بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين
موسوعة صحف الطيبين  في  أصول الدين وسيرة المعصومين
صحف الظهور والتجلي  /  صحيفة  سادة الوجود / الجزء الثاني / القسم الأول

سفينة نجاة/ آية الكرسي
تفسير سيد آي كلام الله القرآن المجيد

المجلس الأول / الله لا إله إلا هو / تفسير سيد الكلام

الذكر الثاني / الله لا إله إلا هو سيد آية الكرسي سيد آي القرآن

 

يا طيب : فيما مر عرفنا أمورا جامعة ، وشروح مختصرة ، وتفاسير مجملة لأهم معارف آية الكرسي وأسس بيان سيادتها ، كتعليم وشرح لحقائق توحيد الواحد الأحد وحده لا شريك له لا إله إلا هو : الله سبحانه وتعالى ، ولآثار تجلي نور أسماءه الحسنى في تكوين كل شيء خلقه ، ولما يرعاه بقيوميته سبحانه وتعالى ويربيه حتى يوصله لما يستحقه شأن وجوده ، فكان وجود كثرة الأسماء الحسنى لله سبحانه في هذه الآية المباركة تعليلا لتحقق خلق كل شيء وملكه له بل وعنايته به ورحمته ولطفه به .

ويا طيب : كانت هذه الآية الكريمة سيدة آي القرآن لما تهبه من المعارف في أسس هدى الدين بل كيف تجلى خالقه في التكوين فوهبه جمال الحقيقة وحسن المعنى ، ويرفع من آمن بها وأكثر تلاوتها وواظب على قراءتها كل بركة وخير استعد له ، بل هي تخلق فيه الاستعداد لكي يتنور وجوده بفضل الله سبحانه وتعالى .

فتهب لقارئه : الإيمان المخلص بوحدانية الله ، وما يجب أن يتبعه من الرشد ، فيدخل ولايته والتمسك بعروة الله الوثقى فيصل لعبودية الله سبحانه وتعالى بما يحب ويرضى ، ويحصل على كل خير أعده لمن دخل بولايته حقا متبعا لشفعاء علمه وما أحاطهم به من هداه ، ليسعد البشر بالعبودية والشكر له وفي كل ما يخص حياتهم العامة والخاصة ، وكل شيء من أمور حياتهم وما يحيطهم حفظه أو دفعه فاستحب قراءتها .

وبعد الذي عرفنا : من أهم تعاليمها مجملا ، فلندخل في تفاصيل معارفها مفصلا ، بشرح خمسين كلمة مبارك فيها ، فيكون تفسير أثر حروف الجر والاستثناء مضمنا في شرح جملها وفقراتها ككل ، ولأسمائها وأفعالها مبينا مفسرا بإذن الله تعالى .

 


 

الله :

الإشراق الأول :

الله : لا إله إلا هو ، وكفى به كلام في كل معارف التوحيد ، بل وظهور الخلق ومبدئه ومعاده ، وهو عين ظهور الرحمة واللطف والعطف والرأفة لكل من كان يسلك صراطه المستقيم وسبيل هداه القويم .

الله : اسم علم للذات المقدسة ، وجامع لكل الأسماء والصفات وتقع وصفا له ولا يقع وصف لها ، وهو أعظم  الأسماء وأعلاه معنى ، وهو على حد الاعتدال لا ظهوره أكثر من بطونه ولا بطونه أكثر من ظهوره ، ومنطوي معناه في كل الأسماء والصفات الذاتية والفعلية المعبر بها عن الذات المقدسة وشؤون تجليها وظهور نوره في التكوين والوجود، وهو الاسم الأعظم الظاهر لكل العباد .

وعرفت يا طيب : أن لا إله إلا الله : سيد سيد ما يقال ، بعد أن كان : سبحان الله والحمد لله ولا إله إل الله والله أكبر سيد التسبيح والذكر لله سبحانه ، وشرحنا مفصلا هذا المعنى في الجزء الأول من صحيفة سادة الوجود .

وعرفنا : إن نبينا الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم : أمره الله سبحانه في أول بعثته ، بأن يصدع به ، وأخذ يدور في سكك مكة ويقول :

قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا .

 وعرفنا : أنه سيد الأوصياء علي بن أبي طالب عليه السلام ، كان أول من آمن به ونشره بكل وجوده ، وكان مكتوب على رايته ، وأحب ذكره ، وكان الصادع به بكل وجوده كسيد الأنبياء والمرسلين ، وإنه أجتمع سيد القول بسادة الوجود فكان ظهورا لحقيقتهم ، وهنا معنى سيادة : الله لا إله إلا هو ، لنعرف أن كلمة الله هي في الحقيقة سيد الكلام ، ومعناه سيد المعنى، وإنه بها يراد حقيقة الذات المقدسة التي لها ومنها كل جمال وجلال في الوجود . وبعد هذا فلنذكر كلام القوم ونتدبره .

 

 


الإشعاع الأول :

 الله سيد القول والكلام ومعناه سيد المعاني والحقائق :

في جامع الأخبار : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم :

سُبْحَانَ اللَّهِ  وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ  وَ لَا إِلَهَ إِلَّا الله  وَ اللَّهُ أَكْبَرُ

سَيِّدُ التَّسَابِيحِ

فَمَنْ قَالَ فِي يَوْمٍ ثَلَاثِينَ مَرَّةً : كَانَ خَيْراً لَهُ مِنْ عِتْقِ رَقَبَةٍ ، وَ كَانَ خَيْراً لَهُ مِنْ عَشَرَةِ أَلْفِ فَرَسٍ يُوَجَّهُ فِي سَبِيلِ الله ، وَ مَا يَقُومُ مِنْ مَقَامِهِ إِلَّا مَغْفُوراً لَهُ الذُّنُوبُ ، وَ أَعْطَاهُ الله بِكُلِّ حَرْفٍ مَدِينَةً [12] .

يا طيب : ثواب عظيم وجزيل لعمل يسير ، ولكنه عالي شريف ، فهو ذكر الله وتسبيحه وتقديسه .

ويا طيب : تعرف لماذا صار قول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، سيد القول والكلام والتسبيح ، لأنه فيه الكلمة المقدس الله سبحانه وتعالى مكررا.

 وبدون لفظ الجلالة : الله ، يكون قول وكلام لا معنى له ولا آثر له في الوجود ولا فضل له ولا فضيلة ، وإنه بتنزيهه وحمده وتوحيده وتعظيمه صار سيد الكلام وأعظمه .

فإنه حتى الكلمات : المرافقة للفظ الجلالة الله سبحانه وتعالى ، هي الألفاظ تسبيح وتقديس والتنزيه الله عن كل نقص ، وشكر وحمد لله على كل نعمة في التكوين ، وإظهار توحيد الله ونفي الشريك وكل آله غيره بقولنا لا إله إلا الله ، والله أكبر هو تعظيم الله وأنه أكبر من أن يوصف بوصف يحيط به عقل .

فما يرافق : التنزيه والحمد والتوحيد والتعظيم ، في سيد التسابيح هو لله سبحانه وتعالى ، وحقيقته هو المعرفة بأن الكمال كله لله وهو الواجب الوجود وكل شيء منه وقائم به وحده لا شريك له مع إظهار العظمة ، صار معرفا لسيد التسابيح لعظمة الله سبحانه وتجليه ، وبهذه المعرف صار سيد التسبيح .

 وهذا بعينه تعبير آخر عن قول أن كلمة : الله :

هي العظمى وسيد الكلام وأفضله ، وبكونها في آية الكرسي بأعلى بيان وشرح كانت آية الكرسي سيد آية القرآن الكريم ، سيد الكتب .

ويا طيب : قد نختصر الكلام ونقول : لا إله إلا الله .

ويكون توحيد الله : سبحانه وتعالى والإخلاص له وحده لا شريك له معنى جامع لما عرفت من التنزيه والحمد والتعظيم بالتكبير لجلاله ، وأنه لا يحاط به علما وإن كل شيء منه سبحانه وتعالى ، فله الملك وله الحمد وهو الله العلي العظيم .

جاء في كِتَابُ الْإِمَامَةِ وَ التَّبْصِرَةِ : عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ آبَائِهِ عليهم السلام قَالَ :

 قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم :

 سَـيِّـدُ الْقَوْلِ :

 لا إله إلا اللَّهُ

[13].

وفي دعوات الراوندي :  قَالَ أَبُو عَبْدِ الله عليه السلام :

 سَيِّدُ كلام الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ :

 لَا إِلَهَ إِلَّا الله

[14].

و قال أبو عبد الله عليه السلام :

 إن العبد : ليكون له الحاجة إلى الله ، فيبدأ بالثناء على الله و الصلاة على محمد حتى ينسى حاجته ، فيقضيها من غير أن يسأله إياها .

و قول : لا إله إل الله ، سيد الكلام [15].

فيكون : لا إله إلا الله ، سيد سيد التسابيح وما يقال ويذكر به الله تعالى ، وعين معنى أول آية الكرسي التي هي سيد سيد سيد سيد الكلام :

 اللّهُ   لا إله إلا هو  الحي القيوم ......فآية الكرسي : سيدة آية القرآن لأنه فيها سيد القول والكلام مطلقا في كل ما تعرفه اللغة العربية،  وهي سيد اللغات لكل ما خلق الله من لغة كما عرفت ، لأنه عرفنا في أول الكلام أن آية الكرسي سيد آي البقرة وهي سيد سور القرآن والقرآن المجيد هو سيد الكتب المكتوبة بسيدة اللغات . فـ :

الله : سيد الألفاظ وله سيد المعاني وسيد القول وله سيد الحقيقة الحقة ، التي تظهر بها كل سيادة لسيد حتى سيادة آية الكرسي في التدوين ، وسادة العباد في التكوين لأنه شاء أن يحيطهم بعلم منه وهدى يرشد به العباد، وأذن لهم به في ليلة القدر سيدة الليالي.

ويا طيب : عرفنا إن ملاك السيادة ، هو أنه الحقيقة المتصفة به تكون باذلة لخصائص فيها كريمة ، بها تسود على غيرها حين تسخو بما كرمها الله وفضلها على غيرها ، وإن الله سبحانه له الملك وهو الحي القيوم والعلي العظيم ، وبتجليه كل شيء ظهر في التكوين سواء في نفس أصله أو هداه ، فضلا عن هدى التشريع وأهله ، فهو واهب السيادة لكل سيد يتفضل على بني نوعه وأهل جنسه وكل ما يحيط به ، فهو من نعم الله الواحد الأحد سيدنا ومولانا وحده لا شريك له .

فبـ الله : لا إله إلا هو الحي القيوم : كانت آية الكرسي أعظم آية في القرآن ، وذروة القرآن ، وسيد آياته .

ويا طيب : قد عرفت أن سيد التسبيح والقول كله : صار سيدا لما يحتويه من المعنى المعبر عن تقديس وحمد وتنزيه وشكر للذات المقدسة لله وحده لا شريك له ، ومع الإقرار بعظمته التي لا يحاط بها شيء إلا بما شاء، وإنه في آية الكرسي تجد هذا المعنى مفصلا مشروحا واسعا ، وسنرى هذا المعنى في الشرح الآتي لباقي كلمات آية الكرسي المباركة .

وبعد هذه المعرفة : المختصر للفظ الجلالة الله وبيان سيادته على كل الأسماء الحسنى ، وإنه أعظم الأسماء مع عظمتها، وأعلاها معنى ، بل وشموله لكل معانيها على الحقيقة ، وبيان عظمته وعلوه وسيادته على كل كلام ، نذكر ما ذكر القوم في شرحه مختصرا وقد شرحناه مفصلا في صحيفة شرح الأسماء الحسنى فراجع.

 


 

الإشعاع الثاني :

معنى لفظ الجلالة الله على ما ذكره السيد الطباطبائي في الميزان :

قال رحمه الله في شرحه للفاتحة عند وصوله لكلمة الاسم الأعظم الله سبحان :

لفظ الجلالة : الله : أصله الإله ، حذفت الهمزة لكثرة الاستعمال .

و إله : من أله الرجل يأله ، بمعنى عبد ، أو من أله الرجل أو وله الرجل أي تحير ، فهو فعال بكسر الفاء بمعنى المفعول ، ككتاب بمعنى المكتوب ، سمي إلها لأنه معبود ، أو لأنه مما تحيرت في ذاته العقول .

و الظاهر أن الله : علم بالغلبة ، و قد كان مستعملا دائرا في الألسن قبل نزول القرآن ، يعرفه العرب الجاهلي كما يشعر به :

قوله تعالى : { وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله (87) } الزخرف .

وقوله تعالى : { فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَ هذا لِشُرَكائِنا (136) } الأنعام .

و مما يدل على كونه علم : أنه يوصف بجميع الأسماء الحسنى ، و سائر أفعاله المأخوذة من تلك الأسماء من غير عكس .

 فيقال: الله الرحمن الرحيم ، و يقال: رحم الله و علم الله ، و رزق الله .

ولا يقع لفظ الجلالة : صفة لشيء منها، ولا يؤخذ منه ما يوصف به شيء منها.

و لما كان وجوده سبحانه : و هو إله كل شيء يهدي إلى اتصافه بجميع الصفات الكمالية ، كانت الجميع مدلولا عليها به بالالتزام .

و صح ما قيل : إن لفظ الجلالة اسم للذات الواجب الوجود المستجمع لجميع صفات الكمال .

 و إلا فهو علم بالغلبة : لم تعمل فيه عناية غير ما يدل عليه مادة أله [16].

 

يا طيب : أكد السيد الطباطبائي رحمه في تعريف لفظ الجلالة الله : أنه علم للذات المقدسة بالغلبة ، أي لغبته على باقي أسماء الله سبحانه مثل : الأول الأخر الظاهر الباطن وغيرها ، وقد مر بحث كريم في تعريف الأسماء والصفات الإلهية وتقسيماتها في الأنوار السابقة ، والآن نذكر معنى العَلَم من الأسماء ، ونشير لمعنى الصفة في اللغة وهي التي تسمى النعت ، لأنهم ذكروا ، إن الاسم : إما معرفة أو نكرة .

وأعرف المعارف : المضمر المتكلم ، نحو : أنا ، ونحن  ، ثم المخاطب نحو : أنت  ، ثم الغائب نحو : هو .

ثم  العَلَمُ: هو ما وضع لشيء معين بحيث لا يتناول غيره بوضع واحد، نحو : زيد .

وأيضا عرف اسم العلم : هو الموضوع على المسمى تمييزا له لا لدلالته عليه اشتقاقا ، مثل عباس اسم لم يشتق من معنى في ذات الشيء أي ليس للعبوسة فيه بل اسم .

وأحلى التعاريف : العَلَمُ : هو الاسم الذي يعين مسماه مطلقا .

 أي بلا قيد : التكلم ، أو الخطاب ، أو الغيبة ، فالاسم : جنس يشمل النكرة والمعرفة ، ويعين مسماه : في التعريف فصل أخرج النكرة ، وبلا قيد : أخرج بقية المعارف ، كالمضمر : فإنه يعين مسماه بقيد التكلم كـ : أنا ، و نحن ، أو الخطاب كـ  : أنت ، أو الغيبة كـ : هو ، والعلم مثل : محمد ، علي ، حسن ، حسين جعفر .

ثم المبهمات من العلم : مثل  هذا ، الذي ، ونحوهما .

ثم المعرف باللام من العلم مثل : الرجل  .

 ثم المضاف إلى أحدها إضافة معنوية ، مثل :  كتاب سعيد ، وهو في قوة المضاف إليه ، ثم المعرف بالنداء مثل : يا رجل

و النَّكِرَةُ ، ما وضع لشيء غير معين نحو  : رجل ، و  فرس   [17].

ويا طيب: غلب لفظ الجلالة (الله) على كل الأسماء والصفات وصار علما للذات.

ويا طيب : مر تعريف أنواع الصفات الإلهية وتقسيماتها إلى أسماء الصفات والذات والأفعال وكيف وصف الذات المقدسة الإلهية بها ، وإن اسم الله لا يقع وصف لغيره من الأسماء الحسنى بينما هي تقع وصفا له ، وقد عرفت هذا المعنى سابقا ، وجاء في كلام السيد الطباطبائي رحمه الله آنفا ، ولتعريف الوصف في اللغة نذكر بعض البيان ، وليكن متتم لما سبق إن شاء الله ويشرح كلام السيد رحمه الله :

يا طيب : ذكروا أن ، الصفة : هي النعت ، ولم يفرق بينهن في اللغة بتفريق محصل واضح ، وقال بن هلال العسكري : أهل البصرة من النحاة يقولون الصفة ، وأهل الكوفة يقولون النعت ولا يفرقون بينهما [18].

وعرف الجرجاني الصفة فقال : هي الاسم الدال على بعض أحوال الذات ، وذلك نحو : طويل وقصير وعاقل أو أبيض وغيرها، وهي الأمارة اللازمة بذات الموصوف الذي يعرف بها ، والصفة المشبهة : ما اشتق من فعل لازم لمن قال به الفعل على معنى الثبوت ، نحو:  كريم ، وحسن[19]. وليس لله سبحانه إلا صفات المدح والثناء والعظمة.

ويا طيب : إن صفات الله سبحانه هي أسماءه الحسنى التي تعبر عن شأن من شؤون الذات المقدسة سواء ذاتية كـ : العلم ، والقدرة ، والحياة ، مثل : العالم ، القادر ، الحي . ، وهي كما عرفت عين بعضها البعض ، وهي عين الذات المقدسة متحدة بها من غير تبعيض ولا تجزؤ ، بل بوحدة واحدة بسيطة ، ولمعرفة الخلق حين التدبر في الوجود أن له خالق غنى وله الكمال ينتزع من شؤون معرفة وتجلي أنوار  عظمة الأسماء الحسنى .

وأما صفات فعليه : فهي التي يحصل من النسبة الخلق للحق والخالق سبحانه وتجليه عليهم وظهور نوره فيهم مثل : رزاق ورازق ، ومحيي أو مميت ، ومغني ومنعم وغيرها .

ويا طيب : بالصفات تتميز شؤون عظمة الله وتجلي رحمته للعباد وظهور نوره فيهم، وإذا عرفنا هذا المقدار من غلبت اسم الله الأعظم على غيره ، فلنذكر بحث جميل آخر .

 


 

الإشعاع الثالث :

بعض معاني لفظ الجلالة حسب ما ذكره صدر المتألهين في تفسيره :

يا طيب : إن من أوسع التفاسير المعروفة لآية الكرسي هو تفسير صدر المتألهين ، وإنه جعل في جزء واحد تفسير آيتين هما آية الكرسي وآية النور ، وهكذا توسع في أغلب ما فسره وإن لم يستوعب كل تفسير القرآن الكريم ، وإن تفسير وشرح لفظ الجلالة وكلمة الله العزيز وما بين من معناها ثلاثون صفحة ، ونحن نختار منها ما استلطفناه مما قال :

قال صدر المتألهين رحمه الله في تفسيره لآية الكرسي :

المقالة الأولى : فيما يتعلق باسمه تعالى ، الله .

و فيه أبحاث و تحقيقات لفظية و معنوية أوردناها في مسائل.

المسألة الأولى : في كيفيّة كتابة هذا اللفظ :

يجب إبقاء : لام التعريف في الخط ، على م هو أصله في لفظ : الله ، كما في سائر الأسماء المعرفة ، و أما حذف : الألف ، قبل : الهاء ، فلكراهتهم اجتماع الحروف المتشابهة في الصورة عند الكتابة ، و لأنه يشبه : اللاة ، في الكتابة .

قال أهل الإشارة : الأصل في قولنا : الله ، الله .

وهو ستة أحرف : ويبقى بعد التصرف أربعة في اللفظ، ألف و لامان و هاء .

 فالهمزة : من أقصى الحلق .

 و اللام : من طرف اللسان .

 و الهاء : من أقصى الحلق .

 و هذا حال العبد : يبتدئ من النكرة و الجهالة ، و يترقى قليلا في مقامات العبودية حتى وصل إلى آخر مراتب‏ الوسع و الطاقة ، و دخل في عالم المكاشفات و الأنوار، ثم أخذ يرجع قليلا قليلا حتى ينتهي إلى الفناء في بحر التوحيد ، كما قيل : النهاية هي الرجوع إلى البداية .

و من اللطائف المتعلقة بمواد هذا الاسم و حروفه :

 أنك إن أسقطت : الهمزة ، بقي : للّه : { وَ لِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ } .

فإن تركت من هذه البقية : اللام الأولى ، بقيت البقية على صورة : له :

{ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ } في آية الكرسي و الآية السابقة في الفتح 4و7 .

و إن تركت : اللام الباقية أيضا ، بقي : الهاء ـ المضمومة من : هو : { قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ } . و الواو : زائدة حصلت من إشباع الضمة ، بدليل سقوطها في التثنية و الجمع : هما ، هم .

فانظر إلى تقدس هذا الاسم : و تنزهّه عمّا يشبه القوة و البطلان و يوهم النقصان و الإمكان و لو بحسب مرتبة من مراتبه ، و تفطّن منه إلى صمديّة مسمّاه و ترفّعه عن التعطّل و القصور في إفاضة الوجود و الرحمة على ما سواه .

روي إن فرعون : قبل أن ادّعى الإلهية ، قصد أو أمر أن يكتب : بسم الله ، على بابه الخارج ، فلما ادّعى الإلهية و أرسل الله إليه موسى و دعاه ، فلم ير به الرشد ، و قال : إلهي كم أدعوه و لا أرى به خيرا ؟ .

 فقال تعالى : لعلك تريد إهلاكه ، أنت تنظر إلى كفره ، و أنا أنظر إلى ما كتبه على بابه .

فالنكتة فيه : أن من كتب هذه الكلمة على بابه الخارج ، صار آمنا من العذاب ، و إن كان كافرا ، فالذي كتبه على سويداء قلبه من أول عمره إلى آخره ، كيف يكون ؟!

 

المسألة الثانية : في كيفية التلفظ باسم الجلالة :

يا طيب : ذكر كلام في هذا المعنى منه قوله :

اعلم أن القراء و المجودين : استحسنوا تفخيم اللام و تغليظها من لفظ اللّه ، بعد الفتحة و الضمة دون الكسرة.

 أما الأول : فللفرق بينه و بين لفظ اللات في الذكر ، و لأن التفخيم مشعر بالتعظيم ، و لأن اللام الرقيقة تذكر بطرف اللسان و الغليظة تذكر بكل اللسان ، فكان العمل فيه أكثر فيكون أدخل في الثواب ، و هذا كما جاء في التورية : أجب ربك بكلك . و ربما قال بعضهم : بالوجوب مستدلا بأنه أمر شائع فلا يجوز خلافه .

و أما الثاني : فلأن النقل من الكسرة إلى اللام الغليظة ثقيل على اللسان لكونه كالصعود بعد الانحدار .

 

وذكر في المسألة الرابعة : كلام في عظمة اسم الله منه ما اختصرناه :

و هو كون الاسم : الله ، واقعا على الذّات ، دالّا عليها مطابقة لاستحالة غيره ..و موضوع لفظ الجلالة بإزاء الذات الأحدية المعرّاة عن الاعتبارات ، حقيقة كانت أو إضافية أو سلبية .. و أقول : إن هذا الاسم ( الله ) في التحقيق الذي لا مجمحة فيه ، من الأعلام الجنسيّة للذات المستجمعة للصفات الكمالية بأسرها ، المنزّهة عن النقائص الإمكانية برمّتها .

فهو علم : لهذا المفهوم الجامع المقدّس ، المنحصر في ذات الواجب القيوم بذاته .

 و ليس من أسماء الأجناس : إذ ليس اسم جنس لذاته، لعدم كونه تعالى كليّا طبيعيا كما زعمته طائفة من المتصوّفة- تعالى عمّا يقوله الظالمون علوّا كبيرا- و لا أيضا اسم جنس لصفة من الصفات بخصوصها أيّ صفة كانت ايجابية أو سلبية كما مرّ ذكره.

و الأولى أن يقال : إن المفهوم من بعض الأسماء أشرف من بعض بكثير، إلا أنّ القول بأن الاسم الأعظم غير منحصر في واحد أو اثنين غير بعيد عن الصواب .

و منهم من قال : إن الاسم الأعظم هو : اللّه  ، و هو قول منصور، لأنّك قد علمت أنه علم للذات المستجمعة للصفات الكمالية و الإلهية مع التقدّس عن جميع النقائص الكونيّة فهو يجري مجرى العلم للذات الحقيقية الأحدية، و ينوب منابه ، فكأنّه دالّ على ذاته المخصوصة الأحدية ، و هذا المقام غير متحقق لشيء من الأسماء العظام ، لعدم دلالته على ما دلّ عليه هذا الاسم إلا على سبيل الالتزام مع بيان و برهان كما في الحي القيوم .

و التحقيق : أن شرافة اسم على اسم باعتبار شرافة مدلوله بأحد الدلالات .

فمن نظر إلى أن مدلول الاسم : الله ، بحسب الدلالة المطابقة هو الذات المستجمعة ، لجميع الصفات الجمالية و الجلالية ، و لا يوجد في الأسماء ما له هذه الجامعية في الدلالة الوضعية إلا اسم ، الله ، حكم بأنه الأعظم .

 و من نظر إلى أن : الحي القيوم ،  يدلّ مفصلة على ما دلّ عليه اسم ، اللّه ، مجملا من تلك الأوصاف و النعوت الإلهية الوجوبيّة ، لكن على بعضها دلالة وضعية ، و على بعضها دلالة عقلية ، و الدلالة التفصيلية أرجح في طلب القرب و الوصول من الدلالة الإجمالية ، فحكم بأن هذا أعظم الأسماء .

 و من نظر إلى أن كلّ واحد من الأسماء الحسنى : يرشد إلى الآخر ، و يدلّ عليه دلالة عقلية عند التأمّل الصادق فيه ، و المواظبة على ذكره ، حكم بأنه لا رجحان لاسم على اسم ، بل كل واحد منها إذا نظرت إليها فهو عين جميع الأسماء بحسب المفاد ، كقوله تعالى :

{ قُلِ ادْعُواْ اللّهَ  أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ

فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى (110) } الإسراء .

 

المسألة الخامسة : في إعراب لفظ الله سبحانه و نظمه‏ :

الله : هو مرفوع بالابتداء ، و خبره إمّا محذوف ، و هو : موجود ، أو ثابت ، أو  واحد ، بقرينة ما بعده ، و هو : لا إله إلا هو ، مؤكدا له .

و يحتمل : أن يكون الجملة خبرا بنفسها لا تابعا .

و يحتمل أن يكون : الله ، خبر مبتدأ محذوف ، أي : هو الله دون غيره .

و معناه على الأول : أن الله بنفس ذاته موجود لا يزيد وجوده على هويّته ، كما في الممكنات التي لها مهيات قابلة للوجود و العدم غير مقتضية لشيء منهما بذواتها، فيحتاج إلى ما يرجح أحد الطرفين فيها على الآخر ، فيؤدي سلسلة الافتقار إلى موجود لا يزيد وجوده على ذاته ، دفعا للدور و التسلسل ، وكذا يقاس كونه واحدا .

و على الثاني : أن الموجود الحق بنفس هويّته إله للعالم ، لا بصفة زائدة على ذاته ، أي : صنعة الإلهية في الواجب .

ليست كصنائع : ذوي الصناعات الإمكانية ، التي صانعيّتها إنما يتحقّق بشيء زائد على ذاتها ، كما أن لنا شيئين : نتجوهر بأحدهما ، و هو النطق ، و نكتب بالآخر : و هو صنعة الكتابة . و كذا النار : تتجوهر بصورتها المخصوصة ، و تحرق بحرارتها ، و كذا الشمس : تتذوّت بشيء ، و تضيء وجه الأرض بشيء ، ثم لا يكفي في هذه المبادي الفاعليّة الذات و الصفة ، بل يحتاج مع ذلك إلى قابل و حركة ، حتّى يظهر منها آثارها ، لأن شأنها الإعداد و التحريك ، لا الجود و الإفاضة .

و أما  الإله المحض  و الجواد الحقّ : فلا ينقسم بشيئين ، بأحدهما تجوهر ذاته و بالآخر إلهيّته ، بل هو بذاته إله و بنفسه خلّاق ، و إلا لاحتاج في إيجاد صفة إلهيّته إلى إلهية أخرى ، و هكذا حتى يتسلسل أو يدور ، و كلاهما ممتنع ، فهو الله بذاته ، هو الرحمن الرحيم بنفسه ، لا بصفة زائدة بها تحصل الإلهيّة .

 

أما ارتباطه بما سبق :

 من الآيات قبل آية الكرسي )  فهو أن من عادته سبحانه و تعالى في هذا الكتاب المجيد ، أنّه يمزج هذه الأنواع الثلاثة بعضها ببعض، أعني : علم التوحيد ، و علم الأحكام ، و علم القصص .

و المقصود من ذكر القصص : إما تقدمة دلائل التوحيد ، و إما المبالغة في إلزام الأحكام و التكاليف ، و هذا الطريق هو الأحسن في الهداية و اللائق بالإنسان ، فإن الكلام في النوع الواحد كأنه ممّا يوجب له الملالة ، فأما إذا وقع الانتقال من نوع من العلوم إلى نوع ، فكأنه ينشرح به الصدور ، و يفرح به القلب ، و ينشط به الذهن ، و ينتعش الطبع ، فيصير به الكلام أقرب إلى فهم معناه و العمل بمقتضاه ، و إذ قد تقدم من علم الأحكام و القصص ما اقتضى المقام إيراده ذكر الآن ما يتعلق بعلم التوحيد .

 

المسألة السادسة :

 في تحرير القول بأن هذا الاسم عين ذاته تعالى أو غيرها :

أعلم : إنه قد اختلفت كلمة أهل الكلام في أن الاسم مطلقا ، هل هو عين المسمى ، أو غيره ؟

فالأول منسوب إلى الأشاعرة ، و الثاني إلى المعتزلة .

و أقول : الاسم في عرف المحققين من أكابر العرفاء المعتبرين عبارة عن الذات المأخوذة مع بعض الشؤون و الاعتبارات و الحيثيات ، فإن للحق سبحانه يحسب { كُلَّ يَوْمٍ هو فِي شَأْنٍ (29) } الرحمن ، شئونا ذاتية و مراتبا غيبية يحصل له بحسب كل منها اسم أو صفة حقيقية أو إضافية أو سلبية ، و لكل منها نوع من الوجود حتى السلوب ، فإنّها ممّا يعرضها الوجود من وجه ، كما إذا تمثّل في ذهن من الأذهان أو يكون له مصداق ينتزع منه إذا قيس إلى الأمر المسلوب .

و الفرق بين الاسم و الصفة : في اعتبار العقل ، كالفرق بين المركب و البسيط ، إذ الذات معتبرة في مفهوم الاسم دون مفهوم الصفة لأنها مجرّد العارض .

 فالاسم اللّه : عبارة عن مرتبة الألوهية الجامعة لجميع الشؤون و الاعتبارات للذات المندرجة فيها جميع الأسماء و الصفات التي ليست إلا تجليّات ذاته ، و هي أول كثرة وقعت في الوجود ، و برزخ بين الحضرة الأحدية الذاتية الغيبية و بين المظاهر الخلقية ، و هو بعينه جامع بين كل صفتين متقابلتين و اسمين متقابلين ، لما علمت أن للذات مع كل صفة معيّنة و اعتبار تجلّ خاص من تجلياته اسما ، و هذه الأسماء الملفوظة هي : أسماء الأسماء .

 و من هاهنا تحقّق و انكشف : أن المراد بأن الاسم عين المسمى ما هو.

و قد يقال : الاسم للصفة ، إذ الذات مشتركة بين الأسماء كلها ، و التكثّر فيها بسبب تكثّر الصفات ، و ذلك التكثّر إنما يكون باعتبار مراتبه الغيبية التي هي مفاتيح الغيب ، و هي معان معقولة في عين الوجود الحق ، بمعنى أن الذات الإلهية بحيث لو وجد في العقل أو أمكن أن يلحظها الذهن لكان ينتزع منه هذه المعاني و يصفها به ، فهو في نفس الأمر مصداق لهذه المعاني من دون حاجة إلى تحقق صفة في ذاته .

و هذا مراد المحقّقين من الحكماء و غيرهم : أن صفاته عين ذاته .

 و معنى‏ كلام أمير المؤمنين و إمام الموحدين عليه السلام في الخطبة الأولى :

كمال التوحيد نفي الصفات .

لأن المدّعى : أن مجرد وجود الذات هو بعينه وجود الصفات بالعرض ، لا أن لصفاته تعالى وجودا في أنفسها ، و لذاته وجودا آخر في نفسه ـ كما في صفات الممكنات ـ ليلزم فيه تعالى جهتا قبول و فعل ، و لا أيضا شيء من الذات بإزاء صفة ، و شيء منها بإزاء صفة أخرى ليلزم التركيب في ذاته تعالى عن ذلك علوا كبيرا .

 فصفاته الحقيقية : على كثرتها ، موجود بوجود واحد بسيط أحدي ، هو وجود الذات ، و هو بعينه مصداق تلك الصفات كله .

و ليس المدعى : أن ليست الصفات مفهومات متغايرة في الذهن ، و إلّا لكانت مترادفة الألفاظ - و هو ظاهر الفساد - فهي في أنفسها كسائر المفهومات الكلية ليست من حيث هي هي موجودة و لا معدومة و لا عامّة و لا خاصّة و لا كلية و لا جزئية بالذات بل بالتبعيّة ، فتصير كليّة في الذهن جزئية في الخارج ، موجودة في العقل معدومة في العين ، و لها الحكم و الأثر فيما له الوجود العيني ، بل ينسحب عليها أحكام الوجود بالعرض و هي تتنوّر بنوره و تصبغ بصبغه من الوجوب و الوحدة و الأزلية ، كما يجرى عليها أحكام الإمكان عند ظهورها في الأعيان الثابتة التي هي ناشئة منها باعتبار تعيّنها في علم الحق .

وأما عينيّة صفاته المقدّسة وأسمائه الحسنى مع الذات الأحديّة : ليست إلا وجودا مقدّسا بسيطا صرفا  ، و هو البرهان على كلّ شي‏ء و الشاهد على كل وجود[20].

يا طيب : كل ما ذكر في هذا الإشعاع هو من كلام صدر المتأهلين في شرح آية الكرسي ، وبما اختصرناه من كلامه نكتفي عما ذكر غيره ، وأعلم أن كل من شرح اسم الله، شرحه في بسم الله الرحمن الرحيم من سورة الفاتحة، وبعد هذه المعرفة نتدبر.



[12] جامع ‏الأخبار ص 52 ف25 . بحار الأنوار ج90ص173ب2ح19 .

[13] الجعفريات ص228 . بحار الأنوار ج90ص204ب5ح43 .مستدرك‏ الوسائل ج5ص356ب36ح6075-1 . ج5ص357ب36ح6078-4 .

[14] الدعوات ص49ح119 . بحار الأنوار ج90ص204ب5ح42 . ج92ص163ب105ح17 . مستدرك‏ الوسائل ج5ص357ب36ح6077-3 .

[15] الدعوات  ص22ف2ح25 .

[16] الميزان في تفسير القرآن ج‏1ص 18 .

[17]أنظر الهداية في النحو ص 90 . شرح ابن عقيل 1 ص118 . أصول النحو ج1ص484.

[18] معجم الفروق اللغوية للعسكري ص 375 .

[19]أنظر التعريفات ص 175رقم 873 .

[20]تفسير صدر المـتألهين رحمه الله ج4 ص24-54 .

خادم علوم آل محمد عليهم السلام

الشيخ حسن حردان الأنباري

موسوعة صحف الطيبين

http://www.alanbare.com