بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين
موسوعة صحف الطيبين في
أصول الدين وسيرة المعصومين
صحف
الظهور
والتجلي
/
صحيفة
سادة
الوجود
/
الجزء الثاني /
القسم الأول
سفينة
نجاة/
آية
الكرسي
تفسير سيد آي
كلام الله
القرآن المجيد
المجلس الأول / الله لا إله إلا هو / تفسير سيد الكلام
الذكر الثاني / الله لا إله إلا هو سيد آية الكرسي سيد آي القرآن
لا إله إلا هو :
الإشراق الثاني :
يا طيب : عرفت إن آية الكرسي هي أعظم آيات كتاب الله ، وسيد آياته وأفضلها ، وعرفت أن عظمتها وفضلها وسيادته هو لما لها من الآثار وللثواب الجزيل الكثير لقراءتها كما مر ، وكله يرجع لما لها من المعنى العظيم الكريم ، ولما تهبه للمؤمن بها من المعرفة العالية في تعريف عظمة الله وتجلي نوره وظهوره في كل الكائنات .
وعرفت : أن أعظم الأسماء الحسنى هو الله ، وإن كل أسماء الله الحسنى هي عظمى مؤثرة ، ولكن بعضها جامع محيط ويعبر عنه بأم الأسماء ، واسم يكون جامع لجميع الأسماء الحسنى كاسم الله جل جلاله ، ولبيان معاني اسم الله الأعظم وسيد الأسماء ، لابد من شرحه وبيان كماله الذاتي كما في سورة التوحيد والإخلاص ، أو في كلمة الشهادة المختصرة لها أو الكلمة الثانية الجامعة في آية الكرسي :
لا إله إلا هو ، وهي كلمة إخلاص تنفي وجود غير الله سبحانه ، فهي خلاصة سورة التوحيد ، وغرض الهداية ، وجامعة للمعاني المعرفة لعظمة الله وعلوه ، بل وفي ظهور نوره في كل التكوين لمن تدبر فيها ، وعرفت أن لكل الكون إله خالق واحد لا شريك له ولا ضد ولا ند ، ولا مشارك ، ولا صاحبة ولا ولد ، لأنه أثبات غيره نقص في معنى كلمة التوحيد ، لا إله إلا هو ، أي لا إله إلا الله ، بل نقص في معنى كلمة الله ، وعرفت أن هو إشارة إلى كلمة الله سبحانه ، وإن :
لا إله إلا الله : كل مفسرها قدر المعنى باللفظ أنه : لا إله موجود إلا الله . وإن : لا إله إلا هو ، هو المراد به الذات الإلهية المقدسة ، وإن هو تعبير أخر عن لفظ : الله ، وأقربها به لفظا ومعنى من جميع الأسماء الحسنى ، إن لم نقل أعمق في تعظيم المراد .
وحصر الألوهية بالله سبحانه وتعالى : بكلمة : لا إله إلا هو ، أو لا إله إلا الله .
من أعلى وأعظم الكلمات الجامعة في التوحيد ، وعرفت أنها سيد سيد الكلام .
الإشعاع الأول :
لا إله إلا هو : الثابت الغائب ومعارف عالية ل هو الأعظم سبحانه :
يا طيب : كما عرفنا أن أساس الكلام واللفظ المعنى في قولنا : سبحان الله وحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، وأنه سيد التسابيح ، وأن : لا إله إلا الله ، سيد الكلام ، والقول التسبيح كله .
وإن كلمة : الله سبحانه وتعالى ، هي التي جعلته سيد الكلام والقول .
فإن في قولنا : لا إله إلا هو ، في آية الكرسي ، وفي كل ذكر وتقديس لله وتنزيه وتسبيح أو لإثبات وحدانيته تعالى ، فإن فيه أس الكلام وأصله والذي أعطاه معنى عظيم كريم جعله سيد الكلام كقول لا إله إلا الله .
بل : هو : تعبير أعمق في بيان عظمة الله وتعريف أنه لا يحاط به علما ، فضلا عن إثبات وجود إله واحد لا شريك له ، فيعطي معنى أعلى في تعريف عظمة الله سبحانه ، ولذا خصت به سورة الإخلاص والتوحيد ، قل هو الله أحد ، فكان هو المقدم ، ولمعرفة معاني العظمة في كلمة : هو ، ودلائل التوحيد ، نتدبر الأحاديث الآتية :
عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ وَهْبِ بْنِ وَهْبٍ الْقُرَشِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ عليهم السلام فِي قَوْلِ الله عَزَّ وَ جَلَّ :
{ قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ } .
قَالَ : { قُلْ } أَيْ أَظْهِرْ مَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ، وَ نَبَّأْنَاكَ بِهِ بِتَأْلِيفِ الْحُرُوفِ الَّتِي قَرَأْنَاهَا لَكَ ، لِيَهْتَدِيَ بِهَا مَنْ أَلْقَى السَّمْعَ وَ هو شَهِيدٌ .
وَ هُوَ : اسْمٌ مُشَارٌ وَ مَكْنِيٌّ إِلَى غَائِبٍ .
فَالْهَاءُ : تَنْبِيهٌ عَنْ مَعْنًى ثَابِتٍ .
وَ الْوَاوُ : إِشَارَةٌ إِلَى الْغَائِبِ عَنِ الْحَوَاسِّ .
كَمَا أَنَّ قَوْلَكَ: هَذَا، إِشَارَةٌ إِلَى الشَّاهِدِ عِنْدَ الْحَوَاسِّ، وَذَلِكَ أَنَّ الْكُفَّارَ نَبَّهُوا عَنْ آلِهَتِهِمْ بِحَرْفِ إِشَارَةِ الشَّاهِدِ الْمُدْرَكِ .
فَقَالُوا : هَذِهِ آلِهَتُنَا الْمَحْسُوسَةُ الْمُدْرَكَةُ بِالْأَبْصَارِ . فَأَشِرْ أَنْتَ : يَا مُحَمَّدُ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي تَدْعُو إِلَيْهِ حَتَّى نَرَاهُ وَ نُدْرِكَهُ وَ لَا نَأْلَهَ فِيهِ.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تعالى : قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ .
فَالْهَاءُ : تَثْبِيتٌ لِلثَّابِتِ .
وَ الْوَاوُ : إِشَارَةٌ إِلَى الْغَائِبِ عَنْ دَرْكِ الْأَبْصَارِ وَ لَمْسِ الْحَوَاسِّ ، وَ الله تعالى عَنْ ذَلِكَ ، بَلْ هو مُدْرِكُ الْأَبْصَارِ وَ مُبْدِعُ الْحَوَاسِّ [21].
يا طيب : إن كان في معنى كلمة الله ، مأخوذ معنى الألوهية وأنه اسم جامع لمعاني جميع الأسماء الإلهية وهي منطوية فيه على حد الاعتدال ، فإن في كلمة : هو في قولنا : لا إله إلا هو ، فإنه بالإضافة لمعنى نفي الإلهية عن غير الله وأنه غيره لا يستحق أن يُعبد ، فإن في تعظيم أعمق وأشمل فإنه يجب التأله والتوجه لموجود غائب ، وهو في نفس الوقت قريب محيط بكل شيء وخالق له ، فيكون في عين البعد قريب ، ويكون في عين قربه بعيد ، كما عرفت من أن معنى هو كما :
قال سيد الوصيين أمير المؤمنين : هو : الثابت الغائب :
وعَنْ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ سِمْعَانَ بْنِ أَبِي رُبَيْحَةَ مَوْلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ :
سُئِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : بِمَ عَرَفْتَ رَبَّكَ ؟
قَالَ عليه السلام : بِمَا عَرَّفَنِي نَفْسَهُ . قِيلَ : وَ كَيْفَ عَرَّفَكَ نَفْسَهُ ؟
قَالَ عليه السلام : لَا يُشْبِهُهُ صُورَةٌ ، وَ لَا يُحَسُّ بِالْحَوَاسِّ ، وَ لَا يُقَاسُ بِالنَّاسِ .
قَرِيبٌ فِي بُعْدِهِ ، بَعِيدٌ فِي قُرْبِهِ .
فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَ لَا يُقَالُ شَيْءٌ فَوْقَهُ .
أَمَامَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَ لَا يُقَالُ لَهُ أَمَامٌ .
دَاخِلٌ فِي الْأَشْيَاءِ لَا كَشَيْءٍ دَاخِلٍ فِي شَيْءٍ .
وَ خَارِجٌ مِنَ الْأَشْيَاءِ لَا كَشَيْءٍ خَارِجٍ مِنْ شَيْءٍ .
سُبْحَانَ مَنْ هو هَكَذَا ، وَ لَا هَكَذَا غَيْرُهُ ، وَ لِكُلِّ شَيْءٍ مُبْتَدَأٌ[22] .
قال في بحار الأنوار في شرح كلام سيد الأوصياء بيان :
قريب : من حيث إحاطة علمه و قدرته بالكل ، في بعده أي مع بعده عن الكل من حيث المباينة في الذات و الصفات ، فظهر أن قربه ليس بالمكان ، بعيد عن إحاطة العقول و الأوهام و الأفهام به ، مع قربه حفظا و تربية و لطفا و رحمة ، و قد مرّ : أنه يحتمل أن يكون إشارة إلى أن جهة قربه أي بالعلية ، و احتياج الكل إليه هي جهة بعده عن مشابهة مخلوقاته ، إذ الخالق لا يشابه المخلوق ، و كذا العكس .
فوق كل شيء : أي بالقدرة و القهر و الغلبة و بالكمال و الاتصاف بالصفات الحسنة . و لا يقال : شيء فوقه في الأمرين ، و فيه إشعار بأنه ليس المراد به الفوقية بحسب المكان و إلا لأمكن أن يكون شيء فوقه .
أمام كل شيء : أي علة كل شيء و مقدم عليها ، و يحتاج إليه كل موجود و يتضرع إليه و يعبده كل مكلف ، أو كل شيء متوجه نحوه في الاستكمال و التشبه به في صفاته الكمالية . و الكلام في قوله : و لا يقال له أمام ، كما مر .
داخل في الأشياء : أي لا يخلو شيء من الأشياء ، و لا جزء من الأجزاء عن تصرفه و حضوره العلمي و إفاضة فيضه و جوده عليه ، لا كدخول الجزء في الكل ، و لا كدخول العارض في المعروض ، و لا كدخول المتمكن في المكان .
خارج من الأشياء : بتعالي ذاته عن ملابستها و مقارنتها و الاتصاف بصفتها و الائتلاف منها ، لا كخروج شيء من شيء بالبعد المكاني أو المحلي ، و قوله : و لكل شيء مبدأ : أي علة في ذواتها و صفاتها كالتعليل لما سبق[23] .
يا طيب: شرح لحديث شريف يرينا معرفة عالية في التوحيد الإلهي بما لا مزيد عليه:
دلالات ومعارف ل هو تعالى وآيات وأحاديث ترينا معناه :
هو ، إشارة للثابت الغائب ، وقد عرفت أن آية الكرسي آياتها متدخلة المعنى لترابط جملها من غير فصل بعطف ولا حتى تفريع بفاء ، بل تعرف أن الله لا إله إلا هو، فهو الحاضر الغائب ، وهو الأول والآخر والظاهر والباطن .
بل هو سبحانه : { اللَّهُ نور السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (34) } النور ، وما بعد الآية آيات في سورة النور تعرفنا تجليه سبحانه وظهوره في التكوين ، وهي عند التدقيق كما في آية الكرسي بالتدبر فيها ، ومع تصريح واضح في تعريف ظهور ولايته تعلى في التكوين فيمن شفعهم بنوره ، وإنه بنوره ظهر كل شيء وسرى ، وإن كان هناك عبر بجعل مشكاة ومصباح وزجاجة ، وهنا عبر عنه من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ، ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شيء ، وآية النور بالآيات بعدها عبر عن رجال في بيوت يرفعون ذكره ومنهم جعل نور يشرق لكل طالب له ، وغيرهم ضال ، فكان في آية الكرسي بعدها الولاية والنور لمن يتولى أهل الرشد ، وغير غوي مظلم .
فآية الكرسي : أولها تعريف للوحدانية : وإشارة لعظمته في نفي غيره ، وعرفنا أنه : الله لا إله إلا هو ، أي : الله هو سبحانه الثابت الغائب في باطنه ، وفي ظهوره له ملك ،وكل شيء يتنور حين يلتجئ له ويداخل تحت ولايته ، وعرفنا بعده في نفس آية الكرسي أنه محيط بنا ولا نحيط بعلمه شيء إلا بأذنه فيكف به سبحانه وقد وسع ملكه السموات والأرض ، ففسر حقائق من علم التوحيد وظهور تجليه بأخصر كلام وأبلغه مع إشارته لكيفية ظهور نوره في التكوين الواسع .
وعلى كل حال : فالله سبحانه هو ، وهو أعرف المعارف كما عرفت سابقا عن الموجود بعد أنا ونحن، وهو في عين كونه الغائب ثابت وجوده ، فهو كما قال قريب منا :
{ أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ
وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) } ق .
وَ أَتَى أَعْرَابِيٌّ الْبَاقِرَ عليه السلام فَقَالَ : أَ رَأَيْتَ اللَّهَ حِينَ عَبَدْتَهُ ؟
فَقَالَ عليه السلام : مَا كُنْتُ لِأَعْبُدَ شَيْئاً لَمْ أَرَهُ . قَالَ : كَيْفَ رَأَيْتَهُ ؟
قَالَ عليه السلام : لَمْ تَرَهُ الْأَبْصَارُ بِمُشَاهَدَةِ الْعِيَانِ .
وَ لَكِنْ رَأَتْهُ الْقُلُوبُ بِحَقِيقَةِ الْإِيمَانِ .
لَا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ ، وَ لَا يُقَاسُ بِالنَّاسِ ، مَعْرُوفٌ بِالْآيَاتِ ، مَنْعُوتٌ بِالْعَلَامَاتِ ، هو :
اللَّهُ الَّذِي لا إله إلا هُوَ .
فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ : الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ [24].
وقال سبحانه وتعالى : { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا الله
لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ الله رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) } الأنبياء .
{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ الله الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا
لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) } الروم .
فـ الله لا إله إلا هو ، وبيان أنه هو الحي القيوم وله الملك ولا يشفعون إلا بإذنه ، ولا يحيطون بعلمه إلا بما شاء ، مع كون موجودات هذا الملك الواسع كثيرة عظيمه ، يعرفنا توحيده وأنه مفطور عليه كل شيء ، ولا يشك به عاقل متدبر في تكوينه ، وتكوين خلقه ، وكما قال سبحانه وتعالى :
{ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي الله شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى (10) }إبراهيم.
يا طيب : سيأتي كلام في معنى عدم معرفته بالإحاطة ، في قوله ولا يحيطون بشيء من علمه ، و أن المعرفة بشؤون عظمة الله هي أعلى المعارف وأشرفها ، وهو من تعاليم أهل البيت عليهم السلام ، فضلا عن تعريف كل شؤون دينه ، ومنها المعرفة في الحديث السابق ، وما سترى من الأحاديث الشريفة عنهم عليهم السلام ، وفي هذا المعنى :
من وصية للأمير المؤمنين : علي بن أبي طالب لأبنه عليه السلام الحسن بن علي عليه السلام كتبها إليه بحاضرين عند انصرافه من صفين :
وَ اعْلَمْ : يَا بُنَيَّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِرَبِّكَ شَرِيكٌ لَأَتَتْكَ رُسُلُهُ .
وَ لَرَأَيْتَ : آثَارَ مُلْكِهِ وَ سُلْطَانِهِ ، وَ لَعَرَفْتَ أَفْعَالَهُ وَ صِفَاتِهِ .
وَ لَكِنَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ : كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ .
لَا يُضَادُّهُ فِي مُلْكِهِ أَحَدٌ ، وَ لَا يَزُولُ أَبَداً وَ لَمْ يَزَلْ ، أَوَّلٌ قَبْلَ الْأَشْيَاءِ بِلَا أَوَّلِيَّةٍ ، وَ آخِرٌ بَعْدَ الْأَشْيَاءِ بِلَا نِهَايَةٍ .
عَظُمَ : عَنْ أَنْ تَثْبُتَ رُبُوبِيَّتُهُ بِإِحَاطَةِ قَلْبٍ أَوْ بَصَرٍ .
فَإِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ : فَافْعَلْ كَمَا يَنْبَغِي لِمِثْلِكَ أَنْ يَفْعَلَهُ فِي صِغَرِ خَطَرِهِ وَ قِلَّةِ مَقْدِرَتِهِ وَ كَثْرَةِ عَجْزِهِ ، و عَظِيمِ حَاجَتِهِ إِلَى رَبِّهِ فِي طَلَبِ طَاعَتِهِ وَ الْخَشْيَةِ مِنْ عُقُوبَتِهِ وَ الشَّفَقَةِ مِنْ سُخْطِهِ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَأْمُرْكَ إِلَّا بِحَسَنٍ ، وَ لَمْ يَنْهَكَ إِلَّا عَنْ قَبِيحٍ [25].
الله لا إله إلا هو : نعرفه بتجلي عظمته في كل شيء وأنه يحتاج لخالق : هو الله .
وقال
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في خطبة في نهج البلاغة أولها:
الْحَمْدُ لِلَّهِ : الَّذِي انْحَسَرَتِ الْأَوْصَافُ عَنْ كُنْهِ مَعْرِفَتِهِ ، وَ رَدَعَتْ عَظَمَتُهُ الْعُقُولَ ، فَلَمْ تَجِدْ مَسَاغاً إِلَى بُلُوغِ غَايَةِ مَلَكُوتِهِ .
هُوَ اللَّهُ الْحَقُّ الْمُبِينُ : أَحَقُّ وَ أَبْيَنُ مِمَّا تَرَى الْعُيُونُ .
لَمْ تَبْلُغْهُ الْعُقُولُ : بِتَحْدِيدٍ ، فَيَكُونَ مُشَبَّهاً ، وَ لَمْ تَقَعْ عَلَيْهِ الْأَوْهَامُ بِتَقْدِيرٍ فَيَكُونَ مُمَثَّلًا ، خَلَقَ الْخَلْقَ عَلَى غَيْرِ تَمْثِيلٍ ، وَ لَا مَشُورَةِ مُشِيرٍ ، وَ لَا مَعُونَةِ مُعِينٍ ، فَتَمَّ خَلْقُهُ بِأَمْرِهِ ، وَ أَذْعَنَ لِطَاعَتِهِ ، فَأَجَابَ وَ لَمْ يُدَافِعْ ، وَ انْقَادَ وَ لَمْ يُنَازِعْ [26].
هو : لأنه لا يحاط به علما ، ولما شاء تعريف عظمته ، فهو الله سبحانه ، وتدبر :
ما قَالَ وَهْبُ بْنُ وَهْبٍ الْقُرَشِيُّ سَمِعْتُ الصَّادِقَ عليه السلام يَقُولُ :
قَدِمَ وَفْدٌ مِنْ فِلَسْطِينَ عَلَى الْبَاقِرِ عليه السلام : فَسَأَلُوهُ عَنْ مَسَائِلَ فَأَجَابَهُمْ ، ثُمَّ سَأَلُوهُ عَنِ الصَّمَدِ ؟
فَقَالَ عليه السلام : تَفْسِيرُهُ فِيهِ الصَّمَدُ خَمْسَةُ أَحْرُفٍ .
فَالْأَلِفُ : دَلِيلٌ عَلَى إِنِّيَّتِهِ ، وَ هو قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ :
شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إله إلا هو .
وَ ذَلِكَ : تَنْبِيهٌ ، وَ إِشَارَةٌ إِلَى الْغَائِبِ عَنْ دَرْكِ الْحَوَاسِّ .
وَ اللَّامُ : دَلِيلٌ عَلَى إِلَهِيَّتِهِ بِأَنَّهُ هُوَ الله .
وَ الْأَلِفُ وَ اللَّامُ : مُدْغَمَانِ لَا يَظْهَرَانِ عَلَى اللِّسَانِ ، وَ لَا يَقَعَانِ فِي السَّمْعِ ، وَ يَظْهَرَانِ فِي الْكِتَابَةِ ، دَلِيلَانِ عَلَى أَنَّ إِلَهِيَّتَهُ لَطِيفَةٌ خَافِيَةٌ ، لَا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ ، وَ لَا يَقَعُ فِي لِسَانِ وَاصِفٍ ، وَ لَا أُذُنِ سَامِعٍ .
لِأَنَّ تَفْسِيرَ الله : هو الَّذِي أَلِهَ الْخَلْقُ عَنْ دَرْكِ مَائِيَّتِهِ ( ماهيته ) وَ كَيْفِيَّتِهِ ، بِحِسٍّ أَوْ بِوَهْمٍ . لَا بَلْ هو : مُبْدِعُ الْأَوْهَامِ ، وَ خَالِقُ الْحَوَاسِّ .
وَ إِنَّمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ عِنْدَ الْكِتَابَةِ : فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الله سبحانه أَظْهَرَ رُبُوبِيَّتَهُ فِي إِبْدَاعِ الْخَلْقِ ، وَ تَرْكِيبِ أَرْوَاحِهِمُ اللَّطِيفَةِ فِي أَجْسَادِهِمُ الْكَثِيفَةِ .
فَإِذَا نَظَرَ عَبْدٌ إِلَى نَفْسِهِ : لَمْ يَرَ رُوحَهُ ، كَمَا أَنَّ لَامَ الصَّمَدِ لَا تَتَبَيَّنُ وَ لَا تَدْخُلُ فِي حَاسَّةٍ مِنْ حَوَاسِّهِ الْخَمْسِ ، فَإِذَا نَظَرَ إِلَى الْكِتَابَةِ ظَهَرَ لَهُ مَا خَفِيَ وَ لَطُفَ ، فَمَتَى تَفَكَّرَ الْعَبْدُ فِي مَاهِيَّةِ الْبَارِئِ وَ كَيْفِيَّتِهِ ، أَلِهَ فِيهِ وَ تَحَيَّرَ ، وَ لَمْ تُحِطْ فِكْرَتُهُ بِشَيْءٍ يَتَصَوَّرُ لَهُ ، لِأَنَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ خَالِقُ الصُّوَرِ ، فَإِذَا نَظَرَ إِلَى خَلْقِهِ ثَبَتَ لَهُ أَنَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ خَالِقُهُمْ ، وَ مُرَكِّبُ أَرْوَاحِهِمْ فِي أَجْسَادِهِمْ .
وَ أَمَّا الصَّادُ : فَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ صَادِقٌ وَ قَوْلُهُ صِدْقٌ وَ كلامهُ صِدْقٌ ، وَ دَعَا عِبَادَهُ إِلَى اتِّبَاعِ الصِّدْقِ بِالصِّدْقِ ، وَ وَعَدَ بِالصِّدْقِ دَارَ الصِّدْقِ .
وَ أَمَّا الْمِيمُ : فَدَلِيلٌ عَلَى مُلْكِهِ ، وَ أَنَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَمْ يَزَلْ ، وَ لَا يَزَالُ وَ لَا يَزُولُ مُلْكُهُ .
وَ أَمَّا الدَّالُ : فَدَلِيلٌ عَلَى دَوَامِ مُلْكِهِ، وَأَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ دَائِمٌ تعالى عَنِ الْكَوْنِ وَ الزَّوَالِ ، بَلْ هو اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُكَوِّنُ الْكَائِنَاتِ الَّذِي كَانَ بِتَكْوِينِهِ كُلُّ كَائِنٍ .. إلى أخر الخبر [27].
يا طيب : في هذا الخبر ، وإن كان في معنى الصمد ، ولكن فيه معنى ، الألف ، والام ، من الصمد تفسر ما عرفت من الثابت الغائب سبحانه ، وهو في غيبه شاهد لكل شيء وعنده حاضر كائن ويمد بنوره وجود كل شيء بقاء وهدى .
ويا طيب : من أكرم المعاني التي جاءت في معنى : هو سبحانه أنه :
هو : الاسم الأعظم
قول أمير المؤمنين عليه السلام والدعاء به :
عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عَنِ الصَّادِقِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليهم السلام قَالَ : رَأَيْتُ الْخَضِرَ فِي الْمَنَامِ قَبْلَ بَدْرٍ بِلَيْلَةٍ ، فَقُلْتُ لَهُ : عَلِّمْنِي شَيْئاً أُنْصَرُ بِهِ عَلَى الْأَعْدَاءِ ؟
فَقَالَ: قُلْ : يَا هو يَا مَنْ لَ هو إِلَّا هُوَ .
فَلَمَّا أَصْبَحْتُ قَصَصْتُهَا عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وآله ، فَقَالَ لِي :
يَا عَلِيُّ : عُلِّمْتَ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ ، وَ كَانَ عَلَى لِسَانِي يَوْمَ بَدْرٍ .
وَ إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، قَرَأَ : قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ :
يَا هُوَ يَا مَنْ لَ هو إِلَّا هو :
اغْفِرْ لِي وَ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ .
وَ كَانَ عَلِيٌّ عليه السلام يَقُولُ ذَلِكَ يَوْمَ صِفِّينَ وَ هو يُطَارِدُ .
فَقَالَ لَهُ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا هَذِهِ الْكِنَايَاتُ ؟
قَالَ عليه السلام : اسْمُ الله الْأَعْظَمُ ، وَ عِمَادُ التَّوْحِيدِ :
اللَّهُ لا إله إلا هو .
ثُمَّ قَرَأَ : شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إله إلا هُوَ ... ، وَ أَوَاخِرُ الْحَشْرِ ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الزَّوَالِ ...
قَالَ: و قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام :
اللَّهُ : مَعْنَاهُ الْمَعْبُودُ ، الَّذِي يَأْلَهُ فِيهِ الْخَلْقُ ، وَ يُؤْلَهُ إِلَيْهِ .
وَ اللَّهُ : هو الْمَسْتُورُ عَنْ دَرْكِ الْأَبْصَارِ، الْمَحْجُوبُ عَنِ الْأَوْهَامِ وَ الْخَطَرَاتِ.
قَالَ الْبَاقِرُ عليه السلام :
اللَّهُ : مَعْنَاهُ الْمَعْبُودُ ، الَّذِي أَلِهَ الْخَلْقُ عَنْ دَرْكِ مَائِيَّتِهِ ( ماهيته ) ، وَ الْإِحَاطَةِ بِكَيْفِيَّتِهِ .
وَ يَقُولُ الْعَرَبُ : أَلِهَ الرَّجُلُ إِذَا تَحَيَّرَ فِي الشَّيْءِ ، فَلَمْ يُحِطْ بِهِ عِلْماً .
وَ وَلِهَ : إِذَا فَزِعَ إِلَى شَيْءٍ مِمَّا يَحْذَرُهُ وَ يَخَافُهُ .
فَالْإِلَهُ : هو الْمَسْتُورُ عَنْ حَوَاسِّ الْخَلْقِ [28].
وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ زَيْدٍ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم :
اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ : فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ :
اللَّهُ لا إله إلا هو الحي القيوم .
وَ إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ
[29].
يا طيب : حقا لأن يكون : هو ، بعد أسم الله سبحانه ، أعظم الأسماء وسيدها وأفضلها وأعلاها معنى ، وهو وإن كان ضمير يشر لغائب ، لكنه نافس أعلى وأعظم الأسماء الحسنى التي كلها عظمة ولا يحاط بها علما ، فتظهر آثار نورها في وجود كل شيء ، ويدل عليه أنه لا إله إلا هو الحي القيوم ، له ما في السماوات والأرض ، لكل متدبر بأي شيء من خلقه ، ولنتعمق ببعض المعرفة عن الله الغائب الثابت الحاضر عند كل شيء ، وأقرب من حبل الوريد لنا ومعنا أين ما كنا ، فلنتدبر .
كلام للأمير المؤمنين عليه السلام : في نهج البلاغة ، و فيه جملة من صفات الربوبية و العلم الإلهي ، وهو :
الْحَمْدُ لِلَّهِ : الَّذِي بَطَنَ خَفِيَّاتِ الْأَمُوُرِ ، وَ دَلَّتْ عَلَيْهِ أَعْلَامُ الظُّهُورِ .
وامْتَنَعَ عَلَى عَيْنِ الْبَصِيرِ ، فَلَا عَيْنُ مَنْ لَمْ يَرَهُ تُنْكِرُهُ، وَ لَا قَلْبُ مَنْ أَثْبَتَهُ يُبْصِرُهُ.
سَبَقَ فِي الْعُلُوِّ فَلَا شَيْءَ أَعْلَى مِنْهُ .
وَ قَرُبَ فِي الدُّنُوِّ فَلَا شَيْءَ أَقْرَبُ مِنْهُ .
فَلَا اسْتِعْلَاؤُهُ بَاعَدَهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ ، وَ لَا قُرْبُهُ سَاوَاهُمْ فِي الْمَكَانِ بِهِ .
لَمْ يُطْلِعِ الْعُقُولَ عَلَى تَحْدِيدِ صِفَتِهِ .
وَ لَمْ يَحْجُبْهَا عَنْ وَاجِبِ مَعْرِفَتِهِ .
فَهُوَ الَّذِي تَشْهَدُ لَهُ أَعْلَامُ الْوُجُودِ ، عَلَى إِقْرَارِ قَلْبِ ذِي الْجُحُودِ ، تعالى الله عَمَّا يَقُولُهُ الْمُشَبِّهُونَ بِهِ وَ الْجَاحِدُونَ لَهُ عُلُوّاً كَبِيراً [30].
وعَنِ الْفَتْحِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام قَالَ :
سَأَلْتُهُ عَنْ أَدْنَى الْمَعْرِفَةِ ؟
فَقَالَ عليه السلام : الْإِقْرَارُ بِأَنَّهُ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ ، وَ لَا شِبْهَ لَهُ وَ لَا نَظِيرَ .
وَ أَنَّهُ قَدِيمٌ مُثْبَتٌ مَوْجُودٌ غَيْرُ فَقِيدٍ ، وَ أَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [31].
أي يا طيب : الله لا إله إلا هو ، كما في قل هو الله أحد في سورة التوحيد والإخلاص فهي نسبة الرب سبحانه ، وعرفت قسم من معناها ، ومر في الجزء الأول تفصيلها ، وبعد هذه المعرفة المختصرة في بيان معنى هو سبحانه ، وما يقارب من معناه في البيان ، في أن الله لا يحاط به علما مع أن كل شيء يدل عليه ، ولا يحق أن يعبد غيره سبحانه ، نتدبر بعض معاني التوحيد في آيات كريمة في كتاب الله فيها :
لا إله إلا هو ، أو ما يماثلها في اللفظ أو المعنى ، وبعض آثارها .
[21] التوحيد ص88ب4ح1 . بحار الأنوار ج3ص221ب6ح12 .
[22] الكافي ج1ص85ح2 . التوحيد ص285ب41ح2.
[23] بحار الأنوار ج3ص270ب10ح8 .
[24] كشف الغمة ج2ص206. متشابه القرآن ج1ص94. بحار الأنوار ج75ص207ب23ح66.
[25] نهج البلاغة ص391خطبة31 .
[26] نهج البلاغة ص217 خ155.
[27] التوحيد ص92ب4ح6 . معاني الأخبار ص6ح3 . بحار الأنوار ج3ص224ب6ح15
[28] التوحيد ص89ب4ح2 . بحار الأنوار ج3ص222ح12 . ج90ص232ب11ح3 .
[29] بحار الأنوار ج90ص227ب11 .
[30] نهج البلاغة ص88ح49 .
[31] الكافي ج1ص86ح1باب أدنى المعرفة .
[32] بحار الأنوار ج92ص288ح4 .
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين