بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
نرحب بكم يا طيب في

موسوعة صحف الطيبين

في أصول الدين وسيرة المعصومين



التحكم بالصفحة + = -
❀✺✸☼❋❉❈❊

تكبير النص وتصغيره


النص المفضل

لون النص والصفحة
حجم النص

____ لون النص ____

أحمر | أزرق | أخضر | أصفر |
أسود | أبيض | برتقالي | رمادي |

____ لون الخلفية ____




صحيفة نزول سورة هل أتى في أهل البيت

عليهم السلام

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تعالى : { هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَان ..(1) إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) ... إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (29)} سورة هل أتى وتسمى سورة الدهر أو الإنسان

لحضرتكم يا طيب : صحيفة نزول سورة هل أتي في شأن أئمتك وأليائك أهل البيت عليهم السلام ، في يوم 25 ذي الحجة سنة 9 للهجرة ، وهي تبين مناسبة عظيمة بوعد من الله بثواب الأبرار المخلصين وأئمة الحق وجزائهم الكبير ، وبيان إخلاصهم وحبهم له وإطعمهم الطعام في سبيله ، فخلد وشرح نذر أهل البيت بالصيام قربة إليه تعالى ، بأنه إن شافى الحسن والحسين عليهم السلام من مرض أصابهم ، سوف يصومون قربة إليه ثلاثة أيام ، فشفاهم ووفوا بنذرهم ، ولكن حين إفطارهم جاء مسكين ويتيم وأسير فأطعموهم إفطارهم وطووا صائمين على الماء ، وهم بأشد الحاجة إليه ، فكرمهم الله بهذه السورة وما فيها من الثواب الكثير لهم ، فضلا عن بيان شأنهم الكبير العظيم ، وهي كرامة بعد كرامة ، من الغدير والتطهير وسورة هل أتى في شأن أهل البيت عليه السلام ومودة القربى وغيرها الكثير ، فهم حقا كوثر الخير .

فهنيئا للمؤمنين الولاية : والإمامة والخلافة والوصاية والتمسك بحجج الله على عباده وأصحاب الصراط المستقيم والمنعم عليهم بهدى الدين بكل إيمان ويقين .

وهنيئا لكم شيعة آل محمد : التحقق بأيام الله تعالى ، والتعرض لبركاتها بالفرح والسرور لأفراح أئمة الحق وبيان مجدهم وفضلهم على كل البشر ، وتعريف ما خصهم الله سبحانه من المكارم والمناقب ، وبارك الله فيكم ونصركم الله وأيدكم بنشر الحق ، والمشاركة مع الأحبة فيما خصهم الله من الشأن العظيم والجاه الكبير وكل النعيم ، وجعلنا الله وأيكم منهم ومعهم في الدارين .


عناوين صحيفة سورة هل أتلى www.alanbare.com/25
الصحيفة كتاب الكتروني
www.alanbare.com/25/25.pdf

سورة هل أتى

أو من

www.alanbare.com/25/25.mp3

تأليف
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل الأنباري
موسوعة صحف الطيبين

صحيفة سورة هل أتى
وشأن نزولها في أهل البيت

عليهم الصلاة والسلام

 

صحيفة سورة هل أتى في شأن أهل البيت عليه السلام مفصلة

صحيفة سورة هل أتى في شأن أهل البيت عليه السلام

صحيفة سورة هل أتى في شأن أهل البيت عليه السلام
من هنا
تَنْزِيلُ الصَّحِيفَةُ وَقِرَاءتُها

كتاب الكتروني بي دي اف pdf

جيد للقراءة والمطالعة على الجوال والحاسب

معنى هل أتى

معنى هل أتى سورة هل أتى

رحم الله الشيخ حسن الأنباري إذ قال :

سبحان الخالق الهادي والمنزل سورة هل أتى

حين صام أهل البيت وفاء لنذرهم هل أتى

شفاء الحسن والحسين ومثلهم أحد هل أتى

خشية وخوف من الله وإخلاص لرب البرية

المعنى

هل أتى : سورة في القرآن وتسمى أيضا الدهر أو الإنسان

هل أتى : هل حل وظهر هل الهلال وأتى جاء وقت النذر

هل أتى : هل جاء أحد بالإخلاص مثلهم حتى تنزل في شأنه آية كريمة مثلها حتى نتبعه ، وإن لم يكن فجيب تصديق حديث أهل البيت عليهم السلام وطاعتهم

 

معنى نذر

أبوذيات ألقاب الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام

رحم الله الشيخ حسن الأنباري إذ قال:

في سورة الإنسان وهي الدهر وهل أتى آية نذر

آل الرسول أوفوا الصيام قربة لله بنص حديث نذر

فأثابهم الله ملكا عظيما فتمسكنا بهم و لا نذر

من خشي وخاف الله حقا وجزاهم الجنة الأبدية

المعنى

نذر : عهد لله بعمل صالح إن قضى حاجتهم ويجب الوفاء به ، وقصة آية الوفاء بالنذر في سورة هل أتى أي الإنسان ،  مفصل وتفسيره في شرح صحيفة هل أتى

نذر : حديث النذر وهو حديث يفصل شأن نزول آية النذر ويبين قصة واقعة الوفاء بالنذر حتى استحق أهل البيت بنزولها فيهم

نذر : نترك لا نترك من زكاهم الله وعرف إخلاصهم وخشيتهم وصدق عبوديتهم له

++

دارمي يشوقنا

 لقراءة واستماع سورة هل أتى في شأن أهل البيت عليه السلام

دارمي هل أتى يشوقنا قراءة صحيفة هل أتى

دارمي : يشوقنا لقراءة شأن نزول سورة هل أتى في أهل البيت عليهم السلام ، قال الله تعالى : { هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَان ..(1)  إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَ عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) ... إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ  فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (29)} سورة هل أتى وتسمى سورة الدهر أو الإنسان  ، والسبيل لمعرفة الإخلاص لله تعالى هم أهل البيت بسيرتهم وتعاليمهم والحمد لله على نعمة الهداية والولاية لهم .

تبين فضل أهل البيت وإخلاصهم سورة هل أتى

وأن الله خلق الإنسان بعد دهرا وجعل له مولى

+

بسورة الدهر يعرفنا الله الموفون له وأنهم أهل الهدى

وذكر أعلى وصف لثواب الجنة لهم يكاد لا يحصى

+

أعطاهم عيون شراب ولدان ولقاهم نظرة وسرورا

و قالوا لم يذكر الحور العين تكريما لفاطمة الزهرا

+

جعلهم أئمة وولاة وهداة معصومين ولهم نعيما كبيرا

فهم السبيل إليه فكن شاكرا بولائهم ولا تكن كفورا

+

فتدبر سورة الدهر وشرحها ولا تذرها فورائك يوم ثقيلا

فإن كل المفسرين والمحدثين ذكروا  كان لآل محمد التنزيلا

 

أبوذيات ألقاب الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام

أوضح معرفة نزلها سبحانه لهداية عباده سورة الإنسان

گله ما چنت وسويتك وهديتك بالنبي وآله والقرآن

+

وگاله عز وجل أشكر نعمي الچثير ولتقابلني بالكفران

أزيدك دنيه وآخره ثواب كثير وتره المتمرد علي خسران

+

فالقابل بتعاليم سورة الدهر قابل الله تعالى بالشكران

والمنكر لفضل رسول الله وآله الله العزيز عليه غضبان

+

فالمطيع للنبي ولآله الأبرار الموفون بالنذر من الشر خلصان

ومن الضلال ومن غضب الله وهو دوم فايز ويدخل الجنان

+

فسبيل الله وصراطه أوضحته سورة الإنسان لكل فهمان

والمنكر لمعنى نصها ومفهومها وفحواها غبي فكره خربان


 


 






نص سورة هل أتى الدهر الإنسان

{ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ  نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا(3) إِنَّا أَعْتَدْنَا  لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَا وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4)

 إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَ كَافُورًا ( 5)

عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرً (6)

 يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرً ( 7)

وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمً وَأَسِيرًا (8)

 إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ  مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا (9)

 إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10)

 

 فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ  ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) مُتَّكِئِينَ فِيهَا  عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا ( 14) وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا  تَقْدِيرًا (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَ زَنجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا ( 18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورً (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ  رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ  رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا (22)

 

إِنَّا نَحْنُ  نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلًا (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (24)  وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25)  وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26)

إِنَّ هَؤُلَاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْمً ثَقِيلًا  (27) نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَ أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا (28) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ  فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (29) وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ( 30) يُدْخِلُ مَن يَشَاء فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (31) } سورة هل أتى وتسمى أيضا الدهر الإنسان رقمها 76 .

 

مقدمة وتفسير مختصر :

لحضرتكم : محاضرة في بيان شأن نزول هل أتى في حق نبينا وآله الكرام صلى الله عليهم وسلم وبعد بيان مقدمة في جود وبذل وكرم أمير المؤمنين عليه السلام بالخصوص ، بمناسبة يوم 25 ذي الحجة يوم نزول هل أتى ، ويوم التصدق بالخاتم :

فهنيئا لكم شيعة آل محمد : التحقق بأيام الله والتعرض لبركاته والفرح والسرور لأفراح أئمة الحق وبيان مجدهم وفضلهم على كل البشر ، وتعريف م خصهم الله سبحانه من المكارم والمناقب ، وبارك الله فيكم ونصركم الله وأيدكم بنشر الحق ، والمشاركة مع الأحبة فيما خصهم الله من الشأن العظيم والجاه الكبير وكل النعيم ، وجعلنا الله وأيكم منهم ومعهم في الدارين :

وسائل هل أتى نص بحق علي

فقـــلت هل أتى نص بحق علي

 

يا طيب : سورة هل أتى وتسمى أيضا  سورة الإنسان و سورة الدهر ، وهي ثلاث كلمات في أول آية من السورة وأولها كلمة مركبة هل أتى واشتهرت السورة بها ، وكما وتسمى سورة الأبرار ، وهي سورة نزلت في المدينة أي مدنية .

وتبدأ في الخمسة آيات الأولى  بالحكاية : عن الإنسان بأنه في زمان وقطعة من وقت الدهر لم يكن شيئا مذكورا ، فخلقه الله تعالى بخلق آدم من نطفة .

 ثم ذكر سبحانه : الغرض من خلق الإنسان ، وهو ليبتليه أي ليختبره ويمتحنه ولتظهر حقيقة اختياره وتوجهه ومكنون حقيقته التي يبنيها بنفسه ، فيكون بها مملكة روحه ونعيمه أو جحيمه ، فجعله سبحانه سميعا بصيرا عاقل ، فهداه السبيل وطريق الحق وكل ما يوصله لرضا الله تعالى ويجنبه غضبه وسلوك الضلال ، وليسير بصراط مستقيم يسلك به للنعيم الدائم والسعادة الأبدية والراحة والاطمئنان .

 وينقسم الإنسان : بالإيمان والطاعة لما هداه الله فينال أحسن الجزاء والسعاد في الدارين لأنه شكورا ، أو يكفر ويعصي فينتكس في البعد عما أحبه له فيكون كفورا ، فبين سبحانه إن الكافر له سلاسل تغله وتقيده ويشتوي في السعير لا يستطيع الخلاص من نكالها أبدا .

 وأما الأبرار : والمطيعين لله فلهم شراب طيب وعيون ماء وكل خير ونعيم وسعادة كما هو موصوف في السورة .

ويا طيب : في سورة هل أتى أو الدهر ، بعد خمسة آيات قص لن الله تعالى قصة تحقق بها أكرم خلقه ، وهم آل محمد وأهل البيت عليهم الصلاة والسلام ، بأنهم أوفوا بالنذر مخلصين لله الدين وبخشية وخوفا من خلف الوعد والعهد لما كرمهم الله من شفاء الحسن والحسين عليهم السلام ، وأنهم صاموا ثلاثة أيام وفاء لنذرهم ، وفي ليلة أتى مسكين فقير وأخرى يتيم وأخرى أسير ، ويصوموا يومهم على ماء شربوه ، فعلم الله اخلاصهم فأنزل سورة هل أتى في شأنهم عليهم السلام ، تكريما لهم وبيان لطاعتهم وعبوديتهم الصادقة له تعالى .

ويا طيب : كل من يقتدي بهم فيكون له مثل نعيمهم حافا بهم في الجنة ، فمن يسلك صراطهم المستقيم يلتحق بهم في نعيم الهداية والسعادة الأبدية ورضا الله تعالى ، ومن يطيع مخالفهم طبعا يهوى لأنه لم يطيع من أحبهم الله وزكاهم ورضي عبادتهم ، وعبده بما يخالفهم وهو خلاف ما يحب الله تعالى ولم يزكيه فله سلال وأغلال وسعير والعياذ بالله منها .

 

ويا طيب : إن شأن نزول سورة هل أتى مسلم أنه في حق آل محمد صلى الله عليهم وسلم ، وذكرها المفسرون للقرآن الكريم ورواة الأحاديث النبوية والتأريخ الإسلامي ، وعن عدة من الصحابة والتابعين ، وكلا بأسلوبه وقوة بيانه وغرضه من التفصيل والاختصار وحسب حال المقال وشأنه ، وذكرها كثير من الكتاب وسلم الكل بنزولها في شأنهم الكريم سواء من الخاصة أو العامة ، ورويت بعد أحاديث متواترة المعنى في شأن النزول .

ولذا يا طيب : بعدما نذكر نص السورة نذكر فضل تلاوتها ، ثم نص القصة وشأن النزول في حق أهل البيت عليهم السلام بعدة روايات بين الاختصار والتفصيل ، ثم نذكر المصادر الذاكرة لها ، ثم نذكر تفسير آيات السورة كلها من تفسير متقدم ومتأخر ، ثم نذكر الشعر الذي يحكي نزولها في أهل البيت عليهم السلام ، وبه نختم ، وأتمنى لكم وقتا ممتعا وإيمانا صادق واقتداء موافقا لأهل البيت عليهم السلام في الطاعة والإخلاص لله تعالى ، والتوفيق منه حتى نلتحق بهم جميعا إن شاء الله تعالى .


 

ثواب تلاوة سورة هل أتى :

عن زيد قال : سمعت ابا عبد اللّه عليه السلام يقول‏ :

 أنا ضامن : لكل من كان من شيعتنا ، اذا قرء في صلاة الغداة من يوم الخميس .

هل‏ أتى‏ على الإنسان : ثم مات من يومه او ليلته ، أن يدخل الجنة ، آمنا بغير حساب على ما فيه من ذنوب و عيوب ، و لم ينشر اللّه له ديوان الحساب يوم القيامة ، ولا يسئل مسألة القبر ، وإن عاش كان محفوظا مستورا مصروف عنه آفات الدنيا كلها ، و لم يتعرض له شيء من هوام الأرض الى الخميس الثاني إن شاء اللّه.

الأصول الستة عشر ص3 أصل زيد الزراد .

 

قال الصدوق بسنده : عن جبير العزرمي عن أبي جعفر عليه السلام قال :

من قرأ : { هَلْ‏ أَتى‏ عَلَى الْإِنْسانِ‏ } في كل غداة خميس ، زوجه الله من الحور العين ثمانمائة عذراء ، و أربع آلاف ثيب و حوراء من الحور العين ، و كان مع محمد صلى الله عليه وآله وسلم .

ثواب الأعمال و عقاب الأعمال 121  ثواب قراءة سورة الإنسان .

 

وفي عيون الأخبار للصدوق : ذكر في وصف عبادة الإمام الرض عليه السلام ، بعد أن وصف الصلاة الواجبة وتعقيباتها ، وقد ذكرنا الحديث كامل في صحيفة الإمام الرضا عليه السلام ، ثم قال :

ثم يقوم فيصلي ركعتين الباقيتين : يقرأ في الأولى الحمد و سورة الملك .

و في الثانية :

الحمد لله‏ : وَ هَلْ‏ أَتى‏ عَلَى الْإِنْسانِ‏ .

 ثم يقوم فيصلي ركعتي الشفع : يقرأ في كل ركعة منهما الحمد لله‏ مرة و قل هو الله أحد ثلاث مرات ، و يقنت في الثانية قبل الركوع و بعد القراءة ، فإذا سلم قام فصلى ركعة الوتر يتوجه فيها ، و يقرأ فيها الحمد مرة و قل هو الله أحد ثلاث مرات و قل أعوذ برب الفلق‏ مرة واحدة و قل أعوذ برب الناس‏ مرة واحدة و يقنت فيها قبل الركوع و بعد القراءة .

عيون أخبار الرضا عليه السلام ج2ص181ب44 .

 

قال الشيخ الطوسي رحمه الله : بسنده عن محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام القراءة في الصلاة فيها شيء موقت ؟

قال : لا ، إلا الجمعة : تقرأ بالجمعة و المنافقين .

قلت له : فأي السور تقرأ في الصلوات ؟

قال : أما الظهر و العشاء الآخرة ، تقرأ فيهما سواء ، و العصر و المغرب سواء .

و أما الغداة : فأطول .

و أما الظهر و العشاء الآخرة : فَ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى‏ ، وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها ، و نحوهما .

و أما العصر و المغرب : ف إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ‏ ، وَ أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ ، و نحوهما .

و أما الغداة : ف عَمَّ يَتَساءَلُونَ‏ ، وَ هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ ، وَ لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ ، وَ هَلْ‏ أَتى‏ عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ .

تهذيب الأحكام ج2ص95ب8ح122 . يا طيب سواء أي أي سورة قرأت ، وأم صلاة الصبح فيقرأ سور أطولي.

 

وقال الشيخ الطوسي : بسنده عن علي بن عمر العطار، قال: دخلت على أبي الحسن العسكري عليه السلام يوم الثلاثاء .

فقال عليه السلام : لم أرك أمس .

قلت : كرهت الحركة في يوم الإثنين .

 قال عليه السلام : يا علي، من أحب أن يقيه الله شر يوم الإثنين ، فليقرأ في أول ركعة من صلاة الغدَاةِ { هَلْ‏ أَتى‏ عَلَى الْإِنْسانِ } .

 ثم قرأ أبو الحسن عليه السلام :

{ فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَ لَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَ سُرُوراً }.

الأمالي للطوسي ص224م8ح389- 39 . وعنه وسائل الشيعة  ج6ص129ب53- باب استحباب قراءة هل‏ أتى‏ في الركعة الثامنة من صلاة الليل‏ ح

14995- 41 .

 

وذكر في الوسائل : عن أبي مسعود الطائي ، عن أبي عبد الله عليه السلام :

‏ أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : كَانَ يَقْرَأُ فِي آخِرِ صَلَاةِ اللَّيْلِ :

{ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} .

وسائل الشيعة  ج6ص129ب53- بَابُ اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ هَلْ‏ أَتَى‏ فِي الرَّكْعَةِ الثَّامِنَةِ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ‏ ح7527- 1 ،  قرب الإسناد- 122.

 

وقال ابن أدريس : و يستحب له أن يقرأ في صلاة الصبح بعد الفاتحة ، سورة من طوال المفصل، مثل هل‏ أتى‏ على الإنسان، و إذا الشمس كوّرت، و ما أشبه ذلك.

وفي صلاة الليل قال : فإذا فرغ منها، صلّى ركعتي الشفع، يقر فيهما الحمد و المعوذتين، و يسلّم بعدهما، و يستحبّ أن يقرأ فيهما سورة الملك و هل‏ أتى‏ على الإنسان.

وقال رحمه الله : و في اليوم الخامس و العشرين من هذا الشهر، نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام، و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام، هل‏ أتى ‏.

السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي و المستطرفات ج1ص222 ، ص308

وقال بن المطهر رضي الدين الحلي وقائع اليوم الخامس و العشرين‏ :

و في الخامس و العشرين : من ذي القعدة نزلت الكعبة و هو أول رحمة نزلت و فيه دحى الله تعالى الأرض من تحت الكعبة يستحب صومه.

و في ليلة الخامس و العشرين : من ذي الحجة : سنة ... تصدق أمير المؤمنين و فاطمة عليهما السلام على المسكين و اليتيم و الأسير ، بثلاثة أقراص كانت قوتهما من الشعير و آثراهم على أنفسهما و واصلا الصيام.

و في الخامس و العشرين من ذي الحجة : سنة ... نزلت في أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين ع‏ هل‏ أتى‏ على الإنسان‏

العدد القوية لدفع المخاوف اليومية ص315 .

استحباب التصدق ليلة هل أتى :

وقال أبن طاووس رحمه الله : فصل فيما نذكره من العبادات لرب العالمين في هذه ليلة خمس و عشرين‏ من ذي الحجة :

اعلم : أن أوقات العبادات ، و المراد منها لله جل جلاله في تلك الأوقات ، مرجعه إلى العالم بمصالح العباد ، و ما يكون أنفع لهم في الدني و المعاد .

لما عرفنا : أن صدقة مولانا علي و مولاتنا فاطمة صلى الله عليهم وسلم ، في هذه الليلة بالمقدار اليسير ، بلغ بهم إلى المقام الكبير ، و الثناء عليهم بلفظ الكتاب المجيد ، و ما وهب لهم من المزيد ، و كانوا قدوة لمن اقتدى آثارهم ، و اهتدى بأنوارهم .

اقتضى ذلك : بلسان الحال ، أن يكون في هذه الليلة من جملة ثواب الأعمال التصدق على الفقراء و الأسراء و الأيتام و المساكين ، و الإيثار على النفس و الأقربين ، موافقة لأهل الإيثار و متابعة للأطهار ، و تعرضا لنفحات مالك المراحم و المكارم و المبار ، و دخولا فيما فتحه الله جل جلاله في تلك الليلة من الأنوار و الأسرار.

إقبال الأعمال ج1ص528ب7ف2 .


 

أعمل يوم هل أتى :

ذكر بن طاووس رحمه الله : فصل فيما نذكره مما يعمل يوم خامس و عشرين من ذي الحجة ، فقال :

اعلم : أن هذا يوم عظيم الشأن ، أثنى الله جل جلاله على خاصته ببيان لفظ مقدس القرآن ، فهو يوم يحسن أن يتقرب فيه إلى الله جل جلاله بصلوات الشكر على ما وهب لأهل الذكر و ولاة الأمر ، و يبالغ العبد فيه بحق الاعتراف و الإنعام و الإسعاف .

روينا بإسنادنا : إلى شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان ضاعف الله جل جلاله له تحف الرضوان ، فيما ذكره في كتاب حدائق‏ الرياض و زهرة المرتاض ، عند ذكر شهر ذي الحجة .

فقال رحمه الله : ما هذا لفظه ، و في يوم الخامس و العشرين منه نزلت في أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام ، سورة هل أتى .

و يستحب : صيامه على ما أظهره الله تعالى ذكره ، من فضل صفوته و عترة رسوله و حجته على خلقه .

 أقول : و أما صحبة هذا اليوم بحفظ حرمته ، و العمل في خاتمته ، فقد قدمنا في الأيام المعظمات ما يغني عن تكراره لمن عرفه .

 

قال ابن طاووس رحمه الله أقول :

 و في السادس و العشرين : من ذي الحجة ، قتل عدو لأهل بيت النبوة عليهم السلام .

 و في اليوم السابع و العشرين منه : كان قتل مروان ، و زوال دولة بني أمية بالكلية ، فهذا يقتضي أن يكونا يومي سرور و صوم و صلاة شكر ، و صدقات عند ذوي البصائر و العنايات ، و هو مذكور وصفه في غير هذه الروايات.

إقبال الأعمال ج1ص528ب7ف4.

 

قصة هل أتى وشأن نزولها

يا طيب : رويت قصة وفاء نذر الصيام لأهل البيت عليهم السلام ، بعد شفاء الإمام الحسن والحسين عليهم السلام في كثير من الروايات ، وكلا من الرواة يرويها حسب شأنه في البيان من الاختصار والتطويل ، فنتذكر كما عرفنا يوم نزوله من مصادر أخرى لتأكيد العناية بها عند أصحابنا  ، ثم نفس القصة بروايات متعددة  :

ذكر بن شهر آشوب رحمه الله :

و كانت الصدقة : في ليلة خمس و عشرين من ذي الحجة .

و نزلت هَلْ أَتى‏ : في يوم الخامس و العشرين منه .

 المناقب ج 3ص374 .

ويا طيب : ذكر الكفعمي في المصباح في مناسبات ذي الحجة :

و في رابع عشريه : أي يوم أربعة وعشرين من ذي الحجة ، نام علي عليه السلام على فراش النبي ، و هو يوم تصدق أمير المؤمنين بخاتمه ، و هو يوم المباهلة ، و روي أنه يوم البساط ، و روي أن يوم البساط يوم الحادي و العشرين منه‏ ( قصة حمل عدة من الصحابة مع الإمام علي إلى الكهف وسلام أصحابه عليه).

و في خامس عشريه : نزلت سورة هل أتى في أهل الكساء .

المصباح جنة الأمان الواقية ص514 .

 

قصة وفاء النذر ونزول هل أتى :

نذكر أولا القصة المطولة ، ثم عدة مختصرات لرواياتها ، لنتعرف عليه بصورة واسعة ولنستوعب أهميتها والاهتمام بها وفضلها وشأنها في أهل البيت عليهم السلام .

 

رواية الصدوق المفصلة لقصة هل أتى :

قال الصدوق رحمه الله في الأمالي : حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلودي البصري قال : حدثن محمد بن زكريا ، قال حدثنا شعيب بن واقد قال : حدثنا القاسم بن بهرام ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن ابن عباس .

و حدثنا : محمد بن إبراهيم بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد عبد العزيز بن‏ يحيى الجلودي قال : حدثنا الحسن بن مهران قال : حدثنا مسلمة بن خالد ، عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام‏ :

في قوله عز و جل‏ : { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ } .

قال عليه السلام : مرض الحسن و الحسين عليهما السلام و هم صبيان صغيران ، فعادهما رسول الله و معه رجلان .

فقال أحدهما : يا أبا الحسن ، لو نذرت في ابنيك نذرا إن الله عافاهما .

فقال عليه السلام : أصوم ثلاثة أيام شكرا لله عز و جل ، و كذلك قالت فاطمة عليها السلام ، و قال الصبيان و نحن أيضا نصوم ثلاثة أيام ، و كذلك قالت جاريتهم فضة.

 فألبسهما الله : عافية ، فأصبحوا صياما و ليس عندهم طعام فانطلق علي عليه السلام إلى جار له من اليهود ، يقال له : شمعون يعالج الصوف ، فقال : هل لك أن تعطيني جزة من صوف تغزلها لك ابنة محمد بثلاثة أصوع من شعير .  قال : نعم ، فأعطاه ، فجاء بالصوف و الشعير ، و أخبر فاطمة عليه السلام ، فقبلت و أطاعت .

ثم عمدت : فغزلت ثلث الصوف ، ثم أخذت صاعا من الشعير فطحنته و عجنته و خبزت منه خمسة أقراص لكل واحد قرصا ، و صلى علي عليه السلام مع النبي ص المغرب ، ثم أتى منزله فوضع الخوان ، و جلسوا خمستهم ، فأول لقمة كسرها علي عليه السلام .

إذا مسكين : قد وقف بالباب ، فقال : السلام عليكم ي أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، أنا مسكين من مساكين المسلمين ، أطعموني مما تأكلون ، أطعمكم الله على موائد الجنة .

فوضع اللقمة من يده ثم قال :

فاطم ذات المجد و اليقين‏

يا بنت خير الناس أجمعين‏

أ ما ترين البائس المسكين

جاء إلى الباب له حنين‏

يشكو إلى الله و يستكين‏

يشكو إلينا جائعا حزين‏

كل امرئ بكسبه رهين

من يفعل الخير يقف سمين‏

موعده في جنة رهين

حرمها الله على الضنين‏

و صاحب البخل يقف حزين‏

تهوي به النار إلى سجين‏

شرابه الحميم و الغسلين‏

 

 فأقبلت فاطمة عليها السلام تقول  :

أمرك سمع يا ابن عم و طاعة

ما بي من لؤم و لا وضاعة

غذيت باللب و بالبراعة

أرجو إذا أشبعت من مجاعة

أن ألحق الأخيار و الجماعة

و أدخل الجنة في شفاعة

و عمدت : إلى ما كان على الخوان فدفعته إلى المسكين ، و باتو جياعا ، و أصبحوا صياما ، لم يذوقوا إلا الماء القراح .

 

ثم عمدت إلى الثلث الثاني : من الصوف فغزلته ، ثم أخذت صاع من الشعير فطحنته و عجنته ، و خبزت منه خمسة أقرصة لكل واحد قرصا ، و صلى علي عليه السلام المغرب مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم أتى منزله ، فلما وضع الخوان بين يديه و جلسوا خمستهم ، فأول لقمة كسرها علي عليه السلام .

 إذا يتيم : من يتامى المسلمين قد وقف بالباب ، فقال : السلام عليكم يا أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، أنا يتيم من يتامى المسلمين ، أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله على موائد الجنة .

فوضع علي ع اللقمة من يده ثم قال :

فاطم بنت السيد الكريم‏

بنت نبي ليس بالزنيم‏

قد جاءنا الله بذا اليتيم‏

من يرحم اليوم فهو رحيم‏

موعده في جنة النعيم

حرمها الله على اللئيم‏

و صاحب البخل يقف ذميم

تهوي به النار إلى الجحيم‏

شرابها الصديد و الحميم‏

 

فأقبلت فاطمة عليها السلام و هي تقول :

فسوف أعطيه و لا أبالي

و أوثر الله على عيالي‏

أمسوا جياعا و هم أشبالي

أصغرهما يقتل في القتال‏

بكربلاء يقتل باغتيال‏

لقاتليه الويل مع وبال‏

يهوي في النار إلى سفال

كبوله زادت على الأكبال‏

ثم عمدت : فأعطته جميع ما على الخوان ، و باتوا جياعا لم يذوقو إلا الماء القراح ، و أصبحوا صياما .

 

و عمدت فاطمة عليها السلام : فغزلت الثلث الباقي من الصوف ، و طحنت الصاع الباقي و عجنته و خبزت منه خمسة أقراص ، لكل واحد قرصا ، و صلى علي عليه السلام المغرب مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم أتى منزله فقرب إليه الخوان ، و جلسوا خمستهم ، فأول لقمة كسرها علي عليه السلام .

 إذا أسير : من أسراء المشركين قد وقف بالباب ، فقال : السلام عليكم يا أهل بيت محمد ، تأسروننا و تشدوننا و لا تطعموننا .

فوضع علي عليه السلام اللقمة من يده ثم قال :

فاطم يا بنت النبي أحمد

بنت النبي سيد مسود

قد جاءك الأسير ليس يهتدي

مكبلا في غله مقيد

يشكو إلينا الجوع قد تقدد

من يطعم اليوم يجده في غد

عند العلي الواحد الموحد

ما يزرع الزارع سوف يحصد

فأعطي و لا تجعليه ينكد

فأقبلت فاطمة عليها السلام و هي تقول :

لم يبق مما كان غير صاع

قد دبرت كفي مع الذراع‏

شبلاي و الله هما جياع‏

يا رب لا تتركهما ضياع‏

أبوهما للخير ذو اصطناع

عبل الذراعين طويل الباع‏

و ما على رأسي من قناع

إلا عبا نسجتها بصاع‏

و عمدوا : إلى ما كان على الخوان ، فأتوه ، و باتوا جياع ، و أصبحوا مفطرين ، و ليس عندهم شيء .

 

قال شعيب في حديثه : و أقبل علي بالحسن و الحسين عليهما السلام ، نحو رسول الله و هما يرتعشان ، كالفراخ من شدة الجوع ، فلما بصر بهم النبي قَالَ :

يَا أَبَا الْحَسَنِ : شد ما يسوؤني ما أرى بكم ، انطلق إلى ابنتي فاطمة ، فانطلقوا إليها و هي في محرابها قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع ، و غارت عيناها .

فلما رآها : رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  ضمها إليه ، و قال : وا غوثاه ، بالله أنتم منذ ثلاث فيما أرى .

فهبط جبرئيل فقال : يا محمد ، خذ ما هيأ الله لك في أهل بيتك .

قال : و ما آخذ يا جبرئيل ؟

قال‏ : { هَلْ‏ أَتى‏ عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ } حتى إذا بلغ { إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً } .

و قال الحسن بن مهران في حديثه : فوثب النبي صلى الله عليه وآله ، حتى دخل منزل فاطمة عليها السلام ، فرأى ما بهم ، فجمعهم ، ثم انكب‏ عليهم يبكي ، و يقول : أنتم منذ ثلاث أيام فيما أرى ، و أنا غافل عنكم.

 فهبط عليه جبرئيل بهذه الآيات :

{ إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً. عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً } قال : هي عين في دار النبي يفجر إلى دور الأنبياء و المؤمنين .

{ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ } يعني عليا و فاطمة و الحسن و الحسين و جاريتهم .

{ وَ يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً } يقولون : عابسا كلوحا .

{ وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى‏ حُبِّهِ‏ } يقول : على شهوتهم للطعام ، و إيثارهم له‏ مسكينا من مساكين المسلمين‏ ، و يتيما من يتامى المسلمين‏ ، و أسيرا من أسارى المشركين .

و يقول : إذا أطعموهم { إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً } قال : و الله ما قالو هذا لهم ، و لكنهم أضمروه في أنفسهم ، فأخبر الله بإضمارهم .

يقولون : { لَا نُرِيدُ جَزَاءً } تكافوننا به { وَ لَا شُكُوراً } تثنون علينا به ، و لكنا إنما أطعمناكم لوجه الله و طلب ثوابه .

قال الله تعالى ذكره : { فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَ لَقَّاهُمْ نَضْرَةً } في الوجوه‏ { وَ سُرُوراً } في القلوب .

{ وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً } يسكنونها ، { وَ حَرِيراً } يفترشونه و يلبسونه .

{ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ‏ } و الأريكة السرير عليه الحجلة .

{ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَ لا زَمْهَرِيراً } .

 

قال ابن عباس : فبينا أهل الجنة في الجنة ، إذ رأوا مثل الشمس قد أشرقت لها الجنان .

فيقول أهل الجنة : يا رب إنك قلت في كتابك‏ :{ لا يَرَوْنَ فِيه شَمْساً } .

فيرسل الله جل اسمه : إليهم جبرئيل فيقول : ليس هذه بشمس ، و لكن عليا و فاطمة ضحكا ، فأشرقت الجنان من نور ضحكهما . وَ نَزَلَتْ‏ : { هَلْ أَتى‏ } فيهم .

إلى قوله تعالى‏ :

{ وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً } .

الأمالي للصدوق ص256-262م44ح11 .


 

رواية متوسطة للقصة في الإقبال :

قال السيد بن طاووس رحمه الله في الإقبال : الباب السابع فيم نذكره مما يتعلق بليلة خمس و عشرين من ذي الحجة و يومها ، و فيه أربعة فصول‏ :

فصل : فيما نذكره من الرواية بصدقة مولانا علي و مولاتنا فاطمة صلى الله عليهم وسلم في هذه الليلة ، على المسكين و اليتيم و الأسير :

روينا ذلك بعدة طرق منها : ما ذكره جدي أبو جعفر الطوسي في كتاب المصباح‏ فقال :

و في ليلة خمس و عشرين منه : يعني من ذي الحجة .

 تصدق : أمير المؤمنين و فاطمة عليهما السلام .

و في اليوم : الخامس و العشرين منه ، نزلت فيهما و في الحسن و الحسين عليهم السلام .‏

سورة هل أتى : لما مرض الحسن و الحسين ، فعادهما جدهما رسول الله صلى الله عليه وآله ، و معه أبو بكر و عمر ، و عادهما عامة العرب .

فقال صلى الله عليه وآله : يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك ، و كل نذر لا يكون له وفاء فليس بشي‏ء .

فقال علي عليه السلام : إن برأ ولداي مما بهما ، صمت ثلاثة أيام شكرا لله عز و جل .

و قالت فاطمة عليها السلام : و جاريتهم فضة مثل ذلك .

فألبس الغلامان : العافية ، و ليس عند آل محمد قليل و لا كثير .

فانطلق علي عليه السلام : إلى شمعون بن حاريا الخيبري ، فاقترض منه ثلاثة أصوع من شعير .

 

أقول : و رويت ببعض أسانيدي ، أن صدقة مولانا علي و مولاتن فاطمة عليهم السلام ، على المسكين و اليتيم و الأسير ، كانت في ثلاث ليال ، فيمكن أن يكون أول الثلاث ليلة خمس و عشرين من ذي الحجة .

فمن الرواية في ذلك قال : فانطلق علي ع إلى جار له من اليهود يعالج الصوف ، يقال له : شمعون بن حانا .

فقال له : هل لك أن تعطيني جزة من الصوف تغزلها بنت محمد صلى الله عليه وآله بثلاثة أصوع من شعير .

فقال : نعم ـ فأعطاه ـ فجاء بالصوف و بالشعير .

فأخبر عليه السلام : فاطمة عليها السلام بذلك .

فقبلت : و أطاعت .

قالوا : فقامت فاطمة عليها السلام ، فطحنته و اختبزت منه خمسة أقراص ، لكل واحد منهم قرص .

و صلى علي عليه السلام : مع النبي المغرب ، و أتى المنزل ، فوضع الطعام بين يديه .

إذ أتاهم مسكين : فوقف بالباب ، فقال : السلام عليكم أهل بيت محمد ، مسكين من مساكين المسلمين ، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة .

فسمعه علي عليه السلام : فأمر بإعطائه ، فأعطوه فمكثوا يومهم و ليلتهم لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح .

 فلما كان اليوم الثاني : قامت فاطمة عليها السلام إلى صاع فطحنته و اختبزته ، و صلى علي مع النبي ، ثم أتى المنزل ، فوضع الطعام بين يديه .

فأتاهم يتيم : فوقف بالباب ، و قال : السلام عليكم أهل بيت محمد ، يتيم من أولاد المهاجرين ، استشهد والدي يوم العقبة ، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة .

فسمعه علي عليه السلام : فأمر بإعطائه فأعطوه ، و مكثوا يومين و ليلتين لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح .

 فلما كان اليوم الثالث : قامت فاطمة عليها السلام ، إلى الصاع الثالث  فطحنته و اختبزته ، و صلى علي مع النبي ، ثم أتى المنزل ، ثم وضع الطعام بين يديه .

و أتاهم أسير : فوقف بالباب ، فقال : السلام عليكم أهل بيت محمد ، تأسرونا و لا تطعمونا .

 فسمعه علي عليه السلام : فأمر بإعطائه ، فأعطوه الطعام ، و مكثوا ثلاثة أيام و لياليها لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح .

فلما كان اليوم الرابع : و وفوا نذرهم ، أخذ علي بيده اليمنى الحسن و بيده اليسرى الحسين ، و أقبل على رسول الله ، و هم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع .

فلما أبصر به النبي قال : يا أبا الحسن ما أشد ما أراه ، بكم فانطلق بنا إلى منزل فاطمة ، فانطلقوا إليها .

و هي في محرابها : قد لصق بطنها من شدة الجوع ، و غارت عيناه .

فلما رآها النبي قال : وا غوثاه يا الله ، أهل بيت محمد يموتون‏ جوعا .

فهبط جبرئيل عليه السلام : على محمد صلى الله عليه وآله وسلم .

فقال : يا محمد خذها ما هناك الله في أهل بيتك .

فقال : ما آخذ يا جبرئيل ؟

فأقرأه عليه‏ : { هَلْ أَتى‏ عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ ... } إلى قوله‏ : { إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً .... } إلى آخر السورة .

 

أقول : و زاد محمد بن علي الغزالي إلى ما ذكره الثعلبي في كتابه المعروف بالبلغة ، أنهم  نزلت عليهم مائدة من السماء ، فأكلوا منها سبعة أيام‏ .

أقول : و روى حديث نزول المائدة عليهم أيضا ، موفق أي أحمد المكي الخوارزمي‏.

أقول : و ذكر حديث نزول المائدة الزمخشري في كتاب الكشاف ، و لكنه لم يذكر نزولها في‏ الوقت الذي ذكرناه .

فقال ما هذا لفظه : و عن النبي صلى الله عليه وآله ،‏ أنه جاع في زمن قحط ، فأهدت له فاطمة عليه السلام رغيفين و بضعة لحم آثرته بها .

فرجع بها إليها فقال : هلمي يا بنيه ، و كشفت عن الطبق ، فإذ هو مملو خبزا و لحما ، فهبتت و علمت أنها نزلت من عند الله .

فقال لها صلى الله عليه وآله:‏ أنى لك هذا ؟

قالت : هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب‏ .

فقال صلى الله عليه وآله وسلم : الحمد لله الذي جعلك شبيه سيدة نساء بني إسرائيل .

ثم جمع رسول الله صلى الله عليه وآله : علي بن أبي طالب و الحسن و الحسين ، و جميع أهل بيته حتى شبعوا ، و بقي الطعام كما هو .

و أوسعت فاطمة : على جيرانها .

أقول : و روى حديث نزول هذه الآيات من هل أتى في مدح مولان علي و فاطمة و الحسن و الحسين ، علي بن أحمد الواحد النيشابوري المخالف لأهل البيت ، في كتاب أسباب النزول.

إقبال الأعمال ج1ص527ب7ف1 . وما نقله عن جده هو مصباح المتهجد ص767. وذكر في الإقبال بالأعمال الحسنة الطبعة الحديثة ج2ص378 ، في الهامش تخريج الأحاديث فذكر نقله بتفصيله في الطرائف: 107 إلى 109 عن الثعلبي عن ابن عباس. المناقب للخوارزمي: 188. الكشاف 1: 358.راجع أسباب النزول للواحدي: 331، المناقب لابن المغازلي: 272، شواهد التنزيل 2: 303، كفاية الطالب:201، ينابيع المودة: 93، البحار 35: 248.

وروى بن طاووس رحمه الله في الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف ج1ص107ح160 .

وروى في بناء المقالة الفاطمية : في نقض الرسالة العثمانية ص235 ،  [نزول سورة هل‏ اتى في أهل البيت عليهم السلام ، وذكر محققه : و لقد روى ايضا نزول هذه الآيات في أهل البيت عليهم السلام جمع من العامة و بالفاظ مختلفة منهم: ابن الاثير في اسد الغابة 5/ 530 و الواحدي في اسباب النزول: 331 و السيوطي في الدر المنثور في ذيل تفسير قوله تعالى: { وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى‏ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً } و الشبلنجي في نور الابصار: 102 و الزمخشري في تفسير قوله تعالى‏ :{ وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَرِيراً } ، و المحب الطبري في الرياض النضرة: 2/ 227 و في ذخائر العقبى: 102 و الفخر الرازي في تفسيره الكبير في ذيل الآية و القرطبي في تفسيره: 19/ 129 و سبط ابن الجوزي في التذكرة: 322 و الكنجي في كفاية الطالب: 201 و الخازن في تفسيره: 7/ 159 و الالوسي في روح المعاني: 29/ 157.

 


 

وراية مختصرة في أسباب النزول :

عن كشف الغمة روى الواحدي في تفسيره‏ : أن عليا عليه السلام ، آجر نفسه ليلة إلى الصبح يسقي نخلا بشيء من شعير ، فلما قبضه طحن ثلثه و اتخذو منه طعاما ، فلما تم‏ أتى مسكين فأخرجوا إليه الطعام .

و عملوا الثلث الثاني : فأتاهم يتيم فأخرجوه إليه . و عملو الثلث الثالث : فأتاهم أسير فأخرجوا الطعام إليه .

 وطوى‏ : علي وفاطمة والحسن و الحسين.

 و علم الله : حسن مقصدهم و صدق نياتهم ، و أنهم إنما أرادو بما فعلوه وجهه ، و طلبوا بما أتوا ما عنده ، و التمسوا الجزاء منه عز و جل .

فأنزل الله : فيهم قرآنا ، و أولاهم‏ من لدنه إحسانا ، و نشر لهم بين العالمين ديوانا ، و عوضهم عما بذلوا جنانا و حورا و ولدانا .

فقال :{ وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى‏ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً ... } إلى آخرها .

و هذه منقبة : لها عند الله محل كريم ، و جودهم بالطعام مع شدة الحاجة إليه أمر عظيم ، و لهذا تتابع فيها وعده سبحانه بفنون الألطاف ، و ضروب الإنعام و الإسعاف‏ .

بحار الأنوار ج35ص237ب6 نزول هل أتى حديث 5.

رواية صاحب اليقين لقصة هل أتى :

قال بن شاذان القمي رحمه الله : و عن عبد الملك بن عمير، عن أبيه عن ربعي بن خراش قال: سأل معاوية ابن العباس، قال: فما تقول في علي عليه السلام ؟

قال : كذا كان علي و الله :

 علم الهدى : و كهف التقى ، و محل الحجى ، و محتد الندى ، و طود النهى ، و علم الورى ، و نور الدجى .

داعيا : إلى المحجة العظمى، و مستمسكا بالعروة الوثقى، و سامي في المجد و العلى، و قائد الدين و التقوى ، و سيد من تقمص و ارتدى.

بعل : بنت المصطفى، أفضل من صام و صلى، و أفخر من أضحك و أبكى.

صَاحِبَ الْيَقِينِ : فِي هَلْ أَتَى ، و به مخلوق ما كان أو يكون، كان .

و الله : كالأسد مقيلا ، و لهم في الحروب حاملا ، على مبغضه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين  إلى يوم التناد.

قال معاوية : كان و الله كذلك، كما يقول عليه السلام .

 الروضة في فضائل أمير المؤمنين ص74 ح58 .


 

حكاية العلامة الحلي لزول هل أتى :

وقال العلامة الحلي في نهج الحق : الثامنة عشرة سورة هل‏ أتى‏ :

روى الجمهور : أن الحسن و الحسين مرضا ، فعادهما رسول الله صلى الله عليه وآله و عامة العرب ، فنذر علي صوم ثلاثة أيام و كذا أمهما فاطمة عليهما السلام و خادمتهم فضة ، لئن برءا ، فبرءا ، و ليس عند آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم قليل و لا كثير .

 فاستقرض أمير المؤمنين عليه السلام : ثلاثة أصوع من شعير ، و طحنت فاطمة منها صاعا فخبزته أقراصا لكل واحد قرص ، و صلى علي المغرب ثم أتى المنزل فوضع بين يديه للإفطار فأتاهم مسكين و سألهم فأعطاه كل منهم قوته ، و مكثو يومهم و ليلهم لم يذوقوا شيئا .

ثم صاموا اليوم الثاني : فخبزت فاطمة صاعا آخر فلما قدمته بين أيديهم للإفطار ، أتاهم يتيم و سألهم القوت فتصدق كل منهم بقوته .

فلما كان اليوم الثالث : من صومهم و قدم الطعام للإفطار ، أتاهم أسير و سألهم القوت ، فأعطاه كل منهم قوته و لم يذوقوا في الأيام الثلاثة سوى الماء .

فرآهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم : في اليوم الرابع و هم يرتعشون من الجوع ، و فاطمة عليها السلام قد التصق بطنها بظهرها من شدة الجوع ، و غارت عينها .

فقال صلى الله عليه وآله وسلم : وا غوثاه يا الله ، أهل محمد يموتون جوعا .

فهبط جبرائيل فقال : خذ ما هنأك الله تعالى به في أهل بيتك .

فَقَالَ : وَ مَا آخُذُ يَا جَبْرَائِيلُ .

 فَأَقْرَأَهُ : هَلْ أَتَى‏  .

نهج الحق و كشف الصدق ص184 . وخرج في أسفل المصدر عن أسد الغابة ج 5 ص 530، و أسباب النزول للواحدي ص 331، و الدر المنثور ج 6 ص 299، و ذخائر العقبى ص 89 و 102، و نور الأبصار ص 102، و روح المعاني ج 29 ص 157، و فتح القدير ج 5 ص 338، و شرح النهج لابن أبي الحديد ج 1 ص 7.

 


 

كلمات رائعة لابن شهر آشوب :

يا طيب : ذكر بن شهر آشوب رحمه الله في كتابه مناقب آل آبي طالب رواية الصدوق رحمه ، وذكر شعرا كثيرا فيها سيأتي في أخر البحث ، وعند كلمات ولطائف كريمة في شأن نزولها ، نذكر بعضها :

 

الإنسان علي بن أبي طالب :

قال بن شهرآشوب رحمه الله : جاء في تفسير أهل البيت عليهم السلام : أن قوله‏ :

{ هَلْ‏ أَتى‏ عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ } .

يعني به عليا : و تقدير الكلام ، ما أتى على الإنسان زمان من الدهر إلا و كان فيه شيئا مذكورا ، و كيف لم يكن مذكورا ، و إن اسمه مكتوب على ساق العرش ، وعلى باب الجنة.

و الدليل على هذا القول : قوله‏ : { إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ } ، و معلوم أن آدم لم يخلق من النطفة.

مناقب ج3ص103 .

 

لم تذكر الحور العين في هل أتى :

وقال بن شهر آشوب رحمه الله :

و سئل عالم فقيل : إن الله تعالى قد أنزل هل‏ أتى‏ في أهل البيت .

وليس شيء: من نعيم الجنة إلا و ذكر فيه.

إلا : الحور العين .

قال: ذلك إجلالا لفاطمة عليها السلام .‏

المناقب ج‏3ص325 .

 

وقال ابن شهر آشوب رحمه الله : في أوصاف فاطمة الزهراء عليه السلام وألقابها :

المحترمة و الغراء : المحتشمة المكرمة تحت القبة الخضراء ، و الإنسية الحوراء ، و البتول العذراء ، ست النسا ء ، وارثة سيد الأنبياء ، و قرينة سيد الأوصياء ، فاطمة الزهراء الصديقة الكبرى ، راحة روح المصطفى ، حاملة البلوى من غير فزع و لا شكوى ، و صاحبة شجرة طوبى .

وَ مَنْ أُنْزِلَ : فِي شَأْنِهَا وَ شَأْنِ زَوْجِهَا وَ أَوْلَادِهَ ، سُورَةُ هَلْ‏ أَتَى‏ ، ابْنَةُ النَّبِيِّ وَ صَاحِبَةُ الْوَصِيِّ وَ أُمُّ السِّبْطَيْنِ وَ جَدَّةُ الْأَئِمَّةِ وَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ ....

المناقب ج3ص358 .

 

الرواة لنزول هل أتى في الآل :

وقال بن شهر آشوب رحمه الله : و روى أبو صالح ، و مجاهد ، و الضحاك ، و الحسن ، و عطاء ، و قتادة ، و مقاتل ، و الليث ، و ابن عباس ، و ابن مسعود ، و ابن جبير ، و عمرو بن شعيب ، و الحسن بن مهران ، و النقاش ، و القشيري ، و الثعلبي ، و الواحدي ، في تفاسيرهم ، و صاحب أسباب النزول ، و الخطيب المكي في الأربعين ، و أبو بكر الشيرازي في نزول القرآن في أمير المؤمنين عليه السلام ، و الأشنهي في اعتقاد أهل السنة ، و أبو بكر محمد بن أحمد بن الفضل النحوي في العروس في الزهد  .

و روى أهل البيت عليهم السلام : عن الأصبغ بن نباتة ، و غيره عن الباقر عليه السلام و اللفظ له‏ :

 في قوله تعالى‏ : { هَلْ‏ أَتى‏ عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ } ، إنه مرض الحسن و الحسين عليهما السلام ، فعادهما رسول الله في جميع أصحابه .

و قال لعلي : يا أبا الحسن لو نذرت في ابنيك نذرا عافاهم الله ؟

فقال : أصوم ثلاثة أيام ، و كذلك قالت فاطمة و الحسن و الحسين و جاريتهم فضة ، فبرءا فأصبحوا صياما و ليس عندهم طعام ، فانطلق علي ........ وذكر القصة كما ذكرناها عن الصدوق رحمه الله مع متفاوت يسير ..

مناقب آل أبي طالب عليهم السلام لابن شهرآشوب ج3ص373 .


 

إشكالات وردود :

 

بيان مختصر يرد الشكوك :

يا طيب : نزول سورة هل أتى تقديرا لإخلاص أهل البيت عليهم السلام مسلم عند العامة والخاصة وأقر به كبرائهم ، ولكن بعض من في نفسه مرض يحاول أن يخدش بشأن النزول بما لا يرضا به حتى كثير من العامة والمعاندين والمخالفين ، وقد عرفت حتى معاوية أقر لأبن عباس بشأن نزولها في حقهم ولم يعترض ، ومن أعترض بحجج واهية مدفوعة ومردودة .

لأنه في كل أبواب الحديث : فقه وتفسير وأخلاق وتأريخ وغيره ، ترى الروايات في واقعة وحكم معين معترفة به ومصدقة لوجوده ، ولكن بعبارات مختلفة الأحاديث ، وبالخصوص حين يحكي عن قصة وواقعة معينة ، فعضهم يجمل حتى ليذكر عنواه فقط ، وبعضهم ينقل بعض نصها وبعضهم أغلبه ، وبعضهم يفصلها ، وبعضهم يحكي لسان حال الواقعة بإضافة تفصيلية من عنده لكي يوصلها بأحسن وجه ممكن حتى ليدعم القول فيه بالشعر أو ببيان توضيحي وشرح .

فما رأيت : من قصص ذكرها في ما مر يعبر عن هذا المعنى المسلم للواقعة واهتمام الرواة بذكرها وشرحها ، فبعضهم بينها بالشعر ، على أنه مر ذكر كثير من المصادر لها كما عرفت ، وبه هذا التدبر يا طيب سترى ما يشكل عليها ليس بمحله ولا قيمة له ، بعدما عرفت كثرة المصادر بالإضافة لما سيأتي من التفسير المبين لها ، والشعر الحاكي لها على مر الزمان .

وقد سمعت رواية الطبرسي : وتفصيل الصدوق ومختصرات الأميني لبيان معنى الرواية ونزولها في شأن هل أتى في أهل البيت عليهم السلام ، ونذكر مختصر آخر لترى كيف حكيت الرواية وشأن نزوله بمختصر ومجمل عناوين لأهم وقائعها ، لترى أنه كان غرض الكاتب هو الاختصار وبيان أن هذه واقعة وفضيلة تستحق الذكر في شأن أهل البيت عليهم السلام ، ولم يرد أن يفصلها ولم يكن شأنه أن يستوعب كل ما وقع فيها ، لأنه شأن نزولهم بمجمل القصة يفي بغرضه بل وبغرضنا لمن ألقى السمع وهو شهيد ويطلب الحق ولا يحيد إن شاء الله .


 

مصادر نزول هل أتى في الآل :

يا طيب : ذكر في المراجعات القصة وخرجها الراضي حفظه في مستدرك المراجعات ، فقال :

قصة الاطعام

( 72 ) قوله تعالى : { إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا ( 5)

......... } سورة الدهر آية : 5 - 22 ,

هذه الآيات نزلت في : علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، بمناسبة قصة صيامهم ثلاثة أيام وتصدقهم في تلك الثلاثة بطعامهم على المسكين واليتيم والاسير  . 

راجع ذلك في : شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي ج 2 / 298 حديث : 1042 و 1046 و 1047 و 1048 و 1051 و 1053 و 1054 و 1055 و 1056 و 1057 و 1058 و 1059 و 1061 .

المناقب للخوارزمي الحنفي : ص 188 - 194 ، كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص 345 - 348 ط الحيدرية وص 201 ط الغري ، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي الحنفي ص 312 - 317 ، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي ص 272 ح 302 ، نور الابصار للشبلنجي ص 102 - 104 ط السعيدية بمصر وص 101 - 102 ط العثمانية بمصر ، الجامع لأحكام القرآن ( تفسير القرطبي ) ج 19 / 130 ، الكشاف للزمخشري ج 4 / 670 ط بيروت وج 4 / 197 ط مصطفى محمد بمصر وج 2 / 511 ط آخر ، روح المعاني للالوسي ج 29/157.

 أسد الغابة لابن الاثير الجزري الشافعي ج 5 / 530 - 531 ، أسباب النزول للواحدي ص 251 .

 تفسير الفخر الرازي ج 13 / 243 ط البهية بمصر وج 8 ص 392 ط الدار العامرة بمصر ، تفسير أبي السعود بهامش تفسير الرازي ج 8 / 393 ط الدار العامرة ، التسهيل لعلوم التنزيل للكلبي ج 4 / 167 ،

 فتح القدير للشوكاني ج 5 / 349 ط 2 وج 5 / 338 ط 1 الحلبي بمصر ، الدر المنثور للسيوطي ج 6 / 299 ، ذخائر العقبى ص 88 و 102 ، مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي ج 1 / 88 .

العقد الفريد لابن عبد ربه المالكي ج 5 / 96 ط 2 لجنة التأليف والنشر بمصر وج 3 / 45 ط آخر ، تفسير الخازن ج 7 /  159 ، معالم التنزيل للبغوي الشافعي بهامش تفسير الخازن ج 7 / 159 ,

الاصابة لابن حجر ج 4 / 387 ط السعادة وج 4 / 376 ط مصطفى محمد بمصر ، تفسير البيضاوي ج 5 / 165 ط بيروت على ط دار الكتب العربية الكبرى وج 4 / 235 ط مصطفى محمد وج 2 / 571 ط آخر ، اللالي المصنوعة للسيوطي ج 1 / 370 ، تفسير النسفي ج 4 / 318 .

ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 93 و 212 ط اسلامبول وص 107 - 108 و 251 ط الحيدرية .

 نوادر الاصول للحكيم الترمذي ص 64 بدون ذكر اسم المطبعة ،

شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 /  21 وج 13 / 276 ط مصر بتحقيق محمد أبوالفضل ، الرياض النضرة لمحب الدين الطبري الشافعي ج 2 / 274 و 302 ط 2 ، فرائد السمطين ج 1 / 53 - 56 ح 383  . 

ويا طيب : فصل القول فيها في :

الغدير للأميني ج 3 / 107 - 111 .

وفي إحقاق الحق للتستري وما علق عليه المرعشي النجفي مفصل خرجها من الكل الكتب ج 3 / 158 - 169 وج 9 /  110 - 123 .فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج 1 / 254 .


 

هل أتى بتحقيق الأميني

يا طيب : الأميني رحمه الله في كتاب الغدير حين تحقيق رواة الغدير على مر التأريخ بعد ذكر الأصحاب والتابعين والمؤلفين ، وذكر الشعراء وم ذكروا من فضائل أمير المؤمنين فيحققها ، ويرد من ينتقص منها أو يحاول أن ينكره ، ويبين كذبهم وخطلهم وبعدهم عن الحق ومن الفضائل نزول هل أتى في أهل البيت عليهم السلام ، وجواب ما قال :

ابن حزم في الممل والنحل : لسنا من كذب الرافضة في تأويلهم ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا. وإن المراد بذلك علي رضي الله عنه، بل هذا لا يصح، بل الآية على عمومها وظاهرها لكل من فعل ذلك. 4 ص 146.

قال رحمه الله ج أي الجواب :

إن الواقف : على هذه الأضحوكة يعرف موقع الرجل من التدجيل .

لحسبانه : إن في مجرد عزو هذا التأويل إلى الرافضة فحسب ، وقذفهم بالكذب ، واتباع ذلك بعدم الصحة حطا في كرامة الحديث الوارد في الآية الشريفة ، وهو يعلم أن أمة كبيرة من أئمة التفسير والحديث يروون ذلك ويثبتونه مسندا في مدوناتهم.

 وإن كان : لا يدري فتلك مصيبة.

 وهذا الحافظ أبو محمد العاصمي : أفرد ذلك كتابا في مجلدين أسماه ( زين الفتى في تفسير سورة هل أتى ) وهو كتاب ضخم فخم ممتع ينم عن فضل مؤلفه وسعة حيطته بالحديث، وتعالى مقدرته في الكلام والتنقيب، مع أن في غضونه سقطات تلائم مذهبه وخطة قومه.

 أو يزعم المغفل : أن أولئك أيضا من الرافضة ؟ ! أو يحسبهم جهلاء بشرايط صحة الحديث ؟ ! أم إنه لا يعتد بكل ما وافق الرافضة وإن كان مخرج بأصح الأسانيد ؟ !

وكيف ما كان فقد رواه :

1 ـ أبو جعفر الاسكافي المتوفى 240، قال في رسالته التي رد بها على جاحظ :

 لسنا كالإمامية : الذين يحملهم الهوى على جحد الأمور المعلومة، ولكننا ننكر تفضيل أحد من الصحابة على علي بن أبي طالب، ولسنا ننكر غير ذلك إلى أن قال :

 وأما إنفاقه : فقد كان على حسب حاله وفقره ، وهو الذي أطعم الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا، وأنزلت فيه وفي زوجته وابنيه سورة كاملة من القرآن.

م 2 ـ الحكيم أبو عبد الله محمد بن علي الترمذي كان حيا في سنة 285، ذكره في (نوادر الأصول  ص 64) .

3 ـ الحافظ محمد بن جرير الطبري أبو جعفر المتوفى 310، ذكره في سبب نزول هل أتى كما في (الكفاية ).

 4 - شهاب الدين ابن عبد ربه المالكي المتوفى 328، ذكر في (العقد الفريد) 3 ص 42 - 47 حديث احتجاج المأمون الخليفة العباسي على أربعين فقيه وفيه :

قال : يا إسحاق ؟ هل تقرأ القرآن ؟ ! قلت : نعم. قال : اقرأ عليّ : { هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا (1) } ، فقرأت منها حتى بلغت : {  إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا } . إلى قوله : { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8)} .

 قال : على رسلك، فيمن أنزلت هذه الآيات ؟ !

 قلت : في علي.

قال : فهل بلغك أن عليا حين أطعم المسكين واليتيم والأسير قال : إنما نطعمكم لوجه الله ؟ !

وهل سمعت الله : وصف في كتابه أحدا بمثل ما وصف به عليا ؟ !

قلت : لا.

قال : صدقت لأن الله جل ثناؤه عرف سيرته.

يا إسحاق : ألست تشهد أن العشرة في الجنة ؟ !

قلت : بلى يا أمير المؤمنين ؟ !

قال : أرأيت لو أن رجلا ، قال : والله ما أدري هذا الحديث صحيح أم لا ولا أدري إن كان رسول الله قاله أم لم يقله ، أكان عندك كافرا ؟ !

قلت : أعوذ بالله.

قال : أرأيت لو أنه قال : ما أدري هذه السورة من كتاب الله أم لا كان كافرا ؟ !

قلت : نعم.

 قال : يا إسحاق أرى بينهما فرقا.

 

5 ـ الحاكم أبو عبد الله النيسابوري المتوفى 405، ذكره في مناقب فاطمة سلام الله عليها كما في (الكفاية ).

6 ـ الحافظ ابن مردويه أبو بكر الاصبهاني المتوفى 416، أخرجه في تفسيره حكاه عنه جمع وقال الآلوسي في (روح المعاني) بعد نقله عنه والخبر مشهور.

7 ـ أبو إسحاق الثعلبي المتوفى 427 / 37، في تفسيره (الكشف والبيان).

8 ـ أبو الحسن الواحدي النيسابوري المتوفى 468، في تفسيره البسيط، وأسباب النزول ص 331.

9 ـ الحافظ أبو عبد الله محمد بن فتوح الأزدي الأندلسي الشهير بالحميدي المتوفى 488، ذكره في فوائده.

10 ـ أبو القاسم الزمخشري المتوفى 538، في (الكشاف) 2 ص 531.

11 ـ أخطب الخطباء الخوارزمي المتوفى 568، في (المناقب) 180.

12 ـ الحافظ أبو موسى المديني المتوفى 581 في (الذيل) كم في (الإصابة ).

13 ـ أبو عبد الله فخر الدين الرازي المتوفى 606، في تفسيره 8 ص 276.

14 ـ أبو عمر وعثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن الصلاح الشهرزودي الشرخاني المتوفى 643، كما يأتي عنه في (الكفاية ).

15 ـ أبو سالم محمد بن طلحة الشافعي المتوفى 652، ذكره في (مطالب السئول) ص 31 .

وقال : رواه الإمام أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي وغيره من أئمة التفسير.

 ثم قال : فكفى بهذه عبادة، وبإطعام هذا الطعام مع شدة حاجتهم إليه منقبة، ولولا ذلك لما عظمت هذه القصة شانا، وعلت مكانا، ولما أنزل الله تعالى فيها على رسول الله قرآنا وله في ص 8 قوله :

هم العــــروة الوثـــقى لمعتصم بها

مناقبــــهم جاءت بــــوحي وإنزال

مناقب في الشورى وسورة هل أتى

وفـي سورة الأحزاب يعرفها التالي

وهم أهل البيت المصطفى فودادهـم

على الناس مفروض بحكم وإسجال

16 ـ أبو المظفر سبط ابن الجوزي الحنفي المتوفى 654، رواه في تذكرته من طريق البغوي والثعلبي، ورد على جده ابن الجوزي في إخراجه في الموضوعات وقال بعد تنزيه سنده عن الضعف : والعجب من قول جدي وإنكاره وقد قال في كتاب (المنتخب):

 يا علماء الشرع : أعلمتم لم آثر (علي وفاطمة) وتركا الطفلين (الحسنين) عليهما أثر الجوع ؟ ! أتراهما خفي عنهما سر ذلك ؟ ! ما ذاك إلا لأنهم علما قوة صبر الطفلين، وأنهما غصنان من شجرة الظل عند ربي، وبعض من جملة فاطمة بضعة مني، وفرخ البط السابح .

17 ـ عز الدين عبد الحميد الشهير بابن أبي الحديد المعتزلي المتوفى 655، في شرح نهج البلاغة 3 ص 257.

18 ـ الحافظ أبو عبد الله الكنجي الشافعي المتوفى 658، في (الكفاية) 201 وقال بعد ذكر الحديث :

 هكذا رواه الحافظ أبو عبد الله الحميدي في فوائده، ورواه ابن جرير الطبري أطول من هذا في سبب نزول هل أتى.

 وقد سمعت الحافظ العلامة أبا عمرو عثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن الصلاح في درس التفسير في سورة هل أتى وذكر الحديث .

وقال فيه : إن السؤال كانوا ملائكة من عند رب العالمين، وكان ذلك امتحانا من الله عز وجل لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وسمعت بمكة حرسها الله تعالى من شيخ الحرم بشير التبريزي في درس التفسير.

إن السائل الأول كان جبرئيل، والثاني ميكائيل، والثالث كان إسرافيل عليهم السلام .

19 ـ القاضي ناصر الدين البيضاوي المتوفى 685، في تفسيره 2 ص 571.

20 ـ الحافظ محب الدين الطبري المتوفى 694، في (الرياض النضرة) 2 ص 207، 227 وقال : وهذا قول الحسن وقتادة.

 م 21 ـ الحافظ أبو محمد بن أبي حمزة الأزدي الأندلسي المتوفى 699، في (بهجة النفوس) 4 : 225.

22 ـ حافظ الدين النسفي المتوفى 701 / 710، في تفسيره هامش تفسير الخازن 4 ص 458، رواه في سبب نزول الآية ولم يرو غيره.

23 ـ شيخ الاسلام أبو إسحاق الحموي المتوفى 722، في (فرايد السمطين ).

24 ـ نظام الدين القمي النيسابوري في تفسيره هامش الطبري 29 ص 112 وقال :

 ذكر الواحدي في (البسيط) والزمخشري في (الكشاف) وكذا الإمامية أطبقوا على أن السورة نزلت في أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ولا سيما في هذه الآي .

ثم ذكر حديث الاطعام فقال : ويروى أن السائل في الليالي :

 جبرئيل، أراد بذلك ابتلاءهم بإذن الله سبحانه.

25 ـ علاء الدين علي بن محمد الخازن البغدادي المتوفى 741، في تفسيره 4 ص 358، ذكر أولا نزولها في علي عليه السلام وأخرج حديثه ثم قال : وقيل : الآية عامة في كل من أطعم ، موعزا إلى ضعف بقيل، مع أن القول بالعموم لا ينافي نزولها في أمير المؤمنين عليه السلام كما لا يخفى لانحصار المصداق به.

 26 - القاضي عضد الأيجي المتوفى 756، في (المواقف) 3 ص 278.

27 ـ الحافظ ابن حجر المتوفى 852 في (الإصابة) 4 ص 387 من طريق أبي موسى في (الذيل )، والثعلبي في تفسير سورة هل أتى عن مجاهد عن ابن عباس .

28 ـ الحافظ جلال الدين السيوطي المتوفى 911، في (الدر المنثور) 6 ص 299 من طريق ابن مردويه.

29 ـ أبو السعود العمادي محمد بن محمد الحنفي المتوفى 982، في تفسيره هامش تفسير الرازي 8 ص 318.

30 ـ الشيخ إسماعيل البروسي المتوفى 1137 في تفسير (روح البيان) 10 ص 268 - 269.

31 ـ الشوكاني المتوفى 1173، في تفسيره (فتح القدير) 5 ص 338.

32 ـ الأستاذ محمد سليمان محفوظ في (أعجب ما رأيت) 1 ص 10 وقال : رواه أهل التفسير.

33 ـ السيد الشبلنجي في (نور الأبصار) ص 12 - 14.

34 ـ السيد محمود القراغولي البغدادي الحنفي في (جوهرة الكلام) ص 56.

 لفظ الحديث :

قال ابن عباس رضي الله عنه : إن الحسن والحسين مرضا فعادهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس معه فقالوا :

 يا أبا الحسن : لو نذرت على ولدك. فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما إن برئا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام.

 فشفيا : وما معهم شيء، فاستقرض علي من شمعون الخيبري اليهودي ثلاث أصوع من شعير، فطحنت فاطمة صاعا واختبزت خمسة أقراص على عددهم فوضعوها بين أيديهم ليفطروا فوقف عليهم سائل فقال : السلام عليكم أهل بيت محمد ؟ مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة.

 فآثروه وباتوا : لم يذوقوا إلا الماء وأصبحوا صياما .

 فلما أمسوا : ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فأثروه، ووقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك.

 فلما أصبحوا : أخذ علي رضي الله عنه بيد الحسن والحسين وأقبلو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع .

قال : ما أشد ما يسوئني ما أرى بكم ؟ ! وقام فانطلق معهم، فرأى فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها، وغارت عيناها، فساء ذلك .

فنزل جبريل وقال : خذها يا محمد ؟ هنأك الله في أهل بيتك فأقرأه السورة.

 هذا لفظ جمع من الأعلام المذكورين وهناك لفظ آخر ضربنا عنه صفحا.

الغدير ج3ص107 - 111.

 

سورة هل أتى مدنية :

قال الحسكاني في الشواهد : قلت : اعترض بعض النواصب على هذه القصة .

 بأن قال: اتفق أهل التفسير على أن هذه السورة مكية ، و هذه القصة كانت بالمدينة إن كانت ، فكيف كانت سبب نزول السورة، و بان بهذا أنها مخترعة !

قال الحسكاني رحمه الله قلت : كيف يسوغ له دعوى الإجماع ، مع قول الأكثر: أنها مدنية!!.

 فلقد حدثونا عن أبي الشيخ الأصبهاني قال : أخبرنا بهلول الأنباري ، حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي جعفر الرازي ، حدثنا عمر بن هارون ، حدثنا عثمان بن عطاء ، عن أبيه ، عن ابن عباس‏ .

 و حدثنا : أبو نصر المفسر ، حدثنا عمي أبو حامد إملاء سنة سبع و أربعين و ثلاثمائة قال : حدثنا أبو يوسف يعقوب بن محمود المقرئ ، حدثنا محمد بن يزيد السلمي ، حدثنا زيد بن أبي موسى ، حدثنا عمر بن هارون ، عن عثمان بن عطاء ، عن أبيه‏ عن ابن عباس أنه قال : أول ما نزل بمكةَ : اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ‏ ، و ذكر كلامه‏ إلى قوله: هذا ما نزل بمكة و هي‏ خمس و ثمانون سورة.

و أول ما نزل بالمدينة : الْبَقَرَةُ، وَ آلُ عِمْرَانَ، وَ الْأَنْفَالُ ، وَ الْأَحْزَابُ، وَ الْمُمْتَحِنَةُ، وَ إِذَا زُلْزِلَتْ وَ الْحَدِيدُ، وَ مُحَمَّدٌ، وَ الرَّعْدُ، وَ الرَّحْمَنُ.

 وَ هَلْ‏ أَتَى‏ عَلَى الْإِنْسَانِ ، وَ الطَّلَاقُ .

و ذكر إلى قوله : فذلك ثماني و عشرون سورة مما نزل بالمدينة.

هذا لفظ أبي نصر، و قال: بهلول:

ثم أنزل بالمدينة : الْبَقَرَةُ، ثُمَّ الْأَنْفَالُ، ثُمَّ آلُ عِمْرَانَ، ثُمَّ الْأَحْزَابُ، ثُمَّ الْمُمْتَحِنَةُ، ثُمَّ النِّسَاءُ، ثُمَّ إِذَا زُلْزِلَتْ ثُمَّ الْحَدِيدُ، ثُمَّ سُورَةُ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ الرَّعْدُ، ثُمَّ سُورَةُ الرَّحْمَنِ .

 ثُمَّ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ : ثُمَّ الطَّلَاقُ.

و ذكر إلى قوله : فذلك ثمانية و عشرون ، و زاد : قال عمر بن هارون : و حدثني ابن جريج ، عن عطاء الخراساني عن ابن عباس نحوه.

و رواه عن عثمان بن عطاء : جماعة ، أخبرونا عن أحمد بن حرب الزاهد، قال: حدثني صالح بن عبد الله الترمذي في التفسير من تأليفه ، قال : حدثن عمر بن هارون، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني عن ابن عباس.

و عن عثمان بن عطاء : عن أبيه عن ابن عباس‏ : أَنَّ سُورَةَ : هَلْ أَتَى ، مَدَنِيَّةٌ .

و رواه : عن مجاهد ابن أبي نجيح، و أبو عمرو بن العلاء المقرئ.

شواهد التنزيل لقواعد التفضيل ج2ص409ح1062 ، 1063 .

 

جواب العاملي النباطي :

قال صاحب الصراط المستقيم :

 مرض الحسنان : فعادهما جدهما و وجوه العرب ، فنذر علي و فاطمة صيام ثلاثة أيام إن برءا ، فكان ذلك ، فاقترض علي ثلاثة أصوع من شعير من يهودي ، و روي أنه أخذها ليغزل له بها صوفا فطحنت فاطمة عليها السلام صاعا و اختبزته ، فأتاهم مسكين فسألهم فأعطوه ، و في اليوم الثاني يتيم فأعطوه ، و في الثالث أسير فأعطوه‏ ، و لم يذوقوا الثلاثة إلا الماء .

فأتى علي بالحسنين : و بهما ضعف إلى النبي ، فبكى .

فنزلت سورة : { هَلْ أَتى‏ عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ } .

قال الجاحدون : السورة مكية فكيف ، تتعلق بما كان في المدينة .

قلنا : ذكر الرازي في الأربعين ، و ابن المرتضى ، و الزمخشري ، و القاضي في تفاسيرهم ، و الفراء في معالمه ، و الغنوي في شرح طوالعه ، و الواحدي ، و علي بن براهيم ، و أبو حمزة الثمالي ، و أسنده أحمد الزاهد ، و الحسكاني :

أنها مدنية  : و كذا عن عكرمة ، و ابن المسيب ، و الحسن بن أبي الحسن البصري ، و نحو ذلك .

قال خطيب دمشق الشافعي : و أورد القضية بجزئياتها الثعلبي ، و في آخرها :

بكى النبي و قال : وا غوثاه يا الله أهل بيت محمد يموتون جوع ؟

فهبط جبرائيل و قال : خذ ما هناك الله في أهل بيتك .ثم أقرأه : هل أتى.

و زاد محمد بن علي صاحب الغزالي : في كتابه البلغة ، أنه نزلت عليهم مائدة فأكلوا منها سبعة أيام .

و عد أبو القاسم الحسين بن حبيب : و هو من شيوخ الناصبية في كتاب التنزيل ما نزل بالمدينة ، و هو تسع و عشرون سورة ،  و ذكر : هل أتى منه ، و لم يذكر خلافا فيها .

و يقرب منه : ما ذكره هبة الله المفسر البغدادي في الناسخ و المنسوخ ، بل ذلك قد شاع و ذاع و قرع جميع الأسماع و انشد فيه‏ :

أنا مولا لفتى‏    أنزل فيه هل أتى‏

الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم ج1ص182 .

 

الشعر غير فصيح :

وقال الفتال النيشابوري رحمه الله :

و قد طعن : في هذه الأبيات ، و أنها ليست بصحيحة ، و أنه ملحنة مخلوقة .

قال رحمه الله قلت : يجوز أن يكون الغلط من الراوي ، لأنه معلوم أنهم فصحاء بلغاء لا يجري اللحن على لسانهم عليه السلام .

و هذا أيضا : يوجب الثواب للحسن و الحسين عليهما السلام  على عملهما مع ظاهر الطفولية فيهما ، ولم يكن ذلك لغيرهما ، لأن الله تعالى عمهما مع أبيهما وأمهما وأخبر بضميرهما.

روضة الواعظين ج1ص163 . والشعر حتى على فرض لم يكن من المعصومين فل يضر بشأن نزولها في أهل البيت عليهم السلام للروايات الأخرى .


تفسير هل أتى من التفاسير

يا طيب : بعد أن عرفنا القصة وبعض أهم متنوع أسلوب رواياته ، نذكر القصة في التفاسير ، فمنها المتقدم كتفسير القمي ومجمع البيان ، ثم نذكر تفسير الميزان والأمثل ، ثم الشعر الذاكر لشأن نزولها في أهل البيت عليهم السلام بعدها ، وأسأل الله التوفيق لنا جمعيا :

 

تفسير علي بن إبراهيم القمي :

في تفسير علي بن إبراهيم القمي رحمه الله :

{ بسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ  هَلْ‏ أَتى‏ عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ  لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً } قال : لم يكن في العلم و لا في الذكر، و في حديث آخر كان في العلم و لم يكن في الذكر.

قوله‏ : { إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ‏ أَيْ نَخْتَبِرُهُ‏ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً } ثم قال‏ : { إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ‏ أَيْ بَيَّنَّا لَهُ طَرِيقَ الْخَيْرِ وَ الشَّرِّ إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً } و هو رد على المجبرة أنهم يزعمون أنهم لا فعل لهم‏

أخبرنا : أحمد بن إدريس قال : حدثنا أحمد بن محمد عن ابن أبي عمير قال‏ : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله‏ : { إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً } ـ

 قَالَ : إِمَّا آخِذٌ فَشَاكِرٌ، وَ إِمَّا تَارِكٌ فَكَافِرٌ.

و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام‏ في قوله‏ : { أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ‏ } ، قال : ماء الرجل و ماء المرأة اختلطا جميعا .

و قال علي بن إبراهيم في قوله‏ : { إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً } ، يعني بردها و طيبها لأن فيها الكافور ، { عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها } أي منها .

 و قوله‏ : { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً } قال : المستطير العظيم.

 

قوله‏ : { وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى‏ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً } .

فإنه حدثني أبي : عن عبد الله بن ميمون القداح عن أبي عبد الله عليه السلام قال‏ :

 كان عند فاطمة عليها السلام : شعير فجعلوه عصيدة ، فلما أنضجوه و وضعوها بين أيديهم ، جاء مسكين ، فقال المسكين : رحمكم الله أطعمونا مم رزقكم الله .

فقام علي عليه السلام : فأعطاه ثلثها .

فما لبث : أن جاء يتيم ، فقال اليتيم : رحمكم الله أطعمونا مما رزقكم الله .

فقام علي عليه السلام : فأعطاه ثلثها الثاني.

 فما لبث أن جاء أسير فقال الأسير : يرحمكم الله أطعمونا مم رزقكم الله .

 فقام علي‏ عليه السلام : فأعطاه الثلث الباقي، و ما ذاقوه .

 فأنزل الله فيهم هذه الآية إلى قوله‏ : { وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً في أمير المؤمنين‏ ، و هي جارية في كل مؤمن فعل مثل ذلك لله عز و جل‏ .

و القمطرير : الشديد .

 قوله‏ : { مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ‏ } يقول : متكئين في الحجال على السرر .

 قوله‏ : { وَ دانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها } يقول : قريب ظلالها منهم .

 قوله‏ : { وَ ذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا } ، دليت عليهم ثمارها ينالها القائم و القاعد .

قوله‏ : { أَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ } الأكواب الأكواز العظام التي لا آذان لها و لا عرى ، قوارير من فضة الجنة يشربون فيها .

{ قَدَّرُوها تَقْدِيراً } يقول : صنعت لهم على قدر رتبتهم ، لا تحجير فيه و لا فصل .

 قوله‏ : { مِنْ سُنْدُسٍ وَ إِسْتَبْرَقٍ‏ } الإستبرق الديباج .

و قال علي بن إبراهيم في قوله: { وَ يُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَ أَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا } قال : ينفذ البصر فيها كما ينفذ في الزجاج .

 قوله‏ : { وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ‏ } قال : مستوون .

 قوله‏ : { وَ مُلْكاً كَبِيراً } قال : لا يزال و لا يفنى‏ .

{ عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَ إِسْتَبْرَقٌ‏ } قال : يعلوهم الثياب و يلبسونها .

ثم خاطب الله نبيه ص فقال: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا } إِلَى قَوْلِهِ‏ { بُكْرَةً وَ أَصِيلًا } قال: بالغدوة و نصف النهار { وَ مِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَ سَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلً } قال : صلاة الليل .

قوله : { نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَ شَدَدْنا أَسْرَهُمْ }  يعني خلقهم ...

تفسير القمي ج2ص398 .

 

تفسير مجمع البيان
لسورة هل أتى

لكم يا طيب : مجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسي الفضل بن الحسن رحمه الله وهو تفسير متقدم ، وتقريبا جامع بين تفسير التبيان للطوسي ونكات الكشاف ومعارف قيمة حققها في قراءة الآيات وحججها وإعرابها ، فضلا عن المعنى والتفسير والرواية ، وتأريخ وفاته سنة 548 للهجرة رحمه الله ، ويبدأ تفسير سورة هل أتى أو الإنسان أو الدهر أو الأبرار بمسمياتها الأربعة في مجمع البيان في تفسير القرآن، جزء‏10 صفحة 609 ، فذكر رحمه الله :

 [سورة الإنسان رقمها في القرآن الكريم (76) يبدأ بتفسير قسم الآيات 1 إلى 10]

 

تفسير العشر آيات الأولى :

{ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

هَلْ أَتى‏ عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً (2) إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً (3) إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَ أَغْلالاً وَ سَعِيراً (4)

إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (5) عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7) وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى‏ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً (8) إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً (9)

إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10) } .

 

القراءة :

قرأ أهل المدينة : و أبو بكر عن عاصم و الكسائي سلاسلا بالتنوين و كذلك قواريرا قواريرا و يقفون بالألف على الجميع ، و قرأ ابن كثير و خلف سلاسل بغير تنوين و قواريرا قوارير الأول بالتنوين و الثاني بغير تنوين و يقفان على سلاسل و قوارير الثانية بغير الألف ، و قرأ حمزة و يعقوب بغير تنوين في الجميع و يقفان بغير ألف عليها ، و قرأ أبو عمرو و ابن عامر و حفص بغير تنوين فيها أيضا إلا أنهم يقفون على سلاسل و قواريرا الأولى بالألف و على قوارير الثانية بغير ألف ، غير أن شجاعا يقف على سلاسل أيضا بغير ألف.

 

الحجة :

قال أبو علي : حجة من صرف سلاسلا و قواريرا في الوصل و الوقف أمران : أحدهما / أن أبا الحسن قال سمعنا من العرب من يصرف هذا و يصرف جميع ما لا ينصرف ، قال و هذه لغة أهل الشعر لأنهم اضطروا إليه في الشعر فصرفوه فجرت ألسنتهم على ذلك و احتملوا ذلك في الشعر لأنه يحتمل الزيادة كما يحتمل النقص فاحتملو زيادة التنوين ، و الأمر الآخر : أن هذه الجموع أشبهت الآحاد لأنهم ، قالو صواحبات يوسف فلما جمعت جمع الآحاد المنصرفة جعلوه في حكمها فصرفوها ، قال أبو الحسن : و كثير من العرب يقول مواليات يريد الموالي و أنشد للفرزدق:

فإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم

خضع الرقاب نواكسي الأبصار

مجمع البيان في تفسير القرآن، ج‏10، ص: 610

فهذا كأنه : جمع نواكس و من قرأ بغير تنوين و لا ألف فإنه جعله كقوله {لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَ بِيَعٌ وَ صَلَواتٌ وَ مَساجِدُ} ، و إلحاق الألف في سلاسل و قوارير كالحاقة في قوله {الظُّنُونَا} و {السَّبِيلَا} و {الرَّسُولَا} يشبه ذلك بالإطلاق في القوافي من حيث كانت مثلها في أنها كلام تام.

 

اللغة :

الدهر : مرور الليل و النهار و جمعه أدهر و دهور ,

و أصل النطفة : الماء القليل و قد تقع على الكثير ، قال أمير المؤمنين عليه السلام حين ذكر الخوارج مصارعهم دون النطفة ، يريد النهروان و الجمع نطاف و نطف قال الشاعر:

و ما النفس إلا نطفة بقرارة

إذا لم تكدر كان صفوا غديرها

 و واحد الأمشاج : مشيج و مشجت هذا بهذا أي خلطته و هو ممشوج و مشيج و واحد.

 الأبرار : بار نحو ناصر و أنصار و بر أيضا.

 و الكأس : الإناء إذا كان فيه شراب قال عمرو بن كلثوم:

صددت الكأس عنا أم عمرو

و كان الكأس مجراها اليمينا

 و أوفى : بالعقد و وفى به فأوفى لغة أهل الحجاز ، و وفى لغة تميم و أهل نجد .

و النذر : عقد عملي ، فعل بر يوجبه الإنسان على نفسه نذر ينذر قال عنترة:

الشاتمي عرضي و لم أشتمهما

و الناذرين إذا لم ألقهما دمي‏

 أي يقولان : إن لقينا عنترة لنقتلنه .

و المستطير : المنتشر قال الأعشى:

فبانت و قد أسأرت في الفؤاد

صدعا على نأيها مستطيرا

 و القمطرير : الشديد في الشر ، و قد اقمطر اليوم اقمطرار و يوم قمطرير ، و قماطر كأنه قد التف شره بعضه على بعض قال الشاعر:

مجمع البيان في تفسير القرآن، ج‏10، ص: 611

بني عمنا هل تذكرون بلاءنا

عليكم إذا ما كان يوم قماطر

قيل إن هل هنا بمعنى قد قال الشاعر:

أم هل كبير بكى لم يقض عبرته

إثر الأحبة يوم البين مشكوم‏

 

الإعراب‏ :

 {لَمْ يَكُنْ شَيْئاً} جملة في محل الرفع لأنها صفة حين ، و التقدير لم يكن فيه شيئا مذكورا ، و أمشاج يجوز أن يكون صفة لنطفة ، و يجوز أن يكون بدلا و الوصف بالجمع مثل قولهم برمة أعشار و ثوب أسمال.

 و نبتليه : في موضع نصب على الحال.

{إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً} حالان من الهاء في هديناه ، أي هديناه شاكرا أو كفورا .

و قوله {عَيْناً} في انتصابه وجوه (أحدها) أن يكون بدلا من كافورا إذا جعلت الكافور اسم عين فيكون بدل الكل من الكل ، (و الثاني) أن يكون بدلا من قوله {مِنْ كَأْسٍ} أي يسقون من عين ثم حذف الجار فوصل الفعل إليه فنصبه ، (و الثالث) أن يكون منصوبا على المدح ، و التقدير أعني عينا يشرب بها ، الباء مزيدة أي يشربها ، و المعنى يشرب ماؤها لأن العين لا تشرب و إنما يشرب ماؤها.

 

النزول‏ :

قد روى الخاص و العام : أن الآيات من هذه السورة و هي قوله {إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ} إلى قوله {وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً} نزلت في علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام ، و جارية لهم تسمى فضة و هو المروي عن ابن عباس و مجاهد و أبي صالح.

و

القصة :

طويلة : جملتها ، أنهم قالوا : مرض الحسن و الحسين عليهم السلام ، فعادهما جدهما صلى الله عليه وآله و وجوه العرب ، و قالوا : يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك نذرا .

فنذر : صوم ثلاثة أيام إن شفاهما الله سبحانه ، و نذرت فاطمة عليها السلام كذلك و كذلك فضة .

فبرئا عليهما السلام : و ليس عندهم شيء ، فاستقرض علي عليه السلام ثلاثة أصوع من شعير من يهودي ، و روي أنه أخذها ليغزل له صوفا و جاء به إلى فاطمة عليها السلام .

 فطحنت صاعا منها : فاختبزته و صلى علي المغرب و قربته إليهم ، فأتاهم مسكين يدعو لهم و سألهم فأعطوه و لم يذوقوا إلا الماء .

 فلما كان اليوم الثاني : أخذت صاعا فطحنته و خبزته و قدمته إلى علي عليه السلام ، فإذا يتيم في الباب يستطعم فأعطوه و لم يذوقوا إلا الماء .

فلما كان اليوم الثالث : عمدت إلى الباقي فطحنته و اختبزته و قدمته إلى علي عليها السلام ، فإذا أسير بالباب يستطعم فأعطوه‏ ،

مجمع البيان في تفسير القرآن، ج‏10، ص: 612

و لم يذوقوا إلا الماء .

فلما كان اليوم الرابع : و قد قضوا نذورهم ، أتى علي عليه السلام و معه الحسن و الحسين عليهما السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، و بهما ضعف .

فبكى : رسول الله صلى الله عليه وآله .

 و نزل جبرائيل عليه السلام :  بسورة هل أتى .

 

وفي رواية عطاء عن ابن عباس : أن علي ابن أبي طالب عليه السلام ،آجر نفسه ليستقي نخلا بشيء من شعير ليلة حتى أصبح ، فلما أصبح و قبض الشعير طحن ثلثه فجعلوا منه شيئا ليأكلوه يقال له الحريرة ، فلما تم إنضاجه أتى مسكين فأخرجو إليه الطعام .

ثم عمل الثلث الثاني : فلما تم إنضاجه ، أتى يتيم فسأل فأطعموه .

ثم عمل الثلث الثالث : فلما تم إنضاجه أتى أسير من المشركين فسأل فأطعموه و طووا يومهم ذلك .

ذكره : الواحدي في تفسيره‏ .

 

وذكر علي بن إبراهيم : أن أباه حدثه عن عبد الله بن ميمون عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان عند فاطمة شعير فجعلوه عصيدة ، فلما أنضجوه و وضعوها بين أيديهم جاء مسكين فقال المسكين رحمكم الله فقام علي فأعطاه ثلثه ، فلم يلبث أن جاء يتيم فقال اليتيم رحمكم الله فقام علي عليه السلام فأعطاه الثلث ، ثم جاء أسير فقال الأسير رحمكم الله فأعطاه علي عليه السلام الثلث الباقي ، و ما ذاقوها ، فأنزل الله سبحانه الآيات فيهم‏ .

و هي جارية : في كل مؤمن فعل ذلك لله عز وجل ، وفي هذا دلالة على أن السورة مدنية .

 

النزول‏ :

 و قال أبو حمزة الثمالي في تفسيره : حدثني الحسن بن الحسن أبو عبد الله بن الحسن أنها مدنية ، نزلت في علي و فاطمة السورة كلها .

حدثنا السيد أبو الحمد : مهدي بن نزار الحسيني القايني ، قال أخبرنا الحاكم أبو القسم عبيد الله بن عبد الله الحسكاني ، قال حدثنا أبو نصر المفسر ، قال حدثني عمي أبو حامد إملاء ، قال حدثني الفزاري أبو يوسف يعقوب بن محمد المقري ، قال حدثنا محمد بن يزيد السلمي ، قال حدثنا زيد بن موسى ، قال حدثنا عمرو بن هارون عن عثمان بن عطاء عن أبيه عن ابن عباس قال :

أول ما أنزل بمكة : (اقرأ باسم ربك) ثم (ن و القلم) ثم (المزمل) ثم (المدثر) ثم (تبت) ثم (إذا الشمس كورت) ثم (سبح اسم ربك الأعلى) ثم (و الليل إذا يغشى) ثم (و الفجر) ثم (و الضحى) ثم (أ لم نشرح) ثم (و العصر) ثم (و العاديات) ثم (إنا أعطيناك الكوثر) ثم (ألهيكم التكاثر) ثم (أ رأيت) ثم (الكافرون) ثم ( لم تر كيف) ثم (قل أعوذ برب الفلق) ثم (قل أعوذ برب الناس) ثم (قل هو الله أحد) ثم (و النجم) ثم (عبس) ثم (إنا أنزلناه) ثم (و الشمس) ثم (البروج) ثم (و التين) ثم (لإيلاف) ثم (القارعة) ثم (القيامة) ثم (الهمزة) ثم (و المرسلات) ثم (ق).

مجمع البيان في تفسير القرآن، ج‏10، ص: 613

ثم (لا أقسم بهذا البلد) ثم (الطارق) ثم (اقتربت الساعة) ثم (ص) ثم (الأعراف) ثم (قل أوحي) ثم (يس) ثم (الفرقان) ثم (الملائكة) ثم (كهيعص) ثم (طه) ثم (الواقعة) ثم (الشعراء) ثم (النمل) ثم (القصص) ثم (بني إسرائيل) ثم (يونس) ثم (هود) ثم (يوسف) ثم (الحجر) ثم (الأنعام) ثم (الصافات) ثم (لقمان) ثم (القمر) ثم (سبأ) ثم (الزمر) ثم (حم المؤمن) ثم (حم السجدة) ثم (حمعسق) ثم (الزخرف) ثم (الدخان) ثم (الجاثية) ثم (الأحقاف) ثم (الذاريات) ثم (الغاشية) ثم (الكهف) ثم (النحل) ثم (نوح) ثم (إبراهيم) ثم (الأنبياء) ثم (المؤمنون) ثم (الم تنزيل) ثم (الطور) ثم (الملك) ثم (الحاقة) ثم (ذو المعارج) ثم (عم يتساءلون) ثم (النازعات) ثم (انفطرت) ثم (انشقت) ثم (الروم) ثم (العنكبوت) ثم (المطففين) فهذه أنزلت بمكة و هي خمس و ثمانون سورة ثم أنزلت بالمدينة (البقرة) ثم (الأنفال) ثم (آل عمران) ثم (الأحزاب) ثم (الممتحنة) ثم (النساء) ثم (إذا زلزلت) ثم (الحديد) ثم سورة (محمد) ثم (الرعد) ثم سورة (الرحمن) ثم (هل أتى) ثم (الطلاق) ثم (لم يكن) ثم (الحشر) ثم (إذا جاء نصر الله) ثم (النور) ثم (الحج) ثم (المنافقون) ثم (المجادلة) ثم (الحجرات) ثم (التحريم) ثم (الجمعة) ثم (التغابن) ثم سورة (الصف) ثم سورة (الفتح) ثم سورة (المائدة) ثم سورة (التوبة) .

فهذه : ثمان و عشرون سورة .

و قد رواه : الأستاذ أحمد الزاهد بإسناده عن عثمان بن عطاء ، عن أبيه عن ابن عباس في كتاب الإيضاح ، و زاد فيه : و كانت إذا نزلت فاتحة سورة بمكة كتبت بمكة ، ثم يزيد الله فيها ما يشاء بالمدينة .

و بإسناده عن عكرمة و الحسن بن أبي الحسن البصري :

 إن أول ما أنزل الله من القرآن بمكة على الترتيب اقرأ باسم ربك و ن و المزمل.

إلى قوله و ما نزل بالمدينة : (ويل للمطففين) (و البقرة و الأنفال و آل عمران و الأحزاب و المائدة و الممتحنة و النساء و إذا زلزلت و الحديد و سورة محمد و الرعد و الرحمن و هل أتى على الإنسان  إلى آخره .

وبإسناده : عن سعيد بن المسيب عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال : سألت النبي عن ثواب القرآن ، فأخبرني بثواب سورة سورة على نحو ما نزلت من السماء .

فأول ما نزل عليه بمكة : (فاتحة الكتاب) ثم (اقرأ باسم ربك) ثم (ن) إلى أن قال و أول ما نزل بالمدينة سورة (البقرة) ثم (الأنفال) ثم (آل عمران) ثم (الأحزاب) ثم (الممتحنة) ثم (النساء) ثم (إذا زلزلت) ثم (الحديد) ثم (سورة محمد) ثم‏

مجمع البيان في تفسير القرآن، ج‏10، ص: 614

 (الرعد) ثم (سورة الرحمن) ثم (هل أتى) إلى قوله فهذا ما أنزل بالمدينة .

ثم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

جميع سور القرآن : 114 مائة و أربع عشرة سورة .

و جميع آيات القرآن : 6236 ستة آلاف آية و مائتا آية و ست و ثلاثون آية .

و جميع حروف القرآن : 32125 ثلاثمائة ألف حرف واحد و عشرون ألف حرف و مائتان و خمسون حرفا .

لا يرغب في تعلم القرآن : إلا السعداء و لا يتعهد قراءته إلا أولياء الرحمن‏ .

 أقول : قد اتسع نطاق الكلام في هذا الباب حتى كاد يخرج عن أسلوب الكتاب و ربما نسبنا به إلى الإطناب ، و لكن الغرض فيه :

 أن بعض أهل العصبية : قد طعن في هذه القصة ، بأن قال هذه السورة مكية فكيف يتعلق بها ما كان بالمدينة ، و استدل بذلك على أنها مخترعة جرأة على الله سبحانه و عداوة لأهل بيت رسوله .

فأحببت إيضاح الحق : في ذلك ، و إيراد البرهان في معناه ، و كشف القناع عن عناد هذا المعاند في دعواه ، على أنه كما ترى يحتوي على السر المخزون و الدر المكنون ، من هذا العلم الذي يستضاء بنوره و يتلألأ بزهوره ، و هو معرفة ترتيب السور في التنزيل و حصر عددها على الجملة و التفصيل .

اللهم : أمددنا بتأييدك و أيدنا بتوفيقك فأنت الرجاء و الأمل و على فضلك المعول و المتكل.

 

المعنى‏ :

 {هَلْ أَتى‏} معناه قد أتى {عَلَى الْإِنْسانِ} أي أ لم يأت على الإنسان {حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} و قد كان شيئا إلا أنه {لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً} لأنه كان ترابا و طينا إلى أن نفخ فيه الروح عن الزجاج ، و على هذا فهل هنا استفهام يراد به التقرير ، قال الجبائي : و هو تقرير على ألطف الوجوه ، و تقديره : أيها المنكر للصانع و قدرته أ ليس قد أتى عليك دهور لم تكن شيئا مذكورا ثم ذكرت ، و كل أحد يعلم من نفسه أنه لم يكن موجود ثم وجد ، فإذا تفكر في ذلك علم أن له صانعا صنعه و محدثا أحدثه .

و المراد بالإنسان : هنا آدم عليه السلام ، و هو أول من سمي به عن الحسن و قتادة و سفيان و الجبائي .

و قيل : إن المراد به كل إنسان و الألف و اللام للجنس عن أبي مسلم .

و قيل : أنه أتى على آدم عليه السلام أربعون سنة لم يكن شيئ مذكورا لا في السماء و لا في الأرض ، بل كان جسدا ملقى من طين قبل أن ينفخ فيه الروح ، و روى عطاء عن ابن عباس أنه تم خلقه بعد عشرين و مائة سنة ..

وروى العياشي : بإسناده عن عبد الله بن بكير عن زرارة قال سألت أبا جعفر (ع) عن قوله {لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً} قال كان شيئ و لم يكن مذكورا .

وبإسناده عن سعيد الحداد عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان مذكورا في العلم و لم يكن مذكورا في الخلق .

و عن عبد الأعلى : مولى آل سام عن أبي عبد الله عليه السلام مثله‏ .

وعن حمران بن أعين قال : سألت عنه ، فقال كان شيئا مقدور و لم يكن مكونا ,

و في هذا دلالة : على أن المعدوم معلوم و إن لم يكن مذكور ، و إن المعدوم يسمى شيئا فإذا حملت الإنسان على الجنس .

مجمع البيان في تفسير القرآن، ج‏10، ص: 615

فالمراد أنه: ‏قبل الولادة لا يعرف و لا يذكر و لا يدري من هو و ما يراد به بل يكون معدوما ثم يوجد في صلب أبيه ثم في رحم أمه إلى وقت الولادة .

و قيل : المراد به العلماء لأنهم كانوا لا يذكرون ، فصيرهم الله سبحانه بالعلم مذكورين بين الخاص و العام في حياتهم و بعد مماتهم .

و سمع : عمر بن الخطاب رجلا يقرأ هذه الآية ، فقال ليت ذلك ، ثم يعني ليت آدم بقي على ما كان فكان لا يلد و لا يبتلي أولاده .

ثم قال سبحانه : {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ} يعني ولد آدم عليه السلام .

{مِنْ نُطْفَةٍ} و هي ماء الرجل و المرأة الذي يخلق منه الولد .

{أَمْشاجٍ} أي أخلاط من ماء الرجل و ماء المرأة في الرحم ، فأيهما علا ماء صاحبه كان الشبه له عن ابن عباس و الحسن و عكرمة و مجاهد ، و قيل أمشاج : أطوار طورا نطفة و طورا علقة و طورا مضغة و طورا عظاما إلى أن صار إنسانا عن قتادة .

و قيل : أراد اختلاف ألوان النطفة فنطفة الرجل بيضاء و حمراء ، و نطفة المرأة خضراء و صفراء ، فهي مختلفة الألوان ، عن مجاهد و الضحاك و الكلبي .

و روي أيضا : عن ابن عباس و قيل نطفة مشجت بدم الحيض ، فإذ حبلت ارتفع الحيض عن الحسن ، و قيل هي العروق التي تكون في النطفة عن ابن مسعود .

و قيل أمشاج : أخلاط من الطبائع التي تكون في الإنسان من الحرارة و البرودة و اليبوسة و الرطوبة ،جعلها الله في النطفة ثم بناه الله البنية الحيوانية المعدلة الأخلاط ، ثم جعل فيه الحياة ، ثم شق له السمع والبصر فتبارك الله رب العالمين.

و ذلك قوله {فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً} .

و قوله {نَبْتَلِيهِ} : أي نختبره بما نكلفه من الأفعال الشاقة ليظهر إما طاعته و إما عصيانه فنجازيه بحسب ذلك .

قال الفراء معناه {فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً} لنبتليه أي لنتعبده و نأمره و ننهاه .

و المراد : فأعطيناه آلة السمع و البصر ليتمكن من السمع و البصر و معرفة ما كلف.

 {إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ} أي بينا له الطريق و نصبن له الأدلة و أزحنا له العلة حتى يتمكن من معرفة الحق و الباطل .

و قيل : هو طريق الخير و الشر عن قتادة .

و قيل : السبيل هو طريق معرفة الدين الذي به يتوصل إلى ثواب الأبد و يلزم كل مكلف سلوكه و هو أدلة العقل و الشرع التي يعم جميع المكلفين .

{إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً} قال الفراء : معناه أن شكر و أن كفر على الجزاء ، و قال الزجاج : معناه ليختار إما السعادة و إما الشقاوة .

و المراد : إما أن يختار بحسن اختياره الشكر لله تعالى و الاعتراف بنعمه فيصيب الحظ ، و إما أن يكفر نعم الله و يجحد إحسانه فيكون ضالا عن الصواب ، فأيهما اختار جوزي عليه بحسبه و هذا كقوله {فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ} .

و في هذه الآية دلالة : على أن الله قد هدى جميع خلقه لأن اللفظ عام ، ثم بين سبحانه ما أعده للكافرين فقال {إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ} أي هيأنا و ادخرنا لهم جزاء على كفرانهم و عصيانهم {سَلاسِلَ} يعني في جهنم كما قال : {فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً {وَ أَغْلالًا وَ سَعِيراً} نار موقدة نعذبهم بها و نعاقبهم فيها

مجمع البيان في تفسير القرآن، ج‏10، ص: 616

 

ثم ذكر ما أعده : ‏للشاكرين المطيعين فقال :

{إِنَّ الْأَبْرارَ} و هو جمع البر المطيع لله المحسن في أفعاله ، و قال الحسن هم الذين لا يؤذون الذر و لا يرضون الشر ، و قيل هم الذين يقضون الحقوق اللازمة و النافلة .

و قد أجمع أهل البيت عليهم السلم : و موافقوهم ، و كثير من مخالفيهم إن المراد بذلك علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام ،  و الآية مع م بعدها متعينة فيهم و أيضا .

فقد انعقد الإجماع  : على أنهم كانوا أبرارا ، و في غيرهم خلاف .

{يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ} إناء فيه شراب .

{كانَ مِزاجُها} أي ما يمازجها .

{كافُوراً} و هو اسم عين ماء في الجنة عن عطاء و الكلبي ، و اختاره الفراء قال : و يدل عليه قوله {عَيْناً} و هي كالمفسرة للكافور .

و قيل : يعني الكافور الذي له رائحة طيبة و المعنى يمازجه ريح الكافور ، و ليس ككافور الدنيا عن مجاهد و مقاتل .

قال قتادة : يمزج بالكافور و يختم بالمسك و قيل معناه طيب بالكافور و المسك و الزنجبيل عن ابن كيسان .

{عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ} أي أولياؤه .

عن ابن عباس : أي هذا الشراب من عين يشرب بها أولياء الله ، و خصهم بأنهم عباد الله تشريفا و تبجيلا ، قال الفراء شربها و شرب بها سواء في المعنى ، كما يقولون تكلمت بكلام حسن و كلاما حسنا قال عنترة:

شربت بماء الدحرضين فأصبحت

 عسرا علي طلابها ابنة مخرم‏

 و أنشد الفراء:

 شربن بماء البحر ثم ترفعت

متى لجج خضر لهن نئيج‏

 أي صوت.

 {يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً} : أي يقودون تلك العين حيث شاءو من منازلهم و قصورهم عن مجاهد و التفجير تشقيق الأرض بجري الماء .

 قال / و أنهار الجنة تجري بغير أخدود ، فإذا أراد المؤمن أن يجري نهرا خط خطا فينبع الماء من ذلك الموضع و يجري بغير تعب .

 

ثم وصف سبحانه هؤلاء الأبرار فقال :

{يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} أي كانوا في الدنيا بهذه الصفة و الإيفاء بالنذر ، هو أن يفعل ما نذر عليه ، فإذا نذر طاعة تممها و وفى بها عن مجاهد و عكرمة ، و قيل يتمون ما فرض الله عليهم من الواجبات عن قتادة .

 

مجمع البيان في تفسير القرآن، ج‏10، ص: 617

{وَ يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} أي فاشي منتشرا ذاهبا في الجهات بلغ أقصى المبالغ، و سمي العذاب شرا لأنه لا خير فيه للمعاقبين و إن كان في نفسه حسنا لكونه مستحقا ، و قيل المراد بالشر هنا أهوال يوم القيامة و شدائده .

{وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى‏ حُبِّهِ} أي على حب الطعام و المعنى يطعمون الطعام أشد ما تكون حاجتهم إليه وصفهم الله سبحانه بالأثرة على أنفسهم .

وفي الحديث عن أبي سعيد الخدري : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ما من مسلم أطعم مسلما على جوع إلا أطعمه الله من ثمار الجنة ، و ما من مسلم كسا أخاه على عري إلا كساه الله من خضر الجنة ، و من سقى مسلما على ظمإ سقاه الله من الرحيق‏ .

قال ابن عباس : يطعمون الطعام على شهوتهم له و محبتهم إياه ، و قيل الهاء كناية عن الله تعالى أي يطعمون الطعام على حب الله.

 {مِسْكِيناً} و هو الفقير الذي لا شيء له ، {وَ يَتِيماً} و هو الذي لا والد له من الأطفال ، {وَ أَسِيراً} و هو المأخوذ من أهل دار الحرب عن قتادة ، و قيل هو المحبوس من أهل القبلة عن مجاهد و سعيد بن جبير ، و قيل الأسير المرأة .

{إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} أي لطلب رضا الله خالصا لله مخلصا من الرياء و طلب الجزاء .

و هو قوله {لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً} و هو مصدر مثل القعود و الجلوس ، و قيل : إنهم لم يتكلموا بذلك و لكن علم الله سبحانه ما في قلوبهم فأثنى به عليهم ليرغب في ذلك الراغب عن سعيد بن جبير و مجاهد .

و المراد : لا نطلب بهذا الطعام مكافاة عاجلة و لا نريد أن تشكرونا عليه عند الخلق بل فعلناه لله .

{إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً} أي عذاب يوم .

{عَبُوساً} أي مكفهرا تعبس فيه الوجوه ، و وصف اليوم بالعبوس توسعا لما فيه من الشدة ، و هذا كما يقال يوم صائم و ليل قائم .

قال ابن عباس : يعبس فيه الكافر حتى يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران.

{قَمْطَرِيراً} أي صعبا شديدا عن أبي عبيدة و المبرد و قال الحسن سبحان الله ما أشد اسمه و هو من اسمه أشد ، و قيل القمطرير الذي يقلص الوجوه و يقبض الجباه و ما بين الأعين من شدته عن قتادة.

مجمع البيان في تفسير القرآن، ج‏10، ص: 618

 

تفسير العشرة الثانية :

[سورة الإنسان (76): الآيات 11 الى 22]

{ فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَ لَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَ سُرُوراً (11) وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَرِيراً (12) مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَ لا زَمْهَرِيراً (13) وَ دانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَ ذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً (14) وَ يُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَ أَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا (15)

قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً (16) وَ يُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً (17) عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً (18) وَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً (19) وَ إِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَ مُلْكاً كَبِيراً (20)

عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَ إِسْتَبْرَقٌ وَ حُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَ سَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً (21) إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (22) }

 

القراءة :

قرأ الشعبي و عبيد بن عمير : قدروها بضم القاف و القراءة المشهورة {قَدَّرُوها} بفتح القاف و قرأ أهل المدينة و حمزة عاليهم ساكنة الياء .

و الباقون {عالِيَهُمْ} بفتح الياء و قرأ أهل البصرة و أبو جعفر و ابن عامر خضر بالرفع و إستبرق بالجر ، و قرأ ابن كثير و أبو بكر خضر بالجر و إستبرق بالرفع و قرأ نافع و حسن بالرفع فيهما و قرأ حمزة و الكسائي و خلف بالجر فيهما.

 

الحجة :

من قرأ {قَدَّرُوها} : بالفتح فالمعنى قدروها في أنفسهم فجاءت كما قدروها و من قرأ بالضم أراد أن ذلك قدر لهم أي قدره الله لهم كذلك ، قال أبو علي الضمير في {قَدَّرُوها} للخزان أو الملائكة أي قدروها على ربهم لا ينقص من ذلك و لا يزيد عليه ، و من قرأ قدروها فهو على هذا المعنى يريد كان اللفظ قدرو عليها فحذف الجار كما حذف من قوله:

كأنه واضح الأقراب في لقح

أسمى بهن و عزته الأناصيل‏

 فلما حذف الحرف وصل الفعل فكذلك قوله قدروها إلا أن المعنى قدرت عليهم أي على ربهم فقلب كما قال:

لا تحسبن دراهما سرقتها

تمحو مخازيك التي بعمان‏

 و على هذا يتأول قوله {ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ} و مثل هذا ما حكاه أبو زيد إذا طلعت الجوزاء أوفى السود في الجرباء .

قال و من نصب {عالِيَهُمْ} فإن النصب يحتمل أمرين ‏(أحدهما) أن يكون حالا

مجمع البيان في تفسير القرآن، ج‏10، ص: 619

 (و الآخر) أن يكون ظرفا ، فأما الحال فيحتمل أن يكون العامل فيها أحد شيئين (أحدهما) لقاهم (و الآخر) جزاهم ، و مثله في كونه حالا {مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ} فإن قلت : لم لا يكون متكئين صفة جنة و فيها ذكر لها ، قيل لا يجوز ذلك أ لا ترى أنه لو كان كذلك للزمك أن تبرز الضمير الذي في اسم الفاعل من حيث كان صفة للجنة و ليس الفعل لها ، فإذا لم يجز ذلك كان حالا .

و كذلك قوله {وَ دانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها} إلا أنه يجوز في قوله {وَ دانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها} أمران (أحدهما) الحال (و الآخر) أن ينتصب على أنه مفعول به و يكون المعنى و جزاهم جنة و حريرا أي لبس حرير و دخول جنة و دانية عليهم ظلالها ، فيكون على هذا التقدير كقوله وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ فإن لم تحمله على هذا ، و قلت إنه يعرض فيه إقامة الصفة مقام الموصوف،  و إن ذلك ليس بالمطرح في كلامهم و إذا حملته على الحال يكون مثل ما عطفته عليه من قوله {مُتَّكِئِينَ} {وَ دانِيَةً عَلَيْهِمْ} و كذلك يكون {عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ} معطوفا على ما انتصب على الحال في السورة ، فيكون ثياب سندس مرتفعة باسم الفاعل و الضمير عائد إلى ذي الحال من قوله {عالِيَهُمْ} .

و في الشواذ عاليتهم قراءة الأعمش و يكون بمنزلة قوله خاشع أبصارهم و خاشعة أبصارهم و من جعله ظرفا فإنه لما كان عالي بمعنى فوق أجري مجراه في هذا ، و من قرأ عاليهم بسكون الياء جعله مبتدأ و ثياب سندس خبره و يكون عاليهم المبتدأ في موضع الجماعة كما أن الخبر جماعة و قد جاء اسم الفاعل في موضع جماعة قال: ألا إن جيراني العشية رائح

دعتهم دواع من هوى و منادح‏

 و في التنزيل مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا فكأنه أفرد من حيث جعل بمعنى المصدر من نحو قوله‏ :

و لا خارجا من في زور كلام .

 و قد قالوا : الجامل و الباقر : يراد بهما الكثرة ، و أخذ عليه البصير النحوي الملقب بجامع العلوم هذا الكلام و نسبه فيه إلى سوء التأمل ، و قال عاليهم بسكون الياء صفة الولدان ، أي يطوف عليهم ولدان عاليهم ثياب سندس فيرتفع ثياب سندس باسم الفاعل الجاري صفة على الموصوف .

و أقول و بالله التوفيق : إني لأرى أن نظر هذا الفاضل قد اختل كما أن بصره قد اعتل ، فرمى أبا علي بدائه و أنسل ، أ لم ينظر في خاتمة هذه الآية إلى قوله سبحانه {وَ سَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً} ثم قوله عقيب ذلك {إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً} فيعرف أن الضمير في عاليهم هو بعينه في و سقاهم و هو ضمير المخاطبين في لكم و هذا الضمير لا يمكن أن يعود إلا إلى الأبرار المثابين المجازين دون الولدان المخلدين

مجمع البيان في تفسير القرآن، ج‏10، ص: 620

الذين هم : من جملة ثوابهم و جزائهم اللهم لك الحمد على تأييدك و تسديدك .

رجعنا إلى كلام أبي علي قال : و يجوز على قياس قول أبي الحسن في قائم أخواك و إعمال اسم الفاعل عمل الفعل و إن لم يعتمد على شيء أن يكون ثياب سندس مرتفعة بعاليهم و أفردت عاليا لأنه فعل متقدم ، قال أبو علي : و الأوجه قراءة من قال خضر بالرفع و إستبرق بالجر لأن خضرا صفة مجموعة لموصوف مجموع و هو ثياب ، و أما إستبرق فجر من حيث كان جنسا أضيفت إليه الثياب كما أضيفت إلى سندس ، كم يقال ثياب خز و كتان و يدل على ذلك .

قوله {وَ يَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ} و إستبرق و من قرأ {خُضْرٌ وَ إِسْتَبْرَقٌ} فإنه أجرى الخضر و هو جمع على السندس لما كان المعنى أن الثياب من هذا الجنس ، و أجاز أبو الحسن وصف هذه الأجناس بالجمع ، فقال تقول : أهلك الناس الدينار الصفر و الدرهم البيض على استقباح له ، و من رفع إستبرق فإنما أراد عطف الاستبراق على الثياب كأنه ثياب سندس و ثياب إستبرق فحذف المضاف الذي هو ثياب و أقام إستبرق مقامه ، كما إنك إذا قلت : عليه خز بمعنى عليه ثوب خز و ليس المعنى أن عليه الدابة التي هي الخز و على هذا قوله:

كان خزا تحته و قزا  و فرشا محشوة اوزا

اللغة :

الوقاية : الحفظ و المنع من الأذى وقاه يقيه وقاية و وقاه توقية قال رؤبة : أن الموقي مثل ما وقيت ،  و منه اتقاه و توقاه ، و أصل الشر الظهور فهو ظهور الضرر و منه شررت الثوب إذا ظهرته للشمس أو الريح قال‏ : و حتى أشرت بالأكف المصاحف ،  أي أظهرت ، و منه شرر النار لظهوره بتطايره .

و النضرة  :حسن الألوان و نبت ناضر و نضير و نضر .

و السرور : اعتقاد وصول المنافع إليه في المستقبل ، و قال قوم هو لذة في القلب فحسب متعلقة بما فيه النفع ، و كل سرور فلا بد له من متعلق كالسرور بالمال و الولد و السرور بالإكرام و الإجلال و السرور بالحمد و الشكر و السرور بالثواب .

و الأرائك : الحجال فيها الأسرة واحدتها أريكة قال الزجاج الأريكة كل ما يتكأ عليه من مسورة أو غيرها .

و الزمهرير : أشد ما يكون من البرد .

و الزنجبيل : ضرب من القرفة طيب الطعم يحذو اللسان و يربى بالعسل و يستدفع به المضار ، و إذا مزج به الشراب فاق في الإلذاذ و العرب تستطيب الزنجبيل جدا قال الشاعر:

مجمع البيان في تفسير القرآن، ج‏10، ص: 621

كان القرنفل و الزنجبيل  باتا بفيها واريا مشورا

 و السلسبيل : الشراب السهل اللذيذ يقال شراب سلسل و سلسال و سلسبيل .

و الولدان : الغلمان جمع وليد .

و السندس : الديباج الرقيق الفاخر الحسن .

و الإستبرق : الديباج الغليظ الذي له بريق.

 

الإعراب‏:

 {وَ إِذا رَأَيْتَ ثَمَّ} قال الزجاج العامل في ثم معنى رأيت و المعنى و إذا رأيت ببصرك ثم قال الفراء المعنى و إذا رأيت ما ثم ، و غلطه الزجاج في ذلك و قال إن ما تكون موصولة بقوله ثم على هذا التفسير و لا يجوز إسقاط الموصول و ترك الصلة و لكن رأيت يتعدى في المعنى إلى ثم.

و أقول : يجوز أن يكون مفعول رأيت محذوفا و يكون ثم ظرفا و التقدير و إذا رأيت ما ذكرناه ثم.

 

المعنى‏ :

ثم أخبر سبحانه : بما أعد للأبرار الموصوفين في الآيات الأولى من الجزاء فقال :

{فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ} أي كفاهم الله و منع منهم أهوال يوم القيامة و شدائده :

{وَ لَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَ سُرُوراً} أي استقبلهم بذلك .

{وَ جَزاهُمْ} أي و كافأهم .

{بِما صَبَرُوا} أي بصبرهم على طاعته و اجتناب معاصيه و تحمل محن الدنيا و شدائدها.

 {جَنَّةً} يسكنونها .

{وَحَرِيراً} من لباس الجنة يلبسونه و يفرشونه.

 {مُتَّكِئِينَ} أي جالسين جلوس الملوك {فِيها} أي في الجنة {عَلَى الْأَرائِكِ} أي الأسرة في الحجال عن ابن عباس و مجاهد و قتادة ، و قيل كلما يتكأ عليه فهو أريكة عن الزجاج ، و قيل الأرائك الفرش فوق الأسرة عن أبي مسلم.

 {لا يَرَوْنَ فِيها} أي في تلك الجنة {شَمْساً} يتأذون بحرها {وَ لا زَمْهَرِيراً} يتأذون ببرده {وَ دانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها} يعني أن أفياء أشجار تلك الجنة قريبة منهم ، و قيل إن ظلال الجنة لا تنسخها الشمس كما تنسخ ظلال الدنيا .

{وَ ذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا} أي و سخرت و سهل أخذ ثمارها تسخيرا إن قام ارتفعت بقدره و إن قعد نزلت عليه حتى ينالها و إن اضطجع تدلت حتى تنالها يده عن مجاهد ، و قيل معناه لا يرد أيديهم عنها بعد و لا شوك .

{وَ يُطافُ عَلَيْهِمْ} أي على هؤلاء الأبرار الموصوفين قبل {بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَ أَكْوابٍ} جمع كوب و هو إناء للشرب من غير عروة ، و قيل الأكواب الأقداح عن مجاهد {كانَتْ} تلك الأكواب {قَوارِيرَا} أي زجاجات {مِنْ فِضَّةٍ}.

قال الصادق عليه السلام : ينفذ البصر في فضة الجنة كما ينفذ في الزجاج‏.

مجمع البيان في تفسير القرآن، ج‏10، ص: 622

و المعنى : أن أصلها من فضة فاجتمع لها بياض الفضة و صفاء القوارير فيرى من خارجها ما في داخلها ، قال أبو علي إن سئل فقيل كيف تكون القوارير من فضة و إنما القوارير من الرمل دونها ، فالقول في ذلك أن الشي‏ء إذا قاربه شي‏ء و اشتدت ملابسته له قيل أنه من كذا و إن لم يكن منه في الحقيقة ، كقول البعيث:

ألا أصبحت خنساء خارمة الوصل

و ضنت علينا و الضنين من البخل‏

و صدت فأعدانا بهجر صدودها

و هن من الأخلاف قبلك و المطل‏

 و قال:

ألا في سبيل الله تغيير لمتي

و وجهك مما في القوارير أصفر

 فعلى هذا : يجوز قوارير من فضة أي هي في صفاء الفضة و نقائه ، و يجوز تقدير حذف المضاف أي من صفاء الفضة و قوارير الثانية بدل من الأولى و ليست بتكرار ، و قيل أن قوارير كل أرض من تربتها و أرض الجنة فضة فلذلك كانت قواريره مثل الفضة عن ابن عباس

.

{قَدَّرُوها تَقْدِيراً} أي قدروا الكأس على قدر ربهم لا يزيد و لا ينقص من الري و الضمير في قدروها للسقاة و الخدم الذين يسقون فإنهم يقدرونه ثم يسقون و،  قيل قدروها على قدر ملء الكف أي كانت الأكواب على قدر ما اشتهوا لم تعظم و لم يثقل الكف عن حملها عن الربيع و القرظي ، و قيل قدروها في أنفسهم قبل مجيئها على صفة فجاءت على ما قدروا و الضمير في قدروا للشاربين .

{وَ يُسْقَوْنَ فِيها} أي في الجنة {كَأْساً كانَ مِزاجُه زَنْجَبِيلًا} قال مقاتل لا يشبه زنجبيل الدنيا ، و قال ابن عباس كل ما ذكره الله في القرآن مما في الجنة و سماه ليس له مثل في الدنيا ، و لكن سماه الله بالاسم الذي يعرف ، و الزنجبيل مما كانت العرب تستطيبه فلذلك ذكره في القرآن و وعدهم أنهم يسقون في الجنة الكأس الممزوجة بزنجبيل الجنة .

{عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا} أي تمزج الخمر بالزنجبيل و الزنجبيل من عين تسمى تلك العين سلسبيلا قال ابن الأعرابي لم أسمع السلسبيل إل في القرآن ، و قال الزجاج هو صفة لما كان في غاية السلاسة يعني أنها سلسلة تتسلسل في الحلق ، و قيل سمي سلسبيلا لأنها تسيل عليهم في الطرق و في منازلهم تنبع من أصل العرش من جنة عدن إلى أهل الجنان عن أبي العالية و مقاتل ، و قيل سميت بذلك لأنها ينقاد ماؤها لهم يصرفونها حيث شاءوا عن قتادة .

{وَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ} مر تفسيره {إِذا رَأَيْتَهُمْ} يعني إذا رأيت أولئك الولدان {حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً} من الصفاء و حسن المنظر و الكثرة فذكر لونهم و كثرتهم .

مجمع البيان في تفسير القرآن، ج‏10، ص: 623

و قيل : إنما شبههم بالمنثور لانتثارهم في الخدمة فلو كانو صفا لشبهوا بالمنظوم .

{وَ إِذا رَأَيْتَ ثَمَّ} أي إذا رميت ببصرك ثم يعني الجنة ، و قيل أن تقديره و إذا رأيت الأشياء ثم {رَأَيْتَ نَعِيماً} خطيرا {وَ مُلْكاً كَبِيراً} لا يزول و لا يفنى عن الصادق عليه السلام .

و قيل  : كبيرا أي واسعا يعني أن نعيم الجنة لا يوصف كثرة و إنما يوصف بعضها ، و قيل الملك الكبير استئذان الملائكة عليهم و تحيتهم بالسلام ، و قيل هو أنهم لا يريدون شيئا إلا قدروا عليه ، و قيل هو أن أدناهم منزلة ينظر في ملكه من مسيرة ألف عام يرى أقصاه كما يرى أدناه ، و قيل هو الملك الدائم الأبدي في نفاذ الأمر و حصول الأماني .

{عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ} من جعله ظرفا فهو بمنزلة قولك فوقهم ثياب سندس و من جعله حالا فهو بمنزلة قولك يعلوهم ثياب سندس و هو ما رق من الثياب فيلبسونها و روي عن الصادق عليه السلام أنه قال : في معناه تعلوهم الثياب فيلبسونها .

 {خُضْرٌ وَ إِسْتَبْرَقٌ} و هو ما غلظ منها و لا يراد به الغلظ في السلك إنما يراد به الثخانة في النسج ، قال ابن عباس أ ما رأيت الرجل عليه ثياب و الذي يعلوها أفضلها .

 {وَ حُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ} الفضة الشفافة و هي التي يرى ما وراءها كما يرى من البلورة و هو أفضل من الدر و الياقوت ، و هما أفضل من الذهب و الفضة ، فتلك الفضة أفضل من الذهب و الفضة في الدنيا و هما أثمان الأشياء / و قيل أنهم يحلون بالذهب تارة و بالفضة أخرى ليجمعوا محاسن الحلية ،  كما قال الله تعالى : يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ ، و الفضة و إن كانت دنية الثمن في الدنيا فهي في غاية الحسن خاصة إذا كانت بالصفة التي ذكرناه .

و الغرض : في الآخرة ما يكثر الاستلذاذ و السرور به لا م يكثر ثمنه لأنه ليست هناك أثمان .

{وَ سَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً} أي طاهرا من الأقذار و الأقذاء لم تدنسها الأيدي و لم تدسها الأرجل كخمر الدنيا ، و قيل طهورا لا يصير بولا نجسا و لكن يصير رشحا في أبدانهم كريح المسك و إن الرجل من أهل الجنة يقسم له شهوة مائة رجل من أهل الدنيا و أكلهم و نهمتهم فإذا أكل ما شاء سقي شرابا طهور فيطهر بطنه و يصير ما أكل رشحا يخرج من جلده أطيب ريحا من المسك الأذفر و يضمر بطنه و تعود شهوته عن إبراهيم التميمي و أبي قلابة ، وقيل : يطهرهم عن كل شي‏ء سوى الله إذ لا طاهر من تدنس بشيء من الأكوان إلا الله رووه عن جعفر بن محمد عليه السلام .

 {إِنَّ هذا} يعني ما وصف من النعيم و أنواع الملاذ {كانَ لَكُمْ جَزاءً} أي مكافاة على أعمالكم الحسنة و طاعتكم المبرورة {وَ كانَ سَعْيُكُمْ} في مرضاة الله و قيامكم بما أمركم الله به {مَشْكُوراً} أي مقبولا مرضيا جوزيتم عليه فكأنه شكر لكم فعلكم.

مجمع البيان في تفسير القرآن، ج‏10، ص: 624

 

تفسير العشرة الثالثة :

[سورة الإنسان (76): الآيات 23 الى 31]

{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَ لا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (24) وَ اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَ أَصِيلاً (25) وَ مِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَ سَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً (26) إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَ يَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً (27)

نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَ شَدَدْنا أَسْرَهُمْ وَ إِذا شِئْنا بَدَّلْن أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً (28) إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى‏ رَبِّهِ سَبِيلاً (29) وَ ما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَ الظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (31) } .

 

القراءة :

قرأ ابن كثير و أبو عمرو و ابن عامر و ما يشاءون بالياء و الباقون بالتاء ، و في الشواذ قراءة عبد الله بن الزبير و أبان بن عثمان و الظالمون بالواو.

 

الحجة :

وجه الياء : قوله تعالى {فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ} و وجه التاء أنه خطاب للكافة أي و ما تشاءون الطاعة و الاستقامة إلا أن يشاء الله أو يكون محمول على الخطاب ، و أما قوله و الظالمون فإنه على ارتجال جملة مستأنفة، قال ابن جني كأنه قال الظالمون أعد لهم عذابا أليما ثم أنه عطف الجملة على ما قبلها و قد سبق الرفع إلى مبتدئها غير أن قراءة الجماعة أسبق و هو النصب لأن معناه و يعذب الظالمين فلما أضمر هذا الفعل فسره بقوله {أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً} و هذ أكثر من أن يؤتى له بشاهد قال الزجاج يقول النحويون أعطيت زيدا و عمرا أعددت له برا فيختارون النصب على معنى و بررت عمرا أعددت له برا و أنشد غيره:

أصبحت لا أحمل السلاح و لا

أملك رأس البعير إن نفرا

و الذئب أخشاه إن مررت به

وحدي و أخشى الرياح و المطرا.

 

اللغة :

الأسر : أصله الشد و منه قتب مأسور أي مشدود و منه الأسير لأنهم كانوا يشدونه بالقدر ، قولهم خذ بأسره أي بشدة قبل أن يحل ثم كثر حتى صار بمعنى خذ جميعه قال الأخطل:

 من كل مجتنب شديد أسره

سلس القياد تخاله مختالا.

مجمع البيان في تفسير القرآن، ج‏10، ص: 625

 

الإعراب‏ :

قال الزجاج في قوله {وَ لا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً} أو هنا أوكد من الواو لأنك إذا قلت لا تطع زيدا و عمرا فأطاع أحدهما كان غير عاص لأنك أمرته أن لا يطيع الاثنين ، و إذا قلت لا تطع منهم آثما أو كفورا فأو قد دلت على أن كل واحد منهما أهل أن يعصي و أنهما أهل أن يعصيا  ،كما أنك إذا قلت جالس الحسن أو ابن سيرين فقد قلت كل واحد منهما أهل أن يجالس ، قال البصير النحوي أو هذه التي للتخيير إذا قلت اضرب زيدا أو عمرا فمعناه اضرب أحدهما ، فإذا قلت ل تضرب زيدا أو عمرا فمعناه لا تضرب أحدهما فيحرم عليه ضربهما لأن أحدهما في النفي يعمم ، و ابن كيسان يحمل النهي على الأمر فيقول إذا قال لا تضرب أحدهما لم يحرم عليه ضربهما و إنما حرم في الآية طاعتهما لأن أحدهما بمنزلة الآخر في امتناع الطاعة له أ لا ترى أن الآثم مثل الكفور في هذا المعنى ، قال سيبويه و لو قال لا تطع آثم و لا تطع كفورا لانقلب المعنى إذ ذاك لأنه حينئذ لا تحرم طاعتهما كليهما.

 

المعنى‏ :

ثم أخبر سبحانه عن نفسه فقال {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا} فيه شرف و تعظيم لك ، و قيل معناه فصلناه في الإنزال آية بعد آية و لم ننزله جملة واحدة عن ابن عباس.

 {فَاصْبِرْ} يا محمد على ما أمرتك به من تحمل أعباء الرسالة {لِحُكْمِ رَبِّكَ} أن تبلغ الكتاب و تعمل به و قيل أنه أمر لنبينا  بالصبر و إن كذب فيما أتى به و وعيد لمن كذبه .

{وَ لا تُطِعْ مِنْهُمْ} أي من مشركي مكة {آثِماً} يعني عتبة بن ربيعة {أَوْ كَفُوراً} يعني الوليد بن المغيرة فإنهما قال له ارجع عن هذا الأمر و نحن نرضيك بالمال و التزويج عن مقاتل ، و قيل الكفور أبو جهل نهى النبي  عن الصلاة و قال لئن رأيت محمدا يصلي لأطأن عنقه فنزلت الآية عن قتادة ، و قيل إن ذلك عام في كل عاص فاسق و كافر منهم أي من الناس أي لا تطع من يدعوك إلى إثم أو كفر و هذا أولى لزيادة الفائدة و عدم التكرير .

{وَ اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَ أَصِيلًا} أي أقبل على شأنك من ذكر الله و الدعاء إليه و تبليغ الرسالة صباحا و مساء أي دائما فإن الله ناصرك و مؤيدك و معينك .

و البكرة : أول النهار .

و الأصيل : العشي و هو أصل الليل .

{وَ مِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ} دخلت من للتبعيض و المعنى فاسجد له في بعض الليل لأنه لم يأمره بقيام الليل كله ، و قيل فاسجد له يعني صلاة المغرب و العشاء .

مجمع البيان في تفسير القرآن، ج‏10، ص: 626

{وَ سَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا} أي‏ في ليل طويل يريد التطوع بعد المكتوبة وروي عن الرضا عليه السلام : أنه سأله أحمد بن محمد عن هذه الآية ، و قال ما ذلك التسبيح ؟

قال : صلاة الليل‏ .

 {إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ} أي يؤثرون اللذات و المنافع العاجلة في دار الدنيا .

{وَ يَذَرُونَ وَراءَهُمْ} أي و يتركون أمامهم {يَوْماً ثَقِيلًا} أي عسيرا شديدا و المعنى أنهم لا يؤمنون به و لا يعملون له ، و قيل معنى وراءهم خلف ظهورهم و كلاهما محتمل ثم قال سبحانه.

{نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَ شَدَدْنا أَسْرَهُمْ} أي قوينا و أحكمنا خلقهم عن قتادة و مجاهد ، و قيل أسرهم أي مفاصلهم عن الربيع ، و قيل أوصالهم بعضها إلى بعض بالعروق و العصب عن الحسن ، و لو لا إحكامه إياها على هذا الترتيب لما أمكن العمل بها و الانتفاع منها ، و قيل شددنا أسرهم جعلناهم أقوياء عن الجبائي ، و قيل معناه كلفناهم و شددناهم بالأمر و النهي كيلا يجاوزوا حدود الله كما يشد الأسير بالقد لئلا يهرب .

{وَ إِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلًا} أي أهلكناهم و أتينا بأشباههم فجعلناهم بدلا منهم و لكن نبقيهم إتماما للحجة .

 {إِنَّ هذِهِ} السورة {تَذْكِرَةٌ} أي تذكير و عظة يتذكر بها أمر الآخرة عن قتادة ، و قيل أن هذه الرسالة التي تبلغها .

{فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى‏ رَبِّهِ سَبِيلًا} أي فمن أراد اتخذ إلى رضا ربه طريقا بأن يعمل بطاعته و ينتهي عن معصيته و في هذا دلالة على أن الاستطاعة قبل الفعل .

{وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ} أي و ما تشاءون اتخاذ الطريق إلى مرضاة الله اختيارا إلا أن يشاء الله إجباركم عليه و إلجاءكم إليه فحينئذ تشاءون و لا ينفعكم ذلك و التكليف زائل و لم يشأ الله هذه المشيئة ، بل شاء أن تختاروا الإيمان لتستحقوا الثواب عن أبي مسلم ، و قيل معناه و ما تشاءون شيئا من العمل بطاعته إلا و الله يشاءه  و يريده و ليس المراد بالآية أنه سبحانه يشاء كل ما يشاء العبد من المعاصي و المباحات و غيرها لأن الدلائل الواضحة .

قد دلت على أنه سبحانه : لا يجوز أن يريد القبائح و يتعالى عن ذلك و قد قال سبحانه وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَ مَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ {إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً} مر معناه {يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ} أي جنته يعني المؤمنين {وَ الظَّالِمِينَ} يعني و يجزي الكافرين و المشركين {أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً}.

مجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسي الفضل بن الحسن رحمه الله ج10ص609_627 .


الميزان في تفسير القرآن

ج‏20 ص 119

يا طيب : هذا تفسير كريم وفيه بيان تفسير القرآن بالقرآن ، فضلا عن كونه اجتماعي علمي روائي ، وفيه كثير من المعارف لم توجد في التفاسير السابقة ، وفيه معاني كريمة يعز تحصيل مثلها في غيره ، ويحسن التدبر فيه لمعرفة حقائق عن سورة هل أتى تزيد المؤمن إيمانا ، وتكبت المعاند وتدمغ خطله عن الحق ، وهو للعلامة الكبير السيد محمد حسين الطباطبائي رحمه الله.

 ويا طيب : سوف نضع قبل كل بيان لنا عليه بين قوسين ونقدمه بكلمة يا طيب ، كما أن العناوين هي مما انتزعناها من كلامه وليس من أصل التفسير ، بل نريد بها التوضيح وبيان فواصل المطالب وتفسير الآيات فيه ، ووفقنا الله جميع لمراضيه .

 

 (76) سورة الدهر مدنية و هي إحدى و ثلاثون آية (31)

[سورة الإنسان (76): الآيات 1 الى 22]

تفسير أثنان وعشرون آية :

{ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

هَلْ أَتى‏ عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً (2) إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً (3) إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَ أَغْلالاً وَ سَعِيراً (4)

إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (5) عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7) وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى‏ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً (8) إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً (9)

إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10) فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَ لَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَ سُرُوراً (11) وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَرِيراً (12) مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَ لا زَمْهَرِيراً (13) وَ دانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَ ذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً (14)

وَ يُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَ أَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا (15) قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً (16) وَ يُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً (17) عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً (18) وَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً (19)

وَ إِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَ مُلْكاً كَبِيراً (20) عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَ إِسْتَبْرَقٌ وَ حُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَ سَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً (21) إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (22) }

الميزان في تفسير القرآن ج20ص120

 

بيان‏ :

تذكر السورة خلق الإنسان : بعد ما لم يكن شيئا مذكورا ، ثم هدايته السبيل إما شاكرا و إما كفورا ، و أن الله اعتد للكافرين أنواع العذاب ، و للأبرار ألوان النعم ، و قد فصل القول في وصف نعيمهم في ثمان عشرة آية ، و هو الدليل على أنه المقصود بالبيان .

ثم تذكر مخاطبا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم : أن القرآن تنزيل منه تعالى عليه و تذكرة فليصبر لحكم ربه و لا يتبع الناس في أهوائهم و ليذكر اسم ربه بكرة و عشيا و ليسجد له من الليل و ليسبحه ليلا طويلا.

و السورة مدنية بتمامها أو صدرها : و هي اثنتان و عشرون آية من أولها مدني، و ذيلها ، و هي تسع آيات من آخرها مكي .

و قد أطبقت : روايات أهل البيت عليهم السلام على كونها مدنية، و استفاضت بذلك روايات أهل السنة .

و قيل : بكونها مكية بتمامها، و سيوافيك تفصيل القول في ذلك في البحث الروائي التالي إن شاء الله تعالى.

 

الآية الأولى هل أتى على الإنسان:

قوله تعالى: {هَلْ أَتى‏ عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً} الاستفهام للتقرير فيفيد ثبوت معنى الجملة و تحققه ، أي قد أتى على الإنسان {إلخ (أي إلى آخره )} ، و لعل هذا مراد من قال من قدماء المفسرين: إن {هَلْ} في الآية بمعنى قد، لا على أن ذلك أحد معاني {هل} كما ذكره بعضهم.

و المراد بالإنسان الجنس. و أما قول بعضهم: إن المراد به آدم عليه السلام فلا يلائمه قوله في الآية التالية: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ}.

و الحين : قطعة من الزمان محدودة قصيرة كانت أو طويلة، و الدهر : الزمان الممتد من دون تحديد ببداية أو نهاية .

و قوله: {شَيْئاً مَذْكُوراً} أي شيئا يذكر باسمه في المذكورات ، أي كان يذكر مثلا الأرض و السماء و البر و البحر و غير ذلك و لا يذكر الإنسان لأنه لم يوجد بعد حتى وجد .

الميزان في تفسير القرآن ج20ص121

فقيل: الإنسان فكونه مذكورا كناية عن كونه موجودا بالفعل فالنفي في قوله: {لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً} متوجه إلى كونه شيئا مذكور ، لا إلى أصل كونه شيئا ، فقد كان شيئا و لم يكن شيئا مذكورا ، و يؤيده قوله: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ} إلخ فقد كان موجودا بمادته و لم يتكون بعد إنسانا بالفعل .

و الآية و ما يتلوها من الآيات : واقعة في سياق الاحتجاج ، يبين بها أن الإنسان حادث يحتاج في وجوده إلى صانع يصنعه و خالق يخلقه، و قد خلقه ربه و جهزه التدبير الربوبي بأدوات الشعور من السمع و البصر يهتدي بها إلى السبيل الحق الذي من الواجب أن يسلكه مدى حياته ، فإن كفر فمصيره إلى عذاب أليم ، و إن شكر فإلى نعيم مقيم.

و المعنى : هل أتى- قد أتى- على الإنسان قطعة محدودة من هذ الزمان الممتد غير المحدود ، و الحال أنه لم يكن موجودا بالفعل مذكورا في عداد المذكورات.

 

الآية الثانية إنا خلقنا الإنسان :

قوله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً} .

النطفة : في الأصل بمعنى الماء القليل، غلب استعماله في ماء الذكور من الحيوان الذي يتكون منه مثله.

 و أمشاج : جمع مشيج أو المشج بفتحتين أو بفتح فكسر بمعنى المختلط الممتزج، و وصفت بها النطفة باعتبار أجزائها المختلفة أو اختلاط ماء الذكور و الإناث.

و الابتلاء : نقل الشيء من حال إلى حال و من طور إلى طور كابتلاء الذهب في البوتقة، و ابتلاؤه تعالى الإنسان في خلقه من النطفة هو ما ذكره في مواضع من كلامه أنه يخلق النطفة فيجعلها علقة و العلقة مضغة إلى آخر الأطوار التي تتعاقبه حتى ينشئه خلقا آخر.

و قيل: المراد بابتلائه امتحانه بالتكليف، و يدفعه تفريع قوله: {فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً} على الابتلاء و لو كان المراد به التكليف كان من الواجب تفريعه على جعله سميعا بصيرا لا بالعكس، و الجواب عنه بأن في الكلام تقديما و تأخيرا ، و التقدير إنا خلقناه من نطفة أمشاج فجعلناه سميعا بصيرا لنبتليه، لا يصغي إليه.

و قوله: {فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً} سياق الآيات و خاصة قوله: {إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ} إلخ يفيد أن ذكر جعله سميعا بصير للتوسل به في التدبير الربوبي إلى غايته ، و هي أن يرى آيات الله الدالة على المبد و المعاد ، و يسمع كلمة الحق التي تأتيه من جانب ربه بإرسال الرسل و إنزال الكتب ، فيدعوه البصر و السمع إلى سلوك سبيل الحق و السير في مسير الحياة بالإيمان و العمل الصالح ، فإن لزم السبيل الذي هدي إليه أداه إلى نعيم الأبد ، و إلا فإلى عذاب مخلد.

و ذكر الإنسان : في الآية من وضع الظاهر موضع الضمير ، و النكتة فيه تسجيل أنه تعالى هو خالقه و مدبر أمره.

و المعنى: إنا خلقنا الإنسان من نطفة هي أجزاء مختلطة ممتزجة ، و الحال أنا ننقله من حال إلى حال و من طور إلى طور ، فجعلناه سميعا بصيرا ليسمع ما يأتيه من الدعوة الإلهية، و يبصر الآيات الإلهية الدالة على وحدانيته تعالى و النبوة و المعاد.

 

الثالثة : هديناه السبيل :

قوله تعالى: {إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً} الهداية بمعنى إراءة الطريق دون الإيصال إلى المطلوب ، و المراد بالسبيل السبيل بحقيقة معنى الكلمة ، و هو المؤدي إلى الغاية المطلوبة و هو سبيل الحق.

و الشكر : استعمال النعمة بإظهار كونها من منعمها و قد تقدم في تفسير قوله تعالى: {وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}: آل عمران 144 ، إن حقيقة كون العبد شاكرا لله كونه مخلصا لربه، و الكفران استعمالها مع ستر كونها من المنعم.

و قوله: {إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً} حالان من ضمير {هَدَيْناهُ} لا من {السَّبِيلَ} كما قاله بعضهم، و {إِمَّا} يفيد التقسيم و التنويع أي إنا هديناه السبيل حال كونه منقسما إلى الشاكر و الكفور أي أنه مهدي سواء كان كذا أو كذلك.

و التعبير بقوله: {إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً}

 هو الدليل أولا: على أن المراد بالسبيل السنة و الطريقة التي يجب على الإنسان أن يسلكها في حياته الدنيا لتوصله إلى سعادته في الدنيا و الآخرة و تسوقه إلى كرامة القرب و الزلفى من ربه ، و محصله الدين الحق و هو عند الله الإسلام.

و به يظهر : أن تفسير بعضهم السبيل بسبيل الخروج من الرحم غير سديد.

و ثانيا: أن السبيل المهدي إليه سبيل اختياري و أن الشكر و الكفر اللذين يترتبان على الهداية المذكورة واقعان في مستقر الاختيار للإنسان أن يتلبس بأيهما شاء من غير إكراه و إجبار كما قال تعالى: {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ}: عبس 20، و ما في آخر السورة من قوله تعالى: {فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى‏ رَبِّهِ سَبِيلًا وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ} إنما يفيد تعلق مشيته تعالى بمشية العبد ، لا بفعل العبد الذي تعلقت به مشية العبد حتى يفيد نفي تأثير مشية العبد المتعلقة بفعله، و قد تقدمت الإشارة إلى هذا المعنى في هذا الكتاب مرارا.

و الهداية : التي هي نوع إيذان و إعلام منه تعالى للإنسان .

 هداية فطرية : هي تنبيه بسبب نوع خلقته و ما جهز به وجوده بإلهام من الله سبحانه على حق الاعتقاد و صالح العمل ، قال تعالى: {وَ نَفْسٍ وَ ما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها}: الشمس 8 ، وأوسع مدلول منه قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} الروم 30.

و هداية قولية : من طريق الدعوة يبعث الأنبياء و إرسال الرسل و إنزال الكتب و تشريع الشرائع الإلهية، و لم يزل التدبير الربوبي تدعم الحياة الإنسانية بالدعوة الدينية القائم بها أنبياؤه و رسله، و يؤيد بذلك دعوة الفطرة :

كما قال: {إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى‏ نُوحٍ وَ النَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ- إلى أن قال- رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}: النساء: 165.

و من الفرق بين الهدايتين : أن الهداية الفطرية عامة بالغة لا يستثني منها إنسان لأنها لازم الخلقة الإنسانية ، و هي في الأفراد بالسوية ، غير أنها ربما تضعف أو يلغو أثرها لعوامل و أسباب تشغل الإنسان و تصرفه عن التوجه إلى ما يدعو إليه عقله و يهديه إليه فطرته ، أو ملكات و أحوال رديئة سيئة تمنعه عن إجابة نداء الفطرة كالعناد و اللجاج و ما يشبه ذلك ، قال تعالى: {أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى‏ عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلى‏ سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلى‏ بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ}: الجاثية: 23.

 و الهداية المنفية في الآية : بمعنى الإيصال إلى المطلوب دون إراءة الطريق بدليل قوله: {وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى‏ عِلْمٍ}.

و أما الهداية القولية : و هي التي تتضمنها الدعوة الدينية ، فإن من شأنها أن تبلغ المجتمع فتكون في معرض من عقول الجماعة ، فيرجع إليها من آثر الحق على الباطل ، و أما بلوغها لكل واحد واحد منهم فإن العلل و الأسباب التي يتوسل بها إلى بيان أمثال هذه المقاصد ربما لا تساعد على ذلك على ما في الظروف و الأزمنة و البيئات من الاختلاف ، و كيف يمكن لإنسان أن يدعو كل إنسان إلى م يريد بنفسه أو بوسائط من نوعه؟ فمن المتعذر ذلك جدا.

و إلى المعنى الأول : أشار تعالى بقوله: {وَ إِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ}: فاطر: 24.

 و إلى الثاني بقوله: {لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ}: يس: 6.

فمن بلغته الدعوة : و انكشف له الحق فقد تمت عليه الحجة ، و من لم تبلغه الدعوة بلوغا ينكشف به له الحق ، فقد أدركه الفضل الإلهي بعده مستضعف أمره إلى الله إن يشأ يغفر له

الميزان في تفسير القرآن ج20ص124

و إن يشأ يعذبه قال تعالى: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَ لا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا}: النساء: 98.

ثم من الدليل على أن الدعوة الإلهية : و هي الهداية إلى السبيل ، حق يجب على الإنسان أن يتبعها فطرة الإنسان و خلقته المجهزة بما يهدي إليها من الاعتقاد و العمل، و وقوع الدعوة خارجا من طريق النبوة و الرسالة ، فإن سعادة كل موجود و كماله في الآثار و الأعمال التي تناسب ذاته و تلائمها بما جهزت به من القوى و الأدوات ، فسعادة الإنسان و كماله في اتباع الدين الإلهي الذي هو سنة الحياة الفطرية ، و قد حكم به العقل و جاءت به الأنبياء و الرسل عليهم السلام.

 

الرابعة : إنا أعتدنا للكافرين :

قوله تعالى: {إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَ أَغْلالً وَ سَعِيراً}

 الاعتاد : التهيئة، و سلاسل : جمع سلسلة و هي القيد الذي يقاد به المجرم، و أغلال : جمع غل بالضم قيل هي القيد الذي يجمع اليدين على العنق، و قال الراغب: فالغل مختص بما يقيد به فيجعل الأعضاء وسطه. انتهى. و السعير النار المشتعلة، و المعنى ظاهر.

و الآية : تشير إلى تبعة الإنسان الكفور المذكور في قوله: {إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً} و قدم بيان تبعته على بيان جزاء الإنسان الشاكر لاختصار الكلام فيه.

 

الخامسة : إن الأبرار يشربون :

قوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً} ا

لكأس : إناء الشراب إذا كان فيه شراب، و المزاج : م يمزج به كالحزام لما يحزم به، و الكافور معروف يضرب به المثل في البرودة و طيب الرائحة، و قيل: هو اسم عين في الجنة.

و الأبرار : جمع بر بفتح الباء صفة مشبهة من البر و هو الإحسان ، و يتحصل معناه : في أن يحسن الإنسان في عمله من غير أن يريد به نفعا يرجع إليه من جزاء أو شكور ، فهو يريد الخير لأنه خير لا لأن فيه نفعا يرجع إلى نفسه و إن كرهت نفسه ذلك ، فيصبر على مر مخالفة نفسه فيما يريده و يعمل العمل لأنه خير في نفسه كالوفاء بالنذر ، أو لأن فيه خيرا لغيره كإطعام الطعام للمستحقين من عباد الله.

و إذ لا خير : في عمل و لا صلاح إلا بالإيمان بالله و رسوله و اليوم الآخر كما قال تعالى: {أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ}: الأحزاب: 19 إلى غير ذلك من الآيات.

فالأبرار : مؤمنون بالله و رسوله و اليوم الآخر، و إذ كان إيمانهم إيمان رشد و بصيرة ، فهم يرون أنفسهم عبيدا مملوكين لربهم، له خلقهم و أمرهم، لا يملكون لأنفسهم نفعا و لا ضرا

الميزان في تفسير القرآن ج20ص125

عليهم أن لا يريدوا إلا ما أراده ربهم و لا يفعلوا إلا ما يرتضيه ، فقدموا إرادته على إرادة أنفسهم و عملوا له ، فصبروا على مخالفة أنفسهم فيم تهواه و تحبه و كلفة الطاعة، و عملوا ما عملوه لوجه الله، فأخلصوا العبودية في مرحلة العمل لله سبحانه.

و هذه الصفات : هي التي عرف سبحانه الأبرار بها كما يستفاد من قوله: {يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ} و قوله: {إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} و قوله: {وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا} و هي المستفادة من قوله في صفتهم: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} الخ: البقرة: 177 و قد مر بعض الكلام في معنى البر في تفسير الآية و سيأتي بعضه في قوله: {كَلَّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ}: المطففين: 18.

و الآية أعني قوله: {إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ} إلخ بم يتبادر من معناها من حيث مقابلتها لقوله: {إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ} إلخ المبين لحال الكافرين في الآخرة، تبين حال الأبرار في الآخرة في الجنة، و أنهم يشربون من شراب ممزوج بالكافور باردا طيب الرائحة.

 

السادسة : عينا يشرب بها :

قوله تعالى. {عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَه تَفْجِيراً} {عَيْناً} منصوب بنزع الخافض ، و التقدير من عين أو بالاختصاص و التقدير أخص عينا، و الشرب :على ما قيل يتعدى بنفسه و بالباء فشرب به و شربها واحد.

 و التعبير عنهم بعباد الله : للإشارة إلى تحليهم بحلية العبودية و قيامهم بلوازمها على ما يفيده سياق المدح.

و تفجير العين : شق الأرض لإجرائها، و ينبغي أن يحمل تفجيرهم العين على إرادتهم جريانها ، لأن نعم الجنة لا تحتاج في تحققها و التنعم بها إلى أزيد من مشية أهلها ، قال تعالى: {لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها} ق35.

و الآيتان : كما تقدمت الإشارة إليه ، تصفان تنعم الأبرار بشراب الجنة في الآخرة، و بذلك فسرت الآيتان.

و لا يبعد : أن تكون الآيتان مسوقتين على مسلك تجسم الأعمال تصفان حقيقة عملهم الصالح من الإيفاء بالنذر و إطعام الطعام لوجه الله، و أن أعمالهم المذكورة بحسب باطنها شرب من كأس مزاجها كافور من عين لا يزالون يفجرونها بأعمالهم الصالحة و ستظهر لهم بحقيقتها في جنة الخلد ، و إن كانت في الدنيا في صورة الأعمال ، فتكون الآيتان في مجرى أمثال قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ}: يس: 8.

الميزان في تفسير القرآن ج20ص126

و يؤيد ذلك : ظاهر قوله {يَشْرَبُونَ} و {يَشْرَبُ بِها} و لم يقل: سيشربون و سيشرب بها، و وقوع قوله: يشربون و يوفون و يخافون و يطعمون متعاقبة في سياق واحد، و ذكر التفجير في قوله: {يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً} الظاهر في استخراج العين و إجرائها بالتوسل بالأسباب.

و لهم : في مفردات الآيتين و إعرابها أقاويل كثيرة مختلفة مذكورة في المطولات فليراجعها من أراد الوقوف عليها.

 

السابعة: يوفون بالنذر :

قوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} .

 المستطير : اسم فاعل من استطار إذا فشا و انتشر في الأقطار غاية الانتشار ، و هو أبلغ من طار كما قيل: يقال: استطار الحريق و استطار الفجر إذا اتسعا غايته، و المراد باستطارة شر اليوم و هو يوم القيامة بلوغ شدائده و أهواله و ما فيه من العذاب غايته.

و المراد بالإيفاء بالنذر : ما هو ظاهره المعروف من معناه، و قول القائل: إن المراد به ما عقدوا عليه قلوبهم من العمل بالواجبات أو ما عقدوا عليه القلوب من اتباع الشارع في جميع ما شرعه خلاف ظاهر اللفظ من غير دليل يدل عليه.

 

الثامنة : يطعمون الطعام على حبه :

قوله تعالى: {وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى‏ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً} .

ضمير {عَلى‏ حُبِّهِ} : للطعام على ما هو الظاهر، و المراد بحبه توقان النفس إليه لشدة الحاجة ، و يؤيد هذا المعنى قوله تعالى: {لَنْ تَنالُو الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} آل عمران 92.

و قيل: الضمير لله سبحانه أي يطعمون الطعام حبا لله لا طمع في الثواب، و يدفعه أن قوله تعالى حكاية منهم: {إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} يغني عنه.

و يليه في الضعف ما قيل: إن الضمير للإطعام المفهوم من قوله: {وَ يُطْعِمُونَ} وجه الضعف أنه إن أريد بحب الإطعام حقيقة معناه فليس في حب الإطعام في نفسه فضل حتى يمدحوا به، و إن أريد به كون الإطعام بطيب النفس و عدم التكلف فهو خلاف الظاهر، و رجوع الضمير إلى الطعام هو الظاهر.

و المراد بالمسكين و اليتيم : معلوم .

و المراد بالأسير ما هو الظاهر منه و هو المأخوذ من أهل دار الحرب.

و قول بعضهم: إن المراد به أسارى بدر أو الأسير من أهل القبلة في دار الحرب‏ بأيدي الكفار أو المحبوس أو المملوك من العبيد أو الزوجة كل ذلك تكلف من غير دليل يدل عليه.

و الذي يجب : أن يتنبه له أن سياق هذه الآيات سياق الاقتصاص تذكر قوما من المؤمنين تسميهم الأبرار ، و تكشف عن بعض أعمالهم و هو الإيفاء بالنذر و إطعام مسكين و يتيم و أسير ، و تمدحهم و تعدهم الوعد الجميل.

فما تشير إليه من القصة : سبب النزول، و ليس سياقها سياق فرض موضوع و ذكر آثارها الجميلة، ثم الوعد الجميل عليها، ثم إن عد الأسير فيمن أطعمه هؤلاء الأبرار ، نعم الشاهد على كون الآيات مدنية فإن الأسر إنما كان بعد هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، و ظهور الإسلام على الكفر و الشرك لا قبلها.

 

التاسعة : إنما نطعمكم لوجه الله :

قوله تعالى: {إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً} .

وجه الشيء : هو ما يستقبل به غيره، و وجهه تعالى صفاته الفعلية الكريمة التي يفيض بها الخير على خلقه من الخلق و التدبير و الرزق .

و بالجملة : الرحمة العامة ، التي بها قيام كل شيء ، و معنى كون العمل لوجه الله على هذا كون الغاية في العمل هي الاستفاضة من رحمة الله و طلب مرضاته بالاقتصار على ذلك و الإعراض عما عند غيره من الجزاء المطلوب، و لذ ذيلوا قولهم:

 {إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} بقولهم {لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً}.

و وراء ذلك صفاته الذاتية الكريمة : التي هي المبدأ لصفاته الفعلية و لما يترتب عليها من الخير في العالم ، و مرجع كون العمل لوجه الله على هذا هو الإتيان بالعمل حبا لله لأنه الجميل على الإطلاق، و إن شئت فقل: عبادته تعالى لأنه أهل للعبادة.

و ابتغاء وجه الله : بجعله غاية داعية في الأعمال مذكور في مواضع من كلامه تعالى كقوله: {وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}: الكهف: 28، و قوله: {وَ ما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ}: البقرة: 272، و في هذا المعنى قوله:

 {وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}: البينة: 5، و قوله: {فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}: المؤمن: 65، و قوله: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ}: الزمر: 3.

و قوله: {لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً}

الجزاء : مقابلة العمل بما يعادله ، إن خيرا فخيرا ، و إن شرا فشرا، و يعم الفعل و القول لكن المراد به في الآية بقرينة مقابلته الشكور مقابلة إطعامهم عملا لا لسانا.

و الشكر : و الشكور ذكر النعمة و إظهارها قلبا أو لسانا أو عملا، و المراد به في الآية و قد قوبل بالجزاء الثناء الجميل لسانا.

و الآية أعني قوله: {إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} إلخ خطاب منهم لمن أطعموه من المسكين و اليتيم و الأسير ، إما بلسان المقال فهي حكاية قولهم ، أو بتقدير القول و كيف كان فقد أرادوا به تطييب قلوبهم أن يأمنوا المن و الأذى، و إما بلسان الحال و هو ثناء من الله عليهم لم يعلم من الإخلاص في قلوبهم.

 

العاشرة إنا نخاف من ربنا وما بعدها:

قوله تعالى: {إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً} عد اليوم و هو يوم القيامة عبوسا من الاستعارة، و المراد بعبوسه ظهوره على المجرمين بكمال شدته، و القمطرير الصعب الشديد على ما قيل.

و الآية في مقام التعليل لقولهم المحكي: {إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} إلخ ينبهون بقولهم هذا أن قصرهم العمل في ابتغاء وجه الله تعالى إخلاصا للعبودية لمخافتهم ذاك اليوم الشديد، و لم يكتفوا بنسبة المخافة إلى اليوم حتى نسبوه نحوا من النسبة إلى ربهم ، فقالوا: {نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً} إلخ لأنهم لما لم يريدوا إلا وجه ربهم فهم لا يخافون غيره كما لا يرجون غيره ، و إنما يخافون و يرجون ربهم فلا يخافون يوم القيامة إلا لأنه من ربهم يحاسب فيه عباده على أعمالهم فيجزيهم بها.

و أما قوله قبلا: {وَ يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} حيث نسب خوفهم إلى اليوم فإن الواصف فيه هو الله سبحانه و قد نسب اليوم بشدائده إلى نفسه قبلا حيث قال:

 {إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ} إلخ.

و بالجملة : ما ذكروه من الخوف مخافة في مقام العمل لما يحاسب العبد على عمله ، فالعبودية لازمة للإنسان لا تفارقه و إن بلغ ما بلغ قال تعالى: {إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ}: الغاشية: 26.

قوله تعالى: {فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَ لَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَ سُرُوراً} الوقاية الحفظ و المنع من الأذى و لقي بكذا يلقيه أي استقبله به و النضرة البهجة و حسن اللون و السرور مقابل المساءة و الحزن.

و المعنى: فحفظهم الله و منع عنهم شر ذلك اليوم و استقبلهم بالنضرة و السرور، فهم ناضرة الوجوه مسرورون يومئذ كما قال: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ}: القيامة: 22.

الميزان في تفسير القرآن ج20ص129

قوله تعالى: {وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَرِيراً} المراد بالصبر صبرهم عند المصيبة و على الطاعة و عن المعصية فإنهم ابتغوا في الدني وجه ربهم و قدموا إرادته على إرادتهم فصبروا على ما قضى به فيهم و أراده من المحن و مصائب الدنيا في حقهم، و صبروا على امتثال ما أمرهم به و صبروا على ترك ما نهاهم عنه و إن كان مخالفا لأهواء أنفسهم فبدل الله ما لقوه من المشقة و الكلفة نعمة و راحة.

قوله تعالى: {مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَ لا زَمْهَرِيراً} الأرائك جمع أريكة و هو ما يتكأ عليه، و الزمهرير البرد الشديد، و المعنى حال كونهم متكئين في الجنة على الأرائك لا يرون فيها شمسا حتى يتأذوا بحرها و لا زمهريرا حتى يتأذوا ببرده.

قوله تعالى: {وَ دانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَ ذُلِّلَتْ قُطُوفُه تَذْلِيلًا} الظلال جمع ظل، و دنو الظلال عليهم قربها منهم بحيث تنبسط عليهم فكان الدنو مضمن معنى الانبساط و قطوف جمع قطف بالكسر فالسكون و هو الثمرة المقطوفة المجتناة، و تذليل القطوف لهم جعلها مسخرة لهم يقطفونها كيف شاءوا من غير مانع أو كلفة.

قوله تعالى: {وَ يُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَ أَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا} الآنية جمع إناء كأكسية جمع كساء و هو الوعاء، و أكواب جمع كوب و هو إناء الشراب الذي لا عروة له و لا خرطوم و المراد طواف الولدان المخلدين عليهم بالآنية و أكواب الشراب كما سيأتي في قوله: {وَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ} الآية.

قوله تعالى: {قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً} بدل من قوارير في الآية السابقة، و كون القوارير من فضة مبني على التشبيه البليغ أي إنها في صفاء الفضة و إن لم تكن منها حقيقة، كذا قيل. و احتمل أن يكون بحذف مضاف و التقدير من صفاء الفضة.

و ضمير الفاعل : في {قَدَّرُوها} للأبرار و المراد بتقديرهم الآنية و الأكواب كونها على ما شاءوا من القدر ترويهم بحيث لا تزيد و لا تنقص كم قال تعالى: {لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها}: ق: 35 و قد قال تعالى قبل: {يُفَجِّرُونَه تَفْجِيراً}.

و يحتمل : رجوع الضمير إلى الطائفين المفهوم من قوله: {يُطافُ عَلَيْهِمْ} و المراد بتقديرهم الآنية و الأكواب إتيانهم بها على قدر ما أرادو محتوية على ما اشتهوا قدر ما اشتهوا.

قوله تعالى: {وَ يُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُه زَنْجَبِيلًا} قيل: إنهم كانوا يستطيبون الزنجبيل في الشراب فوعد الأبرار بذلك و زنجبيل الجنة أطيب و ألذ.

قوله تعالى: {عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا} أي من عين أو التقدير أعني أو أخص عينا.

قال الراغب: و قوله: {سَلْسَبِيلًا} أي سهلا لذيذا سلسا حديد الجرية.

قوله تعالى: {وَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذ رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً} أي ولدان دائمون على ما هم عليه من الطراوة و البهاء و صباحة المنظر، و قيل: أي مقرطون بخلدة و هي ضرب من القرط.

و المراد بحسبانهم لؤلؤا منثورا أنهم في صفاء ألوانهم و إشراق وجوههم و انعكاس أشعة بعضهم على بعض و انبثاثهم في مجالسهم كاللؤلؤ المنثور.

قوله تعالى: {وَ إِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَ مُلْكاً كَبِيراً} {ثَمَّ} ظرف مكان ممحض في الظرفية، و لذا قيل: إن معنى {رَأَيْتَ} الأول: رميت ببصرك، و المعنى و إذا رميت ببصرك ثم يعني الجنة رأيت نعيما لا يوصف و ملكا كبيرا لا يقدر قدره.

و قيل: {ثَمَّ} صلة محذوفة الموصول و التقدير و إذا رأيت م ثم من النعيم و الملك، و هو كقوله: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ}: الأنعام: 94 و الكوفيون من النحاة يجوزون حذف الموصول و إبقاء الصلة و إن منعه البصريون منهم.

قوله تعالى: {عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَ إِسْتَبْرَقٌ} إلخ الظاهر أن {عالِيَهُمْ} حال من الأبرار الراجعة إليه الضمائر و {ثِيابُ} فاعله، و السندس- كما قيل- ما رق نسجه من الحرير، و الخضر صفة ثياب و الإستبرق ما غلظ نسجه من ثياب الحرير، و هو معرب كالسندس.

و قوله: {وَ حُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ} التحلية التزيين، و أساور جمع سوار و هو معروف، و قال الراغب: هو معرب دستواره.

و قوله: {وَ سَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً} أي بالغ في التطهير لا تدع قذارة إلا أزالها و من القذارة قذارة الغفلة عن الله سبحانه و الاحتجاب عن التوجه إليه فهم غير محجوبين عن ربهم و لذا كان لهم أن يحمدوا ربهم كما قال: {وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ} يونس 10 و قد تقدم في تفسير سورة الحمد إن الحمد وصف لا يصلح له إلا المخلصون من عباد الله تعالى لقوله: {سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} الصافات 160.

الميزان في تفسير القرآن ج20ص131

و قد أسقط تعالى في قوله: {وَ سَقاهُمْ رَبُّهُمْ} الوسائط كله و نسب سقيهم إلى نفسه، و هذا أفضل ما ذكره الله تعالى من النعيم الموهوب لهم في الجنة، و لعله من المزيد المذكور في قوله: {لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَ لَدَيْنا مَزِيدٌ}: ق 35.

قوله تعالى: {إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً} حكاية ما يخاطبون به من عنده تعالى عند توفيته أجرهم أو بحذف القول و التقدير و يقال لهم: إن هذا كان لكم جزاء .. إلخ .

و قوله: {وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً} إنشاء شكر لمساعيهم المرضية و أعمالهم المقبولة، و يا لها من كلمة طيبة تطيب بها نفوسهم.

و أعلم : أنه تعالى لم يذكر فيما ذكر من نعيم الجنة في هذه الآيات نساء الجنة من الحور العين ، و هي من أهم ما يذكره عند وصف نعم الجنة في سائر كلامه ، و يمكن أن يستظهر منه أنه كانت بين هؤلاء الأبرار الذين نزلت فيهم الآيات من هي من النساء.

و قال في روح المعاني: و من اللطائف على القول بنزول السورة فيهم يعني في أهل البيت ، إنه سبحانه لم يذكر فيها الحور العين ، و إنما صرح عز و جل بولدان مخلدين رعاية لحرمة البتول و قرة عين الرسول، انتهى.

 

بحث روائي‏ :

 

نزول سورة هل أتى في أهل البيت :

في إتقان السيوطي : عن البيهقي في دلائل النبوة بإسناده عن عكرمة و الحسن بن أبي الحسن قالا : أنزل الله من القرآن بمكة اقرأ باسم ربك و ن و المزمل- إلى أن قالا- و ما نزل بالمدينة ويل للمطففين، و البقرة، و آل عمران، و الأنفال، و الأحزاب، و المائدة، و الممتحنة، و النساء، و إذا زلزلت، و الحديد، و محمد، و الرعد، و الرحمن، و هل أتى على الإنسان. الحديث.

و فيه : عن ابن الضريس في فضائل القرآن بإسناده عن عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه عن ابن عباس قال: كان إذا نزلت فاتحة سورة بمكة كتبت بمكة- ثم يزيد الله فيها ما شاء.

و كان : أول ما أنزل من القرآن اقرأ باسم ربك، ثم ن، ثم ي أيها المزمل- إلى أن قال: ثم أنزل بالمدينة سورة البقرة ثم الأنفال ثم آل عمران ثم الأحزاب ثم الممتحنة ثم النساء ثم إذا زلزلت ثم الحديد ثم القتال ثم الرعد- ثم الرحمن ثم الإنسان. الحديث.

و فيه : عن البيهقي في الدلائل بإسناده عن مجاهد عن ابن عباس أنه قال: إن أول ما أنزل الله على نبيه من القرآن- اقرأ باسم ربك، و ذكر مثل حديث عكرمة و الحسين- و فيه ذكر ثلاث من السور المكية التي سقطت من روايتهما- و هي الفاتحة و الأعراف و كهيعص.

و في الدر المنثور، أخرج ابن الضريس و ابن مردويه و البيهقي عن ابن عباس قال:

نزلت سورة الإنسان بالمدينة.

و فيه: أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى‏ حُبِّهِ} الآية- قال: نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب- و فاطمة بنت رسول الله ص.

أقول: الآية تشارك سائر آيات صدر السورة مما تقدم عليها أو تأخر عنها في سياق واحد متصل ، فنزولها فيهما عليهم السلام لا ينفك نزولها جميع بالمدينة.

و في الكشاف: و عن ابن عباس: أن الحسن و الحسين مرضا- فعادهم رسول الله ص في ناس معه فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولدك (ولديك ظ) فنذر علي و فاطمة و فضة جارية لهما- إن برءا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام- فشفيا و ما معهم شي‏ء.

فاستقرض علي عليه السلام :  من شمعون الخيبري اليهودي- ثلاث أصوع من شعير فطحنت فاطمة صاعا- و اختبزت خمسة أقراص على عددهم- فوضعوها بين أيديهم ليفطروا فوقف عليهم سائل و قال: السلام عليكم أهل بيت محمد- مسكين من مساكين المسلمين- أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة- فآثروه و باتوا لم يذوقوا إلا الماء و أصبحو صياما.

فلما أمسوا : و وضعوا الطعام بين أيديهم- وقف عليهم يتيم فآثروه، و وقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك.

فلما أصبحوا : أخذ علي بيد الحسن و الحسين- و أقبلوا إلى رسول الله ص- فلما أبصرهم و هم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع- قال: ما أشد ما يسوءني ما أرى بكم- فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها- قد التصق ظهرها ببطنها و غارت عيناها- فساءه ذلك فنزل جبريل و قال: خذها يا محمد- هنأك الله في أهل بيتك فأقرأه السورة .

أقول: الرواية مروية بغير واحد من الطرق عن عطاء عن ابن عباس و نقلها البحراني في غاية المرام، عن أبي المؤيد الموفق بن أحمد في كتاب فضائل أمير المؤمنين بإسناده عن مجاهد عن ابن عباس، و عنه بإسناد آخر عن الضحاك عن ابن عباس و عن الحمويني في كتاب فرائد السمطين بإسناده عن مجاهد عن ابن عباس، و عن الثعلبي بإسناده عن أبي صالح عن ابن عباس، و رواه في المجمع، عن الواحدي في تفسيره.

و في المجمع : بإسناده عن الحاكم بإسناده عن سعيد بن المسيب عن علي بن أبي طالب أنه قال سألت النبي عن ثواب القرآن: فأخبرني بثواب سورة سورة- على نحو ما نزلت من السماء.

فأول : ما نزل عليه بمكة فاتحة الكتاب- ثم اقرأ باسم ربك، ثم ن- إلى أن قال- و أول ما نزل بالمدينة سورة البقرة ثم الأنفال- ثم آل عمران ثم الأحزاب ثم الممتحنة ثم النساء- ثم إذا زلزلت ثم الحديد ثم سورة محمد ثم الرعد- ثم سورة الرحمن ثم هل أتى.

 


 

تأكيد نزول هل أتى في أهل البيت :

و فيه : عن أبي حمزة الثمالي في تفسيره قال: حدثني الحسن بن الحسن أبو عبد الله بن الحسن: أنها مدنية نزلت في علي و فاطمة السورة كلها.

و في تفسير القمي: عن أبيه عن عبد الله بن ميمون عن أبي عبد الله ع قال: كان عند فاطمة  شعير فجعلوه عصيدة، فلما أنضجوها و وضعوها بين أيديهم جاء مسكين فقال: مسكين رحمكم الله فقام علي ع فأعطاه ثلثا- فلم يلبث أن جاء يتيم فقال: اليتيم رحمكم الله- فقام علي ع فأعطاه الثلث ثم جاء أسير فقال: الأسير رحمكم الله فأعطاه علي ع الثلث- و ما ذاقوها فأنزل الله سبحانه الآيات فيهم- و هي جارية في كل مؤمن فعل ذلك لله عز و جل.

أقول: القصة كما ترى ملخصة في الرواية و روى ذلك البحراني في غاية المرام، عن المفيد في الاختصاص مسندا وعن ابن بابويه في الأمالي بإسناده عن مجاهد عن ابن عباس، و بإسناده عن سلمة بن خالد عن جعفر بن محمد عن أبيه ، و عن محمد بن العباس بن ماهيار في تفسيره بإسناده عن أبي كثير الزبيري عن عبد الله بن عباس، وفي المناقب أنه مروي عن الأصبغ بن نباتة.

و في الاحتجاج، عن علي عليه السلام : في حديث يقول فيه للقوم بعد موت عمر بن الخطاب: نشدتكم بالله هل فيكم أحد نزل فيه و في ولده {إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً} إلى آخر السورة غيري؟ قالوا: لا.

و في كتاب الخصال : في احتجاج علي على أبي بكر قال: أنشدك بالله أنا صاحب الآية- {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} أم أنت؟ قال: بل أنت.

 

إبطال نزولها في الأسود :

و في الدر المنثور: أخرج الطبراني و ابن مردويه و ابن عساكر عن ابن عمر قال: جاء رجل من الحبشة إلى رسول الله ،  فقال له رسول الله : سل و استفهم، فقال: يا رسول الله : فضلتم علينا بالألوان و الصور والنبوة ، فرأيت إن آمنت بما آمنت به، و عملت بمثل ما عملت به إني لكائن معك في الجنة ؟

قال: نعم و الذي نفسي بيده، إنه ليرى بياض الأسود في الجنة من مسيرة ألف عام.

ثم قال: من قال : لا إله إلا الله ، كان له عهد عند الله . و من قال: سبحان الله و بحمده كتبت له مائة ألف حسنة و أربعة و عشرون ألف حسنة و نزلت عليه السورة { هَلْ أَتى‏ عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} إلى قوله: { مُلْكاً كَبِيراً } . فقال الحبشي: و إن عيني لترى ما ترى عيناك في الجنة؟ قال: نعم فاشتكى حتى فاضت نفسه. قال عمر: فلقد رأيت رسول الله يدليه في حفرته بيده.

و فيه : أخرج أحمد في الزهد عن محمد بن مطرف قال: حدثني الثقة: أن رجلا أسود كان يسأل النبي ص عن التسبيح و التهليل ، فقال له عمر بن الخطاب: مه أكثرت على رسول الله، فقال: مه يا عمر . و أنزلت على رسول الله ص {هَلْ أَتى‏ عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} حتى إذا أتى على ذكر الجنة، زفر الأسود زفرة خرجت نفسه- فقال النبي: مات شوقا إلى الجنة.

و فيه: أخرج ابن وهب عن ابن زيد أن رسول الله قرأ هذه السورة- هَلْ أَتى‏ عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ- و قد أنزلت عليه و عنده رجل أسود- فلما بلغ صفة الجنان زفر زفرة فخرجت نفسه.  فقال رسول الله : أخرج نفس صاحبكم الشوق إلى الجنة.

أقول: و هذه الروايات الثلاث على تقدير صحتها لا تدل على أزيد من كون نزول السورة مقارنا لقصة الرجل و أما كونها سببا للنزول فلا، و هذا المعنى في الرواية الأخيرة أظهر و بالجملة لا تنافي الروايات الثلاث نزول السورة في أهل البيت عليهم السلام.

على أن : رواية ابن عمر للقصة الظاهرة في حضوره القصة و قد هاجر إلى المدينة و هو ابن إحدى عشرة سنة من شواهد وقوع القصة بالمدينة.

و في الدر المنثور : أيضا أخرج النحاس عن ابن عباس قال: نزلت سورة الإنسان بمكة.

أقول: هو تلخيص حديث طويل أورده النحاس في كتاب الناسخ و المنسوخ، و قد نقله في الإتقان و هو معارض لما تقدم نقله مستفيضا عن ابن عباس من نزول السورة بالمدينة و أنها نزلت في أهل البيت عليه السلام .

على أن سياق آياتها : و خاصة قوله { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ و يُطْعِمُونَ الطَّعامَ}  إلخ سياق قصة واقعة ، وذكر الأسير فيمن أطعموهم نعم الشاهد على نزول الآيات بالمدينة ، إذ لم يكن للمسلمين أسير بمكة كما تقدمت الإشارة إلى ذلك.

 

إبطال قول السورة مكية :

قال بعضهم ما ملخصه: أن الروايات مختلفة في مكية هذه السورة و مدنيتها و الأرجح أنها مكية بل الظاهر من سياقها أنها من عتائق السور القرآنية النازلة بمكة في أوائل البعثة يؤيد ذلك ما ورد فيها من صور النعم الحسية المفصلة الطويلة و صور العذاب الغليظ ، كما يؤيده ما ورد فيها من أمر النبي ص بالصبر لحكم ربه و أن لا يطيع منهم آثما أو كفورا و يثبت على ما نزل عليه من الحق و لا يداهن المشركين من الأوامر التي كانت تنزل بمكة عند اشتداد الأذى على الدعوة و أصحابه بمكة كما في سورة القلم و المزمل و المدثر فلا عبرة باحتمال مدنية السورة.

و هو فاسد : أما ما ذكره من اشتمال السورة على صور النعم الحسية المفصلة الطويلة و صور العذاب الغليظ ، فليس ذلك مما يختص بالسور المكية حتى يقضى بها على كون السورة مكية ، فهذه سورة الرحمن و سورة الحج مدنيتان على ما تقدمت في الروايات المشتملة على ترتيب نزول السور القرآنية ، و قد اشتملتا من صور النعم الحسية المفصلة الطويلة و صور العذاب الغليظ على ما يربو و يزيد على هذه السورة بكثير.

و أما ما ذكره : من اشتمال السورة على أمر النبي  بالصبر و أن لا يطيع منهم آثما أو كفورا و لا يداهنهم ، و يثبت على ما نزل عليه من الحق ففيه أن هذه الأوامر واقعة في الفصل الثاني من آيات السورة و هو قوله: {إِنَّ نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا} إلى آخر السورة و من المحتمل جدا أن يكون هذا الفصل من الآيات- و هو ذو سياق تام مستقل‏ - نازلا بمكة، و يؤيده ما في كثير من الروايات المتقدمة أن الذي نزل في أهل البيت بالمدينة هو الفصل الأول من الآيات، و على هذا أول السورة مدني و آخرها مكي.

و لو سلم نزولها : دفعة واحدة فأمره  بالصبر لا اختصاص له بالسور المكية فقد ورد في قوله: {وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَ لا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَ اتَّبَعَ هَواهُ وَ كانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} الكهف 28 و الآية- على ما روي- مدنية و الآية، كما ترى- متحدة المعنى مع قوله: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} إلخ و هي في سياق شبيه جدا بسياق هذه الآيات فراجع و تأمل.

ثم الذي كان يلقاه النبي :  من أذى المنافقين و الذين في قلوبهم مرض و الجفاة من ضعفاء الإيمان لم يكن بأهون من أذى المشركين بمكة يشهد بذلك أخبار سيرته.

و لا دليل أيضا : على انحصار الإثم و الكفور في مشركي ، مكة فهناك غيرهم من الكفار ، و قد أثبت القرآن الإثم لجمع من المسلمين في موارد كقوله: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ} النور 11، و قوله: {وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً} النساء 112.

و في المجمع : و روى العياشي بإسناده عن عبد الله بن بكير عن زرارة قال: سألت أبا جعفر ع عن قوله: {لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً} قال: كان شيئا و لم يكن مذكورا.

أقول: و روي فيه، أيضا عن عبد الأعلى مولى آل سام عن أبي عبد الله مثله.

و فيه: أيضا عن العياشي بإسناده عن سعيد الحذاء عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان مذكورا في العلم ، و لم يكن مذكورا في الخلق.

أقول: يعني أنه كان له ثبوت في علم الله ، ثم خلق بالفعل فصار مذكورا فيمن خلق.

و في الكافي: بإسناده عن مالك الجهني عن أبي عبد الله عليه السلام في الآية قال: كان مقدرا غير مذكور.

أقول: هو في معنى الحديث السابق.

و في تفسير القمي في الآية قال: لم يكن في العلم و لا في الذكر ,

و في حديث آخر: كان في العلم و لم يكن في الذكر.

أقول: معنى الحديث الأول أنه لم يكن في علم الناس و لا فيمن يذكرونه فيما بينهم، و معنى الثاني أنه كان في علم الله و لم يكن مذكورا عند الناس.

 

تفسير روائي لآيات سورة هل أتى:

و في تفسير القمي : أيضا في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله تعالى {أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ} قال: ماء الرجل و المرأة اختلطا جميعا.

و في الكافي : بإسناده عن حمران بن أعين قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوله عز و جل، {إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً} قال: إما آخذ فهو شاكر و إما تارك فهو كافر. أقول: و رواه القمي في تفسيره، بإسناده عن ابن أبي عمير عن أبي جعفر عليه السلام مثله. و في التوحيد: بإسناده إلى حمزة بن الطيار عن أبي عبد الله عليه السلام م يقرب منه و لفظه , عرفناه إما آخذا و إما تاركا.

و في الدر المنثور : أخرج أحمد و ابن المنذر عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله ص: كل مولود يولد على الفطرة حتى يعبر عنه لسانه- فإذ عبر عنه لسانه إما شاكرا و إما كفورا- و الله تعالى أعلم.

و في أمالي الصدوق : بإسناده عن الصادق عن أبيه ع في حديث: {عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً} قال: هي عين في دار النبي ص- يفجر إلى دور الأنبياء و المؤمنين {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} يعني عليا و فاطمة- و الحسن و الحسين ع و جاريتهم {وَ يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} يقول عابسا كلوحا {وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى‏ حُبِّهِ} يقول: على شهوتهم للطعام و إيثارهم له {مِسْكِيناً} من مساكين المسلمين- {وَ يَتِيماً} من يتامى المسلمين {وَ أَسِيراً} من أسارى المشركين.

و يقولون إذا أطعموهم: {إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ- لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً} قال: و الله ما قالوا هذا لهم- و لكنهم أضمروه في أنفسهم فأخبر الله بإضمارهم- يقولون: لا نريد جزاء تكافئونن به- و لا شكورا تثنون علينا به، و لكنا إنما أطعمناكم لوجه الله و طلب ثوابه.

و في الدر المنثور : أخرج سعيد بن منصور و ابن أبي شيبة و ابن المنذر و ابن مردويه عن الحسن قال :  كان الأسارى مشركين يوم نزلت هذه الآية {وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى‏ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً }.

أقول: مدلول الرواية نزول الآية بالمدينة، و نظيرها ما رواه فيه عن عبد بن حميد عن قتادة، و ما رواه عن ابن المنذر عن ابن جريح، و ما رواه عن عبد الرزاق و ابن المنذر عن ابن عباس.

و فيه : أخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك عن النبي ص في قوله: {يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً} قال: يقبض ما بين الأبصار.

و في روضة الكافي : بإسناده عن محمد بن إسحاق المدني عن أبي جعفر عليه السلام في صفة الجنة قال: و الثمار دانية منهم- و هو قوله عز و جل: {وَ دانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها- وَ ذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا} من قربه منهم يتناول المؤمن من النوع الذي يشتهيه من الثمار بفيه و هو متكئ ، و إن الأنواع من الفاكهة ليقلن لولي الله: يا ولي الله كلمني قبل أن تأكل هذه قبلي.

و في تفسير القمي في قوله: {وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ } قال: مسورون.

و في المعاني : بإسناده عن عباس بن يزيد قال: قلت لأبي عبد الله ع و كنت عنده ذات يوم: أخبرني عن قول الله عز و جل: {وَ إِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَ مُلْكاً كَبِيراً} ما هذا الملك الذي كبر الله عز و جل حتى سماه كبيرا؟

قال: إذا أدخل الله أهل الجنة الجنة، أرسل رسولا إلى ولي من أوليائه ، فيجد الحجبة على بابه فتقول له: قف حتى نستأذن لك، فما يصل إليه رسول ربه إلا بإذن فهو قوله عز و جل: {وَ إِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَ مُلْكاً كَبِيراً}.و في المجمع: {وَ إِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَ مُلْكاً كَبِيراً} لا يزول و لا يفنى: عن الصادق عليه السلام .

و فيه: {عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ} و روي عن الصادق عليه السلام في معناه: تعلوهم الثياب فيلبسونها.

الميزان في تفسير القرآن ج20ص139.

يا طيب : قد عرفت أن شأن نزول سورة هل أتى هو في أهل البيت عليهم الصلاة والسلام وذلك لوفائهم بنذر نذروه من أجل شفاء الحسن والحسين عليهم السلام ، ولله تعالى العالم بالضمائر عرف إخلاصهم بعد ما أمتحنهم باليتيم والمسكين والأسير ، وتصدقهم بإخلاص من أجل رضاه ، فأنزل السورة ، وقد أكد السيط الطباطبائي رحمه هذا المعنى بأحسن وجه ، ورد كل محتمل يشكك بشأن نزولها في الآل من المعاندين ، فتدبر .

التفسير الأمثل وبيان شأن نزول هل أتى في أهل البيت:

يا طيب : قد عرفت شأن نزول سورة هل أتى كلها في تمجيد وثواب أهل البيت عليهم السلام لإخلاصهم لله تعالى ، وفوزهم بالابتلاء الإلهي ونجاحهم في الإخلاص لله تعالى ، فكرمهم بهذه السورة التي تتلى إلى أخر الدهر وتبين حقهم وفضلهم ومقامهم العالي في الدنيا والآخرة ، وهي شاهد لمن يتولاهم ويتعلم منهم ويقتدي بهم ، فيكون من الفائزين في الدارين ، وهنيئا له الولاية لمن زكاهم الله تعالى في هذه السورة وفي آيات كثيرة ، وبعد أن عرفنا تفصيل شأن نزولها ، نؤكده بذكر بعض ما ذكره التفسير الأمثل  :

قال الله تعالى : { إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (5) عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7) وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى‏ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً (8) إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً (9) إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10) فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَ لَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَ سُرُوراً (11)}

قصة نزولها في أهل البيت :

البرهان العظيم على فضيلة أهل بيت النّبي:

قال ابن عباس: إنّ الحسن و الحسين مرضا فعادهما الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في ناس معه، فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك، فنذر علي و فاطمة و فضة جارية لهما إن برئا ممّا بهما أن يصوموا ثلاثة أيّام (طبقا لبعض الرّوايات أنّ الحسن و الحسين أيضا قالا نحن كذلك ننذر أن نصوم) فشفي ، و ما كان معهم شيء، فاستقرض علي عليه السّلام ثلاث أصواع من شعير فطحنت فاطمة صاعا و اختبزته، فوضعوا الأرغفة بين أيديهم ليفطروا .

فوقف عليهم سائل و قال: السلام عليكم، أهل بيت محمّد، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم اللّه من موائد الجنّة، فآثروه و باتو لم يذوقوا إلّا الماء و أصبحوا صياما.

فلما أمسوا : و وضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه ( و باتوا مرة أخرى لم يذوقوا إلّا الماء و أصبحوا صياما ) و وقف عليهم أسير في الثّالثة عند الغروب، ففعلوا مثل ذلك.

فلما أصبحوا : أخذ علي بيد الحسن و الحسين و أقبلوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فلما أبصرهم و هم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع .

قال: ما أشدّ ما يسوؤني ما أرى بكم ، فانطلق معهم، فرأى فاطمة في محرابها قد التصق بطنها بظهرها، و غارت عيناها، فساءه ذلك.

 فنزل جبرئيل عليه السّلام و قال: خذها يا محمد هنّاك اللّه في أهل بيتك فأقرأه السورة.

و قيل: إنّ الذي نزل من الآيات يبدأ من: { إِنَّ الْأَبْرارَ } حتى { كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً } و مجموعها (18) آية.

ما أوردنا : هو نص الحديث الذي جاء في كتاب {الغدير} بشيء من الاختصار كقدر مشترك  ، و هذا الحديث من بين أحاديث كثيرة نقلت في هذا الباب.

و ذكر في الغدير : أنّ الرّواية المذكورة قد نقلت عن طريق (34) عالما من علماء أهل السّنة المشهورين ( مع ذكر اسم الكتاب و الصفحة ).

و على هذا : فإنّ الرّواية مشهورة، بل متواترة عند أهل السنة  ( نقلت هذه الرواية في كتاب الغدير، ج 3، ص 107 إلى 111 و في كتاب إحقاق الحق، ج 3، ص 157 إلى 171 عن 36 نفر من علماء أهل السنّة مع ذكر المأخذ}.

و اتفق علماء الشيعة : على أنّ السورة أو ثمان عشرة آية من السورة قد نزلت في حق علي و فاطمة عليهما السّلام، و أوردوا هذه الرّواية في كتبهم العديدة و اعتبروها من‏ مفاخر الرّوايات الحاكية عن فضائل أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام.

و اشتهارها : كان مدعاة لذكرها في الأشعار حتى أنّها وردت في شعر الإمام الشافعي.

 

رد إشكالات المتعصبين :

 و تثار عند المتعصبين هنا : حساسيات شديدة بمجرّد سماعهم رواية تذكر فضائل أمير المؤمنين عليه السّلام ، فيعمدون إلى اثارة العديد من الإشكالات بهذا الشأن، و منها:

1- ادعاؤهم مكّية السورة .

 و الحال : أنّ القصّة حدثت بعد ولادة الإمامين الحسن و الحسين عليهما السّلام، و ما كانت ولادتهما إلّا بالمدينة! و في أيدينا دلائل واضحة كم بينّا في شرح صدر السورة، إذ أنّ السورة تشير إلى أنّها مدنّية، و إن لم تكن بتمامه فإنّ (18) آية منها مدنيّة.

2- قولهم: إنّ لفظ الآية عام، فكيف يمكن تخصيص ذلك بأفراد معيّنين.

 و لكن عمومية مفهوم : الآية لا ينافي نزولها في أمر خاص، و هناك عمومية في كثير من آيات القرآن، و الحال أنّ سبب نزولها الذي يكون مصداق تامّا لها في أمر خاص، و العجب لمن يتخذ من عمومية مفهوم آية ما دليلا على نفي سبب النزول لها.

3- نقل بعضهم أسبابا أخرى لنزول هذه السورة لا تتفق مع السبب الذي ذكرناه في نزول الآية، منها ما نقله السيوطي في الدرّ المنثور قال: إنّ رجلا أسود كان يسأل النّبي عن التسبيح و التهليل، فقال له عمر بن الخطاب: مه أكثرت على رسول ... وقد ذكرناه عن تفسير الميزان .

والحال : إنّ ما ذكر في هذه الرّوايات لا يتناسب مع مضمون آيات السورة، و المتوقع هو وضع هذه الرّواية من قبل عمال بني اميّة و تزويرها لدحض ما تقدم و ما قيل في سبب النزول في حق علي عليه السّلام.

4- الإحتجاج الآخر الذي يمكن ذكره هنا: كيف يمكن لإنسان أن يصوم ثلاثة أيّام و لا يفطر إلّا بالماء؟!

 إنّ هذا الإشكال مدعاة للعجب : لأنّنا نرى تطبيق ذلك عند بعض الناس، إذ أنّ بعض المعالجات الطبية تستدعي الإمساك لمدة (40) يوما، و لا يتناول خلال الأربعين يوما إلّا الماء، ممّا أدّى ذلك إلى شفاء الكثير من الأمراض بهذه الطريقة، حتى أنّ طبيبا من الأطباء غير المسلمين يدّعى (الكسي سوفورين) كتب كتاب في باب الآثار المهمّة في الشفاء من جراء الإمساك مع ذكر أسلوب دقيق لذلك ، حتى أنّ بعض زملائنا المشتركين معنا في تأليف كتاب التفسير الأمثل قضى إمساكا لمدّة (22) يوما ( ويكفي ملاحظة إضراب الفلسطينيين في سجون الاحتلال لما يقارب المائة يوما ) .

5- البعض الآخر أراد الاستهانة بهذه الفضيلة فجاء من طريق آخر كالآلوسي إذ يقول: إن قلنا إنّ هذه السورة لم ترد في حق علي و فاطمة لم ينزل من قدرهم و شأنهم شيء، لأنّ اتصافهم بالأبرار أمر واضح للجميع، ثمّ يبد بتبيان بعض فضائلهم فيقول: ماذا يمكن أن يقوله الإنسان في حقّ هذين العظيمين غير أنّ عليا عليه السّلام أمير المؤمنين و وصي رسول اللّه، و أنّ فاطمة بضعة رسول اللّه، و أنّها جزء من الوجود المحمدي، و أنّ الحسنين روحه و ريحانتاه و سيدا شباب أهل الجنّة، و لكن لا يعني ذلك ترك الآخرين، و من يتبع غير هذا فهو ضال.

و لكنّنا نقول : إنّنا إذا ما تغاضينا عن هذه الفضيلة، فإنّ عاقبة بقية الأحاديث ستكون بنفس المنوال، و ربّما يحين يوم ينكر فيه البعض جميع فضائل أمير المؤمنين و سيّدة النساء و الحسنين عليهم السّلام، و الملاحظ أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قد احتج على مخالفيه في كثير من المواطن بهذه الآيات لتبيان حقوقه و فضائله و أهل بيته .

ثمّ إنّ ذكر الأسير الذي أطعموه : خير دليل على نزول الآيات بالمدينة، إذ لم يكن للمسلمين أسير بمكّة لعدم شروع الغزوات.

و الملاحظة الأخيرة :التي لا بدّ من ذكرها هنا هو قول بعض العلماء المفسّرين و منهم المفسّر المشهور الآلوسي، و هو من أهل السنّة قال: إنّ كثيرا من النعم الحسية قد ذكرت في السورة إلّا الحور العين التي غالبا ما يذكره القرآن في نعم الجنان، و هذا إنّما هو لنزول السورة بحق فاطمة و بعلها و بنيه عليهم السّلام و إنّ اللّه لم يأت بذكر الحور العين إجلالا و احتراما لسيدة نساء العالمين! ، لقد طال الحديث في هذا الباب إلّا أنّنا وجدنا أنفسنا مضطرين لمجابهة و إبطال إشكالات المتعصبين و ذرائع المعاندين.

المصدر :

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل لآية الله مكارم شيرازي ومجموع مع المحققين من تلاميذه ج‏19 ص252 ، مأخوذ من جامع التفاسير ، ومن جامع الأحاديث لمؤسسة النور وكذلك تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي رحمه الله وتفسير القمي وغيره .

 

شعر الشعراء في هل أتى

ورحم الله الإعرابي إذ قال  :

 أَنَا  مَوْلًى  لِخَمْسَةٍ  _  أُنْزِلَتْ فِيهِمُ السُّوَرُ

 أَهْلِ طَهَ وَ هَلْ أَتَى _ فَاقْرَءُوا يُعْرَفُ الْخَبَرُ

 وَ الطَّوَاسِينَ بَعْدَهَا  _  وَ الْحَوَامِيمَ وَ الزُّمَرَ

 أَنَا  مَوْلًى   لِهَؤُلَاءِ  _   وَ  عَدُوٌّ لِمَنْ  كَفَرَ

روضة الواعظين ج‏1ص166 . الفضائل لابن شاذان القمي ص149 .

 

الشافعي :

إلى مَ  ألام  و حتـــى  متى

أعاتب في حــــب هذا الفتى

و هــل  زوجت  فاطم غيره

وفي غيره هــل آتى هل آتى ؟

 

ورحم الله بن زريك إذ قال :

ولايتي لأمير المؤمنين علي

بها بلغت الذي أرجوه من أملي‏

إن كان قد أنكر الحساد رتبته

في جوده فتمسك يا أخي بهل‏

 

و للابن زريك رحمه الله :

آل رسول الإله قوم  _ مقدارهم في العلى خطير

إذ جاءهم سائل يتيم _ و جاء من بعده أسير

أخافهم في المعاد يوم _ معظم الهول قمطرير

فقد وقوا شر ما اتقوه _ و صار عقباهم السرور

في جنة لا يرون فيها _ شمسا و لا ثم زمهرير

يطوف ولدانهم عليهم _ كأنهم لؤلؤ نثير

لباسهم في جنات عدن _ سندسها الأخضر الحرير

جازاهم ربهم بهذا  _  و هو لما قد سعوا شكور

 

و لابن زريك رحمه الله :

إن الأبرار يشربون بكأس

كان حقا مزاجها كافورا

و لهم أنشأ المهيمن

عينا فجروها عباده تفجيرا

و هداهم و قال يوفون

بالنذر فمن مثلهم يوفي النذورا

و يخافون بعد ذلك يوما

هائلا كان شره مستطيرا

يطعمون الطعام ذا اليتم

و المسكين في حب ربهم و الأسيرا

إنما نطعم الطعام لوجه الله

لا نبتغي لديكم شكورا

غير أنا نخاف من ربنا يوما

عبوسا عصبصبا قمطريرا

فوقاهم إلههم ذلك اليوم

و يلقون نضرة و سرورا

و جزاهم بأنهم صبروا في

السر و الجهر جنة و حريرا

متكئين لا يرون لدى الجنة

شمسا كلا و لا زمهريرا

و عليهم ظلالها دانيات

ذلك في قطوفها تيسيرا

و بأكواب فضة و قوارير

قوارير قدرت تقديرا

و يطوف الولدان فيها

عليهم فيخالون لؤلؤا منثورا

بكئوس قد مزجت زنجبيلا

لذة الشاربين تشفي الصدورا

و يحلون بالأساور فيها
و سقاهم ربي شرابا طهورا

و عليهم فيها ثياب من السندس

خضر في الخلد تلمع نورا

إن هذا لكم جزاء من الله

و قد كان سعيكم مشكورا

 

و لابن زريك رحمه الله :

و الله أثنى عليهم   _  لما وفوا بالنذور

و خصهم و حباهم   _  بجنة و حرير

لا يعرفون بشمس   _  فيها و لا زمهرير

يسقون فيها كأسا   _  رحيقا ممزوجا بكافور

و له رحمه الله :

في هل أتى حين على الإنسان

ما يقنع من جادل فيه و شبا

يوفون بالنذر و ما أعطاهم ربهم

من كل فضل و حبا

 

و لابن زريك رحمه الله :

في هل أتى إن كنت تقرأ

هل أتى ستصيب سعيهم بها مشكورا

إذ أطعموا المسكين ثمة أطعموا

الطفل اليتيم و أطعموا المأسورا

قالوا لوجه الله نطعمكم فلا

منكم جزاء نبتغي و شكورا

إنا نخاف و نتقي من ربنا

يوما عبوسا لم يزل محذورا

فوقوا بذلك شر يوم باسل

و لقوا بذلك نضرة و سرورا

و جزاهم رب العباد بصبرهم

يوم القيامة جنة و حريرا

و سقاهم من سلسبيل كأسها

بمزاجها قد فجرت تفجيرا

يسقون فيها من رحيق تختم

بالمسك كان مزاجها كافورا

فيها قوارير لها من فضة

و أكواب قد قدرت تقديرا

يسعى بها ولدانهم فتخالهم

للحسن منهم لؤلؤا منثورا

 

و لابن زريك أيضا رحمه الله :

هل أتى فيهم تنزل فيها فضلهم

محكما و في السورات‏

يطعمون الطعام خوفا فقيرا

و يتيما و عانيا في العنات‏

إنما نطعم الطعام لوجه الله

لا للجزاء في العاجلات‏

فجزاهم بصبرهم جنة الخلد بها

من كواعب خيرات‏

 

الصاحب بن عباد رحمه الله قال :

و إذا قرأنا هل أتى

قرأت وجوههم عبس‏

و له رحمه الله :

علي له في هل أتى ما تلوتم

على الرغم من آنافكم فتفردوا

 

الناشئ رحمه الله قال :

و لقد تبين فضلهم في هل أتى

فضل تذل به قلوب الحسد

و جزاؤهم بالصبر ما هو جنة

فيه الحرير لباسهم لم ينفد

يسقون فيها سلسبيل يديرها

ولدان حور بين حور خرد

و للناشئ رحمه الله :

هل أتى على الإنسان حين من

الدهر مع الخلق لم يكن مذكورا

و ابتدأ نطفة هنالك أمشاجا

غدا بعده سميعا بصيرا

و هدى نسله فأصبح إما

شاكرا مؤمنا و إما كفورا

إن الأبرار يشربون بكأس

كان مزاجها لهم كافورا

هي عين تجري بقدرة ربي

فجرتها عباده تفجيرا

إذ وفوا نذرهم يخافون

يوما في غد كان شره مستطيرا

يطعمون الطعام مسكينهم ثم

يتيما و يعطمون الأسيرا

أطعموهم لله لا لجزاء

أطعموهم و لم يريدوا شكورا

ثم قالوا نخاف من ربنا

يوما عبوسا لهوله قمطريرا

فيوقون شر ذلك اليوم

و يلقون نضرة و سرورا

و جزاهم بصبرهم في العظيمات

على الضيم جنة و حريرا

و اتكاهم على الأرائك لا يرون

فيها شمسا و لا زمهريرا

دانيات الظلال قد ذلل القطف

و إن كان قد علا تسميرا

و عليهم تدور آنية الفضة

تحوى شرابها المذخورا

في قوارير فضة قدروها

في ثنايا كمالها تقديرا

و يسقون زنجبيل لدى الكأس

مزاجا و سلسبيلا عبيرا

و يطوف الولدان فيهم يخالون

من الحسن لؤلؤا منثورا

و إذا ما رأيت ثم تأملت

نعيما لهم و ملكا كبيرا

و ثياب عليهم سندس خضر

و حلوا أساور و شذورا

و سقاهم في القدس ربهم الله

شرابا من الجنان طهورا

إن هذا هو الجزاء و ما زال   _  بلا شك سعيهم مشكورا

المناقب ج3ص380 .

 

ورحم الله الرئيس أبو العباس الضبي إذ قال :

هل أتى أنزلت بفضل علي

فمعاديه هل أتى لرشيد

 

و غيره رحمه الله إذ قال :

أحببت من لو سألت هل أتى

عنه لقالت فيه قد أنزلت‏

أمي حكت أم زياد الدعي
إن كنت فيما قلته أبطلت‏

أنشد :

أوفوا لربهم النذور   _  يخشون شرا مستطيرا

إذ أطعموا مسكينهم  _  و يتيمهم ثم الأسيرا

من خوفهم من ربهم   _  يوما عبوسا قمطريرا

فوقوا شرور جهنم _ ولقوا به خيرا كثيرا

ولنا

نفسي تفدي لسيدي الحسنين _ من أحمد و الوصي خير الثقلين‏

زوجان فذا مثل السمع _ و ذا مثل العين فاسلك فيه من كل زوجين اثنين‏

المناقب لابن شهر آشوب رحمه الله ج3ص377 .

ورحم الله محمد بن منصور السرخسي‏ :

ولدته منجبة و كان ولادها

في جوف كعبة أفضل الأكنان‏

و سقاه ريقته النبي و يا لها

من شربة تغني عن الألبان‏

حتى ترعرع سيدا سندا رضي

أسدا شديد القلب غير جبان‏

عبد الإله مع النبي و أنه

قد كان بعد يعد في الصبيان‏

فلذاك زوجه الرسول بتوله

و غدا وصي الإنس ثم الجان‏

شهدت له آيات سورة هل‏ أتى

بمناقب جلت عن التبيان‏

مناقب آل أبي طالب عليهم السلام لابن شهرآشوب ج2ص175 .

 

ورحم الله الحصكفي‏ إذ قال :

قـــوم أتى في حبهم هـــل

أتى ما شك في ذلك ملحــد

قوم لهم في كل أرض مشهد

لا بل لهم في كل قلب مشهد

مناقب آل أبي طالب ج‏2ص199 .

 

ورحم الله ديك الجن‏ إذ قال :

شرفي محبة معشر _ شرفوا بسورة هل‏ أتى‏

ومولاي من في فتكه‏ _ سماه ذو العرش الفتى‏

لم يعبد الأصنام قط _ و لا ألام و لا عتا

ثبت إذا قدم سواه‏ _ إلى المهاوي زلتا

ثقل الهدى و كتابه‏ _ بعد النبي تشتتا

وا حسرتي من ذلهم‏ _ وخضوعهم وا حسرتي‏

طالت حياة عدوهم _ حتى متى و إلى متى

المناقب ج2ص178 .

 

ورحم الله ابن حماد إذ قال :

و لكم من تحفة أتحفه

ربه تعلو جميع التحق‏

كم له في الطور و النجم و هل

أتى‏ من وصف له و الزخرف

 

وقال ابن حماد رحمه الله :

من سبحت في كفه بيض الحصى

ليكون ذاك لفضله تبيانا

من فيه أنزل هل‏ أتى‏ رب العلى

و جزاه حور العين و الولدانا.

 المناقب ج2ص233 ، ص 316 .

ورحم الله ابن حماد إذ قال :

و أنزل فيه الله وحيا مفصلا

لدى هل‏ أتى‏ إذ قال‏ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ

 

ولبن حماد رحمه الله :

من كان بالنذر وفى‏ _ أو لليتيم أسعفا

فانظر بما ذا أتحفا _ إذا قرأت هل‏ أتى‏

من كان زكى راكعا _ بخاتم تواضعا

لذي الجلال خاشعا _ فأنزلت آي الولاء

مناقب ج3ص8 .

 

ورحم الله خزيمة بن  إذ قال :

فديت عليا إمام الورى

سراج البرية مأوى التقى‏

وصي الرسول و زوج البتول

إمام البرية شمس الضحى‏

تصدق بخاتمه راكعا

فأحسن بفعل إمام الورى‏

ففضله الله رب العباد

و أنزل في شأنه هل أتى

المناقب ج3ص6 .

 

ورحم الله الحميري إذ قال :

من أنزل الرحمن فيهم هل‏ أتى

لما اتحدوا للنذور وفاء

من خمسة جبريل سادسهم و قد

مد النبي على الجميع عباء

من ذا بخاتمه تصدق راكعا

فأثابه ذو العرش منه ولاء

المناقب ج3ص7 .

 

ورحم الله نصر بن المنتصر إذ قال :

و من أقام خاشعا صلاته

يؤتي الزكاة راكعا لمن أتى‏

و من له ملك كبير ناعم

في الخلد لا تنكره في هل‏ أتى‏

المناقب ج3ص9 .

 

وقال خطيب خوارزم‏ رحمه الله :

إن عليا سيد الأوصياء

مولى أبي بكر و مولى عمر

أقصر عن أسيافه قيصر

و إن كسرى عن قناه انكسر

انحجرت آساد يوم الوغى

لما اكتسى للحرب جلد الثمر

لم يتقلد سيفه في الوغى‏

إلا و نادى الدين جاء الظفر

و هل‏ أتى‏ مدح فتى هل‏ أتى

لغيره في هل‏ أتى‏ إذ نذر

فيا لها من سير في العلى

تتلى على الناس كمثل السور

مناقب ج3ص68 .

 

ورحم الله أبو فراس‏ الحمداني :

اقرءوا عن القرآن ما في فضله

و تأملوه و اعرفوا فحواه‏

لو لم ينزل فيه إلا هل‏ أتى‏

من دون كل منزل لكفاه‏

من كان أول من حوى القرآن من

نطق النبي و لفظه و حكاه‏

من بات فوق فراشه متنكرا

لما أضل فراشه أعداه‏

من ذا أراد إلهنا بمقالة

الصادقون القانتون سواه‏

من خصه جبريل من رب العلى

بتحية من جنة و حباه‏

مناقب ج3ص104 .

 

ورحم الله الصاحب‏ بن عباد إذ قال :

قالت فمن بعده تصفى الولاء له‏

قلت الوصي الذي أربى على رجل‏

قالت فهل أحد في الفضل يقدمه

فقلت هل هضبة توفي على جبل‏

إلى آن قال :

فقلت أقرب مرضي و منتحل

قالت فمن تلوه يوم الكساء أجب‏

فقلت أفضل مكسو و مشتمل‏

قالت فمن سادني يوم الغدير أبن‏

فقلت من كان للإسلام خير ولي

قالت ففي من أتى في هل‏ أتى‏ شرف‏

المناقب ج3ص293 .

 

ورحم الله من قال :

حتى تلا التالون فيهم سورة

عنوانها هَلْ‏ أَتى‏ عَلَى الْإِنْسانِ‏

المناقب ج3ص104 .

 

ورحم الله ابن الحجاج‏ إذ قال في الإمام الحسن عليه السلام :

ابن من ينتهي إذ افتخر الناس

له افتخار عبد مناف‏

ابن طه و هل‏ أتى‏ و الحواميم

و نون و سورة الأعراف

المناقب ج4ص159 .

 

وقال ابن العوذي‏ رحمه الله :

هم التين و الزيتون آل محمد

هم شجر الطوبى لمن يتفهم‏

هم جنة المأوى هم الحوض في غد

هم اللوح و السقف الرفيع المعظم‏

هم آل عمران هم الحج و النساء

هم سبأ و الذاريات و مريم‏

هم آل ياسين و طه و هل‏ أتى

هم النمل و الأنفال لو كنت تعلم‏

هم الآية الكبرى هم الركن و الصفا

هم الحجر و البيت العتيق و زمزم‏

المناقب ج4ص332 .

 

ورحم الله خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين‏ :

أنا مولى لفتى أنزل فيه هل أتى

إلى متى أكتمه أكتمه إلى متى‏

روضة الواعظين ج1ص131 .

 

ورحم الله بعض الأعيان إذ قال :‏

أصغ و استمع آيات وحي تنزلت‏

بمدح إمام بالهدى خصه الله‏

ففي آل عمران المباهلة التي

بإنزالها أولاه بعض مزاياه‏

و أحزاب حم و تحريم هل‏ أتى

شهود بما أثنى عليه و زكاه‏

و إحسانه لما تصدق راكعا

بخاتمه يكفيه من نيل حسناه‏

و في آية النجوى التي لم يفز بها

سواه سنا رشد به تم معناه‏

و أزلفه حتى تبوأ منزلا

من الشرف الأعلى و آتاه تقواه‏

و أكنفه لطفا به من رسوله

بوارق إشفاق عليه و رباه‏

و أرضعه أخلاف أخلاقه التي

هداه بها نهج الهدى فتوخاه‏

و أنكحه الطهر البتول و زاده

بأنك مني يا علي و آخاه‏

و شرفه يوم الغدير و خصه

بأنك مولى كل من كنت مولاه‏

و لو لم يكن إلا قضية خيبر

كفت شرفا فيما تراءت سجاياه‏

الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم ج1ص297 .

ورحم الله علي العاملي :‏

فآدم لما أن عصى زال فضله

و في هل‏ أتى‏ شكر الإمام على الرفد

و امرأتا نوح و لوط فخانتا

و نور الورى عن طهر فاطمة يبدي‏

الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم ج1ص230 .

ورحم الله الحر العاملي إذ قال :

أتت هل‏ أتى‏ مدحا له و لولده

و هم أهل بيت المصطفى أشرف الأهل

و في سورة الأحزاب نصا مصرحا

بفضلهم بل بالخلافة للكل‏

و مائدة في موضعين فيا لها

براهين لو ردّت فروع إلى الأصل‏

و كم مثلها من آية و رواية

و نص أتى بالقول فيهم و بالفعل‏

إثبات الهداة بالنصوص و المعجزات ج‏2ص345 .

و قوله من قصيدة طويلة:

و تصدق بالخاتم منه راكعا

فأثنى عليه اللّه في محكم الذكر

و أنزل فيه اللّه وحيا مفصلا

لذي هل‏ أتى‏ إذ قال يوفون بالنذر

إثبات الهداة ج3ص337ف53

 

ورحم الله الحر العاملي إذ قال :

و نور الظلام و كافي العظام‏

و مولى الأنام بنص الغدير

و يا مثل عيسى و صدّيقنا

و هارون موسى و ساقي الهجير

خليفة أحمد و السابق‏

القريب و ودّك أجر البشير

و في مدحكم قد أتى هل‏ أتى

و أنت الوصي الولي النصير

إثبات الهداة ج3ص344ف53 .

 

عناوين مفيدة :

لحضرتكم يا طيب صحيفة تفسير سورة هل أتى وشأنها الكريم في صحفة موقع قابلة للنسخ منها واللصق والمشاركة في المواقع الاجتماعية

صحيفة هل أتى (النص)

www.alanbare.com/25

كتاب الكتروني بي دي أف

www.alanbare.com/25/25.pdf

   سماع المحاضرة

www.alanbare.com/25/h

تنزل المحاضرة :

www.alanbare.com/25/25.mp3

 

تقبل الله أعمالكم وشكر سعيكم

مع تحيات وتهاني وتبريك مفعم بالمحبة والود

وأسألكم الدعاء والزيارة

خادم علوم آل محمد عليهم السلام

الشيخ حسن الأنباري

موسوعة صحف الطيبين

www.alanbare.com

www.alanbare.com/25/25.mp3

استمع للمحاضرة يا طيب في صفحة جميلة ، وبضع يدك الكريمة على الصفحة مكررا أو لفترة طويلة

تخرج الأنوار تشع ، ويعني أنك تحب الفرح والسرور بسورة هل أتى في شأن أهل البيت عليه السلام وشأن أهل البيت الكريم حين تظهر الأنوار بلمسها  www.alanbare.com/25/h

أو من

www.alanbare.com/25/25.mp3




  ف

       

ت