـتُ لَكُمْ دِينَكُـمْ

وَأَتْمَـمْـتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتـِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا

 فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (3) } المائدة .

وإن تمام النعمة تكون على المنعم عليه بالروح وهو سيد التكوين : في كل الآيات السابقة المبينة لأعظم كرم وسخاء ومعروف من الله ، هو نعمة ما عرّفنا به ديننا من سادة الوجود عليهم السلام كما عرفت في ملاك السيادة ، والله خالق ومنعم ، وعلمنا صراط مستقيم بجعل هداه عند المنعم عليهم , وهم ببذلهم علم الله وما علمهم من سيد العلم يعلمونا ديننا وهدانا ، وهذه حجة الله علينا وبجب معرفتها والإقرار بها ، والاقتداء بما نعرف من سادة الوجود نبينا وآله الكرام صلى الله عليهم وسلم ، ولهذا أمرنا بتوليهم بآية الولاية وأمرنا بودهم بآية المودة وطهرهم وباهل بهم وصدقهم ، فجعلهم كوثر الخير والبركة والنعمة في سورة الكوثر .

ولمعرفت نزول آية تمام النعمة : وهي حقيقة بقاء نزول الروح في سيد الليالي ليلة القدر بسيد العلم على سيد الوجود، راجع معارف الولاية في كتاب الغدير للعلامة الأميني رحمه الله ، فإنه في جزء الأول يذكر القصة ورواتها وفي أواخره يذكر شأن نزول الآية في أمير المؤمنين ويؤيدها بذكر فضائله وحقه في الأجزاء التالية ، وبما ذكرنا تعرف ولي أمر الله وسيد العباد في زمانه فتقتدي به وبالسادة المعصومين بعده فتحصل على نعمة الهداية وتعبد الله بصراط مستقيم ، فإنه لا بدل لك من إمام تدعى به :

{ وَلَقَـدْ كَرَّمْنَـا بَنِـي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ

وَفَضَّــلْـنَــاهُــمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّـنْ خَلَقْنَـا تَفْضِيـــلاً (70)

 يَــوْمَ نَــــدْعُو كُلَّ أُنَــاسٍ بِإِمَامِهِـــمْ  

فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيل (71)

وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيل(72) } الإسراء .

فيا طيب : أعلى كرامة من الله للإنسان المفضل وأكمل نعمه هو نعمة الهداية ، وهي معرفة الإمام الحق أي سيد الوجود في زمانه ، وبه تتم عبادة الله ، أي بمعرفة الصراط المستقيم منه ، فنقيم دين الله ونتوجه لله السيد بالدعاء والصلاة وما نتقرب به له من إقامة دينه وهداه الحق سبحانه ، وبصراط مستقيم عند المنعم عليهم بأعلى النعم حتى كانوا سادة الوجود صلى الله عليهم وسلم ، وقد قال الله سبحانه :

{ وَأَنْ اعْـبُــــدُونِي هَذَا صِـــرَاطٌ مُّسْتَــقِيـمٌ } يس61.

{  قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَـلــَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) }الحجر .

فيا طيب : لنعرف أن السيد الهادي للعباد هو إمامهم ، وله أعلى نعمة بالإضافة لما عرفت ولنتمم البحث حتى اليقين ، نتدبر معنى سورة الفاتحة وبعض الآيات لنعرف أنه هناك عبادا لهم أعلى نعمة الهداية وبها يهدون فيجب إطاعتهم ، ومن وجب طاعته مع بذله للمعروف وبالخصوص علم ومعارف الله ، يكون هو الأحق بالسيادة للعباد في التكوين ، وهذا ما تحققنا ملاكه في كل البحوث السابقة ، ولا أحد منعم عليه بحق وأمره الله أن يحدث بنعم الله عليه : { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)}الضحى ، إلا نبينا الأكرم فهو سيد المرسلين ومَن عرفهم سيد المرسلين بالسيادة فهم سادة الوجود ، ثم قد عرفت أن آية تمام النعمة هو يوم الغدير حين نصب سيد الأوصياء الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام إماما ووليا للمسلمين :

{ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا (3)}المائدة راجعها في الغدير[16].

ويا طيب : قد عرفنا إن من أعلى معاني السيد ، هو المالك المتصرف في الشيء والذي له حق الطاعة على عبده ، وذلك لما له من الفضل عليه ببذل معروفه له ، ولذا كان يدخل معنى السيد في أسس وملاك كل الأسماء التي فيها معنى الشرف والقيادة والرئاسة ومن له حق الطاعة ، وذلك لما له من الخصائص التي يتفضل بها على من هو سيده وتدبيره تحت حيطته ، وإن معنى السيد يكون تاما وأقوى في نفوذ أمره إذا كان العبد مرتبط وجوده و هداه بسيده ، فيكون هو ولي تدبيره والقيوم عليهم في تعريفه الصراط المستقيم لكل نعيم ، ولذا عرفت أن معنى السيد دخل في معنى الرب بل والصمد كما في الإشراق السابق ، ويكون دخول معنى السيد في الاسم مالك أو ملك أقوى ، ولذا كما عرفت أنه كان يسمى مالك العبد سيد العبد ، ولذا ترى في أبواب الفقه بحوث واسعة في حقوق العبيد بل كتابا متعلق بالعتق وله أحكما كثيرة ، ويعبر عن المالك بالسيد في كثير من أحكامه .

ويا طيب : إن أعلى مالك هو لله المَلك الحق المبين سبحانه وتعالى : فهو سيد السادات كما عرفت ، وإن ملكه لنا ملك حقيقي ليس اعتباري منفصل قد يزول أو يتحول ، بل كل شيء فقير لله وعبدا له مذعنا بنفس وجوده ، وملكه تعالى لكل شيء ملك حقيقي قيومي ربوبي ، أي قائم عل كل شيء ولا يخرج عن حيطته شيء ومن يقطع عنه مدد نوره يفقد وجوده ويعدم أو ينقص من جهة المنع ، وملك الله لنا أعلى من ملكنا لأنفسنا وأعلى من ملكنا لنظرنا وبصرنا وفكرنا وعقلنا ولكل شيء فينا ، وهكذا ملكه لكل شيء ، ولذا كان كل شيء عبدا له وحقا عليه عبوديته لأنه مالكه وسيده المتصرف فيه ، وإن توجه له وعبده وأقام له العبودية يتنعم ويريه الصراط المستقيم ويلحقه بالمنعم عليهم بأعلى نعمه فيسود ببذل نوره هدى وعلما وعملا .

وهذا هو معنى سورة الفاتحة : أي بعدما ما نقدس الله ونمجده بأسمائه الحسنى أي نتوكل عليه ببسم الله الرحمن الرحيم ، نحمد الله لأنه رب العالمين ، أي مالك العالمين أي سيدهم ، كما عرفت أن الرب هو السيد المتصرف في عباده والله يدلنا بل يمنحنا نور كل صلاح لنا إن حقا توجنها للطفه ورحمته أليس هو الرحمن الرحيم ، وإن ملكه بأعلى ظهور يراه العباد هو يوم الدين والقيامة لأنه عالم واسع يظهر به أعلى عظمة الله وقوة سلطانه ، وإن الدنيا دار اختبار للعباد فكل من توجه لله مالكه وسيده وأقام له العبودية واستعان به ، هداه الصراط المستقيم للمنعم عليهم أي سادة الوجود وأئمته وولاة أمره الله ، ولم يجعله مع المغضوب عليهم لأنهم ضالين ، وهذا ما نتلوه في سورة الفاتحة :

{ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)

الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)

 إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) أهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ (6)

صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ

غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (7)} الفاتحة .

نعم : من يعرف المنعم عليهم يكون على صراطهم وينجى ، وقد عرفت أن نعم الله أعلها وسيدها لأئمة الناس وسادة العباد ومنهم نتعلم عبودية الله ، وليس هم إلا نبينا وآله صلى الله عليهم وسلم .

 

 

الإشراق الثاني :

مَن عَلَّم أن الله لا إله إلا هو مالكنا والمنعم علينا وحده هو سيد الكائنات:

يا طيب : بعد أن عرفنا حقيقة تجلي الله ربنا وسيدنا وحقه علينا في عبوديته ليتم نعمته علينا ، وأنه لا يعبد الله سبحانه إلا بمعرفته بما يحب ويرضى ووفق صراط مستقيم عرّفه للمنعم عليهم ، وهم يعرفوه لنا لأنهم مختصون بليلة القدر سيد الليالي ونزول الروح بأمر الله لهم وبها يَعلمون ما يُصلحنا، فلذا يجب معرفتهم وأخذ هدى الله منهم .

 وهذا المُلك العظيم : من الكتاب والحكمة لهم هو أعلى نعم الله في الوجود ، ويوجب لهم حق الطاعة والتسليم لكل معارف علموها لنا ، فهم ولاة أمر الله وأئمتنا الذين ندعى بهم يوم القيامة ، ولهم ملك الله العظيم في القيامة أيضا ، فهم حقا سادتنا وسادة الوجود في الدنيا والآخر ة بدون منازع ، وذلك بفضل الله الذي أختارهم وتجلى عليهم باسمه الحسن السيد سبحانه فجعلهم سادة الوجود ومربيهم ومعلميهم .

ويا طيب : إن لسادة الوجود الملك العظيم وأعلى نعم الله سبحانه سيد السادات وقد عم وتم، حتى صاروا سادة الوجود وأئمة الناس وولاة أمر الله كلهم دائما ، فإن تمليكهم كان كله بفضل الله الملك الحق المبين وسيد السادة وواهب السيادة لمن يشاء .

وما عرفنا من شأنهم : واختصاصهم بالتطهير والكتاب والحكمة وأنهم رجال نور الله لما يقيمون من عبوديته كما في آيات النور التي عرفتها مفصلا في الجزء الأول من صحيفة الإمام الحسين عليه السلام ، هو كله بفضل تملِيك الله الملك لهم ، وإن ما ملكهم من نعمه سبحانه ليس إلا لعلمه بقوة إخلاصهم له وقدرتهم على تحمل تجلي أعلى نور الأسماء الحسنى كلها بأعلى عظمة ، فهم عباد مخلوقين لله ومكنهم وعلمهم الله فأخلصوا له العبادة بكل وجودهم تعليما وعلما وعملا وفعلا وسيرة وسلوكا .

وإذا عرفنا إن إقامة العبادة : لسادة الوجود والتحقق بالعبودية لله السيد هو أس ملاك ومناط مُلكهم للسيادة في الدنيا والآخرة ، وهي نعمة عظمى من تمليك الله لهم.

فلنتعرف : على أهم عبودية لله لهم ، وإنها من قبل الدنيا ، بل من زمن الملكوت الأول نتعرف على أنهم قد تحققوا بالعبادة لله ، وملّكهم الله السيادة لكل الخلق الأعلى فضلا عن تملكهم لملك السيادة العظيم في الدنيا والآخرة كما عرفت.

ولكي نتمم البحث : فنتعرف على بعض ملك الله العظيم في ملكوت الوجود لنعرف سادته في تلك العوالم ، نذكر آيات كريمة تذكرنا ما عرفت من مُلك الله لنا ولكل شيء وسعت ملكه في الملكوت من كرسي وعرش ونُزل أخرى أعلى ، فنعرف أنه هناك سادة وتنزل نورهم هنا ، ولنصدق بكل يقين ما نذكر من أحاديث تعرفنا تنزل نور سادتنا من نفس نورهم الذي هو تجلي نور الله فيهم في تلك العوالم .

يا طيب : إن مَن يقر لله بالعبودية ويقر له بالملك فيوحده ويصمد له وحده لا شريك له ويقر له أنه ليس مثل خلقه الذين فيهم توالد وتكاثر وأكفاء مثلهم في الخلق ، فهو يقر أن الله ليس مثله شيء وهو مالك كل شيء ، فلذا يصمد له ويقصده ، لأنه يعتقد أنه هو سيد كل شيء وكل شيء يقر له بالعبودية ويوحده فيطلب منه وحده فضله ونعمه ، ولذا عرفت أن كلمة التوحيد كان سيد الكلام كما عرفت وسيأتي :

{ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ هُـــوَ اللَّهُ أَحَــدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَـدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) } الإخلاص ، بشرح مفصل .

ويا طيب : الله وحده أحد خالق كل شيء ومنه تتنزل النعم ، فمن عرف هذا أولاً وعرفه لما بعده كان سيده ، لأنه أول من أقام العبودية لله ، وعرفت وستعرف أن كلمة التوحيد هي أعلى العلم وسيد سيد سيد العلم ، من يقولها مخلصا بكل شروطها وما توجبه يكون هو السيد الأعلى في التكوين في ملك الدنيا وملكوت الآخرة ، وما قبلها في عالم السماوات والكرسي والعرش ، وهي سر باقي العبادة وبعدها يأتي كل ذكر لله والعبادة له ، ولذا سنتعرف هنا أولا على ملك الله بصورة عامة ونشير لملكوته ، ثم لسيد العلم في كل أدوار الوجود ومن عَلمه يكون هو سيد أهل الكون ومعلمهم :

 

 

 

الإشعاع الأول :

مالكنا وسيدنا الله وحده لا شريك له خلقنا وهدانا وأنعم علينا لنعبده :

يا طيب : قبل أن نذكر عالم الملكوت نتدبر بعالم الملك ، أي عالم الشهادة ودنيانا ، ونؤكد معنا مُلك الله لكل شيء ، وإن مالك الشيء هو سيده ، ويهب السيادة لمن يشاء من خلقه ، وعرفنا أن نعمة الهداية والكتاب والحكمة أعلى نعم الله سبحانه وهي لسادة خلقه نبينا وآله الطيبين الطاهرين ، وما ذلك إلا لكونهم أخلصوا لله الدين له وحده لا شريك له وهو عين ما عرفنا وسنعرف من سورة الإخلاص أي التوحيد ، فنقصده لنحصل على نعمه ، ومن كان أول قائلا لها فهو سيد التكوين .

وأما الآيات : التي تعرفنا أن الله مالك كل شيء أي سيده المتصرف فيه وله حق الطاعة لما وهبهم وجودهم ونعمه التي لا تحصى لهم والتي أعلاه هداه لهم لكثيرة منها :

{ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَـدِهِ الْمُــلْكُ  وَهُـوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)

 الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْــلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَـنُ عَمَلً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) } الملك .

{ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُــلْكُ

لا إله إلا هو  فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6)

يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ

 لِّمَنِ الْمُـلْكُ الْيَــوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِــدِ الْقَهَّــارِ (16) } غافر .

{ الْمُــلْكُ يَوْمَئِــذٍ لِّلَّهِ

يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56)

وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ (57) } الحج .

{ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَــــلِكُ الحق

لا إله إلا هو رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)}المؤمنون.

يا طيب : هذه آيات كريمة تعرفنا أن كل شيء ملكه لله سيد السادات ، وإنه ملكه هو خلقه لنا وهو هدانا ، وأمرنا بأن نستعين به كما عرفت في سورة الفاتحة ، والآن هو مالكنا وأعطانا بعض الاختيار ليختبرنا ، ويظهر قهر ملكه يوم نبرز لله الواحد القهار ، وذلك بعد الدنيا التي حيانا فيها ثم يميتنا لغرض أن نقيم له العبودية مخلصين له الدين ، أي بعد الاختبار وما يبتلينا به من محن الدنيا وشدائدها كما في الآية الأولى ، فمن أطاعة وعمل صالحا ففي نعيم الجنة ، ومن كفر فله عذاب مهين .

ولذا إذا كان عندنا إيمان : يجب أن نعتقد أن الله هو الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم ، فيهبنا كل كمال وجمال إذا أقمنا له العبودية ، فلذا كان يجب أن نستعين به ليهدينا صراطه المستقيم الذي جعله عند المنعم عليهم بهداه ، فنفر من كل باطل وضلال وطغيان في الدنيا لله الكريم ليبذل لنا معروف الدنيا والآخرة ، فنتبع أنبيائه ومن وهبه ملك الرسالة ، بل من جعله سيد المرسلين وجعله رحمة للعالمين والبشير النذير ، فنفر لله تعالى بإقامة عبوديته كما علمه سادة العلماء وأصحاب ليلة القدر كما عرفت ، وقد قال سيد السادات سبحانه :

{ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (50)

وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (51)

كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52)

أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ (54)

وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55)

وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَـعْـبُـدُونِ (56) } الذاريات .

فإذا يا طيب : غرض الخلقة كما عرفت في آيات الملك هو أنه يختبرنا لنعمل صالح فننجى ، وإن غرض الخلق أن نطلب بكل علمنا وعملنا عبودية الله لينعم علينا بملكه ويهبنا خيرات الوجود أبدا ، فيجب أن نقيم العبودية لله الملك المالك الصمد ونقصد سيدنا ومالكنا والمنعم علينا ليربينا بهداه ويعلمنا دينه فنقيم له العبودية كما يحب ويرضى حقا ، وحينها يملكنا نعيمه في الآخرة ويجعلنا مع سادة الوجود في الدنيا والآخرة وهم أصحاب النعيم وصراط هداه المستقيم .

 

 

الإشعاع الثاني :

مالكنا وسيدنا هدانا لنقيم العبودية له بما علمنا ولا نضل للباطل  :

يا طيب : يجب علينا أن نخلص لله الطلب والقصد فنتبع من عندهم الهدى ذو الصراط المستقيم وملكهم السيادة الحقة لإدارة عباده في أرضه ، ونتحقق ونقتبس مِن ملك مَن ملكهم الله نعيمه وعرفنا دينه من سبيلهم وجعلهم سادتنا الواجب الطاعة لهم ، ونجتنب الطاغوت وأتباعه الضالين والمغضوب عليهم الذين هم سادة الباطل ، وكما عرفت في سورة الفاتحة وآيات النعيم ، وبهذا نقر لله بالملك وهو سيدنا ونحن عبيده بحق ، كما كان نعيمه على سادة الوجود فنقتدي بهم ونتعلم منهم حقا ، وهذا ما طالبنا به الله سيد السادات سبحانه فقال في سيد الكتب :

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُــدُواْ رَبَّكُمُ

الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) } البقرة .

{ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً  أَنِ اعْبُــدُواْ اللّهَ

وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ

فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ  وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ

فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) } النحل .

{ إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْــــدً (93)

 لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95) } مريم .

يا طيب : لما عرفت أن ملك الله لنا ملك حقيقي وهو إشراق نور تجلي الأسماء الحسنى في الوجود حتى جعلت كل شيء فيه حسنا متقنا مهديا لأحسن غاية ممكنة له ، فهو محتاج لنور تجليها أبدا وإلا ينقطع وجود أو نعيم وحسن من يفقد شيء من نورها ، وهو حقيقة ملك الله لنا ومالكنا أي سيدنا كما عرفت أن في اللغة المالك يقال له سيد وبأعلى معاني السيادة الحقيقية لله سبحانه ، فكل شيء عبد له فعلا ، ولكن عرفت أن يوم القيامة ظهور ملك الله بأعلى تجلي بدون اختيار لأحد ولا اختبار هناك ولا ابتلاء بل بارزون لله الواحد القهار ، وأحصاهم وعدهم وحسب لهم كل ما يستحقون ، فيأتوه فراد لا ملك لهم من نعيم إلا ما ملكهم ، فهم عبيده حقا بأعلى مظاهر التجلي ، فيظهر ونتيقن ذلك ملكه لنا وعبوديتنا له وأنا عبيد ليس إلا كما عرفت في الآيات أعلاه .

ثم أعلم : أن الله منعم ومتفضل على كل الكائنات فهو باذل متجلي فياض لحسنها بنفس وجودها ومنعم عليها فهو سيدها ، وكما قال سبحانه :

{ ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6)

الَّذِي أَحْسَــنَ كُـلَّ شَـيْءٍ خَلَقَـــهُ

وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ

وَجَعَلَ لَكُمُ السَّـمْعَ وَالْأَبْصَـارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ (9) } السجدة .

فالله خلق كل شيء بأحسن صورة ممكنة تناسب شأنه ، ثم أعطاه هداه :

{ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) } طه .

وأما الإنسان : فهو عبدا لله والله سيده وربه لأنه مخلوق لله وحده ، ولكنه فضله كما عرفت ، وجعل له اختيار ليعمل أعماله ويعتقد ما يشاء ، وإن الله لم يتركه بل هداه وعلمه كل ما يصلحه وكل ما يجب أن يبتعد عنه ليفلح إن تزكى ، ولذا قال :

{ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)

 قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَ (10) } الشمس ؟

فيا طيب : بعد إن عرفنا أن الله سبحانه هو خالقنا ومالكنا ونحن عبيد له ، وقد هدانا فيجب أن نقيم له العبودية مخلصين له الدين الحق ونشكره من غير ضلال ولا كفر وطغيان ، وهذا غرض الخلقة وغايتها وأس وجودها وملاك حسنها وجمال رتبها ودرجاتها كما عرفت ، وهداه يجب أن يؤخذ من سادة الوجود المنعم عليهم به كما عرفت ، ولنتيقن هذا نتدبر .

 

 

الإشعاع الثالث :

مالكنا وسيدنا برحمته للعالمين سيد المرسلين نورنا إخلاص التوحيد له:

يا طيب : إن من يقر لله بالعبودية ويحب شكره حين يؤمن به وذلك حين يرى نعمه التي لا تحصى عليه ، فضلا من أنه خلقه بأحسن تقويم وصورة وكمال ، ووهبه العقل وكل شيء يحتاجه مما يهبه الطمأنينة بعدله ورحمته ، وعرفه أنه سبحانه يهبه الكمال التام وما فيه صلاحه حين يقيم عبوديته كما يحب ويرضى ، ويشكره على نعمه وبالخصوص نعمة الهداية ، لا يسعه إلى أن يطلب سيد زمانه ليأخذه منه سيد الأديان وخالص هدى الله ليعبده به وحده لا شريك له فيخلص له العبودية .

 وهذا ما دله عليه : كل شيء في الوجود من إتقان صنع الله في التكوين والهدى ، وبالخصوص الهدية التشريعية التي بها تميز الإنسان عن باقي خلق الله وتفضل بها عليهم حتى كان سيد الأنواع ، ويعرف أنه هناك فيه فاضل أختاره الله وجعل له أعلى نعمة الهداية فيطلب دين الله منه ويخلص له العبودية به ، وإلا يكون في الحرمان من فضل الله ويحرق بنار العدم إن لم يسلك صراطه المستقيم ولم يطلب نعمته التي خص بها المنعم عليهم بهداه وجعلهم سادة خلق الله في زمانهم ،  ، ولذا قال الله تعالى أن رسوله وسيد المرسلين صاحب سيد الأديان أنه رحمة للعالمين .

 فلنتيقن الآن : ما عرفنا من أنه الله أختار من علمهم دينه ، وما يجب الإخلاص به له وحده لا شريك له ، فالله السيد سبحانه مالكنا أختار وأوحى لعبده وسيد رسله ما يجب أن نتعلم منه أفضل معاني التوحيد له كما في سورة التوحيد ، و بالخصوص الكلمات الجميلة العظيمة التي توجب حقيقة التوحيد له ومعرفته بكل عظمة وحده لا شريك له ، وهي :

 { وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13)

{ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)} طه .

فالشهادة لله لا إله إلا هو : من أهم العبادة وسيدها ، ثم تأتي الصلاة وباقي العبادات والطاعات ، وبكل تعاليم الدين ويجب أن نعبد الله مخلصين له الدين :

{ إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالحق

فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (2) }الزمر .

فكل تعاليم الكتاب : المنزل على سيد رسله وما علمه له ، به نقيم العبادة و الدعاء ويجب أن يكوم مخلصين لله الدين أي لله وحده لا إله إلا هو كما قال سبحانه :

{ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاء بِنَاء وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64)

هُوَ الْحَيُّ لا إله إلا هو

فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (65) } غافر .

أنعم علينا وعلمنا دينه وكلمة توحيده : فيجب أن نخلص له ونحمده لأنه رب العالمين وسيد الوجود المالك له والمعطية تحققه وهداه وكل ما يحتاجه وجوده ، وبالخصوص الإنسان الذي رزقه الطيبات وأحسن صورته ، فلابد أن يدعوا الله لا إله إلا هو وحده لا شريك له .  ولذا قال سبحانه لمن لم يخلص له الدين وعرفنا مصيرهم الأسود ، وعرفنا كرامة نبي الرحمة ومن يتبعه ويكون مثله مخلصا لله الدين معه :

{ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98)

 لَوْ كَانَ هَؤُلَاء آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100)  إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101)  لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ (الأنبياء102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (الأنبياء103)

 يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ

كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104)

 وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ  أَنَّ الْأَرْضَ

يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105)

 إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ (106)

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَــةً لِّلْعَالَمِينَ (107)

قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِــدٌ

فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ (108) } الأنبياء . نعم مسلمون بفضلك يا رب .

يا طيب : هذه الآيات أعلاه تعرفنا معارف عظيمة وكريمة في بيان ثواب المخلصين وغيرهم ، وتحكي إن الخلق كما بدأ يعود ، أي من ملكوت قبل الدنيا كما أنه لملكوت بعد الدنيا وهو الجنة ، وأنه هناك عالم أعلى ، وفيه إشارة متبادرة أولى أنه لم يكن خلق ثم كان ، ولكن الثواب في الجنة يفسر أنه يعودون لمحل أعلى في ملكوت التكوين بالنسبة للمؤمنين ، و غيرهم يفقدون نورهم فيحترقون بنار الفقدان .

وفي الآيات : سيأتي زمان يورث الله الأرض لعباده الصالحين وسيظهر أمرا لولي أمره وسيد الناس أي إمامهم ووليهم وبه يصلح العباد وهو الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر عليه السلام ، وفي هذا روايات كثيرة وتأتي أبواب خاصة بسادة العباد كلهم .

ونحن هنا نعرف : أولا تجلي السيادة في عالم الملك بأعلى مظهر لها في أعلى تعاليم على أعلى سيد حتى كان سيد الكونيين ورحمة للعالمين ، وما كان ملاك السيادة له إلا لإخلاصه لله وحده حتى جعله رحمة للعالمين ، أي سيدهم الباذل نعمته على تعليم أهل التكوين توحيد والإخلاص له سبحانه فجعله سيدهم .

ولذا جاء في كثير من الأدعية : بعد أن نوحد الله فنقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، نقول : وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، والتي منها في أدعية الأذان أو في القنوت أو في التشهد ، أو في دخول السوق وطلب الرزق ، أو الوصية والصلاة على الميت وتلقينه ، أو في أدعية الغسل والتطهير . وفي أدعية : الحج واستلام الحجر أو فيما يتقدم أدعية الأيام والزيارات والسلام والصلاة على نبينا الأكرم محمد بن عبد الله ورسوله ، فنقر له بالطاعة لله ونقر لله بهذا بالعبودية وأنه نحن مطيعون لهم فنقيم أمره ونعبده بهذا الإقرار لهم بوجوب الطاعة لهم والصلاة عليهم والتسليم لهم ، والطلب منهم أن يستغفرون لنا وغيرها من الآداب التي نزورهم بهم ونقر لهم بفضل لله سيد السادات ونعمه عليهم لما أقاموا من عبودية الله سبحانه وحده ، وهذا التجلي في العبودية له معنى عظيم واسع ظاهر فيهم بأعلى المعاني في كل مراتب الوجود .

والمهم في الآيات السابقة آخر آيتين : وإن كان ما قبلهما يعرفانا إمام زماننا :

فإن نبينا الأكرم : رحمة للعالمين ، وهو تجلي أعلى لأسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين . فكان مقامه عظيم في الدنيا والآخرة وما قبلهما من العوالم ، وأن العالمين سواء جن أو أنس أو ملائكة أو غيرهم ، فإنه نور الله تجلى فيه أولا في العوالم العالية ثم في باقي العوالم بما أشتق من نوره ، ولما  عرفنا عالم الملك ونعمه أي خلقنا وبذل نعمه لنا ، وتستمر لمن يخلص الله الدين فيُسلم وسلم لأمره صلى الله عليه وآله وسلم ، فإن نبي الرحمة كان في كل العوالم أول المخلوقين والمتنزل نوره فيها ، وهو أو من اسلم لله وأخلص له الدين ، وبهذا كما ستعرف كان سيد الكونين والعالمين والمخلوقين ، ثم تاليه في النور من كان أول المسلمين لم يشرك طرفة عين ، فلذا كان تاليه في السيادة للخلق وآله بعده معه ، وهذا أمر الله له والنازل فيه :

{ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (11)

وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) ) الزمر .

{ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلآ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ

إِنَّمَا أَنـتَ مُنـذِرٌ وَلِكُلِّ قَـوْمٍ هَــــادٍ (7) } الرعد .

فإن إخلاص الدين : والكون أول المسلمين هو من أسس السيادة للمسلمين كما عرفت في الآيات أعلاه حيث أمر الله وقد قدم السابقون للإسلام أيضا ، وهذين المعنيين داخلان في روح معنى سيد المسلمين ، وعرفت أن كلمة الإخلاص والتوحيد هي سيد الكلام ، فمن قالها أولا هو سيد المسلمين ويكون معلم للناس الإسلام فهو سيدهم ، فيكون سيد ولد آدم وسيد الأنبياء و المرسلين بل سيد الكونين والعالمين وكل المخلوقين ، وتاليه في النور من قال كلمة التوحيد والإخلاص ، وعلم حقائق الدين وأقامته ونشره علما وعملا ، وهو الهاد بعد إنذار سيد الأنبياء والمرسلين ، فيكون سيد الأوصياء وسيد المتقين وسيد المؤمنين وسيد المسلمين وسيد العرب .

وإذا كان نبينا : هو أول من قال كلمة التوحيد وعلم عبودية الله بعد أن خلقه الله وكان أول مسلم في كل مراتب التكوين كما عرفت وستعرف في عالم الملكوت ، فضلا عما عرفنا في الإسلام الذي هو أعلى الأديان وسيدها وكتابه سيدها ، فنعرف تفسير الآيات أعلاه فنذكر تاليه بعد أن سلمنا له أنه أول المسلمين ، وأن تاليه في الإسلام هو له أعلى نعمة فيكون هو الهاد وسيد الوصيين بعد المنذر سيد المرسلين .

 وقد عرفت نعمة الله سبحانه : في تمام الدين وسورة الفاتحة وأما بنعمة ربك فحدث أنه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، بل في الآيات السابقة هو الهاد بعد إنذار سيد المرسلين فهو سيد الوصيين لأنه ختمت النبوة ودين الله مستمر فالسيادة التامة الحق لتجلى أعلى نور الله لآله بعده ، وذلك لأنه طهرهم الله وباهل بهم سيد المرسلين بأمر الله وأمر بودهم وجعلهم كوثر الخير والبركة ، ونعمة الله على رسوله التي حدث بها بعد أن جعلهم مثله ناس الكتاب والحكمة وملك الله العظيم ، وهم آل إبراهيم المخصوصون بكرامة الله ومجده ، ولذا كانت روايات كثيرة عن سيد المرسلين تعرف الإمام علي عليه السلام بسيد الأوصياء إلى سيد العرب وآله سادة المتقين ، ومر قسم ويأتي أكثر ، وقبل أن نتابع البحث في سادة الملكوت الأعلى ، فلنتعرف عليهم في عالمنا ، وبعد أن عرفنا أن نبينا سيد المرسلين فلنتعرف على أول المسلمين والمؤمنين لنعرف أنه له ملاك سيد المسلمين بعده ، فنتخذه سيدنا وإمامنا وولينا وهادينا لمعرفة الإخلاص لله ، ونعبده بما علم من الهدى وشرح من دين الله ، ونقدي بإخلاصه والفناء في طلب الله مثله ومثل آله الكرام .

 

 

 

الإشراق الثالث :

سيد الأوصياء أول من أخلص التوحيد لله وعلّمه بعد سيد المرسلين :

يا طيب : بعد أن عرّفنا الله سبحانه مَن جعله رحمة للعالمين وصاحب سيد الأديان والكتب ، وأنه أفضل نعم الله بعد الرسالة وإقامة عبودية الله بأعلى الإخلاص حتى جعله سيد المرسلين ، هو نعمة جعل آله الكرام وأحبائه الطيبين الطاهرين سادة الوجود بعده ، وهذا المعنى كما عرفته في آيات المودة والولاية والهداية والنعيم ، تراه في كلام رسول الله بأجلى بيان وأفضل تعاليم علما وشرحا لأحوال خليفته الحق وسيد الأوصياء بعده ، وهو عرّفه بكل صورة بأنه سيد الوصيين وأنه أول من أسلم وآمن ونصر دينه ونشره بكل إخلاص في كل موطن كان فيه مع رسول الله وبعده ، وبعد أن عرفنا بيان الله واهب السيادة في تعريف شأن أكرم خلقه وما أراد من عبادة من الإخلاص له بدينهم ، نذكر تعريف رسول الله لأول من قال كلمة الإخلاص والتوحيد وعلمها ، فعرفنا بالسيد بعده ليكون سيد الوصيين بعد أن كان هو سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم :

 

 الإشعاع الأول :

سيد المرسلين يُعرف أول من أسلم وأخلص لله الدين معه في عالم الملك :

يا طيب : إن ملاك الإخلاص لله بكلمة الإخلاص وما تستوجبه من معاني الإيمان وتطبيق تمام الدين ، لهي من أسس ملاك سيادة المسلمين وسادتهم سيد المرسلين وسيد الوصيين وسادة المتقين ، وستعرف هذا المعنى أكثر في الذكر الآتي ، وقد عرفت كثير من الآيات في أول الإشراق هذا تعرفنا أنه أعظم نعم الله على عباده تعليم هداه وأوله وأعلاه توحيد الله سبحانه ، وكان رسول الله هو أول عارف ومُعرف له في كل مراتب التكوين والعوالم ، وإن علي بن أبي طالب تاليه وبعده آله ، وعرفت إن هذا الذكر بما يشرق مختص بعالم الملك أي الدنيا وإن أشرنا فيه للآخرة ، ويأتي باب في آخر أجزاء الصحيفة في الآخرة أكثر تفصيلا ، وقد عرفت أن رسول الله هو معلم وباذل معارف الله وتوحيده وأول المسلمين ويأتي بعده من عرفه أنه أول من آمن به ، وصدق إيمانه فيكون هو بعده معلم توحيد الله والإخلاص له ، وكلمة السيادة التي بها يسود الإنسان حقا في كل العوالم مع سادة الوجود ، ويكون تاليهم حسب إيمانه وما يتجلى عليه الله السيد حسب ظرفه ، وقد خص الله سبحانه المنعم عليهم بهداه بالسيادة وهم نبينا وآله ، ولكي نعرف سيد الأوصياء وملاك سيادته بمعنى أعلى من مجرد منعم عليه ، بل أول من أسلم وقال كلمة التوحيد ، فكان سيد المسلمين والمؤمنين والأوصياء بعد سيد المرسلين لأنهم في أعلى دين وسيد الأديان والكتب لهم :

قال : في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام لمحمد بن سليمان الكوفي المتوفى في القرن الثالث الهجري : الطريق الثالث والرابع مما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام حول سبق إيمانه على إسلام جميع المسلمين ، نختار منها :

عن ابن يحيى بن عفيف عن أبيه عن جده قال : قال عفيف : جئت في الجاهلية حتى قدمت مكة لابتاع لأهلي من ثيابها وعطرها ، وآويت إلى العباس وكان رجلا تاجرا فأنا جالس عنده وأنا أنظر إلى الكعبة وقد حلقت الشمس في السماء .

 إذ اقبل فتى شاب : حتى رمى ببصره إلى السماء فنظر ثم اقبل إلى الكعبة فدنا منها ، فلم يلبث إلا يسيرا حتى جاء شاب فصنع كما صنع ثم قام إلى جنبه ، فما مكث إلا يسيرا حتى جاءت امرأة فقامت خلفهما ، فأهوى الشاب فركع فركعا فرفع فرفعا ، ثم أهوى إلى الأرض ساجدا فسجدا .

فقلت : يا عباس أمر والله عظيم ؟!

 فقال : أمر والله عظيم ، هل تدري من هذا ؟ قلت : لا .

 قال : هذا محمد بن عبد الله هذا ابن أخي .هل تدري من هذه المرأة ؟ قلت : لا . قال : هذه خديجة بنت خويلد زوجة ابن أخي .

 هل تدري من هذا الفتى ؟  هذا علي بن أبي طالب ابن أخي .

هذا الذي ترى : ذكر أن ربه رب السماوات والأرض أمره بهذا الدين ، فهو عليه ، ولا والله ما أعلم على ظهر الأرض أحدا على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة [17].

وعن محمد بن عبيد لله بن علي عن أبيه ، عن جده قال :

 أتيت أبا ذر أسلم عليه ، فقال لنا حين أردت أن أنصرف ومعي أناس :

إنه ستكون فتنة ولست أدركها ، ولعلكم تدركونها فاتقوا الله ، وعليكم بالشيخ علي بن أبي طالب .

ف‍إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول لعلي :

أنت أول من آمن بي ، وأول من يصافحني يوم القيامة .

وأنت الصديق الأكبر ، وأنت الفاروق بين الحق والباطل .

وأنت يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الكفار [18].

وقال أبو سخيلة : أتيت أبا ذر رضي الله عنه ، فقلت :

 يا أبا ذر : قد رأيت اختلاطا فبماذا تأمرني ؟ قال :

عليك بهاتين الخصلتين :

كتاب الله ، والشيخ علي بن أبى طالب .

فأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول :

هذا أول من آمن بي ، وأول من يصافحني يوم القيامة .

وهو الصديق الأكبر ، وهو الفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل[19].

وعن أبي زكريا السمسار عن محمد بن عبيد لله بن علي عن أبيه عن جده : عن أبي ذر قال :

سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول :

أولكم ورودا علي الحوض ، أولكم إسلاما علي بن أبي طالب [20].

وعن أبي حمزة طلحة بن يزيد قال : سمعت زيد بن أرقم قال :

أول من اسلم علي[21] .

عن عليم الكندي : عن سلمان الفارسي قال :

 أول هذه الأمة

ورودا على نبيها صلى الله عليه وآله

 أولهم إسلاما علي بن أبي طالب [22].

يا طيب : في أغلب الأحاديث وما ذكرنا إلا قسما منها ، أنه عليه السلام أول الناس إيمانا وإسلاما ، وأول من يقدم على رسول الله صلى الله عليه وآله يوم القيامة ، ومعناه أنه أولهم هنا في ملاك الإيمان والسيادة بعد رسول الله ، وأنه في كل العوالم معه وتاليه في المقام الكريم ، ولذا كان هنا بعده في كل شيء علما عملا وجهادا ، ولذا مرت وستأتي أحاديث تعرف إسلامه وإخلاصه في سبيل تعليم الدين ، وقوة إيمانه وبذله تعاليمه بل والجهاد في سبيل نشره :

فعن الحسن عن الحكم قال : حدثني السدي قال : رأيت رجلا من كلب قد اجتمع الناس حوله بالمدينة يقع في علي عليه السلام إذ أقبل سعد بن أبي وقاص فقال : ما يقول هذا ؟ قالوا : يشتم عليا !؟!

قال : أفرجوا لي عنه ، فأفرجوا له ، فقال : علام تشتم عليا ؟

أليس اقرب الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟

وأولهــــم ســلما ، وأعلمهــم علمــا .

واشــد الناس باسا ، وأنكاه في المشركين .

وأزهدهم في الدنيا ، وأعلمهم بحلال الله وحرامـه .

 ثم قال : اللهم إن كان كاذبا فأر المؤمنين والمسلمين به خزيا .

قال : فجالت به ناقته ثم قذفت به على صخرة من أحجار الزيت .

قال السدي : فنظرت إلى دماغه وعينيه على الصخرة [23].

يا طيب : ملاك السيادة في الحديث وأيضا في معارف رسول الله ملاك أعلى من نشر الدين وتعليمه ، وهو التحقق به بكل إيمان وإخلاص ويحدث سيد المرسلين بإيمان سيد الأوصياء من باب : وإما بنعمة ربك فحدث ، فلذا جاء  عن بن أبي أيوب الأنصاري عن أبيه عن جده أبي أيوب قال :  قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

لقد صلت الملائكة عليَّ وعلى علي بن أبي طالب سبع سنين .

لأنه لم يصـــل معي غيره [24].

فإن الإيمان : ونزول رحمة الله عليهم بصلاة الملائكة كلهم عليهم وحدهم لمدت سبع سنين ، يعني سابقة عظيمة وكريمة في الإسلام ، وليس يوم ويومين ولا سنة ولا سنتين ، بل اختصاصهم بمكارم لم تكن لغيرهم ، بل غيرهم كافر يعبد صنم ، فإن من تعلم دين الله منهم وهم يصلون لله وحدهم ، فمن لحقهم فهم سادته مهما كان ، و حتى لو أدعوا أنه ثالث من أسلم أو بعد الإمام وسيد الوصيين ، ولا يحق له أن يسبقه أو يتآمر عليه ، بعد أن خصه الله بلطفه وجعله سيد ومعلم له ، فضلا عن صفاته الكريمة الذاتية والعلمية والعملية وإخلاصه له سبحانه وتعالى وأنظر لإخلاصه :

في أمالي الشيخ الطوسي في قصة مبيت الإمام علي وهجرته لما خرج من مكة :

... وسار : فلما شارف ضجنان أدركه الطلب ، وعددهم سبعة فوارس من قريش مستلئمين ، وثامنهم مولى لحرب بن أمية يدعى جناحا ، فأقبل علي عليه السلام على أيمن وأبي واقد ، وقد تراءى القوم ، فقال لهما : أنيخا الإبل واعقلاها ، وتقدم حتى أنزل النسوة ، ودنا القوم فاستقبلهم عليه السلام منتضيا سيفه .

فاقبلوا عليه فقالوأ : أظننت أنك يا غدر ناج بالنسوة ؟ ! ارجع لا أبا لك .

 قال : فإن لم أفعل؟

قالوا: لترجعن راغما ، أو لنرجعن بأكثرك شعرا وأهون بك من هالك ، ودنا الفوارس من النسوة والمطايا ليثوروها .

 فحال علي عليه السلام : بينهم وبينها ، فأهوى له جناح بسيفه ، فراغ علي عليه السلام عن ضربته وتختله علي عليه السلام فضربه على عاتقه ، فأسرع السيف مضيا فيه حتى مس كاثبة فرسه ، فكان يشد على قدمه شد الفرس ، أو الفارس على فرسه ، فشد عليهم بسيفه ، وهو يقول :

خلوا سبيل الجاهـد المجاهـد

آليت لا أعبـد غير الواحــد

فتصدع عنه القوم وقالوا له : اغن عنا نفسك يا بن أبي طالب[25].... .

 

وعن أسماء بنت عميس : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما زوج عليا فاطمة ، فأدخلت عليه ، قال لهما رسول الله صلى الله عليه وآله : لا تحدثا شيئا حتى آتيكما .

قالت : فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله حتى دخل عليهما ، فصب من أداوت ماء في تور ومج فيه ، ثم سقاهما ثم نضح ما بقي على البيت ، وذكرت أنه كان في البيت رمل فسواه رسول الله صلى الله عليه وآله بيده .

 ثم ولى فخرج ، فاستعبرت إليه فاطمة . فقال : يا بنية ما يبكيك ؟

فلقد زوجتك :

أقـدم هذه الأمة سلما .

وأعظمهم حلما ، وأعلمهم علما .

ســيـد المســلمين .

وأمير المؤمنين ، وقائد الغر المحجلين[26].

يا طيب : سيد المرسلين يعرفه بأنه أقدمهم سلما وأعلمهم و أحلمهم ، فحقه أن يكون سيد المسلمين وأمير المؤمنين وقائد العابدين وهم المغر المحجلين الذين من كثرة وضوئهم وطهارتهم تكون جباههم نورانية وهو قائدهم وسيدهم الآن وفي الآخرة.

وفي كلها معاني التوحيد : والسبق ظاهرة ، وما اخترنا من الأحاديث إلا اليسير لنعرف أعلى ملاك في السيادة ، وهو السبق لكلمة التوحيد سيد سيد سيد الكلام والإخلاص في التحقق بها ، وبتعبير سيد المرسلين ليعرف سيد الوصيين عليه السلام وصحبه الكرام الذين سمعوا منه ورأوا أحواله والثبات معه  .

 

 

الإشعاع الثاني :

سيد الأوصياء يعرفنا أنه أول من آمن وأسلم وصلى ووحد الله فهو سيدهم :

يا طيب : بعد أن عرفنا ملاك التوحيد العالي في الإسلام وبذله للدين ، وهو الإخلاص في عبودية الله وتوحيده ، وأنه من تقدم به كان سيد من بعده ، وقد عرفنا كلام رسول الله سيد المرسلين ، فننقل كلام سيد الأوصياء : في تعريف نفسه بأنه أول من أسلم وآمن وأول من صدق وسلم لله حتى خصه الله بتمام النعمة ، بل وبذلها وتعريف الإسلام بأعلى معانية بعد رسول الله ، حتى كان وارث الكتاب والحكمة ومعدن علم الله ورسوله بعد سيد المرسلين ، وعرفنا ويأتي تعريف رسول الله بما خصه الله ورسوله بكرامة ملاك السيادة وأنه تحقق به بفضل الله بعد رسول الله .

ويا طيب : جاءت روايات كثيرة تعرفنا : أن أمير المؤمنين أول من وآمن ووحد الله بعد رسول الله ، وقد جاء في حياة أمير المؤمنين على لسانه[27] في الفصل الأول أنه عليه السلام أول من آمن بالله ورسول صلى الله عليه وآله وسلم وقد ذكر فيه ستة وخمسين قولا منها :

 من كلام لأمير المؤمنين عليه السلام قال :  . . .

فاني ولدت على الفطرة ، وسبقت إلى الإيمان والهجرة . [28]. .  .

وعن ابن عباس قال: نظر علي بن أبي طالب عليه السلام في وجوه الناس فقال:

إني لأخو رسول الله ووزيره .

 وقد علمتم أني أولكم إيمانا بالله ورسوله .

 ثم دخلتم بعدي في الإسلام رسلا ، واني لابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأخوه ، وشريكه في نسبه .

 وأبو ولده ، وزوج ابنته سيدة ولده وسيدة نساء  أهل الجنة [29].

من كلام له عليه السلام : في بيان ما امتحنه الله به في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وبيان إيمانه برسول الله  ، قبل كل أحد  قال أمير المؤمنين عليه السلام وهو يناشد المسلمين :

 أما أولهن : فإن الله عز وجل أوحى إلى نبينا وحمله الرسالة ، وأنا أحدث أهل بيتي سنا .

 أخدمه في بيته ، وأسعى في قضاء بين يديه في أمره .

 فدعا صغير بني عبد المطلب وكبيرهم إلى :

شهادة أن لا اله إلا الله ، وأنه رسولا له .

 فامتنعوا من ذلك وأنكروا عليه ، وهجروه ونابذوه واعتزلوه ، واجتنبوه وسائر الناس مقصين له ومبغضين ومخالفين عليه ، قد استعظموا ما أورده عليهم مما لم تحتمله قلوبهم ، وتدركه عقولهم .

فـأجـبـت رسول الله وحــدي إلى ما دعا إليه .

 مسرعا ، مطيعا ، موقنا ، لم يتخالجـني في ذلك شك .

 فمكثنا بذلك ثلاث حجج .

 وما على وجه الأرض خلق يصلي أو يشهد لرسول الله بما آتاه الله ، غيري وغير ابنة خويلد رحمها الله .

ثم أقبل أمير المؤمنين عليه السلام على أصحابه فقال : أليس كذلك ؟

 قالو : بلى يا أمير المؤمنين [30].

فيا طيب : إن أمير المؤمنين في عالم الملك كما سترى في عالم الملكوت ، أول من أجاب رسول الله وأول من آمن به وسلم له وأسلم ، وقال كلمة الإخلاص وأخلص لله الدين ولم يخالجه شك ، وهذا مسلم له ولا ينافسه فيه أحده ، ولذا أقر له المسلمون الذين ناشدهم في كثير من المواقف بعد رسول الله ، والتي سترى بعضها ، وقد عرفنا هذا المعنى بأن الله طهره وآله مع رسول الله وعرفه وليا للمؤمنين في آيات التطهير والولاية والنعمة وغيرها الكثير ، ولذا خصه الله بالسيادة للمؤمنين بعد سيد المرسلين ، وهذا ما تعرفه الروايات أعلاه فضلا عن الآيات ، وأنه قال :

عن الإمام العسكري عليه السلام ، عن آبائه عن علي عليه السلام قال :

 أني كنت أول الناس إسلاما .

 بعث صلى الله عليه وآله يوم الاثنين ، وصليت معه يوم الثلاثاء .

 وبقيت معه أصلي سبع سنين ، حتى دخل نفر في الإسلام ، وأيد الله تعالى دينه من بعد[31] .

 قال حبة العرني : سمعت عليا عليه السلام يقول :

 أنا أول من أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وآله [32] .

وقال عبد الله بن عباس : كنت مع علي بن أبي طالب عليه السلام فمر بقوم يدعون فقال : 

ادعــوا لـي ، فإنه أمرتم بادعاء لي ، قال الله عز وجل :

{ وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَناَ

وَلِإِخْـوَانِنَا الَّذِينَ سَـبَـقُـونَا بِالْإِيمَـانِ(10) } الحشر .

وأنـا أول المؤمنــين إيمـــان [33] .

من كلام له عليه السلام قاله احتجاجا على أهل الشورى وهو في مناشدة أخرى قال :

أنشدكم بالله أتعلمون

 إني أول الأمـة إيمانـا بالله وبرسوله صلى الله عليه وآله ؟.

 قالوا : اللهم نعم [34].

قال السيد الرضي : كان أمير المؤمنين عليه السلام يحدث يوما بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، فنظر بعض القوم إلى بعض ، فقال عليه السلام :

  ما زلت مذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مظلوما ، وقد بلغني مع ذلك أنكم تقولون إني أكذب عليه ! ويلكم أ تروني أكذب ؟ ! فعلى من أكذب ؟ !

 أعلى الله ؟ !

فأنا أول من آمن به .

 أم على رسوله ؟ !

فأنا أول من صدقه [35].

 

وقال أمير المؤمنين عليه السلام لأهل الكوفة :

يا أهل الكوفة : أخبركم بما يكون قبل أن يكون ، لتكونوا منه على حذر ، ولتنذروا به من اتعظ واعتبر .

كأني بكم تقولون : إن عليا يكذب .

كما قالت قريش :

لنبيها صلى الله عليه وآله .

 وسيدها نبي الرحمة محمد بن عبد الله حبيب الله .

 فيا ويلكم .

 أ فعلى من اكذب ؟ أعلى الله ، فأنا أول من عبده ووحده .

أم على رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأنا أول من آمن به وصدقه ونصره !

 كلا ، ولكنها لهجة خدعة كنتم عنها أغنياء[36] .

ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية :  . . .

 إن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم لما دعا إلى الإيمان بالله والتوحيد .

كنا أهل البيت أول من آمن به ، وصدق بما جاء به .

 فلبثنا أحوالا مجرمة وما يعبد الله في ربع ساكن من العرب غيرنا [37]. . .

وقال أمير المؤمنين عليه السلام

 آمنت قبل الناس ســبع سنين [38].

وجاء في الفصل الثاني من حياة أمير المؤمنين عليه السلام عن لسانه [39]:

 قال حبة بن جوين : سمعت عليا  عليه السلام يقول :

 عبدت الله مع رسول الله صلى الله عليه وآله قبل أن يعبده رجل من هذه الأمة خمس سنين ، - أو سبع سنين [40] ( الشك من الراوي والمشهور سبعة ) .

و عن حبة العرني قال : رأيت عليا عليه السلام يوما ضحك ضحكا لم أره ضحك ضحكا أشد منه ، حتى أبدى ناجذه ثم قال :

اللهم : لا أعرف أن عبـــدا من هذه الأمة عبدك قبـلي غير نبيها عليه السلام  .  

ثم قال : لقد صليت قبل أن يصلي أحد سبع [41] .

 

وقال أمير المؤمنين عليه السلام لقوم من الشيعة دخلوا عليه في الرحبة :

ما عبد الله أحد قبلي إلا نبيه عليه السلام .

 ولقد هجم أبو طالب علينا وأنا وهو ساجدان فقال : أو فعلتموها ؟ ثم قال لي وأنا غلام :

ويحك ، انصر ابن عمك ، ويحك لا تخذله ، وجعل يحثني على مؤازرته ومكانفته[42] .

وجاء في الفصل الثالث من حياة أمير المؤمنين عليه السلام عن لسانه [43]:

عن حبة العرني قال : سمعت عليا عليه السلام يقول :

أنا أول من صلى مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم [44]. .

 

ومن كلام له عليه السلام :

 اللهم إني أول من أناب ، وسمع وأجاب .

 لم يسبقني إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالصلاة [45].

 و قال أمير المؤمنين عليه السلام

صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله كذا وكذا .

لا يصلي معه غيري إلا خديجة [46].

 عن المنهال بن عمرو : عن عباد بن عبد الله الاسدي قال : سمعت علي بن ابي طالب يقول :

 أنا عبد الله وأخو رسول الله وأنا الصديق الأكبر

لا يقولها بعدي إلا كذاب مفتري .

ولقد صليت قبل الناس فوق سبع سنين [47].

وقال أمير المؤمنين عليه السلام في حديث المناشدة :

 أنشدكم بالله هل فيكم أحد صلى لله قبلي ، وصلى القبلتين ؟ قالوا : اللهم لا [48].

من خطبة له عليه السلام بصفين : . . . وابن عم نبيكم معكم بين أظهركم يدعوكم إلى الجنة والى طاعة ربكم ، ويعمل بسنة نبيكم صلى الله عليه ،

 فلا سواء من صلى قبل كل ذكر ، لم يســبقني بصــلاتي مع رسول الله صلى الله عليه وآله أحد .

 وأنا من أهل بدر ، ومعاوية طليق ابن طليق [49]. . .

من كلام له عليه السلام للحارث الهمداني : 

 ألا إني عبد الله ، وأخو رسوله .

وصديقــه الأول ، صدقتـه وآدم بين الروح والجسد .

ثم إني صديقه الأول في أمتكم حقا [50]. . .

يا طيب : سيأتي التصديق في عالم الملكوت الأعلى ، وعرفت أن الملاك الأعلى للسيادة هو إخلاص التوحيد لأول المسلمين ، فيكون هو الهادي بعد سيد المرسلين ويكون سيد الوصيين ، لأنه تحقق بنور الإيمان وبذل معروف تعليمه وجاهد في سبيل نشره ، ولذا تقدم على غيره وهو مختص بأمير المؤمنين كما عرفت ، فإنه قال سبحانه واهب السيادة لرسوله أن يقول :

{ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (11)

وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) ) الزمر .

{ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلآ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ

إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7) } الرعد .

{ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) } الواقعة .

وقد عرفت قوله لمن يدعوا قال لهم أدعو لي لأني سبقتم إلى الإيمان :

{ وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَ

وَلِإِخْـوَانِنَا الَّذِينَ سَـبَـقُـونَا بِالْإِيمَـانِ(10) } الحشر .

فإن أول من أسلم وآمن وصدق : رسول الله علي بن أبي طالب روايات كثيرة مشهور بل متواترة مقطوعة الصدور عنه وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وإنه أخلص المخلصين لله بعد رسول الله ، فهو عبد الله المطيع الذي آتاه الله الكتاب والحكمة وعبد الله عن علم وبما يحب ويرضى ، ولذا خص بنعم تمام النعمة وكمال الدين ورضا الرب كما عرفت ، وبهذه المعاني عرفه رسول الله قبل أن يعرف نفسه ، ولا تعريف لأحد بأعلى من الإخلاص والعبودية والإسلام والإيمان والتصديق ، حتى كانت أول خصاله في كل احتجاجه وفي كل معارف يبين بها فضله ، وهكذا كان يعرفه رسول الله عرفت وكما سترى ، وهذا هو أعلى ملاك للسيادة إخلاص التوحيد لله وحده لا شريك له ، وبه استحق ملاك السيادة والإمام والولاية بعد سيد المرسلين فكان بحق سيد الوصيين .

ويا طيب : عرفت في نور مصباح الهدى أول البحث أن لكل شيء سيد ، وإن بلال كان سيد أهل الحبشة ، وسليمان سيد أهل فارس ، وصهيب سيد الروم ، هو لملاك تقدمهم في الإسلام ، والإمام علي كان سيدهم لأنه تقدمهم فهو سيد سادة المسلمين بحق ، وإنه له أعلى معارف الإيمان والدين ونشره كما سترى وله خصال لم تكن لأحد غيره في نشر دين الله وتعليمه كما ترى ، ولذا خص بالسيادة بأعلى ملاك لها وهو تعليم الكتاب والحكمة ، وهو هادي الأمة ونفس سيد المرسلين في آية المباهلة وهو المطهر والصادق والولي كما في آية الولاية وغيرها وتابع لترى جهاده وعلمه بحق .


[16] كتاب الغدير ج1ص9 .

[17]مناقب أمير المؤمنين عليه السلام لمحمد بن سليمان الكوفي ج 1ص 271ح 183 ، ح184 بنفس المعنى .

[18]مناقب أمير المؤمنين عليه السلام لمحمد بن سليمان الكوفي ج 1ص276ح191.وج 1ص294ح299 ح223.

[19]روضة الواعظين ص 115 .مناقب أمير المؤمنين عليه السلام لمحمد بن سليمان الكوفي ج 1ص279ح196 .

[20]مناقب أمير المؤمنين عليه السلام لمحمد بن سليمان الكوفي ج 1ص280ح195 .

[21] مناقب أمير المؤمنين عليه السلام لمحمد بن سليمان الكوفي ج 1ص282ح197 .

[22]مناقب أمير المؤمنين عليه السلام لمحمد بن سليمان الكوفي ج 1ص294ح217 ح217.

[23]مناقب أمير المؤمنين عليه السلام لمحمد بن سليمان الكوفي ج 1ص291ح212 .

[24]مناقب أمير المؤمنين عليه السلام لمحمد بن سليمان الكوفي ج 1ص282ح198 . و 1ص286ح203 .

[25]الأمالي للشيخ  الطوسي  ص 470.

[26]مناقب أمير المؤمنين عليه السلام لمحمد بن سليمان الكوفي ج 1ص274ح186 .

[27]حياة أمير المؤمنين عليه السلام عن لسانه لمحمد محمديان ج1ص13 ب1.

[28] نهج البلاغة لصبحي الصالح الخطبة 57 ص 92، أمالي الطوسي ص 364 الرقم 765، مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 107 ، شرح نهج البلاعة لابن أبي الحديد ج 4 ص 114 ، بحار الأنوار ج 41 ص 317 الرقم 41 .

[29]مناقب ابن المغازلي ص 111 الرقم 154 ، كشف الغمة ج 1 ص 80 ، بحار الأنوار ج 38 ص 240 .

[30]حياة أمير المؤمنين عليه السلام عن لسانه لمحمد محمديان ج1ص 19 عن الخصال للصدوق ج 2 ص 366 ، الاختصاص للمفيد ص 165 ، بحار الأنوار ج 38 ص 168 .

[31]التفسير المنسوب للإمام العسكري ( ع ) ص 429 الرقم 292 ، مسند أبي يعلى الموصلي ج 1 ص 328 الرقم 442 ، الاحتجاج للطبرسي ج 1 ص 68 الرقم 23 ، بحار الأنوار ج 38 ص 209 الرقم 5 .

[32]تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 ص 85 - 84 ، تاريخ بغداد ج 4 ص 233 الرقم 1947 .

[33]شواهد التنزيل للحافظ الحسكاني ج 2 ص 249 الرقم 974 .

[34]الاحتجاج للطبرسي ج 1 ص 341 الرقم 56 ، غاية المرام الباب 99 ص 642 .

[35]خصائص الأئمة للسيد الرضي ص 99 ، نهج البلاغة لصبحي الصالح الخطبة 71 ص 100 ، الاحتجاج للطبرسي ج 1 ص 411 ، بحار الأنوار ج 34 ص 103 .

[36]الإرشاد - للمفيد - ره - ج 1 ص 279 ، الاحتجاج - للطبرسي - ج 1 ص 411 الرقم 89 ، البحار ج 34 ص 136 الرقم 956 .

[37]كتاب صفين ص 89 ، مناقب الخوارزمي ص 176 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 15 ص 76 . سنين مجرمة أي سنين كاملة .

[38] الخصائص للنسائي 46 .

[39]حياة أمير المؤمنين عن لسانه لمحمد محمديان ج1ص 24 .

[40]تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 الحديث 80 ، الاستيعاب بهامش الإصابة ج 3 ص 31 ، كنز العمال ج 13 ص 122 الرقم 36390 ، المستدرك - للحاكم - ج 3 ص 112 .الشك من الراوي ، والثابت هو السبع .

[41]تاريخ دمشق ج 1 الرقم 86 و 87 ، مسند احمد بن حنبل ج 1 ص 99 ، كشف الغمة ج 1 ص 81 ، فرائد السمطين ج 1 ص 246 الرقم 191 ، مجمع الزوائد ج 9 ص 102 322 ، كنز العمال ج 13 ص 122 الرقم 36391 ، بحار الأنوار ج 38 ص 203 .

[42]شرح ابن أبي الحديد لنهج البلاغة ج 4 ص 104 ، شرح المختار 56 ، بحار الأنوار ج 34 ص 336 و360 .

[43]حياة أمير المؤمنين عليه السلام عن لسانه لمحمد محمديان ج1ص 24 .

[44]تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 ص 56 الرقم 82 ، المسند لاحمد بن حنبل - مسند أمير المؤمنين ص 141 ، انساب الإشراف ج 2 ص 92 الرقم 9 ، الخصائص للنسائي ص 42 الرقم 1 ، الاستيعاب بهامش الإصابة ج 3 ص 31 ، مناقب آل أبي طالب ج 1 ص 297 ، كشف الغمة ج 1 ص 81 ، مجمع الزوائد ج 9 ص 103 ، بحار الأنوار ج 38 ص 203 .

[45]نهج البلاغة صبحي الصالح الخطبة 131 ص 189 ، بحار الأنوار ج 34 ص 111 الرقم 949 .

[46]الاستيعاب بهامش الإصابة ج 3 ص 33 ، شرح ابن أبي الحديد ج 4 ص 120 .

[47]مناقب أمير المؤمنين عليه السلام لمحمد بن سليمان الكوفي ج 1ص275ح187 . الأوائل للعسكري ص 91 ، سنن ابن ماجة ج 1 ص 44 الرقم 120 ، خصائص النسائي ص 46 الرقم 6 ، تاريخ الطبري ج 2 ص 56 ، الخصال ج 2 ص 401 الرقم 110 ، مناقب آل ابي طالب ج 1 ص 299 ، كنز العمال ج 13 ص 122 الرقم 36389 ، المستدرك للحاكم ج 3 ص 111 ، بحار الأنوار ج 35 ص 412 الرقم 8 ، ينابيع المودة ص 68 .

[48]تاريخ دمشق لابن عساكر ج 3 الرقم 1140 و 1142 ، الامالي للطوسي ص 333 الرقم 667 وص 667 وص 555 الرقم 1169 ، مناقب الخوارزمي ص 224 ، الاحتجاج للطبرسي ج 1 ص 321 الرقم 55 ، غاية المرام الباب 99 ص 642 .

[49] كتاب صفين ص 314 .

[50]الامالي للمفيد المجلس الأول الرقم 3 ، الامالي للطوسي ص 626 الرقم 1292 ، كشف الغمة ج 1 ص 412 ، بحار النوار ج 39 ص 240 .

 

 

   

أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.alanbare.com

يا طيب إلى أعلى مقام كرمنا بنوره رب الإسلام بحق نبينا وآله عليهم الصلاة والسلام


يا طيب إلى فهرس صحيفة سادة الوجود رزقنا واهب السيادة نعيم هداه بأحسن جود